
خلايا ناعمة.. كيف تغلغل الإخوان داخل بلديات فرنسا الكبرى؟
في شوارع ليل وليون ومرسيليا، ترتسم معالم مشروع أيديولوجي صامت، يتسلل عبر الجمعيات والمدارس والمساجد، مشكلا نظاما موازيا يسير نحو التأثير السياسي المحلي.
فبينما تنشغل الدولة بمركزية القرار، يستثمر الإسلام السياسي ـ بنسخته الإخوانية والسلفية ـ الهامش البلدي، ليبني من هناك قواعده، ويمد جذوره في تربة المجتمع، لا من باب المواجهة، بل تحت غطاء الهوية والانتماء والخدمات.
فمستفيدًا من أدوات محلية، بات «نشاط الإسلام السياسي في فرنسا أكثر تماسكًا وهيكلية»، بحسب تقرير استخباراتي رسمي كشف عن خريطة دقيقة لانتشاره داخل المدن الكبرى، عبر شبكات جمعيات ومدارس ومساجد مرتبطة بتوجهات إخوانية وسلفية».
خطة التغلغل تلك، نشرت مقتطفات منها، صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية، عبر تقرير استخباراتي مؤلف من 74 صفحة أُنجز بطلب من مسؤولَين حكوميين رفيعي المستوى في مايو/أيار 2024، أي قبل قرار حل الجمعية الوطنية الفرنسية، كشف عن نظام موازٍ ومعقد للإسلام السياسي في عدد من المناطق الفرنسية، خاصة ليل، ليون، ومرسيليا.
فكيف مد الأخطبوط الإخواني أذرعه؟
من منطقة ليل شمالي فرنسا، رصد التقرير وجود نظام إخواني محلي متكامل تدعمه جمعيات دينية وتعليمية، أبرزها: مسجد ليل الكبير (GML)، الذي يعد مركز الثقل في هذه المنظومة، ويرأسه أيضًا المسؤول السابق عن المجلس الإقليمي للشؤون الإسلامية، كذك الرابطة الإسلامية الشمالية (LIN)، الداعمة للمسجد، ولها امتداد بين مسلمي الشمال (RAMN)، ومركز المدينة الإسلامي (CIV)، تأسس في أوائل الألفينات، ويشكل جزءًا من هذه الشبكة.
ويرصد التقرير -كذلك- مدرسة ابن رشد الخاصة، التي تستقبل 800 طالب، ويتولى خزنتها مخلوف ماميش، عضو المكتب التنفيذي في منظمة مسلمو فرنسا، وتمول من GML وLIN وCIV.
ويشير التقرير إلى أن نحو 30 شخصية محلية تُعرف بأنها قيادات ضمن هذه الحركة، وتحتل مواقع مؤثرة داخل المؤسسات المحلية، مما يعكس وجود نمط من السيطرة الاجتماعية والثقافية.
ليون.. إرث جمعياتي متجذر
لم تكن منطقة ليل وحدها إحدى بؤر تمركز الإخوان، بل إن التنظيم مد أذرعه إلى منطقة ليون التي تُعتبر من أبرز النقاط الساخنة، حيث تعمل جمعيات عدة ذات صلة بمنظمة Musulmans de France، أو تتبنى نهجًا فكريًا قريبًا من جماعة الإخوان المسلمين.
من أبرز الكيانات: اتحاد الشباب المسلمين (UJM)، المتأثر بأفكار طارق رمضان، ويعود نشاطه إلى الثمانينات، ومسجد عثمان الكبير في فيلوربان، ومجمع ديسين الثقافي، الذي يضم مدرسة ومسجد الكندي.
ويشير التقرير إلى أن 94 جمعية تنشط في المنطقة، تتنوع بين أنشطة خيرية وتعليمية ودينية، وتشارك أعضاء مشتركين وروابط فكرية وإن لم تربطها علاقات تنظيمية مباشرة.
ولوحظ، حسب التقرير، تصاعد في مظاهر التديّن المتشدد، مثل ارتداء العباءة والحجاب من قِبل الفتيات الصغيرات، ما يخلق توترًا مع مراكز اجتماعية تتبنى سياسة «تعال كما أنت»، لكنها تواجه ضغوطًا هوياتية متزايدة.
