logo
"روبوتات قاتلة".. كيف تتطور الدفاعات مع تقدم المسيرات؟

"روبوتات قاتلة".. كيف تتطور الدفاعات مع تقدم المسيرات؟

تحولت المركبات غير المأهولة، التي تضم الطائرات والسفن البحرية والغواصات والمركبات الأرضية المسيرة، من مجرد أداة للرصد والاستطلاع إلى سلاح أساسي، وسمة تميز الحروب الحديثة، بداية من المراقبة وليس انتهاءً بشن الضربات القاتلة التي تكبد خسائر مادية وبشرية هائلة.
وبحسب وصف المحلل البريطاني للشؤون الأمنية والاستراتيجية، أوليفر ستيوارد، فإن خطورة المركبات غير المأهولة تشكل "كابوساً" يثير الرعب بين الجيوش، في ظل عدم وجود دفاعات يمكن إيقافها بشكل كامل حتى الآن.
وقال ستيوارد لـ"الشرق"، إنه لا يمكن لسفينة عسكرية مزودة بأفضل الأسلحة في العالم النجاة من هجوم تنفذه شبكة مترابطة من الطائرات المسيرة، إذ لا يوجد حتى الآن "سلاح رادع" لإيقاف تلك الهجمات.
وحذر ستيوارد، من إمكانية أن يزداد الوضع سوءاً إذا قررت "دولة مارقة" أو "جماعة إرهابية" استخدام طائرات مسيرة وتسليحها بـ"قنابل قذرة"، أي تلك التي تحتوي على مواد كيمائية أو بيولوجية، يمكن أن تحدث أضراراَ كبيرة.
وأحدثت الطائرات المسيرة نقلة نوعية في أساليب إدارة الحروب، ليس فقط لقدرتها على شن هجمات فتاكة، بل أيضاً لأنها يصعب مواجهتها والدفاع ضدها.
وتُزيل الطائرات المسيرة الحدود التقليدية للمخاطر التي تُشكلها على المهاجم، فعلى عكس الطائرات المأهولة، يُمكن إرسال الطائرات المسيرة إلى المجال الجوي المعادي دون تعريض الطيار للخطر، ما يسمح للقادة بنشرها بجرأة.
وقالت المحللة الأمنية الأميركية إيرينا تسوكرمان لـ"الشرق"، إن حجم الطائرات المسيرة الصغير، وضعف بصمتها الرادارية يُصعّب اكتشافها واعتراضها، خاصةً عند استخدامها في أسراب.
وأدى انخفاض تكلفة المسيرات ومرونتها وقدرتها على العمل دون تعريض الطيارين للخطر، إلى جعلها ذات قيمة متزايدة في الصراعات العسكرية التقليدية، بل إنها تتمتع بالقدرة على تعزيز الردع النووي، ولكنها تفرض أيضاً مخاطر كبيرة من حيث السيطرة على التصعيد ومبدأ "الضربة الأولى".
وأدى التأثير الكبير للطائرات المسيرة في الحروب الحديثة، إلى البحث عن حلول رادعة، في ظل عدم وجود منصة دفاعية يمكنها وقف تهديد الطائرات المسيرة بشكل كامل.
"الروبوت الأول"
يُعرف جون روزماندو الخبير الأميركي في شؤون الأمن القومي، الطائرات المسيرة بأنها آلة طيران بدون طيار يمكن توجيهها إلى الهدف باستخدام جهاز تحكم، أو بدون، عبر تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وأشار في تصريحات لـ"الشرق"، إلى أنه يمكن لتلك الطائرات ربطها معا للعمل كجزء من سرب لسحق دفاعات العدو.
فيما أوضح ستيوارد، أن العالم شهد للمرة الأولى استخدام "روبوت أرضي" يتم التحكم فيه عن بعد خلال الحرب العالمية الثانية.
واستخدمت ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية، مركبة Goliath المسيرة عن بعد، وسلحتها بقنابل للانفجار في قوات العدو، واستخدمتها لاحقاً الولايات المتحدة بحربها في أفغانستان، خاصة في مراقبة تحركات حركة طالبان، ومن بعدها في العراق.
وقال الكاتب الصحافي والمحلل التكنولوجي البريطاني، ديفيد هامبلينج، إن المركبات غير المأهولة وفرت للمرة الأولى "دقة هائلة"، أي أنه يمكن تنفيذ ضربات دقيقة للغاية بأعداد كبيرة وتكلفة منخفضة.
وأضاف في تصريحات لـ"الشرق"، أن هذه القدرة مثلت تحولاً حقيقياً عن الصواريخ باهظة الثمن والمعقدة التي لا تُشترى إلا بأعداد قليلة، مشيراً إلى أن تلك القدرة تعاظم دورها في ساحة المعركة بأوكرانيا، وتتيح طائرات منظور الشخص الأول FPV المسيرة استهداف كل جندي وآلة عسكرية بطائرة مسيرة موجهة.
أنواع الطائرات المسيرة
تختلف أنواع الطائرات المسيرة حسب مجال الاستخدام، والقدرات، والتصميم، فهناك طائرات مسيرة تُستخدم لأغراض المراقبة، وأخرى لمراقبة للأرصاد الجوية الطقس، ومكافحة الحرائق، والتصوير، وخدمات التوصيل، وبات شائعاً اليوم أن الطائرات المسيرة أصبحت تستخدم على نطاق واسع للأغراض العسكرية، كاستغلالها في التدريب على إسقاط الأهداف الجوية، وجمع المعلومات الاستخباراتية، أو استخدامها كأسلحة هجومية أو انتحارية.
وتختلف قدرات كل طائرة مسيرة عن غيرها بناء على مجال استخدامها، فعلى سبيل المثال، تستخدم طائرات الاستطلاع وجمع المعلومات الاستخباراتية كاميرات ذات جودة عالية، ويمكن دعم الطائرة نفسها بتقنية الذكاء الاصطناعي الذي يمكّنها من متابعة أهداف محددة، فضلاً عن مدة تحليق كل طائرة في الجو، وأقصى سرعة وارتفاع يمكن أن تصل له الطائرة، وأقصى مدى لها.
أما من حيث التصميم، فهناك تصميمان رئيسيان للطائرات المسيرة، النوع الأول هو الطائرات أحادية ومتعددة المراوح، مثل طائرات الترايكوبتر (tricopter) ثلاثية المراوح، والكوادكوبتر (quadcopter)رباعية المراوح، والهيكساكوبتر (hexacopter) سداسية المراوح، والأوكتوكوبتر (octocoptor) ثمانية المراوح.
أما النوع الثاني فيشمل الطائرات ذات الأجنحة الثابتة، بما في ذلك طائرات الإقلاع والهبوط العمودي (VTOL) والتي لا تحتاج مدرجاً لإطلاقها.
عملية شبكة العنكبوت
وأكد روزماندو، أنه بالرغم من صغر حجم الطائرات المسيرة يمكنها إحداث تأثير بالغ في ساحة المعركة، لافتاً إلى أن الجيوش لا تزال في المراحل الأولى من تطوير تكتيكات لمكافحة الطائرات المسيرة، وأوضح أنه ثبتت صعوبة التصدي لها في أوكرانيا، وقد أحدثت تغييراً جذرياً في ساحة المعركة.
