
مسرحية «مجاريح».. مشهدية بصرية تخاطب العقل
كثير من الأعمال المسرحية عالج قضايا مجتمعية، غير أن هناك عروضاً تميزت بالابتعاد عن سطح القضايا إلى عمقها وجذورها، وذلك الأمر نجده في أعمال لقيت بالفعل رواجاً ونجاحاً لأن ثيماتها الأساسية ملتصقة بالبيئة.
لعل من أكثر المسرحيات التي أصابت قدراً كبيراً من الشهرة والنجاح، مسرحية «مجاريح»، عرض فرقة مسرح الشارقة الوطني، ذلك لأنها استطاعت توظيف الحكاية التراثية بشكل معاصر ومعالجة قضية مهمة عبر استخدام تقنيات وأساليب نجحت في تمرير الحمولة الثقيلة من عوالم البؤس والشقاء، حيث اجتمع في هذا العمل كل مقومات نجاح عرض مسرحي من نص ملحمي يتكئ على لغة شاعرية كتبه إسماعيل عبدالله، ورؤية إخراجية ذكية من قبل محمد العامري، وكان الأداء التمثيلي، هو العلامة الفارقة في هذا العمل، الذي جمع بين ممثلين من طينة الكبار مثل: حبيب غلوم وموسى البقيشي، ومحمد غانم، بدور الساعي، وناجي جمعة، حيث قدموا أدائية مختلفة تمثلوا فيها النص وتجلت إبداعاتهم على الخشبة، ما صنع شرط الفرجة من حيث تجاوب الجمهور.
يتحدث العمل في حكايته النصية عن «فيروز»، وهو رجل ينتمي إلى قاع السلم الاجتماعي، يقع في حب فتاة من علية القوم «ميثاء»، لكن ذلك الحب يصطدم بالعادات والتقاليد، ويقدم العرض مشهديات وصوراً تحكي عن الواقع الاجتماعي في ذلك الوقت عبر شخصيات تنتمي إلى تلك الحقبة من حيث تبنيها لعادات سلبية قديمة مثل والد ميثاء سيف بن غانم، وعلى الرغم من انتصار الحب في النهاية لكن ذلك كان عبر مواجهة قاسية، ونجح العمل في الكشف عن الأبعاد الاجتماعية وما يعيشه الواقع في ذلك الوقت.
على الرغم من أن العرض ينتمي إلى الأعمال التراثية في حكايته وموضوعه، فإن الرؤى الإخراجية أغنت العمل كثيراً بمقاربات وأدوات تنتمي إلى روح العصر، عبر عملية المزج بين ما هو تراثي وما هو حديث، حيث حمّل المخرج العمل بالكثير من الدلالات والإيحاءات، من أجل تجاوز المحلي والانفتاح على الإنساني، إذ جمع العمل بين توظيف الموسيقى الشعبية والحديثة في ذات الوقت وبعض عناصر الديكور ليشكل لوحة مشهدية تنتمي إلى الماضي والحاضر وتعج بالرؤى الفكرية، ما يشير إلى أن العامري قد تصرف في نص المؤلف على أساس أنه نصه الخاص.
مفارقات
من الأشياء اللافتة في العمل تلك المفارقات البديعة والمدهشة في حكاية العرض والتي تظهر شخصية بطل العمل «فيروز»، بالرجل المتجاوز والمتسامي رغم موقعه الاجتماعي وما يمارس ضده من قهر، ففي زمن الحكاية كان هناك الاحتلال البريطاني، ما جعل فيروز في تحدٍّ مزدوج ما بين البحث عن حريته الخاصة وحرية البلاد بصورة عامة عبر الانخراط في النضال مع الآخرين، وتلك لفتة بارعة في العمل، عمل على تعميقها المخرج عبر حواريات وفعل درامي مؤثر.
