الحرب التجارية تطرق أبواب العالم.. وفرض الرسوم الأمريكية ينذر بأزمة اقتصادية عالمية شاملة
وأوضح الحازمي إن هذه الخطوة الحمائية، التي تبدو ظاهريًا كإجراء لحماية الصناعات المحلية، تحمل في طياتها مخاطر جمة على الاقتصاد العالمي لا يحمد عقباها. فمن المتوقع أن تؤدي هذه الرسوم إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج، وتقلص حجم التجارة الدولية، وتباطؤ نمو الاقتصادات الدولية. كما أنها قد تتسبب في إشعال فتيل حروب تجارية أخرى، مما يزيد من حالة عدم اليقين على مستوى عالمي، ويضر بالاستثمارات والاقتصادات الدولية.
وتابع الحازمي " وفي هذا المسلك والمنحدر الخطر، يصبح من الضروري على قادة العالم اليوم والمنظمات الدولية التحرك بشكل عاجل واستباقي تكاملي منسق للجهود، وأخذ الأمر على محمل الجد، لإيجاد حلول توافقية وتكاملية استباقية تحافظ على مصالح جميع الأطراف. فبدلاً من الانزلاق إلى هاوية الحمائية، يجب السعي إلى تعزيز التعاون الدولي، وتسهيل التجارة الحرة، ودعم الدول النامية، والتي بعضها يعاني حتى يومنا هذا من جائحة مرض فيروس كورونا ( كوفيد – 19). إن مستقبل الاقتصاد العالمي يتوقف على قدرتنا على تجاوز هذه التحديات، وبناء نظام تجاري عالمي أكثر عدالة واستدامة بدل ما ندق اليوم نقوس الخطر للخوض حروب تجارية سوف تكلفنا الكثير. حيث الحروب التجارية لا تقل أهمية عن الحروب العسكرية الفتاكة. ولا يستبعد ان تكون الحرب العالمية الثالثة حرب تجارية فتاكة وليست حرب عسكرية كما يعتقد البعض.
وفي معرض تحليله توقع الحازمي بشكل استباقي تأثير فرض رسوم جمركية مضادة بنسبة 10% على حوالي 100 دولة، وبناءً على المؤشرات الاقتصادية الراهنة وتصريحات وزير الخزانة الأمريكي. التأثير الأبرز والأكبر المتوقع هو تباطؤ الناتج المحلي الإجمالي (GDP). حيث نتوقع أن تؤدي الرسوم الجمركية إلى ارتفاع تكلفة السلع المستوردة، مما يقلل الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري. الشركات التي تعتمد على استيراد المواد الخام ستواجه تحديات إنتاجية كبيرة، مما يؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي. يشتد هذا التأثير إذا كانت الدول المستهدفة شركاء تجاريين رئيسيين للولايات المتحدة ، حيث قد ترد هذه الدول وبشكل معاكس بفرض رسوم مماثلة على السلع الأمريكية ، مما قد يؤدي إلى حرب تجارية شاملة وطاحنة. نأمل ألا نصل إلى هذا السيناريو، ولكن يجب علينا أن نضع في الاعتبار هذا الاحتمال عند تقييم الأثر الاقتصادي المحتمل، وهو من أهداف مقالنا هذا.
ورأي الحازمي أن يشهد معدل البطالة ارتفاعًا ملحوظًا نتيجة للتحولات والتقلبات الاقتصادية العالمية، ومنها الشركات التي تعتمد على التجارة الدولية ستواجه ضغوطًا متزايدة، مما قد يدفعها إلى تقليل عدد الموظفين كاستجابة طبيعية لانخفاض الطلب وارتفاع تكاليف الإنتاج. هذا التأثير سيكون أكثر وضوحًا في القطاعات التي تعتمد بشكل كبير على الاستيراد والتصدير، مثل الصناعات التحويلية والزراعية، والخدمات، بالإضافة إلى الصناعات الأخرى المرتبطة بها بشكل مباشر أو غير مباشر.
وأضاف " لا شك أنه ستتأثر هذه القطاعات بعدة عوامل، بما في ذلك التغيرات في أسعار الصرف، والتعريفات الجمركية، والسياسات التجارية الدولية. من المتوقع أن يؤدي ارتفاع تكاليف المواد الخام المستوردة إلى تقليل هوامش الربح للشركات، مما يضعف قدرتها على الحفاظ على نفس مستوى التوظيف. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي انخفاض الطلب العالمي إلى تقليل حجم الصادرات، مما يزيد من الضغوط على الشركات لتقليل حجم عملياتها.
وطالب الحازمي لمواجهة هذه التحديات، بقيام الشركات باتخاذ إجراءات استباقية لتعزيز قدرتها التنافسية وتقليل اعتمادها على التجارة الدولية. يمكن تحقيق ذلك من خلال الاستثمار في التكنولوجيا والابتكار لزيادة الكفاءة وتقليل التكاليف، وتنويع مصادر الإيرادات من خلال استهداف الأسواق المحلية والإقليمية. بالإضافة إلى كل ذلك، يجب على الحكومات اليوم تقديم الدعم اللازم للشركات المتضررة من خلال توفير برامج تدريب وتأهيل للعمالة، وتقديم حوافز ضريبية لتشجيع الاستثمار والتوظيف.
وتابع الحازمي " نتوقع تصاعد وتيرة التضخم كنتيجة مباشرة لزيادة الرسوم الجمركية، والتي ستؤدي حتمًا إلى ارتفاع تكلفة السلع المستوردة، ومن المعروف المؤشرات الاقتصادية الرئيسية مترابطة وتؤثر بعضها ببعض. طبعا هذا الارتفاع سينتقل بدوره إلى أسعار السلع والخدمات في السوق المحلية، مما يضغط على القدرة الشرائية للمستهلكين، وخاصة الأسر ذات الدخل المحدود. استراتيجيًا، هذا الوضع يستدعي اتخاذ تدابير استباقية لحماية هذه الفئة من المجتمع. يجب على الحكومات والمؤسسات المعنية العمل على تخفيف الأثر التضخمي من خلال سياسات اقتصادية متوازنة، مثل تقديم دعم مباشر للأسر الأكثر تضررًا، وتنويع مصادر الاستيراد لتقليل الاعتماد على الأسواق التي تشهد ارتفاعًا في الأسعار. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تحفيز الإنتاج المحلي لتعزيز الاكتفاء الذاتي وتقليل الحاجة إلى الاستيراد. على المدى الطويل، يجب أن تركز الاستراتيجية الاقتصادية على تعزيز النمو الشامل والمستدام، الذي يضمن توزيعًا عادلاً للثروة ويحمي الفئات الأكثر ضعفًا من الصدمات والأزمات الاقتصادية. هذا يتطلب استثمارات في التعليم والتدريب، وتحسين بيئة الأعمال، وتشجيع الابتكار وريادة الأعمال. فهي صمام الأمان في عصرنا المتشابك المتقلب الحالي.
