
بين نفي وتأكيد… هل انتهى الحلم النووي الإيراني؟
وبينما كانت المنطقة على صفيح ساخن منذ سنوات، جاء التدخل الأميركي المفاجئ، حاملاً معه قنابل ذكية بحجم الجبال، واستهدافًا مباشرًا لأعصاب المشروع النووي الإيراني.
الضربات الأميركية التي استخدمت فيها قنابل GBU-57 الخارقة للتحصينات لم تكن إعلان حرب، لكنها بدت كذلك في نتائجها الأولية، ورغم أنها لم تُسبق بتصريح رسمي أو بيان حرب، إلا أن مشهد الدمار في منشآت مثل 'فوردو' و'نطنز' و'أصفهان'، حمل رسالة شديدة اللهجة مفادها: 'واشنطن لن تنتظر'.
روايات متضاربة… والمعلومة في قلب المعركة
في قلب هذا التوتر، بدأت الروايات تتباين بين المسؤولين الأميركيين، والمحللين، ووسائل الإعلام. فالرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يتردد في الإشادة بنجاح العملية، واصفًا إياها بأنها 'ضربة دقيقة أعادت إيران إلى الوراء لعقود'. تصريح يحمل نبرة انتصار، لكنه اصطدم سريعًا بما نشرته شبكة CNN نقلًا عن مصادر في الاستخبارات الأميركية، أن التأثير الحقيقي لتلك الضربات لم يتعدَّ تأخير البرنامج النووي الإيراني بضعة أشهر فقط.
وإذا كان التباين داخل البيت الأبيض بدا محرجًا، فإن الرد الرسمي جاء على لسان المتحدثة باسم الإدارة الأميركية، التي قلّلت من مصداقية التسريب الاستخباراتي، واعتبرته من مصدر 'صغير الرتبة'، وأكدت أن تقييم العمليات العسكرية ما يزال قيد الدراسة، لكن الجميع يعلم -بحسب قولها- ما تفعله قنابل تزن 30 ألف رطل إذا أصابت هدفها: 'تدمير كامل'.
غير أن هذه الثقة قوبلت بتشكيك واضح من جانب متخصصين ونواب. فقد أكد النائب الجمهوري 'مايكل مكول' أن العملية لم تكن استباقية أو قاطعة، بل مجرد محاولة لتعطيل المشروع الإيراني مؤقتًا، بينما ذهب خبير الشؤون النووية جيفري لويس إلى القول بأن ما حدث هو 'خسارة للإيرانيين نعم، لكنه ليس الضربة التي تنهي مشروعًا بأكمله'، مشيرًا إلى أن إيران قادرة على إعادة بناء منشآتها خلال عام أو أقل.
ما الذي جرى فعلًا؟ معلومات استخباراتية على الطاولة
تقرير 'معهد دراسة الحرب' الأميركي، بالتعاون مع 'مشروع التهديدات الحرجة'، وضع الأمور في سياق أكثر تفصيلًا، مشيرًا إلى أن الضربات الأميركية –الإسرائيلية استهدفت منشآت فوردو بدقة، ودمرت عددًا كبيرًا من أجهزة الطرد المركزي من طراز IR-1 وIR-6، والتي كانت تُستخدم لتخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، وهي نسبة تقترب من العتبة الحرجة لإنتاج سلاح نووي.
التقرير أشار أيضًا إلى أن المنشآت -رغم أنها تحت الأرض ومحاطة بأنظمة دفاعية معقدة- إلا أنها تعرضت لدمار بالغ، مما أدى إلى دفن كميات كبيرة من اليورانيوم المخصب تحت الأنقاض، ولكن تبقى المشكلة الجوهرية هنا؛ المتفجرات لا تدمر المادة النووية، بل تنثرها أو تدفنها، وهذا ما يفتح الباب أمام إمكانية استخراجها أو إعادة استخدامها.
كما بيَّنت التقارير أن تقييم الضرر ما يزال جاريًا، وأن المنشآت لم تنهار بالكامل، بل فقدت القدرة التشغيلية مؤقتًا، ما يعني أن إيران ما تزال تملك بعض أدوات العودة.
