
«ناصر بوعوض» أنشدت للوطن في «صيفي ثقافي»
انطلقت الفعالية بعرضٍ لافت في قلب المجمَّع، حيث انتشر أعضاء الفرقة بمُعداتهم وآلاتهم الموسيقية، ليبدعوا في تقديم فقرات مزجت بين الغناء الحي والاستعراضات التراثية، في لوحةٍ فنية تنبض بالأصالة، وتعكس ثراء الهوية الثقافية الكويتية، وعُمق ارتباطها بالوجدان الشعبي.
مسيرة فنية
وعلى هامش الأمسية، عبَّر رئيس فرقة ناصر بوعوض للفنون الشعبية، عبدالرحمن العوض، عن شكره لـ «الوطني للثقافة»، وقال إن الفرقة تأسست عام 1981 على يد جده المرحوم جاسم العوض، الذي وضع اللبنة الأولى لمسيرتها الفنية، ثم تولَّى إدارتها والده – رحمه الله – لتستمر بعد ذلك حتى اليوم، محافظة على أصالتها وتجدُّدها.
وأشار إلى أن الفرقة تتكوَّن من أكثر من 35 عضواً، وتتميَّز بتنوُّع أعضائها من مختلف الفئات العُمرية، خصوصاً الشباب، الذين أبدوا شغفاً بالفنون التراثية، ما يمنح الفرقة روحاً متجددة تضمن استمرارية هذا الإرث الثقافي العريق.
فن الصوت
ولفت العوض إلى أن الفرقة استهلَّت عروضها بـ «العرضة البحرية»، التي استحضرت البيئة الساحلية، تلتها «العرضة البرية» بإيقاعاتها الحماسية، لتتوالى بعد ذلك الفنون الغنائية التراثية، حيث قدَّمت الفرقة فن الصوت بنوعيه، صوت الشامي، وصوت العربي، وسط تفاعلٍ كبير من الجمهور. كما واصلت تقديم مجموعة من الفنون التقليدية الأخرى، مثل: «السامري»، و«اللعبوني»، و«الخماري»، التي أضفت على الأمسية طابعاً احتفالياً.
ركيزة أساسية
من جانبه، أكد عضو الفرقة محمد جاسم العوض أن الفرقة حافظت على رسالتها في إحياء التراث، ونقله من جيلٍ إلى آخر، مشيراً إلى أن الشباب يشكِّل ركيزة أساسية في الفرقة.
وقال إن هناك تفاعلاً من قِبلهم تجاه الفنون الشعبية، إذ يُبدي العديد منهم شغفاً لتعلُّم مختلف الألوان التراثية، وقد أتقن بعضهم بالفعل أداء هذه الفنون.
الأغاني الوطنية
ومع تواصل فقرات الأمسية، أضفت فرقة ناصر بوعوض للفنون الشعبية بُعداً وجدانياً جميلاً عبر فقرة الأغاني الوطنية، التي جسَّدت روح الانتماء والاعتزاز بالوطن، لتتحوَّل اللحظة إلى تفاعلٍ جماهيري لافت، حيث صدحت الأصوات بألحان راسخة في ذاكرة الكويتيين، وارتفعت مشاعر الولاء والحُب للكويت في مشهدٍ طغت عليه الوطنية والحنين.
وقدَّمت الفرقة باقة من الأغاني الوطنية التي أشعلت الحماس في نفوس الحاضرين على وقع كلمات عبَّرت بصدق عن عُمق الانتماء، فامتزج التراث الغنائي بعاطفة الوطن.