وأضاف الحازمي " وتتجه الأنظار خلال الأسابيع القادمة نحو مؤشر اقتصادي بالغ الأهمية، ألا وهو أسعار الفائدة، وما سيترتب عليه من تداعيات حتمية. ففي ظل تصاعد الضغوط التضخمية، قد يجد البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي نفسه مضطرًا إلى استخدام سلاح رفع أسعار الفائدة، ولكن نتوقع بأن يقوم الفيدرالي بتثبيت الفائدة في اجتماعه القادم في 30 يوليو 2025 وهذا الارجح. حيث أن خطوة رفع الفائدة، وإن كانت ضرورية لكبح جماح التضخم، تحمل في طياتها مخاطر اخماد شعلة الاستثمار وإضعاف النمو الاقتصادي. هنا نتوقع يواجه الفيدرالي معضلة حقيقية، وهي هل يضع مكافحة التضخم على رأس أولوياته، أم يرجح كفة دعم النمو الاقتصادي؟ لا شك أن القرار النهائي سيعتمد على تقييم دقيق من جانب البنك الاحتياطي الفيدرالي للأولويات الاقتصادية وبناء على أداء المؤشرات الاقتصادية والأرقام، وهذا تحدث عنه السيد جيروم باول، رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، الذي بينه وبين فخامة الرئيس ترامب خلاف كبير على تخفيض أسعار الفائدة، مع الأخذ في الاعتبار السيناريوهات المحتملة وتداعياتها والتي ذكرناها على المدى القريب والبعيد. ففي عالم الاقتصاد، غالبًا ما تتطلب القرارات الصعبة موازنة دقيقة بين المخاطر والفرص بناءً على المدخلات الاقتصادية، وبناءً على المؤشرات والأرقام الاقتصادية.
وتابع " نتوقع بأن الميزان التجاري، كأحد المؤشرات الاقتصادية الهامة، قد يشهد تحسنًا سطحيًا في الأجل القصير نتيجة لانخفاض الواردات بفعل الرسوم الجمركية. ومع ذلك، يجب التنبه إلى أن هذا التحسن الظاهري قد يكون قصير الأمد من ناحية اقتصادية، إذ من المرجح أن تلجأ الدول الأخرى إلى فرض رسوم مماثلة على الصادرات الأمريكية ردًا على هذه الإجراءات والسياسات الاقتصادية المقلقة. هذا السيناريو، وإن تحقق، ونحن لا نستبعده، سيؤدي حتمًا إلى تدهور الميزان التجاري على المدى الطويل، مما يستدعي تبني رؤية استراتيجية استباقية. إن محاولة تحسين الميزان التجاري من خلال الرسوم الجمركية قد تنطوي على مخاطر جمة، لا يؤتمن عقبها. حيث يمكن أن تؤدي إلى توتر العلاقات التجارية الدولية وإشعال فتيل النزاعات التجارية، مما يستدعي البحث عن بدائل أكثر استدامة وشمولية لتحقيق التوازن التجاري المنشود.
وختم الحازمي " أخيرًا نتوقع أن تشهد مؤشرات ثقة المستهلك انخفاضًا ملحوظًا في الفترة القادمة، مدفوعة بعدة عوامل رئيسية. أيضا الرسوم الجمركية المتزايدة والتضخم المستمر نتوقع سوف يلقيان بظلالهما على توقعات المستهلكين بشأن مستقبل الاقتصاد، مما يقلل من استعدادهم للإنفاق ويزيد من حذرهم ومخاوفهم المالية. هذا الانخفاض الذي لا نستبعده في ثقة المستهلك ليس مجرد رقمًا إحصائيًا، بل هو مؤشر ينذر بتداعيات اقتصادية واسعة النطاق، حيث يمكن أن يؤدي إلى انكماش في مبيعات التجزئة وتباطؤ في النمو الاقتصادي العام. بالنظر إلى هذه المعطيات، نتوقع انخفاضًا في مبيعات التجزئة، حيث أن ارتفاع الأسعار وتراجع ثقة المستهلك سيؤديان حتمًا إلى تقليل الإنفاق على السلع والخدمات غير الضرورية. هذا التراجع في مبيعات التجزئة سيؤثر سلبًا على الشركات العاملة في هذا القطاع، مما قد يؤدي إلى تسريح العمال، واضعاف سوق العمل، وتقليل الاستثمارات، وحتى إغلاق المتاجر في الحالات الأكثر تضررًا. حيث نجد لمواجهة هذه التحديات، يجب على المنظمات اتخاذ خطوات استباقية واستراتيجية. ينبغي على المنظمات إعادة تقييم استراتيجيات التسعير والتسويق، والتركيز على تقديم قيمة مضافة للمستهلكين. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الحكومات والجهات التنظيمية النظر في اتخاذ إجراءات لدعم الاقتصاد، مثل تقديم حوافز ضريبية للمنظمات وتخفيف الأعباء المالية على المستهلكين. نجد الاستعداد المبكر والتحرك الاستباقي السريع هما المفتاح الحقيقي لتجاوز هذه الفترة الاقتصادية والتي نتوقع بأن تكون صعبة وعصيبة إذا لم نتأخذ سياسات اقتصادية استباقية رشيدة مدروسة.
إن فرض الولايات المتحدة لرسوم جمركية بنسبة 10% على واردات حوالي 100 دولة لا شك ينذر بتبعات اقتصادية وخيمة لا يحمد عقباها. هذه الخطوة قد تؤدي إلى تباطؤ ملحوظ في النمو الاقتصادي العالمي، وارتفاع في معدلات البطالة والتضخم، مما يهبط ثقة المستهلك ويقلل من مبيعات التجزئة. على المدى الطويل، نتوقع أن يتدهور الميزان التجاري الأمريكي، وأن تشوب العلاقات التجارية الدولية توترات عميقة، مما يستدعي الحذر وتجنب هذا السيناريو واتخاذ سياسات اقتصادية استباقية مدروسة في كافة جوانبها.