إيران… بين الإنكار والمناورة
في الجانب الآخر، بدت طهران حريصة على احتواء الموقف داخليًا دون تهوين حقيقي من حجم الضربة. فقد اعترف رئيس منظمة الطاقة الذرية بوقوع أضرار 'غير كارثية' في منشأة فوردو، في حين أكد المسؤول العسكري الإيراني محسن رضائي أن مخزون اليورانيوم تم نقله إلى أماكن آمنة مسبقًا، وهو ما أكده لاحقًا مسؤولون في مركز السلامة النووية الإيرانية، والذين شددوا على عدم رصد أي تسرّب إشعاعي خارج المواقع المستهدفة.
التقارير الإيرانية حاولت إرسال رسائل تطمينية للشعب، مفادها أن النظام مستعد، وأن الخطة كانت محسوبة، والضربة كانت متوقعة، ومع ذلك، تشير معلومات استخباراتية أوروبية إلى أن بعض أجزاء المشروع تأثرت فعليًا، وأن البنية التحتية ستحتاج إلى وقت لإعادة البناء، رغم أن إيران تملك بالفعل مئات من أجهزة الطرد المركزي الاحتياطية، وربما تسعى لنقل النشاط إلى مواقع جديدة.
لا
مفاوضات… والملف في حالة استنفار
السياسيون الإيرانيون، من جانبهم، لم يتركوا مجالًا للشك في نواياهم، فالموقف الرسمي كان واضحًا: لا عودة لطاولة التفاوض، ولا تراجع عن تخصيب اليورانيوم. هذا التصعيد السياسي يترجم حقيقة واحدة: الحلم النووي لا يزال حيًا؛ فهو ليس فقط مشروعًا علميًا أو صناعيًا، بل هوية استراتيجية بُنيت عليها عقيدة النظام الإيراني منذ عقود، وأحد عناصر قوته التفاوضية والدبلوماسية في المنطقة.
مشهد ضبابي… والقرار مؤجل
مع كل هذه التقديرات والتصريحات، يظل الوضع غائمًا، فالمعلومات متضاربة، والنتائج النهائية لم تُحسم بعد. إسرائيل تقول إن البرنامج 'غير قابل للعمل حاليًا'، والولايات المتحدة تزعم تحقيق نصر نوعي، بينما تؤكد إيران أنها قادرة على العودة للعمل خلال أشهر، وقد شرعت فعليًا في وضع خطة لاستعادة البنية التحتية وتشغيل البرنامج من جديد.
وبين الروايات الثلاث، يقف العالم منتظرًا، هل ينهض المشروع الإيراني من تحت الركام؟ أم أن حسابات ما بعد الضربة ستفرض على طهران واقعًا جديدًا؟
في النهاية… هل انتهى الحلم الإيراني في امتلاك سلاح نووي؟
هذا السؤال لا يملك أحد إجابة قاطعة عنه بعد. لكن ما يبدو مؤكدًا هو أن الضربة كانت قوية، لكنها لم تكن قاضية، وملف إيران النووي، كما كان دومًا، لا يُغلق بضربة عسكرية أو باتفاق دولي، بل هو نتاج إرادة سياسية متجذرة، وصراع إقليمي طويل النفس، لا تنهيه القنابل، بل تعيد ترتيبه فقط.
هل نشهد فصلًا جديدًا من مغامرة إيران نحو النووي؟ أم أن العواصف التي خلفتها القنابل الأميركية ستغير قواعد اللعبة للأبد؟ الجواب، كما يبدو، لا يزال مدفونًا تحت أنقاض فوردو.
