
"الصحبة الحلوة" دراما الشيخوخة بنكهة شبابية
ويُعد العمل عودة فنية للنجمة العراقية هدى حسين بعد غيابها عن الموسم الماضي، حيث تؤدي دور "سدرة" وهي سيدة في السبعين من عمرها، في دور تطلب منها تحضيرات خاصة وجهدًا تمثيليًا كبيرًا. ويشاركها البطولة عدد من نجوم الدراما الخليجية، منهم فنيسيا هارون، هبة المطيري، عبد الله التركماني، أنوار المنصور.
وشهدت الحلقة الثانية من المسلسل ظهور الفنانة مرام البلوشي كضيفة شرف، مجسّدة شخصية المغنية "خديجة" وقد لاقى أداؤها لأغنية "آه يا الأسمر يا زين" من الفلكلور الخليجي تفاعلًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي.
والمسلسل من تأليف عبد الله الحسيني وعبد العزيز السبيعي، وإخراج محمد دحام.
حبكة خارج المألوف
حرص كاتبا مسلسل "الصحبة الحلوة" على تقديم حبكة درامية غير تقليدية، من خلال تسليط الضوء على التحديات النفسية والاجتماعية التي تواجه النساء في مرحلة الشيخوخة، وهي زاوية نادراً ما تتناولها الدراما العربية التي غالبًا ما تهمّش كبار السن وتحصرهم في أدوار هامشية كوالدي الأبطال.
وتدور الأحداث في إطار اجتماعي كوميدي، حول السبعينية "سدرة عتيج" (هدى حسين) التي تتلقى خبر وفاة إحدى صديقاتها القدامى. وأثناء العزاء، تلتقي صديقتي طفولتها "فيضة" (هبة المطيري) ذات الطابع البدوي، و"موزة" (فينيسيا هارون) المهتمة بالموضة والجمال، بعد فراق دام نحو 50 عاماً. ومن هذا اللقاء تنطلق رحلة البحث عن صديقتهن الرابعة "خديجة زيدان" واسترجاع ذكريات الماضي.
وقد نال العمل إشادة كبيرة من الجمهور، خاصة محبي "النوستالجيا" لما يقدمه من استحضار دقيق لمراحل الطفولة والشباب بالمجتمع الخليجي، في أسلوب سردي محكم وواقعي، استطاع جذب مختلف الفئات العمرية، بما في ذلك الأجيال الأصغر سنا.
الدراما على الطريقة المسرحية
يبدو أن المخرج دحام حرص على أن تكون تجربته السادسة مع النجمة هدى حسين مختلفة واستثنائية، من خلال تبنّي أسلوب إخراجي يحمل بصمة مسرحية واضحة. فقد ركز على التمثيل المباشر وسرعة الإيقاع والحضور القوي للشخصيات، وهو خيار منح المسلسل طابعًا خاصًا وقربه من المتلقي، مما ساهم في شد الانتباه منذ اللحظات الأولى.
وقد ابتعد دحام عمدًا عن المؤثرات البصرية الزائدة أو العناصر الزخرفية التي قد تشتت الانتباه، مفضلا تكثيف التركيز على الأداء التمثيلي الخالص، ضمن إيقاع درامي سريع ومشحون، مما أضفى على العمل حيوية وواقعية. وقد ساعد هذا النهج في إبراز البعد النفسي للشخصيات، ونقل حالاتها الشعورية بدقة إلى المشاهد.
كما استخدم زوايا تصوير مبتكرة تجعل الجمهور أقرب إلى الحدث، وكأنه داخل المشهد، وهو ما عزز الطابع المسرحي للمسلسل وابتعد به عن التصنع، مقدمًا صورة بصرية أقرب إلى الواقع.
وعلى صعيد الموسيقى التصويرية، نجح دحام في إرساء توازن مدروس، عبر توظيف ألحان مرافقة تعزز الإحساس بالمشهد دون أن تطغى على الأداء. وقد برزت في هذا الجانب السورية العالمية ليال وطفة التي قدمت مقطوعات موسيقية اتسمت بالحس المرهف والانسجام مع لغة الصورة، مضيفة بُعدًا جماليًا ملموسا للعمل.
