
جايير بولسونارو "ترامب المناطق الاستوائية"
وصل إلى السلطة عام 2018 مدفوعا بموجة من الغضب الشعبي عقب فضيحة فساد كبرى هزت الطبقة السياسية في البلاد بعدما قدّم نفسه "مرشحا معارضا" في مواجهة النخب التقليدية.
وأثار الجدل أثناء فترة حكمه بخطابه الشعبوي وتصريحاته الحادة بشأن قضايا الهجرة والبيئة وحقوق الأقليات، كما لقّب إعلاميا بـ"ترامب المناطق الاستوائية" نظرا لتشابه أسلوبه في الخطاب السياسي مع خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
في أواخر 2024 وجهت إليه الشرطة الفدرالية البرازيلية اتهامات رسمية بتدبير مؤامرة انقلابية تهدف إلى تعطيل نتائج انتخابات 2022 التي خسرها لصالح الرئيس السابق لولا دا سيلفا.
وأعلن ترامب مطلع يوليو/تموز 2025 دعما واضحا لبولسونارو ضد الاتهامات التي طالته عندما فرض رسوما جمركية إضافية بنسبة 50% على الواردات البرازيلية، ضغطا منه لإسقاط الاتهامات عن حليفه السابق.
المولد والنشأة
ولد جايير ميسياس بولسونارو يوم 21 مارس/آذار 1955 في مدينة غليسيريو -التي تبعد بنحو 490 كيلومترا غرب مركز ولاية ساو باولو- لأسرة تنحدر من أصول إيطالية هاجرت إلى البرازيل مطلع القرن الـ20.
نشأ بولسونارو في بيئة ريفية بسيطة ضمن أسرة كبيرة، إذ كان الثالث بين 6 أبناء لوالده بيرسي جيرالدو بولسونارو ووالدته أولندا بولسونارو.
انتقلت أسرته للعيش في بلدة إلدورادو (تبعد نحو 240 كيلومترا جنوب مدينة ساو باولو)، حيث مارس والده مهنة طب الأسنان من دون شهادة علمية في ظل غياب هذا التخصص الطبي بالمنطقة الفقيرة، وبعد وصول أطباء أسنان متخصصين ومعتمدين إلى البلدة حوّل عمله إلى صناعة أطقم الأسنان.
الحياة الشخصية والأسرية
تزوج بولسونارو 3 مرات وله 5 أبناء، وكان زواجه الأول من روغيريا نانتس براغا التي أنجبت له 3 أبناء هم فلافيو وكارلوس وإدواردو، أما زواجه الثاني فكان من آنا كريستينا فالي وأنجبت ابنا واحدا يدعى رينان.
وفي عام 2007 تزوج زوجته الثالثة ميشيل دي باولا فيرمو رينالدو، ورزق منها بابنتهما لورا.
له 3 حفيدات، اثنتان من ابنه فلافيو وواحدة من ابنه إدواردو.
الدراسة والتكوين العلمي
تلقى تعليمه في مدارس حكومية محلية، وأظهر أثناء دراسته الثانوية اهتماما بالشؤون العسكرية والسياسية، وهو ما أهّله للالتحاق بالمدرسة الإعدادية للجيش البرازيلي عام 1973 ثم "الأكاديمية العسكرية أغولاس نيغراس" في ريو دي جانيرو عام 1974، والتي تخرّج فيها ضابطا بسلاح المدفعية عام 1977.
المسيرة العسكرية
استهل بولسونارو مسيرته العسكرية ضابطا في مجموعة المدفعية الميدانية 9 بولاية ماتو غروسو دو سول، ثم انتقل إلى مجموعة المدفعية الميدانية 21 ومجموعة المدفعية الميدانية 8 مظليين في ريو دي جانيرو.
واصل لاحقا دراسته في مدرسة التدريب البدني للجيش، وفي عام 1987 التحق بدورة المدفعية المتقدمة في مدرسة تأهيل الضباط.
برز اسم بولسونارو لأول مرة في العلن عام 1986 عندما كتب مقال رأي نشرته مجلة "فيجا" البرازيلية واسعة الانتشار انتقد فيه بشكل مباشر تدني رواتب الضباط العسكريين، مما أثار جدلا واسعا داخل المؤسسة العسكرية، وتلقى على إثره توبيخا رسميا من رؤسائه بتهمة الإخلال بالانضباط الواجب داخل المؤسسة، في حين لقي دعما كبيرا من بعض زملائه الضباط وأسر العسكريين الذين رأوا في موقفه تعبيرا صادقا عن معاناتهم.
بعدها وُجهت إليه تهمة أخرى أثارت ضجة إعلامية أكبر، إذ ذكرت المجلة نفسها في أكتوبر/تشرين الأول 1987 أنه خطّط مع زميل له لتفجير وحدات عسكرية احتجاجا على تخفيض الميزانية.
