logo
"الملكة العذراء": أسرار الحب والسلطة في حياة إليزابيث الأولى التي "تزوجت إنجلترا"

"الملكة العذراء": أسرار الحب والسلطة في حياة إليزابيث الأولى التي "تزوجت إنجلترا"

الوسطمنذ يوم واحد
تعد الملكة إليزابيث الأولى، ابنة الملك هنري الثامن، الوحيدة في تاريخ إنجلترا التي لم تتزوج على الإطلاق، وربما تكشف زيارتها الأخيرة لقلعة كينيلورث قبل 450 عاماً عن بعض الخيوط التي تفسر هذا العهد الذي اتخذته على نفسها، وهو ما يسلط عليه الضوء معرض فني جديد يقام داخل القلعة، ويجسد مشاهد فنية من الخيانة وقطع الرؤوس، فضلاً عن إعلان حب متعدد التفاصيل.
في مساء أحد أيام شهر يوليو/تموز عام 1575، وصلت الملكة إليزابيث الأولى، والتي كانت تبلغ من العمر آنذاك 41 عاماً، إلى قلعة كينيلورث الواقعة في مقاطعة وركشاير البريطانية، في زيارة كانت الأطول والأخيرة.
كانت الملكة قد أهدت القلعة لروبرت دادلي عام 1563، ومنحته في العام التالي لقب "إيرل ليستر"، ويُعد دادلي من أبرز المقرّبين إلى الملكة، ويُعتقد أنه كان صديقاً لها منذ الطفولة، وقد أثارت طبيعة علاقتهما الوثيقة الكثير من الأقاويل والجدل.
وأجرى روبرت دادلي تجديدات كبرى في القلعة الفخمة، استعداداً لوصول الملكة غير المتزوجة، كما شيّد أبنية جديدة، واستحدث حديقة أنيقة، فضلاً عن تنسيق الأراضي المحيطة على نحو متقن، ولم يدّخر جهداً في تقديم عروض ترفيهية استثنائية، شملت الموسيقى، والرقص، والحركات البهلوانية، والألعاب النارية الجذابة، بالإضافة إلى فقرات فنية أدّاها ممثلون كانوا يرتدون أزياء مسرحية.
لم يبخل دادلي بالجهد أو المال، فقد بلغت تكلفة المناسبة ألف جنيه إسترليني يومياً (ما يعادل 1400 دولار حينها)، وهو مبلغ يُقدّر حاليا بملايين الجنيهات، وقد فُسّرت هذه الاحتفالات المترفة على أنها عرض زواج فخم ومكلّف، يعادل، بمقاييس الطبقة الحاكمة في القرن السادس عشر، استئجار طائرة لرفع لافتة مكتوب عليها "تزوجيني" في عصرنا الحالي.
ويقول جيريمي آشبي، كبير أمناء متحف "التراث الإنجليزي"، لبي بي سي: "كانت احتفالات عام 1575 محاولةً لاستمالة إليزابيث، فالزواج كان أحد الموضوعات الظاهرة في بعض الأنشطة".
ووصفت إليزابيث غولدرينغ، التي أجرت دراسة موسعة عن دادلي، لورد ليستر، هذه المناسبة بأنها "آخر رمية نرد له".
بدت مغامرة دادلي وكأنها تسير بطريقة جيدة، إلى أن وقع تحول مفاجئ في الأحداث، فقد كان من المقرر أن يبلغ برنامج الإقامة ذروته بعرض مسرحي يُعرف باسم "القناع"، يوم الأربعاء الموافق 20 يوليو/تموز، إلا أن العرض لم يُقدّم على الإطلاق، فهل أعاقته الأحوال الجوية السيئة، كما جاء في الرواية الرسمية؟ أم أن الملكة اطّلعت على مضمون العرض واستشاطت غضباً؟ إذ تضمن العرض الإلهة ديانا، ربة العفة، وهي تبحث عن إحدى حورياتها الطاهرات، واسمها "زابيتا"، وهو إسقاط واضح على اسم إليزابيث.
كان من المفترض أن يُختتم العرض المسرحي بظهور رسول من الإلهة جونو، ربة الزواج، يُوجه حديثه إلى الملكة إليزابيث مباشرة، متوسلاً إليها ألا تسلك طريق ديانا، بل أن تختار الزواج بدلاً من العزوف عنه.
وعلى الرغم من أن دادلي كان يحظى بهامش من المرونة في علاقته مع الملكة، إلا أن هذه الرسالة ربما تجاوزت الحدود، ومهما يكن الأمر، لم يُقدَّم العرض، وانتهت مظاهر الاحتفال، ومكثت الملكة في جناحها بضعة أيام أخرى قبل أن تغادر القلعة في 27 يوليو/تموز.
"مليئة بالكبرياء وحادّة الطبع"
أحيت الفنانة ليندسي مندك الذكرى الـ 450 لزيارة الملكة من خلال تصميم عمل نحتي ضخم بعنوان "اللعبة الشريرة" داخل القلعة، يستلهم هذا العمل موضوعه من الميثولوجيا القديمة ومن تفاصيل زيارة الملكة إليزابيث الأولى، ومن الطريقة التي وُظّفت بها صورتها كعذراء في تنفيذ مناورات سياسية ذكية على مدار فترة حكمها التي امتدت 45 عاما.
