logo
نقطة صفر جديدة

نقطة صفر جديدة

العربي الجديدمنذ 2 أيام
يوضح التضارب في التصريحات حول المسؤولية عن العملية الإرهابية التي طاولت كنيسة مار إلياس في منطقة الدويلعة في قلب دمشق، وخلفت أكثر من 25 شهيداً وعشرات المصابين، كيف أن سورية تعود أمنياً إلى نقطة الصفر، فبينما سارع إعلاميون ومحللون مؤيدون للحكومة المؤقتة باتهام "حلف الأقليات" بالتفجير لسحب المسيحيين، المسالمين والمطيعين كما يجرى توصيفهم حالياً، إلى هذا الحلف الافتراضي، وتحويلهم إلى أعداء للنظام الحاكم. أعلنت الحكومة نفسها أن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) هو المسؤول عن العملية، وعرضت صور لمداهمات لعناصر التنظيم المسؤولين في سرعة استثنائية تشي بأن الحكومة تريد إغلاق هذا الملف بأسرع وقت ممكن، ليُصدر فصيل يدعى "سرايا أنصار السنة" بيانا يتبنّى فيه العملية، ويسمّي الجهادي الذي فجّر نفسه، ويتوعّد بالمزيد لمن يرفض التوبة والتخلّي عن دين الكفر والدخول في الإسلام.
هكذا يعود السوريون إلى نقطة الصفر في فهم ما يحدُث، وفي الخوف من عملياتٍ مشابهةٍ تستهدف الجميع، وفي مفهوم المواطنة والوطن، وفي مصداقية النظام الحاكم، ذلك أن هذا التضارب في تحميل المسؤولية لجهة ما يشي بالفجوة الكبيرة التي يعيشها السوريون وبالانقسام المهول في قلب المجتمع السوري، فحلف الأقليات الافتراضي وهم يشيعه أنصار النظام لإظهار أن الحكم الجديد محاطٌ بالأعداء الداخليين الذين يمنعونه من التقدّم أية خطوة في تحقيق ما وعد به. هذا الحلف شمّاعة جديدة تشبه شمّاعة إسرائيل والإرهاب في زمن نظام الأسد. بينما يشكل تنظيم داعش الورقة الرابحة في يد الحكومة التي تترك لأنصارها اختراع عدو داخلي (الأقليات)، ليعزّز مظلومية أكثريةٍ تؤجّل الغضب الشعبي العام، بسبب الفشل الحكومي في كل شيء؛ وتتبنّى هي محاربة "داعش" أمام الرأي العام العالمي؛ وهو ما يجنّب الحكومة أية مساءلة عن أي انتهاك أمني ما دام "داعش" موجوداً. لكن بيانات مثل بيان فصيل أنصار السنة يعيد تفنيد الحقائق والوقائع إلى البداية.
البداية أو نقطة الصفر هي أن المجتمع السوري يعيش حالة من الاستقطاب المهول، ويدلّ على أن الحكومة المؤقتة لا تفكر في بناء دولة (عن قناعة أو عن نقصٍ في فهم معني الدولة)، وتكتفي بمفهوم الفصيل الذي اعتمدته في حكم مدينة إدلب قبل انتقالها إلي دمشق. ويدلّ على أن الفكر المتطرّف السلفي التكفيري هو الحاكم اليوم، فتفجير كنيسة مار إلياس (أيا كان المسؤول) هو استهداف ديني بقدر ما هو سياسي، استهدافٌ للمختلف، لمن يؤمن بغير الذهنية المسيطرة على مفاصل الدولة والمجتمع حالياً، هو سعي إلى تحويل المجتمع السوري إلى مجتمع ذي لون واحد متجانس (ألم يفعل نظام الأسد الشيء نفسه؟) عبر ترهيب المختلف بالتلميح والتصريح ثم بالقوة. هل يمكن فصل هذا التفجير عن سلوك شبه يومي يستهدف عقائد الناس وعاداتهم وعن قرارات رسمية تحاول تغيير شكل سورية؟ هل يمكن فصله عن خطاب رسمي وشبه رسمي يقسم السوريين إلى مجموعات مذهبية ودينية وعرقية، ويطلق عليهم لقب "مكوّنات"، بينما يستثني الأكثرية الدينية العددية من هذا اللقب، بوصفها الأمة التي تحكم؟ وهل يمكن فصله عن التوصيف الرثّ والساذج "الأمويون الجدد"، والذي بات التوصيف الذي يطلق على السلطة الجديدة بكل ما له من دلالات تمييزية وتفئيتية؟
منذ وصولها إلى الحكم، تركت السلطة الجديدة الحبل على الغارب لكل أشكال الخطاب والسلوك المتطرّف، بما فيها القتل الطائفي، واصفة ذلك بالسلوك الفردي أو غير المنضبط، من دون أن يعاقب أي شخص على هذا السلوك، ومن دون أن يحاسب أي قاتل على جريمة طائفية موثقة، أو على خطاب تحريضي أوصل إلي ارتكاب المجازر. وهذا ما يجعل بياناً مثل بيان سرايا أنصار السنة يكذّب رواية السلطة (حتى لو كان بياناً مفبركاً) ينتشر ويلقى ترحيباً خفياً يتماهى مع حملة تحريض واسعة ضد بطريرك حمّل السلطة مسؤولية الجريمة، (محقّ كون واجب السلطة حماية مواطنيها)، تعيد التذكير بتاريخه المؤيد للأسد من دون ذكر السياقات الزمنية والوجودية لهذا التأييد. بينما مجرمون حقيقيون وقتلة معروفون هم في مراكز المسؤولية اليوم، أو في تحالف بنيوي مع جذر السلطة الحاكمة الآن.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

