عندما يختصر الشهيد اليمني الفلسطيني القصة والرواية كلها
لكنني غيرت الموضوع على أهميته عندما رأيت الجمعة صورة وخبر نعي المسن في جباليا الذى يحمل أباه المسن أيضاً، حيث لم يكن الأمر عادياً بالنسبة لي كوني أعرف جيداً وعن قرب قصة الأب الشهيد أحمد البدري "أبو بدر"، وابنه محمد الذى استشهد معه إثر قصف إسرائيلي، بينما أصيب شقيقه ونقل الى المستشفى بحالة خطيرة، علماً أن الابن البكر بدر كان صديقاً عزيزاً كما أقاربه الذين كانوا ولا يزالوا أصدقاء ورفاق درب.
قوافل متطوعين
عموماً، بدا لي مشهد الاستشهاد وكأنه يختصر القصة والرواية الفلسطينية كلها، حيث أتى أبو بدر البدري شاباً من اليمن، متطوعاً للجهاد في فلسطين تحديداً قبل النكبة الأولى عام 1948، ولكنه نال الشهادة كما تمنى دوماً بعد ذلك بـ77 عاماً في مخيم جباليا بالنكبة الثانية، التي لا نزال نعيش فصولها الدامية والأليمة.
القصة باختصار، أن أبو بدر اليمني أتى متطوعاً ضمن قوافل عربية عديدة، تدفقت للجهاد في فلسطين عام 1948 وقبله بسنوات طويلة من أربع جهات العالم العربي، من العراق وبلاد الشام شرقاً إلى المغرب العربي غرباً ومن ومصر شمالاً إلى السودان واليمن جنوباً. وأقام كثير من المتطوعين بعد ذلك ممن لم ينالوا شرف الشهادة وترعرعوا كفلسطينيين، مع استمرار الارتباط التاريخي والعاطفي ببلادهم، وعلى سبيل المثال لا الحصر تنحدر عائلة مؤسس وأمين عام الجهاد الإسلامي السابق الشهيد فتحي الشقاقي من أصول ليبية، وينحدر أحد قادة حماس ومؤسسيها عماد العلمي من المغرب، وقصة الشهيد السوري عز الدين القسام معروفة بالطبع، كما حضر متطوعون للجهاد حتى من كردستان واحتفظوا يلقب العائلة "الكردي" والحاجة خديجة خويص المرابطة المقدسية من أصول مغربية كذلك، وتختصر أيضاً تاريخاً طويلاً للمتطوعين والمجاهدين المغاربة في أحد أبواب المسجد الأقصى، والحي الذي بناه لهم صلاح الدين الأيوبي تكريماً لهم ولتضحياتهم في تحرير فلسطين وصدّ الغزاة.
حضور إيراني ضعيف
اللافت هنا أن لا إيرانيين أبداً رغم العاطفة الشعبية الأكيدة تجاه القضية الفلسطينية، ونتيجة البعد الجغرافي والسياسي والحضور الضعيف طوال قرن في القضية، حيث لم تنخرط طهران بشكل جدي فيها إلا بالسنوات الاخيرة. والشاهد هنا أن الشعب الفلسطيني خاض الجهاد والنضال منذ بداية المشروع الصهيوني بمحطات مفصلية وتاريخية عديدة مثل ثورة 1936 ومعارك 1948 وانطلاق الثورة المعاصرة وتأسيس منظمة التحرير ومعركة الكرامة وحصار بيروت والانتفاضتين الأولى- -1987 والثانية -2000- دون أي حضور أو تأثير لطهران، إلا بالسنوات القليلة الأخيرة بينما ارتبط هذا الحضور للأسف بالتغطية على المشروع الطائفي التوسعي بالدول العربية وأدى ضمن أسباب كثيرة بالطبع إلى النكبة التي نعيشها حالياً.
الانتقال إلى جباليا
بالعودة الى الشهيد أبو بدر البدري فهو من مواليد 1914 بمحافظة حجة اليمنية، قاتل بعناد على جبهات عدة أثناء الحرب والثورة الكبرى في فلسطين-1936- ولكنه لم ينل الشهادة فيها، وبعدها هاجر مرغماً في تهجير قسري طبعاً من بلدة سمسم –قضاء غزة التي دمرها الاحتلال بسياق متعمد لطمس جرائمه- بعدما تزوج من عائلاتها، وتصرف كأحد أبنائها إلى مخيم جباليا للاجئين شمال غزة حيث عاش كفلسطيني وأنجب بكثرة مثلهم 8 أبناء وبنات –ثلاث إناث وخمسة ذكور وأكثر من 50 حفيداً- انخرطوا كأبيهم وأقرانهم في العمل الوطني الفلسطيني ضد الاحتلال بعد حرب حزيران يونيو 1967.
أما ابنه البكر بدر ومع سهولة الحركة إثر اتفاق أوسلو وتأسيس السلطة الفلسطينية، فقد سافر من غزة إلى اليمن حيث استقبله أهله في محافظة حجة كما ينبغي بترحاب، وأكرموا مثواه وحصل بسهولة على الجنسية اليمنية وتزوج من إحدى قريباته وعاش كفلسطيني يمني إلى أن توفي شاباً في صنعاء، إثر مرض عضال قبل عشر سنوات تقريباً علماً أنه أصيب برصاصة كادت أن تكون قاتلة في الانتفاضة الأولى.