مرسيليا.. نموذج «الإسلام السياسي» المدعوم سياسيًا
مدينة مرسيليا طالتها الأذرع الإخوانية، فيشير التقرير إلى وجود نظام موازٍ حول ما يُعرف بـ«المركز الإسلامي لمرسيليا» (CMM)، الذي يضم: مسجد مريم، مدرسة ابن خلدون (370 طالبًا)، وعدة جمعيات ناشطة، بينها 'شباب المسلمين في فرنسا'، ويديرها محسن نقزو، رئيس منظمة "مسلمو فرنسا".
وتكشف الوثيقة أن هذا النظام استفاد من علاقات وثيقة مع المنتخبين المحليين، ما مكّنه من الحصول على تصاريح بناء ومساعدات تنظيمية، ما جعله فاعلًا سياسيًا ودينيًا مهمًا على مستوى الإقليم.
بالتوازي، ظهر هيكل جديد حول معهد «مسلم دي بلوه»، في مركز تجاري قديم، يقدم خدمات دعم تعليمي ونقل للمصلين، ويضم مدرسة قرآنية تستقبل نحو 500 طالب.
ويقود هذا المعهد شخص يُدعى إسماعيل، ذو توجه سلفي، لكنه يستخدم رموز الجماعة الإخوانية، وله حضور قوي عبر شبكات التواصل الاجتماعي. في عام 2023، تمكن من جمع تبرعات لشراء محلات تجارية تُستخدم لأغراض دعوية وتعليمية.
تغطية القاصرات.. ظاهرة مقلقة
ورغم ذلك، إلا أن أحد أكثر المظاهر التي ركز عليها التقرير هو تغطية الفتيات الصغيرات بالحجاب، منذ سن الخامسة، في أنحاء متفرقة من فرنسا. ويشير التقرير إلى أن هذا التوجه يُغذيه تيار وهابي-سلفي قوي، يتقاطع مع أنشطة الإخوان في بعض المواقع.
يأتي التقرير في وقت حساس سياسيًا، بعد حل الجمعية الوطنية، وقبل انتخابات تشريعية مبكرة. ويُنظر إليه كوثيقة استراتيجية لتحديد مواقع التأثير الإسلامي السياسي، سواء على المستوى الثقافي، أو عبر النفاذ إلى البلديات.
ماذا يعني ذلك؟
بحسب محللين، فإن الوثيقة تعكس قلق الدولة من صعود أنظمة موازية داخل المجتمع الفرنسي، تمتد من التعليم إلى الفضاء الجمعياتي، ما يطرح تحديات على مستوى الاندماج والهُوية والأمن القومي.
من جهته، يشير الباحث أوليفييه روا، الخبير المعروف في الحركات الإسلامية وأستاذ العلوم السياسية في معهد الجامعة الأوروبية، إلى أن الدولة الفرنسية «تركت فراغًا محليًا استثمره الفاعلون الإخوانيون بذكاء».
وقال روا في حديث لـ«العين الإخبارية»: «حين تغيب الدولة عن الحي، يأتي من يملأ الفراغ بالقيم والهوية والانتماء، وهذا ما فعلته شبكات الإسلام السياسي، دون أن تخرق القوانين بشكل مباشر».
وأشار إلى أن تركيز هذه الشبكات على القاصرات والفئات الاجتماعية الهشة يعكس وعيًا استراتيجيًا بضرورة «بناء أجيال» تتماهى مع المشروع الفكري طويل الأمد، مما يتطلب تدخلًا متعدد المستويات، وليس فقط أمنيًا أو قانونيًا.
بدوره، قال ألكسندر دلفال الباحث السياسي الفرنسي في التنظيمات والحركات السياسية الإسلامية في حديث لـ«العين الإخبارية»، إن ما يصفه تقرير الاستخبارات بـ«الأنظمة المتكاملة» في ليل ومرسيليا يعكس استراتيجية تمكين محلية بدأت منذ سنوات، تقوم على السيطرة على مفاصل التعليم والجمعيات والمساجد، دون مواجهة مباشرة مع الدولة.
دلفال يضيف: «هذا التغلغل ليس جديدًا، لكنه أصبح أكثر تعقيدًا وتنظيمًا. هناك إعادة تدوير للخطاب وتكييف محلي واضح، حيث يجري استثمار الدين كهوية وقوة ناعمة لبناء نفوذ سياسي غير معلن».