يتألف العمل من 13 مشهداً متنوعاً، بعضها يغلب عليه طابع شرير، وبعضها الآخر يغلب عليه طابع الكوميديا السوداء، وتُصوّر المنحوتات الملكة ومن حولها في هيئة حيوانات، ويجسّد العمل الرئيسي، إليزابيث كلَبؤة، ودادلي كدب، ورُتبت هذه المشاهد على قطع من رقعة شطرنج ضخمة.
وقالت مندك لبي بي سي: "لعب الشطرنج أمثل تشبيه لما اضطرت إليزابيث إلى فعله كي تضمن بقاءها".
وأضافت: "أراها شخصية شديدة الأهمية، وتمثّل مدخلاً مهماً لفهم كيفية تعاملنا مع النساء اليوم. لقد كان الحدث الذي نظّمه دادلي في كينيلورث يُفترض أن يكون احتفالاً ضخماً لإليزابيث، مليئاً بالترف والمتعة، إلا أنه، في ذات الوقت، كان مشحوناً بدلالات خفية، فالعزوف عن الزواج أو الإنجاب، بالنسبة لنساء قويات كإليزابيث، كان يُعدّ فعلاً متطرفاً يهدف إلى حماية الذات والحفاظ على السيادة الشخصية".
تُعدّ الملكة إليزابيث الأولى، ابنة هنري الثامن، الملكة الإنجليزية الوحيدة التي لم تتزوج إطلاقاً، واعتلت العرش عام 1558 وهي في الخامسة والعشرين من عمرها، وورثت عن سلفيها، أخيها غير الشقيق إدوارد السادس (1537–1553)، وأختها غير الشقيقة ماري الأولى (1516–1558)، أزمات دينية وسياسية واقتصادية معقدة.
ودأب المستشارون وأعضاء البرلمان على مطالبتها بالزواج حفاظاً على أمن البلاد، فقد كانت فكرة تولي امرأة الحكم منفردة تعد أمراً خارج التصور في ذلك الوقت، وكان الاعتقاد السائد أن الملكة يجب أن تتزوج، ليس لتأمين وريث ذكر وتفادي النزاعات على العرش فحسب، بل أيضاً ليتولّى رجل إدارة الشؤون السياسية والعسكرية.
ولم تهدأ المطالبات بالزواج، وتوالت المقترحات من شخصيات عدة، سواء عبر وسطاء أو بأنفسهم، وعلى الرغم من ذلك، ظلّت إليزابيث ترفض هذه العروض وتُراوغها مراراً، فما هو السبب؟
"لا سيد عليها"
كانت إليزابيث تدرك تماماً أن المرأة تستطيع أن تمارس الحكم بكفاءة، دون الحاجة إلى إشراف رجل أو توجيه منه، ففي صيف عام 1544، شاهدت الملكة، في قصر هامبتون، كاثرين بار - زوجة هنري الثامن - وهي تتولى السلطة بكل حزم أثناء غياب الملك في حملته العسكرية بفرنسا.
وأثبتت كاثرين جدارتها كوصية على العرش، ويبدو أن إليزابيث تأثرت تأثراً بالغاً بمشهد زوجة أبيها وهي تمارس السلطة، وتفرض احترامها على الوزراء والنبلاء رغم نفوذهم ومكانتهم.
علاوة على ذلك، لم تُقدّم أسرة إليزابيث القريبة نموذجاً يُحتذى به في الزواج أو يُبرز محاسنه، فقد أمر والدها باعتقال والدتها، آن بولين، بتهمة زور تتعلق بالزنا والتآمر، ثم اتخذ قراراً صادماً بإعدامها بقطع الرأس، ولم تكن إليزابيث آنذاك قد بلغت الثالثة من عمرها.
ومن بين المنحوتات التي أبدعتها مندك، عمل فني يُمثّل هذا الإعدام، حيث تظهر آن في هيئة ثعلب راكعة في صلاة، أمام الجلاد المتجسّد في صورة كلب شرير.
وذهب بعض المحللين إلى أن إليزابيث ربما كانت تعاني من خوفٍ عميق من العلاقة الجنسية، فعلى سبيل المثال، تتأمل أليسون وير في كتابها بعنوان " إليزابيث، الملكة" في احتمال أن تكون الملكة "قد ربطت بشكلٍ معقد بين العلاقة الجنسية والموت".
وصوّرها مسلسل أنتجته بي بي سي عام 2005، بعنوان "الملكة العذراء"، في شكل ملكة مذعورة من الجنس، بحسب ما أوردته صحيفة التليغراف، وقالت كاتبة السيناريو، بولا ميلن، للصحيفة حينها: "لو طُلب مني كتابة عمل عن امرأة معاصرة قُتلت والدتها على يد والدها، لكان من البديهي أن أتناول الآثار النفسية لذلك".
كانت إليزابيث، في حقيقة الأمر، تميل إلى مرافقة الرجال الجذّابين، وكانت لا تخلو أحياناً من ملامح الغَزَل والملاطفة في تعاملها معهم، بيد أن أنها كانت تمتلك دوافع وجيهة للخوف من الحمل ومخاطر الولادة، إذ وصفت عملية الإنجاب في عهد آل تيودور بأنها محفوفة بالمخاطر، فجين سيمور، الزوجة الثالثة للملك هنري الثامن، توفيت أثناء الولادة، وكاثرين بار توفيت إثر مرض أعقب ولادتها لطفل، كما أن جدة إليزابيث، إليزابيث يورك، توفيت أيضاً بعد ولادة طفلها.
"كيف قُدمت صورة إليزابيث؟"
