logo
الإمام في بلاد المهجر: ناصر بن عمارة... صوت تونسي معتدل في قلب فرنسا

الإمام في بلاد المهجر: ناصر بن عمارة... صوت تونسي معتدل في قلب فرنسا

Babnetمنذ يوم واحد
– في إحدى ضواحي العاصمة الفرنسية باريس، وتحديدًا في حي "بوندي" بالدائرة 93، يتردد صوت الإمام ناصر بن عمارة من على منبر مسجد الرحمة.
صوت لا يحمل فقط الآذان والدعاء، بل يختزل سيرة طويلة امتدت من تونس إلى فرنسا، بين طلب العلم والدعوة وتربية الأجيال والدفاع عن الإسلام، طيلة سنوات من الهجرة لم يفارقها حب الوطن.
ناصر بن عمارة، إمام خطيب ، وعضو في المجلس الفيدرالي للفتوى بفرنسا ، ومدرّس للقرآن الكريم، هو واحد من أولئك التونسيين الذين اختاروا أن يكونوا صلة وصل حيّة بين بلدهم الأم تونس، وبلد الإقامة فرنسا. لم يغادر روحه شيء من تونس، ولم يفقد إيمانه بأن الهجرة لا تعني القطيعة، بل يمكن أن تكون شكلاً من أشكال الوفاء المستمر.
من جامع الزيتونة إلى ضواحي باريس
وُلد ناصر بن عمارة في تونس، وتعلّم في مدارسها، قبل أن يلتحق بجامعة الزيتونة، حيث تتلمذ على كبار علمائها، أمثال الشيخ محمد الأخوة و الشيخ عبد العزيز الزغلامي. لم تكن دراسته في الزيتونة مجرد مرحلة أكاديمية، بل كانت تأسيسًا لفكر ديني منفتح ومعتدل.
بعد سنوات من طلب العلم، قرر الانتقال إلى فرنسا في بداية الثمانينات. كانت النية الدراسة والعمل، فدخل في البداية مجال العلوم الاجتماعية، وكتب بحثًا عن تقسيم الدولة العثمانية سنة 1924 بين فرنسا وبريطانيا، لكنه لم يُكمل هذا المسار، فتحوّل نحو التجارة الحرة والتعليم.
في الأحياء الشعبية في باريس، بدأ ناصر في تدريس أبناء الجالية التونسية داخل بيته، بثمن زهيد، وإرادة لا تعرف التراجع. استمرّ على هذا النهج لأكثر من أربعة عقود، حتى بات أحد الوجوه الدينية البارزة في المجتمع المسلم بفرنسا، خاصة بين التونسيين.
الهجرة... أكثر من مجرد أرقام
خلال مشاركته في الملتقى الدولي للهجرة "بين الواقع والتحديات" ، الذي نظمته اليوم الاثنين بتونس الفيدرالية التونسية للعمال بالخارج ، تحدث الإمام ناصر بلغة الإنسان، لا بلغة الإحصاءات، قائلاً:
"الهجرة ليست أرقامًا، أو تحويلات مالية، الهجرة ناس... وجوه، تعب، كفاح يومي، ومساهمة حقيقية في الاقتصاد الوطني التونسي والمجتمع الفرنسي معًا".
