
هل تساعد حقن فيتامين ب12 فعلاً في إنقاص الوزن؟
تضاربت الدراسات في هذا الشأن، بين دراساتٍ ربطت نقص فيتامين ب12 وزيادة الوزن، أو ارتفاع مستوياته في الجسم مع تراجُع خطر الإصابة بالسمنة، فأين تكمُن الحقيقة؟ وهل يكفي هذا الفيتامين لخسارة الوزن مقارنةً بأدوية السمنة ذات الآثار الجانبية؟
حقن فيتامين ب12
هي حقن تحتوي على فيتامين ب12، الذي يُعدّ من الفيتامينات القابلة للذوبان في الماء؛ ومن فوائد فيتامين ب12:
المساهمة في إنشاء وتكوين كرات الدم الحمراء، ومِنْ ثَمّ الوقاية من فقر الدم "الأنيميا".
الحفاظ على وظائف الجهاز العصبي.
تصنيع الحمض النووي، وهو المادة الوراثية لخلايا الجسم كافة.
فيتامين ب12 والتمثيل الغذائي
رغم محدودية الأبحاث البشرية المتوافرة حول علاقة حقن B12 وحرق الدهون، فقد كشفت بعض الدراسات عن تأثير فيتامين ب12 في التمثيل الغذائي وكذلك دهون الجسم.
فمثلًا ربطت دراسة عام 2016، منشورة في دورية "Frontiers in Nutrition" بين النقص الشديد لفيتامين ب12، الذي أدّى إلى زيادة نسبة الدهون في الجسم ومستويات الكوليسترول لدى الفئران الحوامل.
وفي مراجعة أحدث عام 2020 في دورية "Nutrients"، تبيّن أنّ فيتامين ب12 له دورٍ رئيس في التمثيل الغذائي للدهون، مع ارتباط نقصه في الجسم بزيادة تراكُم الدهون والسمنة.
ومع ذلك، لا تزال هُناك حاجة إلى دراساتٍ عالية الجودة، لمعرفة كيف يؤثِّر فيتامين ب12 بدقة في التمثيل الغذائي للإنسان.
هل هناك علاقة بين فيتامين ب12 وخسارة الوزن فعلاً؟
رجل مبتسم يحمل ميزانًا تعبيرية - هل هناك علاقة بين فيتامين ب12 وخسارة الوزن؟ - المصدر: Shutterstock
ربطت عديد من الدراسات بين مستويات فيتامين ب12 الطبيعية في الجسم، وانخفاض احتمالية الإصابة بزيادة الوزن والسمنة.
فمثلًا، بيّنت دراسةٌ كبيرة ضمّت 9,075 شخصًا، كان لديهم مستويات مرتفعة من فيتامين ب12، وكانت تلك الزيادة مرتبطة بانخفاض خطر الإصابة بالسمنة، حسب الدراسة المنشورة عام 2019 في دورية "Frontiers in Endocrinology".
من الناحية العكسية، فقد ارتبط نقص فيتامين ب12، بزيادة خطر الإصابة بالسمنة، حسب دراسة ضمّت 976 شخصًا، نُشِرت عام 2013 في دورية "Medicinski Glasnik".
ولكن يجب الانتباه إلى أنّ هذه الدراسات لم تضع في الحسبان أي عوامل أخرى قد تكون مؤثِّرة في وزن الجسم، وإن كانت قد أفصحت عن ارتباط مستويات فيتامين ب12 بالوزن زيادةً أو نقصًا، فليس هُناك ما يكفي لدعم تأثير فيتامين ب12 المباشر في وزن الجسم.
هل يمكن الاستفادة من حقن فيتامين ب12 لخسارة الوزن؟
لا يُنصَح باستخدام حقن فيتامين ب12 للتخسيس، وإنّما يُوصَى باستخدامها وفق توجيهات الطبيب حال المعاناة من أعراض نقص فيتامين ب12، مثل:
الإرهاق.
الاكتئاب .
الدوخة .
فقدان الشهية.
التنميل أو الوخز.
مشكلات الذاكرة
.
كما يُوصَى باستخدام حُقن فيتامين ب12 في حالات فقر الدم الضخم الأرومات؛ إذ يتسبّب نقص فيتامين ب12 في إنتاج كرات دم حمراءٍ قليلة العدد، وأكبر من حجمها الطبيعي.