وقد تكون عملية "شبكة العنكبوت" التي نفذتها الاستخبارات الأوكرانية ضد عدة قواعد روسية، دليلاً بارزاً على قدرة الطائرات المسيرة في الحروب الحديثة، إذ تمكنت 117 طائرة هجومية مسيرة من استهداف مطارات في عمق الأراضي الروسية.
وقالت أوكرانيا، إنها ضربت 41 طائرة روسية مأهولة بطائرات مسيرة، بما في ذلك ثلث القاذفات التي تستخدمها روسيا كحاملات صواريخ كروز استراتيجية، ويعتقد الخبراء أن هذا قد يؤثر سلباً على قدرة روسيا على مواصلة إطلاق صواريخ كروز ضد أهداف أوكرانية.
وساعد إنتاج طائرات هجومية مسيرة أحادية الاتجاه بأحجام ومدى مختلف، بسرعة ونطاق واسع، في أن تحافظ أوكرانيا على نوع من التفوق العسكري ضد روسيا، وذلك وفقاً لمجلس العلاقات الخارجية الأميركي CFR.
ويُسبب استخدام طائرات الهجوم المسيرة قصيرة المدى وطائرات FPV الآن ما يصل إلى 80% من الخسائر على خطوط المواجهة، ما يُمكّن أوكرانيا من منافسة القوات الروسية الأكبر حجماً، ويوفر خيارات إضافية لتوليد القوة النارية.
حرب المركبات غير المأهولة
وأكدت المحللة الأميركية للشؤون الأمنية، إيرينا تسوكرمان، أنه لا يمكن إغفال البعد النفسي لحرب المركبات غير المأهولة، الذي لا يقل تأثيراً عن الدمار المادي، مشيرة إلى أن انتشار الطائرات المسيرة التي تُحلق أو تُطلق في السماء يُولد جواً مُستمراً من الخوف وعدم اليقين.
وتُعاني القوات الخاضعة للمراقبة المُستمرة للطائرات المسيرة أو المُهددة بضربات دقيقة من ضغوط مُزمنة، ما يُضعف معنوياتها وفعاليتها القتالية، وذلك وفقاً لتسوكرمان.
فيما أكد ستيوارد، أنه في حالة تعرض جندي ما في ميدان المعركة للملاحقة من طائرة مسيرة فإنه لا سبيل للنجاة سوى تدميرها بأساليب بدائية مثل إطلاق النار بسلاح ناري نحوها، أو الهرب في خندق عميق لا يمكن للطائرة المسيرة الوصول إليه.
التصدي للطائرات المسيرة
وأكد هامبلينج، أنه في أوكرانيا، تسبب الطائرات المسيرة الصغيرة ما بين 60 إلى 70 % من الخسائر على كلا الجانبين، وأشار إلى أن هذه الطائرات تُلحق ضرراً يُعادل ضعف الضرر الذي يلحقه أي نوع آخر من الأسلحة مجتمعة، وهي لا تزال في تطور مستمر.
فيما أوضح المحلل البريطاني للشؤون الأمنية والاستراتيجية، أوليفر ستيوارد، الأهمية الكبيرة لردع تلك التهديدات المتزايدة، لافتاً إلى أن هناك محاولة من دول حلف شمال الأطلسي "الناتو"، لتطوير استراتيجيات عسكرية للدفاع ضد المركبات غير المأهولة.
وأشار إلى أن الدفاع ضد الطائرات المسيرة تتراوح ما بين الدفاعات التقليدية الصاروخية، مروراً بالهجمات الإلكترونية سواء للسيطرة على الطائرة المهاجمة أو التشويش على المشغل، وحتى الحلول المبتكرة مثل أسلحة الطاقة وغيرها.
فيما أكد روزوماندو، أنه لا تزال الجيوش في المراحل الأولى من تطوير تكتيكات لمكافحة الطائرات المسيرة، مضيفاً أن معظم الطائرات المسيرة القتالية اليوم صغيرة الحجم، ويصعب اكتشافها وردعها مقارنة بالطائرات أو المروحيات التقليدية، ولا تعمل الدفاعات الجوية التقليدية عادة ضدها.
ويكمن التحدي الأكبر في الطائرات المسيرة في عددها، وذلك وفقاً لهامبلينج، الذي أكد أنه قد يكون من السهل التصدي لها منفردة، ولكن بأعداد كبيرة، يُمكنها التغلب على الدفاعات، وعلى سبيل المثال، تُنتج الولايات المتحدة حوالي 700 صاروخ Patriot فقط سنوياً، بينما تُطلق روسيا أكثر من 700 طائرة مسيرة في ليلة واحدة.
طرق مبتكرة للدفاع
وظهرت مؤخراً، طرقاً مبتكرة للدفاع ضد الطائرات المسيرة والمركبات غير المأهولة، ولكنها لا تزال في طور التجارب، إذ لم يتم تبني أيا منها سوى أسلحة الطاقة الموجهة في نطاقات محددة.
وتسعى الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وإسرائيل وغيرها من الدول إلى ابتكار أدوات للدفاع ضد الطائرات المسيرة، يمكن ذكر بعضها:
مقذوفات فرط صوتية
يعتزم الجيش الأميركي منح اتفاقيات النماذج الأولية لشركة BAE Systems لأسلحة جديدة فائقة السرعة لإسقاط الطائرات المسيرة وغيرها من التهديدات المحمولة جواً.
وأجرى الجيش الأميركي مؤخراً، أبحاثاً لتزويده بمعلومات حول سعيه للحصول على قاذف مدفعي متعدد المجالات - MDAC، والمقذوفات فائقة السرعة- HVP، بما في ذلك عبر طلبات المعلومات التي تم إصدارها في يوليو الماضي، وذلك وفقا لموقع Defense Scoop.
وقال مسؤولون في الجيش الأميركي، إنه بناءً على الأبحاث التي أجريت في الفترة من يوليو إلى أكتوبر 2024، يعتقد مكتب القدرات السريعة والتكنولوجيات الحرجة التابع للجيش الأميركي أن شركة BAE Systems Land & Armaments LP هي الوحيدة القادرة على تطوير، وتسليم كل من النماذج الأولية لـ MDAC وHVP ضمن الجدول الزمني المطلوب.
وبناءً على ذلك، يخطط مكتب القدرات السريعة والتكنولوجيا الحرجة- RCCTO لإصدار طلب مصدر وحيد لتقديم مقترح النموذج الأولي للمقاول، حيث يتطلع إلى منح اتفاقية معاملة أخرى.
ومنح مكتب القدرات الاستراتيجية التابع للبنتاجون- SCO، والذي يخضع لمكتب وزير الدفاع، شركة BAE Systems عقداً بقيمة 16 مليون دولار قبل بضع سنوات لتطوير وإظهار قوة مقذوفاتها فائقة السرعة ضد الأهداف الأرضية على "مسافات طويلة للغاية"، فضلاً عن العمل على تقنية HVP للبحرية الأميركية.
وقالت شركة BAE Systems، إن HVP عبارة عن قذيفة موجهة منخفضة السحب من الجيل التالي، قادرة على تنفيذ مهام متعددة لعدد من أنظمة القاذفات المدفعية، مثل أنظمة البحرية مقاس 5 بوصات؛ وأنظمة البحرية ومشاة البحرية والجيش مقاس 155 ملم؛ والمدافع الكهرومغناطيسية المستقبلية.