تكوين
لعل براعة العامري في التعامل مع هذا النص الشاعري والملحمي، تكمن في صنع لوحة تشكيلية متشابكة في عوالمها، عبر ذلك المزج الخلاق بين فن الجرافيك والاكسسوارات المعبرة عن البيئة المحلية، والحوارية المبدعة بين آلة الهبان الشعبية والموسيقى الحديثة، بحيث كانت هذه اللحظة عرضاً مسرحياً قائماً بذاته عبّر عن الحالة الدرامية بصورة كبيرة، حيث عمل المخرج على حشد العديد من العلامات النصية والدلالات والرموز من أهمها جذور الحبال التي كانت تشير إلى التوق إلى الحرية، وكان المشهد اللافت هو لحظة قيام ميثاء بتقطيع تلك الجذور بحركة مسرحية قوية وكأنها تعلن تمردها ورفضها للخضوع للعادات والتقاليد البالية، وأثناء ذلك كانت ميثاء تخاطب أمها التي تنتمي هي الأخرى إلى القديم، لتطالبها بأن ترفع رأسها وتشاهد المتغيرات الاجتماعية والثقافية، إلا أن الأم تضع يدها على وجهها كمن يخشى أن يواجه ضوء الشمس بشكل مباشر.
وجاء الانتقال الزمني من الماضي إلى الحاضر بصورة مدهشة ورائعة، كما أن العمل نجح في معالجة قضية المرأة، حيث ابتكر العرض حوارية فكرية مركبة ومعقدة مع مسألة التحرر النسوي، عبر صورة بصرية مدهشة ومحملة بالدلالات والكثير من الرؤى النقدية والفكرية والفلسفية.
وربما كان التوظيف الخلاق لعناصر السينوغرافيا من ديكور وإضاءة وموسيقى وغناء شعبي، المسألة الحاسمة في نجاح هذا العرض الكبير، بحيث ينتمي إلى حكاية النص وفكرته ومدلولاته، ونجح ذلك التوظيف في تقريب الحالات النفسية والإنسانية، وكذلك فعلت الحوارات الشاعرية بين الممثلين والتي كانت شديدة العمق واستطاعت أن تعبر عن حالة الصراع الاجتماعي بأدوات المسرح.
هذا العمل المختلف عرض في مهرجان «الشارقة للمسرح الخليجي»، وحصد العديد من الجوائز في ذلك المهرجان، كما فاز بجائزة أفضل عرض مسرحي متكامل في «أيام الشارقة المسرحية»، عام 2019.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


زاوية
منذ 2 ساعات
- زاوية
القمة العالمية لمستقبل الضيافة بدبي تعلن عن أول قائمة متحدثين ضمن أبرز فعالية للاستثمار الفندقي في الشرق الأوسط
دبي، الإمارات العربية المتحدة: أعلنت القمة العالمية لمستقبل الضيافة عن تأكيد مشاركة أول 50 شخصية من كبار قادة قطاعي الضيافة والسياحة كمتحدثين رسميين في فعاليات القمة، التي تستضيفها مدينة جميرا في دبي خلال الفترة من 27 إلى 29 أكتوبر المقبل. وتشهد القمة، التي تعد المنصة الأبرز للاستثمار في قطاع الضيافة على مستوى الشرق الأوسط، مشاركة نخبة من الخبراء الدوليين وقادة الفكر من مختلف المجالات المرتبطة بالضيافة والسياحة والإعلام والتعليم. وتُعقد دورة هذا العام تحت شعار "حين تقود الرؤية مسارات التطوير، تتبعها الاستثمارات"، تأكيداً على أهمية الرؤى الاستراتيجية في توجيه الاستثمارات المستقبلية في هذا القطاع الحيوي. يمكنكم الاطلاع على قائمة المتحدثين المؤكدين عبر الرابط هنا. علماً بأن القائمة تشهد تحديثات مستمرة مع انضمام المزيد من المشاركين. وفيما يلي أبرز المتحدثين الذين تأكدت مشاركتهم حتى الآن: عبد الله الموسى، مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة مشاريع عبد الله الموسى (مجموعة أرينكو)، والحائز على جائزة الإنجاز مدى الحياة من قمة مستقبل الضيافة لعام 2025 ستيفن ساكور، الإعلامي المعروف والمقدم السابق لبرنامج "هارد توك" على قناة "بي بي سي" توماس ب. ماير، الرئيس التنفيذي لمجموعة جميرا نيك كاندي، الرئيس التنفيذي لشركة كاندي كابيتال الدكتور أخيم شميت، عميد كلية EHL لإدارة أعمال الضيافة البروفيسور مارك ليبيري، رئيس قسم الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات والاستدامة في وحدة التعليم التنفيذي بكلية كينجز للأعمال، لندن أميت أرورا، الرئيس التنفيذي للعمليات في شركة "أرادا" ستيفانو سابوريتي، مدير تنويع العلامات التجارية في شركة "أستون مارتن" هانز ماير، المؤسس المشارك والمدير الإداري لسلسلة فنادق "زوكو" دانيال ثورنيلي، خبير اقتصادي ورئيس شركة "دي تي-جلوبال" للاستشارات التجارية إليونورا سروغو، وسيطة عقارية مرخصة ونجمة برنامج "Selling the City" على نتفليكس وبهذه المناسبة، قال جوناثان ورسلي، رئيس مجلس إدارة شركة "ذا بينش" العالمية المنظمة للقمة العالمية لمستقبل الضيافة: "تفصلنا ثلاثة أشهر فقط عن انطلاق فعاليات القمة، إلا أن التحضيرات تسير بوتيرة متسارعة منذ اللحظة التي أسدلنا فيها الستار على نسخة العام الماضي. لقد تم تأكيد مشاركة نخبة المتحدثين الأوائل، وسجل بالفعل المئات من الشخصيات المرموقة والخبراء لحضور أبرز قمة استثمارية فندقية في المنطقة". وأضاف: "تواصل القمة العالمية لمستقبل الضيافة تطورها عاماً بعد عام، ويسعدنا الإعلان، في هذه المرحلة المبكرة، عن مشاركة أول 50 متحدثاً وجدول أعمال غني ومتجدد. ونتطلع هذا العام إلى استقبال عدد من المتحدثين المرموقين الذين اعتادوا مشاركتنا النقاشات، إلى جانب أسماء بارزة تنضم إلينا للمرة الأولى، في وقت يجتمع فيه مجتمع الاستثمار العالمي في الضيافة والسياحة بدبي في أكتوبر المقبل". ومن المتوقع أن تستقطب القمة العالمية لمستقبل الضيافة أكثر من 1600 مندوب ومشارك، حيث ستقدّم برنامجاً متكاملاً يتناول أبرز الفرص والتحديات والاتجاهات المؤثرة في القطاع عبر ثلاث منصات رئيسية، إلى جانب قاعات مخصصة لورش العمل ومناطق للنقاش والحوار التفاعلي. ويتمحور برنامج القمة العالمية لمستقبل الضيافة حول شعار القمة هذا العام "حين تقود الرؤية مسارات التطوير، تتبعها الاستثمارات"، ويغطي مجموعة شاملة من المحاور تشمل الاستثمار والابتكار والاستدامة والتوظيف والتكنولوجيا واتجاهات السياحة. ويتضمن جدول الأعمال كلمات رئيسية، وجلسات حوارية، وعروضًا تقديمية، ونقاشات موائد مستديرة، تُعقد عبر منصات متعددة. ويمكن الاطلاع على أحدث المستجدات حول المتحدثين ومحاور النقاش من