وننوه في مقالنا هذا بأن الحروب التجارية تمثل تهديدًا متزايدًا للاستقرار والأمن العالميين، حيث تتجاوز تأثيراتها مجرد الجوانب الاقتصادية لتطال العلاقات الدولية والأمن الإقليمي. هذه النزاعات، التي تتسم بفرض رسوم جمركية متبادلة وقيود تجارية، غالبًا ما تنشأ من خلافات حول الممارسات التجارية غير العادلة أو حماية الصناعات المحلية، لكنها سرعان ما تتفاقم لتصبح أدوات ضغط سياسي واقتصادي.
وكشف الحازمي أن أحد أبرز المخاطر يكمن في تدهور العلاقات الدولية. عندما تنخرط الدول في حروب تجارية، تتصاعد التوترات السياسية وتتآكل الثقة المتبادلة، مما يزيد من خطر نشوب صراعات دبلوماسية واقتصادية أوسع. هذا التوتر يمكن أن يمتد ليشمل قضايا أخرى غير تجارية، مما يعقد التعاون الدولي في مجالات حيوية مثل مكافحة الإرهاب. بالإضافة، تتسبب الحروب التجارية في اضطراب الاقتصاد العالمي. النمو الاقتصادي يتباطأ نتيجة لارتفاع التكاليف وتقلبات الأسواق، في حين أن الشركات والمستهلكين يعانون من ارتفاع الأسعار ونقص السلع. تعطيل سلاسل الإمداد العالمية يؤدي إلى نقص في المواد الخام والمنتجات النهائية، مما يزيد من حالة عدم اليقين ويؤثر سلبًا على الاستثمارات والوظائف. كما أن الحروب التجارية تؤدي إلى زعزعة الأمن الإقليمي. تفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية في بعض الدول يزيد من خطر عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، وربما يؤدي إلى نزاعات إقليمية. الدول التي تعتمد بشكل كبير على التجارة قد تجد نفسها في وضع اقتصادي هش، مما يزيد من احتمالية حدوث اضطرابات داخلية أو صراعات مع جيرانها. الحروب التجارية تشكل تهديدًا متعدد الأوجه للاستقرار والأمن العالميين، حيث تتداخل تأثيراتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لإنتاج بيئة عالمية أكثر تقلبًا وخطورة.
وقال الحازمي " نجد بأن العالم يدق نقوس الخطر، ونحذر بأن نأخذ احتياطاتنا وبشكل جدي، استباقي، وبمنظور اقتصادي استراتيجي، أمام مفترق طرق سوف يكون حاسم. فبينما تلوح في الأفق بوادر حرب تجارية عالمية، تشتد الحاجة إلى صوت العقل والحكمة. إن فرض رسوم جمركية مضادة بنسبة 10% على ما يقرب من 100 دولة، كما صرح وزير الخزانة الأمريكي، ليس مجرد إجراء وسياسة اقتصادية كما يعتقد البعض، بل هو قرار يدخل فيه الجانب السياسي، وكذلك الاجتماعي، ويحمل في طياته تداعيات واسعة النطاق. فبدلاً من الانزلاق إلى هاوية الحمائية، يجب على قادة العالم اليوم أن يتحلوا بروح التعاون والتفاوض، وبصوت الحكمة، وأن يسعوا جاهدين إلى إيجاد حلول مبتكرة تعزز التجارة الدولة العادلة والمتوازنة، وتحافظ على مصالح جميع الدول، خاصة تلك التي هي في أمس الحاجة إلى الدعم والمساندة. إن مستقبل الاقتصاد العالمي، بل ومستقبل السلام والازدهار اليوم، يعتمد على الخيارات التي نتخذها نحن. فلنجعلها خيارات حكيمة ومستنيرة، ترتكز على الحوار والتفاهم بحكمة ورشد، وتضع مصلحة الإنسانية جمعاء فوق كل اعتبار في وقت يدق فيه العالم نقوس الخطر، والمتضرر الأكبر من الحروب التجارية سوف يكون العالم بأسره. لن يفلت منها " أي دولة" كائنا من كان".
الدكتور علي محمد الحازمي خبير الاقتصاديات الدولية

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الوئام
منذ ساعة واحدة
- الوئام
الصين تفرض قيودا على واردات الأجهزة الطبية من الاتحاد الأوروبي
قالت وزارة المالية الصينية يوم الأحد إنها ستفرض قيودا على واردات الأجهزة الطبية من الاتحاد الأوروبي التي تتجاوز قيمتها 45 مليون يوان (6.3 مليون دولار). وأضافت الوزارة أن الصين ستفرض قيودا أيضا على واردات الأجهزة الطبية من الدول الأخرى التي تحتوي على مكونات مصنوعة في الاتحاد الأوروبي تزيد قيمتها على 50 بالمئة من قيمة العقد. وتدخل الإجراءات حيز التنفيذ اعتبارا من يوم الأحد.


الوئام
منذ 3 ساعات
- الوئام
الاقتصاد العالمي على المحك مع اقتراب انتهاء مهلة ترامب الجمركية
بعد ثلاثة أشهر من الغموض والقلق في الأسواق العالمية، تقترب المهلة التي منحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للاتفاقيات التجارية من نهايتها، ما يمهد الطريق لعودة محتملة للرسوم الجمركية 'المتبادلة' التي لوّح بها سابقًا. وتنتهي يوم الأربعاء المقبل فترة السماح البالغة 90 يومًا، والتي جُمّدت خلالها قرارات فرض الرسوم من جانب واحد، في انتظار إبرام صفقات جديدة مع شركاء تجاريين رئيسيين. ومع انقضاء هذه المهلة، يصبح بمقدور ترامب تفعيل سياسات جمركية حمائية يراها ضرورية لتقليص العجز التجاري الأمريكي وتحفيز التصنيع المحلي. وتثير هذه التطورات مخاوف من تأثيرات سلبية على النظام التجاري العالمي، الذي بُني طيلة عقود على خفض الحواجز التجارية والامتثال لقواعد منظمة التجارة العالمية. ويرى مراقبون أن العودة إلى فرض رسوم أحادية قد تؤدي إلى اضطرابات اقتصادية وتوترات دبلوماسية مع شركاء واشنطن التجاريين، من بينهم الاتحاد الأوروبي، والصين، وفيتنام. وكان ترامب قد وقّع في الرابع من يوليو الجاري قانون 'One Big Beautiful Bill' خلال حفل رسمي في البيت الأبيض، وسط تأكيده أن أمريكا 'لن تقف مكتوفة الأيدي بينما تُستغل في التجارة الدولية'. ويترقب المستثمرون حول العالم تداعيات انتهاء المهلة، وسط تقارير عن فشل بعض المفاوضات في التوصل إلى اتفاقات شاملة، ما يزيد من احتمالات التصعيد الجمركي في الأيام المقبلة.


