
5 صهاينة حول ترامب
وتتبنى هذه الشخصيات -التي غالبا ما ترتبط بتيار الصهيونية المسيحية- رؤى متشددة تجاه الإسلام، وفلسطين، وإيران، مع دعم مطلق لإسرائيل.
وسنقف مع أبرز هذه الشخصيات، التي بلا شك تؤثر على اتخاذ القرار النهائي للرئيس الأميركي، وتصعّد من خطاب الإسلاموفوبيا الذي بات يترسخ في الولايات المتحدة في ظل هيمنة هؤلاء المحافظين.
وزير الدفاع بيت هيغسيث
بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، التحق بيت هيغسيث بالخدمة العسكرية في أثناء دراسته الجامعية، ثم تخرج عام 2003 وعمل لفترة قصيرة محللا ماليا في شركة بير ستيرنز.
لكنه سرعان ما ترك الوظيفة رغم عوائدها الكبيرة لينضم إلى الجيش، وقد برر قراره بالرغبة في مواجهة من وصفهم بـ"الوهابيين"، وبدأ تدريبه في جورجيا ليكون ضابط مشاة، ثم خدم في معتقل غوانتانامو عام 2004، وهي تجربة قال إنها كانت مملة، حيث اقتصرت مهمته على حراسة من نعتهم بـ"حثالة الإسلاميين".
نُقل عام 2005 إلى العراق مع الفرقة 101 المحمولة جوا، وشارك في معارك بسامراء والمثلث السني، حيث أبدى رفضه الصريح لقواعد الاشتباك، ووجّه جنوده إلى تجاهلها والتعامل المباشر مع أي تهديد محتمل من دون الرجوع للقانون.
ثم في عام 2012، خدم في أفغانستان بصفته كبير مدربين بأكاديمية مكافحة التمرد في كابل، مواصلا نشاطه في دعم العمليات العسكرية الأميركية خارج البلاد.
أما الأمر الذي أثار الجدل أواخر مارس/آذار الماضي وسط هذه الغابة من التصريحات والأفكار، فهو حينما ظهر وزير الدفاع الأميركي في أثناء زيارته إلى قاعدة بيرل هاربر-هيكام الجوية والبحرية، وقد أظهرت إحدى الصور وشما على ذراعه يحمل كلمة "كافر" مكتوبة باللغة العربية خلال مشاركته في التدريبات مع الجنود، كما ظهرت أسفل كلمة "كافر" عبارة "Deus Vult" باللاتينية التي تعني "إرادة الإله"، وهو شعار يعود إلى العصور الوسطى وكان يُستخدم هتافا عسكريا خلال الحملات الصليبية.
ينظر بيت هيغسيث إلى الإسلام من أبعاد أيديولوجية إنجيلية صرفة، فضلا عن الأدوار التاريخية والديمغرافية والعسكرية، وقد عبّر عن هذه الرؤية بوضوح في كتابه "الحملة الصليبية الأميركية"، فهو يرى أن "الإسلام دين عدواني".
ولم يُخفِ يوما رؤيته المتشددة تجاه الإسلام، وهي رؤية يراها البعض امتدادا لفكر " الحروب الصليبية" الحديثة، فيقول في كتابه "في الميدان" إن "الإسلام، خاصة الإسلاموية، قائم على تقاليد دينية مُغلقة ومُتصلبة"، كما يبدي موقفا متعصبا من الحركات الإسلامية كافة، ويحذر من خطرها وضرورة الوقوف أمامها.
ستيفن ميلر مستشار ترامب المقرب
نشأ ستيفن ميلر في عائلة يهودية عاشت حياتها في ولاية كالفورنيا الأميركية، واليوم يشغل منصب نائب كبير موظفي البيت الأبيض لشؤون السياسات ومستشارا للأمن الداخلي منذ يناير/كانون الثاني 2025، وهو رجل معروف برؤاه اليمينية الصارمة، خاصة ضد الهجرة والإسلام.
كما كان القوة الدافعة وراء إصدار قانون "حظر المسلمين" المتعلق بمنع دخول مواطني 7 دول مسلمة إلى الولايات المتحدة، وتفكيك برامج اللجوء والحد من أعداد اللاجئين المقبولين
خلال سنواته الجامعية، بدأ ستيفن ميلر في ترسيخ رؤيته الخاصة حول الإسلام والمسلمين، وهي رؤية تميل إلى العداء العقائدي والمواجهة الثقافية، ففي تلك الفترة وحسب صحيفة تايمز أوف إسرائيل، أطلق مشروعا طلابيا حمل عنوان "مشروع التوعية بالإرهاب"، كان هدفه المعلن "كشف خطر الإسلام الفاشي".
وقد نظّم ميلر عبر هذا المشروع عروضا لأفلام وثائقية تربط الإسلام ككل بالعنف والتوسع العدواني.
وكان ميلر في مقالاته ونشاطاته العامة يؤكد أن الولايات المتحدة تخوض حربا وجودية مع "الإسلام الفاشي"، وأن الجامعات الأميركية باتت عاجزة عن إدراك هذا التهديد بسبب ما وصفها بسيطرة الفكر اليساري عليها الذي تسامح مع الإسلام وأفسح له الطريق.
ولهذا السبب دافع عن الغزو الأميركي للعراق بوصفه ردا شرعيا على هذا الخطر، معتبرا أن القوى الإسلامية الراديكالية تسعى لفرض إرادتها الإلهية على الحضارات الأخرى، وهو ما يستوجب الرد عليها بالقوة والحزم.
ومع دخوله المجال السياسي فيما بعد، استمر ميلر في ترويج الخطاب نفسه، فقد عمل بشكل مكثف على الدفع بسياسات تقييد الهجرة، وكان من أبرز مهندسي ما يُعرف بـ"حظر المسلمين"، وهو الأمر التنفيذي الذي وقّعه دونالد ترامب عام 2017 لمنع مواطني عدة دول إسلامية من دخول الولايات المتحدة.