جدار طاقة
أعلنت شركة Epirus الأميركية للصناعات العسكرية، نجاحها في إنتاج نسخة حديثة من سلاح يعتمد على الموجات متناهية الصغر (ميكروويف) لإسقاط الطائرات المسيرة المعادية في الجو.
وقالت الشركة، إن المنظومة الجديدة المعروفة باسم Leonidas Expeditionary تقوم بإنتاج موجات ميكروويف عالية الطاقة، بإمكانها إسقاط أسراب من الطائرات المسيرة، عبر تشكيل جدار ضخم من الطاقة الكهرومغناطيسية في الجو، وفقا لموقع Defense News.
وسلمت الشركة في السابق، أنظمة ميكروويف عالية الطاقة بالفعل للقوات البرية الأميركية كجزء من عقد وقعته العام الماضي بقيمة 66 مليون دولار.
وطورت الشركة سلاحها الجديد Leonidas Expeditionary، بالشراكة مع مكتب البحوث البحرية، ومكتب مكافحة أنظمة الطائرات المسيرة الصغيرة، وكشفت الشركة عن نظامها الجديد في 23 سبتمبر الماضي، ومن المتوقع أن تقوم بتسليم هذه المنظومة الجديدة إلى مختبر سلاح مشاة البحرية الأميركية بحلول نهاية العام الجاري.
ويوجد حتى الآن 4 فئات من السلاح المذكور، لكن أحدثها هي ما أعلنت عنها الشركة والمعروفة باسم ExDECS، وكانت الفئات الأخرى الثلاث التي قدمتها الشركة، في وقت سابق، يمكن دمجها بالمركبات أو الطائرات المسيرة.
وقال المتحدث باسم شركة Epirus، أندرو وارجوفتشيك، إن الفئة الجديدة من السلاح قادرة على إسقاط سرب كامل من الطائرات المسيرة، ويمكن نقلها من مكان لآخر بسهولة.
طائرات تقذف اللهب
أعلنت روسيا تطوير طائرة بدون طيار تحمل قاذفة لهب مصممة لمواجهة الطائرات المسيرة الأوكرانية من منظور الشخص الأول– FPV.
وقال خبراء إن التكتيك الجديد الذي طورته روسيا، من المرجح أن يكون غير فعال ضد الأهداف المتحركة، وفق موقع Defense News.
ونشرت قنوات تليجرام الروسية، لقطات تظهر ما يبدو أنه مركبة جوية مسيرة مزودة بمزيج قابل للاشتعال، والتي بمجرد ارتفاعها في الهواء، أطلقت ألسنة لهب قوية.
وقال فيديريكو بورساري، الزميل المقيم في المركز الأميركي لتحليل السياسات الأوروبية، تعليقاً على الفيديو، إن الطائرة يعتقد أنها رباعية المراوح تجارية، تحمل خزاناً صغيراً مملوءاً بمادة قابلة للاشتعال، ربما تزن حوالي رطل أو رطلين، ويمكنها رشها إلى الأسفل، ما يخلق تأثير قاذف اللهب بمدى فعال يتراوح بين مترين إلى ثلاثة أمتار.
وقال خبراء، إن المنصة يبدو أنها صُممت خصيصاً لاستهداف الطائرات المسيرة المعادية، ويرجح أن يكون هذا الإجراء الروسي المضاد رداً على استخدام الجيش الأوكراني لطائرات بدون طيار من طراز FPV لرش مادة الثرميت فوق المناطق الحرجة التي يشتبه في وجود قوات ومعدات معادية فيها.
ومع ذلك، يشكك بعض المحللين في فعالية قاذفات اللهب، إذ إن توجيه تيار اللهب بدقة نحو الطائرات الأوكرانية المسيرة سريعة الحركة، والتي تسقط الثرميت سيكون أمراً صعباً.
وقال صامويل بينديت، المستشار في مجال التكنولوجيا العسكرية الروسية في مركز التحليلات البحرية: "لضرب طائرة أخرى بقاذفة اللهب، يجب أن يكون الطيار المتحكم أكثر دقة"، لافتاً إلى أن ذلك التكتيك قد ينجح ضد بعض الطائرات التي تحوم في مكانها للمراقبة، وإلا إذا كانت الطائرة المسيرة تتحرك، فسيكون من الصعب جداً إطلاق هذا النوع من السائل على هدف متحرك.
وأشار بورساري إلى أن الكمية المحدودة من المحلول القابل للاشتعال التي يمكن أن تحملها الطائرة الروسية المسيرة تشكل قيداً مهماً آخر، والذي يقدر أنه يكفي بالكاد لطلعة جوية واحدة قبل الحاجة إلى إعادة تعبئته.
وأضاف أنه مع استنفاد الطائرة بدون طيار للسائل القابل للاشتعال وانخفاض ضغط آلية الرش، فإن الحرارة العائدة قد تتسبب في إتلاف الطائرة بدون طيار نفسها وتتسبب في تحطمها إذا استمر المشغل في تحليقها.
حائط الصين العظيم
وكشفت الصين عن نظام أسلحة مبتكر، يُعد الأول من نوعه في العالم، قادر على التصدي بفعالية لأسراب من الطائرات المسيرة.
وتحمل منظومة الدفاع الجوي الصينية مسمى "نظام وابل الأسلحة المضادة للطائرات المسيرة والمضاد للصواريخ"، وذلك وفقا لمجلة Modern Weaponry، ونقل عنها موقع Global Times الصيني.
وأكد كبير مصممي النظام الصيني، يو بين، أن "الوابل" الذي يُطلقه السلاح هو جدار من المقذوفات يغطي المواقع القادمة لجميع الأهداف، محققاً اعتراضاً فعالاً من خلال مفهوم "الطائرة إلى الهدف".
وأضاف يو أن مدافع الدفاع الجوي التقليدية تستخدم مفهوم الاعتراض من "النقطة إلى الهدف"، ولكن عند إطلاق عدة مدافع دفاع جوي النار معاً، فإنها تزيد من كثافة النيران واحتمالية الاعتراض، مشيراً إلى أن نظامه الجديد مُطور بمفهوم مماثل.
وعرضت مجلة Modern Weaponry نموذجاً أولياً للسلاح الجديد، يتميز بـ 16 سبطانة مدفع مصممة بدقة وذخائر فريدة، وقال يو إن نظام الدفاع الجوي القريب هو الأول من نوعه في العالم، ويهدف إلى التعامل مع التهديدات الجوية مثل أسراب الطائرات المسيرة.
ويتميز بسرعة إعادة التعبئة العالية، وكثافة النيران العالية، وحجم القصف الذي يمكن التحكم فيه، والقوة التدميرية المتميزة، والقدرة على مرافقة القوات في المناورات.
وأجرى النظام الصيني الجديد، عروضاً توضيحية متعددة ضد أسراب الطائرات المسيرة، وأظهرت النتائج أنه يمكنه إسقاط جميع الطائرات المسيرة صغيرة الحجم بقصف واحد.
وبالإضافة إلى أسراب الطائرات المسيرة، يمكن للسلاح الصيني أيضاً اعتراض الذخائر عالية السرعة التي تُطلق من الجو مثل الصواريخ.