Independent عربية
منذ 12 ساعات
- Independent عربية
حري بأوروبا ألا تقف موقف المتفرج في الشرق الاوسط
نادراً ما لعب الاتحاد الأوروبي أكثر من دور مساعد في الجهود الرامية إلى حل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، على رغم وجوده متعدد الوجوه في المنطقة. على مدى العقدين الماضيين، أصبحت الحكومات الأوروبية تعتقد أن تحقيق حل الدولتين بات أمراً شبه مستحيل، ولا يستحق إنفاق مزيد من الوقت والجهد عليه. وبالنسبة إلى عديد من الأوروبيين، بدا دعم الوضع الراهن داخل إسرائيل، خلال وقت يجري فيه إدانة بعض أفعالها بالقول وحده، أمراً ممكناً. لكن الواقع لم يكن كذلك. فمع تجاهل أوروبا وبقية العالم، أصبح الفشل في تأمين سلام دائم يتمتع فيه كل من الإسرائيليين والفلسطينيين بحق تقرير المصير أمراً مكلفاً للغاية. قد تتردد بعض الحكومات الأوروبية في التدخل في شؤون الدول الأخرى، وهو أمر مبرر، بسبب تاريخها الاستعماري، إلا أن أوروبا لم تعد قادرة على تحمل ثمن المضي في الوقوف موقف المتفرج من صراع بدأت أحدث حلقاته بهجوم "حماس" المروع خلال السابع من أكتوبر (تشرين الأول) على إسرائيل، واستمر مع حرب الحكومة الإسرائيلية المدمرة على غزة والتصعيد بين إسرائيل وإيران. ليس أمن أوروبا على المحك فحسب، بل الأهم من ذلك أن تاريخ الأوروبيين يفرض عليهم واجب التدخل للرد على انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي. علاوة على ذلك، لدى الاتحاد الأوروبي ما يميزه في مرحلة ما بعد الحرب على غزة، خبرة لا يملكها أي طرف آخر، وهي دروس عملية دفع ثمنها خلال القرن الـ20، حول كيفية كسر دوامة الحروب المستمرة، والتعاون مع خصوم الأمس من أجل تحقيق السلام والازدهار. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وللإنصاف، فإن كثيراً من القادة الأوروبيين دعوا الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء إلى لعب دور أكثر فاعلية في صنع السلام، وقد بدأ بعضهم بالفعل في تكثيف جهوده الفردية. لكن ما يحتاج إليه الاتحاد الأوروبي هو خطة موحدة. ويمكن لمجموعة من المبادئ، ولدت من خمسة أعوام من محاولة قيادة سياسة أوروبية غير متحدة تجاه الشرق الأوسط، أن ترشد هذه الجهود، فعلى الاتحاد الأوروبي أن يتحمل مسؤوليته التاريخية تجاه المنطقة، وأن يستخدم نفوذه المالي، الذي لم يُستغل بعد. عليه أن يقدم دعماً ملموساً على الأرض لمن يسعون إلى السلام، وأن يواجه المعطلين لهذا المسار من جميع الأطراف. عليه أيضاً أن يحمي من يسعون إلى كشف الحقائق على الأرض، وأن يدعم عمل الأمم المتحدة ويثبت التزامه الدائم بالقانون الدولي. لكن، قبل كل ذلك، لا بد أن يتجاوز الاتحاد الأوروبي العقبات الداخلية التي تفرضها مواقف دوله الأعضاء المتباينة تجاه إسرائيل. واجب الرعاية يتحمل الأوروبيون مسؤولية جسيمة عن الصراعات التي تعصف حالياً في الشرق الأوسط. فنحن الجناة الأصليون والشركاء التاريخيون [في الجريمة]، مذنبون ضمنياً في المأساة التي بدأت فصولها تتكشف قبل عقود. فمنذ العصور الوسطى في الأقل، كنا خلقنا صدمة تسهم في تعزيز شعور الشعب اليهودي بالضعف. وفي القرن الـ19، أدت التيارات القوميات الأوروبية المعادية للسامية والشعارات الاستعمارية إلى ظهور الصهيونية كحركة وطنية علمانية. وفي أعقاب سقوط الإمبراطورية العثمانية قسمت القوى الأوروبية المنطقة، وفرضت باستهتار حدوداً بين أجزائها وفاقمت الانقسامات المحلية، واستغلت مواردها الطبيعية. وخلال عام 1917 صدر وعد بلفور الذي نص على حماية "الحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية في فلسطين"، لكن القادة الأوروبيين لم يوفوا بهذا الوعد. لقد مهد كل ذلك الطريق أمام ما يعده كثر أبشع جريمة في تاريخ البشرية، الهولوكوست. تلزم هذه الفصول المظلمة الأوروبيين بمنع إبادة إسرائيل، تلك الملاذ الآمن الذي التجأ إليه اليهود في أعقاب المحرقة النازية. ولكن إذا كانت أوروبا تتحمل المسؤولية عن ضحاياها، فإن عليها أن تتحمل أيضاً المسؤولية حيال ضحايا ضحاياها. بعد انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وحرب استقلال إسرائيل عام 1948 ونزوح مئات الآلاف من العرب الفلسطينيين من ديارهم أو طردهم عنها، لم يعارض الأوروبيون فشل الأمم المتحدة في تنفيذ خطة التقسيم التي كانت ستقوم بإنشاء وطن في فلسطين لكل من الشعبين. وعلى رغم أن فتيل حرب الأيام الستة عام 1967 كان أضرم من قبل كل جيران إسرائيل، فإن الأوروبيين أخفقوا بعد الحرب في وقف احتلال الحكومة الإسرائيلية المتمدد خلسة للأراضي الفلسطينية، ومولوا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ارتكبتها القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية. ومع اقتراب القرن الـ20 من نهايته، اكتفى الاتحاد الأوروبي بلعب دور "الوسيط المحايد" –ظاهرياً– تاركاً للولايات المتحدة زمام المبادرة في عملية أوسلو، مكتفياً بتقديم دعم غير كاف للسلطة الفلسطينية، وتحويل نفسه إلى وجهة مفضلة للسياحة والصادرات الإسرائيلية. وأسهم هذا الموقف في تأبيد المشكلة، إذ أدار الأوروبيون ظهورهم لانتهاكات المستوطنين والجنود الإسرائيليين لحقوق الفلسطينيين، وتجاهلوا تطلعات الفلسطينيين المشروعة. لا يمكن لأوروبا