المواهب الشابة
ورغم تركيز مسلسل "الصحبة الحلوة" على قضايا الشيخوخة وتقديم بطولات نسائية من فئة عمرية متقدمة، وهي أدوار جسدتها النجمات باحترافية لافتة، فإن هذا العمل لم يُغفل الأجيال الشابة، بل أتاح مساحة بارزة لعدد من الممثلين الشباب، مما أضفى توازنا دراميا وأثرى السياق العام للقصة بتنوع في التجارب والأداء.
وقد قدّمت الخطوط الدرامية الموازية في "الصحبة الحلوة" مساحة مهمة لعدد من الوجوه الشابة، مما أتاح لهم فرصة تقديم أداء تمثيلي لافت. ورغم أن هبة المطيري تأتي من خلفية إعلامية، وفينيسيا هارون تُعرف كواحدة من أبرز المدونات على الإنترنت، فقد نجح العمل في إعادة اكتشاف طاقاتهما الفنية، ضمن مقاربة درامية متوازنة لا تقتصر على فئة عمرية واحدة، بل تستعرض طيفاً واسعاً من التجارب والشخصيات الإنسانية.
ومن بين الأسماء الشابة التي برزت قدمت الممثلة سعاد الشطي أداءً مميزا في دور "لولوة" مجسّدة شخصية المرأة الخليجية الشابة القوية والمستقلة، معتمدة على موهبتها الأكاديمية التي صقلتها في المعهد العالي للفنون المسرحية.
كما لفتت سارة العنزي الانتباه بدورها في شخصية "أميرة" التي تجمع بين البراءة والدهاء، وقدّمتها بأسلوب متوازن أظهر نضجا فنيا واضحا.
وشارك في العمل أيضا عدد من الممثلين الشباب، من بينهم منصور البلوشي، أحمد الرشيدي، ميثم الحسيني، الذين أضفوا بعداً كوميدياً ذكياً على الأحداث، وأسهموا في تنويع الإيقاع الدرامي للمسلسل.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
أشباح الرقابة في سوريا.. شهادات عن مقص أدمى الثقافة وهجّر المبدعين
لعقود طويلة، وقفت الرقابة في سوريا حتى سقوط نظام بشار الأسد كسد منيع، لا يمنع فقط تقدم الكتاب والإنتاج الأدبي والفني، بل يفرض منطقه الخاص الذي تحكمه الأهواء السياسية والولاءات الشخصية. لم يكن مقص الرقيب واحدا، بل كان أخطبوطا متعدد الأذرع، توزعت سلطته بين وزارات الإعلام والثقافة والأوقاف والتربية، مرورا باتحاد الكتاب العرب، وصولا إلى القيادة القطرية لحزب البعث، لتضع المنتج الإبداعي تحت رحمة قرارات متناقضة ومزاجية، حيث منعت كتب كاملة بسبب بضع صفحات، وأودعت أفلام في غياهب الأدراج بسبب لقطة واحدة. في مواجهة هذا الواقع المعقد، يرتفع صوت يدعو إلى تغيير جذري في المقاربة. رئيس اتحاد الناشرين في سوريا، هيثم الحافظ، يطالب بإعادة تعريف العلاقة بين السلطة والكتاب. وفي حديثه لوكالة الأنباء الألمانية، يقول الحافظ: "نطالب كناشرين بإلغاء الرقابة على العلم والمعرفة". ويوضح: "ما ندعو إليه هو وجود تقييم للكتب، خاصة عندما يكون الكاتب ضعيفا وكتابه لا يحمل ثقافة حقيقية للمجتمع أو يحتوي على أخطاء معرفية. هذا الأمر يسمى تقييم معايير الكتب، فالكتاب السيئ يرفضه المجتمع بطبيعته". رقابة المصالح.. حين يمزق الفن كرمى لـ"المقربين" يغوص الكاتب محمد منصور في تفاصيل تلك الرقابة التي تجاوزت النصوص لتطال