صراع السلطات النقدية.. هل أصبح مصرف سورية المركزي تحت مظلة وزارة المالية؟
في
الاقتصاد السوري
، لم يعد التداخل بين وزارة المالية والمصرف المركزي مجرد تفصيل تقني، بل بات عنواناً لخلل يهدّد جوهر الاستقلالية النقدية. فرغم أنّ القانون ينصّ على استقلالية مصرف سورية المركزي، إلا أنّ الواقع يكشف عن علاقة ملتبسة يغلب عليها التدخل المباشر في السياسات النقدية. فوزارة المالية، التي يُفترض أن تكون جهة تنسيقية في الإطار المالي العام، تحوّلت، بحسب خبراء، إلى اللاعب الأكثر تأثيراً في قرارات المصرف، من تعيين المديرين إلى التحكّم بخطط التمويل والسيولة. هذا التداخل، كما يصفه اقتصاديون، لا يهدد فقط كفاءة السياسة النقدية، بل يُفرغ فكرة "استقلالية المصرف" من مضمونها، ويُضعف ثقة المستثمرين ببيئة المال في البلاد.
تدخلات تُقوّض الاستقرار
يرى الباحث الاقتصادي يونس كريم، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ العلاقة بين وزارة المالية ومصرف سورية المركزي ليست حالة استثنائية، "بل تمثل نموذجاً لتشابك عام يسود العلاقة بين مختلف الوزارات، نتيجة غياب وضوح السلطات، وانعدام المؤسساتية والقوننة". فمثلاً، تمارس وزارة الاقتصاد نوع التدخل نفسه الذي تمارسه وزارة المالية، بل قد تكون تدخلاتها أكثر عمقاً بفعل طبيعة عملها. هذا التداخل، بحسب وصفه، "ينعكس سلباً على مجمل السياسات النقدية وعلى قدرة البنك المركزي على تنفيذ توجهات واضحة".
لكن ما يستدعي الوقوف عنده، وفقاً لكريم، هو "التساؤل عما إذا كانت هذه التدخلات تخدم فعلاً مصلحة الاقتصاد، أو تسهم في جذب الاستثمارات كما يُروّج". ويشير إلى أنّ "معظم الرسائل المتداولة حالياً تحمل طابعاً سلبياً نتيجة استمرار هذا النهج". من جهة أخرى، يعتبر أنّ "ضعف احترافية البنك المركزي في ضبط السياسة النقدية يقابله تقصير مماثل من وزارة المالية في وضع خطة شاملة أو تصور استراتيجي، ما يُنتج حالة من التداخل والفوضى بين السياسات النقدية والمالية معاً". وهذا ما يكشف زيف شعارات الاستقلالية الاقتصادية والرأسمالية المتداولة، بحسب قوله، معتبراً أنها "مجرد ألفاظ لتغطية العجز المؤسسي، وهي أيضاً مخالفة للقانون". ويرى كريم أنّ "ضعف استقلالية مؤسسات الدولة، وتغوّل الوزارات، وعدم وجود حوكمة واضحة، كل ذلك يُخيف المستثمرين، وينعكس سلباً على بيئة الاستثمار".
أما نائب عميد كلية الاقتصاد في جامعة حماة، عبد الرحمن محمد، فيقول في تصريحه لـ"العربي الجديد" إنّ استقلالية مصرف سورية المركزي "تُعد عنصراً حاسماً في استقرار الاقتصاد الوطني، لكنها تواجه تهديدات فعلية نتيجة تدخلات وزارة المالية التي تؤثر في السياسة النقدية بما يخدم أهدافها قصيرة الأجل، ما يُقوّض قدرة المصرف على تحقيق استقرار الأسعار وضبط سعر الصرف". هذا التداخل "غير الشفاف"، وفق وصفه، يُفقد المصرف استقلاليته النقدية الفعلية، ويضعف الثقة بالمنظومة المالية، ويعقّد عملية اتخاذ القرار. ويشدد محمد على ضرورة وجود آليات واضحة تضمن استقلالية المصرف، وتتيح تقويم أدائه من خلال مؤشرات اقتصادية موضوعية كالأسعار، والتضخم، والبطالة، والنمو، دون المساس بمهامه.