أن تظل "الطيب الساذج" في هذه المأساة، توزع الأموال وعيونها مغمضة. لكن لا يمكن للأوروبيين ببساطة أن يعتمدوا على نزعة أخلاقية لكي يملوا على الآخرين ما يجب عليهم فعله. وينبغي بهم التأكيد أن من مصلحتهم أيضاً، ليس فقط المساعدة في بناء مستقبل يتسم بالاستقرار لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين، ولكن أيضاً الضغط بقوة على كل من الحكومة الإسرائيلية للقيام بدورها، والسلطة الفلسطينية لإدانة العنف وتبني إصلاحات ديمقراطية مستدامة. يلهب الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني المشاعر ويؤجج الاستقطاب داخل الدول الأوروبية، نظراً إلى وجود إرث تاريخي مشترك. وهو يقوض بصورة متزايدة الأسس التي يقوم عليها النظام الدولي الذي يعتز به الأوروبيون ويعتمدون عليه. وإذا لم نتحمل مسؤوليتنا تجاه هذا الصراع، فإنه سيفرض نفسه علينا. لا يوجد صراع خارجي آخر يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتاريخ الأوروبي. إن الاتحاد الأوروبي ككل، وليس فقط الدول الأعضاء بصورة منفردة، في حاجة إلى أن يصبح أكثر جرأة في التعامل مع هذا الصراع. إفراط في الحذر كثيراً ما اعتمد الأوروبيون على القيادة الأميركية آملين أنها ستحل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. إن التمسك بهذا الأمل أمر لا ينم عن موقف مسؤول خصوصاً خلال الوقت الحالي. ويشعر كثر في أوروبا أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب غير قادر ولا يرغب في العمل كوسيط فعال. ولكن بغض النظر عن الدور الذي تسعى الولايات المتحدة إلى أن تلعبه في الشرق الأوسط، فإن للأوروبيين دورهم الفريد، لأنهم تعلموا بصورة مباشرة أنه على رغم الصورة المشوهة "للآخر" التي قد يسعى السياسيون إلى إبرازها، فإن معظم الناس يرغبون في العيش بسلام مع جيرانهم. ومع ذلك، يمكن لظروف خاصة أن تسمح بأن تكون اليد الطولى للمتطرفين. منذ السابع من أكتوبر، استخدم الاتحاد الأوروبي أدواته التقليدية داخل المنطقة التي تراوح من الوسائل الاقتصادية إلى الخطاب المعياري، ولكن على نحو حذر ومن دون اتساق. فقد زاد الاتحاد من مساعداته لغزة بصورة كبيرة، إذ تعهد بتقديم نحو 125 مليون دولار عام 2024، بما في ذلك من خلال وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين والهلال الأحمر، ولكن دون ضمانات كافية بأن هذه المساعدات ستصل إلى المستهدفين بها. ودعا مرة تلو أخرى إلى وقف إطلاق النار واحترام القانون الدولي. وأصدر أحدنا، بوريل، عدداً من البيانات التي دان فيها هجمات "حماس" القاتلة وردود الفعل الإسرائيلية غير المتناسبة تماماً عليها. تتمتع أوروبا بنفوذ في الشرق الأوسط لكنها لم تجرؤ حتى الآن على استخدامه بفاعلية بيد أن الانقسامات الداخلية بين الدول الأعضاء قوضت فعالية الاتحاد الأوروبي. فقد دعم بعض قادة الاتحاد الأوروبي بصورة حذرة تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية، بينما رفض آخرون مثل النمسا وألمانيا تنفيذ أوامر الاعتقال الصادرة ضد المسؤولين الإسرائيليين. كما أن دول الاتحاد بدءاً من ألمانيا وهنغاريا لم تتفق على إعادة النظر في سياسة الاتحاد التجارية مع إسرائيل، مما عنى بقاء الاتحاد الأوروبي كأكبر شريك تجاري لإسرائيل. ونتيجة لذلك، همش الاتحاد الأوروبي ككتلة موحدة، إذ بقي منقسماً داخلياً، وتجاوزته الولايات المتحدة وجهات إقليمية مثل مصر وقطر في جهود الوساطة لوقف إطلاق النار. ألم يكن من المفترض أن يلعب الاتحاد الأوروبي هو الآخر دور الوسيط؟ إن الخبرة التي راكمها الاتحاد الأوروبي على مدار عقود في التوصل إلى تسويات سلمية بين خصوم الأمس، بطريقة تقوم على فلسفة الاعتراف المتبادل ورفض الهيمنة، تضفي على الاتحاد أهمية خاصة. كما أن لديه الأدوات العملية اللازمة لأداء دور أكثر محورية في صنع السلام داخل الشرق الأوسط. وللحصول على فهم كامل لهذا النفوذ، ستحتاج دائرة العمل الخارجي الأوروبية، وهي الوكالة الدبلوماسية للاتحاد الأوروبي، إلى تفعيل عدد من القرارات التي طرحها مجلس الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي على مر الأعوام، إضافة إلى المبادئ التوجيهية التي وضعتها مفوضية الاتحاد الأوروبي لاستراتيجية شاملة للشرق الأوسط 2024-2029. وللوفاء بهذه المناشدات، سيتعين على الاتحاد الأوروبي أن يستخدم بصورة كاملة مجموعة الأدوات القانونية والمالية والتجارية والسياسية والتنظيمية المتاحة له، بغية التأثير في وسائل الضغط ونقاطه الحالية. يمتلك الاتحاد الأوروبي نفوذاً هائلاً لكنه لم يجرؤ حتى الآن على استخدامه بفاعلية. وإلى حد ما، فإن لهذا مبرراته التاريخية، بالنظر إلى السجل الطويل للقارة في مجال إساءة استخدام السلطة. ولكن عندما يتعلق الأمر بحماية قيمهم الأساس ومصالحهم الحيوية من التهديدات الخارجية، يجب ألا يتردد الأوروبيون في استخدام نفوذهم بصورة جيدة. تغيير الدولة على الصعيد الدبلوماسي، ينبغي لدول الاتحاد الأوروبي أن تبدأ بتطبيق المبدأ الذي يقوم عليه الاتحاد نفسه، الاعتراف المتبادل وهو المبدأ الجوهري للنظام القائم على الدولة الذي تأسس في أوروبا خلال القرن الـ18، وأسهم خلال الـ80 عاماً الماضية في تحويل القارة إلى مشروع سلام. دعت الجماعة