ويمكنه أيضاً مواجهة الصواريخ وقذائف الهاون وقذائف الهاوتزر، وقال إنه في حين أن الأهداف الأساسية للسلاح الصيني هي الأهداف الجوية القادمة مثل أسراب الطائرات المسيرة والطائرات ذات الأجنحة الثابتة والمروحيات والصواريخ المجنحة وغيرها، فإنه من الممكن أيضاً مهاجمة أهداف أرضية أو سطحية عند الضرورة.
وأضاف كبير المصممين أن النظام مقسم أيضاً إلى وحدات، ما يجعل من الممكن تثبيته على الشاحنات والمركبات المدرعة المجنزرة أو ذات العجلات، وكذلك السفن الحربية.
وقال فو تشيانشاو، الخبير في الشؤون العسكرية الصينية، لصحيفة Global Times إنه يرى آفاقاً جيدة في السلاح الجديد نظرا لكفاءته العالية من حيث التكلفة وفعاليته الجيدة ضد أسراب الطائرات المسيرة والصواريخ.
وأضاف أن النظام الصيني الجديد ليس جذاباً للمستخدمين المحليين فحسب، بل يمكن طرحه أيضاً في السوق الدولية، حيث تواجه ساحات القتال التهديدات المتزايدة التي تشكلها الطائرات المسيرة.
الشعاع الحديدي
أعلن الجيش الإسرائيلي، استخدام أسلحة ليزر بالفعل في التصدي لهجمات "حزب الله" بالطائرات المسيرة والصواريخ.
وقالت مجلة The National Interest، إنه في حين أن قدرات الدفاع الجوي المتدرجة في إسرائيل مثل "القبة الحديدية" نجحت في حمايتها من معظم هذه الهجمات، فإن إدخال Iron Beam سيضيف مستوى جديداً تماماً للحماية.
وكشفت شركة Rafael للمرة الأولى عن نظام Iron Beam البحري في معرض IMDEX Asia عام 2023.
وكما هو الحال مع النسخة البرية، يمكن دمج Iron Beam البحري في أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية الحالية، مثل "القبة الحديدية".
وأوضح ران جوزالي، نائب الرئيس التنفيذي ورئيس مديرية الأنظمة البرية والبحرية في Rafael، أن Iron Beam نظام "بالغ الأهمية" لمواجهة التهديدات الناشئة.
وأضاف أن محفظة Rafael البحرية تشهد "نمواً مستمراً"، وتحديث للأنظمة باستمرار، وينصب التركيز على البحث والتطوير لإيجاد حلول جديدة للتحديات الحالية والمستقبلية.
بينما يتم ربط أسلحة طاقة الليزر للوهلة الأولى بالخيال العلمي، يُقيم الإسرائيليون مفهوم Iron Beam منذ أكثر من عقدين.
وترتبط أنظمة الطاقة بمبادرة الدفاع الاستراتيجي الأميركية، التي تم تشكيلها في عهد إدارة رونالد ريجان في ثمانينيات القرن الماضي، وأُطلق على هذا البرنامج اسم "حرب النجوم"، وكان هذا البرنامج دراسة مبتكرة لمفاهيم الأسلحة المتقدمة الجديدة، بما في ذلك الليزر.
ومع ذلك، نظراً لعدم توفر التكنولوجيا اللازمة خلال تلك الفترة لتحويل هذا المفهوم إلى واقع، لم يُكتب له النجاح، ولم تتوصل إسرائيل إلى التكنولوجيا اللازمة للكشف عن برنامج Iron Beam إلا في عام 2014 خلال معرض سنغافورة الجوي.
وبينما لا تزال المواصفات والتفاصيل المتعلقة بهذا المسعى سرية للغاية، يُعتقد حالياً أن Iron Beam يتمتع بمدى فعال أقصى يصل إلى سبعة كيلومترات، وهو قادر على اعتراض وتدمير مجموعة من المقذوفات باستخدام كابليه المزدوجين عاليي الطاقة من الألياف الضوئية.
وإلى جانب التقنيات المتطورة المُدمجة في Iron Beam، فإن توفير تكاليف التشغيل والذخيرة تجعل هذا السلاح عالي الطاقة مفضلا لدى إسرائيل.
وبينما يتراوح سعر صاروخ اعتراض "القبة الحديدية" بين 50000 و100000 دولار أميركي للصاروخ الواحد، فإن Iron Beam سيكلف جزءاً ضئيلاً من هذا السعر، ولن تُكلف كل عملية اعتراض من Iron Beam سوى بضعة دولارات من الكهرباء.
كيف تطورت الدفاعات؟
أكد ستيوارد، أنه لا دفاع فعال حتى الآن ضد جميع أنواع الطائرات المسيرة، ولكن يمكن مواجهة كل طراز من الطائرات المسيرة على حدى، فيما أوضحت تسوكرمان، أن ردع الطائرات المسيرة يمثل تحدياً للأطر التقليدية، نظراً لرخص ثمنها وانتشارها الواسع وسهولة استبدالها.
وأضافت أنه نادراً ما يُحمّل تدمير طائرة مسيّرة المهاجم تكلفةً كبيرة، على عكس خسارة الطائرات المأهولة أو مخزونات الصواريخ، ما يؤدي هذا التفاوت الاقتصادي إلى تعقيد عملية الردع، إذ يُمكن للمهاجم أن يتكبّد خسائر متكررة مع إلحاق أضرار جسيمة.
وأكدت تسوكرمان، أن أنظمة مكافحة الطائرات المسيرة الفعالة تشكل آلية مكلفة، ما يزيد من مخاطر استخدامها، ويُشكل هذا عاملاً محبطاً، خاصة للجهات الحكومية المعنية بالحفاظ على قدراتها وتجنب التصعيد.
وأشارت إلى أن "الردع الحالي هش" ويجب تحديثه باستمرار لمواكبة تطور تكنولوجيا الطائرات المسيرة.
وتُوفر الحرب السيبرانية والإلكترونية وسيلة مُكملةً للردع من خلال تعطيل البنية التحتية للقيادة والتحكم في عمليات الطائرات المسيرة.
ويخشي المهاجمون من الاستيلاء على طائراتهم المسيّرة أو اختطافها أو تعطيلها من خلال هجمات سيبرانية أو تشويش الإشارات.
وأوضحت تسوكرمان، أنه في نهاية المطاف، سيتضمن الردع ضد الطائرات المسيرة تكاملاً بين المجالات العسكرية والتكنولوجية والسياسية والقانونية، ولا يوجد إجراء واحد يوفر حماية أو ردعاً كاملين.
فيما أكد هامبلينج، أن التشويش على الطائرات المسيرة من الوسائل المهمة والفعالة للدفاع ضدها، وكذلك المدافع المضادة للطائرات، لكن أفضل حماية ضد الطائرات المسيرة قد تكون طائرة أخرى.
وأشار إلى أن كلا الجانبين في ساحة أوكرانيا يستخدمان طائرات اعتراضية مسيرة، وقد تزداد أهمية هذه الطائرات.
وأوضح هامبلينج، أنه توجد طريقة أخرى تتمثل في مهاجمة "النقطة اليسرى من نقطة الإطلاق": أي تدمير الطائرات المسيرة قبل أن تُشكل تهديداً، وهذا يعني ضرب منشآت إنتاج وتخزين وإطلاق الطائرات المسيرة.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