طاقة
التحديثات الحية
منحة 146 مليون دولار لتمويل الكهرباء في سورية
وكان وزير المالية السوري محمد يسر برنية، قد أبدى عبر منشور له على منصة "لينكد إن" عدم رضاه عن أداء المصارف العامة، معلناً قرب إطلاق خطة "شاملة وعميقة" بالتعاون مع مصرف سورية المركزي. وحول ذلك، يشير كريم إلى أنّ هذا التدخل لا يمثل خروجاً عن المألوف، بل استمراراً لمحاولات وزارة المالية للهيمنة على البنك المركزي، موضحاً أنّ التشابك بين وزارة المالية ووزارة الاقتصاد ومصرف سوررية المركزي نابع من القانون نفسه. ويضيف أنّ هذه الوزارات باتت تتعامل مع البنك المركزي على أنه مجرد منفّذ للسياسات، لا جهة مستقلة ذات قرار.
ويعتبر كريم أنّ "الدور الأخطر يتمثل بخضوع البنك المركزي لرغبات وزارة المالية في ما يتعلق بتمويل عجز الحكومة"، مشيراً إلى أنّ الوزارة تُقرّر متى يُطبَع النقد أو يُجمّد، وتتحكم بخطط السيولة وسلوك السوق. ويؤكد أنّ "هذا النمط من العلاقة ظل قائماً في كل العهود، ما يجعل المركزي عاجزاً عن فرض أي هوية مؤسساتية مستقلة، ويُحوّله في نظر الناس إلى ذراع من أذرع وزارة المالية".
شكوك بإمكانات مصرف سورية المركزي
من جهة أخرى، ينبّه كريم إلى أنّ "صمت مصرف سورية المركزي أمام هذا التغوّل، وعدم صدور أي تصريح أو موقف رسمي، عزّز القناعة العامة بأنّ الحاكم لا يملك صلاحياته الفعلية، بل يعمل تحت غطاء السلطة التنفيذية ووفق حدود الضوء الأخضر السياسي". ويتابع بأنّ "قوة المركزي لا تُستمد من القوانين، بل من الدعم الشخصي الممنوح من رأس الدولة للحاكم، ما يُضعف دور المؤسسة ويفرغها من مضمونها السيادي".
ويتفق معه محمد بالقول إنّ "إصرار وزير المالية على التحدث باسم المصرف وتغييبه عن المشهد، قد يكون محاولة لتعزيز السيطرة على السياسة النقدية وتوجيه الرسائل السياسية والاقتصادية للرأي العام، وقد يعكس أيضاً عدم ثقة الوزارة بقدرة المصرف على إدارة الملفات النقدية باستقلالية".
تعطيل الدور الأكاديمي
وتكمن الإشكالية الأكبر، بحسب كريم، في "غياب أي صوت مستقل أو مراجعة نقدية داخل البيئة الوزارية أو خارجها، حيث اختفت المداخلات التي كانت تصدر عن وزارة الاقتصاد مثلاً، كذلك إنّ غياب صوت الجامعات والأبحاث والأصوات الفكرية أفقد القطاع المالي التوازن، وحرم القرارات النقدية أي رقابة معرفية أو تحذير مهني مبكر". وفي هذا السياق، يشير إلى أنّ "فقدان هذا الضوء المعرفي التراكمي أدى إلى جمود نقدي واضح، فلا سياسات جديدة تُناقش، ولا محاور تُفتح، بل اختلط الفعل بالتخطيط، وغابت أي مسافة بين التنفيذ والقرار، ما أسهم في تكريس التدهور".