الاقتصادية الأوروبية، التي سبقت الاتحاد الأوروبي، للمرة الأولى إلى منح الفلسطينيين حق تقرير المصير عام 1980. وعلى رغم أن 14 دولة من أصل 27 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي تعترف الآن بدولة فلسطين، فإن الاتحاد الأوروبي سيكون أكثر فاعلية بكثير إذا اعترفت كل دوله الأعضاء بما في ذلك أكبرها، أي فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبولندا، بدولة فلسطين ضمن حدود عام 1967 مع تبادل للأراضي متفق عليه بين الطرفين. وهذه الخطوة ستكون بعيدة كل البعد من كونها مكافأة لـ"حماس"، إذ ستؤدي إلى تمكين المعتدلين من جميع الأطراف الذين يناصرون الحلول الدبلوماسية بدلاً من المتطرفين الذين يدعون إلى العنف. وعوضاً عن انتظار المفاوضات لتمهيد الطريق نحو إقامة الدولة، يجب على الاتحاد الأوروبي التأكيد أن إقامة الدولة هي نفسها السبيل إلى المفاوضات. على الاتحاد الأوروبي أن يساعد في تصميم سلطة انتقالية دولية لغزة وتمويلها ريثما تُنقل السلطة إلى أهل القطاع وإلى جانب الاعتراف، ومن أجل أن يكون مطلب وقف إطلاق النار ذا صدقية، يجب على الاتحاد أن يعزز دعمه لبناء مؤسسات الدولة الفلسطينية، بما يشمل الضغط على السلطة الفلسطينية لتصبح أكثر فاعلية ومساءلة وديمقراطية، لا سيما أن الاتحاد الأوروبي هو أكبر ممول لها. وهذا التزام تجاه الشباب الفلسطيني الذي طالما عبر عن غضبه من فساد قيادته. ويتعين على الأوروبيين بعد ذلك ترجمة التزامهم حل الدولتين إلى قيادة مشتركة مع الدول العربية. ويمكن الاعتماد على التحالف العالمي لتنفيذ حل الدولتين، الذي أنشئ في الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال سبتمبر (أيلول) 2024، بصورة أفضل بهدف تطوير حوافز تدعم معسكر السلام وتشجيع دول أخرى داخل الشرق الأوسط على الاعتراف أخيراً بإسرائيل التي تقوم جنباً إلى جنب دولة فلسطينية. ولن تنجح حوكمة ما بعد الحرب في غزة إلا إذا تمكن الفلسطينيون من تقرير مصيرهم بأنفسهم. وينبغي على الاتحاد الأوروبي أن يساعد في تصميم سلطة انتقالية دولية لغزة وتمويلها ريثما تُنقل السلطة إلى أهل القطاع، على غرار مبادرات الأمم المتحدة السابقة داخل كمبوديا وتيمور الشرقية. ويجدر بأوروبا أن تتخذ موقفاً أكثر صلابة تجاه الجهات التي تنتهك حقوق ممولي المساعدات الأوروبية لديها ومصالحهم من خلال تدمير أو مصادرة البنية التحتية الممولة من قبل الاتحاد الأوروبي في الضفة الغربية وغزة. وفي المقابل، ينبغي أن تهدف أجندة الاتحاد الأوروبي إلى كسر اعتماد سكان غزة الكامل على المعونات الخارجية، والعمل على تعزيز معايير إعادة الإعمار. ويمكن للاتحاد، بل يجب عليه، أن يكون في صدارة جهود إعادة إعمار غزة، لما لديه من خبرة في تقنيات البناء المستدام والصديق للبيئة. ويجب أن يساعد في حشد المجتمع الدولي ضد أية محاولة لاقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، سواء عبر التهجير أو الضم أو النقل القسري أو الترحيل الجماعي. ويتعين على أوروبا أن تستثمر بصورة أكبر وأكثر فاعلية في دعم منظمات المجتمع المدني التي تناضل من أجل تحقيق السلام بروح الاحترام المتبادل والتعاطف والاعتراف. ويتعين على الاتحاد الأوروبي ككل، وليس فقط الدول الأعضاء منفردة، أن يسلط الضوء على الجهود اللافتة التي تبذلها منظمات المجتمع المدني الإسرائيلية والفلسطينية –مثل "تحالف السلام في الشرق الأوسط"، و"نساء يصنعن السلام"، و"نساء الشمس"، و"منتدى عائلات دائرة الأهالي"، و"كسر الصمت"، و"بتسيلم"، إضافة إلى العملية التي أفضت إلى إعلان برشلونة لعام 2024 بعنوان "إنسانيتنا المشتركة"– وأن يذيع هذه الجهود داخل إسرائيل والعالم العربي على حد سواء. ويجب على أوروبا أن تعارض بشدة الاقتراح الإسرائيلي بفرض ضريبة بنسبة 80 في المئة على المساعدات الخارجية المقدمة لمنظمات السلام، خلال وقت تواجه فيه أوروبا الضغوط على منظمات المجتمع المدني التي تعارض القيادة الفلسطينية. وعملياً، وحين يصبح الوقت مناسباً، يمكن للاتحاد الأوروبي أن يدعم عقد "جمعية مواطنين من أجل السلام" تضم مجموعة مختارة عشوائياً من الإسرائيليين والفلسطينيين، يجتمعون على أرض محايدة لأشهر عدة من أجل رسم طريق نحو السلام. وبدأت أوروبا في تنظيم مثل هذه الجمعيات خلال العقد الماضي، وحققت نتائج واعدة. وآن الأوان لإعطاء شعوب الشرق الأوسط دوراً أكبر في رسم مستقبلهم بأنفسهم. تأثير المخربين من أهم الدروس التي تعلمتها أوروبا من حروبها التي استمرت لقرون عدة أن العلاقات الدولية ليست لعبة محصلتها صفر [التي تنتهي بفوز طرف وهزيمة الآخر]. غير أن أوروبا، ولفترة طويلة، فشلت في تطبيق هذا الدرس في مواجهة من يبددون الجهود داخل الشرق الأوسط المصممين على تحويل مسار عملية السلام. لقد صنف الاتحاد الأوروبي، عن حق، "حماس" والجهاد الإسلامي الفلسطيني وجماعات أخرى ككيانات إرهابية قبل أكثر من 20 عاماً. بيد أنه لم يكد يفعل شيئاً لمعاقبة المستوطنين الإسرائيليين الذين يرتكبون أعمال عنف ضد الفلسطينيين. علاوة على ذلك، لم يتخذ الاتحاد الأوروبي أي إجراء حتى الآن في مواجهة جرائم الحرب الإسرائيلية داخل غزة. ويؤدي هذا الضغط غير المتوازن في النهاية إلى تقوية المخربين على جانبي الصراع. فالمتطرفون