وأشار إلى أن الخطورة تكمن في «الدمج بين الخطاب الإخواني والخدمات الاجتماعية»، ما يجعل المشروع السياسي يتسلل تحت غطاء العمل الخيري والتربوي، مؤكدًا أن الاستجابة الحكومية غالبًا ما تأتي متأخرة وتفتقر إلى المتابعة الدقيقة.
aXA6IDg0LjMzLjMwLjgyIA==
جزيرة ام اند امز
IT
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العين الإخبارية
٢١-٠٧-٢٠٢٥
- العين الإخبارية
«الإرهاب» يدمي الساحل الأفريقي..وخبراء لـ«العين الإخبارية»: هذه روشتة تحييد خطره
تم تحديثه الإثنين 2025/7/21 06:22 م بتوقيت أبوظبي مع انسحاب فرنسا من منطقة الساحل الأفريقي، بدأت بعض الحركات المسلحة تطل برأسها، مستعيدة زمام المبادرة بالهجمات الإرهابية، ما انعكس على الوضع الأمني في مالي وبوركينا فاسو والنيجر. فراغ أمني، فتح الباب لتوترات وعمليات «إرهابية» باتت تهدد الاستقرار الإقليمي وتثير مخاوف دولية واسعة، وخاصة مع عدم قدرة تلك البلدان عن التصدي لتوسع التنظيمات المسلحة. فبعد أكثر من ثلاث سنوات بعد إنهاء عملية برخان الفرنسية، شهدت المنطقة تصاعدًا عنيفًا في هجمات الجماعات الإرهابية؛ ففي شهر واحد فقط، قُتل أكثر من 100 جندي مالي في هجوم على قاعدة بولكيسي (بالي يونيو)، فيما زعم التنظيم أن الهجمات قضت على أكثر من 400 جندي في مايو/أيار ويونيو/حزيران وحدهما، بحسب صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية. الصحيفة الفرنسية أشارت إلى أن تلك الهجمات لم تعد مقتصرة على مناطق نائية؛ بل أصابت مدنًا ومراكز حضرية في مالي وبوركينا والنيجر، بينما امتد تأثير التنظيم إلى شمال بنين وتوجو، ما يهدد الساحل بأكمله. ووفقاً للصحيفة الفرنسية، فإن تنظيمين رئيسيين يهيمنان على المشهد في الساحل الأفريقي، وهما: جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (GSIM أو JNIM)، وهي فرع تابع لتنظيم القاعدة، تنشط بالأساس في مالي وبوركينا فاسو، وتنظيم داعش الإرهابي في الساحل (EIS)، ويُظهران تطورًا تكتيكيًا في استعمال طائرات بدون طيار وأسلحة مضادة للطيران، وتجاوزًا للمليشيات المحلية في القوة والسيطرة. الأسباب يقول ألان أنتل، من معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (IFRI)، في حديث لـ«العين الإخبارية»، إن القوات الأمنية في مالي وبوركينا فاسو والمنطقة شهدت انهيارًا شبه كامل، جراء: ضعف العتاد الفساد نقص الموارد عوامل اجتمعت، جعلت من الصعب تأمين أراض شاسعة ممتدة عبر الحدود الثلاثية، بحسب الباحث السياسي الفرنسي، الذي قال إنه بعد انقلاب 2022 في بوركينا، قُتل أكثر من 100 جندي في هجوم على موقع عسكري في مانسيلا – اعتبر من «أقسى الاختراقات» التي شهدها الجيش البوركيني مؤخرًا. كما فقدت بوركينا أكثر من نصف أراضيها فعليًا تحت سيطرة التنظيمات الإرهابية. نظام مواز؟ وأشار الباحث السياسي الفرنسي إلى أن «الجماعات الإرهابية تستخدم السيطرة التدريجية على المناطق لفرض نظام موازٍ، بخدمات قطاعية موازية، من تحصيل الضرائب إلى الإدارة المحلية، بهدف إرساء نظام حكم خدماتي يطمح إلى بديل محلي للدولة». وفي استراتيجيات مماثلة، يعتمد التنظيم على تعبئة المجتمعات المهمشة، خاصة الفولاني، متقمصًا دور «المدافع عن المظلومين» لتوظيف توترات محلية لصالحه. هذه التكتيكات وفرت له شبكة دعم محلية تسهل تحركاته وتوسعه. و«الفولاني» مجموعة عرقية في الصحراء الكبرى والساحل وغرب