
معاني اقتباس سيناريو'عين الأسد': أشكر إيران لابلاغنا مسبقا بهجومها على قاعدتنا في قطر!؟
يُعدّ العنوان عنصرًا محوريًا في النصوص الأدبية والثقافية على حد سواء، حيث يُشير المثل الشائع 'العنوان يغنيك عن المتن' إلى قدرته على تجسيد جوهر النص ومضمونه بصورة موجزة ومعبّرة. يعكس العنوان، بمثابة مرآة فكرية، محتوى النص – سواء كان مقالًا، كتابًا، أو قصيدة – من خلال تقديم صورة شاملة تكتنز بالمعاني والدلالات والمفاهيم . بفضل تصميم صياغته، يمكن للعنوان أن ينقل الغرض الأساسي للعمل ويُبرز أبعاده المختلفة دون حاجة القارئ إلى الخوض في النص الداخلي. بمعنى آخر، يجمع العنوان بين الإيجاز والتعبيرية، مما يجعله مؤشرًا واضحًا وكافيًا لفهم المحتوى العام للنص.
ومع ذلك، فإن هذه القدرة التعبيرية للعنوان لا تتجلى بالضرورة لجميع القراء، بل تتطلب مستوى معرفيًا وثقافيًا يمكّن المتلقي من فك شفراته وقراءة ما بين سطوره. فالجمهور ليس متجانسًا ثقافيآ وأدبيآ وعلميآ وفي نفس منوال مستويات الفهم والإدراك المعرفي، بل يتوزع عبر طبقات متفاوتة من الوعي الثقافي والقدرة على استيعاب الدلالات النصية الضمنية.
في سياق التوترات الأخيرة بين 'إيران وإسرائيل'، التي شهدت خلال الأيام الاثني عشر الماضية عرضًا مسرحيًا للقوة العسكرية، تبعه عمليات تدمير واسعة وسقوط مئات الضحايا والجرحى من الطرفين، لا يمكن للعنوان وحده، مهما بلغ من بلاغة وإيجاز، أن يكون كافيًا لنقل تعقيدات هذا الصراع. فبينما قد يرى بعض القراء، ممن يتمتعون بخلفية معرفية واسعة، في العنوان انعكاسًا للسياق السياسي والعسكري، قد يجده آخرون خارجًا عن المألوف أو غامضًا، نظرًا لتباين مستويات الإدراك فيما بينهما . وفي مواجهة هذا الواقع المأساوي، لا يسع الكاتب أو المحلل أن يكتفي بصياغة عنوان قد يكون ملفت للنظر، بل يتعين عليه الخوض في التفاصيل، تحليل الأحداث، وتوضيح السياق ومعانيها ، لضمان وصول الرسالة إلى أوسع شريحة ممكنة من القراء والرأي العام ، بغض النظر عن خلفياتهم الثقافية أو المعرفية.
حسب ما توقعناه في مقالنا السابق من أن سيناريو قصف قاعدة (عين الأسد/ الأربعاء يوم 8 كانون الثاني 2020 قصفَ الحرس الثوري الإيراني القاعدةَ بصواريخ بالستية) مطروح بقوة على طاولة مكتب الولي الفقيه 'الخامنئي' باستهداف أي من القواعد الأمريكية في العراق أو دول الخليج العربي!
وتكرر نفس السيناريو قاعدة 'عين الاسد' بالأمس تكرر على قاعدة 'العديد' في قطر في عملية سمتها ' بشائر الفتح' وهي باتت معروفة من أنها نوع من استراتيجية طهران المعهودة لحفظ ما الوجه ليس من الناحية العسكرية فقط ؟ ولكن من خلال استغلال هذا الحدث إعلاميا وبالأخص الموجه مباشرة الى شعبها وحلفائها , وهو نوع من الجمع بين 'الاستعراض' العسكري والحذر الدبلوماسي. ويعكس الإنذار المسبق للبيت الأبيض قبل الضربة الصاروخية ولغرض رغبة في إرسال رسالة سياسية دون الدخول في مواجهة شاملة ومباشرة مع أمريكا وموافقة مسبقة من قبل الرئيس 'ترامب' على القيام بهذه الضربة (الرمزية) والتي كانت من أهم أحد شروط قبول إيران بوقف إطلاق النار الذي حدده الرئيس بالساعة بين الطرفين.