أنقذوا سورية من الإرهاب
أنقذوا سورية من الإرهاب

العربي الجديد

timeمنذ 14 ساعات

  • العربي الجديد

أنقذوا سورية من الإرهاب

المثير للتأمّل في المرحلة السورية الانتقالية، التي يغلب عليها الارتباك والتأزّم، أن ثمّة من يسعى إلى إعادة تشكيل الشعور بالانتماء وفق ما دون الوطني، لذا لا بد من معالجة هذه الطفرة، إسعافياً، في ضوء ما يضطرم من عنفٍ وتوحّش لإيجاد تمييز هُويَّاتي يولّد شحناً متصاعداً لثقافة الكراهية والإقصاء. من ثم، تتنوع الدوافع المُعلَنة حول مآل البلاد وتختلف التفسيرات، ومن الظواهر اللافتة بين السوريين في تفاعلهم مع حدث سقوط نظام الأسد، هو استعار حمّى إثبات الحكم بالأحقّية المطلقة، خاصّة من قِبَل من نُعتوا سابقاً بـ"الإرهابيين" وباتوا اليوم ثواراً منتصرين، ينبذون، صراحة وتلميحاً، أيّ رأي مختلف أُريد من خلاله النصح والمشاركة أو حتى التشاور، والنتيجة؛ الالتفاف حول ما يشبههم في العقيدة والأيديولوجيا، وليس في الهُويَّة الوطنية. ولا مبالغة في القول إن هناك شريحة من السوريين تعتبر الأيغوري والشيشاني إخوانهم في النصر، بل أقرب إليها من مجتمع "الأقليات"، وحتى الأكراد "السنّة"، والمُقلق تضاعف وتيرة الاستهدافات التي تمثّل هذا الاستقطاب المحتقن بالجهل والغلوّ، شهدناها بدايةً في مجازر العلويين، وتالياً الدروز، ثمّ في الاعتداء على كنيسة مار إلياس بدمشق. واليوم، تبتلع الحرائق غابات الساحل السوري من دون أن تتضح هُويَّة من أضرمها... إلخ. والجليّ للعيان أنّ هذه الأحداث الملتهبة جميعها مرتبطة بحالة فائضة من السيولة الطائفية، لا يمكن الفصل بين تصاعد وتيرتها واختطاف الدولة من فصائل ذات مخيال متطرّف، باتت خارج سيطرة الحكومة نفسها. يزيد الطين بِلَّةً أنّ جماعات الإسلام السياسي في دول أجنبية عدّة تتعاطى مع سقوط الأسد وكأنّه انتصار شخصي لها. وفي الواقع ثمّة سيناريو واحد ضمن قراءات كثيرة محتملة سيحدّد مستقبل البلاد، ربطاً بالأسئلة الشائكة المطروحة أمام السوريين في ما يتعلّق بالغاية وبالمشتهى من هذا "النصر" التاريخي. ومن المؤكّد أنّ حمّى الفوضى مرحلة طبيعية بعد سقوط نظام الأسد الاستبدادي، لكنّها (حكماً) تضع السوريين أمام استحقاقات المرحلة الحالية وأخطارها وسُبل تداركها، خاصّة بعد انقسامهم بين مكوّنات مضطهدة ومهمّشة، "أكثرية" مغيّبة مأخوذة بنشوة الانتصار، "أقلية" متشدّدة حاكمة، على التوازي مع بروز فصائل جهادية تُشعل حطب الذات السورية التي لم تستفق بعد من حجم مظلومياتها الثقيلة، وما يزيد المشهد تعقيداً واستعصاءً أنّ جماعات التطرّف الديني بدأت بالانتعاش في الفضاء العام في محاولةٍ لملء الفراغ بالقوة، مستفيدةً من طائفيّين