«القبة السماوية»
وفي فعالية أخرى، ضمن مهرجان صيفي ثقافي في دورته السابعة عشرة، وبالتعاون مع رابطة القرية القمرية، شهد متحف الكويت الوطني جولة علمية مميزة داخل القبة السماوية، جاءت تتويجاً لخمسة أيام حافلة بالأنشطة التفاعلية والمعرفية المتنوعة، حيث تعرَّف الزوار خلال الجولة على مفاهيم فلكية متقدمة عبر عرضٍ حي تفاعلي جمع بين المعلومة والعرض البصري، قدَّمه أستاذ الفيزياء في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب عبدالعزيز العريض، والباحث في علوم الفضاء غانم العتيبي، اللذان قدَّما شرحاً مبسَّطاً بأسلوب جذاب، ما أضفى على التجربة طابعاً تفاعلياً أثار إعجاب الحضور، خصوصاً من فئة الشباب والمهتمين بالعلوم الفلكية.
وبهذه المناسبة، قال العريض: «نثمِّن دعم (الوطني للثقافة)، الذي أتاح هذا التعاون للسنة الثانية على التوالي، وهذا العام أثمر فعالية ناجحة لاقت استحسان الجمهور. الحمد لله، الأجواء كانت إيجابية، والتفاعل كان مميزاً».
وشدَّد على أهمية استمرار هذا النوع من الفعاليات، قائلاً: «نأمل أن تكون هذه المبادرة بداية لسلسلة من البرامج العلمية والثقافية التي تجعل من علم الفلك جزءاً من حياتنا اليومية، وتمنح شبابنا منصات ملهمة للتفكير والتعبير».
بدوره، أكد العتيبي: «حرصنا في الختام على تقديم جولة تُحاكي التجارب الحقيقية، حيث ساهمت في تقريب مفاهيم علم الفلك إلى الجمهور بأسلوبٍ بسيط وجاذب».
ووجَّه العتيبي دعوة مفتوحة للمتخصصين والمهتمين بعلم الفلك للانضمام إلى رابطة القرية القمرية، مؤكداً أن «انضمام أصحاب الخبرات يشكِّل ركيزة أساسية لتطوير أنشطة الرابطة، وتعزيز حضورها في المشهد الثقافي والعلمي بالكويت».

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


المدى
منذ 7 ساعات
- المدى
الابن الشاطر تمرّد على «المدرسة الرحبانية» (محمد ناصر الدين – الأخبار)
«زياد الرحباني يلتقي مع كل إنسان جاء إلى هذه الأرض»: ربما تلخص هذه الجملة التي قالها الشاعر الجنوبي جوزف حرب كل التجربة العبقرية والفذة لزياد الرحباني (1956-2025) الذي تشبه في مشتركها الإنساني ما وصف به أبو الفرج الأصفهاني في كتاب «الأغاني» حال المغني ابن سريج الذي يقال إنه أول من أدخل آلة العود الخشبية إلى الحجاز، ليقول عنه إبراهيم الموصلي بعد قرن من الزمن: «كأنّه خُلق من كل قَلب فهو يغنّى له ما يشتهي». هكذا جعلتنا ظاهرة الولد العبقري نقف أمام أفولها بالموت كأننا أمام خسارة شخصية، لأن زياد لم يسكننا بالموسيقى والفن فحسب، بل في لغة كاملة اخترعها ورشقهَا وصقلها كما تصقل السكين اللامعة ثم ألقاها فوق ألسنتنا لنشرّح بها الوطن والحرب والطائفية والحب. لغة تتردد ذهاباً وإياباً بين الفن والحياة بوجهها الصلف والهش والعاري والملتبس، تردّد الشعر بين الصوت والمعنى وفقاً لمقولة بول فاليري الشهيرة. فكيف خرجت تلك الظاهرة في الموسيقى والمسرح والإذاعة، التي اسمها زياد الرحباني وتشاكلت وانجدلت في حياتنا حتى خلنا أنها لا تنتهي انتهاء الحياة ذاتها، ليصفعنا الموت بنهايتها بما يترك تلك الغصّة في القلب والمرارة فوق اللسان؟ لا بد من العودة إلى البدايات لدراسة هذه الظاهرة التي لا تشبه إلا نفسها: المسار البيويولوجي الجيني أولاً، فهو ابن البيت الرحباني والنهضة الغنائية التي حققتها الأسرة الرحبانية التي مثلها الثلاثي فيروز وعاصي ومنصور على مدى ما يزيد على نصف قرن. نهضة لا بد من رؤيتها في سياق اجتماعي-سياسي هو تاريخ لبنان الحديث، أو تاريخ الدولة اللبنانية وما واكب ذلك من ديناميات في المجالات الثقافية. في هذه اللحظة المثقلة بالحنين الشعري ولدَ ما تسمّيه الناقدة خالدة سعيد «يوتوبيا القرية اللبنانية» التي بنت العبقرية الموسيقية والشعرية والمسرحية لعاصي ومنصور الرحباني صورتَها المثالية، وتجلّت روحها في الصوت الملائكي لفيروز، البطلة التي تحمل قيم هذه القرية وتصون التجانس الجمعي للقرية المتخيلة بنقطة انطلاقها المرجعية المتمثلة في الثقافة الشعبية لجبل لبنان. ثم ما لبثت هذه الصورة المشهدية النمطية أن احتلّت معظم النتاج الرحباني حتى وفاة عاصي وذهاب فيروز ومنصور كلّ في اتجاه. الورشة الفنية الباذخة هذه للأخوين الرحباني شكّلت «البيئة الحاضنة» التي تلمّس فيها الولد الموهوب أولى خطواته، وسط إحاطة خاصة من عاصي بعبقرية الولد في إتقانه المبكر للعزف على آلتين على طرفي نقيض: البزق التي تنضح بروح الشرق، والبيانو الذي ينطق بروح الغرب، وهو ما سيطبع نتاجه في ما بعد بتلك الجدلية عبر التعاطي مع الموسيقى العالمية تأليفاً وعزفاً وأداء من خلال مناخ الموسيقى الشرقية، والبحث كما يقول الباحث الموسيقي طلال وهبة عن «مناحٍ جديدة في تأليف الأغنية العربية والعلاقة بين الموسيقى الشرقية والموسيقى الغربية، وعلاقة الأغنية العربية المعاصرة بالتراث الشرقي، وتأثير التيارات الاجتماعية في ذلك وكيفية الربط بين التراث والواقع المعاش، وكيفية التوصل إلى أجوبة ميدانية لذلك». المسيرة اللاحقة للولد العبقري ستجزم بأنه أجاب عن كل هذه الإشكاليات الثقافية العويصة، ولو لم تكن هذه الأسئلة الفنية المعقدة حاضرة بصيغتها المنهجية المنظمة في دماغ الولد الذي كتب ديواناً أسماه «صديقي الله» وهو في عمر الـ 13، وهي السنة ذاتها التي بدأ فيها دروسه النظرية في الموسيقى مع بوغوص جلاليان وظهرت عليه أولى أمارات النبوغ الموسيقي حين يظهر عازفاً بديلاً سنة 1971 في فرقة فيروز، وتلحينه أغنية «ضلّك حبيني يا لوزية» للفنانة هدى حداد. يمكن اعتبار مسرحية «سهرية» التي كتبها ولحنها سنة 1973 بمنزلة البصمة الشخصية المستقلة لصاحبها، فالمسرحية التي وإن بدت من ناحية المكان (القرية اللبنانية بتراثها وفولكلورها) متأثرة ببداية الأخوين الرحباني الإذاعية والمسرحية، إلا أنها من الناحية الموسيقية كشفت