إلى جانب دوافعها الشخصية، كانت هناك اعتبارات سياسية دفعت إليزابيث إلى العزوف عن الزواج، فمن بين هذه الاعتبارات، على الأرجح، رغبتها في إبقاء البلاد بمنأى عن تأثير القوى الأجنبية، كما أن احتمال ارتباطها بالزواج كانت بمثابة "ورقة ضغط" تُعزّز موقفها الدبلوماسي في تعاملاتها مع فرنسا وإسبانيا وسواهما من الدول.
في المقابل، لو أنها اقترنت بأحد نبلاء إنجلترا، وكان روبرت دادلي مرشحاً محتملاً لولا وفاة زوجته إيمي روبسارت في ظروف غامضة عام 1560، لأثار ذلك استياء نبلاء آخرين وأحدث خللاً في ميزان القوى الداخلية في البلاد.
وهكذا، أبقت إليزابيث الجميع في حالة ترقّب وانتظار، ويبدو أنها كانت تمتلك فهماً غريزياً لما يُعرف اليوم بإدارة العلاقات العامة، إذ كانت حريصة على أن تُظهر نفسها كملكة متفانية تماماً في خدمة شعبها، فمنذ بداية فترة حكمها، بدأت ترسخ صورتها بوصفها "الملكة العذراء"، وفي عام 1559، قالت رداً على أعضاء البرلمان الذين ألحّوا عليها بالزواج: "سيشهد حجر من الرخام ذات يوم أن ملكةً، حكمت لفترة من الزمن، عاشت وماتت عذراء".
ففي المشهد الختامي من فيلم " إليزابيث" الذي أخرجه شيخار كابور عام 1998، أدت الممثلة كيت بلانشيت دور الملكة الشابة، وأعادت تجسيدها مرة أخرى في الجزء الثاني عام 2007 بعنوان" إليزابيث: العصر الذهبي"، ففي الفيلم الأول، نراها وهي تتعمد التحول إلى شخصية "الملكة العذراء"، وتظهر بثوب أبيض أمام بلاطها المذهول وتعلن: "أنا متزوجة من إنجلترا".
وعلى الرغم من أن فيلم كابور لا يلتزم بدقة السرد التاريخي، فإن الحوار فيه يعكس قولاً حقيقياً للملكة عام 1559، حين أعلنت بأنها لن تتزوج لأنها "مرتبطة بالفعل بزوج، ألا وهو مملكة إنجلترا"، واللافت أن شقيقتها ماري الأولى، المعروفة بلقب "ماري الدموية"، كانت قد أعلنت تصريحاً مماثلاً، لكنها تزوجت بعد ذلك فيليب الثاني ملك إسبانيا.
شكّل قرار عدم زواج الملكة إليزابيث عنصراً محورياً في تجسيد شخصيتها في الثقافة الشعبية، وقد عُرض هذا الربط بين الجنس والموت بوضوح في مسلسل لبي بي سي حائز على عدة جوائز إيمي بعنوان "إليزابيث آر" عام 1971.
ففي الحلقة الافتتاحية، تقول إليزابيث، التي أدّت دورها الممثلة غليندا جاكسون: "لم أثق في أي رجل منذ أن كنت في الثامنة من عمري، حين رأيت الملكة كاثرين هوارد (الزوجة الخامسة لهنري الثامن – التي أُعدمت) تجري وهي تصرخ في أروقة القصر تتوسل للملك هنري العظيم، لقد خانها الرجال من كل جانب، تبدأ الحكاية بالثقة، ثم الشغف، وتنتهي بالموت".
قدّمت ميراندا ريتشاردسون شخصية إليزابيث بشكل ساخر في الموسم الثاني من المسلسل الكوميدي المعروف "بلاك آدر"، وتقول في الحلقة الأولى: "الجميع يبدو وكأنهم يتزوجون، باستثنائي أنا"، غير أن الملكة، في سياق الأحداث، تستخدم وعد الزواج كوسيلة لإخضاع بلاك آدر وغيرِه لرغباتها.
والسؤال هل تركت إليزابيث الحقيقية المجال أمام دادلي ليظن أن فرصته معها قائمة؟ وما دلالة زيارة كينيلورث في إطار علاقتهما؟
يقول آشبي: "لا أعتقد أنه (دادلي) شعر بإهانة جراء رفضها لطلبه الزواج، بل كان مسروراً بأن يُنشر سرد رسمي عن الاحتفالات بعد فترة قصيرة، كما أوصى في وصيته بالإبقاء على القلعة كما كانت تماماً. أظن أنه اعتبر عام 1575 بمثابة (أروع لحظاته)، ومن المؤكد أنه لم يبتعد عن الساحة العامة بعد تلك السنة".
واستشاطت الملكة إليزابيث غضباً من دادلي حين تزوج من ليتيس نوليز في عام 1578، غير أنها سامحته لاحقاً، وعندما توفي عام 1588، أغلقت على نفسها غرفتها لفترة طويلة حتى اضطر كبير مستشاريها إلى إصدار أمر بفتح الأبواب بالقوة.
وعُثر بعد وفاة إليزابيث في عام 1603، على رسالة من دادلي، كان قد بعث بها إليها قبل وفاته بوقت قصير، محفوظة في صندوق صغير إلى جوار سريرها، كتبت عليها بخط يدها: "رسالته الأخيرة".
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