على الرغم من استنكار مع معظم الدول لهذه الضربة الإيرانية (الرمزية) ولكن مع اتصال الرئيس الإيراني بأمير قطر فهمت إبعاد هذه الضربة والتي لم تكن بالصورة (المدمرة) و (الساحقة) كما روج لها في العالم الافتراضي حلفاء إيران بجميع مواقع التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا وبصورة ملفتة للمطلع ومن المبالغة والتهويل الذي فاق حتى حدود استيعاب العقل البشري لها ؟ وبالنسبة لقطر، فعلى الرغم من إدانتها، فإن دورها كوسيط إقليمي أصبح يتعزز أكثر بعد هذه الضربة ونجحت في احتواء التوترات الدبلوماسية التي تلتها . أما أمريكا، فتصريح الرئيس 'ترامب' يشير إلى تفضيل واشنطن لتجنب التصعيد، مع الإبقاء على الضغط الدبلوماسي على إيران بأقصى ما يمكن لها من تحمله على ألا يصل هذا الضغط لدرجة الانفجار الذي سوف يعيد حتما المواجهة العسكرية الى المربع الأول ومع اعطائها مميزات سياسية ودبلوماسية ومكاسب قد لا يتم الإفصاح عنها الآن ولكن هناك مؤشرات لتصريح 'ترامب' بان كلا الطرفين المتحاربين سوف يتحقق لهم الازدهار والسلام وبما يعني للمتلقي بان جميع الشروط بالتخلي عن القنبلة النووية قد تم الموافقة عليها او على الاقل في الوقت الحالي غض الطرف عن تصدير النفط الايراني الى كل من الهند والصين كنوع من الترضية الرمزية لإيران .
في المحصلة شبه النهائية لهذا العرض بقصف قاعدة 'العديد' نستطيع أن نقول بان هذا الهجوم الرمزي الصاروخي 'المسرحي' ما يزال يعكس نوعا من توازنًا هشًا في المنطقة. إيران تسعى لإثبات قوتها لخصومها قبل حلفائها من دون إشعال حرب شاملة لا طاقة لها بها , وهي تمر بأسوأ ظروف اقتصادية نتيجة الحصار الخانق عليها ، وفي هذا السياق،فالجمهور يتباين في مستويات الفهم، حيث قد يرى البعض في هذه 'المسرحيات' الصاروخية مجرد استعراض قوة، بينما يدرك آخرون، ذوو الوعي السياسي والثقافي الأعمق، أنها جزء من لعبة دبلوماسية معقدة ذات حدود مرسومة مسبقًا. ومع ذلك، فإن الخروج عن هذه الحدود، سواء عن قصد أو نتيجة سوء تقدير وفهم ، قد يُفضي إلى عواقب كارثية، ليس فقط للأطراف المتحاربة، بل لاستقرار المنطقة بأكملها. لذا، يتعين على القادة الإيرانيين، واللاعبين الإقليميين الآخرين، فهم أبعاد هذه اللعبة الاستراتيجية بعناية، والالتزام بالخطوط الحمراء لتجنب تصعيد قد يتجاوز قدراتهم على الاحتواء.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


موقع كتابات
٢٤-٠٦-٢٠٢٥
- موقع كتابات
معاني اقتباس سيناريو'عين الأسد': أشكر إيران لابلاغنا مسبقا بهجومها على قاعدتنا في قطر!؟