ولم يكن الحظر مجرد قرار سياسي، بل كان انعكاسا مباشرا لرؤية ميلر للإسلام بوصفه تهديدا ثقافيا وأمنيا، وقد كشفت تقارير صحفية عن أن ميلر كان يتجاهل عمدا آراء الخبراء الأمنيين والقانونيين الذين حذروا من تداعيات القرار، مفضّلا الاعتماد على مصادر يمينية متطرفة لتبرير توجهاته.
عُرف ميلر أيضا بصلاته بمواقع ومنصات إلكترونية تتبنى خطابًا عنصريا معاديا للمسلمين والمهاجرين، مثل موقع "في دير" و"أميركان رينيسانس"، وكان يشارك في نشر مقالات ومحتوى من هذه المصادر داخل أروقة البيت الأبيض.
ولم يكن يرى في هذا التصرف خرقا للحياد المؤسسي، بل واجبًا وطنيا لـ"حماية الهوية الأميركية"، كما أظهر دعما قويا لتشديد الرقابة على المساجد والمراكز الإسلامية داخل الولايات المتحدة.
واليوم يظهر ميلر بجوار ترامب في عديد من المناسبات العامة، ويكاد يلتصق به في البيت الأبيض، حتى إنه يبدي آراءه في التغريدات التي يُطلقها ترامب على منصته تروث سوشيال.
ومن اللافت أن قربه وخطورة وظيفته الحساسة في البيت الأبيض لها تأثير ضخم ومباشر على رؤية الرئيس الأميركي ترامب تجاه قضايا ومسائل الشرق الأوسط.
مايك هاكابي.. قسيس بدرجة سفير!
في التاسع من أبريل/نيسان 2025، صادق مجلس الشيوخ الأميركي بأغلبية ضيقة على تعيين مايك هاكابي -الحاكم السابق لولاية أركنساس والمبشر الإنجيلي المعروف- سفيرا للولايات المتحدة لدى إسرائيل.
وقد اعتُبر هذا التعيين حينها انتصارا واضحا للجناح الديني الصهيوني داخل إدارة ترامب لما يمثله هاكابي من رمزية قوية في التيار الإنجيلي المؤيد لإسرائيل، ولقدرته على ربط التحالف الأميركي الإسرائيلي بأبعاد لاهوتية وعقائدية عميقة، تجعل من دعم إسرائيل ليس مجرد سياسة خارجية، بل واجبا دينيا، حسب تعبيره المتكرر.
وقد سعى هاكابي في أثناء جلسات الاستماع في مجلس الشيوخ إلى تقديم صورة معتدلة نسبيا، معلنا أن دوره -سفيرا- سيكون تمثيل سياسات الرئيس ترامب لا مواقفه الشخصية، غير أن تصريحاته السابقة ومقابلاته الإعلامية كشفت عن موقف أكثر صلابة، إن لم يكن عدائيا، تجاه الفلسطينيين.
وفي مقابلة مع بلومبيرغ في العاشر من يونيو/حزيران 2025، قال صراحة: "لا أعتقد أن الهدف الأميركي هو دولة فلسطينية"، وأشار إلى إمكانية قيام دولة فلسطينية في "بلد مسلم" آخر بدل الضفة الغربية التي يصفها بالاسم العبري لها "يهودا والسامرة".
ولم يكن موقف هاكابي من الاستيطان الإسرائيلي أقل وضوحا أو راديكالية، فهو من أبرز الشخصيات الأميركية التي دافعت بلا تحفظ عن مشروع الاستيطان، واصفا الضفة الغربية بأنها "أحياء ومدن يهودية"، رافضا الاعتراف بها بوصفها أراضي محتلة، ومشككا في شرعية القرارات الدولية التي تُدين سياسات إسرائيل التوسعية، ووقف بوضوح إلى جانب المستوطنين.
وعلى صعيد الصراع مع إيران أخيرا، فقد كان هاكابي صوتا متقدما في صفوف الصقور داخل إدارة ترامب. ففي أكثر من مناسبة، دعا الرئيس إلى تبني ما وصفه بـ"الرد الإلهي"، مشيرًا إلى أن ترامب قد "يسمع صوتا من السماء" يرشده إلى المواجهة.
ولم تكن هذه مجرد استعارة بلاغية، بل تعبيرا عن اعتقاده العميق بأن المواجهة مع إيران تمثّل مرحلة نبوئية في التاريخ الإلهي المسيحي اليهودي المشترك، وهي قناعة تتماشى مع الفكرة السائدة في أوساط المسيحيين الصهاينة بأن الحروب في الشرق الأوسط تمهّد لعودة المسيح.
كما ظهر هاكابي في وسائل الإعلام في أثناء أيام المواجهة الإسرائيلية الإيرانية ليكون أحد أكثر الأصوات حدة في المطالبة بتحرك أميركي مباشر، محذرا من التراخي ومطالبا الرئيس باستخدام أقصى درجات القوة، بما في ذلك -حسب بعض المصادر- الخيار النووي في رسالة "ردع روحي".
وقد أرسل هاكابي لترامب رسالة مليئة بالمضامين الدينية الصريحة، قائلا إن قرار ترامب الحالي بشأن إشراك الولايات المتحدة في هجمات على إيران من عدمه يُشبه القرار الذي واجهه الرئيس هاري ترومان عام 1945 عندما ألقى ترومان قنبلتين ذريتين على هيروشيما وناغازاكي، مما أسفر عن مقتل مئات الآلاف من الأبرياء في اليابان وتدمير مدينتين.
يقول هاكابي أيضا إنه لا يسعى لإقناع ترامب، بل "لتشجيعه"، ويكتب: "لقد نجاك الله في بتلر، بنسلفانيا، لتكون الرئيس الأكثر أهمية في قرن، وربما على الإطلاق"، مضيفا: "لم يمر رئيس في حياتي بمثل وضعك منذ عهد ترومان عام 1945".
وفي ما يخص قطاع غزة، تبنى هاكابي مبادرة إنسانية مشروطة في محاولة للهيمنة على السياق الإنساني وتحويله إلى أداة نفوذ سياسي، حيث بدا أن الأولوية بالنسبة له ليست تخفيف المعاناة الإنسانية، بل تعزيز موقع إسرائيل والولايات المتحدة داخل المعادلة الغزّية.