وحاقدين يدعمون مبرّرات استباحتها للسلم الأهلي، وقد أعمتهم "سكرة التحرير"، لدرجة نبذ شركائهم في الوطن. يُسهم ذلك كله في إعطاء الأعذار لوجود هذه الجماعات العُنفية التي غالباً ما تتبع سياسة "الذئاب المنفردة"، ومع زيادة عددها وتباين أجنداتها الأيديولوجية، سيبقى المشهد غائماً إن لم يكن متشائماً، فسورية تتفسخ، في طرف بدأ "حلف أقلّيات" في الظهور والمطالبة بحماية دولية، وفي الطرف الآخر يزداد "السنّي" المتشدّد تطرّفاً وعنجهية. السيناريو الأقرب إلى الواقع في سورية جنوح الجماعات المتشددة إلى العنف الصرف وسط انحسار شعبيتها ودورها السياسي على أيّ حال، يُعدُّ السيناريو الأقرب إلى الواقع جنوح الجماعات المتشددة إلى العنف الصرف وسط انحسارها على مستوى الشعبية والدور السياسي، لمحدوديتها في تقديم نموذج فعّال لإدارة الدولة، وتعزيزها بؤر الإرهاب التي طاولت حتى القيادة السورية الجديدة. ومن تحرّكاتها أخيراً، وإنْ تمَّ نفي خبر استهداف منزل وزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصرة، في محافظة حماة، فالمؤكّد استهداف رئيس الاستخبارات السورية في تفجيرٍ هزّ قلب دمشق، بالتزامن مع ما ذكرته وسائل إعلام سورية أنّ ما جرى محاولة لاغتيال الرئيس أحمد الشرع قبل أن يتلقّى اتصالاً إقليمياً عاجلاً لإعلامه بالأمر، وسبق أنْ نُفي خبرٌ متداول عن إحباط محاولة أخرى لاغتيال الرئيس خلال زيارته درعا. ومن المنتظر أن تزداد الأمور تعقيداً وضبابية، وينخفض التوافق في المرجعيات والتصوّرات، الذي يُبرّر وفقه بحكم الضرورة المرحلة الراهنة وتوازناتها، بين الجماعات الإسلامية التي تمتهن التشويش والتحريض وسيلةً لاستئناف مشروعها في دولة إسلامية لا تعترف بالحدود، وأحمد الشرع بعد خلعه عباءة العولمة الجهادية، وإعلان الولايات المتحدة إلغاء تصنيف جبهة النصرة، المعروفة حالياً باسم هيئة تحرير الشام، منظّمةً إرهابية أجنبية. وفي هذا السياق، لنكن شفّافين ونعترف بأنه إذا كان هناك مَن لا يأسف على خلع نظام الأسد، فثمة حالة عامّة من التوجّس والحذر بشأن المدّ الإسلامي "السلفي" الذي يكتسح ملامح البلاد ويضعف حيوية التنوّع فيها. وبالطبع، مناعتها تجاه التطرّف، والمعيار أنّ الإخفاقات التي ارتكبتها حركات الإسلام السياسي في دولٍ عربية، من دون الانتقال من عالم الشعارات إلى عالم الأفعال والنتائج، تقف عائقاً أمام استعادتها مصداقيتها عند السوريين على خلفية الفوضى الأمنية الطاغية، فمن الخطورة بمكان أن ترى أحد محالّ سوق الحميدية في دمشق يبيع راية "داعش"، مثيراً تساؤلاتٍ ملحّة عن خلفية هذه الظاهرة المستجدّة وحدودها، وسط مخاوف من احتمالية تغلغل الفكر الجهادي في ظلّ الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الخانقة التي تعصف بالبلاد. ومهما يكن من أمر، فالمقولة الكلاسيكية التي يستند إليها الإسلاميون المتشدّدون في مشروعهم السياسي قد حُدّثت اليوم لتكون "العنف هو الحلّ"، ورغم استنادها إلى قوتها الرمزية المفرطة، تشكّل إيذاناً بالإفلاس الوشيك للأيديولوجيات المتطرّفة في المدى المتوسّط، وسط تصريحات أطلقها وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، بشأن التزام الدولة الجديدة بمحاربة الإرهاب وعدم السماح للجماعات المتشدّدة بإعادة تموضعها تحت أيّ عناوين دينية أو سياسية، ومن ثمّ يأتي التطبيع مع إسرائيل ضربةً قاصمةً لهذه الجماعات المارقة، كتنظيم "داعش"، الذي قال إنّ "الاتفاقيات التي عقدها الشرع ليست إلا تنازلات واستجلاب الرضى الأميركي واليهودي"، معتبراً إياها "صفقات خاسرة منحته الرئاسة، لكنّها سلبته دينه وشرفه". يوفّر التقوقع الطائفي السوري حظوظاً لتغوّل التيارات السلفية الجهادية التي لم تضمحل فعلياً وفي ضوء المعطيات المذكورة آنفاً، تكشف تقارير أمنية عن نشاط متجدّد لخلايا "داعش" في البادية ودير الزور، وإعلانه مسؤوليته عن تنفيذ عشرات الهجمات ضدّ السلطات السورية خلال عام 2025، ولم تكتفِ نشرته الإخبارية، "النبأ"، بدعوة المقاتلين الأجانب إلى سورية، بل حثّت مقاتلي "هيئة تحرير الشام" المناهضين توجّه الحكومة الجديدة على الانشقاق توازياً مع ظهور جماعة جديدة تُدعى "أنصار السُّنّة"، يكتنفها الغموض، لم تُخفِ تململها الصريح من سياسة الشرع متهمةً إياه بالتساهل المفرط، بينما تنسب إلى نفسها مسؤولية الانتقام من "الأقليات"، متبنّية تفجير كنيسة مار إلياس تهديداً صريحاً للمسيحيين. والشيء بالشيء يُذكر، إذ سبق أن وجّه قيادي بارز في تنظيم حراس الدين اتهامات إلى الدولة السورية بالخيانة والانحراف عن النهج. بالتساوق مع ما تقدّم، يتضح أنّ سورية تشكّل مختبراً استثنائياً للإرهاب الممنهج في المنطقة، لذا يصعب بناء مقاربة نهائية للظواهر المرتبطة بتحوّلات الإسلاميين مع زيادة مؤشّرات التقوقع الطائفي السوري الذي يوفّر حظوظاً لتغوّل التيارات السلفية الجهادية التي لم تضمحل فعلياً، وبقيت ظلالها دائماً في صورة إمارات حرب أو بقايا خلايا متشرذمة تصارع لأجل البقاء، وانتعاشها اليوم ينذر بكوارث مقبلة، خصوصاً أنها تسعى إلى إقامة دولة إسلامية خالصة. صفوة القول، في ظلّ المشهد الدراماتيكي المعقّد، يبدو أنّ سورية مقبلة على مرحلة مبهمة ومفتوحة على كلّ السيناريوهات القابلة للانفجار، فمن ينظر إلى التحوّلات المتسارعة في المنطقة برمّتها يجد أنّ السوريين أمام انتقالات مفصلية ووجودية قد لا تتضح ملامحها في القريب العاجل.