اقتصاد عربي
التحديثات الحية
سورية تنفذ أول تحويل مصرفي دولي عبر نظام سويفت منذ 14 عاماً
ولم ينفِ كريم وجود خلل واضح في السياسات النقدية لدى مصرف سورية المركزي، "فهو لا يستخدم أدوات رئيسية مثل الفائدة أو الاحتياطي الإلزامي لضبط الإقراض، ما أضعف قدرته على مواجهة التضخم"، موضحاً أنّ "السيولة باتت محصورة إلى درجة أنها حوّلت التضخم الجامح إلى تضخم كامل متجمّد، حيث الأسعار مرتفعة، لكن السوق فاقد للسلع الأولية، وهي حالة ركود تضخمي خطيرة"، مشيراً إلى "تآكل الثقة بالبنوك، كذلك باتت المؤسسات الدولية والمنظمات الإنسانية تتجنّب التعامل معها، مفضّلة تحويل أموالها عبر قنوات خارجية وغير رسمية". ويعتبر أنّ هذه "الديناميكية لا تُهدد فقط مصداقية الجهاز المصرفي، بل أيضاً قدرة البلاد على التعافي وإعادة الإعمار".
استشارات مشروطة
ولم يغفل كريم التطرق إلى تآكل
الليرة السورية
وظهور سعرين للصرف، الرسمي وغير الرسمي، قائلاً إنّ هذا الازدواج أفرز بيئة استثمارية مشوّشة، مشيراً إلى أنّ المستثمرين باتوا يرفضون الاقتراض من البنوك المحلية أو إيداع أموالهم فيها خوفاً من الحجز أو فقدانها، ما يُجهض أي مشروع اقتصادي مستقل. ويعتبر أنّ "كل هذه المؤشرات مجتمعة وضعت سورية خارج نطاق التمويل المؤسسي الحقيقي، إذ لا يمكن الحديث عن بيئة اقتصادية منتجة أو متوازنة دون وجود مصرف مركزي مستقل، شفاف، ويتمتع بثقة داخلية وخارجية. ومن دون هذه الشروط، إن أي حديث عن بناء اقتصاد جديد سيبقى معلّقاً في الهواء".
بدوره يشدد نائب عميد كلية الاقتصاد في جامعة حماة، على أنّ تقويم أداء المصرف "يجب أن يتم من خلال أدوات موضوعية، أبرزها تحليل المؤشرات الاقتصادية كنسب التضخم والنمو والبطالة، إضافة إلى السماح بتقديم مشورات علمية من وزارة المالية، شرط ألا تنتهك استقلالية المصرف". ويرى أنّ الآليات الشفافة لتقييم السياسة النقدية ستُعزز المساءلة وتمنع التداخلات غير المرغوبة.
ويعتبر محمد أنّ "انعكاسات هذا التدخل ليست محصورة بالإطار المؤسساتي فقط، بل تطاول المواطن العادي أيضاً، إذ تبدأ بارتفاع الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية، وتمتد إلى تهديد الاستقرار الاقتصادي ككل. ففقدان الثقة في النظام المالي يدفع بالمواطن إلى التردد في الادخار أو الاستثمار، ما ينعكس سلباً على حركة السوق والنمو العام، ويُقيّد أي فرصة لتحريك العجلة الاقتصادية في ظل واقع هش ومتقلب"، وفق قوله.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 6 ساعات
- العربي الجديد
هل نجا ترامب اقتصادياً بعد وقف حرب إيران؟