حضور يمني كبير
بالسياق، كان حضور اليمن كبيراً في القضية الفلسطينية قبل عراضات الحشد الحوثي الأخيرة، الذي بدا كمنظومات الاستبداد متاجراً بالقضية لتحقيق مكاسب فئوية، تضمن هذا الحضور قوافل المتطوعين للجهاد في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، كما كان لليمن أيضاً بعد الاستقلال بشماله وجنوبه أيادي بيضاء في دعم القضية، دون أي تدخل سلبي، واستضاف مقاتلي الثورة إثر الخروج من بيروت عام 1982، فيما يشبه الانصهار بالقدرات والخبرات مع القوات المسلحة باليمن، علماً أن هذا الأخير كان من أوائل الدول التي قدمت كذلك ورغم البعد الجغرافي، جوازات ووثائق سفر للفلسطينيين لتسهيل حركتهم وإدارة حياتهم اليومية.
ومرة أخرى وفيما يخص الشهيد أبو بدر اليمني فقد كان من الصامدين مع أهله بجباليا بمواجهة جرائم الإبادة والحرب الإسرائيلية، ونزح عدة مرات قبل أن يعود كل مرة إلى المخيم الذي ترعرع بين جدرانه حتى نال الشهادة مع ابنه محمد المسن الستيني أيضاً.
هنا لابد من التذكير بمخيم جباليا ورمزيته في الثورة الفلسطينية والمقاومة بقيادة جيفارا غزة-محمد الأسود- بمواجهة جيش الاحتلال بعد احتلال غزة إثر حرب حزيران يونيو 1967، حيث احتاجت إسرائيل إلى ثلاث سنوات لتوهم القضاء على المقاومة قبل أن تعود جذوتها مشتعلة أيضاً بعد سنوات قليلة ومن مخيم جباليا، الذى كان شرارة الانتفاضة الأولى-1987- وعنواناً للثبات والشجاعة ورقماً صعباً بالمقاومة في غزة وفلسطين بشكل عام.
وبالعموم بدت الصورة الشهيرة للمسن "الفلسطيني اليمنى" يحمل أبيه المسن-اليمني الفلسطيني- أيضاً كما الشهادة نفسها وكأنها تختصر القصة والرواية كلها حيث العاطفة العربية الجياشة تجاه القضية الفلسطينية والشعب الذي يورث العناد لأبنائه جيلاً بعد جيل ولا يكل أو يلين رغم النكبة بل النكبات وعجزت إسرائيل عن فرض الاستسلام عليه لا في الميدان ولا على طاولة التفاوض.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صدى البلد
منذ 25 دقائق
- صدى البلد
سويسرا تنوي حلّ فرع مؤسسة غزة الإنسانية المسجّل في جنيف
أفادت وكالة رويترز بأن سويسرا تنوي حلّ فرع مؤسسة غزة الإنسانية المسجّل في جنيف. وفي وقت سابق؛ أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية موافقة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على اعتماد 30 مليون دولار لتمويل مؤسسة غزة الإنسانية. وفي وقت سابق، أعلنت مؤسسة غزة الإنسانية، المدعومة من الولايات المتحدة ودولة الإحتلال، أنها ستعيد فتح موقعين لتوزيع المساعدات في رفح جنوب قطاع غزة، بعد أن أُغلقا مؤقتًا بسبب ما وصفتها بـ"تهديدات من حركة حماس لموظفيها". وأوضحت المؤسسة في بيان نشرته على صفحتها الرسمية على "فيسبوك" باللغة العربية أن الموقعين سيُفتحان، محذرة السكان من التوجه إلى مواقع التوزيع قبل موعد الافتتاح الرسمي، مشيرة إلى أن من يخالف التعليمات قد لا يحصل على المساعدات. كما أكدت المؤسسة على ضرورة توجه النساء بأنفسهن إلى الموظفين للحصول على المساعدات، في محاولة لتنظيم عملية التوزيع بعد الازدحام الشديد الذي شهدته المواقع منذ بدء عمليات التوزيع في 26 مايو الماضي، وهو ما يعكس حجم الأزمة الإنسانية المتفاقمة في القطاع، حيث يضطر كثير من السكان للسير لمسافات طويلة وحمل صناديق ثقيلة من الطعام. انتقادات أممية في السياق نفسه، انتقدت الأمم المتحدة ومنظمات إغاثة أخرى آلية التوزيع الحالية، مؤكدين أن المدنيين المحتاجين لا ينبغي أن يُجبروا على المرور عبر نقاط تسيطر عليها قوات الجيش الإسرائيلي للحصول على المواد الغذائية.