ومن اللافت أن الخطورة في نهج هاكابي لا تقتصر على مواقفه السياسية، بل تمتد إلى البنية الأيديولوجية التي ينطلق منها، فهو لا يرى في دعم إسرائيل مجرد خيار إستراتيجي، بل واجبا دينيا متجذرا في نصوص توراتية، ويستند إلى سرديات نبوئية تتعامل مع المنطقة كخشبة مسرح لمعركة روحية نهائية.
راسل فوغت
يعد من أبرز القوميين المسيحيين في إدارة ترامب، حيث يشغل حاليا منصب مدير مكتب الإدارة والميزانية منذ فبراير/شباط 2025، وكان في السابق نائبا للمدير خلال 2018–2020، إذ يتميز راسل فوغت بتعريف نفسه على أنه "منادٍ لوطنية مسيحية" ويسعى لإدخال المبادئ المسيحية في صلب حياة الحكم والمجتمع الأميركي.
في جلسة استماعه عام 2017، توصّل النقاش إلى مواقفه تجاه الإسلام، حين سأله السيناتور بيرني ساندرز عما إذا كان رأيه بأن "المسلمين لا يعرفون الله لأنهم رفضوا يسوع المسيح" رأيا متعصبا، وقد رفض فوغت وصف ذلك بـ"الإسلاموفوبيا"، مؤكدا أنه يعبر فقط عن وجهة نظره بوصفه مسيحيا.
وقد نشأت علاقة فوغت المتوترة بالإسلام أيضا من خلال معركته ضد الدكتور لاريسيا هوكينز الأستاذة في كلية ووتون التابعة لولاية إلينوي الأميركي، إذ دعم فصلها بعد إعلانها أن "المسيحيين والمسلمين يعبدون الإله نفسه"، وحينها وصف فوغت اعتقادها بتعارض مع العقيدة المسيحية، مغالطًا وجود تسامح بين الأديان، وهو ما أثار انتقادات اعتبرت أن لديه تمييزا منهجيا ضد المسلمين.
يفسر الخبراء مواقف فوغت بأنها تعكس أيديولوجية قومية مسيحية توصف بأنها "الدولة تحت إرادة الإله"، حيث لا ترضى بإبقاء الإسلام مجرد معتقد شخصي، بل تُعزز إقصاءه من المجال العام، حتى لو ضمن "الفصل المؤسساتي بين الحكومة والدين".
ويشير محللون إلى أن هذه أفكار متوافقة مع رؤى " مشروع 2025" الهادفة إلى إعادة تشكيل البيروقراطية الأميركية بما يتوافق مع التوجه الديني المحافظ الذي يقصي التيارات الإسلامية.
باولا وايت.. زعيمة "مكتب الإيمان"!
تعد ، واحدة من أبرز القساوسة التلفزيونيين في العالم الإنجيلي الإنجليزي، وراعية مسيحية كاريزمية ذات تأثير واسع في الصفوة السياسية والدينية داخل إدارة ترامب اليوم.
في فبراير/شباط 2025، عيّنها الرئيس ترامب لتترأس "مكتب الإيمان" في البيت الأبيض، لتكون وجها رسميا متحكما في تجسير الهوة بين الساحة الدينية والسياسية، حيث تشتهر وايت بدعمها اللامحدود لإسرائيل، وتُعد من المدافعين الرئيسيين عن "لاهوت الرخاء" الذي يوصي بضرورة التبرع والزكاة في مقابل حياة الرخاء والصحة، بينما تُتهم من خصومها بأنها تمثل تيارا مسيحيا قوميا متطرفا.
لا تقتصر آراء وايت على الدعم الرمزي لإسرائيل، بل تشمل تبني رؤية تنتقص من الأديان الأخرى، من ضمنها الإسلام، فوفقا لأحد الباحثين -الذين رصدوا آليات عمل "مكتب الإيمان" في البيت الأبيض الذي تتزعمه وايت- يضم المكتب عددا آخر من القساوسة الإنجيليين المعادين للإسلام، الذين يرون أن خدمة إسرائيل بإخلاص دينهم وعقيدتهم.
ويتضح ذلك من خلال مشاركة وايت وزملائها من القساوسة الآخرين في مناسبات متعددة داخل البيت الأبيض، مثل "يوم الدعاء الوطني"، حيث تظهر إلى جانب قادة مسيحيين إنجيليين يطلقون على المبادرة "العبور الروحي لدعم إسرائيل"، ويربطون موقفهم بالعداء تجاه الإسلام السياسي.
كما أسهمت وايت في صياغة سياقات أيديولوجية رسمية من خلال تأطير "الدولة المسيحية" كهوية وطنية، فتقول إن دور "مكتب الإيمان" يتضمن تقديم دعم لمؤسسات دينية مسيحية، حتى لو جاء ذلك على حساب محاربة ما تعتبره "تحيزًا ضد اليهود والمسيحيين والإسلامويين".
وتمثل علاقتها بإسرائيل استحضارا لنموذج "التحالف المسيحي الصهيوني"، إذ ربطت نقل السفارة الأميركية إلى القدس عام 2017 بدعم عقائدي مبطن، معتبرة أنه "واجب ديني مقدس" وليس مجرد خطوة سياسية.
وقبل مجيء ترامب للبيت الأبيض مرة أخرى بعدة أشهر، نشرت على موقعها الخاص مقالا بعنوان "لماذا نقف مع إسرائيل" أكدت فيه مرة أخرى أنه واجب ديني مقدس، كما كشفت عن دورها مع آخرين في حث الرئيس الأميركي ترامب على الإسراع في هذه الخطوة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
"مجزرة الساحل": ناقوس خطر لا ورقة ضغط فقط!