في أعقاب تورّط الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الحرب ضد إيران ، وقصف مفاعلاتها الثلاثة (فوردو ونطنز وأصفهان)، تصاعدت المخاوف في الولايات المتحدة بشأن التداعيات الاقتصادية، وهل تعصف أزمة اقتصادية جديدة بأميركا بعد هذا التدخل، خاصة أنه أغرق بلاده في سلسلة أزمات بسبب الرسوم الجمركية؟ يرى محلّلون اقتصاديون أميركيون أن ترامب ربما يكون قد سعى للنجاة من أزمة اقتصادية عنيفة تطاول اقتصاد بلاده بسعيه لإبرام اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإسرائيل بوساطة قطرية. وكالة "بلومبيرغ" وصفت في تقرير لها يوم الأحد الماضي، الضربات الأميركية على إيران فجر ذلك اليوم، بأنها "تأتي في لحظة هشّة للاقتصاد العالمي" والأميركي، وأكدت أنها هزّت الاقتصاد العالمي، وتثير مخاوف من تصعيد الصراع وارتفاع أسعار النفط. نقلت الوكالة عن خبراء تحذيرهم من أن رد إيران قد يشمل هجمات على أصول أميركية، أو البنية التحتية للطاقة، أو إغلاق مضيق هرمز، ما قد يرفع سعر النفط الخام إلى ما يزيد عن 130 دولاراً للبرميل. ومن شأن أي زيادات كبيرة في أسعار النفط أو الغاز الطبيعي، أو أي اضطرابات في التجارة ناجمة عن تصعيد إضافي للصراع، أن يُشكل عائقاً إضافياً أمام الاقتصاد العالمي. ارتفاع أسعار النفط الخام لن يؤدي إلّا إلى إضافة المزيد من التحديات التي يواجهها الاقتصاد الأميركي بالفعل، لذا قام مجلس الاحتياطي الفيدرالي بتحديث التوقعات الاقتصادية، الأسبوع الماضي، وخفض توقعاته للنمو الأميركي هذا العام من 1.7% إلى 1.4%. وحذر محلّلون من أن اتّساع الصراع يفاقم خطر ارتفاع أسعار النفط وارتفاع التضخم. تتقاطع المخاطر الجيوسياسية المتزايدة مع احتمال تصعيد الرسوم الجمركية في الأسابيع المقبلة، مع اقتراب انتهاء فترة تعليق الرئيس الأميركي ما يُسمى بالرسوم "التبادلية" الباهظة. اقتصاد دولي التحديثات الحية ثمن باهظ للحرب... ضربات إيران تستنزف اقتصاد إسرائيل وقبيل إقرار التهدئة التي أعلنها ترامب، زادت التكهنات حيال خيارات إيران للرد، لتبرز ثلاثة خيارات: الهجمات على الأفراد والأصول الأميركية في المنطقة، واستهداف البنية التحتية للطاقة الإقليمية، وإغلاق مضيق هرمز باستخدام الألغام البحرية أو مضايقة السفن المارة. وفي السيناريو المتطرّف الذي يُغلق فيه مضيق هرمز، قد يدفع هذا مؤشر أسعار المستهلك الأميركي إلى ما يقرب من 4% في الصيف، ما يدفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) والبنوك المركزية الأخرى إلى تأجيل توقيت تخفيضات أسعار الفائدة المستقبلية. وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" قد توقعت يوم الجمعة الماضي لو قرر ترامب ضرب إيران أو اغتيال زعيمها، وقصف منشأة لتخصيب اليورانيوم تحت الأرض في إيران، أن "يؤدي ذلك إلى انطلاق مرحلة أكثر خطورة ولا يمكن التنبؤ بنتائجها في الحرب وسيكون لها تداعيات اقتصادية"، وأكدت أنه قد تصبح الحرب أكبر وأكثر فوضوية وقد تتجه إيران نحو النشاط النووي وكلها تطورات سيكون لها تداعيات سياسية واقتصادية. وقد يُسفر ذلك عن إغلاق أو مضايقة حركة الملاحة في مضيق هرمز، وهو قناة حيوية لشحن النفط، ما سيؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط العالمية، خاصّة أن مسؤولاً إيرانياً حذر من غلق المضيق لو ضربت أميركا إيران. ورسم تقرير لموقع "the cradle" (المهد) تصوراً مستقبلياً عمّا سيحدث بعد الضربة الأميركية لإيران، مؤكداً أن "الحرب ضدّ إيران لصالح إسرائيل يمكن أن