
توم برّاك طلع "قوّاتي"!
لكن، وقبل الوصول الى استنتاجات من المواقف التي أدلى بها براك، لا بدّ من الإشارة إلى العاصفة الوزارية التي أحدثها وزراء "القوات اللبنانية" في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة في قصر بعبدا برئاسة الرئيس جوزاف عون. علمًا، أن هذه العاصفة لم تكن الأولى من نوعها. بل كانت الثانية بعد تلك التي أثارها هؤلاء الوزراء قبل أسابيع قليلة في السراي الحكومي حيث كانت تعقد جلسة لمجلس الوزراء برئاسة الرئيس نواف سلام. وكان القاسم المشترك في العاصفتين هو اعتراض وزراء "القوات" على تغييب مجلس الوزراء عن ملف مهمة المبعوث الأميركي والورقة التي أودعها في قصر بعبدا في 19 حزيران الماضي خلال زيارته الأولى للبنان. وكذلك اعتراض أحد وزراء "القوات" على تغييب الحكومة عن الردّ على استمرار "حزب الله" في التمسّك بالسلاح.
لا ضير من العودة بإيجاز إلى كلّ من العاصفتين. ففي جلسة الحكومة في 20 حزيران الفائت برئاسة سلام، أي غداة تسليم براك ورقته، طالب وزير الخارجية يوسف رجّي بموقف حكومي جامع ردًّا على الأمين العام لـ"حزب الله" نعيم قاسم الذي لوّح مجددًا بتدخل "الحزب" عبر لبنان نصرة للنظام الإيراني إبّان الحرب التي شنتها إسرائيل في ذلك الوقت على الجمهورية الإسلامية. ورفض رجّي تبرير الرئيس سلام الذي قال إنه سبق له واتخذ موقفًا في ظروف سابقة. وقال وزير الخارجية إن موقف رئيس الحكومة كان فرديًا وهذا لا يمنع من أن تتخذ الحكومة مجتمعة موقفًا حاسمًا.
أما العاصفة الثانية والتي شهدتها جلسة مجلس الوزراء في قصر بعبدا في 11 تموز الجاري، فاعترض وزراء "القوات" على تغييب الحكومة عن مناقشة ورقة براك، فردّ رئيس الجمهورية بأنه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري وسلام "اتفقوا على مجموعة من الملاحظات التي سلّموها لبرّاك، ومن المُفترض أن يأتي الأخير بردّ على هذه الملاحظات قريبًا". ووعد بأنه "عند قدوم برّاك مرة أخرى وتسليمه الرد على هذه الملاحظات، بأن تتم دعوة الحكومة إلى الاجتماع لعرض الردّ والملاحظات في الجلسة". لكنّ ردّ عون لقي ملاحظة من وزير الصناعة جو عيسى الخوري الذي سأل "عمّا دفع الرؤساء الثلاثة إلى اعتبار الوزراء موافقين مسبقًا على تلك الملاحظات وما الفائدة من إطلاعهم عليها بعد تسليمها للمبعوث الأميركي ومبادرته إلى الجواب عليها"؟
لا يعفي تلخيص مضمون العاصفتين الوزارتين عن عرض مضمون مهمة المبعوث الأميركي الذي قدم أمس في إطلالاته الإعلامية الثلاث عرضًا وافيًا لها. وكانت المفاجأة في هذه الإطلالات أن براك قدم الردّ الذي قال الرئيس جوزاف عون أنه ينتظره كي يدعو مجلس الوزراء الى الانعقاد "لعرض الردّ والملاحظات عليه".
يقول براك في مقابلته مع صحيفة "عرب نيوز" أن أي عملية "لنزع السلاح يجب أن تكون بقيادة الحكومة اللبنانية، وبموافقة كاملة من "حزب الله" نفسه، وقال: "هذه العملية يجب أن تبدأ من مجلس الوزراء. عليهم أن يُصدروا التفويض. و"حزب الله"، كحزب سياسي، عليه أن يوافق على ذلك."
ويمضي براك في الحديث عن الموضوع نفسه ، فيقول لصحيفة "ذا ناشيونال" أن المسار المحتمل قد ينطوي على "موافقة "حزب الله" على نزع سلاحه الثقيل طوعًا بما في ذلك الصواريخ والطائرات بدون طيار وتسليمها إلى مستودعات مراقبة بموجب "آلية" تضم الولايات المتحدة وفرنسا وإسرائيل والجيش اللبناني".