ورغم أنّ نقص فيتامين ب12، قد لا يكون السبب المباشر في زيادة الوزن، فإنّ هذا النقص قد يُؤدّي إلى الإرهاق وانخفاض مستويات الطاقة لديك، ما يجعل ممارسة أي نشاطٍ بدني أمرًا شاقًّا عليك، ومِنْ ثمّ صعوبة خسارة الوزن لصعوبة ممارسة التمارين، لكن يجب أن يكون استخدام حقن فيتامين ب12 وفق توجيهات طبيبك.
هل تُستخدم حقن فيتامين ب12 كبديل آمن لأدوية التخسيس؟
حُقن فيتامين ب12 ليست بديلًا لأدوية التخسيس، ولنأخذ أحد أدوية التخسيس مثالًا للمقارنة بينهما، مثل دواء "سيماجلوتايد".
وبالنسبة لفيتامين ب12، فهو فيتامين قابل للذوبان في الماء، يساعد على إنتاج كرات الدم الحمراء وتصنيع المادة الوراثية للخلايا، بالإضافة إلى دوره في عمليات التمثيل الغذائي في الجسم وإنتاج الطاقة.
و"سيماجلوتايد" هي مادة فعالة في كثيرٍ من حقن السمنة المشهورة، وهي تعمل عن طريق محاكاة هرمون "GLP-1" في الجسم، بما يجعل المعدة أبطأ في تفريغ الطعام، ومِنْ ثَمّ زيادة الشعُور بالشبع، والمساعدة على خسارة الوزن، لكن بمُعدّل قد يصل إلى 15.2% في المتوسط من وزن الجسم بعد أكثر من 104 أسابيع، حسب دراسةٍ منشورة عام 2022 في دورية "Nature Medicine".
لكن الآثار الجانبية على الجهاز الهضمي بالنسبة لدواء "سيماجلوتايد" قد تكون أكبر، مقارنةً بحقن فيتامين ب12 التي قد تكون آثارها الجانبية أخف، كما أنّ حقن فيتامين ب12 لم يثبت أنّها تعزّز خسارة الوزن بشكلٍ مباشر، كما هو حاصل مع حقن التخسيس.
أضرار ومخاطر الإفراط في استخدام حقن B12
رجل يعانِي صداعًا تعبيرية - مخاطر الإفراط في استخدام حقن B12 - المصدر: Shutterstock
حتى إذا كُنت لا تأخذ أدوية، بل مكملات فيتامين ب12، فقد يكون لها بعض الآثار الجانبية، والتي تضمّ حسب "Healthline":
إسهال خفيف.
الصداع.
الحكّة.
الدوخة.
الغثيان.
القيء.
ما أفضل مصادر فيتامين ب12 الطبيعية؟
ربطت بعض الدراسات بين نقص فيتامين ب12 وزيادة الوزن، وربّما كان ذلك بسبب الإرهاق الناجِم عن نقص فيتامين ب12، الذي يجعل الشخص غير قادرٍ على ممارسة التمارين البدنية أو أداء نشاطٍ بدني، وفيما يلي قائمة بأغنى الأطعمة بفيتامين ب12، لإدراجها في نظامك الغذائي اليومي:
1. الكبد والكلى:
لحوم الأعضاء من أغنى الأطعمة بالعناصر الغذائية، خاصةً كلى وكبد الضأن، فمثلًا 100 جرام فقط من كبد الضأن يوفّر نحو 3,571% من احتياجك اليومي من فيتامين ب12! حسب "Healthline".
كما أنّ كبد البقر أو العجول غني أيضًا بفيتامين ب12، وكذلك الكلى.
2. المحار:
المحار على صِغره، مليء بفيتامين ب12، غني بالبروتين، فمثلًا يمكنك أن تحصل على نحو 7,000% من احتياجك اليومي من فيتامين ب12 بتناول 20 محارة صغيرة (190 جرامًا).
3. السردين:
السردين من الأطعمة البحرية الزاخرة بفيتامين ب12؛ إذ توفّر حصة قدرها 150 جرامًا من السردين نحو 554% من احتياجك اليومي من فيتامين ب12، علاوة على غناه بأحماض أوميجا 3 الدهنية.
4. لحم البقر:
شريحة لحم مشوي تعبيرية - لحم البقر أحد أغنى المصادر الطبيعية بفيتامين ب12 - المصدر: Shutterstock
سواء كُنت ترغب في شويها أو تحميصها، فإنّ لحم البقر أيضًا غني بفيتامين ب12؛ إذ توفّر شريحة لحم مسطحة مشوية (190 جرامًا) نحو 467% من الاحتياج اليومي لفيتامين ب12، وكُلّما كانت قطع اللحم أقل في الدهون، كانت نسبة فيتامين ب12 بها أعلى.