* كتب الرئيس: ترامب' خلال الساعات الماضية ومن على منصته الرقمية , منشور صلاح به :' أود شكر إيران على إبلاغنا مسبقا، ويسرني أن أبلغكم أنه لم يلحق أي أذى بأميركي، ولم يحدث أي ضرر يُذكر. والأهم من ذلك، أنهم تخلصوا من كل الرغبات الملحة في الهجوم، ونأمل ألا يكون هناك مزيد من الكراهية'. يُعدّ العنوان عنصرًا محوريًا في النصوص الأدبية والثقافية على حد سواء، حيث يُشير المثل الشائع 'العنوان يغنيك عن المتن' إلى قدرته على تجسيد جوهر النص ومضمونه بصورة موجزة ومعبّرة. يعكس العنوان، بمثابة مرآة فكرية، محتوى النص – سواء كان مقالًا، كتابًا، أو قصيدة – من خلال تقديم صورة شاملة تكتنز بالمعاني والدلالات والمفاهيم . بفضل تصميم صياغته، يمكن للعنوان أن ينقل الغرض الأساسي للعمل ويُبرز أبعاده المختلفة دون حاجة القارئ إلى الخوض في النص الداخلي. بمعنى آخر، يجمع العنوان بين الإيجاز والتعبيرية، مما يجعله مؤشرًا واضحًا وكافيًا لفهم المحتوى العام للنص. ومع ذلك، فإن هذه القدرة التعبيرية للعنوان لا تتجلى بالضرورة لجميع القراء، بل تتطلب مستوى معرفيًا وثقافيًا يمكّن المتلقي من فك شفراته وقراءة ما بين سطوره. فالجمهور ليس متجانسًا ثقافيآ وأدبيآ وعلميآ وفي نفس منوال مستويات الفهم والإدراك المعرفي، بل يتوزع عبر طبقات متفاوتة من الوعي الثقافي والقدرة على استيعاب الدلالات النصية الضمنية. في سياق التوترات الأخيرة بين 'إيران وإسرائيل'، التي شهدت خلال الأيام الاثني عشر الماضية عرضًا مسرحيًا للقوة العسكرية، تبعه عمليات تدمير واسعة وسقوط مئات الضحايا والجرحى من الطرفين، لا يمكن للعنوان وحده، مهما بلغ من بلاغة وإيجاز، أن يكون كافيًا لنقل تعقيدات هذا الصراع. فبينما قد يرى بعض القراء، ممن يتمتعون بخلفية معرفية واسعة، في العنوان انعكاسًا للسياق السياسي والعسكري، قد يجده آخرون خارجًا عن المألوف أو غامضًا، نظرًا لتباين مستويات الإدراك فيما بينهما . وفي مواجهة هذا الواقع المأساوي، لا يسع الكاتب أو المحلل أن يكتفي بصياغة عنوان قد يكون ملفت للنظر، بل يتعين عليه الخوض في التفاصيل، تحليل الأحداث، وتوضيح السياق ومعانيها ، لضمان وصول الرسالة إلى أوسع شريحة ممكنة من القراء والرأي العام ، بغض النظر عن خلفياتهم الثقافية أو المعرفية. حسب ما توقعناه في مقالنا السابق من أن سيناريو قصف قاعدة (عين الأسد/ الأربعاء يوم 8 كانون الثاني 2020 قصفَ الحرس الثوري الإيراني القاعدةَ بصواريخ بالستية) مطروح بقوة على طاولة مكتب الولي الفقيه 'الخامنئي' باستهداف أي من القواعد الأمريكية في العراق أو دول الخليج العربي! وتكرر نفس السيناريو قاعدة 'عين الاسد' بالأمس تكرر على قاعدة 'العديد' في قطر في عملية سمتها ' بشائر الفتح' وهي باتت معروفة من أنها نوع من استراتيجية طهران المعهودة لحفظ ما الوجه ليس من الناحية العسكرية فقط ؟ ولكن من خلال استغلال هذا الحدث إعلاميا وبالأخص الموجه مباشرة الى شعبها وحلفائها , وهو نوع من الجمع بين 'الاستعراض' العسكري والحذر الدبلوماسي. ويعكس الإنذار المسبق للبيت الأبيض قبل الضربة الصاروخية ولغرض رغبة في إرسال رسالة سياسية دون الدخول في مواجهة شاملة ومباشرة مع أمريكا وموافقة مسبقة من قبل الرئيس 'ترامب' على القيام بهذه الضربة (الرمزية) والتي كانت من أهم أحد شروط قبول إيران بوقف إطلاق النار الذي حدده الرئيس بالساعة بين الطرفين. على الرغم من استنكار مع معظم الدول لهذه الضربة الإيرانية (الرمزية) ولكن مع اتصال الرئيس الإيراني بأمير قطر فهمت إبعاد هذه الضربة والتي لم تكن بالصورة (المدمرة) و (الساحقة) كما روج لها في العالم الافتراضي حلفاء إيران بجميع مواقع التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا وبصورة ملفتة للمطلع ومن المبالغة والتهويل الذي فاق حتى حدود استيعاب العقل البشري لها ؟ وبالنسبة لقطر، فعلى الرغم من إدانتها، فإن دورها كوسيط إقليمي أصبح يتعزز أكثر بعد هذه الضربة ونجحت في احتواء التوترات الدبلوماسية التي تلتها . أما أمريكا، فتصريح الرئيس 'ترامب' يشير إلى تفضيل واشنطن لتجنب التصعيد، مع الإبقاء على الضغط الدبلوماسي على إيران بأقصى ما يمكن لها من تحمله على ألا يصل هذا الضغط لدرجة الانفجار الذي سوف يعيد حتما المواجهة العسكرية الى المربع الأول ومع اعطائها مميزات سياسية ودبلوماسية ومكاسب قد لا يتم الإفصاح عنها الآن ولكن هناك مؤشرات لتصريح 'ترامب' بان كلا الطرفين المتحاربين سوف يتحقق لهم الازدهار والسلام وبما يعني للمتلقي بان جميع الشروط بالتخلي عن القنبلة النووية قد تم الموافقة عليها او على الاقل في الوقت الحالي غض الطرف عن تصدير النفط الايراني الى كل من الهند والصين كنوع من الترضية الرمزية لإيران . في المحصلة شبه النهائية لهذا العرض بقصف قاعدة 'العديد' نستطيع أن نقول بان هذا الهجوم الرمزي الصاروخي 'المسرحي' ما يزال يعكس نوعا من توازنًا هشًا في المنطقة. إيران تسعى لإثبات قوتها لخصومها قبل حلفائها من دون إشعال حرب شاملة لا طاقة لها بها , وهي تمر بأسوأ ظروف اقتصادية نتيجة الحصار الخانق عليها ، وفي هذا السياق،فالجمهور يتباين في مستويات الفهم، حيث قد يرى البعض في هذه 'المسرحيات' الصاروخية مجرد استعراض قوة، بينما يدرك آخرون، ذوو الوعي السياسي والثقافي الأعمق، أنها جزء من لعبة دبلوماسية معقدة ذات حدود مرسومة مسبقًا. ومع ذلك، فإن الخروج عن هذه الحدود، سواء عن قصد أو نتيجة سوء تقدير وفهم ، قد يُفضي إلى عواقب كارثية، ليس فقط للأطراف المتحاربة، بل لاستقرار المنطقة بأكملها. لذا، يتعين على القادة الإيرانيين، واللاعبين الإقليميين الآخرين، فهم أبعاد هذه اللعبة الاستراتيجية بعناية، والالتزام بالخطوط الحمراء لتجنب تصعيد قد يتجاوز قدراتهم على الاحتواء.


ساحة التحرير
١٦-٠٦-٢٠٢٥
- ساحة التحرير
أمريكا دخلت اللحظة السوفيتية !الراحل فاضل الربيعي