ويرى الإمام أن الجالية التونسية في فرنسا ليست مجرد جالية، بل طاقة وطنية عظيمة ، تضم عمّالاً وأطباء ومهندسين وتجارًا وأساتذة وسياسيين، وأنها تمثّل تونس في الخارج خير تمثيل، مشيرًا أيضًا إلى أهمية الانخراط في المسارات القانونية للمهاجرين غير النظاميين.
الإسلاموفوبيا وتحديات التعايش
عبّر ناصر بن عمارة عن قلقه من تصاعد الإسلاموفوبيا في فرنسا ، معتبرا أنها من التحديات الكبرى التي تواجه المسلمين عامة، والجاليات المغاربية بشكل خاص، حاثًّا على التعايش بالحوار، والاندماج، والاحترام المتبادل.
التعليم واللغة والثقافة: رهان الأجيال
يشدّد الإمام ناصر على أهمية تعليم اللغة العربية والدين الإسلامي للأطفال المولودين في فرنسا. ويقول إن تونس، رغم تواضع إمكانياتها، تحرص على مواصلة إرسال بعثات تعليمية وموجهين تربويين إلى فرنسا.
وانتقد في المقابل غياب مركز ثقافي تونسي فاعل ، قائلاً:
ودعا إلى إنشاء مراكز ثقافية وفضاءات تعليمية تحفظ اللغة والهوية لأبناء الجيلين الثاني والثالث من التونسيين.
في مواجهة التطرف... الإمام في الصف الأمامي
خلال الأحداث الإرهابية التي شهدتها فرنسا باسم الدين، كان الإمام ناصر في ، ومن أوضح الأصوات في رفض ربط الإسلام بالعنف:
"نؤمن أن الإسلام بريء من الإرهاب، فالدين لا يدعو إلى القتل، الدين يبني ويحاور".
هذا الخط المعتدل جعله محل تقدير من قبل السلطات الفرنسية، والنخبة المثقفة، والشباب الباحث عن التوازن بين الهوية الدينية والاندماج المجتمعي.
بين جيلين... واستمرار الرسالة
في عمر الرابعة والستين، وبعد أكثر من أربعين سنة من العمل، لا يزال ناصر بن عمارة يؤمن أن مهمته لم تنته. يرى أن الجيل الجديد يحتاج إلى من يفهمه، يرشده، ويصنع له الجسور بدل الحواجز:
"أرغب في رؤية أولادنا المسلمين التونسيين الفرنسيين، يحترمون القانون، يتكلمون بلغتهم الأم، ويفهمون هويتهم. أريدهم فاهمين لتونس، وقريبين منها دائمًا، وواعين بفرنسا، ومتصالحين مع أنفسهم".
ناصر لم يكن فقط إمامًا، بل شاهدًا على تطور الجالية التونسية عبر العقود، و مربي أجيال ، و رجل حوار ، و مواطن تونسي في المهجر... لا يزال يحمل وطنه في القلب، ويحمله أيضًا في العمل اليومي.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مالي.. حظر تجول ليلي لمدة 30 يوماً في كاي ودويلا صحراء ميديا
مالي.. حظر تجول ليلي لمدة 30 يوماً في كاي ودويلا صحراء ميديا