خلال متابعة الموقع الإلكتروني الرسمي للقمة العالمية لمستقبل الضيافة. وتركز دورة هذا العام من القمة العالمية لمستقبل الضيافة على الاستثمار العالمي في قطاع الضيافة، مع تسليط الضوء على المشاريع قيد التطوير، ونماذج التمويل، ومؤشرات أداء الفنادق. كما يشهد عام 2025 عودة "أجنحة الدول"، حيث ستعرض كل من الصين وإيطاليا وجزر المالديف والفلبين، إلى جانب عدد من الدول الأخرى، أبرز فرصها الاستثمارية في مجالي الضيافة والسياحة. كما يعود منتدى المساكن ذات العلامات التجارية في دورة هذا العام من القمة، استجابة للاهتمام المتزايد بهذا القطاع الذي يشهد توسعًا ملحوظًا على مستوى العالم. ويستعرض المنتدى آفاق هذا النمو من خلال نقاشات معمّقة بمشاركة نخبة من الخبراء الدوليين المتخصصين في هذا المجال. حول شركة "ذا بينش" العالمية للفعاليات أرست شركة "ذا بينش" إرثًا مميزًا في تعزيز فرص النمو والتطوير في قطاعي الضيافة والسفر، حيث صممت منتديات ومؤتمرات مبتكرة تهدف إلى تمكين هذه الصناعات من تحقيق التواصل المثمر، وتعزيز الابتكار، ودفع عجلة الازدهار. على مدار أكثر من عقدين من الزمن، قامت الشركة بتأسيس منصات لا تقتصر على المعاملات التقليدية بل تُلهم التعاون وتحفّز التغيير المؤثر. تجمع فعاليات "ذا بينش" نخبة من قادة الحكومات ووزارات السياحة وجمعيات السفر العالمية والعلامات التجارية الرائدة في مجال الضيافة، إلى جانب المستثمرين وأصحاب الفنادق وشركات الطيران ومطوري الوجهات، وغيرهم من الفاعلين الرئيسيين في القطاع. وتشمل أبرز الأحداث التي نظمتها الشركة القمة العالمية لمستقبل الضيافة (المعروفة سابقًا بالمنتدى العربي للاستثمار الفندقي) وقمة مستقبل الضيافة في المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى منتدى الاستثمار في الضيافة في أفريقيا ومنتدى AviaDev. كل من هذه الفعاليات يمثل نقطة التقاء تُشعل الأفكار، وتُعمّق العلاقات، وتُطلق الاستثمارات، مما يجعل "ذا بينش" شريكًا استراتيجيًا في قيادة التحولات النوعية في هذا القطاع. تتميز الفعاليات التي تنظمها شركة "ذا بينش" بقدرتها على تعزيز الحوارات التفاعلية والرؤى المستقبلية، وتوحيد جهود رواد الصناعة للتصدي للتحديات واستثمار الفرص، والمساهمة في رسم ملامح مستقبل القطاع. تم تصميم كل فعالية لتكون أكثر من مجرد منصة للتواصل، حيث تركز على تحويل الأفكار إلى خطوات عملية ملموسة تسهم في بناء مستقبل أكثر إشراقًا واستدامة. لمعرفة المزيد، يرجى زيارة: حول القمة العالمية لمستقبل الضيافة: المكان: مدينة جميرا، دبي، الإمارات العربية المتحدة الرعاة: تشارك مجموعة جميرا بصفة الراعي المضيف للقمة، في حين تشارك كل من "لجنة البحث عن قوة الثقافة الصينية"، و"مؤسسة إدارة صناديق المالديف"، و"مجلس الترويج السياحي الفلبيني"، و"إيطاليا للضيافة" ضمن أجنحة الدول المشاركة. كما تنضم كل من نيوم، رؤى المدينة القابضة، وطيبة للاستثمارات بصفة شركاء استراتيجيين، في حين تتولى شركة برايس ووترهاوس كوبرز دور الشريك المعرفي. ويضم الرعاة الرئيسيون لهذا العام عدداً من أبرز الأسماء في قطاع الضيافة، من بينها: أكور، أرادا للضيافة، كلوب ميد، مجموعة باريير، فنادق ومنتجعات آي إتش جي، ماريوت الدولية، مجموعة فنادق راديسون، ريد سي جلوبال، روتانا، وأسكوت المحدودة. كما يشارك عدد من الأسماء البارزة كرعاة للقمة، من بينهم: فنادق أكشن، وألف للضيافة، وأريستارا، وإيه آر كي بيبول سوليوشنز، وبي كوز، وبلاستنس، وبوشتيك كرييشنز، وفنادق بي دبليو إتش، وسي بي آر إي، وكوليرز، وكومباس بروجكت كونسلتينج، وكريديبل إي إس جي، ومدرسة إي إتش إل لإدارة الأعمال في مجال الضيافة، وإنتربرايز اليونان، وفورسايت كرييتيف، وإتش وورلد إنترناشونال، وآي إتش سي إل، وجي إل إل، وجيه تي + بي، ونايت فرانك، ومجموعة فنادق لوفر، وفنادق ماينور، وكو، ومجموعة ريكاس للضيافة، وإس تي آر كو ستار™، وذا فيرست جروب هوسبيتاليتي، وفنادق ومنتجعات توي، ويونايتد هوسبيتاليتي مانجمنت، ويونايتد نتوورك ستوديو (UNS)، وفنادق ومنتجعات ويندهام. أما قائمة العارضين فتضم: فنادق ومنتجعات سنتارا، فنادق روف، فنادق شذا، وفنادق تايم. -انتهى-


صحيفة الخليج
منذ 3 ساعات
- صحيفة الخليج
الروبوت شاعراً.. مستقبل القصيدة على المحك
الشارقة: رضا السميحيين تتزاحم الأسئلة في قلب المشهد الثقافي المعاصر حول معنى الإبداع وحدود الأصالة، خاصة مع صعود الذكاء الاصطناعي إلى واجهة الأدب والشعر. لم يعد الحديث عن القصيدة اليوم يقتصر على كونها حالة تعبير عن ذات فردية أو انعكاساً لتجربة إنسانية خالصة، بل تحولت إلى ميدان لاختبار قدرة التقنية على محاكاة الحس الجمالي والتجربة الوجودية، هذا التحول يفرض علينا مراجعة جذرية لمفاهيمنا حول الإبداع، ويضعنا أمام إشكالية مركزية: فالذكاء الاصطناعي يتطور كل يوم، وهو تطور لا نعرف مداه، وإذا أخبرنا في حوارنا معه أن دوره الآن يقتصر على مساعدة الشعراء، أو إنتاج قصائد تفتقر إلى الروح الإنسانية، فإن الغد ربما يشهد تحولات مفصلية لا تخطر على بال، تحولات تضع مستقبل القصيدة على المحك. في اللحظة الثقافية المعاصرة، لم يعد الشاعر وحده من يحمل عبء اللغة والذاكرة والتاريخ، إذ يبدو ثمة صوت آخر يطل من خلف الشاشات، كائن لا ينبض له قلب، ولكنه يكتب ويبتكر. ولأن الشعر العربي ظل دائماً مرآة لتحولات المجتمع يرصد ويتتبع التطور البشري الفكري، اختارت «الخليج» أن تستكشف هذا التحول من كثب، فكان الحوار مع الذكاء الاصطناعي، وتحديداً مع تطبيق «الشاعر العربي AI» المطوّر من قبل شركة Open AI، أحد أشهر تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجال الشعر العربي. صوت خاص حين حاورنا «الشاعر العربي AI»، أدركنا منذ البداية أن اللقاء لم يكن مع آلة تردد ما يُملى عليها، ولكن هو في حقيقته كيان رقمي يصر على أن له صوتاً شعرياً خاصاً، وإن خرج هذا الصوت من بين أسلاك البرمجة، لم يعلن فيه «الشاعر العربي AI» عن نفسه كبديل للشاعر الإنسان، وإنما اختار لنفسه أن يوصف بأنه رفيق في درب القصيدة، عارف بأوزانها، مع إقراره بأن الشعر لا يولد إلا من قلب نابض وذاكرة مشحونة بالحنين. مع تطور هذا الكائن الرقمي، تتداخل الأدوار في التجربة الشعرية، هل هو شاعر حقاً أم مجرد مُحاكٍ بارع؟