الذين يفلتون من العقاب يشعرون بالتبرير والتشجيع، أما الذين يتعرضون للضغط، فيستغلونه لكسب تعاطف قواعدهم الشعبية. يمكن للاتحاد الأوروبي توجيه رسالة قوية إلى حكومة إسرائيل ومواطنيها بتعليق الأحكام التجارية لاتفاق الشراكة بين الطرفين يعد الاتساق أمراً بالغ الأهمية في عالم السياسة المليء باتهامات بازدواجية المعايير. ولا يمكن للاتحاد الأوروبي فرض حظر على استيراد المنتجات من المناطق التي تحتلها روسيا داخل أوكرانيا، والتهرب من تطبيقه على منتجات المستوطنات غير الشرعية في الضفة الغربية. كما لا يمكن للاتحاد الأوروبي دعوة الدول الأخرى إلى احترام مذكرة توقيف المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والإعلان خلال الوقت نفسه عن عدم تنفيذ مذكرة التوقيف نفسها ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. يمكن للاتحاد الأوروبي تصحيح هذا الوضع، إذ يستطيع، على سبيل المثال، إلغاء إعفاءات التأشيرات لسكان المستوطنات، وتطبيق حظر دخول فردي على نطاق منطقة شينغن. في الواقع، بفرض متطلبات التأشيرة على فلسطينيي الضفة الغربية فحسب، وليس على المستوطنين الذين يعيشون هناك، يصبح الاتحاد الأوروبي متواطئاً في نظام أشبه بنظام الفصل العنصري. والأهم من ذلك، يمكن إعادة النظر في اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وهي الإطار القانوني المركزي الذي يحكم العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل منذ عام 2000. وتوفر المادة الثانية من هذه الاتفاق أساساً قانونياً لإعادة النظر في بنود الاتفاق رداً على انتهاكات حقوق الإنسان. وأثبت تحقيق أجراه أخيراً مبعوث الاتحاد الأوروبي لحقوق الإنسان حصول هذه الخروق بوضوح. وانضمت 17 دولة عضو إلى إيرلندا وإسبانيا في الدعوة إلى إعادة تقييم الاتفاق. أولاً، وكحد أدنى، يمكن للاتحاد الأوروبي اتخاذ خطوات أولية مثل الشروع في مراجعة رسمية للاتفاق، أو تعليق اجتماعات القمة والاتصالات السياسية رفيعة المستوى بين القادة الأوروبيين والإسرائيليين، أو تجميد مشاركة إسرائيل في بعض برامج الاتحاد الأوروبي مثل برنامج "إيراسموس بلس" الذي يدعم التعليم. والأهم من ذلك، يمكن للاتحاد الأوروبي توجيه رسالة قوية إلى حكومة إسرائيل ومواطنيها بتعليق الأحكام التجارية للاتفاق، وهو ما يعني عملياً إيقاف العمل بالرسوم الجمركية التفضيلية الإسرائيلية. وتماشياً مع الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية لعام 2024 الذي يحذر الدول "من الدخول في معاملات اقتصادية أو تجارية مع إسرائيل" من شأنها "ترسيخ وجودها غير القانوني" في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ينبغي على الاتحاد الأوروبي أيضاً حظر الواردات كافة من المستوطنات غير القانونية، أي الواردات التي تقع أصلاً خارج نطاق اتفاق الشراكة. على الاتحاد الأوروبي أن يوضح أنه لن يتسامح مع محاولات ترهيب المحاكم الدولية وعلى رغم أن تعليق الاتفاق برمته يتطلب موافقة بالإجماع من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، فإن معظم الخبراء في الدائرة القانونية بالمفوضية الأوروبية يؤكدون أن تعليق أحكامها التجارية يتطلب تصويت غالبية مؤهلة فحسب، إذ يمكن اعتماد سياسات تُبُنِّيت من جانب 55 في المئة من الدول التي تمثل 65 في المئة في الأقل من إجمال سكان الاتحاد الأوروبي. ونظراً إلى أن الاتحاد الأوروبي لم يعلق أحكام التجارة التفضيلية إلا مع ميانمار وكمبوديا، فإن مثل هذه الخطوة ستكون ذات أهمية رمزية بالغة. ولا ينبغي أن يمنع أي شيء مفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس من دعم مثل هذه الخطوة داخل مجلس الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي المقبل خلال يوليو (تموز). لحظة الحقيقة يجب على الاتحاد الأوروبي أيضاً التمسك بقيمه من خلال دعم التدفق الحر للمعلومات التي تستند إلى الحقائق. لقد حرمت "حماس" وسائل الإعلام من استقلاليتها من خلال مضايقة واحتجاز الصحافيين وفرض الرقابة على الذين ينتقدون منهم أفعالها أو حكمها. وفي غزة، فرضت حكومة نتنياهو أطول فترة تعتيم إعلامي في تاريخ الصحافة الحديثة. وقُتل في القطاع عدد من الصحافيين يفوق ما سجل في أي نزاع مسلح سابق. وتواصل إسرائيل رفض التعاون مع المحققين المكلفين من الأمم المتحدة، متجاهلة الأوامر القضائية الملزمة الصادرة عن محكمة العدل الدولية. إن خطاب الكراهية، والتحريض والخطاب العنصري، علاوة على التضليل الإعلامي والتلاعب بالروايات على الإنترنت تغذي كلها نزعة معاداة السامية، وأيضاً كراهية العرب والمسلمين. يتمتع الاتحاد الأوروبي بالفعل بسلطات تنظيمية قوية على شركات التواصل الاجتماعي، ويمكنه بذل مزيد من الجهود لتفكيك غرف الصدى الرقمية [صفحات على الإنترنت وتحديداً التواصل الاجتماعي يعيش المرء فيها في فقاعة من الآراء التي يتبناها] من خلال إلزام هذه الشركات بالكشف عن خوارزمياتها وتكييفها. كثيراً ما نسمع حجة تقول إنه "لا يمكن وضع دولة ديمقراطية على قدم المساواة مع جماعة إرهابية". من حيث المبدأ، يبدو هذا منطقياً تماماً. لكن عندما يتصل الأمر بسيادة القانون، فإن حجة عدم التكافؤ تنهار. هناك سبب لكون العدالة معصوبة العينين، ولماذا يكون