ورغم إدانته إداريا من مجلس عسكري داخلي فإن المحكمة العسكرية العليا برأته لاحقا بأغلبية الأصوات، مشيرة إلى تناقض الأدلة المقدمة.
وبعد هذه القضية غادر بولسونارو الجيش في ديسمبر/كانون الأول 1988 برتبة نقيب، ليبدأ مسيرته السياسية مباشرة في العام التالي.
اقتحام المعترك السياسي
ولج بولسونارو الحياة السياسية بانتخابه عام 1989 عضوا في مجلس مدينة ريو دي جانيرو، وفي عام 1991 انتقل للظهور على الساحة الوطنية بفوزه بمقعد في مجلس النواب الفدرالي بعد ترشحه لتمثيل المدينة، وهو المنصب الذي حافظ عليه لـ7 ولايات متتالية حتى 2019.
عُرف بولسونارو بتصريحاته الحادة والمدافعة عن الحكم العسكري الذي حكم البرازيل بين 1964 و1985، كما اتخذ مواقف وصفت بـ"المحافظة والمتشددة" إزاء قضايا عدة، مثل الإجهاض والهجرة والشذوذ الجنسي، مما أثار جدلا واسعا داخل البرازيل وأدى إلى اتهامه من طرف طيف واسع من البرازيليين بـ"التطرف والعنصرية".
التنقل بين الأحزاب
تنقّل بولسونارو بين أحزاب سياسية عدة بمسارات مختلفة وتحالفات متغيرة، فقد دخل الحياة السياسية في بداياته عام 1989 باسم الحزب الديمقراطي المسيحي، ثم انتقل عام 1993 إلى الحزب التقدمي الذي اندمج لاحقا عام 1995 مع حزب آخر ليشكلا معا "الحزب التقدمي البرازيلي".
وفي عام 2003 غيّر انتماءه مجددا، فانضم إلى حزب العمال البرازيلي، ثم انتقل عام 2005 إلى حزب الجبهة الليبرالية، لكن سرعان ما غادره ليعود إلى الحزب التقدمي الذي بقي في صفوفه إلى غاية 2016، قبل أن ينضم في يناير/كانون الثاني 2018 إلى الحزب الاجتماعي الليبرالي.
السباق نحو قصر بلانالتو
خاض بولسونارو الانتخابات الرئاسية عام 2018 تحت يافطة الحزب الاجتماعي الليبرالي، وهو حزب يميني محافظ اكتسب شعبية واسعة بعد انضمام بولسونارو وإعلان ترشحه للرئاسيات باسمه.
أضفى بولسونارو طابعا عسكريا على حملته الانتخابية باختياره للجنرال المتقاعد هاميلتون موراو نائبا له، مما ساعد في استقطاب أصوات شرائح تؤيد دورا أكبر للمؤسسة العسكرية في الحياة السياسية.
كما استقطبت حملته دعما واسعا من شرائح اجتماعية مختلفة، بمن في ذلك المسيحيون الإنجيليون الذين دعموا مواقفه المحافظة، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية مثل الإجهاض والشذوذ الجنسي.
أثناء الحملة الانتخابية تعرّض بولسونارو لمحاولة اغتيال طعنا بمدينة جويز دي فورا في 6 سبتمبر/أيلول 2018، مما استدعى خضوعه لعملية جراحية أنقذت حياته.
واستكمل حملته الانتخابية من المستشفى معتمدا على حضوره القوي في وسائل التواصل الاجتماعي حيث حظي بمتابعة واسعة.
بعد انسحاب دا سيلفا من السباق بقرار قضائي في سبتمبر/أيلول 2018 تقدم بولسونارو في الجولة الأولى يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول محرزا نحو 46% من الأصوات، مقابل 29% لمنافسه المباشر فيرناندو حداد.
واستفاد بولسونارو من حالة الاستياء العام التي عمت البلاد بسبب قضايا الفساد السياسي وتفشي الجريمة، مما ساعده على تحقيق فوز كبير في الجولة الثانية من الانتخابات في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2018، إذ حصل على أكثر من 55% من الأصوات متفوقا على منافسه فرناندو حداد مرشح حزب العمال، وأصبح بذلك الرئيس المنتخب للبرازيل.
سياسات مثيرة للجدل
تبنى بولسونارو أثناء ولايته الرئاسية سياسات محافظة ومثيرة للجدل، مركزا على قضايا الأمن ومكافحة الجريمة، إذ اتبع نهجا صارما في مواجهة العصابات والعنف المنتشر في البلاد.
اقتصاديا، انتهج بولسونارو توجهات السوق الحر، فدعم الإصلاحات الاقتصادية وتبنى سياسات تهدف إلى خفض عجز الميزانية وتحفيز النمو رغم معارضة واسعة من قطاعات شعبية والتنظيمات النقابية.