يستطيع المرء الاستنتاج أن مبعوث الرئيس الأميركي إلى لبنان قد دخل عبر الإعلام في تفاصيل يجب أن تكون جزءًا من المناقشات في مجلس الوزراء لو دعي الأخير الى الانعقاد. ولكن الأهم هو أن براك قال بلا لبس أو غموض إن مسار الحل "يبدأ من مجلس الوزراء. عليهم أن يُصدروا التفويض. و"حزب الله"، كحزب سياسي، عليه أن يوافق على ذلك."
وهكذا ، نضم توم براك عمليًا الى وزراء "القوات اللبنانية" بمطالبتهم في جلسة السراي في 20 حزيران الماضي وفي جلسة قصر بعبدا في جلسة 11 تموز الجاري بطرح ما له علاقة بملف سلاح "حزب الله" على مجلس الوزراء.
يذهب بعض المرتابين الى أن ترويكا بعبدا وعين التينة والسراي لديها ما تخفيه عن الرأي العام خشية الاصطدام بـ"حزب الله". وأفصحت "ذا ناشيونال" على هامش المقابلة التي أجرتها مع براك في نيويورك، عن الرد الذي تسلّمه براك في زيارته الثانية لبيروت في 7 تموز الجاري، فقالت الصحيفة: "ردًّا على الاقتراح، قدمت السلطات اللبنانية وثيقة من سبع صفحات تدعو إلى الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي المتنازع عليها، بما في ذلك مزارع شبعا، وإعادة التأكيد على سيطرة الدولة على جميع الأسلحة، مع التعهد بتفكيك أسلحة "حزب الله" في جنوب لبنان. ولم تصل الوثيقة إلى حدّ الموافقة على نزع سلاح "حزب الله" في جميع أنحاء البلاد".
ألا توحي هذه المعلومات بأنّ ردّ الترويكا يمثّل تبنيًا كاملًا لموقف "الحزب" بما في ذلك "مسمار" مزارع شبعا من دون أن يعني ذلك تخلّي الحزب عن سلاحه؟
خرج براك أمس عن صمته وتبنى دعوة وزراء "القوات اللبنانية" الى الاحتكام الى مجلس الوزراء. فهل سيخرج اليوم أو غدًا "ممانع" ليقول: "طلع براك قواتي"؟. لكن الأهم هو موقف بعبدا والسراي من انضمام المبعوث الرئاسي الأميركي الى مطلب العودة الى مجلس الوزراء؟
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


عكاظ
منذ 2 ساعات
- عكاظ
مباحثات سعودية - مجرية لتعزيز التعاون العدلي والقضائي
بحث وزير العدل الدكتور وليد بن محمد الصمعاني، ووزير العدل المجري الدكتور بنس توسون، سُبل تعزيز التعاون بين البلدين في المجال العدلي، وذلك خلال زيارته الرسمية إلى المجر. واستعرض التطورات التي يشهدها القطاع القضائي والعدلي في المملكة؛ بدعم من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وإشراف ومتابعة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، لا سيما ما يتعلق بمنظومة التشريعات المتخصصة، ودورها في تحقيق العدالة الناجزة. وأشار وزير العدل، إلى أبرز التطورات الموضوعية والإجرائية المتعلقة بالقطاع العدلي، ومنها ما يتعلق بتفعيل منظومة العدالة الوقائية، التي تهدف إلى الحد من أسباب نشوء النزاع بين الأطراف، إضافة إلى حرص وزارة العدل على الارتقاء بالممارسات التدريبية والتأهيلية لتنمية القدرات البشرية، وتأهيلها في النواحي القانونية وفق منهجية علمية محددة، وذلك عبر مركز التدريب العدلي. من جانب آخر، وقع وزير العدل الدكتور وليد الصمعاني، مع رئيس المكتب الوطني للقضاء في المجر الدكتور جيورجي سينيي، مذكرة تفاهم لتشجيع التعاون المشترك بين الجانبين في النظم القضائية وأساليبها، وتطوير المهارات المهنية للقضاة والعاملين في المجال القضائي. أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 3 ساعات