الجانبان متساويين مع بعضهما بعضاً، ولماذا ينبغي أن تكون المحاكم مستقلة عن السياسة. ينبغي على القضاة أن يعاينوا الفعل لا الفاعل. يجب على الاتحاد الأوروبي أن يوضح بصورة أكبر أنه لن يتسامح مع محاولات ترهيب المحاكم الدولية. فالتهديدات والعقوبات الأخيرة ضد مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية من قبل إسرائيل والولايات المتحدة تشكل تحدياً مباشراً للنظام القانوني متعدد الأطراف الذي يدعي الاتحاد الأوروبي أنه يدعمه. الأزمة الإسرائيلية-الفلسطينية أظهرت مدى سهولة شل قدرة الاتحاد الأوروبي على اتخاذ قرارات حاسمة في شأن القضايا الخلافية على رغم أن قانون الحظر الصادر عن الاتحاد الأوروبي عام 1996 لا يزال ساري المفعول، فإن طريقة تطبيقه أصبحت قديمة. ولقد صُمم في الأصل من أجل حماية شركات الاتحاد الأوروبي من العقوبات الأميركية المفروضة خارج الحدود الإقليمية، مثل تلك التي تستهدف كوبا أو إيران. ولم يجر تعديله بحيث يصبح قادراً على حماية مؤسسات على شاكلة المحكمة الجنائية الدولية، أو موظفيها الذين يتخذون من الاتحاد الأوروبي مقراً لهم، من تدابير قسرية مماثلة. ويجب أن ينص قانون الحظر المنقح بصورة صريحة على هذه الأحكام، وأن يضمن أن تكون البنية التحتية القانونية والدبلوماسية للاتحاد قادرة على مقاومة الضغوط التي تتجاوز الحدود الإقليمية. ويتعين على الاتحاد الأوروبي أن ينظر في فرض عقوبات محددة من قبيل حظر السفر وتجميد الأصول وذلك ضد الأفراد والكيانات، سواءً كانت حكومية أو غير حكومية، التي تسعى إلى عرقلة أو نزع الشرعية عن آليات العدالة الدولية. ومن شأن هذه الخطوة أن تثبت أن الاتحاد الأوروبي مستعد لكي يقرن خطابه الداعم للنظام القائم على القواعد بالفعل من خلال وضع تدابير رادعة ملموسة. فرق تسد لكن قبل أي شيء آخر، يحتاج الأوروبيون إلى خوض نقاش صريح حول المشكلة الجوهرية التي يتجاهلونها، أي انقسامهم عندما يتعلق الأمر بإدانة إسرائيل أو الاعتراف بدولة فلسطينية. لقد منع هذا الانقسام الاتحاد الأوروبي من استخدام نفوذه الهائل لتحقيق نتائج جيدة. وأبرزت حرب غزة عجز الاتحاد الأوروبي المقلق عن اتخاذ القرارات خلال الوقت المناسب، حتى عندما تتوافر موافقة غالبية كبيرة من الدول الأعضاء. على سبيل المثال، وعلى رغم أن غالبية دول الاتحاد الأوروبي أيدت دعوة لوقف إطلاق النار خلال أكتوبر ونوفمبر (تشرين الثاني) 2023، فإن الاتحاد الأوروبي لم يستطع التصرف بصورة حازمة. ولا يمكن لأوروبا أن تدافع عن القيم التي تؤمن بها من دون تحسين آليات اتخاذ القرار فيها. بعض الإصلاحات لا تتطلب تعديلاً في معاهدات الاتحاد. فالسياسة الخارجية والأمنية المشتركة للاتحاد الأوروبي حالياً تشترط الإجماع التام لاتخاذ قرارات تتعلق بالشؤون العسكرية أو الدفاعية، أو العقوبات، أو معظم مواقف السياسة الخارجية. لكن الدول الأعضاء بإمكانها أن تقر التحول إلى نظام التصويت بالغالبية المؤهلة في بعض مجالات السياسة الخارجية، على رغم أن اتخاذ هذا القرار نفسه يتطلب الإجماع. وكبديل عن ذلك، ولتجاوز التردد الذي يبدر عن بعض الدول الأعضاء، يمكن لمجموعة أصغر إنشاء ما يسمى السياسة الخارجية والأمنية المشتركة "بلس"، أو ما يمكن أن يكون إضافة إلى السياسة الخارجية والأمنية المشتركة. وتسمح الأحكام الحالية المتعلقة في شأن تعزيز التعاون في المادة 20 من معاهدة الاتحاد الأوروبي لتسع دول أعضاء في الأقل، بأن تتفق مع بعضها بعضاً على استخدام أدوات معينة في السياسة الخارجية لا تتعلق بالدفاع. وباعتبار أن مثل هذا الإجراء لم يتخذ من قبل على الإطلاق، فسيجب على هذه الدول استكشاف ما ستتيح لها السياسة الخارجية والأمنية المشتركة "بلس" أن تفعله عملياً. لكن من المرجح أنها ستكون قادرة على استخدام أدوات الاتحاد الأوروبي في مجالات التجارة والمساعدات والنفوذ السياسي بصورة أكثر حسماً. لقد أظهرت الأزمة الإسرائيلية-الفلسطينية مدى سهولة شل قدرة الاتحاد الأوروبي على اتخاذ قرارات حاسمة في شأن القضايا الخلافية. وفي سبيل تحقيق مصلحة السياسة الأوروبية وكذلك الشرق الأوسط، فقد آن الأوان للتغلب على التأثير المعطل لنظام الفيتو الذي تملكه الدول الـ27. قد يسهل هذا التغيير بدوره على الاتحاد الأوروبي المساعدة في تصميم خطة سلام تضم آراء كل الأطراف المعنية في المنطقة. إذا استطاعت غالبية الدول الأعضاء الالتفاف حول رؤية أكثر فاعلية، فقد تحذو بقية الدول حذوها. لقد سلك الأوروبيون خلال الماضي طريق الحرب ليصلوا لاحقاً إلى التعايش المستقر ثم إلى الازدهار المتبادل. ويجب أن نسمح لأنفسنا بالأمل في أن يلهم تاريخنا الحديث جيراننا للمضي في طريقهم نحو السلام. جوزيب بوريل فونتيليس هو النائب السابق لرئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي والممثل السامي للاتحاد، ووزير الخارجية الإسباني السابق. كاليبسو نيكولايديس تشغل كرسي الأستاذية في الشؤون الدولية بكلية فلورنسا للحوكمة العابرة للحدود في المعهد الجامعي الأوروبي. وعملت سابقاً في جامعات هارفرد وأكسفورد والمدرسة الوطنية للإدارة، وقدمت استشارات لهيئات الاتحاد الأوروبي، وهي مؤلفة مشاركة لكتاب "دليل المواطن لسيادة القانون". مترجم عن "فورين أفيرز" 27 يونيو (حزيران) 2025