تؤدي إلى انهيار الاقتصاد الأميركي"، التقرير الذي جرى نشره في 21 مارس/آذار الماضي، أكّد أنه في حين يضع ترامب نصب عينيه الحرب مع إيران لتعزيز إرثه واسترضاء أنصاره المؤيدين لإسرائيل، فإن الرد الانتقامي المحتمل من جانب طهران قد يؤدي إلى انهيار الأسواق العالمية، وارتفاع أسعار النفط، وجلب الألم الاقتصادي مباشرة إلى الشعب الأميركي. وأشار إلى أن هذه الحرب دفع من أجلها المانحون الإسرائيليون شيلدون وميريام أديلسون، إلى جانب منظمات مؤيدة لإسرائيل مثل لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (AIPAC) ورابطة مكافحة التشهير (ADL)، مئات الملايين من الدولارات للرئيس ترامب على مدار دورتَين انتخابيتَين. لكنّ الحرب مع إيران قد تأتي بنتائج عكسية كارثية، وتُغرق رئاسته، والاقتصاد الأميركي، وستُحدث صدمةً للاقتصاد العالمي، وسترفع أسعار النفط ارتفاعاً حاداً، وستُوقف حركة الملاحة البحرية عبر مضيق هرمز. وتوقع التقرير تأثر أسواق الأسهم الأميركية، التي انخفضت بالفعل بنسبة 10% منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض، إذ ستواصل انخفاضها، ويتعرض حوالى 200 مليون أميركي لتقلبات السوق. وإذا انخفضت قيم الأسهم، فقد تؤدي عمليات البيع القسري لتغطية الديون إلى تفاقم انهيار السوق، إذ لعبت مطالبات سداد القروض دوراً أكبر في الاضطرابات الاقتصادية التي تلت ذلك من انخفاض السوق بنسبة 13% في 28 أكتوبر 1929. اقتصاد دولي التحديثات الحية إيران تهدّد بإغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي.. ما التداعيات المحتملة؟ وقد حذر مارك زاندي، كبير الاقتصاديين في وكالة موديز، من أن الاقتصاد الأميركي هشّ وخطر الركود "مرتفع على نحوٍ غير مريح ومتزايد"، وسبق أن عبّر ترامب، عن خوفه من التداعيات الاقتصادية، فالاقتصاد الأميركي مُثقلٌ أصلاً بالديون، والمستهلكون كذلك، وقد تدفعه صدمة خارجية كبيرة إلى ركودٍ عميق، بحيث تنهار أسواق الأسهم، مُبدّدةً بذلك مدخرات التقاعد والثروات الخاصة، ما من شأنه أن يفاقم الوضع وأن يتعرض الاقتصاد لهزات عنيفة، ويُثير تسريحاتٍ وإفلاسات، ويُضيّق الخناق على الائتمان، ما سيؤدي إلى كبح إنفاق المستهلكين وانهيار سوق الإسكان، كما حدث في عام 2008. أيضاً زادت التكهنات خلال التصعيد بأن تستهدف طهران المصالح الاقتصادية الأميركية وقطاعات النفط في أيّ دولة عربية خليجية تدعم الهجمات بالسماح للطائرات المقاتلة أو الطائرات المسيّرة أو الصواريخ بالانطلاق من أراضيها. وفي حين أن ارتفاع أسعار النفط والاضطرابات الاقتصادية العالمية سيضرّان بحلفاء إيران ودول الجنوب، فإنّ خصوم إيران في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإسرائيل والاتحاد الأوروبي سيخسرون أكثر من غيرهم، إذا شنّت إيران حرباً اقتصادية ذكية. ووفق تقرير لموقع "بوليتيكو" الأميركي في 20 يونيو/حزيران الجاري فإنّ بورصة وول ستريت تُبدي قلقها إزاء العواقب المحتملة على أسعار النفط والتضخم، بسبب تدخل ترامب في الصراع بين إسرائيل وإيران. ونقلت عن "روري