صحراء ميديا

timeمنذ ساعة واحدة

  • صحراء ميديا

مالي.. حظر تجول ليلي لمدة 30 يوماً في كاي ودويلا صحراء ميديا

أعلنت السلطات الإقليمية في منطقتي كاي ودويلا في مالي، يوم الثلاثاء، فرض حظر تجول ليلي لمدة ثلاثين يومًا قابلة للتمديد، ابتداءً من 1 يوليو وحتى 30 يوليو 2025، وذلك على خلفية الهجمات المنسقة التي استهدفت مواقع عسكرية في إقليم كاي. وجاء في بيان صادر عن حاكم إقليم كاي، اللواء موسى سوماري، أن حظر التجول يشمل كامل المنطقة، ويُطبق يوميًا من الساعة التاسعة مساءً وحتى السادسة صباحًا، مع استثناء حركة المركبات التابعة لقوات الدفاع والأمن، وسيارات الإسعاف المزوّدة بأوامر رسمية. وفي الوقت نفسه، قرر حاكم إقليم دويلا في جنوب البلاد فرض حظر مماثل لمدة ثلاثين يومًا، بدءًا من الثلاثاء 1 يوليو وحتى 30 يوليو، من الساعة العاشرة مساءً وحتى السادسة صباحًا. ماذا حدث؟ شن مسلحون فجر الثلاثاء هجمات منسقة على مواقع تابعة للجيش المالي في سبع مدن جنوب البلاد، من بينها كوكي قرب الحدود مع موريتانيا، في أحدث تصعيد أمني تشهده المنطقة. واستهدفت الهجمات مدن كاي، نيورو دو الساحل، نيونو، غوغي، كاي، ودويلا، وتبنت جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» المرتبطة بتنظيم القاعدة مسؤوليتها عن الهجمات، وأعلنت سيطرتها على ثلاث ثكنات وعدد من النقاط العسكرية في كاي ونيورو ونيونو، بالإضافة إلى تنفيذ قصف على معسكر للجيش في بلدة مولودو. وأظهرت مقاطع مصورة نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي أعمدة دخان تتصاعد من مدينة كاي، بينما أبلغت مصادر أمنية عن أضرار في معسكرات ومراكز شرطة ومقرات إدارية. رواية الجيش اعترف الجيش المالي بهذه الهجمات، وقال إنه تمكن من صدها، متهمًا جهات ذات نفوذ أجنبي، دون أن يسميها، بدعم الجماعات المسلحة. وأضاف في بيان أنه تمكّن من صد الهجمات وتقويض محاولات المسلحين 'لإثارة الفوضى وإرهاب السكان'، مُلحقًا بهم خسائر فادحة. وكشف البيان أن القوات حيدت 80 مسلحًا في عدد من هذه المدن التي شهدت مواجهات مسلحة. وأشار إلى استيلاء الجيش على كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر، شملت أسلحة ثقيلة محمولة على مركبات، ورشاشات PKM، وأسلحة خفيفة، وذخائر متنوعة، وأجهزة اتصال لاسلكي، إضافة إلى عدد من الدراجات النارية والمركبات. لكن محللين اعتبروا أن الجيش لم يتمكن من السيطرة على هذه المناطق، باستثناء نيونو، حيث صد الجيش الهجوم، مسببًا خسائر فادحة في صفوف المهاجمين قُدرت بما لا يقل عن 30 قتيلًا.

مالي: الجيش يعلن مقتل 80 مسلحاً بعد هجمات على مواقعه
مالي: الجيش يعلن مقتل 80 مسلحاً بعد هجمات على مواقعه

الصحراء

timeمنذ 4 ساعات

  • الصحراء

مالي: الجيش يعلن مقتل 80 مسلحاً بعد هجمات على مواقعه

قال الجيش المالي، اليوم الثلاثاء، إنه قتل 80 مسلحاً، بعد تعرضه لهجمات متعددة في وقت مبكر من صباح اليوم، استهدفت مواقع عسكرية تابعة لها في سبع بلدات من وسط وغرب البلاد، من ضمنها نيونو ومولودو وكايس ونيور. ‎ واستهدفت الهجمات قواعد عسكرية على الحدود المشتركة مع موريتانيا السنغال. ‎ ولم يكشف الجيش المالي تفاصيل إضافية حول الهجمات أو الجهات التي تقف وراءها، كما لم تعلن أي جهة رسمية حتى الآن مسؤوليتها عما حدث. وربط مراقبون بين طبيعة العمليات وأسلوب جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" التي نفذت هجمات عديدة ضد قوات الجيش والمتعاونين الروس (فاغنر والفيلق الافريقي) في الأسابيع الأخيرة. ‎ وجاءت هذه الهجمات بعد يوم واحد من بيان مشترك لتحالف دول الساحل أعلن فيه تنفيذ عمليات نوعية في السنتين الأخيرتين، قتل من خلالها أكثر من أربعة آلاف "إرهابي".