أفريقيا، منتشرة على نطاق واسع في جميع أنحاء المنطقة. ويرى الباحث الفرنسي، أن خروج باريس لم يكن نظاميًّا فقط، بل أدى إلى تآكل تأثير الشركاء التقليديين، وخلق فراغا أمنيا لم تستطع التكتلات الإقليمية معالجته، رغم تشكيل تحالف دول الساحل الثلاث (AES)، إلا أن ضعف المؤسسات وعدم وجود تمويل مستدام تجعل هذه المحاولات «من دون روح تنفيذ». وأشار إلى أن الدول الثلاث استبدلت الشركاء الغربيين بمزودي حماية من العالم الروسي، مما أثبت محدودية عند مواجهة هجمات منظمَّة ومتطورة، مؤكدًا أن الحرب تتركز الآن في قلب المدن ومراكز الحكم، وليست مجرد تمرد ريفي. وعانت بوركينا فاسو من تعطيل خدمات أساسية مثل: التعليم والرعاية الصحية في مناطق عدة بسبب استهداف المدارس والمدرسين من قبل التنظيمات الإرهابية، كما أن ضعف التنسيق بين البلدان الثلاثة يعزز من مسار الانفلات الأمني، رغم الدعوات لتعزيز التعاون عبر الحدود. مستقبل غامض وأشار الباحث السياسي الفرنسي إلى أن «الحرب على الإرهاب في الساحل لا تعتمد فقط على القوة العسكرية»، مؤكدًا أن التركيز فقط على العمليات المسلحة يعطي مؤشرات نجاح وهمية. وأوضح أن الشراكات الإقليمية وحدها لا تكفي، فهناك حاجة حقيقية إلى: استعادة المؤسسات فك شبكة النفوذ التي تمكن المجموعات الإرهابية من تحويل نفسها لقوة تنظيمية مدنية دعم دولي تدريب مؤسساتي حماية سكان المناطق المتضررة. تمكين المجتمعات المحلية الاستثمار في بناء الدولة الأمر نفسه، أشار إليه الباحث الأفريقي باكاري سامبي، مؤسس ومدير "معهد تمبكتو للدراسات بالعاصمة السنغالية داكار، والذي قال في حديث لـ"العين الإخبارية" إن "مكافحة الإرهاب تتطلب: انتقال الانخراط الدولي ينتقل من الدعم العسكري لبناء مؤسسات محلية قوية تعيد الثقة بين الدولة والمواطن، وتكسر احتكار التنظيمات الإرهابية للسيطرة المجتمعية. تعزيز العلاقات بين الدولة والمجتمع المدني مشاركة السكان المحليين في كسر دوائر الغضب سامبي أشار إلى أن المنظمات المسلحة باتت تتحكم في الواقع المجتمعي جزئيًا عبر تقديم خدمات بديلة—تعليم، محاكم محلية، وتوزيع مساعدات—ما يُبرز ضرورة إدماج السكان المحليين في الحلول السياسية والاستراتيجيات الأمنية المستدامة وأكد أن المعادلة الأمنية في الساحل اليوم باتت: استقرار الدولة لا يبنى بالسلاح فقط، بل بحاجة إلى استعادة سيادة الدولة عبر المشاركة الشعبية والتحول المؤسساتي. aXA6IDEzNi4wLjE5NS4xNzgg جزيرة ام اند امز US


العين الإخبارية
١٤-٠٧-٢٠٢٥
- العين الإخبارية
خبراء لـ«العين الإخبارية»: فرنسا تعتبر الإخوان أكثر من مجرد تهديد أمني
تتبع السلطات الفرنسية ما يبدو أنه "استراتيجية طويلة الأمد" لمكافحة الإخوان، بعد أن وضعت يدها على شبكة الجماعة وتحركاتها وخطرها. وقال خبراء فرنسيون متخصصون في الإسلام السياسي في أحاديث منفصلة لـ"العين الإخبارية"، إن السلطات الفرنسية باتت تعتبر جماعة الإخوان، "أكثر من مجرد تهديد أمني، بل مشروع فكري موازٍ للجمهورية". ورأى الخبراء، أن السلطات الفرنسية لم تعد تكتفي بمواجهة التهديدات الأمنية التقليدية ومقاربة أمنية تقليدية تجاه الإسلام السياسي، إذ بدأت تفكك بشكل ممنهج البنية المؤسسية والفكرية المرتبطة بالإخوان، في محاولة للحدّ من انتشار تأثيرهم في المجتمع الفرنسي. ومع تصاعد الإجراءات الإدارية والقانونية ضد شخصيات محورية داخل اتحاد "مسلمي فرنسا"، تلوح في الأفق