وسط جهود دولية للوساطة.. "أزمة ثقة" تهدد فرص استئناف مفاوضات طهران وواشنطن
وسط جهود دولية للوساطة.. "أزمة ثقة" تهدد فرص استئناف مفاوضات طهران وواشنطن

الشرق السعودية

timeمنذ 43 دقائق

  • الشرق السعودية

وسط جهود دولية للوساطة.. "أزمة ثقة" تهدد فرص استئناف مفاوضات طهران وواشنطن

يُعدّ تخصيب اليورانيوم وتدهور الثقة المتبادلة من أبرز العقبات أمام استئناف المفاوضات غير المباشرة بين طهران وواشنطن بشأن برنامج طهران النووي، خاصة بعد الهجمات الأميركية على منشآت إيران النووية، في يونيو الماضي. ويسعى الطرفان إلى تحديد "الخطوط الحمراء"، و"مجالات القبول" قبل الانخراط مجدداً في المحادثات. وتحوَّل برنامج إيران النووي من ملف تفاوضي يجمع بين أبعاد سياسية معقدة وأخرى تقنية، إلى عنوان مواجهة عسكرية شملت تبادلاً لضربات مباشرة بين طهران وتل أبيب، تلتها الهجمات الأميركية، قبل إعلان وقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ في 24 يونيو الماضي. وشهد هذا الملف خلال السنوات الأخيرة، عدة تحولات، بدءاً من انسحاب واشنطن الأحادي من الاتفاق النووي في عام 2018، وصولاً إلى تعليق إيران تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. واتهمت إيران، وكالة الطاقة الذرية، بتمهيد الطريق للهجوم الإسرائيلي بعد إصدارها تقريراً في مايو الماضي، أفضى إلى قرار من مجلس محافظيها المؤلف من 35 دولة يعلن انتهاك طهران لالتزاماتها بمنع الانتشار النووي. واستبعد خبراء في الملف الإيراني، خلال حديثهم لـ"الشرق"، أن تقبل طهران اتفاقاً يمنعها من "تخصيب اليورانيوم" أو المشاركة فيه، بينما أكد الرئيس الأميركي دونالد ترمب في أكثر من مناسبة أنه لن يسمح بحدوث هذا. علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي، شدد في تصريحات صحافية، نقلتها وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا"، الاثنين، على أن المحادثات مع واشنطن "لا يمكن استئنافها إلا إذا احترمت الولايات المتحدة الخطوط الحمراء لإيران، بما في ذلك حقها في تخصيب اليورانيوم"، على حد وصفه. وأضاف ولايتي: "لا نمانع إجراء مفاوضات دون شروط مسبقة"، وتابع: "يقول الأميركيون إنه على إيران التخلي عن تخصيب اليورانيوم، لكن هذا أحد خطوطنا الحمراء، إذا كانت المحادثات مشروطة بوقف التخصيب، فلن تُعقد"، بينما أكد الرئيس الإيراني مسعود بيزشكيان، استعداد بلاده لفتح آفاق جديدة مع واشنطن. أزمة ثقة بين واشنطن وطهران وتشكل أزمة الثقة بين طهران وواشنطن، أحد أبرز العقبات أمام حدوث أي تقدم في المفاوضات، أو التوصل لاتفاق بين الطرفين، بحسب الباحث السياسي الإيراني، عباس أصلاني، الذي قال في تصريحات لـ"الشرق"، إنه "على الرغم من هذا الأزمة (انعدام الثقة) لطالما كانت قائمة، إلا أنها تعمقت أكثر بعد الضربات العسكرية الأميركية والإسرائيلية الأخيرة". وأشار أصلان، إلى أن هذه الضربات انعكست على الموقف الايراني، ليس فقط على مستوى السلطات هناك وإنما أيضاً على مستوى الرأي العام، لافتاً إلى أن "الأصوات الإيرانية التي كانت تؤيد المفاوضات صارت أكثر تحفظاً، وتلاشى الاعتقاد بأن المفاوضات وحدها كافية". واعتبر أن "التقلبات في الموقف الأميركي عمّقت الشعور لدى الايرانيين بأن واشنطن لا تبحث فعلاً عن اتفاق عقلاني، فالتوجه الأميركي غير مستقر، وحينما كانت إيران تستعد لجولة تفاوض جديدة، استُهدفت منشآتها الاستراتيجية من قِبَل إسرائيل وأميركا، وبذلك دخلت العملية التفاوضية في دوامة من العنف والمزيد من التشكيك". وشنت إسرائيل عدة غارات على أهداف حيوية في إيران في 13 يونيو الماضي، في وقت كانت تستعد إيران للانخراط في الجولة السادسة من المفاوضات النووية غير المباشرة مع الولايات المتحدة. أستاذ العلوم السياسية بجامعة فيينا، هاينز جارتنر، أكد في تصريحاته لـ"الشرق"، أن "أزمة الثقة" تحولت إلى مسار تاريخي في العلاقات الإيرانية الأميركية، لافتاً إلى أن انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة JCPOA (الاتفاق النووي) في عام 2018، خلال ولاية الرئيس الأميركي ترمب الأولى، شكَّل "نقطة تحول خطيرة وأدى إلى تراكم السلبية بين الطرفين". وأضاف جارتنر، أن "الخطوات التي اتخذتها إيران في تخصيب اليورانيوم حتى نسبة 60%، زادت بدورها الأمور تعقيداً، مما يوحي بتعذر العودة إلى روح الاتفاق الذي تم التوصل إليه في عام 2015 أو حتى تحديثه". ورأى أن "احتمالات قبول إيران بوقف التخصيب الكامل لليورانيوم أمر غير وارد؛ لأن الوضع السياسي الراهن في طهران يجعل من هذه الفكرة صعبة التنفيذ"، لكنه أشار إلى أن "عودة إيران للالتزام بمراقبة وكالة الطاقة الذرية لمنشآتها، مع شكل جديد من التفاهم حول البرنامج السلمي، يمكن أن يفتح الطريق لحل تفاوضي متوازن". معضلة "صفر تخصيب" كبير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية السابق، يسري أبو شادي، كشف في تصريحات لـ"الشرق" عن تفاصيل المطالب الأميركية في المفاوضات