جونستون"، محلّل سوق النفط في خدمة الأبحاث Commodity Context، أنّ ارتفاع أسعار النفط بسبب هذه الحرب كان كبيراً. ومنذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض، فقد الدولار أكثر من 10% من قيمته أمام عملات رئيسية مثل اليورو والجنيه الإسترليني والفرنك السويسري، وواصل الانخفاض أمام جميع العملات الكبرى، وتُعد هذه الخسارة الأكبر من نوعها منذ عام 2010، حين كانت الولايات المتحدة تطبع النقود بكثافة للخروج من الأزمة المالية العالمية. لكن الانهيار هذه المرة ليس بسبب تحفيز نقدي، بل نتيجة مباشرة لمجموعة من الإجراءات المثيرة للجدل، مثل الحرب وزيادات الرسوم الجمركية، والتخفيضات الضريبية غير الممولة، والضغوط السياسية على مجلس الاحتياطي الفدرالي لخفض أسعار الفائدة، إضافة إلى استخدام تكتيكات قانونية عدوانية ضد خصوم الإدارة، ويعارض 60% من الأميركيين الانخراط في الحرب، مقابل 16% فقط يؤيدونه، وفقاً لاستطلاعٍ أجرته مجلة الإيكونوميست البريطانية ومؤسّسة يوجوف للأبحاث ومقرّها المملكة المتحدة، خشية تضرّر بلادهم اقتصادياً.

العربي الجديد
منذ 6 ساعات
- العربي الجديد
خسائر مليارية.. مزارعو البرازيل يدفعون ثمن الحرب بين إيران وإسرائيل
رغم بعد المسافة الجغرافية، لا تزال تداعيات الحرب الأخيرة بين إيران وإسرائيل وما تبعها من توترات إقليمية تترك بصمتها في قلب البرازيل، حيث عبر مزارعو الحبوب وتجار الأسمدة في البرازيل عن قلق متزايد من التأثيرات غير المباشرة على صادرات الذرة والصويا، وعلى سوق مستلزمات الإنتاج الزراعي، وسط ارتفاع أسعار الشحن والمواد الكيميائية الحيوية، وتراجع الطلب من كبار المستوردين في الشرق الأوسط، وعلى رأسهم إيران. ويأتي ذلك في وقت حرج يشهد فيه الاقتصاد الزراعي البرازيلي ذروة موسم تصدير الذرة، ويبدأ الاستعداد لزراعة فول الصويا لموسم 2025–2026. ويقدر فردريكو هامبرغ مؤسس شركة "أغري برازيل" لتجارة الحبوب ، والتي تركز على الذرة، أنّ التوترات في الشرق الأوسط قد تلحق خسائر بقيمة خمسة مليارات ريال برازيلي (909.84 ملايين دولار) بمنتجي الحبوب البرازيليين نتيجة ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج مثل اليوريا، وهي سماد أساسي للذرة، وزيادة تكاليف الشحن البحري بنسبة 20%. وقال "لا يزال لدينا 80 مليون طن يتعين شحنها" في إشارة إلى الذرة والصويا. اقتصاد عربي التحديثات الحية إلغاء الرسوم الجمركية على زيت الزيتون اللبناني في البرازيل توفر إيران ما يرواح بين 17 و20% من الطلب البرازيلي على سماد اليوريا بينما اشترت طهران نحو 12% من صادرات الذرة البرازيلية في 2024. وذكرت شركة "أجروكونسلت" الاستشارية هذا الأسبوع أن المزارعين البرازيليين، الذين يحصدون حالياً محصولاً ثانياً ضخماً من الذرة، قد يصدرون 44 مليون طن منها هذا الموسم. لكن الإمدادات الوفيرة المتوقعة من الولايات المتحدة والأرجنتين وأوكرانيا هذا العام تشكل منافسة شرسة للمزارعين البرازيليين. ويرى ماوريسيو بوفون، وهو مزارع من ولاية توكانتينز، أن التوقعات