العلمانية على مقاس الخوف: رحلة في متاهة الاشتباه

timeمنذ 13 ساعات

العلمانية على مقاس الخوف: رحلة في متاهة الاشتباه

كهمسة شاعر في أذن جمهورية وليدة: 'دعوا الإيمان وشأنه، واتركوا الضمائر تتنفس كما تشاء'. كانت وعدًا حرًا، لا يُحبس في قوانين، ولا يُقاد إلى المخافر. ثم تغيّر كل شيء. ربما لم تُغفر أبدًا خسارة الجزائر. ربما في فرنسا بقيت الهزيمة عالقة تحت جلد الجمهورية، كندبة لا تُرى لكنها تؤلم مع أول مطر. وربما جاءت حرب غزّة الأخيرة لتُخرج ما كان يُخفى: لم تكن فقط حربًا هناك، بل ذريعة جاهزة لإعلان معركة قديمة هنا، ضد الإسلام والمسلمين، في هواءٍ مشبع بالريبة. وكأن بعض الصحف أبرمت صفقة: لا توازن بلا عدو، ولا وحدة بلا فزّاعة. ومع الوقت، تاهت المعاني: هل نحن أمام قضية دين؟ أم هجرة؟ أم أمن؟ أم مجرد حنين خفيّ لزمنٍ استعماري كانت فيه 'اليد العليا' لا تُسأل؟ في الغرب اليوم، لا يكفي للمسلم أن يكون مواطنًا. بل يجب أن يكون مواطنًا قابلاً للعرض: أن يمشي على أطراف إيمانه، أن يبتسم باعتدال، أن يمارس دينه شريطة ألا يُخِلّ بـ'جمالية' النشرة المسائية. الحجاب؟ صار راية تخرق سكينة الشارع إذًا أنتِ غريبة في وطنك. تفتح مطعم كباب؟ خطر على الأمن القومي. المنتجات الحلال؟ خنادق ثقافية. والمساجد؟ قلاع لا تُفتح إلا بتصاريح. بينما يُصوّت الإنجيليون على طرد الشياطين، تُشرَّع القوانين حسب المسافة بين المعصم والكمّ. وحين يصدر تقرير جديد عن 'الإخوان المسلمين'، يُقدَّم كما لو أن فرنسا تواجه 'الهيدرا' – وحشًا أسطوريًا تنمو له رؤوس كلما قُطعت واحدة. بينما الواقع لا يتعدّى كوابيس محلية، تغذّيها شاشات لم تنسَ بعد نشوة التحكم حين كان المتوسط بحرًا للهيمنة. هكذا تتحول الدولة إلى خيّاطٍ للضمائر: تُفصّل الإسلام على مقاس مخاوفها، تقصّ منه ما لا يناسب المرآة، وتخيطه بلون رمادي لا يزعج الذوق العام. إسلام بلا مطالب، بلا ظلّ، بلا ذاكرة. إسلام لا يُذكّر بشيء بدأ من الموانئ، وانتهى في مقبرة استعمارية. وحين حاولت الدولة 'تصنيع' أئمة محلّيين، نسيت بناء المصنع. لا جامعات، لا تمويل، لا رؤية. فقط الشك. دائمًا الشك. لأن النظرة الاستعمارية القديمة لا ترى في المسلم المحلي إلا صدىً لـ'الخطر الخارجي'، مهما كان قريبًا ومألوفًا. ومع هوس الواجهة، وُلد 'إسلام الأنوار' كمنتج تلفزيوني: لا يُصلّى فيه، بل يُبتسم به. وجاء الشلغومي بدور النبي المُريح، صديق الوزراء، عدو المقاطعة، مرآة لا تعكس شيئًا إلا رغبة الجمهورية في ألا ترى شيئًا. لكنّ السبب ليس الخوف من الإرهاب، بل من الحقيقة: أن التعدّد لم يكن يومًا خطرًا، بل مرآةً تعكس هشاشتنا، وذاكرتنا المُتعبة، وذنبًا لم يُسمَّ قط، فتحوّل إلى عداء. وفي النهاية، لن تصنع الجمهورية مسلمًا مثاليًا… بل غريبًا مثاليًا، في وطنٍ لا يعترف به إلا إذا أنكر ذاته. غريبٌ في لغته، في صلاته، في مطعمه، في مرآته. غريبٌ لأنّه لم يُخلَق ليرضي الصورة، بل ليكون نفسه.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store