نقطة صفر جديدة
نقطة صفر جديدة

العربي الجديد

timeمنذ 2 أيام

  • العربي الجديد

نقطة صفر جديدة

يوضح التضارب في التصريحات حول المسؤولية عن العملية الإرهابية التي طاولت كنيسة مار إلياس في منطقة الدويلعة في قلب دمشق، وخلفت أكثر من 25 شهيداً وعشرات المصابين، كيف أن سورية تعود أمنياً إلى نقطة الصفر، فبينما سارع إعلاميون ومحللون مؤيدون للحكومة المؤقتة باتهام "حلف الأقليات" بالتفجير لسحب المسيحيين، المسالمين والمطيعين كما يجرى توصيفهم حالياً، إلى هذا الحلف الافتراضي، وتحويلهم إلى أعداء للنظام الحاكم. أعلنت الحكومة نفسها أن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) هو المسؤول عن العملية، وعرضت صور لمداهمات لعناصر التنظيم المسؤولين في سرعة استثنائية تشي بأن الحكومة تريد إغلاق هذا الملف بأسرع وقت ممكن، ليُصدر فصيل يدعى "سرايا أنصار السنة" بيانا يتبنّى فيه العملية، ويسمّي الجهادي الذي فجّر نفسه، ويتوعّد بالمزيد لمن يرفض التوبة والتخلّي عن دين الكفر والدخول في الإسلام. هكذا يعود السوريون إلى نقطة الصفر في فهم ما يحدُث، وفي الخوف من عملياتٍ مشابهةٍ تستهدف الجميع، وفي مفهوم المواطنة والوطن، وفي مصداقية النظام الحاكم، ذلك أن هذا التضارب في تحميل المسؤولية لجهة ما يشي بالفجوة الكبيرة التي يعيشها السوريون وبالانقسام المهول في قلب المجتمع السوري، فحلف الأقليات الافتراضي وهم يشيعه أنصار النظام لإظهار أن الحكم الجديد محاطٌ بالأعداء الداخليين الذين يمنعونه من التقدّم أية خطوة في تحقيق ما وعد به. هذا الحلف شمّاعة جديدة تشبه شمّاعة إسرائيل والإرهاب في زمن نظام الأسد. بينما يشكل تنظيم داعش الورقة الرابحة في يد الحكومة التي تترك لأنصارها اختراع عدو داخلي (الأقليات)، ليعزّز مظلومية أكثريةٍ تؤجّل الغضب الشعبي العام، بسبب الفشل الحكومي في كل شيء؛ وتتبنّى هي محاربة "داعش" أمام الرأي العام العالمي؛ وهو ما يجنّب الحكومة أية مساءلة عن أي انتهاك أمني ما دام "داعش" موجوداً. لكن بيانات مثل بيان فصيل أنصار السنة يعيد تفنيد الحقائق والوقائع إلى