
أردوغان يمد يده للأكراد ويضيّق الخناق على المعارضة
لكن معارضين يذهبون إلى اعتبار أن أردوغان، الذي انحسرت شعبيته وشعبية حزبه، يريد أن يكسب شعبية وسط الأكراد ليدعموا فكرة إعادة ترشيحه للانتخابات وفي نفس الوقت يحدث شرخا في تحالف الأكراد مع المعارضة، وهو التحالف الذي أزعجه في الانتخابات الماضية. وقال أردوغان السبت أمام أعضاء حزبه العدالة والتنمية (الإسلامي المحافظ) 'تركيا انتصرت و86 مليون تركي انتصروا'.
وأكد غداة مراسم رمزية في شمال العراق شهدت حرق نحو ثلاثين مقاتلا من حزب العمال الكردستاني أسلحتهم مدشنين عملية إلقاء السلاح 'نعرف تماما ما نقوم به، ولا داعي للقلق أو الخوف أو التساؤل'. ويقاتل حزب العمال الكردستاني أنقرة منذ العام 1984.
وتُثير عملية السلام أملا وانعدام ثقة في آن واحد، وبدأها في أكتوبر الماضي حزب الحركة القومية الحليف للحكومة مع حزب المساواة وديمقراطية الشعوب المؤيد للأكراد وهو ثالث أكبر فصيل سياسي في تركيا.
◙ إقرار حزب العمال الكردستاني بالتخلي عن السلاح هل يضمن أن كل مشاكل تركيا ستحل ديمقراطيا
وقال حزب المساواة وديمقراطية الشعوب الذي تولى وساطة بين أنقرة ومؤسس حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان، البالغ 76 عاما، والمسجون في جزيرة قبالة سواحل إسطنبول إن 'قرار حزب العمال الكردستاني بالتخلي عن السلاح يضمن أن كل مشاكل تركيا ستحل من خلال الوسائل الديمقراطية، وليس القضية الكردية فحسب'.
من جهة أخرى، وفي انعكاسٍ لحالة العديد من الأتراك الذين لم ينسوا أن الصراع خلف 50 ألف قتيل، ندد زعيم حزب 'النصر' القومي أوميت أوزداغ، باتفاق مع 'قاتل أطفال'، كما يسمّي أوجلان.
وكتب على منصة إكس بعدما أمضى ستة أشهر في السجن بتهمة 'إهانة الرئيس' قائلا 'نواجه عملية خيانة جديدة: قاتل أطفال يُدعى إلى البرلمان بينما يستهدف قانونٌ معادٍ المعارضة'.
وقال أردوغان من جهته السبت 'لا أحد يملك الحق في التشكيك في وطنيتي أو قوميّتي أو في حب حزب العدالة والتنمية لتركيا'. وقال بيرك إيسن أستاذ العلوم السياسية في جامعة سابانجي في إسطنبول 'منذ بداية العملية، أصبحت تركيا دولة أكثر استبدادا بكثير'.
وأضاف لوكالة فرانس برس أن 'نزع سلاح منظمة إرهابية من شأنه أن يؤدي، أو قد يؤدي، إلى إرساء الديمقراطية والسلام الاجتماعي، لكن.. على الأرجح لن يكون الحال كذلك'.
واشار إيسن إلى اعتقالات عديدة طالت رؤساء بلديات ومسؤولين في حزب الشعب الجمهوري، أبرز قوة معارضة، بينهم رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو المنافس السياسي الرئيسي أردوغان في مارس، والذي ما زال موقوفا.
ومنذ ذلك الحين، أوقف وسجن المئات من العاملين في بلديات يسيطر عليها حزب الشعب الجمهوري لاسيما مؤخرا في أنطاليا وأضنة وأديامان (جنوب)، بالإضافة إلى المجلس البلدي السابق في إزمير. وتتم كل هذه التوقيفات بتهمة 'الفساد' التي ينفيها المتهمون.