5. التونة:
قد تختلف كمية فيتامين ب12 بين التونة المطبوخة والتونة المُعلّبة على النحو التالي:
100 جرام من التونة المطبوخة: توفّر نحو 453% من الاحتياج اليومي من فيتامين ب12.
165 جرامًا من التونة الخفيفة في الماء (علبة واحدة): توفّر نحو 152% من الاحتياج اليومي من فيتامين ب12.
6. حليب البقر:
ليس الحليب فحسب، بل أيضًا منتجات الألبان، مثل الزبادي والجبن، لكن كمية فيتامين ب12 قد تكون فيها أقل بالتأكيد، مقارنةً بلحم البقر مثلًا، فالكوب الواحد من الحليب الكامل (240 مل)، يوفّر نحو 46% من الاحتياج اليومي من فيتامين ب12.
7. البيض:
البيض عمومًا مصدر رائع لمجموعة فيتامينات ب، خاصةً فيتامين ب12 وفيتامين ب2، ومن ثم يمكنك تناول بيضتَين كبيرتَين (100 جرام)، للحصول على 46% من احتياجك اليومي من فيتامين ب12 تقريبًا.
ويُعدّ صفار البيض أغنى بفيتامين ب12 من البياض، كما أنّ فيتامين ب12 الموجود في صفار البيض أسهل في الامتصاص، ومِنْ ثَمّ يُوصَى بتناول البيضة كاملة.
كم يحتاج جسمك من فيتامين ب12 يوميًا؟
يبلغ الاحتياج اليومي لفيتامين ب12 للبالغين نحو 2.4 ميكروجرام، ويمكِن لأغلب الناس تلبية احتياجاتهم من فيتامين ب12 عبر النظام الغذائي وحده، وحال الرغبة في تناول مكملات فيتامين ب12 أو الحصول على حقن فيتامين ب12، فيجب استشارة الطبيب أولًا.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة سبق
منذ 40 دقائق
- صحيفة سبق
وحدة جديدة لعلاج سكري الأطفال بمستشفى الطائف.. مضخات ذكية وكوادر متخصصة
دشّن تجمع الطائف الصحي، اليوم، وحدة السكر والغدد الصماء والتثقيف الإكلينيكي بمستشفى الأطفال، وذلك بحضور الرئيس التنفيذي للتجمع أ.د. طلال بن عبدالله المالكي، وعدد من قيادات القطاع الصحي والأطباء المختصين. وتمثل الوحدة إضافة نوعية تهدف إلى تقديم رعاية متكاملة للأطفال المصابين بداء السكري واضطرابات الغدد الصماء، من خلال تشخيص دقيق، وعلاج فعّال، وتثقيف مستمر يُمكّن الأطفال وأسرهم من التعامل مع المرض بفعالية. وفي خطوة تطويرية، بدأت المستشفى في تركيب أول مضخات أنسولين ذكية للأطفال، حيث تم تركيب 6 مضخات حديثة تسهم في تحسين التحكم بمستوى السكر في الدم، وتقليل نوبات الهبوط والارتفاع، مما يرفع من جودة الحياة للأطفال، بحسب ما أوضحه د. مطر المالكي استشاري الغدد الصماء والسكري. وأكد مدير مستشفى الأطفال طارق بن مطلق الروقي أن الوحدة تم تجهيزها بكفاءات طبية متخصصة من استشاريين وأخصائيي تثقيف وتمريض وتغذية علاجية، لتقديم الدعم والرعاية الشاملة للمرضى وأسرهم. ويأتي هذا الإنجاز ضمن استراتيجية تجمع الطائف الصحي لتعزيز الخدمات الصحية التخصصية المقدمة للأطفال، ومواكبة أحدث ما توصلت إليه التقنيات العالمية في علاج أمراض السكري والغدد الصماء.