وعلى الصعيد الدولي، شهدت فترة حكمه تحولا في السياسة الخارجية، إذ عمل على تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة أثناء السنوات الأخيرة لولاية ترامب الأولى، كما تميزت بدعم قوي لإسرائيل ، مما أثار ردود فعل متباينة داخل وخارج البرازيل.
ومن جهة أخرى، واجه بولسونارو انتقادات حادة بسبب طريقة إدارته جائحة "كوفيد-19″، إذ قلل من خطورتها وانتقد القيود الصحية، مما أدى إلى تدهور الوضع الصحي وزيادة عدد الوفيات، مما أثار احتجاجات شعبية وانتقادات من المجتمع الدولي.
كما شهدت ولايته توترات حادة بينه وبين مؤسسات القضاء والكونغرس (البرلمان البرازيلي)، إضافة إلى خلافات مع وسائل الإعلام، مما زاد الاستقطاب السياسي والاجتماعي في البلاد.
رئاسيات 2022 وخطاب التشكيك
مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المقررة في أكتوبر/تشرين الأول 2022 قاد بولسونارو حملة ضد نظام التصويت الإلكتروني المعتمد في البرازيل منذ عام 2000، زاعما دون تقديم أدلة ملموسة أنه "يفتقر إلى الشفافية وقد يستخدم لتزوير النتائج".
وجاء هذا الموقف في سياق تراجع شعبيته وفقا لاستطلاعات الرأي، وزيادة التوتر السياسي في البلاد، فسعى بولسونارو إلى حشد قاعدته المحافظة بشأن فكرة "الدفاع عن نزاهة الانتخابات"، وطالب بإعادة العمل بآليات التحقق المطبوع للأصوات، معتبرا أن التصويت الإلكتروني وحده لا يكفي لضمان الشفافية.
واتهمه معارضوه باستلهام هذا النهج من خطاب الرئيس الأميركي ترامب بعد انتخابات 2020 في الولايات المتحدة، حين لجأ إلى التشكيك المسبق في النتائج باعتباره وسيلة للضغط السياسي وحشد المؤيدين في مواجهة المؤسسات القضائية والانتخابية التي كانت تؤكد سلامة النظام الإلكتروني.
وأظهرت نتائج الانتخابات الرئاسية في الجولة الأولى يوم الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2022 تقدم دا سيلفا بنحو 48% من الأصوات على حساب بولسونارو الذي حل ثانيا بنسبة 43%.
وفي جولة الإعادة يوم 30 من الشهر ذاته فاز دا سيلفا بفارق ضئيل، إذ حصل على نسبة 51% من الأصوات مقابل 49% لبولسونارو.
وأثمرت حملة التشكيك في نزاهة التصويت الإلكتروني التي سبقت الانتخابات، فخلقت حالة من الانقسام العميق داخل المجتمع البرازيلي، ودفعت أنصار بولسونارو إلى رفض الاعتراف بالنتائج وخرجوا في مظاهرات واسعة شملت إغلاق الطرق والمطالبة بتدخل الجيش.
وفي 8 يناير/كانون الثاني 2023 اقتحم آلاف المتظاهرين مبنى الكونغرس الوطني والمحكمة العليا والقصر الرئاسي في أحداث مماثلة لاقتحام الكابيتول الأميركي عام 2021.
وفي ظل هذه الأوضاع رفض بولسونارو الاعتراف رسميا بالهزيمة، لكنه أشار إلى استعداده للتعاون في عملية انتقال السلطة.
اتهامات بمحاولة انقلاب
في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 وجهت الشرطة الفدرالية البرازيلية اتهامات رسمية إلى بولسونارو وأكثر من 30 شخصا معه، في إطار تحقيق موسع بشأن مؤامرة لقلب نتائج انتخابات 2022.
وأعدت الشرطة الفدرالية تقريرا من 900 صفحة بشأن هذه الاتهامات وأحالته إلى المحكمة العليا البرازيلية، وفي فبراير/شباط 2025 أقر النائب العام الفدرالي باولو جونت الاتهامات رسميا أمام المحكمة، متهما بولسونارو بقيادة منظمة سعت إلى إبطال نتائج الانتخابات عبر إعلان "حالة حصار" تعطل عمل السلطات التشريعية والقضائية من أجل أن تبقي عليه في الحكم بصفة غير دستورية.
وردّ بولسونارو على الاتهامات بالنفي، واصفا إياها بمحاولة سياسية لتشويه سمعته، ورفض التعاون مع التحقيقات، مطالبا بوقف ما وصفها بـ"الملاحقة السياسية".
وعلى الصعيد الشعبي، شهدت مدن برازيلية عدة مظاهرات مؤيدة لبولسونارو طالبت بإسقاط الاتهامات، ووصفت التحقيق بأنه "مطاردة سياسية".