في الوقت نفسه، طالت حملة القمع العديد من وسائل الإعلام المعارضة، منها قناة 'سوزجو' التي أُمر بإغلاقها بعد ست عشرة غرامة وإيقافها عن البث منذ يناير بمعدل 'مرة كل أسبوعين،' بحسب ما أشار مديرها أوزغور كاكماكجي مساء الثلاثاء تزامنا مع إغلاقها.
وندد كاكماكجي 'باستبداد الحكومة المتزايد الذي يُقلّص ويضيق المساحات الإعلامية أكثر فأكثر'. وقالت المذيعة سينم تولواي إيلغاز 'لا يُسمح بأي صوت معارض. يجب سماع صوت واحد فقط، الصوت الذي ترغب فيه الحكومة'.
ومُنحت قناة 'هالك تي في' التلفزيونية التابعة لحزب الشعب الجمهوري، مهلة سبعة أيام، وكانت مُهددة بالمصير نفسه. وقال ممثل منظمة مراسلون بلا حدود في تركيا إيرول أوندر أوغلو 'لا شك في نية تصفية قنوات المعارضة كجزء من الأجندة الاستبدادية'.
وأورد إيسن أن حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية، مستهدف من الحكومة لأنه فاز في غالبية المدن في مارس 2024، ويتصدر كل استطلاعات الرأي، متهما أردوغان بـ'تفتيت المعارضة'.
ورأى أن حزب المساواة وديمقراطية الشعوب التركي المؤيد للأكراد شريك للحكومة في العملية التي بدأت مع حزب العمال الكردستاني، وخصوصا أنه امتنع عن إدانة الاعتقالات وانتهاكات حقوق المعارضة.
كذلك، لم ينضم الحزب الذي حُكم على رئيسيه السابقين – صلاح الدين دميرتاش وفيغين يوكسكداغ بالسجن لمدة 42 و30 عاما، إلى الاحتجاجات التي أثارها اعتقال إمام أوغلو. وقال بيرك إيسن 'منذ البداية، رأيت أن هذه المفاوضات مع أوجلان بمثابة مبادرة لتعزيز الحكومة.. وكسب دعم الناخبين الأكراد' لأردوغان.
ويشير هذا إلى أن أردوغان يعزز التقارب بين الدولة والحزب المؤيد للأكراد، ما قد يجعل حزب المساواة والديمقراطية معارضة مدعومة من الدولة لخدمة مصالحه الإستراتيجية. وتهدف هذه المناورة إلى خلق انقسامات بين حزب الشعب الجمهوري وحزب المساواة والديمقراطية، ما يزيد من إضعاف المعارضة الأوسع ضده.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


اليمن الآن
منذ ساعة واحدة
- اليمن الآن
تفاصيل اول زيارة لهشام شرف بعدن
العربي نيوز: وردت للتو، تفاصيل جديدة ومفاجئة، عن وضع وزير الخارجية السابق بحكومة جماعة الحوثي والمؤتمر الشعبي، غير المعترف بها، هشام شرف عبدالله، بعدما اعتقله امن مطار عدن الدولي، لدى محاولته مغادرة البلاد بزعم "تلقي العلاج". كشف عن هذه التفاصيل الجديدة، عضو مجلس النواب والدبلوماسي سابقا، فيصل امين ابو راس، شقيق رئيس المؤتمر الشعبي العام في الداخل، صادق ابو راس، في تدوينة نشرها على حسابه الرسمي بمنصة إكس (توتير سابقا)، واثارت جدلا. ونقل فيصل امين أبو راس، عمّا وصفه "مصدر ثقة" لم يسمه، قوله: "زرت الاستاذ هشام شرف في عدن