محفوفة بالتحديات. وقال لوكالة رويترز في إشارة إلى إيران "لدي كمية كبيرة من الذرة للبيع. للأسف... أغلق سوق بحجم 4.5 ملايين طن وهو أمر مهم"، مضيفاً أن المشترين المحليين هم من يبتاعون الذرة في الوقت الحالي. وكان من المفترض أن يطلب بوفون في هذه الفترة جزءاً على الأقل من العناصر الغذائية اللازمة لمحصوله الثاني من الذرة لعام 2026. لكنه يقول إن ارتفاع الأسعار والتقلبات جعلته يبقى بعيداً عن السوق. ومما زاد الأمور تعقيداً انسحاب المشترين الصينيين من أسواق الذرة بالإضافة إلى إيران بحسب ما ذكرته شركة أغروكونسلت هذا الأسبوع. اقتصاد دولي التحديثات الحية البرازيل تستضيف قمة بريكس في يوليو المقبل وتحدث إندريغو دالسن، وهو مزارع من ماتو غروسو، عن ركود في مبيعات مستلزمات الإنتاج في المناطق الداخلية بالبرازيل وسط توترات الشرق الأوسط. ولم يشتر بعد بذوراً ومواد كيميائية وأسمدة قبل زراعة محصوله الجديد من فول الصويا في سبتمبر/ أيلول. وقال "الصوامع ممتلئة والجيوب فارغة". كما أشار دالسن إلى أن سعر الصرف غير المناسب أضر بآفاق صادرات الذرة البرازيلية. وقال ماركوس دا روزا، وهو مزارع آخر من ماتو غروسو، إن أحد موردي مستلزمات الإنتاج أجل تسليم جزء من سماد الفوسفات الذي طلبه من دون إبداء أي سبب. وأضاف أن البائع "عرض عليه استرداد المبلغ" لكنه رفض لأنه لم يعد يكفي لشراء الكمية نفسها من السماد الآن. وأوضح "اندلعت الحرب، مما رفع التكاليف وزاد خطر فقدان مستورد"، في إشارة إلى إيران. ويبدو أن الارتباط بين الجغرافيا السياسية وسوق الغذاء العالمي بات أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، فالتوتر في الشرق الأوسط لا ينعكس فقط على واردات الأسمدة، بل يعطّل سلاسل التصدير، ويعيد رسم خريطة الطلب العالمي على الحبوب، في وقت يتسم بتنافس حاد من دول مثل الولايات المتحدة والأرجنتين وأوكرانيا، التي يُتوقع أن تقدم هي الأخرى محاصيل ضخمة هذا العام، ما يُهدد قدرة البرازيل على الحفاظ على موقعها التصديري المتقدم. (رويترز، العربي الجديد)


العربي الجديد
منذ 7 ساعات
- العربي الجديد
سورية: حاجز "المسمية" بين تحريم الإتاوات ومباركة الجباية
يتعرض العابرون على طريق دمشق - السويداء جنوبيّ سورية، للمرة الثالثة خلال أيام قليلة، لعمليات سطو وسرقة ينفذها عناصر حاجز "المسمية" الشهير زمن النظام المخلوع. ويقع الحاجز في منطقة خالية من السكان قرب بلدة المسمية التابعة إدارياً لريف درعا الشمالي. ويعيد هذا المشهد إلى الأذهان ممارسات الأجهزة الأمنية وعناصر "الفرقة الرابعة" الذين سيطروا على الحاجز لأكثر من 13 عاماً، واعتادوا خلالها فرض الإتاوات والسطو على العابرين. وكتب المحامي عادل الهادي على صفحته الشخصية في "فيسبوك" بعد تعرضه للتفتيش على الحاجز: "كان عناصر الحاجز عبارة عن عصابة وليسوا عناصر أمن، ذكّرونا بحواجز الفرقة الرابعة". وجاء حديث الهادي عقب توقيفه من قبل عناصر الحاجز قبل ثلاثة أيام، حيث خضع مع سائق السيارة التي يستقلها لتفتيش دقيق، تولاه ستة عناصر استغرقوا