الكاتب مي محمد المرسي مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم . كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
مي محمد المرسي عبد الرحمن بشير

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

مصرس
منذ 30 دقائق
- مصرس
بأمر من الرئيس.. إيران تعلق تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية رسميًا
أعلن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، اليوم الأربعاء، تنفيذ قرار مجلس الشورى الإيراني بوقف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في خطوة قد تُعيد التوترات إلى الواجهة بين طهران والغرب، وتضع مستقبل المفاوضات النووية على المحك. وتأتي هذه الخطوة وسط اتهامات مباشرة من نواب ومسؤولين إيرانيين للوكالة ومديرها العام بالتواطؤ مع ما وصفوه ب«العدوان الإسرائيلي-الأمريكي» على منشآت نووية إيرانية. رسالة رسمية للرئيس بزشكيانأفادت وكالة «مهر» الإيرانية بأن الرئيس مسعود بزشكيان أرسل خطابًا رسميًا إلى كل من منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، ووزارة الخارجية، والمجلس الأعلى للأمن القومي، لإبلاغهم ببدء تنفيذ قانون «إلزام الحكومة بتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية».ويستند القرار إلى المادتين 123 و85 من الدستور الإيراني، بعد أن تم التصديق عليه من قبل مجلس صيانة الدستور عقب إقراره في جلسة علنية للبرلمان. تعليق التعاون في إجراءات الضماناتينص القانون الجديد على تعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تحديدًا فيما يتعلق بإجراءات الضمانات الإضافية، إلا إذا كان هناك اتفاق صريح من مجلس الشورى الإسلامي يسمح بذلك. وتهدف هذه الخطوة إلى إعادة ضبط العلاقة مع الوكالة على أسس أكثر تشددًا. اتهامات لجروسي وتلويح بحظر دخوله إيرانكشفت وسائل إعلام إيرانية أن طهران تدرس فرض حظر على دخول المدير العام للوكالة الدولية، رافائيل جروسي، إلى الأراضي الإيرانية، وذلك على خلفية ما وصفه مسؤولون ب«التحيز السياسي» في تقارير الوكالة، والتي اعتبروها تُمهّد الطريق للعدوان على منشآت إيران النووية.وقال النائب البارز إسماعيل كوثري إن البرلمان طالب المجلس الأعلى للأمن القومي بإدراج جروسي على قائمة الممنوعين من الدخول، مشيرًا إلى أن تقاريره ساهمت في إصدار أول قرار ضد إيران منذ نحو عقدين بشأن انتهاك التزامات اتفاق الضمانات النووي. سياق الهجمات الأخيرة والتوتر مع الغربجاء هذا القرار بعد هجمات إسرائيلية على منشآت نووية إيرانية قبل أسبوعين، والتي اتهمت إيران الوكالة ومديرها بالتغاضي والصمت، رغم خطورة الاعتداءات. واعتبرت طهران أن صمت جروسي أعطى الضوء الأخضر للهجوم، بدلًا من إدانته العلنية له. تصريحات مثيرة للقلق من جروسي حول تخصيب اليورانيومفي وقت سابق، أدلى رافائيل جروسي بتصريح مثير للقلق، حيث أكد أن إيران قد تكون قادرة على إنتاج اليورانيوم المخصب خلال أشهر قليلة، ما أثار تساؤلات حول جدوى الهجمات الأمريكية والإسرائيلية الأخيرة، وقدرتها على وقف البرنامج النووي الإيراني المتسارع. تداعيات محتملة على الملف النووي الإيرانيقد يؤدي القرار الإيراني بتعليق التعاون إلى تجميد أي محادثات مستقبلية بشأن البرنامج النووي.ويتوقع مراقبون تصعيدًا سياسيًا من الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا.قد يستخدم القرار كورقة ضغط إيرانية في المفاوضات المتعلقة برفع العقوبات أو ملفات إقليمية أخرى.