اليوم. وهو مستضاف حسب ماقال لي وليس محتجزا، ويعامل بقمة الاخلاق والكرم، ومستضاف في مكان راقي". من دون تفاصيل اضافية. يأتي هذا، بعد تسريبات كشفت عن "عملية استدراج" من جانب "الانتقالي الجنوبي"، لوزير الحوثيين سابقا، هشام عبدالله شرف، وتنسيقه المسبق مع "الانتقالي الجنوبي" للسفر عبر عدن للعلاج في الاردن، وعن حقيقة وضعه الراهن ومصيره. تفاصيل: تسريب مفاجأة عن الوزير الحوثي "شرف" والاحد (13 يوليو) أصدرت الامانة العامة لحزب لحزب الرئيس الاسبق علي عفاش (المؤتمر الشعبي العام)، اعلانا بشأن عضو اللجنة العامة للحزب ووزير الخارجية السابق بحكومة جماعة الحوثي والمؤتمر الشعبي غير المعترف بها، هشام شرف عبدالله، بشأن اعتقاله في عدن. تفاصيل: اعلان بشأن وزير خارجية الحوثيين بالتوازي، انتفضت قيادات المؤتمر الشعبي في صفوف الشرعية اليمنية، غضبا ورفضا لاعتقال امن مطار عدن الدولي وزير الخارجية السابق بحكومة جماعة الحوثي الانقلابية، غير المعترف بها، لكونه قياديا بارزا في المؤتمر وذراع الرئيس السابق علي عفاش الخاصة بالمنح والمساعدات الدولية. معتبرة اعتقال الشرعية اليمنية هشام شرف وقبله محمد الزايدي، "خطأ فادحا" و"فشل جديد"، "يخدم الحوثيين". بزعم أنهما ليسا حوثيين، وأنه "حتى هذه اللحظة لم يهرب أي قيادي حوثي" وأن الشرعية "نحتاج أن تعرف من هو الحوثي"، وأن "من يهرب من الحوثية ليس حوثيا بل وطني". تفاصيل: مؤتمر الشرعية ينحاز لوزير الحوثيين! يُعد هشام شرف عبدالله، المولود في محافظة تعز عام 1956م، من اهم اذرع الرئيس الاسبق علي عفاش، الذين التحقوا بنظامه مبكرا، وكان يده الطولى للتعامل مع العالم والمجتمع الدولي المتخصصة بالمنح والمساعدات، وعضوا في اللجنة الدائمة ثم العامة للمؤتمر الشعبي العام. عيَّن الرئيس الاسبق علي عفاش، هشام شرف، مديرا للمشاريع والتعاون الثنائي، فور تخرج شرف من الجامعة الكاثوليكية الأمريكية (1986-1988) بشهادة ماجستير "ادارة مشروعات"، بعد نيله البكالوريوس بالهندسة المدنية من جامعة بنسلفانيا (1980-1983). وعقب اعادة توحيد شطري اليمن وقيام دولة اليمن الموحد، جرى تعيينه مديرا عاما للتعاون مع الدول الصناعية (1990-1998م). ومن بوابة الحزب الحاكم (المؤتمر الشعبي) عُين وكيلا فنائبا لوزير التخطيط والتعاون الدولي في نظام علي عفاش (1998-2011م). لكن هشام شرف، استمر بعد ثورة الشباب الشعبية السلمية (11 فبراير 2011م)، جراء تسامحها مع النظام السابق، وزيرا للصناعة والتجارة بحكومة "الوفاق الوطني"، ثم عُين بسبتمبر 2012م وزيرا للتعليم العالي والبحث العلمي حتى أقاله الرئيس هادي في 7 مارس 2014م. وبعد انقلاب جماعة الحوثي والرئيس الاسبق علي عفاش على الرئيس هادي والحكومة؛ عاد وزيراً