أمريكا دخلت اللحظة السوفيتية ! الراحل فاضل الربيعي القليلونَ فقط -من المحلّلينَ والمتابعينَ- مَنْ يتذكّر اليوم، ما حدثَ في الماضي القريب، عندما شَهِدَ العالمُ ما يمكنُ تسميتهُ بـ(اللّحظةِ السّوفيتيّةِ عام 1989-1990) آنذاك كانَ الرئيسُ السّوفياتيّ بوريس يلتسين يترنّحُ من السّكرِ في اللّقاءاتِ الرسميّة، ومعه كانَ الاتّحادُ السّوفياتيّ يترنّحُ دونَ سكرٍ،و كان يلتسن زعيماً كحوليّاً وفاسداً ومُثيراً للسخريةِ، والعالم كلّهُ آنذاك سَخِرَ منهَ ومن بلاده، ومثل عملاقٍ بقدمين من طين، انهارَ الاتّحادُ السوفياتيّ العظيم فجأةً في لحظةٍ ماجنةٍ، حينَ وقعَ انقلابٌ عسكريٌّ انتهى بتفكّكه. ترنّحَ العملاقُ وسقطَ فجأةً وسطَ ذهولِ العالم. اليوم، تبدو الولاياتُ المتّحدةُ الأمريكيّةُ، وكأنّها دخلت (اللّحظةَ السّوفيتيّة) ذاتها، فثمّة زعيمٌ يترنح، وبلدٌ عملاقٌ يتصدّعُ بطريقةٍ مفضوحةٍ. ترامب الأمريكيّ من هذا المنظور يُكرّرُ صورةَ يلتسن السّوفياتيّ، ولكنْ بدلاً من أنْ يبدوَ ترامب سكّيراً، سيبدوُ مُهرِّجاً.. ماذا يعني هذا؟ يعني هذا ببساطة، أنَّ العالمَ دخلَ من جديد في حالةِ سيولة سبقَ وأنْ دخلَها مع انهيارِ الاتّحادِ السّوفياتيّ، بيد أنَّ العالمَ مع ذلكَ يُعيدُ تشكيلَ نفسهِ كمادّةٍ صلبةٍ من جديد، لأنّهُ يُغادرُ عصراً ويدخلُ عصراً جديداً. بكلامٍ موازٍ؛ دونالد ترامب الأمريكيّ هو بوريس يلتسن السّوفياتيّ، وهما معاً منْ يصنعا اللّحظة ذاتها. كِلاهما جاءَ للقيامِ بالواجبِ المطلوبِ منه. تفكيكُ البلد القديم ببنائِهِ المُتهالِكِ وجدرانِهِ المُتصدّعة. أحدهما اختارَ شخصيّة (السكّير) والآخر اختارَ شخصيّةَ (المهرّج)، إنّها حفلةُ إعادةِ بناءِ العالمِ من جديد، وعلى القادةِ أنْ يتقنّعوا/ يتنكرّوا في هيئةٍ مُحددّةٍ. في عام 1987 نشر المستقبليّ الأمريكيّ آليفين توفلر ثلاثةُ كتبٍ هي الأشهرُ بين كتبه (الموجةُ الثالثةُ Third wave، وخرائطُ العالمِ World maps، وتوزيع/ تشظّي السُّلطة Power distribution)، ففي الكتاب الأوّل تنبأَ توفلر بانهيارِ الاتّحادِ السوفياتيّ في غضونِ بضعِ سنوات، وهذا ما تحقّقَ بشكلٍ مُذهل، فبعدَ بضعِ سنواتٍ بالفعلِ من صدورِ الكتابِ سقطَ العملاقُ ذو القدمين الطّينيتّين. في هذا الوقتِ، وحين صدرَ كتاب توفلر، كنتُ أعيشُ مع أُسرتي في بلغراد (يوغسلافيا)، وصادفَ أنّني ومجموعةٌ من الشّبابِ الفلسطينيّينَ قرّرنا القيام برحلةٍ سريعةٍ لرومانيا المجاورة، في بوخارست – رومانيا، تحدثتُ مع الملحقِ الثّقافيّ في السّفارةِ الفلسطينيّة، فقال لي إنّهُ عَلِمَ من أصدقاءَ لهُ في قيادةِ الحزبِ الشّيوعيّ الرومانيّ أنَّ الرئيسَ شاوشيسكو طلبَ ترجمة كتابِ توفلر، ثمّ وزّعَ بنفسِهِ عشر نسخٍ منه فقط على أعضاءِ في المكتبِ السياسيّ للحزبِ الشّيوعيّ الرّومانيّ، وكان شاوشيسكو مرعوباً ممّا يجري في العالم، وأيقنَ أنَّ هذه النبوءةَ ليست مجرّدَ نبوءة. حينَ عدتُ إلى بلغراد دعوتُ إلى منزلي رفاقاً لي من الحزبِ الشّيوعيّ اليوغسلافيّ، كنّا نسهرُ معاً باستمرار، فجاءَ ثلاثةٌ منهم فقط مع زوجاتِهم، وكنتُ أُلاحظُ أنَّ زوجاتِ رفاقي اليوغسلاف كُنَّ حزيناتٍ وهنَّ يُحدثنَ زوجتي عن (تنظيفِ البنادق). انتبهتُ إلى سياقِ الحديثِ لكنّني لمْ أفهم النقاشَ بدقّةٍ، ولذا بادرتُ إلى طرحِ السّؤالِ الآتي الذي كان يلحُ عليّ: 'هل بدأتم حقاً بتنظيفِ (البواريد)؟ هذا يعني أنَّ يوغسلافيا تتّجهُ نحو الحربِ؟'، ثم سألتهم: 'والآن قولوا لي ما الذي جاءَ من أجلهِ غورباتشوف اليوم، لقد رأيتُ في التلفزيون أنّهُ جاءَ لزيارةِ الرئيسِ اليوغسلافيّ ميلوسوفيتش، لكنّه غادرَ بعدَ ساعةٍ واحدةٍ فقط، وكان مُتجهِماً وبدا عليهِ الانزعاجُ، ما الذي يحدث؟' فقال لي أحدهم: اسمع يارفيق، جاءَ غورباتشوف اليوم برسالةٍ من الأمريكيّينَ مفادُها الآتي: سيّد سلوبودان ميلوسوفيتش فكّكَ يوغسلافيا بهدوءٍ أو سنأتي لتفكيكِها بالقوّة، وأذكرُ أنّني في اليوم التالي، كنتُ ضمن المتظاهرينَ في شارعِ تيتو -في قلبِ بغراد- حينَ ذهينا إلى البرلمانِ نُحيّي الرئيس سلوبودان ميلوسوفيتش الذي قالَ وهو يُخاطبُنا: سأموتُ دِفعاً عن يوغسلافيا موحّدة، سأقاتلُ إلى النهاية. كان الأمريكيونَ يريدونَ منه تفكيكَ يوغسلافيا إلى (فيدراليّات) وليس تحويلَ يوغسلافيا إلى دولةٍ فيدراليّة؛ أي كانوا يخطّطونَ لتمزيقِها، وكان رسولُهم غورباتشوف هو الدّمية التي تحكّمَ بها السكّير بوريس يلتسن. في هذهِ اللّحظة، وحين كانَ غورباتشوف يقومُ بتفكيكِ الاتّحادِ السوفياتيّ، تمّ تدبيرُ (الثورةِ الأمريكيّة) ضدّ شاوشيسكو التي انتهت بقتلِهِ بطريقةٍ بَشِعةٍ، وفي يومِ مصرعِ الرئيسِ الشّهيد شاوشيسكو الذي يُوصَفُ ظلماً بالمجرمِ والقاتل –وياللمفارقة- كانت بوخارست تعلنُ رسميّاً أنّها بلدٌ (دون ديونٍ خارجيّة)؛ أي صفر ديون. في هذه اللّحظةِ السوفيتيّة المأسويّة، كانَ صدّام حسين يدخلُ الكويتَ، وكثيرونَ يعتقدونَ حتّى اليوم أنَّ الرجلَ تصرّفَ بحماقةٍ وحسب، وبرأييّ؛ الأمرُ كان مُختلفاً، فكان العراقُ يُدركُ أنَّ خرائطَ العالم التي تَنبّأَ بها توفلر وُضِعَت قيد التطبيق، ولذا حاولَ صدّام حسين العبثَ بالخرائطِ، وكان أوّل ما فعلهُ أنْ جعلَ الكويتَ (محافظةً عراقيّةً)، وكانت المعادلةُ بالنسبةِ لبلدٍ طرفيٍّ صغير من بلدانِ العالمِ الثّالث، وهو يراقبُ تفكّك الإمبراطوريّاتِ والدولِ على النحو الآتي: ما دامَ الأمريكيّونَ سيعبثونَ بخرائطِ العالم، فعلى العالمِ أنْ يعبثَ بخرائطِ أمريكا. لمْ يكن صدّام حسين احمق وفي النهايةِ هو رئيسُ دولةٍ إقليميّةٍ مهمّةٍ كانَ لديها ما يكفي من المعطياتِ عمّا يجري في العالم، ومهما يكن، وأيّاً يكن (ما إذا كانَ غزو الكويت حماقةً أمْ لا) فليسَ هذا الأمرُ المهمُّ في هذا التحليل، المهمُّ أنْ نلاحظَ هذا الجو الدوليّ الذي بدأَ بالتشكّل. وهكذا، وقُبيلَ احتلالِ العراقِ (مارس/ آذار 2003) بثلاثةِ أشهرٍ تقريباً، وحينَ مضى أكثرُ من عقدٍ من الزّمنِ على انهيارِ العالمِ القديم، وحينَ كنتُ أعيشُ مع أُسرتي في هولندا، ذهبتُ إلى بغدادَ بدعوةٍ من وزيرِ الخارجيِةِ المرحوم طارق عزيز، بالنسبةِ لي كانَ الأُستاذ طارق عزيز -رحمه الله- صديقاً، وكنتُ أعرفهُ منذُ وقتٍ طويل، وفي بغداد التي عُدتُ إليها من المنفى بعد نحو 30 عاماً -كمعارضٍ- التقيتُ السيّدَ عزة الدوري (عزة إبراهيم نائبُ الرئيسِ صدّام حسين). وسالتُه خلالَ لقاءٍ استمرَّ لساعاتٍ، (ما أرويه –هنا- هو تاريخٌ، وللجميعِ الحقّ في اتّخاذِ أيّ موقف، لكن يجبُ احترامُ الواقعةِ التي أرويها لأنّني أكتبُ بموضوعيّةٍ وللتاريخ). مالذي يريدهُ الأمريكيّونَ منكم، أعني ما الذي طلبوهُ منكم بالضبط؟ لماذا هذا الإلحاحُ على إسقاطِ النظامِ في بغدادَ، رجاء قلْ لي ماذا طلبَ الأمريكيّونَ منكم؟ فقالَ لي حرفيّاً ما يأتي (وباللّهجةِ العراقية): – يا رفيق.. طلبوا منّا شيئاً قُلنا لهم لا نقدر عليه. خذوهُ بالقوّة. فقلتُ لهُ على الفور: – شكراً لكَ.. فَهِمت ما طلبوهُ منكم، لقد طلبوا منكم ما طلبوهُ من بلغراد. ولذا، اختفى الاتّحادُ السّوفياتيّ من الوجود. لكنَّ آلفين توفلر أضافَ ما يأتي: انتبهوا، بعدَ خمسة وثلاثينَ أو أربعينَ عاماً سوفَ تختفي الولاياتُ المتّحدةُ الأمريكيّة أيضاً، فقط لأنَّ العصرَ الذي وُلِدَت فيه ووُلد فيه الاتّحاد السوفياتي قد تلاشى وجاءَ عصرٌ جديدٌ، سوفَ يتمزّقُ المجتمعُ الأمريكيّ بثوراتِ السّودِ/ الزنوجِ وطموحِ الولاياتِ الغنيّة، وفي هذا الكتابِ أيضاً، تنبّأ توفلر بـ(أيديولوجيّاتٍ جديدةٍ) سوفَ تحلُّ محلَّ إيديولوجيّاتِ العصرِ الصناعيّ، وفي خرائطِ العالمِ تنبّأ بأوروبا أُخرى غير التي نعرفها، سوف تختفي أوروبا الغربيّة التي نعرفها، هذه التي قالَ عنها وزيرُ الدّفاعِ الأمريكيّ رامسفيلد بعدَ أسبوعٍ فقط من احتلالِ العراقِ ومن العاصمةِ بغداد: 'وداعاً أوروبا العجوز'. كثيرونَ لمْ يصدّقوا ما قالهُ وليد المعلّم أعظمُ وزيرِ خارجيّةٍ لسورية المُعاصرة، حين خاطبَ الصّحفيّينَ في مكتبةِ الأسد قبلَ أعوام: انسوا أوروبا، لقد شطبناها من الخريطةِ، هناك أوروبا جديدةٌ تولدُ هي أوروبا الشّرقيّة (الأرثوذكسيّة من بلغاريا حتّى اليونان). ولذا يحاولُ الناتو نشرَ أسلحتهُ في أراضيها بيأس، إنّها أوروبا الجديدة التي سوفَ تُلاقي روسيا الجديدة وأمريكا الجديدة (بعدَ عشرِ سنوات)، ولأنَّ الولاياتِ المتّحدةَ الأمريكيّةَ هي اليوم في اللّحظةِ السوفيتيّة، فهذا يعني أنَّ العالمَ دخلَ عصرَ (توريعِ السّلطةِ) أو تشظّي السُّلطة. في قلبِ هذه اللّحظةِ التاريخيّةِ أصبحت سورية مطبخَ العالمِ الجديد -ويا للأسف-؛ أيّ المكان الذي سوفَ تتقرّرُ فيه حصصُ وأحجامُ الدولِ. إنّها المكانُ الذي سوفَ يتمكّنُ فيه العالمُ من الانتقالِ النهائيّ من (حالةِ السيولةِ) إلى (حالةِ الصَّلابةِ). لقد لَعِبَ بوريس يلتسن دورَهُ كسكّيرٍ ثمَّ سلّمَ الأمانةَ لبوتين، وترامب اليوم يلعبُ دورَهُ كمهرّجٍ قبلَ أنْ يُسلّمَ الأمانةَ لـ(بوتين أمريكيّ) يُعيدُ بناءَ أمريكا المُتهالِكة. في مزحةٍ عابرةٍ قال بوتين تعليقاً على قراراتِ ترامب 'إنّهُ ينفّذُ ما تطلبهُ الآلة'. نعم، هناك (آلةٌ) تأمرُ الرئيسَ أنْ يبدوَ سكّيراً أو مُهرِّجاً، ولكن