صدى البلد
منذ ساعة واحدة
- صدى البلد
تصاعد الانقسام في إسرائيل بشأن صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار بغزة
قالت مراسلة "القاهرة الإخبارية" دانا أبو شمسية من القدس المحتلة إن الأجواء السياسية الإسرائيلية تشهد انقسامات حادة، وسط تصريحات وزير الخارجية التي أكدت وجود إجماع متزايد داخل حكومة نتنياهو على ضرورة التوصل إلى صفقة تبادل أسرى مع حركة حماس. يأتي ذلك بعد إعلان وسائل إعلام إسرائيلية عن مقتل جندي وإصابة أربعة في كمين مسلح بغزة، مما زاد من المخاوف العسكرية بشأن استمرار خسائر الجنود. إسرائيل: ندعو ألمانيا وفرنسا وبريطانيا إلى إعادة فرض العقوبات على إيران وزير خارجية إسرائيل: أغلبية كبيرة في حكومة نتنياهو تؤيد صفقة إعادة المحتجزين التنفيذ حال استمرار عدوان إسرائيل.. مصادر أمريكية تكشف عن خطة إيرانية في مضيق هرمز رئيس الأركان يدعو للتفاوض ورفض اليمين المتطرف لاتفاق وقف النار وألمح رئيس أركان جيش الاحتلال إلى أن عملية "مركبات جدعون" قد استنفدت أهدافها، داعياً إلى التحول نحو المسار التفاوضي. في المقابل، يرفض وزراء اليمين المتطرف، وعلى رأسهم إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، أي توجه نحو اتفاق سلام، ويدفعون لاستمرار العمليات العسكرية واحتلال غزة، مع تنفيذ خطة تهجير فلسطينية وفق "خطة ترامب الموسعة". ضغوط أمريكية ودولية على إسرائيل لوقف إطلاق النار وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن زيارة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى واشنطن التي تم تقديم موعدها، تأتي وسط ضغوط أمريكية متزايدة تدفع إسرائيل لقبول وقف إطلاق نار طويل الأمد. المقترح المعدل للوساطة الذي تدعمه القاهرة والدوحة وواشنطن ما زال مطروحاً رغم الترويج الإسرائيلي لتنازلات جزئية تشمل انسحاباً جزئياً من غزة وتسريع المساعدات الإنسانية. المعارضة تقدم "شبكة أمان سياسية" لنتنياهو لتجنب انهيار الحكومة في ظل الانقسامات العميقة وتراجع شعبية نتنياهو، عرض زعيم المعارضة يائير لابيد "شبكة أمان سياسية" لرئيس الوزراء تحسباً لانسحاب اليمين المتطرف من الائتلاف الحكومي في حال المضي بصفقة التبادل. إلا أن المراقبين يرون أن العرض قد لا يكون كافياً لاحتواء الأزمة التي قد تؤدي إلى انتخابات مبكرة، وهو ما يسعى نتنياهو لتجنبه، خاصةً مع محاكمته الجارية بتهم فساد.


الميادين
منذ 2 ساعات
- الميادين
حماس ترحب بقرار الأمم المتحدة: انتصار سياسي وأخلاقي لفلسطين
رحّبت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبأغلبية ساحقة، قراراً يدعو إلى وقفٍ فوري ودائم وغير مشروط لإطلاق النار في قطاع غزة، وفتح الممرات الإنسانية، وضمان إيصال المساعدات، مع إدانة استخدام التجويع كسلاح حرب. واعتبرت الحركة أنّ التصويت الكاسح في الجمعية العامة يمثّل "انتصاراً سياسياً وأخلاقياً لشعبنا الصامد"، مؤكدة أنه دليل على فشل الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأميركية في فرض روايتهما، وكشف سقوط مزاعم "الدفاع عن النفس" أمام ما وصفته بـ"المجازر وجرائم الإبادة الجماعية" التي تُرتكب بحق الفلسطينيين في غزة. اليوم 17:35 اليوم 16:08 ورأت "حماس" أنّ هذا التصويت الأممي يشكّل رداً حاسماً على استخدام واشنطن حق النقض (الفيتو) قبل أيام في مجلس الأمن، وعلى ما وصفته بمحاولات الضغط داخل الجمعية العامة لإدانة الحركة والمقاومة الفلسطينية، معتبرة أن المجتمع الدولي وجّه رسالة واضحة برفضه للنهج الأميركي "المنحاز"، الذي يشرعن العدوان ويغطي جرائم الحرب الإسرائيلية. وفي بيانها، أكّدت "حماس" أن الموقف الأميركي بدا "بائساً ومعزولاً" أمام الإرادة الدولية التي اختارت الوقوف إلى جانب "الحق الفلسطيني" ورفض الحرب وسياسات التجويع الجماعي التي تطال المدنيين في قطاع غزة. ودعت الحركة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى تحويل هذا القرار إلى خطوات عملية مُلزمة، تفضي إلى وقف فوري للعدوان الإسرائيلي، ورفع الحصار المفروض على غزة، ومحاسبة قادة الاحتلال على ما وصفته بجرائمهم، وإنقاذ المدنيين من خطر المجاعة والموت المحقق. واليوم، صوّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأكثرية 149 صوتاً لمصلحة القرار الإسباني بشأن وقف إطلاق النار في غزّة، بينما اعترضت 12 دولة على مشروع القرار فيما امتنعت 19 دولة عن التصويت.