للخارجية في حكومة الانقلاب، غير المعترف بها دوليا، في 28 نوفمبر 2016م، حتى تم استبعاده واستبداله في (اغسطس 2024م) بجمال عامر، الصحفي الموالي للجماعة. تزامن بيان الامانة العامة للمؤتمر الشعبي وردود فعل قيادات الحزب، مع حسم الشرعية اليمنية، بقرار رسمي، مصير وزير الخارجية السابق بحكومة جماعة الحوثي والمؤتمر الشعبي، غير المعترف بها، سابقا، هشام شرف عبدالله، والتوجيه بتسليمه للمحاكمة بتهم عدة. تفاصيل: حسم مصير وزير خارجية الحوثيين (قرار) وليل الاربعاء (9 يوليو)، أصدرت جماعة الحوثي، اول اعلان رسمي لها، بشأن القبض على وزير خارجية حكومتها والمؤتمر الشعبي، غير المعترف بها، سابقا، هشام شرف عبدالله، وجهت فيه اتهامات عدة للحكومة اليمنية الشرعية وقواتها. وطالبت بـ "سرعة اطلاق سراحه". تفاصيل: اعلان حوثي بشأن وزير خارجيتها سبق هذا، اعلان رسمي، اصدرته جماعة الحوثي، ليل الثلاثاء (8 يوليو) بشأن اعتقال قوات الامن في محافظة المهرة، محمد احمد الزايدي، احد ابرز مشايخ مارب، الموالين للجماعة، ونفت اي منصب عسكري او سياسي له في سلطاتها، مطالبة بـ" سرعة اطلاق سراحه". تفاصيل: أول اعلان حوثي بشأن "صيد" المهرة وأشاد وزير الداخلية بالحكومة الشرعية، اللواء الركن إبراهيم علي حيدان بـ "يقظة منتسبي الأجهزة الأمنية في منفذ صرفيت بمحافظة المهرة ومطار عدن الدولي وضبطهم لعنصرين من عناصر مليشيات الحوثي" بوصفهم من "المطلوبين امنيا". مشددا على "الاستمرار في تتبع المطلوبين والعناصر الإجرامية". شاهد .. وزير الداخلية يبارك اعتقال الزايدي وشرف يشار إلى أن وزير الخارجية السابق بحكومة الحوثي والمؤتمر الشعبي، هشام شرف، ومحمد احمد الزايدي، من أبرز قيادات المؤتمر الشعبي العام بجناح الرئيس الاسبق علي عفاش، المتحالفين مع جماعة الحوثي، ضد الشرعية وتحالف دعمها بقيادة السعودية والامارات، وضد العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة وحصاره.


اليمن الآن
منذ 2 ساعات
- اليمن الآن
صحفي سعودي بارز: هذا الطرف هو طوق نجاة لليمن واليمنيين
عبّر الصحفي السعودي عبدالله آل هتيلة، مساعد رئيس تحرير صحيفة عكاظ، عن دعمه لمجلس القيادة الرئاسي في اليمن، واصفًا إياه بأنه 'طوق النجاة لليمن واليمنيين'. جاء ذلك في تغريدة له عبر منصة 'إكس' بتاريخ 12 يوليو، حيث كتب: 'مجلس القيادة الرئاسي اليمني هو طوق النجاة لليمن واليمنيين'. وتعكس هذه التصريحات دعمًا إقليميًا متواصلاً للجهود السياسية التي يبذلها المجلس في ظل التحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجهها البلاد.


المشهد اليمني الأول
منذ 4 ساعات
- المشهد اليمني الأول
أقوى تهديد أمريكي لوجود لبنان .. تلاعب بالجغرافيا والديمغرافيا!