فيلم «سوبرمان» في مرمى الجدل.. هل يعكس صراع غزة؟
فيلم «سوبرمان» في مرمى الجدل.. هل يعكس صراع غزة؟

عين ليبيا

timeمنذ 3 ساعات

  • عين ليبيا

فيلم «سوبرمان» في مرمى الجدل.. هل يعكس صراع غزة؟

منذ طرحه في دور السينما وحقق إيرادات تجاوزت 220 مليون دولار خلال عطلة نهاية الأسبوع الأولى، يثير فيلم 'سوبرمان' للمخرج جيمس غان نقاشاً حاداً حول ما إذا كان يعكس الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. يروي الفيلم قصة شخصية 'ليكس لوثر' التي تشعل حرباً بين دولتين خياليتين، 'بوفاريا' و'جارانبور'، حيث يتدخل سوبرمان لوقف هجوم 'بوفاريا' على جارتها الأضعف عسكرياً. انقسم الجمهور بين من يرى أن الصراع في الفيلم هو انعكاس مباشر للصراع في غزة، وبين من ينفي هذا الربط، معتبرين أن أحداث الفيلم خيالية ولا تحمل أجندة سياسية. المعلق السياسي اليساري حسن بيكر وصف الفيلم بأنه 'ساعتان وعشر دقائق من الهجوم على إسرائيل'، مؤكداً أن إنكار هذا الربط هو 'كذب'، بالمقابل، اعتبر المحلل السياسي المحافظ بن شابيرو الربط بين الفيلم والصراع الفلسطيني الإسرائيلي 'فكرة يسارية متطرفة' لا تستند إلى وقائع. توضح مجلة 'فارييتي' أن السيناريو كتب في مايو 2023، قبل تصاعد الصراع الحالي في أكتوبر من نفس العام، ما يقلل من احتمال أن يكون الفيلم تعليقاً مباشراً على الأحداث الواقعية. حاول جيمس غان تهدئة الجدل عبر تصريح لصحيفة 'التايمز' أكد فيه أن القصة خيالية بحتة وتدور حول غزو دولة قوية لاستبدادية لأخرى ضعيفة، وأنه بذل جهداً لتجنب أي تشابه مع الواقع السياسي في الشرق الأوسط. ولم تكن هذه المرة الأولى التي يثير فيها غان الجدل، إذ وصف سوبرمان بأنه 'مهاجر'، ما أثار انتقادات من أوساط محافظة ووصل الأمر إلى تدخل البيت الأبيض حيث تم تداول صورة ساخرة تظهر الرئيس دونالد ترامب ممثلاً على بوستر الفيلم. دافع شون غان، شقيق المخرج، بقوة عن هذه الفكرة قائلاً: 'سوبرمان هو مهاجر، وإذا لم توافق، فأنت لست أمريكياً'. القضية تواصل إشعال النقاشات السياسية والثقافية، ومن المتوقع أن تتصاعد مع استمرار عرض الفيلم في صالات السينما.

"الملكة العذراء": أسرار الحب والسلطة في حياة إليزابيث الأولى التي "تزوجت إنجلترا"
"الملكة العذراء": أسرار الحب والسلطة في حياة إليزابيث الأولى التي "تزوجت إنجلترا"

الوسط

timeمنذ يوم واحد

  • الوسط

"الملكة العذراء": أسرار الحب والسلطة في حياة إليزابيث الأولى التي "تزوجت إنجلترا"