نافذة على العالم
منذ 34 دقائق
- نافذة على العالم
أخبار التكنولوجيا : ترامب يكشف عن مجموعة محتملة لشراء تيك توك تضم Oracle وBlackstone وa16z
الأربعاء 2 يوليو 2025 11:50 صباحاً نافذة على العالم - كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن وجود مشتري محتمل جديد لتطبيق تيك توك المملوك لشركة ByteDance الصينية، وذلك في مقابلة حديثة أُجريت يوم الأحد، مشيرًا إلى أنه لن يعلن عن هوية المشترين رسميًا قبل بضعة أسابيع. لكن تقارير جديدة من وكالة بلومبيرج أشارت إلى أن المجموعة التي تتفاوض حاليًا على الصفقة تتألف من شركة Oracle، ومجموعة الاستثمار العملاقة Blackstone، بالإضافة إلى شركة رأس المال الاستثماري Andreessen Horowitz (a16z). تفاصيل الصفقة المحتملة بحسب بلومبيرج، فإن المجموعة قد قدّمت عرضًا سابقًا للاستحواذ على عمليات تيك توك في الولايات المتحدة، لكن الصفقة فقدت الزخم مؤخرًا نتيجة التصعيد في التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، خاصة في ظل سياسات الرسوم الجمركية التي اقترحها ترامب خلال حملته الرئاسية الجديدة. ورغم عدم وجود تأكيد رسمي من الأطراف المعنية، إلا أن وجود Oracle ضمن الصفقة يلفت الانتباه، نظرًا لعلاقتها المستمرة بتيك توك عبر ما يُعرف بـ 'مبادرة تكساس' (Project Texas)، التي تهدف إلى تخزين بيانات المستخدمين الأمريكيين داخل الأراضي الأمريكية لضمان الخصوصية والأمن القومي، وهي نقطة محورية في النزاع السياسي المستمر حول التطبيق. الخلفية السياسية تأتي هذه الأنباء في وقت يزداد فيه الضغط على تيك توك من قبل مشرعين أمريكيين يسعون إلى إجبار ByteDance على بيع أصولها في الولايات المتحدة أو مواجهة حظر شامل للتطبيق. وقد تم تأجيل الموعد النهائي لتنفيذ البيع عدة مرات، آخرها في يونيو 2025، ما يفتح الباب أمام صفقات محتملة مع تحالفات استثمارية جديدة. وفي الوقت ذاته، يسعى ترامب لاستثمار هذه القضية في حملته الانتخابية، معتبرًا نفسه أكثر قدرة على 'ضبط' الشركات التقنية ذات العلاقة بالصين، وتقديم بدائل أمريكية قوية لحماية ما أسماه 'السيادة الرقمية' للبلاد. ماذا بعد؟ لم يُعلن بعد عن التفاصيل المالية للعرض أو شكل الهيكلية المقترحة للملكية الجديدة في حال تمت الصفقة. كما لم توضح إدارة تيك توك أو شركة ByteDance موقفها من التحالف الجديد، أو مدى إمكانية قبوله في ضوء القانون الأمريكي ومواقف الصين من عمليات البيع القسري لشركاتها. لكن المؤكد أن الملف لم يُغلق بعد، وأن الأشهر المقبلة ستشهد تحركات حاسمة قد تُعيد تشكيل مستقبل تيك توك في الولايات المتحدة، في ظل تجاذب اقتصادي وسياسي معقّد بين واشنطن وبكين.


نافذة على العالم
منذ 34 دقائق
- نافذة على العالم
نافذة إيران تكشف تأثير "الضربة الأميركية" على موقع فوردو النووي
الأربعاء 2 يوليو 2025 11:20 صباحاً نافذة على العالم - قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في مقابلة مع شبكة "سي.بي.إس نيوز"، الأربعاء، إن القصف الأميركي لموقع فوردو النووي الإيراني "ألحق أضرارا جسيمة وفادحة" بالمنشأة. وأضاف في المقابلة التي أذيعت الثلاثاء: "لا أحد يعرف بالضبط ما الذي حدث في فوردو. إلا أن ما نعرفه حتى الآن هو أن المرافق تعرضت لأضرار جسيمة وفادحة". وقال: "تعمل منظمة الطاقة الذرية في الجمهورية الإيرانية... حاليا على إجراء تقييم وتقدير، وسيتم رفع تقرير بهذا الشأن للحكومة" ونقلت صحيفة واشنطن بوست، الأحد، عن 4 مصادر مطلعة على معلومات مخابراتية سرية متداولة داخل دوائر الحكومة الأميركية أن اتصالات إيرانية جرى رصدها قللت من حجم الضرر الذي سببته الضربات الأميركية للبرنامج النووي الإيراني. وكان الرئيس دونالد ترامب قد قال إن الضربات "محت بشكل كامل وكلي" البرنامج النووي الإيراني، لكن مسؤولين أمريكيين أقروا بأن الأمر سيستغرق وقتا لوضع تقييم وافٍ للأضرار التي تسببت فيها.