الأجساد المطبوعة للصحف والمجلات. "كانت هناك رقابات على كل شيء"، يقول منصور، "على الكتب، المجلات، الصحف، والأعمال الفنية، وحتى على المطبوعات العربية والأجنبية التي توزع في سوريا". ويروي منصور كشاهد على تلك الممارسات: "كانت الرقابة تقوم بتمزيق صفحات من الصحف والمجلات حين لا يعجبها مقال ما، ثم توزعها في الأسواق ناقصة وممزقة. أذكر في تسعينيات القرن العشرين أن ناقدا من مصر كتب مقالا يهاجم فيه ألبوما غنائيا للمطربة ميادة حناوي، فأمر وزير الإعلام آنذاك، محمد سلمان، بتمزيق المقال قبل توزيع المجلة في الأسواق، لأن الحناوي كانت مقربة من السيد الرئيس". إعلان ولم تقتصر المأساة على التمزيق، بل امتدت إلى الزمن المفتوح للانتظار. يضيف منصور: "طبعا، لم يكن هناك وقت محدد للفترة التي يقضيها الكتاب لدى الرقابة قبل أن يخرج بموافقة طباعة أو لا… قد يمتد الأمر لسنين… وقد يقولون لك ببساطة: لقد ضاع المخطوط". ندوب على جسد السينما الكاتب والمسرحي السوري سامر محمد إسماعيل يقر بهذا الاشتباك الدائم بين المبدع والرقيب الرسمي، وهو الذي دفع ثمنه مباشرة. يقول إسماعيل: "شخصيا، منع لي أكثر من فيلم. أولها كان بعنوان "حمرا طويلة"، وهو من إنتاج وإخراج المخرج الأميركي من أصل سوري علي أكرم محمد. وفيلمي الثاني "يحدث في غيابك"، الذي أخرجه سيف سبيعي، وبعد موافقة لجنة النصوص على السيناريو، قاموا بحذف المشهد الأخير من الفيلم بعد تصويره". أما المعركة الأكبر فكانت مع فيلم "حي المنازل" الذي أخرجه الفنان غسان شميط. يكشف إسماعيل: "شكلت وزيرة الثقافة السابقة "لبانة مشوح" لجنة من أجله، وقامت بمنع الفيلم لأنه صور مظاهرة في سوق الحميدية. لهذا، أودع الفيلم في غياهب أدراج المؤسسة العامة للسينما، وحتى الآن لا يعرف مصيره". ويكشف إسماعيل عن جرح أعمق: "أفلام كثيرة قامت الجهات المنتجة بتحويرها وتشويهها، وللأسف حملت توقيعي وأنا غير راض عنها. لقد تدخلت فيها العديد من الجهات الأمنية زمن النظام البائد. فيلمي "سلم إلى دمشق"، الذي كتبته مع الفنان والمخرج محمد ملص وهو من إنتاج فرنسي لبناني وبمنحة من مؤسسة الدوحة للأفلام، تم أيضا منع عرضه في سوريا. للأسف، العديد من الأشرطة التي كتبتها كانت تتعرض للتحوير والتشويه بعد أن أتنازل عنها لمصلحة المؤسسة العامة للسينما". رقابة سابقة ولاحقة لم تقتصر القبضة الرقابية على الإنتاج المحلي، بل كانت أشد قسوة على الإنتاج الأدبي الخارجي، العربي والمترجم. يحدد الكاتب والمترجم الدكتور ثائر ديب دور وزارة الثقافة تجاه الكتب المترجمة بأنه "ينحصر في جودة الترجمة وجودة الكتابة أكثر منها على الفكر والرأي". لكنه يوضح الفارق الجوهري في آلية العمل: "الرقابة في سوريا سابقة على النشر، وبالتالي هي بعكس كثير من دول العالم التي تكون فيها الرقابة تالية للنشر، بمعنى أن من يسيء إليه الكتاب يمكن أن يرفع دعوى عليه بعد صدوره". ويضيف الدكتور ديب: "الرقابة على تلك الكتب الخارجية تكون بسحب بعضها من التداول، ويمكن أن تلاحق الكتب القادمة من الخارج في المعارض. لقد رأينا بأم العين كيف كانت لجان تنزل إلى ساحة معرض مكتبة الأسد، كما كانت تسمى سابقا، وتطلب كتبا معينة لتسحبها من التداول". "القارئ الرقيب" لم تكتف الرقابة السورية بالجهات الرسمية المتشعبة، بل عملت على إيجاد رقيب جديد، هو "رقابة القارئ". يكشف الكاتب باسم سليمان عن هذه الآلية المبتكرة في القمع، التي طالت أعماله شخصيا. يقول: "في معرض الكتاب 2019، منعت روايتي "نوكيا" والمجموعة القصصية "تماما قبلة"، الصادرتان عن دار سين، وهي دار نشر سورية كانت قد حصلت على الموافقات الأمنية لطباعتهما. فلماذا حدث المنع؟". ويأتي الجواب الصادم: "كان الجواب بأن القائمين على المعرض اقترحوا رقابة جديدة سميت "رقابة القارئ"، حيث يقوم أحد القراء (العوايني الثقافي) بالتبليغ عن أحد الكتب بأنه تجاوز الحد". ورغم ذلك، يختم سليمان بنبرة تحد: "لا أعتقد أن الرقابة مهما كانت سطوتها قادرة على منع الإبداع. وها قد هبت رياح الثورة في بلدنا، فمن سيمنع الآن كتبي من التحليق في سماء بلادي؟ فكما قال هوميروس: للكلمات أجنحة". مزاجية الرقيب وهجرة الكتاب يرى الكاتب والناشر سميح العوام أن الرقابة كانت تخضع "لمزاجية الرقيب، ولوساطة وقوة الناشرين". ويضيف: "بعض الكتاب طبعوا كتبهم خارج سوريا، أو طبعت سرا في مطابع دمشق بعد دفع مبالغ مالية لعناصر الأمن الذين يراقبون المطابع، بسبب المنع الذي تقوم به الرقابة التي تشوه الكتاب. بعضهم توجه إلى بيروت لطباعة كتبه، ومن بين القصص المعروفة في سوريا أن ناشرا عراقيا قام بطبع العديد من الكتب التي كانت ممنوعة طباعتها نظرا لعلاقاته مع السلطة". هذا التضييق الممنهج دفع بالكتاب إلى المنفى، كما يقول الكاتب والناشر أيمن الغزالي: "هاجر الكثير من الكتاب والأدباء خارج سوريا، والكتابات الحقيقية التي تعكس واقع الثقافة الحقيقية أغلبها منع من الدخول إلى البلد، وحرمت دور النشر من الإبداع السوري الحقيقي". ويضيف الغزالي ملاحظة دقيقة: "الرقابة أصبحت على الكاتب نفسه". المنع والسماح حسب بوصلة الولاء السياسي في المحصلة النهائية، يبدو أن قرار المنع والسماح للكتب في سوريا لم يكن يتعلق بمضمونها بقدر ما كان يتعلق بموقف الكاتب من السلطة. يؤكد المسؤول الإعلامي في دار الفكر بدمشق، وحيد تاجا، هذه الحقيقة: "هناك العديد من الكتب كانت ممنوعة ثم سمح بها، ثم أعيد منعها". ويقدم أمثلة حية: "لدينا سلسلة "حوارات لقرن جديد"، وهي سلسلة تستضيف كتابا ومفكرين عربا منهم صادق جلال العظم، وجمال باروت، وأحمد برقاوي. كانت كتب هؤلاء مسموحة، لكن بعد الثورة في عام 2011 ونظرا لوقوفهم إلى جانبها، تم منع كتبهم. وكذلك كان الأمر بالنسبة للشيخ يوسف القرضاوي، حيث كانت كتبه ممنوعة، وعندما زار سوريا قبل الثورة سمح بتداولها، ثم منعت، والآن تعود تلك الكتب مجددا".