البداية. البداية أو نقطة الصفر هي أن المجتمع السوري يعيش حالة من الاستقطاب المهول، ويدلّ على أن الحكومة المؤقتة لا تفكر في بناء دولة (عن قناعة أو عن نقصٍ في فهم معني الدولة)، وتكتفي بمفهوم الفصيل الذي اعتمدته في حكم مدينة إدلب قبل انتقالها إلي دمشق. ويدلّ على أن الفكر المتطرّف السلفي التكفيري هو الحاكم اليوم، فتفجير كنيسة مار إلياس (أيا كان المسؤول) هو استهداف ديني بقدر ما هو سياسي، استهدافٌ للمختلف، لمن يؤمن بغير الذهنية المسيطرة على مفاصل الدولة والمجتمع حالياً، هو سعي إلى تحويل المجتمع السوري إلى مجتمع ذي لون واحد متجانس (ألم يفعل نظام الأسد الشيء نفسه؟) عبر ترهيب المختلف بالتلميح والتصريح ثم بالقوة. هل يمكن فصل هذا التفجير عن سلوك شبه يومي يستهدف عقائد الناس وعاداتهم وعن قرارات رسمية تحاول تغيير شكل سورية؟ هل يمكن فصله عن خطاب رسمي وشبه رسمي يقسم السوريين إلى مجموعات مذهبية ودينية وعرقية، ويطلق عليهم لقب "مكوّنات"، بينما يستثني الأكثرية الدينية العددية من هذا اللقب، بوصفها الأمة التي تحكم؟ وهل يمكن فصله عن التوصيف الرثّ والساذج "الأمويون الجدد"، والذي بات التوصيف الذي يطلق على السلطة الجديدة بكل ما له من دلالات تمييزية وتفئيتية؟ منذ وصولها إلى الحكم، تركت السلطة الجديدة الحبل على الغارب لكل أشكال الخطاب والسلوك المتطرّف، بما فيها القتل الطائفي، واصفة ذلك بالسلوك الفردي أو غير المنضبط، من دون أن يعاقب أي شخص على هذا السلوك، ومن دون أن يحاسب أي قاتل على جريمة طائفية موثقة، أو على خطاب تحريضي أوصل إلي ارتكاب المجازر. وهذا ما يجعل بياناً مثل بيان سرايا أنصار السنة يكذّب رواية السلطة (حتى لو كان بياناً مفبركاً) ينتشر ويلقى ترحيباً خفياً يتماهى مع حملة تحريض واسعة ضد بطريرك حمّل السلطة مسؤولية الجريمة، (محقّ كون واجب السلطة حماية مواطنيها)، تعيد التذكير بتاريخه المؤيد للأسد من دون ذكر السياقات الزمنية والوجودية لهذا التأييد. بينما مجرمون حقيقيون وقتلة معروفون هم في مراكز المسؤولية اليوم، أو في تحالف بنيوي مع جذر السلطة الحاكمة الآن.

