logo
«فلسفات أفريقية».. الفكر يتمرد على المركزية الغربية

«فلسفات أفريقية».. الفكر يتمرد على المركزية الغربية

صحيفة الخليجمنذ 2 أيام
الشارقة: علاء الدين محمود
لعل مجرد البحث داخل الأفكار المنتجة خارج المنظومة التقليدية المتمثلة في الغرب، هو نوع من محاولة البحث عن كلمة جديدة، حكمة غير مطروقة، واقع اجتماعي مختلف وهو بلا شك موقف ضد المركزية الأوروبية والغربية التي طالما تعاملت مع ذاتها على أنها هي مركز الأفكار والحضارة وهناك جهود مبذولة من قبل الباحثين والمفكرين في التنقيب عن الفلسفات المغايرة في أمريكا الجنوبية وآسيا وغير ذلك، نتج عنها العديد من المؤلفات والمفاهيم والاقتباسات.
كتاب «فلسفات أفريقية»، للكاتبة الفرنسية سيفرين كودجو جراندفو، الصادر في نسخته العربية عن دار روايات في طبعته الأولى عام 2025، بترجمة: محمد آيت حنا، هو من المحاولات النادرة، غير الأفريقية، للغوص في ما أنتجه الفكر الأفريقي من سرديات ومفاهيم فلسفية، تدور بشكل أكثر عمومية حول إنهاء الاستعمار والكتاب من النوادر لأن الفكر الغربي المتمحور حول ذاته كون صورة ذهنية نمطية عن الإنسان الأفريقي بوصفه بدائياً شفاهي الثقافة والمعارف، ليس في مقدوره التفكير العقلي أو التبحر في عوالم الفلسفة العريضة وهي الصورة التي عمل على تبديدها العديد من الكتَّاب خاصة من أفريقيا نفسها، وهي الإسهامات التي وقفت ضد التصورات التي صنعتها المركزية الغربية.
تبذل الكاتبة مجهوداً كبيراً في تبيان الأدوار الكبيرة للفلسفة أو الفلسفات الأفريقية التي تسعى نحو اتجاه فكري خاص بها ضد طمس الهوية والتغريب وغير ذلك مما مارسه المستعمر الغربي، حيث تعمل الأفكار الأفريقية على البحث عن الذات أولاً، ثم نقد المنتج الغربي الفكري عن القارة، فهذه الفلسفات الأفريقية هي ضمن مشروع للنهضة والانعتاق وتفكيك الاستعمار الذي رحل في صورته المباشرة كمحتل، وبقيت أفكاره مهيمنة وسائدة تلك التي تعلي من شأنه وتحط من قدر الآخرين.
* نقد ودلالات
مؤلفة الكتاب فرنسية عملت في أفريقيا، مما يعطي هذا الإصدار العديد من الدلالات والأبعاد، خاصة أن الكاتبة وجدت بالفعل أن هناك رؤى أفريقية مغايرة تحمل تصورات كاملة ليس بخصوص أفريقيا وحدها بل العالم أجمع وتسعى في المحصلة الأخيرة نحو علاقات ندية مع الغرب والجميع، حيث إن المجهودات الفلسفية الأفريقية هي بمثابة بيان لعالم جديد تنطوي فيه صفحة الهيمنة الفكرية والمركزية الواحدة نحو التعدد، بالتالي فإن تلك الأطروحات التي عكسها الكتاب تشكِّل نوعاً من التمرد على تلك المركزية الغربية وتبحث عن أفق جديد ويتناول الكتاب الفلسفة أو الفلسفات الأفريقية من منظور متعدد، بعيداً عن الفهم الغربي التقليدي الذي يقتصر على الفلاسفة الغربيين.
تشدد المؤلفة على أن الفلسفة الأفريقية ضحية سوء الفهم من قبل الغربيين ومن قبل الأفارقة أنفسهم. وبدلاً من تقديم تسلسل تاريخي للفلسفات الأفريقية، تركز على الأسئلة والمفاهيم التي تبرزها هذه الفلسفات.
* محتويات
الكتاب ينقسم إلى أربعة فصول رئيسية، حيث يغوص الأول في فكرة «الفلسفة والهوية الأفريقية» ويستعرض نشوء فكرة الفلسفة الأفريقية في سياق الاستعمار والإثنولوجيا وهي فرع من فروع علم الإنسان «الأنثروبولوجيا» وتهتم بدراسة المجتمعات البشرية وثقافاتها وتاريخها وعلاقاتها المتبادلة، مع التركيز على الجوانب الاجتماعية والثقافية، كما أنها تدرس التنوع الثقافي وتقدم تحليلاً مقارناً للظواهر الثقافية والاجتماعية ويتعمق الكتاب في قضية كيفية بناء هوية فكرية أفريقية، بينما يتناول الفصل الثاني مسألة: «الفهم العرقي والإثني للفلسفة الأفريقية» وهو يفتح مجالاً يناقش مفاهيم العرق والإثنية في الفلسفة الأفريقية