في المقابل، أكد القضاة الموكلون بالملف على استقلالية القضاء وثبات الإجراءات القانونية المتبعة دون أي تدخّل سياسي، وجاء هذا التأكيد أثناء استئناف جلسات المحكمة العليا للنظر في القضية مطلع مارس/آذار 2025 عقب رفض المحكمة طلبا لدفاع المتهمين يلتمس فيه نقل القضية إلى هيئة موسعة.
دخول ترامب على خط الاتهامات
دخل الرئيس الأميركي ترامب على خط قضية بولسونارو أوائل يوليو/تموز 2025 حين أعلن فرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 50% على واردات البرازيل إلى الولايات المتحدة اعتبارا من الأول من أغسطس/آب من العام نفسه، احتجاجا على ما وصفها بـ"حملة مطاردة شعواء" تستهدف الرئيس البرازيلي السابق بولسونارو.
وفي رسالة وجهها إلى نظيره البرازيلي دا سيلفا، اعتبر ترامب أن الملاحقات القضائية بحق بولسونارو تمثل "وصمة عار عالمية"، مطالبا بإنهاء هذه "المطاردة" فورا، مضيفا أن "الطريقة التي تعامل بها البرازيل رئيسها السابق غير مقبولة، ويجب أن تتوقف فورا".
وفي رد رسمي أعلن الرئيس البرازيلي دا سيلفا أن "أي زيادة أحادية في الرسوم الجمركية ستقابل برد في إطار قانون المعاملة بالمثل"، واعتبر تصريحات ترامب بشأن محاكمة بولسونارو "تدخلا في الشؤون الداخلية".
كما استدعت السلطات البرازيلية القائم بالأعمال الأميركي غابرييل إسكوبار بهدف تقديم تفسيرات، بعد بيان أصدرته السفارة في 9 يوليو/تموز 2025 وكررت فيه الدعم الذي أعلنه ترامب لبولسونارو.
الجوائز والأوسمة
حصل بولسونارو على عدد من الجوائز والأوسمة، أغلبها أثناء فترة توليه رئاسة البرازيل:
وسام ريو برانكو بدرجة الصليب الأكبر والقائد الأعلى في الأول من يناير/كانون الثاني 2019.
وسام الاستحقاق في مجال الدفاع بدرجة الصليب الأكبر والقائد الأعلى في 8 يناير/كانون الثاني 2019.
وسام الاستحقاق العسكري بدرجة الصليب الأكبر والقائد الأعلى في 16 يونيو/حزيران 2019.
وسام الاستحقاق البحري بدرجة الصليب الأكبر والقائد الأعلى في 8 يناير/كانون الثاني 2019.
وسام الاستحقاق الجوي بدرجة الصليب الأكبر والقائد الأعلى في 3 يناير/كانون الثاني 2019.
الطوق الكبير لوسام الاستحقاق القضائي العمالي في 13 أغسطس/آب 2019.
وسام الاستحقاق القضائي العسكري بدرجة الصليب الأكبر في 28 مارس/آذار 2019.
ميدالية التميز "ماوا" في 15 في أغسطس/آب 2019.
ميدالية صانع السلام في 5 ديسمبر/كانون الأول 2018.
إعلان
كما حصل على جوائز وتكريمات أخرى:
تم اختياره ضمن قائمة مجلة تايم لأكثر 100 شخصية مؤثرة عالميا في عامي 2019 و2020.
حصل على لقب شخصية العام 2019 من غرفة التجارة البرازيلية الأميركية.
في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 أعلنته سلطات مدينة أنغويارلا فينيتا بإيطاليا -مسقط رأس جده من جهة الأب- مواطنا فخريا.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
الأجدر بجائزة نوبل أكثر من ترامب
في أحدث فصول مسابقة؛ "لا يمكن اختلاق هذا الهراء" في السياسة والدبلوماسية العالمية، رشّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب لجائزة نوبل للسلام. بعبارة أخرى، الشخص الذي يشرف حاليًا على الإبادة الجماعية للفلسطينيين في قطاع غزة، اقترح أن تُمنح أرفع جائزة عالمية في إحلال السلام للشخص الذي يُعد الممكّن الرئيسي لتلك الإبادة- الرجل الذي أعلن في مارس/ آذار أنه "يرسل لإسرائيل كل ما تحتاجه لإنهاء المهمة" في غزة. وشمل ذلك "الكل" مليارات الدولارات من الأسلحة الفتاكة والمساعدات الأخرى. منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وحتى الآن، قُتل رسميًا ما يقارب 60 ألف فلسطيني في هذا القطاع الصغير، رغم أن العدد الحقيقي للضحايا أكثر بلا شك نظرًا لوجود عدد كبير من الجثث المفقودة تحت الأنقاض المنتشرة في كل مكان. وقد قُتل أكثر من 700 فلسطيني خلال الأسابيع الأخيرة أثناء محاولتهم الحصول على الطعام في مواقع توزيع المساعدات التي تديرها "مؤسسة غزة الإنسانية"، وهي منظمة مدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل معًا. ومنذ عودته إلى منصبه في يناير/ كانون الثاني، لم يقصّر ترامب في ممارسة أفعال بعيدة كل البعد عن