حين تصبح الذاكرة وسيلة ابتزاز في غياب الكفاءة القانونية لم يكن التقرير الاستقصائي الأخير، الذي نشرته وكالة رويترز حول ما يُعرف إعلاميًّا بـ"مجزرة الساحل"، مجرد سرد توثيقي لأحداث مؤلمة من بدايات الحرب السورية، بل كان -بكل وضوح- جزءًا من خطاب سياسي موجه، يحمل في طياته إشارات تحذيرية وتهديدات ضمنية، ليس إلى الدولة السورية القديمة فحسب، بل إلى ما يُفترض أنه "وجهها الجديد" بعد الثورة والتغيير. بعيدًا عن العبارات الدبلوماسية، فإن هذا النوع من التقارير الاستقصائية، حين يُطرح بهذا التوقيت وبهذا الإخراج، لا يمكن قراءته إلا كمحاولة ابتزاز سياسي ممنهج، يأتي ضمن سلسلة أوراق ضغط ستستخدمها الأطراف الدولية في ملفات العدالة الانتقالية، والمصالحة، والتطبيع، والتفاوض حول مستقبل السلطة. لكن الأكثر إيلامًا من مضمون التقرير نفسه، هو هشاشة رد الفعل الرسمي عليه، والذي أظهر أن البنية القانونية والسياسية للحكومة الجديدة ما زالت مفتوحة على الاختراق، بل تكاد تكون مفرغة من أدوات المناعة السيادية. قراءة قانونية.. التقرير كأداة ضغط لا آلية مساءلة وفقًا للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، فإن أي سلوك يصنَّف على أنه "جريمة حرب" أو "جريمة ضد الإنسانية" يخضع لمعايير صارمة في الإثبات القضائي، وليس للتقدير الإعلامي أو النشر الصحفي. كما أن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (روما، 1998) يشترط توفر عناصر الركن المادي والمعنوي، مع وجود نيّة ممنهجة، وإثبات علاقة السببية المباشرة. وبالتالي، فإن: اعتماد رويترز على مصادر أحادية، وشهادات غير موثقة بشكل قضائي، يُفقد التقرير حياده، ويحوّله من وثيقة مساءلة إلى أداة دعائية. تجاهل التقرير لسياق المعركة العسكرية، ولجرائم التنظيمات المسلحة المعارضة في نفس الفترة الزمنية، يُضعف من مصداقيته القانونية. توقيت التقرير -بعد سنوات من الصمت- يتقاطع مع تصاعد الضغوط الغربية بشأن "شكل الدولة السورية القادمة"، وموقعها من التطبيع والانفتاح. أزمة الدولة الجديدة.. بقاء الرداءة وتدوير العجز كان يُفترض أن تكون مرحلة ما بعد التحرير السوري نقطة انطلاق نحو بناء دولة القانون والمؤسسات، لا مجرد تغيير في الوجوه، إلا أن الإصرار على إبقاء طيف واسع من الطاقم الإداري والإعلامي والقانوني القديم، دون غربلة أو تجديد، أضعف هيبة الدولة الجديدة، وأظهرها كنسخة مهزوزة من سابقاتها، لكنها بلا غطاء شرعي دولي هذه المرة. ومن أبرز أوجه الخلل: غياب المستشارين القانونيين الدوليين عن دوائر صنع القرار. غياب إستراتيجية إعلامية قانونية تراعي بيئة النزاع والعدالة الانتقالية. ضعف التأهيل في التعامل مع الصحافة الدولية والمنظمات غير الحكومية. الاعتماد على خطاب إنكاري ساذج بدل إستراتيجية تفنيد قانونية قائمة على المبادئ القانونية المقبولة دوليًّا. ليست خطورة التقرير في تفاصيله، ولا في حجم الانتقادات التي يتضمنها، بل في هشاشة الدولة السورية الجديدة تجاهه. فالتاريخ، حين لا يُكتب بيد العدالة والسيادة، يُكتب على طاولات المقايضة الدولية العدالة الانتقالية ليست مشروع استسلام أخطر ما قد ينتج عن هذا الاستقصاء، إن لم يواجَه بسياسة وازنة، هو فرض أجندة عدالة انتقالية مفصّلة خارجياً، تحت عناوين براقة مثل "المصالحة" و"كشف الحقيقة". وقد سبق أن حذر المقرر الخاص للأمم المتحدة، المعني بتعزيز الحقيقة والعدالة (A/69/518)، من أن فشل الدول في قيادة هذه العملية، ضمن مقاربة وطنية، يؤدي إلى فقدان السيادة السياسية والقانونية. وعليه، فإن قبول الحكومة الجديدة بهكذا عملية انتقالية تملى من الخارج، دون هيكلة داخلية نزيهة وشفافة، سيكون انتحاراً سيادياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى. توصيات عملية عاجلة تشكيل هيئة قانونية سيادية مستقلة لإعداد رد علمي تفصيلي على تقرير رويترز، يُنشر باللغتين العربية والإنجليزية، ويتضمن تفنيداً قانونياً دقيقاً، لا مجرد إنكار إعلامي. إطلاق مشروع وطني للعدالة الانتقالية، يقوده قضاة ومحامون مشهود لهم بالنزاهة من الداخل، ويرتكز على نماذج عالمية مثل "لجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب أفريقيا"، مع مراعاة السياق السوري. فصل الكفاءات الفاشلة والمتورطة بالصمت أو التواطؤ عن مواقع القرار، والاستعانة بجيل قانوني جديد لديه دراية بالقانون الجنائي الدولي وآليات التقاضي الدولية. إنشاء وحدة متخصصة في القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، ضمن وزارة العدل أو وزارة الخارجية، تكلَّف بالتواصل مع المنظمات الأممية والرد على المزاعم، ومتابعة أي إجراءات قضائية محتملة ضد الدولة أو مسؤوليها. تبني مبدأ "الشفافية المدروسة" في تناول ملفات الماضي، بما يعيد الثقة بين الدولة والمجتمع، دون فتح الباب للابتزاز أو الانتقام. المطلوب ليس الدفاع عن الماضي، بل بناء بنية قانونية وطنية قادرة على حماية المستقبل؛ فمن لا يُحصّن ذاكرته بالقانون، تُسرق سيادته بالاستقصاء إن لم تُحصّن الدولة ذاكرتها سُرقت سيادتها ليست خطورة التقرير في تفاصيله، ولا في حجم الانتقادات التي يتضمنها، بل في هشاشة الدولة السورية الجديدة تجاهه. فالتاريخ، حين لا يُكتب بيد العدالة والسيادة، يُكتب على طاولات المقايضة الدولية. إن استمرار الحكومة في إدارة الملفات الحساسة بعقلية الخوف من الاعتراف، أو التستر على الفشل، لن يُثمر سوى مزيد من التقارير، والاتهامات، ثم العقوبات، وربما ما هو أسوأ. المطلوب ليس الدفاع عن الماضي، بل بناء بنية قانونية وطنية قادرة على حماية المستقبل؛ فمن لا يُحصّن ذاكرته بالقانون، تُسرق سيادته بالاستقصاء.