عن خلطة مبتكرة من الفولكلور المشرقي والموسيقى الرحبانية والتأثر بفيلمون وهبي. طابع سيطغى على لحن زياد الأول لفيروز «سألوني الناس عنك يا حبيبي» في مسرحية «المحطة» في السنة ذاتها، ثم تطعيم اللحن بالطابع الغربي كما بدا ذلك واضحاً في «قديش كان في ناس» و«نطرونا كتير» و«حبّو بعضن»، لتظهر شخصيته الموسيقية في عمل ناضج ومكتمل في لحن «وحدن» الذي جمعه بصوت فيروز وكلمات طلال حيدر. إلا أن أهمية «سهرية» تكمن في الجدلية المتفجرة في «يوتوبيا القرية اللبنانية» ذاتها التي التفت إليها الشاب العبقري الذي بدأ يتبحّر بقراءة فرويد ويونغ وأدلر طارحاً على نفسه السؤال الصعب: هل وجدَت تلك القرية الرحبانية الجميلة حقّاً؟ لذلك، راح يبحث عنها في نقيضها، في مدينة التمدين الفجّ والعشوائي مع استنفاد مفاعيل المرحلة الشهابية، على ما ذهب إليه الشاعر الجنوبي عصام العبدالله في التقاطة مدهشة: «ما في مدينة اسمها بيروت/ بيروت عنقود الضيع». المدينة المتشكلة رأسمالياً بطبقاتها المسحوقة والوسطى والعليا الممتلكة لرأس المال، وصراعاتها الطبقية والأهلية كانت تنذر بفتيل حرب قادمة بعد سنتين لا أكثر من «سهرية». لم ينقلب زياد على الإرث الرحباني الغنائي بعد «سهرية»، بل كان ما فعله بمشروع أهله على ما يذهب إليه الناقد كريستوفر ستون بمنزلة تحويل المسرح من الملحمة إلى الرواية: «ما يسم الملحمة بحسب باختين وغيره أمثال لوكاش هو ابتعادها وانكتامها عن أي حاضر، وفي حين تنظر الملحمة إلى الوراء، فإن الرواية متجذرة في الحاضر، بل تنظر دائماً إلى الأمام. وخلافاً لمسرحيات الأخوين رحباني التي تنتهي بالزواج أو النصر العسكري، فإن مسرحيات زياد أكثر إشكالية، من الثورة الناقصة في نهاية «نزل السرور»، إلى القدر غير المعروف لثريا وزكريا في «بالنسبة لبكرا شو»، فإلى العلاج المشبوه للمرض في خاتمة «فيلم أميركي طويل»، وانتهاء بالمسرحية التي لن تعرض في «شي فاشل». لا عجب، والحالة هذه، أن تُعتبر مسرحيات زياد متنبئة بأحداث المستقبل، في حين وصف مسرح الأخوين رحباني بأنه تعبير عن الحنين إلى ماضي يوتوبي ما». وهكذا شكلت محاولة زياد انتفاضة مدينية في قلب البيت الرحباني. كانت مسرحيتا «نزل السرور» و«بالنسبة لبكرا شو» بمنزلة قراءة فنية وثقافية في تفاصيل الحياة اليومية للمدينة بصراعاتها الطائفية والأهلية، والأهم بلغتها الشعبية. حتى إنّ الناس تفاعلوا مع هذه الشخصيات واستعاروا قاموسها و«قفشاتها» وسخريتها السوداء التي تسخر من كل شيء، حتى من أصحابها أنفسهم: كان زياد قد تحرر من فانتازيا الأحادية اللغوية (وتحديداً لهجة جبل لبنان) وقرينتها الأحادية الثقافية التي يربطها باختين بالطغيان السياسي، ومن محاولتهم فرض هذه الأحادية على أشكال الفن الأخرى مثل الدبكة المتعددة في منطقة بلاد الشام. المتتبع لسيرة الرجل الذي برع في اختراع الجدليات انطلاقاً من المنهج الماركسي الذي ظل