وكيف استخدم بعض الفلاسفة هذه المفاهيم في بناء فلسفة أفريقية تتجاوز التصورات الاستعمارية، فيما يركز الفصل الثالث على «انزياح مفهوم الفلسفة الأفريقية»، حيث يستعرض مساهمات فلاسفة أفارقة في إعادة التفكير في الفلسفة الأفريقية، مشيراً إلى تطور تلك الفلسفة كحركة غير ثابتة، أما الفصل الرابع فهو يعالج فكرة «الفلسفة الأفريقية بوصفها ممارسة» أي الفضاء الذي تنداح فيه الأفكار والرؤى والفلسفات التي أنتجها الأفارقة، حيث يتناول القضايا السياسية والاجتماعية التي تتعلق بالقانون والحق والمجتمع المدني، مع التركيز على كيفية معالجة الفلاسفة الأفارقة لهذه القضايا في ضوء التقاليد الاستعمارية والتراث الثقافي الأفريقي ويختتم الكتاب هذا الجهد النظري والبحثي الكبير بالدعوة للتفكير في الفلسفة الأفريقية كفلسفة مترحلة ومتغيرة وتسعى إلى التجدد والتفكيك ولا تقتصر على وحدة أو ثبات.
* حيوية
الكتاب يؤكِّد على حيوية الفكر الأفريقي وتعدده وتنوع مصادره والظروف التي شكلته والمرجعيات التي أسهمت فيه وربما لذلك جاء عنوانه يحمل صيغة الجمع «فلسفات أفريقية»، وليست واحدة وذلك للتنوع الثقافي والاجتماعي للقارة نفسها ولكن تلك الخيوط المتعددة والمبعثرة هي التي تتجمع لتحيك تفاصيل فلسفة أفريقية متكاملة سيكون لها دورها الكبير، مثلما أصبح للأدب الأفريقي مكانته العالمية بسحره وجماله، ولعل من أهم اشتغالات هذه الفلسفة هي العمل على إزالة الاستعمار العقلي الذي لا يزال يعشعش في عقول وأذهان المثقفين الأفارقة؛ وطرح الثقافات البديلة، حيث تمتلك الأفكار الأفريقية قوتها من منظورها الخاص للأشياء، لذلك كانت بداية عمل هذه الفلسفة عبر الذات الأفريقية نفسها من أجل غربلة الوعي الزائف الذي يسكنها والذي يمجد بقصد أو بغير قصد الفكر الغربي ولئن كانت بدايات التوجه الفكري للأفارقة بالاستقلال وإنتاج رؤى خاصة بهم قد قوبلت بالتجاهل والتقليل في الغرب، فإن الفلسفة الأفريقية اليوم تجد مكانتها في الجامعات الغربية وفي أمريكا وهذا الكتاب هو أحد المحاولات الكبرى للتعرف إلى الفلسفات الأفريقية والاحتفاء بها.
* انغلاق
لكن الكتاب يحمل كذلك تحذيرات كثيرة من أن يؤدي النشاط الفكري الأفريقي، في حالات معينة نحو الانغلاق على الذات وتنمية شكل من أشكال الاستعلاء وربما كان للغرب نفسه دور في ظهور مثل هذه الرؤى المنغلقة من خلال التركيز الغربي على بدائية الإنسان الأفريقي وهو الذي ينتج نوعاً من الأفكار والاتجاهات الفلسفية المتطرفة.
* سيرة
سيفرين كودجو جراندفو، من مواليد عام 1977، عملت في عدد من الصحف الأفريقية وتعمل الآن في كبرى الإصدارات الفرنسية «اللوموند» ولعل هذا الكتاب لسيفرين، ليس نتاج فراغ، فهي متخصصة في الفلسفات الأفريقية المعاصرة ودراسات ما بعد الاستعمار وكذلك هي باحثة مشاركة في مختبر كلية باريس للدراسات والبحوث في المنطق والفلسفة المعاصرين ولها عدد من المؤلفات الفكرية وحصلت على عدد من الجوائز المرموقة وشاركت في إعداد كتاب «القانون والاستعمار»، الصادر عام 2005.
* اقتباسات
«رفض الفلسفة أمر فظيع للغاية».
«هناك غياب تام للحوار بين أفريقيا وأوروبا».
«كل موقف فكري جديد يحدث إرباكاً في المركزية الغربية».
«الفلسفة العرقية، مصممة بشكل خاص».
«خلقت أوروبا أشكالاً جديدة من الهيمنة على أفريقيا».
«مفهوم ثقافة (البدائيين)، غامض وظهر بشكل سيئ».
«مفهوم الثقافة الشفوية ينطوي على خطر الانطواء على الذات الأفريقية».
«الإصرار على (الثقافة السوداء)، ينتج نوعاً من الانغلاق أحياناً».
«هناك إعادة تأهيل متناقضة لمفهوم العرق».
«الفلسفة الأفريقية سوف تخوض أزمة هوية حقيقية وتواجهها».
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