السلام، مثل قصف المدنيين في اليمن دون تمييز، وشن هجمات غير قانونية على إيران. في الواقع، من العجيب أن وسائل الإعلام استطاعت أن تنقل نبأ ترشيح ترامب لجائزة نوبل للسلام بصورة جادة. فعلى سبيل المثال، تلاحظ قناة CNN أن "الجائزة أصبحت هوس ترامب الأقصى، الذي يقول إنها مستحقة بجدارة نظرًا لجهوده في إنهاء الصراعات حول العالم". وقد أُبلغ ترامب بترشيحه يوم الاثنين، عندما زار نتنياهو البيت الأبيض لتناول العشاء، في ثالثة زيارة له إلى واشنطن هذا العام. وبعد أن شكر نتنياهو على الشرف، قال ترامب: "واو… أن تأتي منك أنت بالتحديد، فهذا أمر له مغزى كبير". ورغم أن "له مغزى" قد يكون وصفًا ملائمًا من وجه ما، فإن هذا التعبير لا يُعبّر تمامًا عن مدى عبثية هذا الترتيب كله. ومع ذلك، ليس الأمر كما لو أن جائزة نوبل للسلام تتمتع بسجل ناصع فيما يخص التقيّد بشرط منحها لمن "قام بأفضل أو أكبر عمل في سبيل الأخوّة بين الأمم، أو إلغاء أو تقليص الجيوش القائمة، أو عقد وتعزيز مؤتمرات السلام". ففي عام 2009، مُنحت الجائزة المرموقة لرئيس الولايات المتحدة الجديد آنذاك باراك أوباما، الذي واصل تعزيز "الأخوّة" الدولية عبر قصف أفغانستان، وباكستان، وليبيا، واليمن، والصومال، والعراق، وسوريا. كما أدار أوباما "قوائم قتل" سرية، خوّل نفسه من خلالها صلاحية تنفيذ اغتيالات عسكرية خارجية حسب أهوائه الشخصية. ومن بين المستفيدين الآخرين من جائزة نوبل للسلام كان رئيس كولومبيا اليميني السابق خوان مانويل سانتوس، الذي ذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في عام 2013 أنه "يفتخر" بأن بلاده تُدعى "إسرائيل أميركا اللاتينية". وخلال عمله وزيرًا للدفاع في عهد الرئيس السابق الدموي ألفارو أوريبي، تورّط سانتوس في فضيحة "الإيجابيات الكاذبة"، التي شهدت مقتل ما يُقدّر بأكثر من 10 آلاف مدني كولومبي على يد الجنود، الذين قدّموهم لاحقًا على أنهم "إرهابيون". وبالنظر إلى براعة إسرائيل في ذبح المدنيين تحت شعار محاربة "الإرهاب"، فإن المقارنة بين البلدين كانت ملائمة تمامًا. وماذا تعرف؟ قائمة الحائزين جائزة نوبل للسلام تشمل أيضًا السياسي الإسرائيلي الراحل شمعون بيريز، الذي فاز بها مناصفة في عام 1994- قبل عامين فقط من إشرافه على مذبحة 106 لاجئين كانوا يحتمون بمجمّع تابع للأمم المتحدة في قانا بلبنان. وفي عام 2021، رُشح صهر ترامب جاريد كوشنر لجائزة نوبل للسلام على يد الأستاذ السابق في كلية الحقوق بجامعة هارفارد آلان ديرشوفيتز، الذي كرس جزءًا كبيرًا من مسيرته القانونية لتبرير قتل إسرائيل المدنيين العرب. وفي هذه الحالة، استند ترشيح كوشنر إلى دوره البارز في إنتاج "اتفاقيات أبراهام" التي طبّعت العلاقات بين إسرائيل وعدة دول عربية. والآن بعد أن أصبح التطبيع مع الإبادة الجماعية أمرًا معتادًا، اقترح ترامب أن تتولى الولايات المتحدة السيطرة على قطاع غزة، وتُجلي بالقوة سكانه الفلسطينيين الأصليين، وتحوّله إلى "ريفييرا الشرق الأوسط" الجديدة. على أي حال، كل هذا مجرد جزء من المهام اليومية لمرشح لجائزة نوبل للسلام. وفي تغطيتها اللقاء في واشنطن- بعنوان: "نتنياهو يفاجئ ترامب بترشيح نوبل بينما يناقش الزعيمان إجلاء سكان غزة"- ذكرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" أن "نتنياهو قال إن الضربات الأميركية والإسرائيلية ضد إيران قد غيّرت وجه الشرق الأوسط، وخلقت فرصة لتوسيع اتفاقيات أبراهام". فبالنهاية، لا شيء يُعبّر عن "الأخوّة بين الأمم" أكثر من إزالة فلسطين بالكامل. وفي تأمله للهجوم المفرط على إيران الذي نال بسببه ترشيح جائزة السلام، قارن ترامب فعله بإيجابية بقرار الرئيس الأميركي هاري ترومان، إلقاءَ قنابل نووية على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين خلال الحرب العالمية الثانية. ومن البديهي القول إن أي شخص يستحضر بإيجابية قصف مئات الآلاف من المدنيين بالقنابل النووية، يجب أن يكون غير مؤهل على الإطلاق لنيل أي نوع من الجوائز المرتبطة بالسلام. لكن في عالم يُستخدم فيه السعي الظاهري نحو السلام ذريعةً للمزيد من الحروب، فقد يكون ترشيح ترامب ذا "معنى كبير"، بالفعل.