لعلها المرة الأولى في تاريخ لبنان الحديث، منذ استقلاله عن فرنسا عام 1943 التي تقوم فيها دولة كبرى تتولى ما يشبه دور الوصي على سياسته الخارجية وتشكيل سياسته الداخلية بتوجيه تهديد صريح بضمّه إلى 'بلاد الشام' في حال لم يتجاوب مع دفتر الشروط الأميركية للبنان الغد. التهديد الذي جاء على لسان المبعوث الأميركي إلى سورية ولبنان، والذي بات بحكم الواقع المندوب السامي الأميركي على هذين البلدين، يأتي بعد أيام قليلة على الخطاب 'الناعم' الذي أدلى به توم برّاك في بيروت وترك فيه موضوع سلاح المقاومة للحكومة اللبنانية، مبدياً رضاه البالغ على ما قدمته من رد 'رائع' على ورقته في هذا الصدد، وقال: 'ليس على لبنان الالتزام بأي جدول زمني، ونحن نحاول فقط تقديم المساعدة'. لعلها المرة الأولى في تاريخ لبنان الحديث، منذ استقلاله عن فرنسا عام 1943 التي تقوم فيها دولة كبرى تتولى ما يشبه دور الوصي على سياسته الخارجية وتشكيل سياسته الداخلية بتوجيه تهديد صريح بضمّه إلى 'بلاد الشام' في حال لم يتجاوب مع دفتر الشروط الأميركية للبنان الغد. التهديد الذي جاء على لسان المبعوث الأميركي إلى سورية ولبنان، والذي بات بحكم الواقع المندوب السامي الأميركي على هذين البلدين، يأتي بعد أيام قليلة على الخطاب 'الناعم' الذي أدلى به توم برّاك في بيروت وترك فيه موضوع سلاح المقاومة للحكومة اللبنانية، مبدياً رضاه البالغ على ما قدمته من رد 'رائع' على ورقته في هذا الصدد، وقال: 'ليس على لبنان الالتزام بأي جدول زمني، ونحن نحاول فقط تقديم المساعدة'. فلماذا اختار برّاك لغة التهدئة في بيروت والتصعيد من الخارج؟ تشير عودة الجانب الأميركي سريعاً إلى استخدام لغة التهديد، ولا سيما 'التهديد الوجودي' للبنان، إلى استعجاله تحقيق نتائج في لبنان تواكب خطوات التطبيع التي يتم ترتيبها في الخفاء بين الإدارة الحالية في دمشق والكيان الصهيوني، وآخر اللقاءات التي عُقدت بين الجانبين جرت يوم السبت في باكو عاصمة آذربيجان. كما يوجد إحباط عبّر عنه برّاك بالذات ونسَبه إلى الشعب اللبناني بشأن الوضع الراهن، بعد إخفاق وسائل التطويع المعتمدة في الوصول إلى النتيجة المرغوبة في انتزاع سلاح المقاومة، ولا سيما الحصار المالي الأميركي والعدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان والحرب الهجينة التي تُشن على بيئة المقاومة. وتكمن خطورة ما أدلى به برّاك لصحيفتين خليجيتين عن احتمالية إلغاء كيان لبنان المتعارف عليه، في كونه ديبلوماسيًّا يحمل ملفًّا، وليس شخصاً هامشياً أو مسؤولاً سابقاً. وعندما يطرح الفكرة بهذا الوضوح، لا يمكن أن يؤخذ ذلك على أنه مجرد تهديد كلامي في حال لم يذعن لبنان للطلبات الأميركية. وسبق أن أدلى برّاك بتصريح تمهيدي في أيار/ مايو الماضي الفائت عندما اعتبر عبر منصة 'إكس' أن تقسيم سورية بموجب اتفاقية سايكس- بيكو (الإنكليزية- الفرنسية) كان خطأ ذا كلفة على أجيال بأكملها، ولن يتكرر مرة أخرى'. وهذا يشير إلى أن موضوع الجغرافيا يحضر في التفكير الأميركي في هذه المرحلة، ويواكب ما قاله