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
مجزرة استراحة "الباقة".. حين يتحول المقهى إلى مسرح موت بغزة
في واحدة من أكثر صور التناقض قسوة ودموية، تحولت استراحة ترفيهية على شاطئ بحر مدينة غزة إلى مسرح لمجزرة جديدة أُطلق عليها اسم "مجزرة كافتيريا الباقة"، لتوثق صدمة كبرى في الوجدان الغزي بين مكان خصص أصلا ليكون ملاذا للراحة من ضغوط الحرب والحصار، فتحول في لحظات إلى ساحة دمار وذكرى دامية لن تمحى من ذاكرة المدينة المحاصرة. لم يكن الجالسون في الكافتيريا سوى نازحين فرّوا من القصف المستمر، وصحفيين يسعون لتوثيق معاناة الناس، وطلاب بحثوا عن إشارة اتصال يطمئنون بها أهاليهم بأنهم ما زالوا أحياء. لكن الصاروخ الذي استهدف المكان أغلق كل الأبواب، ليعيد تعريف الحياة والموت على الطريقة الغزية: حيث لا مكان آمنا ولا زمن للهدنة. ومع انتشار صور الدماء والأشلاء الممزقة على الشاطئ، اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي موجة صدمة وحزن عميق، إذ تفاعل آلاف النشطاء والمدونين مع هذه الجريمة المروعة، متسائلين عن حجم التناقض بين كلمتين لا يمكن أن تجتمعا في مكان واحد: "مجزرة" و"كافتيريا". وقال أحد المدونين: "لك أن تتأمل حجم التناقض بين الكلمتين: "مجزرة" و"كافتيريا". من كان يتخيل يوما أن تتحول الكافتيريا، المُعدّة أصلا للترفيه والاستمتاع قبالة شاطئ البحر، إلى بركة من دماء البشر تسبح فيها الأشلاء الممزقة؟". ورأى آخرون أن غزة هي المكان الوحيد الذي لا يعرّف فيه التناقض عن نفسه كما في أي مكان آخر، حيث أعادت الإبادة صياغة كل المفاهيم بطريقة دامية ومأساوية، حتى إن من كان داخل الكافتيريا لم يكن هناك للاستجمام، بل للبحث عن نافذة حياة وسط الحرب. وأشار نشطاء إلى أن كل محاولة يقوم بها شاب غزي لصناعة نصف حياة أو أخذ قسط قصير من الراحة بعيدا عن مشاهد الدماء تُقصف فورا، لتؤكد مجددا أنه لا مكان آمنا على الإطلاق. وأكدوا أن استراحة "الباقة" لم تكن مجرد مقهى، بل بيتا وملتقى للأصدقاء والشباب من شمال غزة إلى جنوبها، حتى تحوّلت إلى قبر جماعي في لحظة واحدة. حكايات الشهداء الأخيرة رأى عدد من النشطاء أن كثيرا من الجالسين في تلك اللحظة كانوا قد وعدوا أهاليهم بلحظة صفاء قصيرة قرب البحر، محاولة للابتعاد عن أجواء الموت التي تملأ المكان، لكن المحتل المجرم أرسل صواريخه عليهم ليغتال لحظة تجرؤوا فيها على استنشاق السعادة، ويحيل يومهم إلى فاجعة جديدة تُضاف إلى سلسلة طويلة من المآسي. وأضاف آخرون أن استراحة "الباقة" لم تكن مجرد مقهى، بل كانت بمثابة بيت يجمع شباب غزة وملتقى للأصدقاء والأحبة بلا مواعيد، ليحوّلها الاحتلال اليوم إلى قبر جماعي وصورة أخرى من صور الإبادة الجماعية. شهادات مؤلمة وصور لا تُنسى وأشار مدونون إلى أن الجميع كان يقصد "الباقة" دون موعد محدد، لأنها كانت المكان الذي يلتقي فيه كل من تعرفه، لكنهم اليوم اجتمعوا على موعد واحد مع الموت، وتحولت الذكريات على شاطئ البحر إلى مجزرة مفتوحة على الحزن. وكتب أحد النشطاء: "كافتيريا الباقة لم تكن مجرد استراحة، كانت ملاذا أمانا، متنفسنا الوحيد الذي نجتمع فيه كأنها بيتنا. وللأسف، تحوّل هذا المكان إلى مسلخ ومقبرة وموت جماعي". وأضاف آخر: "في غزة، حتى الشاطئ لم يعد آمنا، حتى