وفيّاً له حتى آخر يوم في حياته، لا يمكن أن يغفل عن الجدلية الكبرى: جدلية فيروز-زياد، التي لا ينتبه من يشير إليها إلا إلى طرف من أطرافها. أنزل الولد الأم-الأيقونة من برجها العاجي في اللغة والموسيقى واستدرجها إلى الإيقاع اليومي الذي يعمل على اكتشاف جمالياته الخاصة، إلى عالم هدم اليوتوبيا وإقامة الراهن في الانكسارات والاغتراب واقتحام تناقضات وعري الحياة اليومية، إلى حيث يحب أن يسمعها الصيادون في المراكب، والتلامذة في المدارس، والناس البسطاء في الأسواق والطرقات والمقاهي، في كلام يشبه اللغة الشائعة مثل «ولو شو بشعة مرتو»، و«كان غير شكل الزيتون، كان غير الشكل الصابون»، وبألحانها المرحة التي يواصل فيها الولد المشاغب لعبة استكشاف المساحات المشتركة بين الجاز والموسيقى العربية. في الختام، لا بد من نقطة أخيرة حول مفردة «العبثية» التي يطيب لكثيرين وصم تجربة زياد الرحباني بها، ولا سيما من قبل المعسكر المعادي للالتزام الفكري والعقائدي لزياد في مواجهة الإمبريالية والرأسمالية المتوحشة والصهيونية البربرية، ودعمه لكل حركات المقاومة وإعجابه بلا مواربة بشخصية السيد الشهيد حسن نصر الله في مشروعه لمجابهة الاحتلال. كان زياد على ما قاله في حوار مع نزار مروة يقارب الحرب بوعي سياسي مكتمل، «في الوقت الذي كانت الحرب هي العبثية». قارب يوميات الحرب الأهلية اللبنانية وكل القضايا التي تعصف بمنطقتنا الملتهبة بوحي من هذا الالتزام السياسي والأخلاقي ولو بصيغة ساخرة، إذ يذكر رسام الكاريكاتور المصري بهجت عثمان في حديث مع الموسيقار والناقد الياس سحاب إنه درس في ألمانيا أصول الفنون التحريضية، ولكنه لم يفهم من تلك المحاضرات شيئاً عن روح الفن السياسي التحريضي كما فهمه بعد الاستماع إلى تسجيلات «بعدنا طيبين قولو الله» الذي بثه زياد مع زميله جان شمعون في الإذاعة اللبنانية، وبرنامج «العقل زينة» على أثير «صوت الشعب». انطفأت الشعلة المتوهّجة في هذا اليوم الحزين من تموز، وأغلق غطاء البيانو في حانة «بلو نوت»، وانتظرنا «العشاق تنين تنين» على موقف دارينا. كان الولد يشاغب على كل شيء، على نوتة أبيه، وبشاعة الحرب، وأفول الموهبة وشراء المثقفين من أنظمة البترودولار، شاغبَ حتى أضحك «صديقه الله»، الذي أخذه إليه بعدما غنى لكل قلب ما يشتهي. يودع لبنان اليوم زياد الرحباني. صباحا، وعند الثامنة يتجمع الأصدقاء والرفاق أمام «مستشفى خوري» في الحمرا. ليصار بعدها الى الانتقال بالنعش نحو انطلياس، قبل الرحلة الاخيرة عند الساعة الرابعة بعد ظهر اليوم نحو كنيسة «رقاد السيدة – المعلقة» (بكفيا)، ويوارى الجثمان في مدافن العائلة. تقبل التعازي قبل الدفن وبعده في صالون الكنيسة ابتداءً من الساعة الحادية عشرة قبل الظهر حتى الساعة السادسة مساءً ــ كما تقبل التعازي غداً في صالون الكنيسة من الساعة الحادية عشرة قبل الظهر حتى الساعة السادسة مساءً.