تعد الملكة إليزابيث الأولى، ابنة الملك هنري الثامن، الوحيدة في تاريخ إنجلترا التي لم تتزوج على الإطلاق، وربما تكشف زيارتها الأخيرة لقلعة كينيلورث قبل 450 عاماً عن بعض الخيوط التي تفسر هذا العهد الذي اتخذته على نفسها، وهو ما يسلط عليه الضوء معرض فني جديد يقام داخل القلعة، ويجسد مشاهد فنية من الخيانة وقطع الرؤوس، فضلاً عن إعلان حب متعدد التفاصيل. في مساء أحد أيام شهر يوليو/تموز عام 1575، وصلت الملكة إليزابيث الأولى، والتي كانت تبلغ من العمر آنذاك 41 عاماً، إلى قلعة كينيلورث الواقعة في مقاطعة وركشاير البريطانية، في زيارة كانت الأطول والأخيرة. كانت الملكة قد أهدت القلعة لروبرت دادلي عام 1563، ومنحته في العام التالي لقب "إيرل ليستر"، ويُعد دادلي من أبرز المقرّبين إلى الملكة، ويُعتقد أنه كان صديقاً لها منذ الطفولة، وقد أثارت طبيعة علاقتهما الوثيقة الكثير من الأقاويل والجدل. وأجرى روبرت دادلي تجديدات كبرى في القلعة الفخمة، استعداداً لوصول الملكة غير المتزوجة، كما شيّد أبنية جديدة، واستحدث حديقة أنيقة، فضلاً عن تنسيق الأراضي المحيطة على نحو متقن، ولم يدّخر جهداً في تقديم عروض ترفيهية استثنائية، شملت الموسيقى، والرقص، والحركات البهلوانية، والألعاب النارية الجذابة، بالإضافة إلى فقرات فنية أدّاها ممثلون كانوا يرتدون أزياء مسرحية. لم يبخل دادلي بالجهد أو المال، فقد بلغت تكلفة المناسبة ألف جنيه إسترليني يومياً (ما يعادل 1400 دولار حينها)، وهو مبلغ يُقدّر حاليا بملايين الجنيهات، وقد فُسّرت هذه الاحتفالات المترفة على أنها عرض زواج فخم ومكلّف، يعادل، بمقاييس الطبقة الحاكمة في القرن السادس عشر، استئجار طائرة لرفع لافتة مكتوب عليها "تزوجيني" في عصرنا الحالي. ويقول جيريمي آشبي، كبير أمناء متحف "التراث الإنجليزي"، لبي بي سي: "كانت احتفالات عام 1575 محاولةً لاستمالة إليزابيث، فالزواج كان أحد الموضوعات الظاهرة في بعض الأنشطة". ووصفت إليزابيث غولدرينغ، التي أجرت دراسة موسعة عن دادلي، لورد ليستر، هذه المناسبة بأنها "آخر رمية نرد له". بدت مغامرة دادلي وكأنها تسير بطريقة جيدة، إلى أن وقع تحول مفاجئ في الأحداث، فقد كان من المقرر أن يبلغ برنامج الإقامة ذروته بعرض مسرحي يُعرف باسم "القناع"، يوم الأربعاء الموافق 20 يوليو/تموز، إلا أن العرض لم يُقدّم على الإطلاق، فهل أعاقته الأحوال الجوية السيئة، كما جاء في الرواية الرسمية؟ أم أن الملكة اطّلعت على مضمون العرض واستشاطت غضباً؟ إذ تضمن العرض الإلهة ديانا، ربة العفة، وهي تبحث عن إحدى حورياتها الطاهرات، واسمها "زابيتا"، وهو إسقاط واضح على اسم إليزابيث. كان من المفترض أن يُختتم العرض المسرحي بظهور رسول من الإلهة جونو، ربة الزواج، يُوجه حديثه إلى الملكة إليزابيث مباشرة، متوسلاً إليها ألا تسلك طريق ديانا، بل أن تختار الزواج بدلاً من العزوف عنه. وعلى الرغم من أن دادلي كان يحظى بهامش من المرونة في علاقته مع الملكة، إلا أن هذه الرسالة ربما تجاوزت الحدود، ومهما يكن الأمر، لم يُقدَّم العرض، وانتهت مظاهر الاحتفال، ومكثت الملكة في جناحها بضعة أيام أخرى قبل أن تغادر القلعة في 27 يوليو/تموز. "مليئة بالكبرياء وحادّة الطبع" أحيت الفنانة ليندسي مندك الذكرى الـ 450 لزيارة الملكة من خلال تصميم عمل نحتي ضخم بعنوان "اللعبة الشريرة" داخل القلعة، يستلهم هذا العمل موضوعه من الميثولوجيا القديمة ومن تفاصيل زيارة الملكة إليزابيث الأولى، ومن الطريقة التي وُظّفت بها صورتها كعذراء في تنفيذ مناورات سياسية ذكية على مدار فترة حكمها التي امتدت 45 عاما. يتألف العمل من 13 مشهداً متنوعاً، بعضها يغلب عليه طابع شرير، وبعضها الآخر يغلب عليه طابع الكوميديا السوداء، وتُصوّر المنحوتات الملكة ومن حولها في هيئة حيوانات، ويجسّد العمل الرئيسي، إليزابيث كلَبؤة، ودادلي كدب، ورُتبت هذه المشاهد على قطع من رقعة شطرنج ضخمة. وقالت مندك لبي بي سي: "لعب الشطرنج أمثل تشبيه لما اضطرت إليزابيث إلى فعله كي تضمن بقاءها". وأضافت: "أراها شخصية شديدة الأهمية، وتمثّل مدخلاً مهماً لفهم كيفية تعاملنا مع النساء اليوم. لقد كان الحدث الذي نظّمه دادلي في كينيلورث يُفترض أن يكون احتفالاً ضخماً لإليزابيث، مليئاً بالترف والمتعة، إلا أنه، في ذات الوقت، كان مشحوناً بدلالات خفية، فالعزوف عن الزواج أو الإنجاب، بالنسبة لنساء قويات كإليزابيث، كان يُعدّ فعلاً متطرفاً يهدف إلى حماية الذات والحفاظ على السيادة الشخصية". تُعدّ الملكة إليزابيث الأولى، ابنة هنري الثامن، الملكة الإنجليزية الوحيدة التي لم تتزوج إطلاقاً، واعتلت العرش عام 1558 وهي في الخامسة والعشرين من عمرها، وورثت عن سلفيها، أخيها غير الشقيق إدوارد السادس (1537–1553)، وأختها غير الشقيقة ماري الأولى (1516–1558)، أزمات دينية وسياسية واقتصادية معقدة. ودأب المستشارون وأعضاء البرلمان على مطالبتها بالزواج حفاظاً على أمن البلاد، فقد كانت فكرة تولي امرأة الحكم منفردة تعد أمراً خارج التصور في ذلك الوقت، وكان الاعتقاد السائد أن الملكة يجب أن تتزوج، ليس لتأمين وريث ذكر وتفادي النزاعات على العرش فحسب، بل أيضاً ليتولّى رجل إدارة الشؤون السياسية والعسكرية. ولم تهدأ المطالبات بالزواج، وتوالت المقترحات من شخصيات عدة، سواء عبر وسطاء أو بأنفسهم، وعلى الرغم من ذلك، ظلّت إليزابيث ترفض هذه العروض وتُراوغها مراراً، فما هو السبب؟ "لا سيد عليها" كانت إليزابيث تدرك تماماً أن المرأة تستطيع أن تمارس الحكم بكفاءة، دون الحاجة إلى إشراف رجل أو توجيه منه، ففي صيف عام 1544، شاهدت الملكة، في قصر هامبتون، كاثرين بار - زوجة هنري الثامن - وهي تتولى السلطة بكل حزم أثناء غياب الملك في حملته العسكرية بفرنسا. وأثبتت كاثرين جدارتها كوصية على العرش، ويبدو أن إليزابيث تأثرت تأثراً بالغاً بمشهد زوجة أبيها وهي تمارس السلطة، وتفرض احترامها على الوزراء والنبلاء رغم نفوذهم ومكانتهم. علاوة على ذلك، لم تُقدّم أسرة إليزابيث القريبة نموذجاً يُحتذى به في الزواج أو يُبرز محاسنه، فقد أمر والدها باعتقال والدتها، آن بولين، بتهمة زور تتعلق بالزنا والتآمر، ثم اتخذ قراراً صادماً بإعدامها بقطع الرأس، ولم تكن إليزابيث آنذاك قد بلغت الثالثة من عمرها. ومن بين المنحوتات التي أبدعتها مندك، عمل فني يُمثّل هذا الإعدام، حيث تظهر آن في هيئة ثعلب راكعة في صلاة، أمام الجلاد المتجسّد في صورة كلب شرير. وذهب بعض المحللين إلى أن إليزابيث ربما كانت تعاني من خوفٍ عميق من العلاقة الجنسية، فعلى سبيل المثال، تتأمل أليسون وير في كتابها بعنوان " إليزابيث، الملكة" في احتمال أن تكون الملكة "قد ربطت بشكلٍ معقد بين العلاقة الجنسية والموت". وصوّرها مسلسل أنتجته بي بي سي عام 2005، بعنوان "الملكة العذراء"، في شكل ملكة مذعورة من الجنس، بحسب ما أوردته صحيفة التليغراف، وقالت كاتبة السيناريو، بولا ميلن، للصحيفة حينها: "لو طُلب مني كتابة عمل عن امرأة معاصرة قُتلت والدتها على يد والدها، لكان من البديهي أن أتناول الآثار النفسية لذلك". كانت إليزابيث، في حقيقة الأمر، تميل إلى مرافقة الرجال الجذّابين، وكانت لا تخلو أحياناً من ملامح الغَزَل والملاطفة في تعاملها معهم، بيد أن أنها كانت تمتلك دوافع وجيهة للخوف من الحمل ومخاطر الولادة، إذ وصفت عملية الإنجاب في عهد آل تيودور بأنها محفوفة بالمخاطر، فجين سيمور، الزوجة الثالثة للملك هنري الثامن، توفيت أثناء الولادة، وكاثرين بار توفيت إثر مرض أعقب ولادتها لطفل، كما أن جدة إليزابيث، إليزابيث يورك، توفيت أيضاً بعد ولادة طفلها. "كيف قُدمت صورة إليزابيث؟" إلى جانب دوافعها الشخصية، كانت هناك اعتبارات سياسية دفعت إليزابيث إلى العزوف عن الزواج، فمن بين هذه الاعتبارات، على الأرجح، رغبتها في إبقاء البلاد بمنأى عن تأثير القوى الأجنبية، كما أن احتمال ارتباطها بالزواج كانت بمثابة "ورقة ضغط" تُعزّز موقفها الدبلوماسي في تعاملاتها مع فرنسا وإسبانيا وسواهما من الدول. في المقابل، لو أنها اقترنت بأحد نبلاء إنجلترا، وكان روبرت دادلي مرشحاً محتملاً لولا وفاة زوجته إيمي روبسارت في ظروف غامضة عام 1560، لأثار ذلك استياء نبلاء آخرين وأحدث خللاً في ميزان القوى الداخلية في البلاد. وهكذا، أبقت إليزابيث الجميع في حالة ترقّب وانتظار، ويبدو أنها كانت تمتلك فهماً غريزياً لما يُعرف اليوم بإدارة العلاقات العامة، إذ كانت حريصة على أن تُظهر نفسها كملكة متفانية تماماً في خدمة شعبها، فمنذ بداية فترة حكمها، بدأت ترسخ صورتها بوصفها "الملكة العذراء"، وفي عام 1559، قالت رداً على أعضاء البرلمان الذين ألحّوا عليها بالزواج: "سيشهد حجر من الرخام ذات يوم أن ملكةً، حكمت لفترة من الزمن، عاشت وماتت عذراء". ففي المشهد الختامي من فيلم " إليزابيث" الذي أخرجه شيخار كابور عام 1998، أدت الممثلة كيت بلانشيت دور الملكة الشابة، وأعادت تجسيدها مرة أخرى في الجزء الثاني عام 2007 بعنوان" إليزابيث: العصر الذهبي"، ففي الفيلم الأول، نراها وهي تتعمد التحول إلى شخصية "الملكة العذراء"، وتظهر بثوب أبيض أمام بلاطها المذهول وتعلن: "أنا متزوجة من إنجلترا". وعلى الرغم من أن فيلم كابور لا يلتزم بدقة السرد التاريخي، فإن الحوار فيه يعكس قولاً حقيقياً للملكة عام 1559، حين أعلنت بأنها لن تتزوج لأنها "مرتبطة بالفعل بزوج، ألا وهو مملكة إنجلترا"، واللافت أن شقيقتها ماري الأولى، المعروفة بلقب "ماري الدموية"، كانت قد أعلنت تصريحاً مماثلاً، لكنها تزوجت بعد ذلك فيليب الثاني ملك إسبانيا. شكّل قرار عدم زواج الملكة إليزابيث عنصراً محورياً في تجسيد شخصيتها في الثقافة الشعبية، وقد عُرض هذا الربط بين الجنس والموت بوضوح في مسلسل لبي بي سي حائز على عدة جوائز إيمي بعنوان "إليزابيث آر" عام 1971. ففي الحلقة الافتتاحية، تقول إليزابيث، التي أدّت دورها الممثلة غليندا جاكسون: "لم أثق في أي رجل منذ أن كنت في الثامنة من عمري، حين رأيت الملكة كاثرين هوارد (الزوجة الخامسة لهنري الثامن – التي أُعدمت) تجري وهي تصرخ في أروقة القصر تتوسل للملك هنري العظيم، لقد خانها الرجال من كل جانب، تبدأ الحكاية بالثقة، ثم الشغف، وتنتهي بالموت". قدّمت ميراندا ريتشاردسون شخصية إليزابيث بشكل ساخر في الموسم الثاني من المسلسل الكوميدي المعروف "بلاك آدر"، وتقول في الحلقة الأولى: "الجميع يبدو وكأنهم يتزوجون، باستثنائي أنا"، غير أن الملكة، في سياق الأحداث، تستخدم وعد الزواج كوسيلة لإخضاع بلاك آدر وغيرِه لرغباتها. والسؤال هل تركت إليزابيث الحقيقية المجال أمام دادلي ليظن أن فرصته معها قائمة؟ وما دلالة زيارة كينيلورث في إطار علاقتهما؟ يقول آشبي: "لا أعتقد أنه (دادلي) شعر بإهانة جراء رفضها لطلبه الزواج، بل كان مسروراً بأن يُنشر سرد رسمي عن الاحتفالات بعد فترة قصيرة، كما أوصى في وصيته بالإبقاء على القلعة كما كانت تماماً. أظن أنه اعتبر عام 1575 بمثابة (أروع لحظاته)، ومن المؤكد أنه لم يبتعد عن الساحة العامة بعد تلك السنة". واستشاطت الملكة إليزابيث غضباً من دادلي حين تزوج من ليتيس نوليز في عام 1578، غير أنها سامحته لاحقاً، وعندما توفي عام 1588، أغلقت على نفسها غرفتها لفترة طويلة حتى اضطر كبير مستشاريها إلى إصدار أمر بفتح الأبواب بالقوة. وعُثر بعد وفاة إليزابيث في عام 1603، على رسالة من دادلي، كان قد بعث بها إليها قبل وفاته بوقت قصير، محفوظة في صندوق صغير إلى جوار سريرها، كتبت عليها بخط يدها: "رسالته الأخيرة".