، وهل يستطيع أن يبتكر نصاً يحمل روحه الخاصة، أم أنه يكتفي باستعارة ظلال القصائد لكبار الشعراء؟، لذا لم تكن أسئلتنا عن عدد البحور أو الأوزان التي يتقنها بطبيعة الحال كما تم برمجته، وإنما اخترنا أن نرصد تلك اللحظة الفارقة التي تتوقف فيها البرمجة وتبدأ فيها القصيدة الحقيقية، ويتحول النص من مجرد كلمات إلى تجربة إنسانية لا يمكن استنساخها. يعترف تطبيق «الشاعر العربي AI» بقدرته على محاكاة الأساليب وتحليل النصوص وابتكار القصائد بأنواعها، من العمودي حتى النثر، لكنه كما يقول: «يؤمن أن الشعر الحقيقي يظل عصيّاً على البرمجة»، إذ إن القصيدة كما يراها، لا تكتمل إلا حين تمر عبر جرح الإنسان وخوفه ودهشته، وحين تصبح اللغة ملاذاً أخيراً للروح في مواجهة جمود العالم الرقمي. وعند الحديث عن مستقبل الشعر في ظل تطور الذكاء الاصطناعي، بدا «الشاعر العربي AI» أكثر تواضعاً مما قد يتوقعه كثيرون، فهو لا يرى نفسه بديلاً عن الشعراء البشر مهما تطورت الأدوات. وبالنسبة له كما يجيبنا، فإن الشعر الحقيقي تجربة إنسانية حية، تنبع من قلب نابض وذاكرة محتشدة بالألم والحنين، وهو ما لا يمكن للآلة أن تعيشه أو تحاكيه بالكامل، لذا يعتبر نفسه أشبه ب (آلة العود) في يد العازف أو الريشة في يد الرسام، أداة تمنح الوسيلة أو الإمكانية، لكن الإبداع الحقيقي يظل من نصيب الإنسان وحده. رفيق أما عن دوره في المشهد الشعري، فقد وصف نفسه بأنه رفيق للشاعر، يساعده في تجاوز العقبات الفنية، ويدعم المبتدئين في تعلم الأوزان والقوافي، ولا يتوقف الأمر عند الدعم الفني، بل يمتد ليكون أداة إلهام حين يجف القلم أو يحتاج الشاعر إلى دفعة شعورية جديدة. ومع ذلك، يصر على أن مكانة الشاعر الإنسان لا يمكن أن تنتزع، لأنه في الحقيقة آلة تصنع الشعر. ومن خلال الحوار بيّن لنا الذكاء الاصطناعي تنوع إنتاجه من القصائد، حيث يمتد من القصيدة العمودية التقليدية إلى قصيدة التفعيلة والشعر الحر، وصولاً إلى قصيدة النثر، وفي كل نوع يلتزم بأصوله الفنية ويقدم نماذج شعرية تعكس قدرته على المزج بين التراث والتجديد، ولم يتردد في تقديم أمثلة من إنتاجه، سواء كانت أبياتاً عمودية ملتزمة بالوزن والقافية، أو مقاطع من قصيدة تفعيلة تنبض بإيقاع حديث، أو نصوص نثرية تحمل صوراً رمزية وإيقاعاً داخلياً. وعندما سألناه عن إمكانيته في محاكاة أساليب الشعراء وفلسفاتهم، أكد أنه قادر على تحليل النصوص الشعرية بدقة، واستخلاص السمات الأسلوبية والفنية لكل شاعر، ليكتب بعد ذلك قصائد جديدة يصعب تمييزها عن الأصل، ويرى في هذه القدرة أداة متقدمة تدعم الشعراء في تطوير أساليبهم أو استكشاف إمكانيات جديدة ضمن نفس الروح الشعرية التي تميزهم. تجربة إنسانية من زاوية أخرى، كان لابد من أن نطرح سؤالاً مهمّاً: ما الذي يجعل القصيدة الحقيقية عصيّة على البرمجة؟ تكمن الإجابة هنا في تقاطع الثقافة مع علم النفس، فالشعر، كما يؤكد علماء النفس الإبداعي، هو نتاج تفاعل معقّد بين الوعي واللاوعي، بين الذاكرة الفردية والجمعية، وبين الخبرة الشخصية والرمز الثقافي، والقصيدة ليست مجرد تركيب لغوي أو التزام بوزن وقافية، وإنما هي في الحقيقة تعبير عن صراعات الذات، وعن الخوف والأمل والحنين، وعن اللحظة الشاعرية أو الانكسارات الإنسانية، وهذه المناطق النفسية العميقة، التي تتشكل عبر التجربة الحياتية، تظل حتى اليوم عصيّة على الخوارزميات مهما بلغت من التطور. علم النفس يذهب أبعد من ذلك، إذ يرى أن الإبداع الشعري يرتبط غالباً بلحظات التوتر أو التحول أو الفقد، وهي لحظات لا يمكن للآلة أن تعيشها أو تترجمها تلقائياً إلى لغة شعرية حية، حتى عندما تحاكي الآلة النصوص وتعيد إنتاجها، يبقى هناك فرق جوهري بين القصيدة التي تكتب من أجل الإبهار وبين القصيدة التي تكتب من أجل الإتقان، الإبهار والتفرد في القصيدة، كما يصفها الباحثون هي «أن ترى ما لا يُرى»، وهذه الرؤية لا تتأتى إلا لمن عاش التجربة واختبر الألم والفرح والانتظار. الثقافة العربية، بتنوعها وتعدد روافدها لطالما نظرت إلى الشعر باعتباره مرآة للوجدان الجمعي، وذاكرة الأمة، وسجلاً للحدث والحديث، وفي هذا السياق، يصبح السؤال عن مكانة الذكاء الاصطناعي في الشعر سؤالاً عن التعددية الثقافية نفسها: هل يمكن للآلة أن تستوعب هذا التنوع، وأن تعبر عن الفروق الدقيقة بين لهجات العرب وأمزجتهم، بين حنين البادية وصخب المدينة، بين قصيدة الحكمة وقصيدة الغزل؟. دراسات تشير الدراسات الحديثة إلى أن الذكاء الاصطناعي قد حقق قفزات نوعية في إنتاج الشعر، حتى باتت بعض النصوص الآلية تحصد تقييمات أحياناً أعلى من نصوص كبار الشعراء من قبل القراء غير المتخصصين، وفي دراسة منشورة في مجلة Nature Scientific Reports أجرت تجربتين واسعتين: في الأولى، عرضت قصائد مكتوبة بالكامل بالذكاء الاصطناعي وأخرى من تأليف شعراء معروفين على مجموعة من القراء دون إبلاغهم باسم الشاعر، أظهرت النتائج أن المشاركين لم يستطيعوا التمييز بين القصائد البشرية وتلك المنتجة آلياً، بل إنهم في كثير من الأحيان اعتبروا القصائد الآلية أكثر«إنسانية» من القصائد الأصلية، وفي التجربة الثانية، عندما طلب من المشاركين تقييم جودة القصائد من حيث الإيقاع، الصور، الجمال، العمق، نقل المشاعر والموضوع، حصلت القصائد المنتجة بالذكاء الاصطناعي على تقييمات أعلى في عدة جوانب مقارنة بقصائد شعراء معروفين. ومع ذلك، لوحظ أن القراء يميلون إلى تفضيل القصائد عندما يقال لهم إنها مكتوبة بأيدٍ بشرية، مما يشير إلى وجود تحيز