نصف ساعة في تفتيش السيارة والركاب، قبل أن يقوموا بسرقة مبلغ 500 ألف ليرة سورية من محفظة السائق. هذه الممارسات تكررت خلال الأيام الأخيرة، وطاولت عدداً كبيراً من التجار، خاصة العاملين في نقل الخضار والفواكه وشاحنات نقل البضائع ومواد البناء، ما دفع غرفة التجارة والصناعة في السويداء إلى إصدار بيان إدانة أمس الأربعاء. واستنكرت الغرفة في بيانها ما يقوم به عناصر الحاجز من ابتزاز للمواطنين والتجار، وعمليات سرقة ونهب للأموال والمقتنيات أثناء تفتيش المركبات العابرة إلى السويداء، مطالبة الجهات المعنية بالتدخل العاجل لوضع حد لهذه الممارسات المتكررة والخطيرة. لكن البيان لم يلق آذاناً مصغية من المسؤولين، ولم يؤدِّ إلى كبح جماح أعمال السطو والسرقة على طريق دمشق - السويداء، حيث تعرض عدد من التجار القادمين إلى السويداء مساء الخميس وفجر اليوم الجمعة، لعمليات سطو وتشليح من قبل عصابة مسلحة بين بلدتي المسمية وبراق في ريف درعا الشمالي. وخسر التجار على إثر هذه العملية مبالغ مالية تزيد عن 40 ألف دولار، بالإضافة إلى السيارة التي كانوا يستقلونها، واضطروا إلى إكمال طريقهم مشياً حتى وصلوا إلى بلدة الصورة الكبيرة في ريف السويداء الشمالي، بعد تعرضهم للضرب والإهانة من أفراد العصابة. وعلم "العربي الجديد" من مصادر مقربة من التجار الثلاثة أن عناصر حاجز المسمية أوقفوهم لفترة طويلة وأجروا عدة اتصالات بعد ملاحظتهم وجود مبالغ مالية كبيرة بحوزتهم، وحاولوا ابتزازهم، قبل أن يتعرضوا للهجوم على بعد كيلومترات قليلة من الحاجز. كما أفادت مصادر متقاطعة لـ"العربي الجديد" بأن رجل الأعمال المعروف شفيق غرز الدين تعرض لتفتيش مهين على حاجز المسمية فجر اليوم، حيث تمت مصادرة سلاحه الحربي المرخّص من دون تسليمه أي وثيقة تثبت عملية المصادرة، إلى جانب سرقة مبلغ مالي كبير كان بحوزته. تقارير عربية التحديثات الحية رؤساء بلديات السويداء يتهمون وزارة الإدارة المحلية السورية بالفساد وقال الناشط هاني عزام لـ"العربي الجديد": "لم نلحظ أي فرق بين تعامل حواجز الأمن العام المنتشرة حالياً على طريق دمشق - السويداء، في مناطق المسمية والعدلية وقصر المؤتمرات، وبين الحواجز التي كانت تديرها أجهزة النظام البائد في نفس الأماكن. كلاهما يتبعان نفس أساليب الابتزاز والسرقة والنهب، وينتهجان ذات السلوك في إرهاب العابرين وإهانتهم". وأضاف عزام: "كما يتعاون الطرفان مع العصابات المنتشرة في المنطقة، إذ يلجأ عناصر الحاجز إلى التفتيش والتوقيف ريثما يتم تزويد العصابات الشريكة بالبيانات اللازمة عن الضحية ومقتنياته ونوع سيارته وتوقيت مروره عبر نقطة الاعتداء الملائمة". وأضاف عزام أن "الفرق الوحيد بين عصابات الأسد وعناصر الأمن العام الحاليين هو أن الأولى كانت تدقق على العابرين باتجاه العاصمة دمشق خوفاً على المدينة من أي أعمال تخريبية، بينما كانت تجني الأرباح تحت مسمى الإتاوات، في حين أن الثانية تدقق فقط على العابرين إلى السويداء، حرصاً على عدم مرور أي مواد غذائية أو بضائع أو سلع دون دفع جباية".