«الشامخة» و«ملبي» يتألقان في مهرجان العين
«الشامخة» و«ملبي» يتألقان في مهرجان العين

صحيفة الخليج

timeمنذ ساعة واحدة

  • صحيفة الخليج

«الشامخة» و«ملبي» يتألقان في مهرجان العين

متابعة: محمد مصطفى شهدت منافسات اللقايا، تحديات قوية بين هجن أبناء القبائل، ضمن مهرجان العين لسباقات الهجن، حيث أقيم أمس 15 شوطاً لمسافة 3 كلم، على ميدان الروضة. وحلقت «الشامخة» لحمد الدرعي، بناموس اللقايا الأبكار في الشوط الأول، فيما حقق «ملبي» لمحمد العفاري، ناموس الشوط الثاني للقعدان. وفي الشوط الثالث، حصدت «بينونة» لمحمد العامري، ناموس الشوط الثالث للأبكار، وتصدر «عزام» لمحمد العفاري، الشوط الرابع للقعدان، وأعلنت الأشواط من الخامس وحتى الخامس عشر، فوز «نوعية» لسالم المنصوري، و«متعبة» لخليفة الشامسي، و«محتفل» لعماد الجنيبي، و«وصايف» لسعيد المنصوري، و«سكرة» لسالم السبوسي، و«النادر» لظافر الكتبي، و«بشاير» لأحمد السبوسي، و«هدوء» لجاسم الغيلاني، و«المتحد» لسعيد العامري، و«نشمية» لحمد الشامسي، و«مسيطر» لسعيد العويسي.

هيثم يوسف يحيي حفلاً في دبي 5 سبتمبر المقبل
هيثم يوسف يحيي حفلاً في دبي 5 سبتمبر المقبل

البيان

timeمنذ ساعة واحدة

  • البيان

هيثم يوسف يحيي حفلاً في دبي 5 سبتمبر المقبل

يحيي الفنان هيثم يوسف، الشهير بلقب «أمير الحب» حفلاً فنياً على مسرح «دبي أوبرا» في 5 سبتمبر المقبل. وسيكون الجمهور على موعد مع أمسية حافلة بالأعمال الغنائية الرومانسية التي تحملهم إلى الزمن الجميل، حيث سيقدم الفنان باقة متنوعة من أروع أغانيه التي لاقت إعجاب واستحسان الجماهير في العالم العربي. ولد المغني وكاتب الأغنيات والملحن العراقي هيثم يوسف في بغداد، وجذب الأسماع إليه للمرة الأولى في العام 1989 بأغنيته الناجحة «ما أصالحك»، وأطلق منذ ذلك الحين مجموعة واسعة من الأغنيات المميّزة، بما فيها تلك التي صارت تُعتبر من أغنيات الحب العربية الخالدة، مثل «أحباب الروح» و«صبر أيوب» و«ليش اختلف» و«يا شوق». ويمتلك هيثم يوسف خبرة فنية تمتدّ إلى أكثر من 30 عاماً، كرّس خلالها قاعدة واسعة من المعجبين في المنطقة، بفضل أسلوبه الذي يجمع بين السرد القصصي الشعري والنغمات المبتكرة. ويشكل هذا الحفل فرصة نادرة للاستماع إلى أشهر الأغنيات الرومانسية في الموسيقى العربية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store