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
جيش الاحتلال يرتكب مجازر جديدة بحق نازحين في غزة
ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي -اليوم الأحد- مجازر جديدة بحق نازحين في قطاع غزة ، في وقت تتجه فيه الأنظار إلى المفاوضات المرتقبة بشأن وقف محتمل لإطلاق النار. وأفادت مصادر في مستشفيات غزة بأن 38 فلسطينيا -بينهم نساء وأطفال- استشهدوا في غارات إسرائيلية على القطاع منذ فجر اليوم، بينهم 29 بمدينة غزة. وفي التفاصيل، أفادت مصادر فلسطينية باستشهاد 12 شخصا وإصابة آخرين جراء غارات إسرائيلية استهدفت منازل تؤوي نازحين في حي الشيخ رضوان (شمالي مدينة غزة). وقالت المصادر ذاتها إنه تم انتشال سيدة على قيد الحياة، وإن معظم المصابين من النساء والأطفال وحالة بعضهم خطيرة. وفي وقت مبكر اليوم، استشهد 3 أشخاص في قصف إسرائيلي استهدف شقة سكنية في شارع يافا بحي التفاح (شرقي مدينة غزة). وفي حي الزيتون (جنوب شرقي مدينة غزة) أصيب عدد من الأشخاص إثر قصف إسرائيلي، بحسب مصادر في مستشفى المعمداني. ومن جانبها قالت قناة الأقصى الفضائية إن طيران الاحتلال نفذ اليوم حزاما ناريا على المناطق الشرقية لمدينة غزة، والتي تضم أحياء على غرار التفاح و الشجاعية. كما نسفت قوات الاحتلال عدة منازل في تلك المناطق، وفقا للمصادر نفسها. وإلى الشمال من غزة، تعرضت مناطق في جباليا لغارات جوية رافقها قصف مدفعي، وفقا لمصادر فلسطينية. وفي الآونة الأخيرة، تصاعد القصف الإسرائيلي على وسط مدينة غزة مما أسفر عن مجازر أسفرت عن أعداد كبيرة من الشهداء. إعلان وفي تطورات ميدانية أخرى، استشهد 5 أشخاص، بينهم 3 أطفال، صباح اليوم في قصف من مُسيرة إسرائيلية على خيمة نازحين في منطقة المواصي غرب خان يونس (جنوبي قطاع غزة). وفي وقت لاحق اليوم، استشهد 4 منهم 3 أطفال في قصف إسرائيلي جديد لخيمة نازحين في المنطقة نفسها. ونشرت وسائل إعلام فلسطينية صورا تظهر مصابين بجروح خطيرة في مجمع ناصر الطبي بخان يونس. وقالت المصادر نفسها إن المدفعية الإسرائيلية استهدفت محيط مجمع ناصر الطبي. وبالتزامن، نفذت قوات الاحتلال عمليات نسف جديدة للمباني السكنية (وسط وشرق مدينة خان يونس). وعلى غرار مدينة غزة ومناطقها الشرقية، تتعرض خان يونس لقصف جوي ومدفعي كثيف. وفي إطار هذا التصعيد، تواترت الأيام الماضية الاستهدافات الإسرائيلية لتجمعات النازحين في منطقة المواصي مما أسفر عن عدة مجازر. وفي جنوب القطاع أيضا، أفاد الإسعاف والطوارئ باستشهاد شخص وإصابة آخرين بنيران الاحتلال الإسرائيلي قرب مركز مساعدات شمال مدينة رفح. ومنذ استئناف إسرائيل عدوانها على غزة عقب انقلابها على اتفاق وقف إطلاق النار في مارس/آذار الماضي، استشهد نحو 6800 فلسطيني وأصيب ما يقرب من 24 ألفا، وفق حصيلة نشرتها وزارة الصحة في القطاع. ومن بين الشهداء أكثر من 700 شهيد استهدفتهم قوات الاحتلال في محيط مراكز توزيع المساعدات التي تديرها ما تسمى " مؤسسة غزة الإنسانية" التي تعمل باتفاق أميركي إسرائيلي.