مع واشنطن، موضحاً أن الولايات المتحدة "عرضت على إيران مشروعاً لإنشاء شركة متعددة الجنسيات في منطقة الشرق الأوسط لتخصيب اليورانيوم، تكون شريكة فيها بشرط ألا يكون هناك أي مكان للتخصيب داخل إيران"، لكنه أشار إلى أن "هذا الطرح غير مقبول بالنسبة لطهران". وتساءل أبو شادي عن واقعية هذا الطرح قائلاً "هل يُعقل ألا تشارك إيران وهي تمتلك أماكن للتخصيب، ولديها الخبراء والقدرات، وليس المال؟". وفيما يتعلق بمخزون اليورانيوم الإيراني، أشار أبو شادي في تصريحاته لـ"الشرق"، إلى أن "طهران مستعدة للتغاضي والتنازل عن 409 كيلوجرامات من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، ولكن بطريقة تدريجية"، مستشهداً بما حصل بعد اتفاق عام 2015 عندما تخلصت إيران من كل اليورانيوم المخصب بنسبة 20%، وأرسلته إلى روسيا، و"مع ذلك لم تُرفع العقوبات عنها، خاصة الغربية"، معتبراً أن إيران ستكون هذه المرة أكثر حرصاً وحذراً". وأكد أبو شادي، أن إيران "سرّعت وتيرة إنتاجها النووي خلال الأشهر الأخيرة بشكل كبير وخصوصاً التخصيب بنسبة 60%، حيث انتقلت من تخصيب 5 كيلوجرامات بالشهر إلى 50 كيلوجراماً". لكنه يرى أن تسريع وتيرة التخصيب لا يعني توجهاً إيرانياً لإنتاج سلاح نووي، موضحاً: "لقد تحدثت مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بشأن هذا الموضوع، وأوضح لي أن هذه الكمية تعتبرها إيران (ورقة تفاوضية) وليست بالضرورة مخصصة لصنع قنابل'". جهود دولية للوساطة الباحث الايراني عباس أصلاني، وهو مطلع على تفاصيل العملية التفاوضية منذ عام 2021، أكد في تصريحاته لـ"الشرق"، أنه لم يُتخذ أي قرار نهائي بعد في الأروقة السياسية الإيرانية بشأن جولة مفاوضات جديدة مع الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن "المسؤولين في طهران يسألون عن جدية الجانب الأميركي للانخراط في عملية دبلوماسية، ويعتقدون أن الولايات المتحدة بحاجة إلى إعطاء ضمانات واضحة وعملية بأنها لن تشن هجوماً جديداً ضد البلاد". ومضى أصلاني قائلاً، إن الهجوم العسكري الأميركي يعني بالنسبة للإيرانيين "خيانة لطاولة المفاوضات ولفرصة الدبلوماسية". وأشار إلى أن "الرئيس الأميركي صرّح مؤخراً بأنه يريد استسلاماً غير مشروط من إيران"، متسائلاً: "كيف يمكن أن نتفاوض مع جهة تريد استسلامنا؟". في المقابل، بدا جارتنر أكثر تفاؤلاً بشأن إمكانية عقد جولة مفاوضات قريبة، معتبراً أن "جهود الوساطات الدولية عادت لتتحرك بعد الضربات الأخيرة على إيران". مع اقتراب الثامن عشر من أكتوبر 2025، يواجه الملف النووي الإيراني منعطفاً حاسماً بانتهاء العمل بالاتفاق النووي الذي تم توقيعه عام 2015، ويشكل هذا التاريخ بالنسبة لإيران مصدر ضغط كبير، بحسب أصلاني، إذ أن مساحة التفاوض باتت محصورة جداً مع التهديد الأوروبي بتفعيل "آلية الزناد"، التي تتيح لأي من الدول المشاركة في الاتفاق إعادة فرض جميع عقوبات الأمم المتحدة على إيران بشكل تلقائي دون الحاجة إلى تصويت جديد في مجلس الأمن الدولي. فما أكد جارتنر، أن ألمانيا وفرنسا قد تفعّلان "آلية الزناد" (سناب باك) لإعادة فرض جميع العقوبات الأممية، ما سيؤثر على الاقتصاد الإيراني"، الذي يرضخ أساساً لضغوطات ضخمة بسبب استمرار العقوبات الغربية. واعتبر أصلاني، أنه عند النظر إلى الضغط الزمني والظروف المحيطة بتعقيدات المفاوضات، "لا نرى وضعاً مناسباً، وأعتقد أنه علينا أن نرى كيف ستتطور الأمور في المستقبل القريب، هل سيصعدون أم سيحاولون التحرك نحو التهدئة؟"، منبهاً إلى أن "إدارة ترمب عبرّت عن إرادتها في التوصل إلى اتفاق لحل المشكلة، لكن ما يقومون به هو خلق مشاكل جديدة تزيد الأمور تعقيداً". وساهمت الضربات الأميركية-الإسرائيلية على إيران ومنشآتها النووية، في حدوث تحول في الرأي العام الإيراني، بعكس ما كانت إسرائيل وربما الولايات المتحدة أيضاً تتمناه، حتى أن جزءاً مهماً من المعارضين للنظام الإيراني "باتوا ينظرون بحذر شديد إلى سياسة الدول الغربية"، متهمين الدول الأوروبية تحديداً بأنها حاولت استغلال الضربات العسكرية لفرض مطالب غير منطقية وغير معقولة على إيران، حسبما قال أصلاني. القطيعة مع وكالة الطاقة الذرية قبل الهجوم العسكري على منشآت إيران النووية بنحو أسبوع، أعلنت طهران، حصولها على وثائق إسرائيلية كشفت بعضها عن تعاون حثيث بين المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رفائيل جروسي، وإسرائيل، متهمة المسؤول الدولي بتزويد تل أبيب بمعلومات عن البرنامج النووي الإيراني، على حد وصفها. ومع إصدار جروسي تقريره الأخير في يونيو الماضي أمام مجلس محافظي الوكالة، حيث اتهم إيران بخرق اتفاقية الضمانات من خلال نشاط نووي غير معلن قامت به في الفترة بين عامَي 2002 و2003، بات مدير الوكالة هدفاً واضحاً لطهران، التي قررت تعليق التعاون مع الوكالة بعد الهجوم الأميركي-الإسرائيلي، معتبرة أنه "مهَّد الطريق لهذا الهجوم". وحمَّل يسري أبو شادي، جروسي، مسؤولية كبيرة في تدهور العلاقات بين طهران والوكالة الدولية، مشيراً إلى أن "تقرير الوكالة أدى إلى اتخاذ قرار من مجلس المحافظين بإدانة إيران، واستغلت إسرائيل هذا القرار لتنفيذ ضرباتها". وتابع أبو شادي: "هذا الأداء قوّض الثقة تماماً بين إيران وجروسي، وجعل العلاقات تسوء للغاية بين الطرفين"، منوهاً إلى أن الدور المنوط بالوكالة هو التنفيذ الفني لمراقبة معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وهذا "دور فني وليس سياسياً". هل انتهى برنامج إيران النووي؟ واستدرك جارتنر في تصريحاته لـ"الشرق، بالإشارة إلى أن الضربات على منشآت إيران النووية "لم تنهِ البرنامج النووي"، لكنها "أنهت فاعلية نظام الرقابة الخاص بوكالة الطاقة، فكل المنشآت التي استهدفتها إسرائيل وأميركا كانت خاضعة للرقابة، لكنها اليوم بعيدة عن أعين مفتشي الوكالة". واتخذت إيران قرارين مهمين في إطار المواجهة بين طهران ووكالة الطاقة الذرية، كما أوضح أبو شادي بقوله: "تمثَّل الأول في التهديد بالانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، لكن هذا القرار مؤجل. أما القرار الذي بدأ تنفيذه فعلياً تمثَّل في إيقاف التعامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومنْع المفتشين من تفتيش المنشآت النووية". واستطرد قائلاً إن "أهم المنشآت التي تعرضت للاستهداف كانت مخصصة لتخصيب اليورانيوم، وأهمها أصفهان التي تُعد نقطة البداية لأي عملية من هذا النوع". وبشأن منشآت نطنز، بيَّن أبو شادي أن "المصنع فوق سطح الأرض دُمّر بالتأكيد لأنه كان مكشوفاً، أما الآخر تحت الأرض فهو على عُمق 80 متراً، ويضم 16 أو 17 ألف وحدة تخصيب، لكن من الصعب إحصاء حجم الدمار الآن". وعن منشأة فوردو، ألمح إلى أن المنشأة تقع على عُمق 100 متر تقريباً تحت جبل صخري من الجرانيت، والمؤكد أنها توقفت وتعطلت، لأن الفتحات والممرات المؤدية إليها كلها تعرضت للاستهداف". كما تعرَّض مفاعل الماء الثقيل في "آراك" لضربة قاسية، بحسب أبو شادي الذي قال إن "إسرائيل استطاعت تدمير قلب المفاعل نفسه، وإن إعادة بنائه ستحتاج إلى مجهود كبير وسنوات طويلة". وفيما يتعلق بمنشآت أصفهان، أوضح الخبير السابق في وكالة الطاقة الذرية يسري أبو شادي، في تصريحاته لـ"الشرق"، أنها "تضم 8 منشآت نووية، لكن هناك أربعة مهمة جداً، أهمها مصنع تحويل "الكعكة الصفراء" (اليورانيوم الخام) إلى غاز اليورانيوم، وهو أهم مصنع لأنه يغذي كل مصانع التخصيب في نطنز وفوردو". وتابع أبو شادي: "هناك مصنع ثالث لصناعة الوقود لمفاعل الأبحاث، ورغم أنه ليس له أهمية كبيرة، لكن تم ضربه أيضاً. وأخيراً، كان هناك مصنع على وشك العمل لإنتاج وحدات التخصيب نفسها، وقد استُهدف هو الآخر، وبالتالي أصفهان هي الموقع الأكبر الذي استُهدف وأعتقد أن العمل فيه توقف تقريباً". أما في ما يتعلق بتقدير الخسائر المالية، فإن الرقم المتداول بقيمة 500 مليار دولار يُعد بالنسبة لأبو شادي "مبالغاً فيه إلى حد كبير"، لافتاً إلى أن "التقديرات الواقعية تشير إلى أن الخسائر الفعلية قد لا تتجاوز بضعة مليارات من الدولارات فقط. و"من المحتمل أن يتم تضخيم هذا الرقم من الجانب الإيراني في سياق المفاوضات، سواء للحصول على تعويضات أو للضغط من أجل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها". تحديات مستقبلية حذَّر أبو شادي، من أن "إيران خرجت فعلياً من التزاماتها بالنسبة لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وهذه مخالفة صريحة"، ما قد يؤدي إلى تصعيد تدريجي مع مجلس الأمن الدولي. وعن تهديدات إيران بالانسحاب من معاهدة عدم الانتشار النووي، حذَّر أستاذ العلوم السياسية بجامعة فيينا، هاينز جارتنر، في تصريحاته لـ"الشرق"، من أن "هذا التهديد غير مجدٍ وسيجر إيران إلى العزلة الدولية المماثلة لكوريا الشمالية، مع تبعات تصعيدية خطيرة". في الوقت نفسه، رأى الباحث السياسي الإيراني عباس أصلاني، أنه "طالما أن شبح الحرب يخيّم فوق إيران، مع عدم تلقّيها أي ضمانات جدية بعدم التعرُّض لهجوم جديد، فلن تكون المفاوضات جدية"، مشدداً على الحاجة إلى "مفاوضات تراعي هواجس الطرفين وتوفر ضمانات جدية". وختم أصلاني تصريحاته لـ"الشرق" بالإشارة إلى أنه "إذا استمر الأميركيون في نهجهم الحالي، سيكون من الصعب جداً تصور التوصل إلى اتفاق سياسي قريباً إن لم يكن مستحيلاً". ويبقى مستقبل الملف النووي الإيراني مرهوناً بقدرة الأطراف على تجاوز أزمة الثقة العميقة، وإقناع إسرائيل بوضع حد لطموحات تدمير برنامج إيران النووي عسكرياً، وإيجاد أرضية مشتركة تحقق التوازن بين الأمن الإقليمي والدولي من جهة، وحق إيران في التكنولوجيا النووية السلمية من جهة أخرى، حسبما أشار خبراء ومصادر مطلعة في تصريحاتهم لـ"الشرق". ومن المؤكد أن الضغط الزمني المتزايد، مع اقتراب انتهاء صلاحية الاتفاق النووي، يضع جميع الأطراف أمام خيارات صعبة أخطرها الانزلاق مجدداً نحو مواجهة عسكرية أكثر عنفاً وشمولاً من الجولة السابقة.