مرحلة جديدة من المواجهة المفتوحة مع الجماعة التي تتهمها باريس بـ"بثّ خطاب انفصالي وتقويض قيم الجمهورية". خطر الإخوان من جانبه، حذر مدير الدراسات في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، فرانك فريجوسي، في حديث لـ"العين الإخبارية"، من "الغموض الاستراتيجي في خطاب جماعة الإخوان المسلمين"، ويرى أن التنظيم يعمل باستخدام أدوات قانونية للتأثير داخل المجتمعات الأوروبية على المدى الطويل. ومضى موضحا: "الإخوان المسلمون في أوروبا لا يطرحون أنفسهم كتنظيم سياسي مباشر، بل كحركة إصلاح ديني، ما يُعقّد مهمة التعرف على خطابهم الحقيقي"، متابعا "مشروعهم يقوم على التدرج والتكيف، وليس على المواجهة الصريحة، لكن ذلك لا يلغي طابعه السياسي أو طموحه المجتمعي." وأشار إلى أن "اتحاد مسلمو فرنسا هو الوريث التاريخي لشبكة الإخوان في فرنسا، ويحمل في بنيته وتكوينه المرجعية الفكرية والتنظيمية ذاتها، حتى لو تموّه ذلك بعبارات مثل الحوار أو التعايش أو محاربة الإسلاموفوبيا". تحركات متسارعة ووفق تقارير فرنسية، فإن الحكومة الفرنسية بدأت مؤخرا تفكيك البنية المؤسسية والفكرية المرتبطة بالإخوان، في محاولة للحد من تأثيرهم في المجتمع الفرنسي، لاسيما بين الشباب والمساجد. وتشمل الإجراءات الفحص والمراقبة والتفكيك التدريجي للبنية التنظيمية للتنظيم في فرنسا. في هذا السياق، قالت صحيفة "لا كروا" الفرنسية، إن السياسة الفرنسية كثفت تحركاتها ضد الإخوان في السنوات الأخيرة. ففي عام 2023، وبعد معركة قضائية طويلة، تم ترحيل الداعية حسن إيقيوسن، أحد الوجوه البارزة في "مسلمي فرنسا"، ووصفته السلطات بأنه "شخصية مؤثرة تقوم بنشر أفكار محافظة في أوساط المسلمين الفرنسيين". ولفتت "لا كروا" إلى أنه في عام 2024، استهدفت السلطات أحمد جاب الله، أبرز الوجوه الفكرية في الاتحاد، حيث صدر بحقه أمر بمغادرة الأراضي الفرنسية، في خطوة عكست تصعيداً سياسياً مباشراً ضد الإخوان. وأوضحت الصحيفة الفرنسية، أن هذه الخطوات لا تأتي بمعزل عن السياق العام الذي تسير فيه الحكومة الفرنسية، خاصة في عهد وزير الداخلية برونو ريتايو، الذي عبّر مراراً عن رغبته في "تطهير البيئة الإسلامية من كل من يحمل خطاباً انفصالياً أو غير متوافق مع قيم الجمهورية". استراتيجية طويلة الأمد من جهته، قال لوران أوبيرين، الباحث في العلوم السياسية والاجتماعية، المتخصص في الإسلام السياسي في فرنسا لـ"العين الإخبارية"، إن جماعة الإخوان "تمثل خطراً ناعماً وتدريجياً على المجتمع الفرنسي، لأنها توظف خطاب الضحية، وتغلف مشروعها السياسي بثوب ديني واجتماعي مقبول". ورأى أن الإخوان في فرنسا "لا يسعون إلى الاندماج، بل إلى بناء مجتمع داخل المجتمع". من جانبها، قالت آني لوران خبيرة في قضايا الإسلام السياسي ومؤلفة كتب عديدة حول الإسلام السياسي في أوروبا لـ"العين الإخبارية"، إن تمدد الإخوان في أوروبا جاء نتيجة "تساهل الحكومات الأوروبية معهم منذ عقود". وأشارت إلى أن خطر الإخوان "لا يكمن فقط في المساجد، بل في الجامعات، الجمعيات، والمجالس الاستشارية، حيث يزرعون خطابًا مزدوجًا لا يمكن كشفه بسهولة." واعتبرت لوران أن "جماعة الإخوان في فرنسا ليست فقط شبكة دعوية، بل مشروع سياسي متكامل يحاول بناء مجتمع موازٍ داخل المجتمع الفرنسي، عبر أدوات قانونية وثقافية ناعمة". ولفتت إلى أن "ما يحدث اليوم هو انتقال فرنسا من منطق التساهل مع الإسلام السياسي إلى منطق المواجهة المباشرة". ورأت أن حملة السلطات الفرنسية ضد "مسلمي فرنسا" والإخوان لم تعد إجراءً مؤقتاً بل أصبحت استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تفكيك ما تعتبره باريس "مشروعاً مضاداً لقيم الجمهورية". aXA6IDIzLjI2LjMyLjU3IA== جزيرة ام اند امز CA