جريدة الوطن
منذ 6 ساعات
- جريدة الوطن
لا توقعات من لقاء ترامب ونتنياهو
يرى المحلل السياسي يوسي ميكلبرج إن من المتوقع دائما أن تتمخض أي زيارة يقوم بها أي مسؤول إسرائيلي كبير للبيت الأبيض عن نتائج، بالنسبة لكل من العلاقات بين هاتين الدولتين والشرق الأوسط برمته. ولكن الاجتماعات التي عقدت الأسبوع الماضي بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء بنيامن نتانياهو لم تتمخض تقريبا عن أي نتائج. وقال ميكلبرج، وهو زميل استشاري أول، في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تقرير نشره معهد تشاتام هاوس (والمعروف رسميا باسم المعهد الملكي للشؤون الدولية)، إنه الرغم من التوقعات بحدوث اختراق، لم يظهر أي اتفاق بشأن وقف إطلاق النار في غزة. ولدى ترامب ونتنياهو اعتقاد قوى - مستقل أساسا كل منهما عن الآخر،و متزامن أحيانا، بأن لديهما القدرة على إحداث تحول في عملية إعادة تشكيل المنطقة برمتها إن لم يكن العالم كله، إلى الأبد. ورغم أن لديهما شكوكا على نحو متبادل، فإنهما يعتقدان أنهما يعرفان الكيفية التي يستطيع من خلالها كل منهما الاستفادة من الآخر.وكمثال معبر عن ذلك، قدم نتانياهو لترامب خطاب ترشيح لجائزة نوبل للسلام، قائلا إن الرئيس الأميركي «يصنع السلام في الوقت الذي نتحدث فيه». وكان الرد المفاجئ لترامب - أنه قال «أن يأتي الخطاب منك بصفة خاصة،فإن هذا ذو مغزى كبير»- معبرا عن طبيعة العلاقات التي أقامها الطرفان فيما بينهما. وأضاف ميكلبرج أن القمم تثير توقعات،بصفة خاصة عندما تكون المخاطر عالية للغاية. ولكن اجتماعا ثالثا بين الرجلين منذ أن عاد ترامب إلى البيت الأبيض تمخض عن نتائج ضئيلة للغاية. ولم يكن ترامب مستعدا لممارسة ضغط علني على نتانياهو لدفعه للتحرك بشعور الحاجة الملحة صوب وقف لإطلاق النار في غزة.وبدلا من ذلك، كان هناك تعليق غامض من ترامب بأنه يعتقد أن المحادثات لإنهاء الحرب في غزة تمضي قدما على مايرام،معلنا أن حماس مهتمة بالتوصل إلى اتفاق. وقللت مصادر إسرائيلية من شأن أي توقع بإعلان فوري عن اتفاق، وصرحت للصحفيين بأنه تمت الموافقة على 90 % من الاتفاق، ولكنها قالت للصحفيين إن المفاوضات تتطلب مزيدا من الوقت. ولكي توافق إسرائيل على إنهاء الحرب، فإنها تريد الاحتفاظ بوجود عسكري طويل المدى في قطاع غزة. كما أنها تريد أيضا ضمانات بشأن عدد الرهائن الذين سوف يتم الإفراج عنهم في أي مرحلة، وتريد نفي قيادة حركة حماس ونزع سلاح الحركة. وسوف يكون هذا أمرا صعبا في أي وقت. ووجد الوسطاء أن من الصعب بصفة خاصة ايجاد صيغة مقبولة في ظل خلفية سياسية يبدو فيها الزعماء من كلا الجانبين للكثيرين أنهم يقاتلون من أجل بقائهم السياسي وليس لمن أجل القضايا التي تخدم بلادهم بشكل أفضل. واستدرج نتانياهو ترامب، الذي أعلن نفسه أنه صانع سلام، إلى استخدام القوة العسكرية ضد إيران. ويعطي هذا ترامب بعض المصداقية في الشارع في منطقة قاسية بوصفه أنه ليس خائفا من استخدام القوة عندما تحين الفرصة، وكشخص أوقف الحرب بين إسرائيل وإيران في اليوم التالي. وربما لا يزال لدى الرئيس طموحات لمخطط إقليمي كبير، تعود فيه إيران إلى طاولة المفاوضات وتوافق على اتفاق يحد من قدرتها على تخصيب اليورانيوم ويخضعه لعمليات تفتيش صارمة.