الجزيرة
منذ 5 ساعات
- الجزيرة
قرار "صلاحيات الحرب" صراع بين الكونغرس والرئيس الأميركي
قانون فدرالي أميركي أُقرّ عام 1973 بهدف إرساء توازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في اتخاذ القرارات المتعلقة بإشراك الولايات المتحدة في الحروب أو الاشتباكات العسكرية الخارجية، عن طريق وضع آليات تتيح لكل من الرئيس و الكونغرس المشاركة في تلك القرارات. ويعمل القانون على تعزيز الشفافية والمساءلة في القرارات الحكومية ذات الصلة، عبر فرض قيود على صلاحيات الرئيس في استخدام القوات المسلحة خارج البلاد لتنفيذ هجمات عسكرية فعلية أو محتملة دون الحصول على إعلان حرب أو تفويض صريح من الكونغرس الذي يلزمه بتقديم تقارير دورية في فترات النزاعات العسكرية. وهناك جدل متكرر في الأوساط السياسة الأميركية، إذ يسعى بعض المشرعين إلى تعديل هذا القانون لفشله برأيهم في ضمان دور فاعل للكونغرس أثناء الأزمات العسكرية، لاسيما مع تمكن الرؤساء في العديد من الحالات من الالتفاف على أحكامه. وفي المقابل، يرى آخرون داخل الكونغرس، إلى جانب مسؤولين في السلطة التنفيذية، أن الرئيس بحاجة إلى مزيد من المرونة في إدارة السياسة الخارجية، معتبرين القرار غير دستوري وغير عملي، كما طالب البعض بإلغائه. يوزع الدستور الأميركي صلاحيات اتخاذ قرارات الحرب بين الكونغرس والرئيس. ووفق القسم الثامن من المادة الأولى، يملك الكونغرس سلطة إعلان الحرب وتعبئة ودعم القوات المسلحة، في حين تنص المادة الثانية على أن الرئيس يشغل منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة، مما يمنحه سلطة قيادة القوات الأميركية بعد صدور قرار خوض الحرب. ومنذ الحرب العالمية الثانية ، لم يعلن الكونغرس الحرب على دولة أخرى، بينما اتخذ رؤساء الولايات المتحدة عددا من القرارات بشأن حروب وهجمات عسكرية خارجية، وقد أثار ذلك جدلا مستمرا حول ما إذا كان الرئيس مخولا دستوريا بإرسال قوات إلى الخارج لتنفيذ أعمال عسكرية دون إعلان حرب أو الحصول على تفويض من الكونغرس. وفي خمسينيات وستينيات القرن العشرين، زادت النقاشات داخل الكونغرس بشأن استخدام الرئيس للقوات المسلحة دون تفويض، وذلك أثناء الحرب الكورية (1950-1953) ثم حرب فيتنام (1955- 1975). وبحلول أوائل السبعينيات من القرن العشرين، كان رأي الأغلبية في الكونغرس أن التوازن الدستوري لصلاحيات الحرب قد مال بشكل مبالغ فيه نحو الرئيس. إعلان وبلغ التوتر ذروته عندما أمر الرئيس الراحل ريتشارد نيكسون بشن غارات على كمبوديا ولاوس سرا أثناء حرب فيتنام دون موافقة الكونغرس الذي سعى إلى ترسيخ سلطته الدستورية في اتخاذ القرارات المتعلقة باستخدام القوات المسلحة للقيام بعمليات عسكرية أو أعمال قد تفضي إلى اندلاع اشتباكات عسكرية خارجية، والحد من سلطة الرئيس في اتخاذ قرارات أحادية بهذا الشأن. وفي 7 نوفمبر/تشرين الثاني 1973 أقر الكونغرس "قرار صلاحيات الحرب" رغم اعتراض نيكسون الذي اعتبر القرار غير دستوري، لأنه يحد من صلاحيات الرئيس، واستخدم حق النقض (الفيتو) إلا أن الكونغرس تمكن من تجاوز الطعن، عبر التصويت بأغلبية فاقت ثلثي أعضاء مجلسيْ الشيوخ و النواب ، وهو ما يشترطه الدستور لتجاوز الفيتو. الضوابط التشريعية لقانون "صلاحيات الحرب" يحدد "قرار صلاحيات الحرب" أو ما يُعرف بـ"قانون صلاحيات الحرب" الإجراءات التي ينبغي على كل من الرئيس والكونغرس اتباعها عند المشاركة في قرارات إرسال القوات المسلحة إلى الأعمال العسكرية، في حال لم يصدر عن الكونغرس إعلان الحرب بالفعل، أو تفويض محدد. ويشمل القانون مجموعة من المرتكزات التي تنظم استخدام القوة العسكرية في النزاعات الخارجية، أبرزها: تقتصر صلاحيات الرئيس، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة الأميركية، على استخدام تلك القوات في أعمال حربية فعلية أو محتملة ضمن حالات ثلاث: إعلان الكونغرس حالة حرب. تفويض قانوني محدد من الكونغرس. حالة طوارئ وطنية ناجمة عن هجوم على الولايات المتحدة أو أراضيها أو ممتلكاتها أو قواتها المسلحة. ويمنع القرار إدخال القوات المسلحة في أعمال عسكرية عن طريق الاستنتاج من حكم قانوني أو معاهدة، إلا إذا كان هذا القانون أو التشريع المُنفِّذ لهذه المعاهدة يُجيز صراحة إدخال القوات المسلحة في الأعمال العسكرية الفعلية أو المحتملة. يُلزِم القرار الرئيس بالتشاور مع الكونغرس في كل حالة ممكنة قبل شروع القوات المسلحة في أعمال عسكرية فعلية أو محتملة، أو تمديد استخدام هذه القوات في الأعمال العسكرية. في حال لم يصدر عن الكونغرس إعلان حرب أو لم يُصرّح بنشر القوات المسلحة، يجب على الرئيس تقديم تقرير مكتوب لإبلاغه بالحالات التالية: إدخال القوات الأميركية في أعمال عسكرية فعلية أو محتملة. إدخال القوات الأميركية إلى أراض أو مجال أو مياه دولة أجنبية، وهي مجهزة للقتال، باستثناء عمليات الانتشار التي تتعلق بمجالات الإمداد أو الاستبدال أو الإصلاح أو تدريب هذه القوات. زيادة كبيرة في عدد القوات المسلحة الأميركية المجهزة للقتال والمتمركزة بالفعل في دولة أجنبية. ويُمنح الرئيس مهلة 48 