ترامب غير مرة عن صغر مساحة 'إسرائيل' حالياً وأنه يتوجب توفير مساحة إضافية آمنة بالنسبة لها. السياق السياسي لتصريحات برّاك للوقوف على أبعاد هذا التهديد، لا بد من الإشارة إلى النقاط الآتية: – هناك سعي أميركي حثيث لإبرام اتفاق اعتراف وتطبيع بين سورية بإدارة أحمد الشرع والكيان الصهيوني. ويولي الأميركيون أهمية لتوفير حوافز للسلطة القائمة في دمشق، وهي سلطة انتقالية لا يحق لها تقرير قضية خطيرة بهذا الشأن دون وجود مؤسسات دستورية معترف بها. وهذا يذكّر بالضغوط التي مارستها إدارة ترامب في ولايتها الأولى على الحكومة الانتقالية في السودان لتوقيع اتفاق تطبيع مع العدو في 2020. وليس صدفة أن الإدارة الأميركية أعلنت قبل أيام رفع العقوبات الأميركية عن أحمد الشرع و'جبهة النصرة'- 'جبهة تحرير الشام'، بالإضافة إلى رفع الإجراءات المالية الموجَّهة ضد الاستثمار الخارجي في سورية. وتريد واشنطن من لبنان ودول أخرى مثل العراق والأردن وتركيا – كما عبّر برّاك- أن تنضم إلى هذا المسار، لأن انضمام سورية وحدها إلى مشروع التطبيع مع كيان الاحتلال قد يجعل سلطة الشرع غير المستقرة بعد وحيدةً ومعزولة في هذا المحيط. – ثمة سعي أميركي موازٍ لإنهاء الحرب على قطاع غزة على قاعدة إنهاء المقاومة سلاحاً وسلطة وتهجير قسم من أهالي القطاع وتسليم السلطة فيه إلى جهة فلسطينية يرضى عنها الجانبان الأميركي والإسرائيلي. ويعتمد الأميركي على خطة تهدف لانتشال 'الإسرائيلي' من مأزق الحرب على غزة مقابل توسيع نطاق اتفاقيات التطبيع مع دول مجاورة وبعيدة. – بالتزامن أيضاً، يتواصل العدوان الصهيوني على لبنان من خلال الاغتيالات والاعتداءات اليومية، ويتم ربط هذه الانتهاكات للقرار 1701 بتوسيع نطاق البقعة المنزوعة السلاح جنوب الليطاني لتمتد إلى كل لبنان، ما يفسح المجال أمام تجريد لبنان من أية عناصر قوة (لا ضمانات حقيقية في وجه العدوان الصهيوني، لا سلاح نوعياً للجيش، لا إستراتيجية دفاعية وطنية) وإدخاله رسمياً في العصر الأميركي- الإسرائيلي. – تستخدم الإدارة الأميركية أدوات ضغط مختلفة؛ من أجل دفع جهات لبنانية إلى التحرك علناً في مواجهة المقاومة وتأييد التطبيع مع العدو. وقد لوحظ ارتفاع في منسوب التصريحات السياسية الداخلية بشكل لافت في الآونة الأخيرة ضد استمرار المقاومة، والداعية لتسليم سلاحها إلى سلطة معنية بإتلافه وليس الاستفادة منه. – هناك استمرار في التسويف والتضييق على إعادة إعمار ما خلّفه العدوان الصهيوني الأخير على لبنان (بالمناسبة، لم تقم الحكومة بأي خطوة لوجستية عملية من أجل التحضير لهذا الاستحقاق). – تم إصدار عقوبات مالية أميركية جديدة بحق كيانات وشخصيات لبنانية، وهي إجراءات تكثفت في الآونة الأخيرة، وشارك مصرف لبنان في ترجمتها بحجز حسابات بعض الأشخاص في شركة 'ويش' لنقل الأموال. – جرى فرض قيود إضافية على نقل الأموال بين الخارج ولبنان، وتحديداً إلى البيئة التي تحتضن المقاومة. – تمت فرملة الاستثمارات الخارجية في لبنان، وربطها بسلاح المقاومة. كل هذه الضغوط لم تفلح في زحزحة المقاومة