ومن المرجح أن ترامب ما يزال يرغب في توسيع نطاق الاتفاقيات الإبراهيمية، التي كانت الإنجاز الأكبر لفترة ولايته الأولى، ليشمل دولا أخرى. ولكن لكي تحدث كل هذه الأشياء، سوف يتطلب الأمر اتفاقا لإنهاء الحرب في قطاع غزة وإعادة إعمار القطاع الساحلي المدمر وربما عملية تحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس حل الدولتين. وهنا يوجد حقل الألغام من السياسات الفلسطينية والإسرائيلية.وحتى الآن نتانياهو لا يمكنه تحقيق وقف لإطلاق نار طويل المدى رغم حقيقة أن معظم الإسرائيليين يؤثرون رؤية عودة كل الرهائن إلى وطنهم وإنهاء الحرب، على تحقيق الهدف المراوغ وهو القضاء التام على حماس.ويعتمد نتانياهو على العناصر الدينية والقومية شديدة التطرف داخل حكومته للحفاظ على تماسك إئتلافه،وهم يعارضون بشدة وقف الحرب. وبدلا من ذلك فإنهم يدعمون إعادة الاحتلال الكامل لقطاع غزة، وإعادة بناء المستوطنات الإسرائيلية في القطاع التي كان قد تم إخلاؤها وتدميرها في عام 2005 وضم الضفة الغربية، وتابع ميكلبرج أن هذه الأحزاب الإسرائيلية اليمينية المتطرفة تشعر بالتشجيع من خلال تكرار ترامب المستمر لفكرة إخراج معظم الفلسطينيين في غزة، إن لم يكن جميعهم والتي ذكرها الأسبوع الماضي مع نتانياهو. ويشعر رئيس الوزراء الإسرائيلي أيضا بالتمكين من خلال دعوة ترامب بوقف محاكمة نتانياهو بالفساد والتي اعتبرها ترامب، دون أي دليل يذكر، بمثابة «حملة اضطهاد»، (ويدفع نتانياهو ببرائته وينفي ارتكاب أي مخالفة) وفي الحقيقة، وعلى خلفية قصف إيران ودعم ترامب، يبدو أن حسابات نتانياهو بشأن موقفه السياسي الداخلي الهش حتى الآن قد تغيرت. ويبدو أن نتانياهو دخل في أجواء الانتخابات في الأيام الأخيرة بدون أن يتم بالفعل الدعوة إلى الانتخابات. وأظهرت زيارة البيت الأبيض مكانة نتانياهو الدولية ونفوذه لدى الحليف الأوثق لإسرائيل، وتحسن موقف نتانياهو في استطلاعات الرأي نتيجة للحرب مع إيران وربما يضع في حساباته أن إجراء انتخابات في وقت ما في الخريف ربما تكون أفضل رهان للبقاء في السلطة ومن المحتمل ألا يتم الزج به في السجن إذا تم إدانته بالفساد.وربما يدفع إنهاء الحرب في غزة مع عودة الرهائن الباقين وإظهار دعم ترامب الواضح واتفاق نووي جديد محتمل بين الولايات المتحدة وإيران، سوف ينسب الفضل فيه إليه، نتانياهو للاعتقاد بأنه مازال هناك شعور داخله بتحقيق نصر انتخابي. واختتم المحلل تقريره بالقول إنه إذا كان هناك أي سياسي في إسرائيل يعتقد بأنه يمكنه تحويل الانتكاسات إلى نصر في انتخابات عامة، فإن هذا السياسي هو بنيامين نتانياهو.