وفاة أسطورة سباقات الماراثون عن 114 عاماً في حادث دهس بالهند
وفاة أسطورة سباقات الماراثون عن 114 عاماً في حادث دهس بالهند

الوسط

timeمنذ 2 أيام

  • الوسط

وفاة أسطورة سباقات الماراثون عن 114 عاماً في حادث دهس بالهند

BBC بي بي سي بنجابي التقت سينغ في منزله بقريته بياس بيند في ولاية البنجاب الهندية في يونيو/حزيران توفى الرياضي الهندي البريطاني فوغا سينغ، الذي يُعتقد أنه أكبر عداء ماراثون في العالم، عن عمر ناهز 114 عاماً بعد أن صدمته سيارة في الهند. بحسب بيان الشرطة الهندية فإن سيارة مجهولة صدمت سينغ بينما كان يعبر الطريق في قريته التي وُلد فيها في إقليم البنجاب، وتوفى في المستشفى بعد نقله إليها. يعد سينغ، رمزاً عالمياً في سباقات الماراثون وسجل أرقاماً قياسية لمشاركته في السباقات في فئات عمرية متعددة، حتى عندما تجاوز عمره 100 عام. وبدأ سينغ مسيرته الرياضية بالركض عندما بلغ 89 عاماً، وشارك في تسعة سباقات ماراثون كاملة بين عامي 2000 و2013، حتى تقاعد. وأعلن ناديه للركض وجمعيته الخيرية، "سيخ إن ذا سيتي"، عن إقامة عدة فعاليات مقبلة في إلفورد، شرق لندن، حيث عاش فوغا سينغ منذ عام 1992، للاحتفاء بمسيرته وحياته وإنجازاته. وكان سينغ قد عاد إلى قريته المولود بها بيس بيند، بالقرب من جالاندهار، في إقليم البنجاب الهندي، حيث صدمته سيارة يوم الاثنين. وقال هارفيندر سينغ، أحد كبار ضباط شرطة المنطقة: "البحث جارٍ على المتهم، وسيتم القبض عليه قريباً". فور الإعلان عن وفاته كان هناك حالة حزن ونعاه الكثيرون. وصفه رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، بأنه "رياضي استثنائي يتمتع بعزيمة لا تُصدق". كما أصدر هارمندر سينغ، مدرب فوغا سينغ في نادي "سيخ إن ذا سيتي" البريطاني، بيانا ينعيه فيه على صفحة نادي الجري. وقال في البيان: "ببالغ الحزن والأسى، نؤكد وفاة رمز الإنسانية ومصدر الإيجابية في الهند، فوغا سينغ". وأضاف أن النادي والجمعية الخيرية، ستخصص كل أنشطتها من الآن وحتى الأحد الموافق 29 مارس/آذار 2026، للاحتفال بحياته الحافلة بالنجاحات والإنجازات. أكد على مضاعفة الجهود لجمع التبرعات لبناء نادي فوغا سينغ على الطريق في إلفورد حيث كان يتدرب. BBC حذاء الجري الأزرق والأبيض الذي كان يرتديه سينغ وحمل اسمه التقت بي سي بالرياضي الراحل في يونيو/حزيران الماضي، في قريته بالهند بياس بيند، وكان يبدو رشيقاً ونشيطاً، ويمشي عدة أميال يومياً. وقال لبي بي سي: "ما زلت أتجول في القرية لأحافظ على قوة السيقان. على الإنسان أن يعتني بجسده". حمل سينغ شعلة أولمبياد لندن عام 2012، تقديرا للعديد من الإنجازات التي حققها خلال مسيرته في رياضة الجري، وأشارت تقاير إلى أنه كان أكبر إنسان أكمل سباق ماراثون كامل في تورنتو بكندا عام 2011. ورغم هذه الانجازات لم تعترف موسوعة غينيس للأرقام القياسية بإعلانه عن أنه أكبر عداء ماراثون سناً في العالم، لأنه لم يستطع تقديم شهادة ميلاد تثبت أنه من مواليد عام 1911. أفادت بي بي سي وقتها أن جواز سفر سينغ البريطاني أظهر تاريخ ميلاده في 1 أبريل/نيسان 1911، وأنه كان يحمل رسالة تهنئة من الملكة بعيد ميلاده المئة. وأكد مدربه هارماندر سينغ، أن الهند لم يكن بها نظام لإصدار شهادات ميلاد وقت ميلاد سينغ. ومع هذا قال مسؤولو موسوعة غينيس إنهم كانوا يتمنون "منحه الرقم القياسي"، لكنهم لن يقبلوا إلا "وثائق الميلاد الرسمية الصادرة في عام ميلاده." كان طفولة سينغ لا تشير إلى تفوقه الرياضي، حيث تعرض للسخرية من أهل قريته في البنجاب لضعف ساقيه وعدم قدرته على المشي بشكل سليم حتى سن الخامسة. قال سينغ لبي بي سي باللغة البنجابية في يونيو/زحزيران: "لكن هذا الصبي نفسه، الذي سخر منه الناس لضعفه، صنع التاريخ." عمل سينغ مزارعا، وقبل أن يبلغ الأربعين كان قد شهد اضطرابات الحربين العالميتين وعايش صدمة تقسيم الهند. وأضاف لبي بي سي: "في شبابي، لم أكن أعرف حتى بوجود كلمة ماراثون. لم أذهب إلى المدرسة أبداً، ولم أمارس أي نوع من الرياضة. كنت مزارعاً وأمضيت معظم حياتي في الحقول". بدأ مسيرته مع رياضة الركض للتغلب على أحزانه، فبعد وفاة زوجته جيان كور، في أوائل