عن موقفها الذي يجمع بين التمسك بعناصر القوة المتوفرة في مواجهة العدوان والحرص على إيجاد توافق لبناني حول إستراتيجية دفاعية، فجاء دور تحريك 'جبهة الشام' التي تسير بانسجام مع الموقف الأميركي. ووجدت السلطة في دمشق في إثارة قضية الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية عنوان تحشيد وتوجيه لأنظار السوريين إلى لبنان بذريعة حقوقية، علماً أن الموضوع يتعلق بشكل خاص بأشخاص أدينوا بارتكاب عمليات إرهابية على الأراضي اللبنانية أدت إلى وقوع شهداء ومصابين بين أفراد الجيش وقوى الأمن ومواطنين. ويعتبر النظام الجديد في دمشق، أن هؤلاء جزء من 'ثورته'، وعليه أن يستعيدهم بأي طريقة، دون النظر إلى الآليات القانونية الناظمة للعلاقات بين البلدين. 'النموذج' تركز الإدارة الأميركية في خطابها السياسي على 'النموذج السوري' باعتباره مثلاً يحتذى، داعية لبنان إلى اللحاق به لاغتنام 'الفرصة التي قد تفوته'. وينبغي التنويه هنا إلى أن النموذج السوري في عهد الجولاني هو نموذج قيد الاختبار يقوم على الانصياع للطلبات الأميركية والشروط والمصالح الإسرائيلية، وفي مقدمها قطع صلاتها مع تاريخ سورية النضالي في مواجهة 'إسرائيل' وتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني ولو تدريجياً والانضمام إلى التحالف السياسي- الأمني الذي تقوده الولايات المتحدة في المنطقة. كما ينبغي الإشارة إلى أنه لا توجد في سورية دولة ذات مؤسسات دستورية حالياً، فكل شيء مناط بسلطة أمنية فصائلية غير منتخبة تدير – وفق منطق الأمور الجارية- مرحلة انتقالية، لكنها تجاوزت مفهوم السلطة الانتقالية إلى تقرير أمور ذات طبيعة دائمة من شكل العلَم إلى تشكيل إدارات الدولة إلى البتّ في موضوع خطير مثل العلاقات مع الكيان الصهيوني. وهذه السلطة التي يديرها رجل واحد تعيش عقدة الثأر من النظام السابق وحلفائه، ولديها استعداد لدفع الأثمان المطلوبة لتمكينها من السيطرة على سورية لما هو أبعد من الخمس سنوات المحددة للمرحلة الانتقالية. ونظراً؛ لأن سورية تمر بمرحلة صعبة اقتصادياً وأمنياً، ولا يتوفر فيها استقرار سياسي ولا سلطة موحدة على الجغرافيا السورية، ولا وئام اجتماعي بعد كل ما حدث في الشهور الماضية، فهي لا تشكل نموذجاً مغرياً للبنان، كما ينادي الجانب الأميركي متسرعاً ومتلهفاً لتحقيق اختراق بأي ثمن؛ بهدف وضع اليد على كامل المنطقة. كل ما تقدَّم يقودنا إلى الاستنتاج بأن ما أدلى به توم برّاك هو عملية تلاعب بالجغرافيا والديمغرافيا لتعويض التعثر في المشروع الأميركي للهيمنة على المنطقة. وهذا التلاعب يستبطن مشاريع حروب، ككل تجربة لإعادة النظر في الجغرافيا السياسية القائمة. وهذا الوضع يمثل بالتأكيد ضربة نجلاء لصورة الحكومة اللبنانية التي عمل الأميركيون لتمكينها من أجل مواجهة المقاومة، لكنَّ سيرورة الواقع اللبناني والاستعجال في ترتيب نتائج ترضي الرئيس الأميركي فضحتهم وأخرجت ما في صدورهم من أفكار تهدف إلى ضرب شعوب المنطقة بعضها ببعض من أجل إراحة 'إسرائيل' وتمكينها من رقاب الجميع. علي عبادي