البحر صار ساحة موت". الرمال والبحر شهود على المأساة واعتبر آخرون أنه على شاطئ البحر، حيث تهرب العائلات من الموت إلى نسمة حياة، ارتكب الاحتلال مجزرة مكتملة الأركان. وقال أحد المدونين: "كانت الرمال تضحك تحت أقدام الأطفال، والماء يداوي الخوف للحظة، ثم جاء الصاروخ فامتلأت الاستراحة بالدم، لا بالأصداف". وكتب آخر: "في لحظة، تحوّلت الباقة التي جمعت العائلة والضحك والطعام البسيط إلى صمت أبدي. جثث مبعثرة على الرمال، أمهات يصرخن بجنون، وآباء يبحثون عن أطراف صغارهم بين الأمواج". وأضاف مدون آخر: "في استراحة الباقة أجساد مقطعة بلا ملامح… رؤوس طارت إلى البحر وصار الموج يحمل أشلاءهم. مجزرة جديدة تُسجل في ذاكرة الدم". إعلان وتساءل عدد من المدونين بمرارة: "أي ذنب اقترفه هؤلاء؟ أي تهديد شكلوه على هذا الشاطئ العاري من كل شيء إلا الحياة؟ كانت النزهة الأخيرة، وكانت البسمة الأخيرة، وكان البحر شاهدا على مجزرة مكتملة الأركان. كيف لشعب هزيل وضعيف أن يتحمل كل هذا الظلم الهائل؟". مسرح جريمة مكتملة الأركان ورأى آخرون أن لحظة صفاء قصيرة تحوّلت إلى مسرح جريمة مكتملة الأركان، إذ تحوّل المكان في ثوانٍ إلى مشهد يفوق الوصف، حيث الأشلاء المبعثرة على الكراسي، والصراخ الممزوج برائحة البحر، والدماء التي تغسلها أمواج الصمت العربي. وأكدوا أن القصف وقع بلا أي إنذار مسبق، لتُزهق أرواح الجالسين في لحظة واحدة، تماما كما يُقتل الحلم في هذه البقعة المنكوبة التي اعتادت أن تدفع ثمنا باهظا لمجرد التجرؤ على الحياة. بدوره، قال مصدر طبي بمستشفى الشفاء لقناة الجزيرة إن 34 شهيدا -معظمهم من النساء والأطفال- سقطوا في القصف الإسرائيلي، وسط تقديرات بأن الحصيلة مرشحة للارتفاع بسبب الإصابات الخطيرة.


الجزيرة
منذ 2 أيام
- الجزيرة
"الصحبة الحلوة" دراما الشيخوخة بنكهة شبابية
طرحت منصة "شاهد" مؤخرًا المسلسل الكويتي "الصحبة الحلوة" الذي نجح في تصدر قائمة الأعمال الأكثر مشاهدة في منطقة الخليج خلال أيام قليلة، رغم عرض عدد محدود من حلقاته. ويُعد العمل عودة فنية للنجمة العراقية هدى حسين بعد غيابها عن الموسم الماضي، حيث تؤدي دور "سدرة" وهي سيدة في السبعين من عمرها، في دور تطلب منها تحضيرات خاصة وجهدًا تمثيليًا كبيرًا. ويشاركها البطولة عدد من نجوم الدراما الخليجية، منهم فنيسيا هارون، هبة المطيري، عبد الله التركماني، أنوار المنصور. وشهدت الحلقة الثانية من المسلسل ظهور الفنانة مرام البلوشي كضيفة شرف، مجسّدة شخصية المغنية "خديجة" وقد لاقى أداؤها لأغنية "آه يا الأسمر يا زين" من الفلكلور الخليجي تفاعلًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي. والمسلسل من تأليف عبد الله الحسيني وعبد العزيز السبيعي، وإخراج محمد دحام. حبكة خارج المألوف حرص كاتبا مسلسل "الصحبة الحلوة" على تقديم حبكة درامية غير تقليدية، من خلال تسليط الضوء على التحديات النفسية والاجتماعية التي تواجه النساء في مرحلة الشيخوخة، وهي زاوية نادراً ما تتناولها الدراما العربية التي غالبًا ما تهمّش كبار السن وتحصرهم في أدوار هامشية كوالدي الأبطال. وتدور الأحداث في إطار اجتماعي كوميدي، حول السبعينية "سدرة عتيج" (هدى حسين) التي تتلقى خبر وفاة إحدى صديقاتها القدامى. وأثناء العزاء، تلتقي صديقتي