ساعة من نشر القوات لإرسال تقرير إلى الكونغرس يشرح فيه القرار الذي يجب أن يتضمن المعلومات التالية: الظروف التي تطلبت إدخال القوات المسلحة. السلطة الدستورية والتشريعية التي تم بموجبها إدخال القوات. النطاق والمدة المُقدّرة للأعمال العسكرية أو المشاركة فيها. تقديم أي معلومات أخرى يطلبها الكونغرس في إطار الوفاء بالمسؤوليات الدستورية فيما يتعلق بإلزام الأمة بالحرب واستخدام القوات الأميركية في الخارج. إعلان ويجب على الرئيس، في فترات الأعمال العسكرية للقوات الأميركية، تقديم تقرير واحد على الأقل كل 6 أشهر للكونغرس. تحديد مدة العمل العسكري يُلزَم الرئيس بموجب القرار بإنهاء استخدام القوات المسلحة في غضون 60 يوما، ما لم يعلن الكونغرس الحرب أو يأذن بتمديد مدة الأعمال العسكرية، أو في حال عدم قدرة الكونغرس على الاجتماع نتيجة هجوم مسلح على الولايات المتحدة. ويمكن للرئيس تمديد فترة الـ60 يوما لـ30 يوما إضافية إذا استدعت الضرورة استمرار استخدام القوات المسلحة لتحقيق انسحاب آمن. ويجب على الرئيس سحب القوات في أي وقت إذا أصدر الكونغرس توجيهات بذلك بموجب قرار مشترك. إجراءات اتخاذ القرار يحدد القرار الآليات التي يجب على الكونغرس أن يتبعها في النظر بمشاريع القوانين المُقدّمة له بشأن تفويض استخدام القوات المسلحة، والإطار الزمني الذي ينبغي الالتزام به أثناء تنفيذ تلك الإجراءات. ويسمح القانون لأي عضو في مجلسي النواب أو الشيوخ بطلب التصويت على إلزام الرئيس بسحب القوات المسلحة الأميركية من الأعمال العسكرية. فاعلية قرار سلطات الحرب سعى مشرّعو "قرار صلاحيات الحرب" للحفاظ على قدر من المرونة يُمكّن الرئيس من الرد الفوري على الهجمات أو التعامل مع حالات الطوارئ، إلا أن رؤساء الولايات المتحدة أعربوا بشكل متكرر عن رفضهم للقرار، معتبرينه انتهاكا غير دستوري لصلاحيات الرئيس بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلحة. وفي 20 أكتوبر/تشرين الأول 1983، صوّت مجلس الشيوخ على تعديل قرار صلاحيات الحرب بإلغاء "القرار المتزامن" واعتماد "قرار مشترك" يتطلب عرضه على الرئيس، ولم يتم تعديل قرار صلاحيات الحرب نفسه، بل اعتُمد في ذلك إجراء مستقل. ومع ذلك ظل القانون محلّ جدل مستمر في الأوساط السياسية الأميركية، إذ رأى عدد من أعضاء الكونغرس إلى جانب مسؤولين بالسلطة التنفيذية أن الرئيس بحاجة إلى قدر أكبر من المرونة في إدارة شؤون السياسة الخارجية، ويعتبرون أن القانون غير دستوري وغير عملي، بل دعا بعضهم إلى إلغائه، وقد عمد الرؤساء بالعديد من الحالات إلى الالتفاف على أحكامه. وفي المقابل، يرى بعض المشرعين ضرورة تعديل القرار بسبب فشله -برأيهم- في ضمان دور فاعل للكونغرس في فترات الأزمات العسكرية، وقد اشتكى أعضاء المجلس من عدم إخطارهم في الوقت المناسب أو عدم تزويدهم بتفاصيل كافية بشأن بعض الاشتباكات العسكرية، ولجأ بعض المشرعين إلى المحكمة لطلب الفصل فيما يعتقدون أنه انتهاكات للقرار. وبعد انتهاء الحرب الباردة عام 1990، بدأت الولايات المتحدة تميل إلى الابتعاد عن التدخلات العسكرية الأحادية، وفضّلت العمل في إطار الشرعية الدولية عبر عمليات تُصرّح بها أو تدعمها الأمم المتحدة، ووفق قرارات صادرة عن مجلس الأمن الدولي. واتخذ الرؤساء قرارات الأمم المتحدة أو منظمة حلف شمال الأطلسي مبررا للتدخل العسكري، ونشرت القوات الأميركية ضمن القوات الدولية في عدد من المناطق، من بينها الكويت و العراق و الصومال ويوغسلافيا السابقة و هاييتي. وقد أثار هذا الوضع جدالات جديدة، إذ لا يستثني قرار "صلاحيات الحرب" العمليات العسكرية التي تتم تحت مظلة الأمم المتحدة من أحكامه، كما لا يتضمن أي إجراءات خاصة بها. ومع ذلك، بادر الكونغرس إلى سنّ تدابير تهدف إلى تعزيز رقابته على مشاركة الولايات المتحدة في عمليات حفظ السلام، بما في ذلك فرض قيود عامة ومحددة على التمويل، وإلزام الرئيس بتقديم تقارير دورية بشأن العمليات الجارية أو المتوقعة. أبرز الحروب والعمليات المرتبطة بالقرار منذ صدور قرار "صلاحيات الحرب" شاركت القوات الأميركية في كثير من الحروب والعمليات العسكرية. وبينما امتثل بعض الرؤساء بأحكام القرار في بعض الحالات، تجاهلوها في حالات أخرى فأصدروا أوامر بتنفيذ ضربات عسكرية خارجية دون الحصول على إذن مسبق من الكونغرس. وفيما يلي أبرز هذه العمليات العسكرية والحروب التي ارتبطت بتطبيق قرار سلطات الحرب أو الجدل حوله: إيران (أبريل/نيسان 1980): في أعقاب محاولة فاشلة لإنقاذ الرهائن الأميركيين المحتجزين بإيران، قدّم الرئيس الأميركي الراحل جيمي كارتر تقريرا إلى الكونغرس، لكنه لم يُجر مشاورات مسبقة، وجادل بأن محاولة إنقاذ الرهائن لا تتطلب استشارة الكونغرس، لأن المهمة كانت محاولة إنقاذ، ولم تكن عملا حربيا ضد إيران. أعلن الرئيس الأميركي حينئذ رونالد ريغان إرسال قوات من مشاة البحرية (المارينز) إلى لبنان ضمن قوة حفظ السلام متعددة الجنسيات، وقدّم الرئيس 3 تقارير بموجب قرار صلاحيات الحرب، لكنه لم يُبلغ عن إدخال القوات في أعمال عسكرية فعلية أو محتملة، مما أدى إلى