صحيفة سبق
منذ 4 ساعات
- صحيفة سبق
الهلال الأحمر بمكة يفعل المسارات الطبية المتخصصة لتعزيز فرص النجاة وتقليل الوفيات
فعّلت هيئة الهلال الأحمر السعودي بمنطقة مكة المكرمة المسارات الطبية الإسعافية التخصصية لحالات الجلطات القلبية والسكتات الدماغية والإصابات البليغة، ضمن جهودها المستمرة لرفع معدلات النجاة وتقليل المضاعفات والوفيات، وذلك تعزيزًا لجودة الخدمة الطبية الطارئة وتسريع إيصال المرضى إلى مراكز الرعاية التخصصية في "الزمن الذهبي". ويُعد مسار الجلطات القلبية (STEMI Pathway) من أبرز هذه المسارات، حيث يتم نقل المريض مباشرة إلى مركز القسطرة القلبية دون المرور بأقسام الطوارئ، بعد إجراء تقييم ميداني باستخدام جهاز تخطيط القلب (ECG) وتأكيد التشخيص بالتنسيق مع التحكم الطبي، ما يتيح تقديم العلاج الفوري والحاسم خلال دقائق. ويُفعل مسار السكتات الدماغية (Stroke Pathway) للحالات التي تظهر عليها أعراض السكتة الدماغية الحادة، حيث تُطبق الفرق الإسعافية مقياس FAST-ED لتقييم الحالة ميدانيًا، ويُنسق لنقل المريض مباشرة لقسم الأشعة المقطعية بالمستشفيات المختصة، لتمكين التدخل العلاجي السريع، سواء بإعطاء مذيب الجلطات أو التدخل الجراحي إذا لزم الأمر. كما فُعل مسار الإصابات البليغة (Trauma Pathway)، والذي يهدف إلى تسريع التعامل مع الإصابات الحرجة كالحوادث المرورية أو السقوط من علو، عبر نقل المصاب مباشرة إلى مستشفيات الإحالة ذات الكفاءة العالية دون تأخير، بما يتوافق مع البروتوكولات الطبية المعتمدة للتعامل مع الإصابات الخطيرة. وأعلنت الهيئة عن إحصائيات المسارات الإسعافية التي تم التعامل معها خلال النصف الأول من عام 2025م، والتي تعكس الجهود المستمرة في تقديم الخدمات الإسعافية الطارئة وفق أعلى المعايير الطبية. وشملت الإحصائيات مسار الجلطات القلبية، حيث تم التعامل مع (194) حالة، بينها (5) حالات جرى نقلها جواً عبر الإسعاف الجوي لضمان سرعة الوصول إلى مراكز العلاج المتخصصة. أما مسار السكتات الدماغية، فقد بلغ عدد الحالات (285) حالة، بينها حالتان استدعتا النقل الجوي العاجل. بالإضافة إلى مسار الإصابات البليغة، حيث تعاملت الفرق الإسعافية مع (3,997) حالة ميدانيًا بكفاءة عالية، وفق أفضل الممارسات الإسعافية المعتمدة. وتؤكد هذه الأرقام استمرار تطوير الخدمات الإسعافية وتكاملها، بهدف رفع معدلات الاستجابة السريعة وتعزيز جودة الرعاية الطبية الطارئة في مختلف مناطق المملكة. وأكد فرع الهيئة بالمنطقة أن نتائج هذه المسارات أسهمت بشكل مباشر في تقليص زمن الوصول إلى مراكز العلاج المتخصصة، ورفع معدلات الشفاء، وتقليل نسب الإعاقات والوفيات، إضافةً إلى تعزيز التكامل بين الفرق الإسعافية والمنشآت الصحية بما يحقق الاستجابة المثلى للحالات الطارئة. ودعت الهيئة إلى أهمية سرعة الإبلاغ عبر الرقم الموحد (997) أو تطبيق "أسعفني" عند ملاحظة أعراض الجلطات أو السكتات أو الإصابات البليغة، وعدم محاولة نقل المصابين بالوسائل الخاصة، وضرورة إفساح الطريق لسيارات الإسعاف لضمان سرعة تقديم الخدمة الطبية الطارئة.