الرأي
منذ 16 ساعات
- الرأي
لماذا فضل شاكر أحلى رسمة؟
في عالم يبيع الوهم بأسعار الذهب، حيث تختفي الأصوات الحقيقية خلف جدران الاستديوهات الفاخرة وفرق التسويق الجرارة، يخرج صوت من قلب المخيم... من غرفة صغيرة، بجدران تسمع أنين التاريخ، وبأدوات بسيطة: تليفون، مايك، وقلب كبير... هذا الصوت اسمه فضل شاكر. ليس نجماً ساطعاً في سماء صناعة الترفيه... ليس «سوبر ستار» يلمع ثم ينطفئ. ليس مطرباً يبيع صوته في سوق النفاق، حيث تُباع الأناشيد الدينية في ساحات السياسة، وتُهدى الأغاني الماجنة في بارات الليل. فضل شاكر شيء آخر: «فنان» لبناني ابن المخيم الفلسطيني الذي لا ينكر أباه... ابن البلد المضطرب الذي لا يتنكر لألمه. الغرفة الصغيرة كانت كافية في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في لبنان، حيث الاضطراب حائط وحياة، كان الاضطراب الخارجي يطلب اليأس. لكن فضل شاكر اختار الرسم... ليس بالفرشاة والألوان الباهظة، بل بالكلمة والصورة والصوت. أغنية «أحلى رسمة». ولدت في غرفة... كاميرا الهاتف هي عين العالم... المايك البسيط هو جسر الصوت... لا إضاءة فاخرة، لا مؤثرات تخطف الأنفاس. فقط شاب، ونظارة شمسية تخفي ما يخفيه المطربين بالمكياج، وحكاية تريد أن تُروى. أليس هذا هو جوهر الفن الحقيقي؟! أن تصنع الجمال من رحم القلة؟ أن ترسم الكون وأنت في زنزانة؟ لقد أثبت فضل شاكر أن «القليل» في يد من يؤمن، يصبح «كثيراً» يهز النفوس. لقد رسمت الشعوب أحلامها دوماً على جدران السجون وأوراق الخبز، وها هو فضل يرسم أغنيتنا على شاشة هاتف. يقولون «خاض رحلة إلى الله». صحيح. لكن رحلته لم تكن في السماء المعزولة. كانت على الأرض الوعرة. في الطريق، صادف فضل شاكر البشر... صادف الأجندات الخفية. صادف وجوه المخيم المتعبة، صادف آلام أمته وبلده، صادف ظلم المحيط. فلم يغلق عينيه. تعلم. سمع. تألم. غنى. غنى للحب، للوطن، للقضية، للكرامة، لله. غناه صادقاً، بلا زيف. «ولا يؤذي أحداً». هذه بوصلة أخلاقه. الفن الذي لا يجرح كرامة إنسان، الفن الذي يبني ولا يهدم، الفن الذي يقول الحقيقة بلطف أو بقوة، من دون أن يخون إنسانية الآخر، حتى لو اختلف معه. هذه هي رسالة الفنان، لا تاج النجم الزائف! وحتى لو أخطأ في الطريق فهو «الجدع» - باللهجة التي تحمل دفء الأرض وملح البحر - ابن المخيم. لا يتبرأ من هويته، لا يخجل من حكايته، لا يبيع مأساته لعقد التلفزيونات. يتحدث عن أصله بفخر حزين. عندما يعلو صوته، تعرف أن صوت المخيمات يرتفع معه. عندما يتفاعل مع قضايا مجتمعه، تعرف أن قلبه ينبض مع نبضهم. هذا ليس «مطرباً». المطربون يؤدون... الفنانون يعيشون ما يؤدون... نجاح «أحلى رسمة» لم يصنعه فريق تسويق عالمي. صنعه الصدق. صنعه الألم المطرز ألحاناً. صنعه الإيمان البسيط..لذلك يقول فضل شاكر كلمته التي تزلزل أبراج الصناعة الفارغة: «بتوفيق الله... وليس بفريق التسويق عندي». إنها صفعة للفن السلعة، ونشيد للفن الهبة. لماذا نحبه إذاً؟ لماذا نتعاطف معه؟ لأنه يشبهنا. ليس بطلاً خارقاً... ليس ملاكاً منزهاً. هو إنسان. فيه ضعفنا وقوتنا. حلمنا وإحباطنا. إيمانه وشكواه. يكافح. يخطئ. يتعلم. يسقط ويقوم. يغني وهو يبكي. يضحك وفي عينيه غيمة. يبحث عن الله في زحام الدنيا. لا يدعي الكمال، بل يظهر الإنسانية بكامل تجاعيدها وجمالها. هذا هو الفنان الذي نريده... الذي نحتاجه. ليس الصنم اللامع، ولا نجم الشباك المصنوع من التسويق بل المرآة التي تعكس وجوهنا الحقيقية، في المخيم، في القرية، في المدينة، في قلب العاصفة. فضل شاكر لم يبنِ أبراجاً من ذهب بأغانيه... بنى جسوراً. جسوراً من الأصوات بين المخيمات وبين القلوب. جسور بين القلة والكثرة، بين اليأس والأمل، بين الأرض والسماء. أغنيته «أحلى رسمة» هي خريطة طريق. تذكرنا: عندما نؤمن، حتى التليفون في غرفة صغيرة بمخيم محاصر، يمكنه أن يرسم للعالم كله... «أحلى رسمة». رسمة كرامتنا التي لا تباع، وأملنا الذي لا يموت، وصوتنا الذي لا يُسكت. هذه هي قوة الفن الحقيقي. وهذا هو فضل شاكر: فناننا الذي يشبهنا... وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله...أبتر... وكل ما لا يراد به وجه الله، يضمحل.


الجريدة
منذ 18 ساعات
- الجريدة
«نشاط الجمل»... تدمج الإبداع بالتراث
في أجواء نابضة بالإبداع والحيوية الطفولية، احتضن المركز الأمريكاني الثقافي ورشة فنية متميزة ضمن فعاليات مهرجان «صيفي ثقافي 17»، بعنوان «نشاط الجمل»، تدمج بين الإبداع والتراث. استهدفت الورشة الأطفال بأسلوب تفاعلي مبتكر مزج بين الفن والمعرفة، وفتحت أمام المشاركين الصغار آفاقاً جديدة للتعبير الفني. قدَّمت الورشة مديرة إدارة البرامج التربوية في دار الآثار، د. سوزان داي، التي حرصت على توظيف تقنيات فنية غير تقليدية لتعريف الأطفال بأساليب رسم الجمال، مستخدمة خامات متعددة، مثل الأقمشة، والألوان المائية، وغيرها، مما أتاح لكل طفلٍ فرصة إنتاج عمل فني يحمل طابعه الشخصي. جاءت هذه المبادرة لتعزز التفكير الإبداعي لدى النشء، ولتغرس فيهم حُب الفن والثقافة بأسلوب ممتع وتفاعلي. وسادت أجواء من الحيوية والتشجيع أرجاء الورشة، حيث بدا التفاعل واضحاً بين الأطفال ود. سوزان، مما أضفى على التجربة بُعداً تربوياً، وأسهم هذا التفاعل في تنمية ثقة الأطفال بأنفسهم، وتعزيز روح العمل الجماعي لديهم، إلى جانب ترسيخ قِيم احترام التنوُّع في أساليب التعبير الفني. وبهذه المناسبة، قالت منيرة الرومي، من إدارة البرامج الإعلامية والتقنية والعلاقات العامة في دار الآثار الإسلامية، إن الورشة جاءت لتعزيز حضور الفن في حياة الطفل، وتوجيهه إلى أدوات تعبيرية تُسهم في تشكيل شخصيته. وأضافت: «اخترنا الجمل كرمز ثقافي له دلالاته في البيئة العربية، وليرتبط الطفل بتراثه عبر أداة بصرية ممتعة. كما سعينا لتكون الورشة فرصة للانغماس في عالم الخامات الفنية المختلفة، تُشعر الطفل بقيمة ما يصنعه بيديه». ولفتت الرومي إلى أنه يتوقع أن يسلم الأطفال أعمالهم النهائية في 16 أغسطس المقبل، ليتم لاحقاً عرضها في ركن مخصص داخل المركز، يمنحهم شعوراً بالإنجاز والاعتراف بموهبتهم أمام الزوار وأسرهم.