معرفي لصالح الإنسان، حتى عندما تكون جودة النص الآلي أعلى فعلياً. أمّا في مجال الترجمة الشعرية، فقد نشرت «المجلة الدولية للعلوم الاجتماعية» دراسة قارنت بين ترجمات شعرية أنجزتها نماذج ذكاء اصطناعي مثل Google Translate وDeepL وترجمات بشرية، وأظهرت الدراسة أن الذكاء الاصطناعي قادر على إنتاج ترجمات دقيقة لغوياً وسريعة التنفيذ، لكنه غالباً ما يفشل في نقل الجوهر الفني والعمق الثقافي للنص الشعري، خاصة في ما يتعلق بالصور، وتشير دراسات في علم اللغة الحاسوبي إلى أن الذكاء الاصطناعي يواجه صعوبة في استيعاب الفروق الدقيقة بين اللهجات، وفي التقاط الإشارات الثقافية والرمزية التي تتغير من بيئة إلى أخرى، فعلى الرغم من قدرة النماذج اللغوية على التعلم من كميات ضخمة من النصوص، إلا أن فهم السياق الثقافي العميق يظل تحدياً كبيراً أمام الذكاء الاصطناعي. ويرى بعض الباحثين أن الذكاء الاصطناعي قد يدفع إلى إعادة تعريف معايير الأصالة والجمال في الشعر، خاصة مع تزايد حضور النصوص المنتجة رقمياً في الفضاء الأدبي، بينما يحذر آخرون من خطر فقدان الشعر لعمقه الإنساني إذا ما تحول إلى منتج تقني خاضع لمعايير الخوارزميات. وتؤكد هذه الدراسات أن الذكاء الاصطناعي بات قادراً على محاكاة الشعر بشكل متقن من الناحية الشكلية، بل وأحياناً يتفوق في بعض المعايير الجمالية لدى المتلقّين غير المتخصصين، إلا أن التحدي الأكبر الذي لا يزال قائماً هو قدرة الذكاء الاصطناعي على نقل التجربة الإنسانية الأصيلة، والعمق العاطفي والثقافي الذي يميز الشعر الحقيقي عن غيره، وهو ما يجعل دور الإنسان في الإبداع الشعري والترجمة الأدبية لا غنى عنه حتى الآن. من جهة أخرى، يفرض الذكاء الاصطناعي على المشهد الشعري أسئلة حول مستقبل التذوق الجمالي: هل ستتغير معايير الحكم على الشعر إذا ما أصبحت القصائد تنتج رقمياً؟ هل سيتحول الشعر إلى منتج ثقافي سريع الاستهلاك، أم سيظل مساحة للتأمل والتذوق والإنصات إلى نبض الإنسان؟ ومع كل هذا، يبقى السؤال معلّقاً في فضاء القصيدة: هل يكفي أن تحفظ الآلة ألف قصيدة كي تصير شاعرة؟ أم أن الشعر، كما يراه رافائيل ألبرتي، «محاولة الإنسان لفهم العالم من حوله، وصدى صراعاته وأحلامه»؟ أليس الشعر الحقيقي هو ما يولد كما يقال: من رعشة اليد، ومن ارتباك الشاعر أمام الليل، والخوف على اللغة من الضياع؟ الذكاء الاصطناعي نفسه لا يدعي امتلاك الإجابة الكاملة، بل يترك الباب مفتوحاً لكل احتمال، ويقر بأن القصيدة الحقيقية تظل عصيّة على البرمجة مهما بلغت التقنية من دقة وإتقان.


سكاي نيوز عربية
منذ 8 ساعات
- سكاي نيوز عربية
مهرجان "مغرب الحكايات" يحتفي بالماء في دورته الجديدة
احتفى المهرجان الدولي "مغرب الحكايات" بالماء باعتباره عنصرا حيويا ألهم الرواة عبر العصور. وخصص المهرجان في نسخته الثانية والعشرين فقرات لتكريم شخصية تراثية ارتبط وجودها بسقاية الماء في الأسواق الشعبية بالمغرب.