صحيفة سبق
منذ 5 ساعات
- صحيفة سبق
ما لا يُقال عن القلق: وجهه الآخر
في تلك اللحظة التي يسبق فيها العرض، أو المكالمة، أو القرار.. يتسارع النبض، يجفّ الحلق، ويتسلل ذلك الشعور الذي نعرفه جميعاً: القلق. نشد على أيدينا ونقول: 'اهدأ.. لا داعي للقلق!' لكن، هل فعلاً لا داعي؟ أم أن هذا القلق نفسه هو ما يجعلنا نستعد، ونتأنى، ونُحسن الاختيار؟ ربما آن الأوان أن نُعيد النظر في صورة القلق… فليس كل قلق خلل، ولا كل ارتباك ضعف. بعض القلق.. هو دليل الحياة فينا في الحقيقة، القلق ليس دخيلاً على تركيبتنا النفسية، بل هو جزء عضوي من تصميمنا البشري. إنه طاقة داخلية تنبّهنا إلى أمر ما نراه مهدداً، وتدفعنا إلى الاستعداد أو الحذر. لكن ما نغفله أحيانًا، هو أن هذا الشعور نفسه، في حدوده المعتدلة، يمكن أن يكون دليلًا على أن ما نواجهه مهم بالنسبة لنا. الطالب الذي يقلق قبل الامتحان، الموظف الذي يشعر بالتوتر قبل مقابلة عمل، الشخص الذي يُعيد التفكير قبل اتخاذ خطوة ارتباط أو زواج، أو حتى الأم التي يقلقها انتقال أسرتها إلى مدينة جديدة.. كلها نماذج لحالات لا تعني وجود اضطراب، بل تعكس يقظة داخلية وحرصاً على اتخاذ قرارات سليمة، أو ببساطة: ارتباطاً عاطفياً حقيقياً بما نمر به. في مثل هذه الحالات، يكون القلق مرآة تعكس ما نهتم به، لا عبئاً يجب التخلص منه. القلق الطبيعي يمنحنا دفعة داخلية للعمل، ويربطنا بالزمن، فنشعر أن الوقت ثمين، ويحمي علاقاتنا أو مستقبلنا من الاندفاع أو الإهمال. لكن حين يتحول من محفّز إلى معيق، حين يتضخم الإحساس بالخطر رغم غياب الخطر الفعلي، أو حين يصبح التفكير القلق هو المسيطر الوحيد على صوتنا الداخلي، هنا نكون أمام حالة مختلفة تستدعي انتباهاً. ومن العلامات التي تشير إلى أن القلق خرج عن حدوده الطبيعية: تكرار الأفكار السلبية، القلق المفرط من أشياء بسيطة، تجنّب الأنشطة أو العلاقات بسبب الشعور بالقلق، اضطرابات النوم أو الشهية، أو تأثر الأداء في العمل والدراسة والعلاقات. حين يصل القلق إلى هذه المرحلة، لا يكون الصمت شجاعة، بل تجاهل قد يُطيل المعاناة... وهنا تكون المساعدة النفسية بداية الطريق نحو التعافي. المشكلة أن الخطاب العام أحياناً يضخم الجانب السلبي للقلق ويختزله كعدو يجب التخلص منه فوراً، مما يجعل الناس يخجلون من مشاعرهم الطبيعية أو يحاولون قمعها بأي وسيلة. في المقابل، تُروَّج مفاهيم الراحة والطمأنينة المطلقة وكأنها الوضع الطبيعي الدائم للإنسان، بينما الحقيقة أن الحياة الطبيعية تتضمن قدراً من القلق، والهدوء الكامل ليس هو القاعدة، بل الاستثناء. الوعي بهذه الحقيقة يجعلنا أكثر تسامحاً مع أنفسنا. فالقلق المعتدل، حين يُحتضن بوعي، يمكن أن يتحول إلى أداة لبناء صلابة داخلية. كل مرة نختار فيها أن نبقى مع القلق بدلاً من الهروب منه، نُعلّم أنفسنا أن نتحمّل، ونهدأ من الداخل، ونسترد توازننا رغم العاصفة. فمن يواجه قلقه الاجتماعي تدريجياً، يبني مهارة المواجهة. ومن يقلق من الفشل لكنه يحاول، يكتسب الثقة مع كل خطوة. ومن يشعر بالقلق من المجهول، لكنه لا يُوقف حياته بسببه، يصبح أكثر قدرة على العيش في الحاضر. ليست كل أنواع القلق 'عدواً' يجب محاربته، بعضها مجرد صوت خافت يقول: 'هذا الشيء مهم بالنسبة لك.. فكن مستعداً له.' لسنا بحاجة إلى إلغاء القلق من حياتنا، بل إلى أن نفهمه. أن نُميّز بينه وبين الخوف المرضي، ونراه كما هو: انفعال إنساني له وظيفة، لا عدواً يجب التخلص منه. وحين نستقبله بوعي، ونُصغي إلى ما يخبرنا به، سنكتشف أنه ليس دائماً خصماً، بل قد يكون دليلاً على أننا نعيش، ونشعر، وننمو. لكن، من المهم ألا نُقلل من أثر القلق إذا تجاوز حدّه الطبيعي، وأصبح يُعطّل حياتنا أو يسرق طاقتنا يوماً بعد يوم. في هذه الحالة، لا يكون الصمت شجاعة، بل تجاهل قد يُطيل المعاناة. وهنا يصبح طلب المساعدة النفسية خطوة ضرورية نحو التعافي، لا ضعفاً ولا استسلاماً.