الجزيرة
منذ 7 ساعات
- الجزيرة
محللان: نتنياهو يريد مفاوضات تثبت وقائع عسكرية وتهجر الغزيين
واصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية – تصريحاته بشأن مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى الجارية بقطر، مما يثير تساؤلات وتكهنات بشأن ما يسعى إليه هذا اليميني الأطول بقاء بالسلطة في تاريخ إسرائيل. وقال نتنياهو إنه يوافق على صفقة التبادل فقط "إذا كانت جيدة" أما الصفقات السيئة فلن يقبل بها، متحدثا عن "ضرورة أن تُحكم غزة من قبل أشخاص لا يريدون تدمير إسرائيل". وتتزامن تصريحات نتنياهو مع ما نقلته صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية عن مصادر أميركية لعائلات الأسرى قولها إن الرئيس دونالد ترامب سئم من الحرب في غزة، لكن نتنياهو تمكن من كسب وقت إضافي. وتركز المفاوضات بين وفدي المقاومة الفلسطينية وإسرائيل على الخرائط المقترحة لنشر القوات الإسرائيلية داخل غزة، في وقت يحاول فيه الوسطاء إيجاد حلول من شأنها سد الفجوات المتبقية، والحفاظ على زخم المفاوضات، حسب هيئة البث الإسرائيلية. وقبل يومين، قال نتنياهو إنه وافق على مقترح المبعوث الرئاسي الأميركي ستيف ويتكوف ، ثم النسخة التي اقترحها الوسطاء لإنجاز صفقة تبادل، زاعما أن حركة حماس هي التي رفضتهما، وأكد تمسكه بشرط إعادة الأسرى والقضاء على حماس. ويبدو أن سيل التصريحات التي يطلقها نتنياهو مؤخرا ليس سوى ذرائع وتعبيرات وهمية عن مسألة الحكم العسكري وتهجير الغزيين، وفق حديث الباحث بالشؤون السياسية سعيد زياد لبرنامج "مسار الأحداث". وتمنح خرائط الانسحاب المعدلة سيطرة أمنية واسعة لإسرائيل خاصة على شارع صلاح الدين الذي يربط شمال قطاع غزة بجنوبه، وكذلك السيطرة على حياة الناس. ورغم تراجع نسبة انتشار قوات الاحتلال في قطاع غزة من 36% إلى 28% خلال الهدنة المفترضة، فإن النسبة الجديدة تبقى منطقة جغرافية معزولة في الجنوب، وسيطرة عسكرية إسرائيلية على مناطق حيوية شمالي القطاع وشرقه. وفي هذا السياق، ذكر موقع "أكسيوس" أن المفاوضين الإسرائيليين قدموا خرائط محدثة تتضمن تقليصا إضافيا لوجود الجيش في الجزء الجنوبي من القطاع. وبموجب الخرائط الجديدة، ستبقى القوات الإسرائيلية في منطقة لا يتجاوز عرضها كيلومترين شمال محور فيلادلفيا على طول الحدود بين غزة ومصر. لكن رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الخليل بلال الشوبكي لا يرى في تصريحات نتنياهو تحولا دراماتيكيا، إذ لطالما تحدث عن وقف إطلاق نار مؤقت، ولم يستخدم أبدا عبارات دبلوماسية، بل ركز دائما على إعادة الأسرى ثم استئناف الحرب. وينبع قلق نتنياهو من صفقة جزئية ضمن ترتيبات إقليمية تقودها الولايات المتحدة تفضي إلى واقع جديد، مما دفعه للاجتماع بوزيريه للأمن والمالية إيتمار بن غفير و بتسلئيل سموتريتش بغرض الطمأنة وإبقائهم في دائرة الاحتواء. وبناء على هذا الوضع، تبدو إسرائيل مصممة على الذهاب نحو حكم عسكري يبقي آلية المساعدات المستحدثة التي تقودها " مؤسسة غزة الإنسانية" وكذلك إبقاء المليشيات يدا حاكمة جنوبي القطاع -وفق زياد- إلى جانب "المدينة الإنسانية" في رفح كجسر نحو التهجير. وكذلك، وصل نتنياهو -بعد مرور أكثر من 21 شهرا على الحرب- إلى طريق مسدود بعد فشله في القضاء على حماس، مما يمهد لاختلاق ذرائع باتجاه "منطقة عازلة بالجنوب تمهيدا لتهجير الغزيين". في المقابل، تنظر المقاومة الفلسطينية إلى أن "الوقت من دم" لكنها لا تريد صفقة بأي ثمن يمكن لإسرائيل الاستمرار في الحرب أو احتلال غزة وحكمها عسكريا، في وقت تعلم فيه أيضا أن إسرائيل لم تنتصر في حروب الاستنزاف تاريخيا. وبين هذا وذاك، تقاتل المقاومة في الميدان مع اقتصاد في القوة -حسب زياد- ودفاع مرن لا يمنع قوات الاحتلال من التقدم، بل يكبدها أكبر قدر من الخسائر، مما يجعل الوقت أيضا من دم الاحتلال، كما يقول زياد. وفي ضوء هذا المشهد، لن تقبل المقاومة بأي مسار لا يوقف الحرب وينظف غزة عسكريا من أي قوات إسرائيلية، في وقت تريد إسرائيل من المفاوضات تثبيت وقائع عسكرية عوضا عن الانسحاب إلى حدود اتفاق يناير/كانون الثاني الماضي. وفي هذا السياق، تؤكد كمائن المقاومة وضراوة الميدان أن الرؤى السياسية الإسرائيلية -بدخول غزة وفرض وقائع جديدة وبناء نظام إداري جديد- باتت أمرا غير ممكن، وفق الشوبكي. ولكن هذا الارتباك الإسرائيلي في إدارة الحرب، على المستويين السياسي والعسكري، يفضي نهاية المطاف إلى خيار تهجير الفلسطينيين، حسب الأكاديمي الفلسطيني.