دمشق ترفض أي 'خطاب قائم على التهديد' بمفاوضاتها مع ما تعرف بـ'قسد'
دمشق ترفض أي 'خطاب قائم على التهديد' بمفاوضاتها مع ما تعرف بـ'قسد'

القدس العربي

timeمنذ 2 أيام

  • القدس العربي

دمشق ترفض أي 'خطاب قائم على التهديد' بمفاوضاتها مع ما تعرف بـ'قسد'

دمشق: أكدت الحكومة السورية، الخميس، رفضها أي خطاب قائم على التهديد أو فرض شروط مسبقة، معتبرة أن 'الحوار الوطني لا يكون تحت ضغط السلاح'. جاء ذلك وفق ما أفاد به مصدر في الحكومة السورية لقناة 'الإخبارية' الرسمية دون تسميته، تعقيبا على المفاوضات الجارية بين دمشق وتنظيم 'واي بي جي' الإرهابي المعروف باسم 'قسد'. وفي 10 مارس/ آذار الماضي، وقع الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد 'قسد' فرهاد عبدي شاهين، اتفاقا ينص على وقف إطلاق النار في جميع أنحاء الأراضي السورية مع الاعتراف بالمجتمع الكردي كجزء لا يتجزأ من الدولة وضمان حقوقه المواطنية والدستورية. ومنذ ذلك التاريخ، يحاول التنظيم الإرهابي التملص من بنود الاتفاق، مستغلا الفراغ الأمني والعسكري بعد سقوط نظام بشار الأسد لإحداث تكتل عسكري خارج نطاق الدولة، وهو ما ترفضه دمشق. وقال المصدر، إن 'الدولة السورية لم ولن تقبل بأي خطاب يقوم على التهديد أو فرض شروط مسبقة تتعارض مع مبدأ وحدة الدولة ومؤسساتها السيادية'. وأضاف: 'الحوار الوطني الحقيقي لا يكون تحت ضغط السلاح أو عبر استقواء بأي طرف خارجي، بل من خلال التزام كامل بوحدة البلاد ومرجعية الدولة السورية والتمسك بالمؤسسات الشرعية'. واعتبر أن 'الحديث عن رفض تسليم السلاح والتمسك بتشكيل كتلة عسكرية طرح مرفوض جملة وتفصيلا، ويتناقض مع أسس بناء جيش وطني موحد'. وتابع المصدر: 'لا يمكن لأي كيان عسكري خارج المؤسسة العسكرية السورية أن يُعتبر مشروعاً للدولة، وأيّ محاولة للإبقاء على مظاهر التسلح والانفصال عن مؤسسات الدولة هو مسار يؤدي إلى مزيد من التوتر والانقسام، وليس إلى حل وطني شامل'. كما شدد على أن 'استخدام أحداث السويداء أو الساحل (في مارس الماضي) لتبرير رفض الانضواء تحت راية الدولة أو للتشكيك بنواياها، هو أمر مدان ويعكس محاولات مكشوفة لتأليب الرأي العام وتشويه الحقائق'. ومنذ مساء الأحد، تشهد السويداء وقفا لإطلاق النار عقب اشتباكات مسلحة دامت أسبوعا بين مجموعات درزية وعشائر بدوية، خلفت 426 قتيلا، وفق الشبكة السورية لحقوق الإنسان. فتح حوار وطني وبشأن جهود احتواء الأزمة قال المصدر، إن 'الدولة السورية قامت رغم كل التحديات بجهود كبرى لمنع الفتنة وحقن الدماء في السويداء، وهي مستمرة في أداء دورها الوطني في كل المحافظات دون تمييز بين مكون وآخر'. ووصف 'أيّ دعوة لهوية مستقلة'، بأنها 'تتناقض مع مبدأ المواطنة، وتعد دعوة انفصالية لا يمكن قبولها تحت أي ظرف'. المصدر السوري أكد أن 'الدولة لم تتهرب يوما من مسؤولياتها، بل كانت وستبقى الطرف الوحيد الذي يتحمل مسؤولية حماية كافة أبناء الوطن دون تفرقة'. ولفت إلى أن 'الطريق الوحيد لتحقيق الحل السياسي المستدام يكمن في العودة إلى حضن الدولة وفتح حوار وطني جاد تحت سقف السيادة السورية ووحدة أراضيها'. وضمن مساعيها لاحتواء الأزمة، أعلنت الحكومة السورية 4 اتفاقات لوقف إطلاق النار بالسويداء، أحدثها السبت، ثم باشرت عمليات الإجلاء من المدينة باتجاه مراكز إيواء في محافظة درعا المجاورة. ولم تصمد الاتفاقات الثلاثة السابقة طويلا، إذ تجددت الاشتباكات إثر قيام مجموعة تابعة لحكمت الهجري، أحد شيوخ الدروز، بتهجير عدد من أبناء عشائر البدو من السنة وارتكاب انتهاكات بحقهم. وتبذل الإدارة السورية الجديدة جهودا مكثفة لضبط الأمن في البلاد، منذ الإطاحة في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024 بنظام الرئيس بشار الأسد بعد 24 سنة في الحكم. (الأناضول)

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store