استطلاع.. نسبة ضئيلة من الأميركيين تؤيد حزب ماسك الجديد
استطلاع.. نسبة ضئيلة من الأميركيين تؤيد حزب ماسك الجديد

العربية

timeمنذ ساعة واحدة

  • العربية

استطلاع.. نسبة ضئيلة من الأميركيين تؤيد حزب ماسك الجديد

أظهر استطلاع حديث أجرته شركة يوجوف (YouGov) أن نسبة ضئيلة من الأميركيين مستعدة للانضمام إلى الحزب السياسي الجديد الذي اقترحه إيلون ماسك، وأطلق عليه اسم "حزب أميركا"، حسبما أفاد موقع "أكسيوس". ويأتي اقتراح ماسك بتشكيل "حزب أميركا" بعد خلافه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب. ورغم أن ما يقرب من نصف المشاركين في الاستطلاع (حوالي 45%) يرون أن وجود حزب سياسي رئيسي ثالث ضروري للولايات المتحدة، فإن 11 % فقط من إجمالي المستطلعين قالوا إنهم سيفكرون في دعم حزب ماسك المقترح. وعلى الرغم من أن الجمهوريين كانوا الأقل ميلاً لرؤية الحاجة إلى حزب سياسي ثالث، فإنهم والمستقلين كانوا أكثر استعدادًا من الديمقراطيين لدعم حزب ماسك. وفقد ماسك بعض شعبيته خلال الشهر الماضي، خصوصًا بعد انفصاله عن إدارة ترامب. ومع ذلك، وجد الاستطلاع أن أقوى مؤيدي ماسك هم الجمهوريون، بمن فيهم أولئك الذين يعرّفون أنفسهم بأنهم مؤيدون لشعار "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى". وعلى النقيض من ذلك، كان لدى الديمقراطيين عمومًا آراء سلبية تجاه ماسك منذ بداية العام، إذ تقل نسبة من ينظرون إليه بإيجابية الآن عن 10%.

بعد حكم المحكمة العليا.. ترمب يعلن المضي قدماً في تفكيك وزارة التعليم
بعد حكم المحكمة العليا.. ترمب يعلن المضي قدماً في تفكيك وزارة التعليم

الشرق السعودية

timeمنذ 4 ساعات

  • الشرق السعودية

بعد حكم المحكمة العليا.. ترمب يعلن المضي قدماً في تفكيك وزارة التعليم

قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الاثنين، إن وزيرة التعليم ليندا ماكماهون ستواصل تفكيك وزارة التعليم الفيدرالية، وذلك بعد صدور حكم من المحكمة العليا يسمح بإعادة صلاحيات التعليم إلى الولايات. وكتب ترمب على منصة "تروث سوشيال": "لقد منحت المحكمة العليا الأميركية انتصاراً عظيماً للآباء والطلاب في جميع أنحاء البلاد، من خلال إعلانها أن إدارة ترمب يمكنها المضي قدماً في إعادة وظائف وزارة التعليم إلى الولايات". وأضاف: "الآن، ومع هذا القرار العظيم من المحكمة العليا، يمكن لوزيرة التعليم لدينا، ليندا ماكماهون، أن تبدأ في تنفيذ هذه العملية المهمة جداً". واتهم ترمب الحكومة الفيدرالية بأنها "دمرت التعليم"، قائلاً: "طلاب أميركا سيكونون الأفضل، والأذكى، والأعلى تعليماً في العالم. شكراً للمحكمة العليا الأميركية". وقررت المحكمة العليا، الاثنين، تعليق أمر أصدره القاضي ميونج جون في بوسطن، والذي كان قد أصدر قراراً أولياً يُبطل عمليات الفصل ويُشكك في الخطة الأوسع التي يسعى إليها ترمب. وجاء هذا القرار رغم اعتراض القضاة الثلاثة الليبراليين الذين عبروا عن رفضهم. وكتب القاضي جون في أمره أن عمليات الفصل "ستُشل الوزارة على الأرجح". فيما رفضت محكمة الاستئناف الفيدرالية تعليق هذا الأمر حتى استئناف الإدارة عليه. وتُمكّن خطوة المحكمة العليا الأخيرة الإدارة الأميركية من استئناف إجراءات خفض عدد موظفي وزارة التعليم، التي كانت واحدة من أكبر وعود ترمب الانتخابية. ولم توضح المحكمة أسباب قرارها المؤيد لترمب، وهو ما جرت عليه العادة في القرارات الطارئة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store