التسعينيات، انتقل إلى لندن ليعيش مع ابنه الأكبر سوخجيندر، وعندما زار الهند بعدها شهد وفاة ابنه الأصغر كولديب في حادث أثر عليه سلبا. استبد به الحزن وقتها وكان يقضي ساعات جالساً قرب مكان إحراق جثمان ابنه. نصح القرويون القلقون عليه عائلته بإعادته إلى بريطانيا. بدأت الأمور تتغير أثناء إحدى زياراته إلى كردوارة، مقر عبادة السيخ في إلفورد بلندن، هناك التقى سينغ بمجموعة من الرجال المسنين السيخ الذين كانوا يركضون، كما تعرف بهارمندر سينغ، الذي أصبح مدربه فيما بعد. وعن هذا اللقاء، كشف فوغا سينغ لبي بي سي في يونيو/حزيران: "لو لم أقابل هارمندر سينغ، لما دخلت مجال الجري في الماراثون". BBC سينغ حرص على وضع تذكاراته وشهاداته في منزله في البنجاب شارك سينغ لأول مرة في ماراثون لندن عام 2000، قبل شهر من بلوغه التاسعة والثمانين. شارك من خلال نظام "السندات الذهبية"، وهو نظام تشتري فيه الجمعيات الخيرية عدداً محدداً من المقاعد مسبقاً مقابل رسوم. اختار سينغ الركض لصالح "بليس"، وهي جمعية خيرية تدعم الأطفال الخدج، وكان شعارها: "الأكبر يركض من أجل الأصغر! ليعمروا مثله". وكشف سينغ أنه قبل المشاركة في الماراثون أخبره المسؤولون أنه من غير المسموح له ارتداء عمامة السيخ، ويمكنه فقط ارتداء "الباتكا" (غطاء رأس يرتديه العديد من الفتيان والرجال السيخ). لكنه رفض، وقال: "رفضت الركض بدون عمامتي. في النهاية، سمح لي المنظمون بالركض بها، وهذا بالنسبة لي أعظم إنجازاتي". أنهى السباق في ست ساعات و٥٤ دقيقة، ليبدأ مسيرة رائعة. بمشاركته الثالثة على التوالي في ماراثون لندن، كان قد سجل زمنا أفضل بتسع دقائق عن أفضل رقم حققه سابقا. في عام ٢٠٠٣، في ماراثون تورنتو ووترفرونت، تحسن توقيته بشكل مذهل بأقل حوالي ساعة وخمس دقائق، ليُنهي السباق في خمس ساعات وأربعين دقيقة. وأكد في حواره مع بي بي سي: "لا أتذكر توقيتاتي، مدربي، هارماندر سينغ، هو من يحتفظ بسجل جميع توقيتاتي. لكن كل ما حققته كان بفضل تدريبه، وقد التزمت بجدوله بإخلاص." وأضاف: "في لندن، كان يُجبرني على الركض وأنا أصعد لأعلى، وهذا ساعدني لمواصلة التحسن، بعد كل جلسة تدريب تقريباً كنت أذهب إلى كوردوارا، حيث يعتنون بنظامي الغذائي. كانوا يشجعونني على الركض لمسافات طويلة". بدأت شهرة سينغ العالمية عندما تعاقدت معه شركة أديداس الشهيرة لحملتها الإعلانية "المستحيل لا شيء" عام ٢٠٠٤، والتي ضمت أيضاً أساطير مثل الملاكم الأمريكي محمد علي. في عام ٢٠٠٥، تلقى دعوة من رئيس وزراء باكستان للمشاركة في ماراثون لاهور الافتتاحي. وبعد عام في ٢٠٠٦، تلقى دعوة خاصة من ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية، لزيارة قصر باكنغهام. من بين العديد من التذكارات والشهادات المعروضة في منزل سينغ في البنجاب، صورة له مع الملكة. واصل سينغ مسيرته الرياضية والمشاركة في السباقات حتى تجاوز عمره 100 عام، وحصل على لقب "الإعصار ذو العمامة". وتبرع بمعظم أرباحه من الإعلانات مباشرة إلى المؤسسات الخيرية. عن هذا يقول: "كنت مازلت نفس الشخص قبل دخولي عالم الجري، لكن الجري منح حياتي رسالة وحقق لي شهرة عالمية". وفي عام 2013، أنهى مسيرته في سباقات الماراثون الطويلة في هونغ كونغ، حيث أكمل مسافة ١٠ كيلومترات في ساعة و32 دقيقة و28 ثانية. وأكد أن الفضل في تمتعه بالصحة والعمر الطويل يعود إلى أسلوب حياته البسيط ونظامه الغذائي المنضبط. وأضاف في حواره لبي بي سي: "سر طول عمري يكمن في تناول كميات أقل من الطعام، والجري أكثر، والحفاظ على السعادة. هذه هي رسالتي للجميع". في سنواته الأخيرة، كانت حياته مقسمة ما بين الهند وبريطانيا. عندما التقت به بي بي سي في يونيو/حزيران، كان يأمل في زيارة لندن مرة أخرى قريبًا للقاء عائلته ومدربه. شاركت النائبة البريطانية بريت كور جيل صورة لها مع سينغ على منصة إكس، وكتبت: "رجل ملهم بحق. انضباطه، وبساطة حياته، وتواضعه العميق تركوا أثرا لا يمحى في نفسي". وقال النائب جاس أثوال، إن سينغ "ألهم الملايين حول العالم". وكتب على إكس: "ستبقى روحه وإرثه من الصمود خالدين إلى الأبد".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store