طفولتها "فيضة" (هبة المطيري) ذات الطابع البدوي، و"موزة" (فينيسيا هارون) المهتمة بالموضة والجمال، بعد فراق دام نحو 50 عاماً. ومن هذا اللقاء تنطلق رحلة البحث عن صديقتهن الرابعة "خديجة زيدان" واسترجاع ذكريات الماضي. وقد نال العمل إشادة كبيرة من الجمهور، خاصة محبي "النوستالجيا" لما يقدمه من استحضار دقيق لمراحل الطفولة والشباب بالمجتمع الخليجي، في أسلوب سردي محكم وواقعي، استطاع جذب مختلف الفئات العمرية، بما في ذلك الأجيال الأصغر سنا. الدراما على الطريقة المسرحية يبدو أن المخرج دحام حرص على أن تكون تجربته السادسة مع النجمة هدى حسين مختلفة واستثنائية، من خلال تبنّي أسلوب إخراجي يحمل بصمة مسرحية واضحة. فقد ركز على التمثيل المباشر وسرعة الإيقاع والحضور القوي للشخصيات، وهو خيار منح المسلسل طابعًا خاصًا وقربه من المتلقي، مما ساهم في شد الانتباه منذ اللحظات الأولى. وقد ابتعد دحام عمدًا عن المؤثرات البصرية الزائدة أو العناصر الزخرفية التي قد تشتت الانتباه، مفضلا تكثيف التركيز على الأداء التمثيلي الخالص، ضمن إيقاع درامي سريع ومشحون، مما أضفى على العمل حيوية وواقعية. وقد ساعد هذا النهج في إبراز البعد النفسي للشخصيات، ونقل حالاتها الشعورية بدقة إلى المشاهد. كما استخدم زوايا تصوير مبتكرة تجعل الجمهور أقرب إلى الحدث، وكأنه داخل المشهد، وهو ما عزز الطابع المسرحي للمسلسل وابتعد به عن التصنع، مقدمًا صورة بصرية أقرب إلى الواقع. وعلى صعيد الموسيقى التصويرية، نجح دحام في إرساء توازن مدروس، عبر توظيف ألحان مرافقة تعزز الإحساس بالمشهد دون أن تطغى على الأداء. وقد برزت في هذا الجانب السورية العالمية ليال وطفة التي قدمت مقطوعات موسيقية اتسمت بالحس المرهف والانسجام مع لغة الصورة، مضيفة بُعدًا جماليًا ملموسا للعمل. المواهب الشابة ورغم تركيز مسلسل "الصحبة الحلوة" على قضايا الشيخوخة وتقديم بطولات نسائية من فئة عمرية متقدمة، وهي أدوار جسدتها النجمات باحترافية لافتة، فإن هذا العمل لم يُغفل الأجيال الشابة، بل أتاح مساحة بارزة لعدد من الممثلين الشباب، مما أضفى توازنا دراميا وأثرى السياق العام للقصة بتنوع في التجارب والأداء. وقد قدّمت الخطوط الدرامية الموازية في "الصحبة الحلوة" مساحة مهمة لعدد من الوجوه الشابة، مما أتاح لهم فرصة تقديم أداء تمثيلي لافت. ورغم أن هبة المطيري تأتي من خلفية إعلامية، وفينيسيا هارون تُعرف كواحدة من أبرز المدونات على الإنترنت، فقد نجح العمل في إعادة اكتشاف طاقاتهما الفنية، ضمن مقاربة درامية متوازنة لا تقتصر على فئة عمرية واحدة، بل تستعرض طيفاً واسعاً من التجارب والشخصيات الإنسانية. ومن بين الأسماء الشابة التي برزت قدمت الممثلة سعاد الشطي أداءً مميزا في دور "لولوة" مجسّدة شخصية المرأة الخليجية الشابة القوية والمستقلة، معتمدة على موهبتها الأكاديمية التي صقلتها في المعهد العالي للفنون المسرحية. كما لفتت سارة العنزي الانتباه بدورها في شخصية "أميرة" التي تجمع بين البراءة والدهاء، وقدّمتها بأسلوب متوازن أظهر نضجا فنيا واضحا. وشارك في العمل أيضا عدد من الممثلين الشباب، من بينهم منصور البلوشي، أحمد الرشيدي، ميثم الحسيني، الذين أضفوا بعداً كوميدياً ذكياً على الأحداث، وأسهموا في تنويع الإيقاع الدرامي للمسلسل.