العين الإخبارية
١٢-٠٧-٢٠٢٥
- العين الإخبارية
فرنسا .. التلميذ المتعثر في مدرسة «اليورو» يواجه خطر التقشف القاسي
في وقتٍ تسابق فيه الحكومة الفرنسية الزمن لتجنب غضب الاتحاد الأوروبي، كشفت دراسة جديدة أن خفض الدين العام الفرنسي إلى مستوى 110% من الناتج المحلي الإجمالي سيتطلب خفضا ضخمًا للإنفاق وجهودا إصلاحية أخرى لتوفير ما يصل إلى 110 مليارات يورو. وقد يؤدي مثل هذا الخفض إلى ارتفاع معدل البطالة إلى 9%، بحسب تقديرات "المرصد الفرنسي للأوضاع الاقتصادية" (OFCE). وتوصي المؤسسة الاقتصادية المستقلة بخطة "أكثر ليونة" لا تتجاوز 80 مليار يورو لتفادي إلحاق أضرار جسيمة بالنمو وفرص العمل. فرنسا... التلميذ المتعثر في صفوف منطقة اليورو تسجّل فرنسا مستويات غير مسبوقة من المديونية، حيث بلغ الدين العام 3345 مليار يورو، أي ما يعادل 114% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما يُتوقع أن يصل العجز في ميزانية عام 2024 إلى 168 مليار يورو، أو 5.8% من الناتج المحلي. وفي نظر الشركاء الأوروبيين، تُعد باريس من "الطلاب المتأخرين" عن معايير الانضباط المالي، بحسب صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية. لكن الحكومة الفرنسية تعهدت بعدم الوقوف مكتوفة الأيدي، حيث قدمت لبروكسل خطة متوسطة المدى لإعادة التوازن إلى المالية العامة، تتضمن خفض العجز إلى 3% بحلول عام 2029، رغم أن الدين العام سيبلغ ذروته عند 121% من الناتج المحلي في ذلك العام. بايرو يدخل على الخط بخطة تقشفية مشحونة مع اقتراب موسم مناقشة الميزانية الذي يُتوقع أن يكون صاخبًا، يستعد المفوض السامي للتخطيط، فرانسوا بايرو، للكشف يوم الثلاثاء عن "خطة إصلاح كبرى للمالية العامة"، تهدف إلى خفض العجز إلى 4.6% في 2025. وفي هذا الإطار، أعلنت الحكومة بالفعل عن نيتها توفير 40 مليار يورو من النفقات بحلول 2026، وهو ما يُعد خطوة أولى ضمن خطة أوسع للامتثال لمعايير الاتحاد الأوروبي. مفاوضات اجتماعية تحت ضغط... وبداية عام "عاصفة" وبحسب معلومات تم تسريبها إلى الصحافة الفرنسية، فإن بايرو سيوجّه دعوة إلى الشركاء الاجتماعيين – أي النقابات وأرباب العمل – لخوض مفاوضتين متوازيتين: الأولى حول إصلاح نظام التأمين ضد البطالة، والثانية ستكون متعددة المحاور، تركز على سوق العمل والتوظيف. لكن هذه الدعوة، إن قُبلت، قد تفتح الباب لفصل اجتماعي حافل بالتوترات، لا سيما في ظل الضغوط لخفض النفقات دون المساس بالقدرة الشرائية للفرنسيين أو بمرونة سوق العمل. هل تنجح فرنسا في المهمة المزدوجة: تقليص الدين دون خنق الاقتصاد؟ بين مطرقة الالتزامات الأوروبية وسندان التوازنات الداخلية، تبدو الحكومة الفرنسية أمام امتحان دقيق. فهل ستنجح في تقليص العجز والدين دون التسبب بانتكاسة اقتصادية؟ أم أن الكلفة السياسية والاجتماعية ستكون أعلى من قدرة الدولة على الاحتمال؟ الأيام المقبلة كفيلة بالكشف عن المسار الذي ستسلكه باريس في ظل أصعب أزمة مالية تواجهها منذ سنوات. aXA6IDE0OC4xMzUuMTU5LjExIA== جزيرة ام اند امز FR