تفعيل المشاركة مدة 60 يوما. ومع تنامي الاشتباكات، تعرضت قوات المارينز لخسائر كبيرة في الأرواح، مما دفع الكونغرس للمطالبة بتفعيل قرار صلاحيات الحرب. وفي سبتمبر/أيلول 1983، أقرّ الكونغرس تفويضا ببقاء القوات 18 شهرا إضافية، ولكن بعد تفجير أودى بحياة 241 جنديا خريف 1983، أعلن ريغان سحب القوات من لبنان منهيا المشاركة الأميركية في مارس/آذار 1984. ليبيا (مارس/آذار 1986): أطلقت ليبيا صواريخ على طائرات أميركية في خليج سرت ، فردت واشنطن بضرب مواقع ليبية. وفي أبريل/نيسان، وقع تفجير في برلين قُتل فيه جندي أميركي، وأعلن الرئيس ريغان عن وجود أدلة دامغة تدين طرابلس الغرب، وأمر بشن غارات جوية عليها، وأبلغ الكونغرس بذلك لكنه لم يذكر اعتماده قرار "صلاحيات الحرب". في أغسطس/آب 1990، أبلغ الرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش الأب الكونغرس بأنه نشر قوات مسلحة في منطقة الخليج، وأنها مستعدة للتدخل مع جهات أخرى في أعقاب غزو الرئيس العراقي الراحل صدام حسين للكويت. ورغم أنه لم يتشاور مع الكونغرس قبل نشر القوات، فإن الكونغرس اعتمد تشريعات تدعم الجهود المبذولة لإنهاء الغزو العراقي للكويت عبر عقوبات وتمويل، لكن دون تفويض صريح باستخدام القوة. ومع تصاعد التوتر، طلب بوش دعم الكونغرس الذي أقر مطلع العام 1991 استخدام القوة العسكرية ضد العراق مشترطا تقديم الرئيس تقريرا كل 60 يوما. يوغسلافيا السابقة (تسعينيات القرن العشرين): أمر الرئيس الأميركي حينئذ بيل كلينتون بنشر آلاف الجنود في يوغسلافيا السابقة ضمن قوات حفظ السلام الدولية، دون إذن مسبق من الكونغرس الذي صعّد من مطالبته بموافقته قبل أي نشر عسكري، لكن كلينتون واصل إرسال القوات مستندا إلى سلطاته الدستورية باعتباره قائدا أعلى للقوات المسلحة، ورغم معارضة الكونغرس المتزايدة تم تنفيذ اتفاقية دايتون عام 1995، وبموجبها نشرت القوات الأميركية ضمن قوة تابعة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) لحفظ السلام. في أعقاب هجمات 11 سبتمبر /أيلول 2001 التي استهدفت مركز التجارة العالمي ومبنى وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) اعتبر الرئيس جورج بوش الابن أن ما جرى "أعمال حرب" تستوجب ردا عسكريا، وأجرى مشاورات مع الكونغرس الذي منحه تفويضا باستخدام القوة ضد "الدول أو المنظمات أو الأشخاص" المسؤولين عن الهجمات بالتخطيط أو التنفيذ المباشر أو تقديم المساعدة، فضلا عن أي شخص آوى تلك المنظمات أو الأشخاص. واستخدم بوش هذا التفويض لتبرير العمليات العسكرية التي بدأت في أفغانستان عام 2001، ثم واصل الرؤساء الثلاثة الذين خلفوه الاستناد إلى التفويض ذاته -الذي لم تُحدد مدة صلاحيته- في تنفيذ عمليات عسكرية ضمن إطار ما يُعرف بـ"الحرب على الإرهاب" في دول مثل: أفغانستان وباكستان والصومال والعراق وليبيا و سوريا واليمن وغيرها. أصدر الكونغرس عام 2002 تفويضا للرئيس بوش باستخدام القوة ضد العراق، بحجة الدفاع عن الأمن القومي وإنفاذ قرارات الأمم المتحدة، لكنه قيّد استخدام القوة بشرط فشل الوسائل السلمية، مع التزام الرئيس بتقديم تقارير دورية. وكان ذلك التفويض هو الأساس ل غزو العراق عام 2003، وظلت صلاحيته مفتوحة، واستُند إليه عام 2020 في اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني في بغداد. ليبيا (عام 2011): اعتبر الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما التدخل العسكري في ليبيا لا يُشكل "أعمالا عسكرية" وفق المنصوص عليه في قرار صلاحيات الحرب، بسبب محدودية الدور الأميركي، وعدم وجود قتال مباشر أو خسائر بشرية، مؤكدا عدم الحاجة لتفويض من الكونغرس، وصرح بأنه اتخذ هذه القرارات وفقا لسلطته الدستورية بصفته قائدا أعلى للجيش، مع التزامه بالإبلاغ الدوري والتشاور القانوني مع الكونغرس. إعلان عام 2014، بدأت الحملة العسكرية الأميركية ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في العراق، وامتدت لاحقا إلى سوريا وليبيا، واعتمد الرئيسان أوباما ثم دونالد ترامب على تفويضات استخدام القوة القائمة منذ 2001 و2002، مما أثار جدلا في الكونغرس بشأن شرعية استخدام القوة دون تفويض جديد. اليمن (مارس/آذار2025): أمر ترامب بشن غارات جوية على مناطق تسيطر عليها جماعة الحوثيين في اليمن، وأبلغ الكونغرس عبر رسالة يشرح فيها مبرراته ويذكر أوامره الموجهة إلى القوات الأميركية بهذا الصدد، وذلك بما يتماشى مع قرار "صلاحيات الحرب". إيران (21 يونيو/حزيران 2025): أمر ترامب بتنفيذ ضربات عسكرية على المفاعلات النووية الإيرانية ، وفي أعقاب الضربة أبلغ الكونغرس عبر رسالة قائلا إن الضربات على إيران كانت "محدودة النطاق والغرض" و"مُصمّمة لتقليل الخسائر، وردع الهجمات المستقبلية، والحد من خطر التصعيد" وقد واجه الرئيس انتقادات بانتهاك القانون بعد شنّه غارة دون استشارة مسبقة مع الكونغرس. ولكن في 27 يونيو/حزيران 2025، صوّت مجلس الشيوخ بالأغلبية ضد محاولة يقودها الديمقراطيون لاستخدام قرار "صلاحيات الحرب" لمنع ترامب من استخدام المزيد من القوة العسكرية ضد إيران.