- الشرق الأوسط
«الاستئناف» الكويتية تلغي حبس الإعلامية فجر السعيد وتمتنع عن عقابها
ألغت محكمة «الاستئناف» الكويتية اليوم، حكم محكمة «الجنايات» بحبس الإعلامية فجر السعيد 3 سنوات مع الشغل والنفاذ في قضية «أمن دولة»، وقضت بـ«الامتناع عن عقابها» مع كفالة مقدارها 1000 دينار (3.2 ألف دولار). وكانت النيابة العامة أسندت للإعلامية فجر السعيد تهم إذاعة أخبار كاذبة وإساءة استعمال شبكة المعلوماتية والإقدام على نقل خبر مختلق، والدعوة إلى التطبيع مع إسرائيل، والإضرار بمصالح البلاد. وتواجه فجر السعيد تهمة أخرى في قضية الإساءة إلى العراق، والتي حصلت فيها على حكم براءة من محكمة الجنايات. ويقول المستشار القانون الكويتي الدكتور محمد الفيلي لـ«الشرق الأوسط» إن الامتناع عن المعاقبة «يتضمن إدانة دون تنفيذ عقوبة». وأوضح أن «هذا النظام موجود في القوانين الجزائية حيث يقرر فيه القاضي أن المتهم (مدان) في التهمة المنسوبة إليه، ولكن القاضي يملك (سلطة تقديرية) في (الامتناع) عن العقاب نتيجة لظرف خاص بالمدان، مثل تقدّم السنّ، أو احتمال عدم عودته لهذا الفعل، وعادة ما يكون هذا الإجراء مقروناً بكفالة تحت طائلة إلغاء إجراء الامتناع عن العقوبة إذا عاد المتهم لمخالفة القانون أو لارتكاب المخالفة مجدداً خلال فترة محددة، مما يعتبر هذا الامتناع كأن لم يكن». وقال إن الامتناع عن النطق بالعقوبة «هو تنظيم عقابي بديل، وهو إجراء موجود في العدالة الجزائية، وموجود في الأنظمة العقابية، وليس ابتكاراً كويتياً».


الشرق الأوسط
منذ 8 ساعات
- الشرق الأوسط
الميليشيا بلا مشروع: «حزب الله» ما بعد زمن السلاح
كانَ صعباً، ولا بدَّ، أن يتابعَ «حزب الله» مشهد مقاتلي «حزب العمال الكردستاني» وهم يحرقون بنادقهم بأيديهم، في احتفال علني. شكّلت هذه المشاهد نهاية رمزية لفصلٍ طويل من الكفاح المسلح في المنطقة، وافتتاحاً صامتاً لمرحلة جديدة تفرض إعادة النظر في وظائف العنف وأدواره خارج الدولة. لم يكن هذا القرار نتيجة اتفاق سياسي ضاغط، ولا تتويجاً لانتصار ميداني حاسم، بل تعبيراً عن إدراك عميق بأن زمن البندقية غير النظامية، بكل ما حمله من شعارات قومية أو دينية، قد شارف على الانتهاء، وأن في ذلك ما يستدعي تغييراً في التصورات والأهداف والمواقف. في العراق أيضاً، وعلى الرغم من دقة توازناته السياسية، تمكّنت الحكومة من رفع وحماية شعار النأي بالنفس عن الحرب الإيرانية – الإسرائيلية الأخيرة، وتثبيت مبدأ أن لا سلاح خارج الدولة، متجاوزة ضغوط المحور أو غوايات اللحظة. تعلو في بغداد النبرة بشأن توحيد القرار العسكري، بموازاة مزاج وطني صاعد منحاز للدولة على حساب الميليشيات. في غزة، انتهت الحرب بهزيمة سياسية وعسكرية أخرجت «حماس» عملياً من نقاشات «اليوم التالي» عن إعادة الإعمار وهيكلة السلطة السياسية. فقدت الحركة السيطرة على جزء كبير من القطاع، وانكشفت أمام أهلها، قبل خصومها، وبات تحييد سلاحها هو المحطة الأخيرة المتفق عليها بين جميع المؤثرين. في هذا السياق الإقليمي المائل نحو ترتيب أوراق ما بعد الفوضى، بقي «حزب الله» معلّقاً على تخوم خطابه القديم، يراقب انهيار منظومات تشبهه، ويتلمّس ملامح التحول من حوله، من دون أن يجد سردية جديدة قادرة على إعادة تبرير وجوده بالشكل الذي اعتاده. فالهزيمة البنيوية التي تعرّض لها الحزب في حرب 2024، لم تُقابل بإعادة تقييم استراتيجية، بل بتعميق لهجة الممانعة، وتغليف السلاح بمفردات دينية تُخرجه من التداول السياسي إلى فضاء القداسة. لم يعد سلاح «حزب الله» مجرّد أداة مقاومة، بل أصبح، في الخطاب، امتداداً لعقيدة، وأمانة إلهية، ترتبط كلها بهوية خاصة. وهو تحوّل في اللغة، يُراد له أن يحصّن السلاح من النقد والرقابة والتسويات، عبر إلحاقه بالماورائي والوجودي. لكن هذا التصعيد العقائدي لا يصدر من موقع قوة، بل من موقع قلق وخوف. فالبيئة الحاضنة للحزب لم تعد على حالها، والدعم الإيراني يمرّ بأزمة أولويات، والأفق السوري يتّجه نحو تسويات كبرى، حتى مع إسرائيل، ستُفاجئ الحزب بتفاهمات لا مكان فيها للمشاريع العقائدية المسلّحة. كما أنَّه كلام يتوازى مع تقارير موثوقة عن تباينات عميقة داخل الحزب تفرزها المراجعات الداخلية الجارية بشأن الدور والوظيفة والقدرة، وتكلفة الارتباط بالمشروع العسكري لإيران. في المقابل، يواصل رئيسا الجمهورية اللبنانية جوزيف عون والحكومة نواف سلام، تنفيذ خطوات مهمة ولو غير كافية تحت غطاء القرار «1701»، شملت إزالة مئات المواقع التابعة لـ«حزب الله» جنوب نهر الليطاني، تنفيذاً لقرار وقف إطلاق النار الذي أُرغم الحزب على الموافقة عليه. لا يعني أي من ذلك أنّ الدولة استعادت كامل سيادتها، لكنّه يعني بالتأكيد أنّ الانكشاف بات أكبر، وأنّ فائض الهيمنة لم يعد مقبولاً، لا إقليمياً ولا دولياً، ولا حتى داخلياً في ظلّ تراجع التأييد الشعبي للحزب في بيئته وبين عموم اللبنانيين، نتيجة الكلف الاقتصادية والاجتماعية التي دفعها الناس على مدار عقدين. زِدْ على ذلك أنّ إسرائيل، بدعم أميركي وأوروبي، لم تعد تتعامل مع الحزب كجزء من ميزان الرعب التقليدي، بل كهدف مشروع للضربات الاستباقية عند الحاجة، على ما يُستقرأ من الغارات والاغتيالات المستمرة. فإلى أين يأخذ «حزب الله» لبنان؟ هل ما زال الرهان على محور إقليمي يتفكّك كفيلاً بتأمين شرعية دائمة لسلاحٍ لم يعد يُقنع حتى بعض المقرّبين؟ وهل الخطاب الغيبي يكفي لتغطية التراجع البنيوي البائن؟ هل يملك «حزب الله» ما يكفي من وعي سياسي واستقلالية على مستوى القرار ليبدأ الفصل بين العقيدة الثورية العابرة للحدود وبين المشروع السياسي الوطني؟ ما من مؤشر يؤكد أن الحزب يملك حتى الآن إجابات واضحة. لكن المؤكد أن لبنان لا يحتمل الانتظار. أكثر من أيّ وقت مضى، بات سلاح «حزب الله» يشكّل تهديداً وجودياً للبنان، كما أشار الموفد الأميركي توم برّاك، وكما يستشعر معظم اللبنانيين بفطرتهم. لكن الآكد من تهديد الكيان اللبناني، هو ما يُمكن أن يصيب بيئة الحزب جراء هذا. فاستمرار هذا السلاح خارج الدولة، قد يزجّهم في صدام دائم مع بقيّة المكوّنات، ويُلغي إمكانيّة بناء شراكة وطنية مستقرّة. إن لم يُعالَج ملف السلاح اليوم، فإنّ الثمن لن يكون حرباً جديدة مع إسرائيل فقط، بل تفككاً داخلياً سيضرب النسيج الشيعي أولاً قبل أن يطول سواه.