شرطَ أنْ ينفذَ، ليس مهمّاً ما هي هيئتهُ، سكّيراً يكونُ أو مهرّجاً، ليخترَ ما يشاء. المهمُ أنْ ينفّذَ. في نبوءةِ توفل نقرأ الآتي: الولاياتُ المتّحدةُ الأمريكيّةُ على طريقِ الاتّحادِ السوفياتيّ سوف تختفي وتتفككّ، لكنّها سوفَ تَعودُ في شكلٍ آخرَ. عاملُ السيّاراتِ التروتسكي الذي أصبحَ من أنبياءِ أمريكا، لا ينطقُ عن هَوى. إنّهُ مُتنبئ وليسَ نبيّاً، أي كاهنٌ في المؤسّسةِ الرأسماليّةِ التي تقبضُ على عنقِ العالمِ وقد خرجَ إلى الأسواِق ليتنبأَ مُحذِّراً أنَّ أمريكا دخلت اللّحظة السوفيتيّة، وسوفَ تنهارُ كما انهارَ الاتّحادِ السّوفياتيّ، وأنَّ المهرّجَ الأمريكيّ مثل السكّيرِ السّوفياتيّ يمكنُ أنْ يسقطَ في أيّ لحظةٍ وفجأةً. القوى العظمى كما قالَ ماو تسي تونغ ذاتَ يوم: عملاقٌ بقدمينِ من طين، وحين يترنّحُ العملاقُ في لحظةِ سكرٍ أو تهريجٍ لا فرقَ؛ فإنَّ القدمينِ الطّينيّين سوفَ تتداعيانِ وتتلاشى (المادّةُ الصمغيّة) اللّاصقةُ فيهما. 2025-06-16


وكالة أنباء براثا
٠٧-٠٦-٢٠٢٥
- وكالة أنباء براثا
مقدم كوميدي أمريكي شهير يعلّق على خلاف ترامب وماسك ويثير ضحك الجمهور
سخر المقدم الكوميدي بيل ماهر من خلاف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والملياردير إيلون ماسك، معتبرا أن ما جرى هو "أشهر انفصال علني" منذ أيام انفصال النجمين أنجيلينا جولي ويراد بيت. وشبّه المُقدم الكوميدي الساخر هذه الحرب العلنية والحقد المتبادل بينهما بـ"غودزيلا ضد كينغ كونغ (مخلوقان خياليان)، لو كان غودزيلا تحت تأثير الكيتامين ( الكيتامين: مخدر قد يُسبب هلوسة وتأثيرات غريبة على العقل)، وكان كينغ كونغ يرتدي تسريحة الكومبوفر (الكومبوفر: تسريحة شعر تمشيط تغطي الصلع عند الرجال)". ويعتبر هذا الانفصال الكبير والمثير أكثر دهشة لأن ترامب وماسك كانا "قريبين جدا"، مثل الثنائيات الشهيرة براد بيت وأنجلينا جولي (برانجيلينا)، وبين أفليك وجين لوبيز، الذين أسرت علاقاتهم الصحافة لسنوات طويلة، حيث علق ماهر بالقول: "كان لديهما اسم زوجي خاص بهم: E-lump". وأضاف في مونولوجه الافتتاحي لبرنامج "Real Time" على "HBO" يوم الجمعة: "لا أستطيع التفكير في شيء آخر سوى صراع ترامب وماسك". وأشار إلى أن بداية تدهور العلاقة ربما بدأت الأسبوع الماضي، حيث ظهر ماسك بعين فيها كدمة سوداء. وقالت إدارة ترامب إنه عرض على ماسك مستحضرات تجميل لكنه رفض، وهو ما وصفه ماهر بأنه "غريب". وبدأ الصراع يزداد اشتعالا مع تبادل الاتهامات، منها اتهام ماسك لترامب بأن تعريفاته الجمركية ستؤدي إلى ركود، ووصف ماسك مشروع القانون الاقتصادي الذي يدعمه ترامب ويدعوه ترامب "القانون الجميل والضخم" بأنه "شر مقيت"، معتبرا أنه سيزيد العجز الفيدرالي بشكل كارثي، حيث أن المشروع يتضمن إعفاءات ضريبية ضخمة وزيادة في الإنفاق، ما قد يضيف تريليونات الدولارات إلى ديون الحكومة. ورد ترامب بأن لا أحد يريد شراء سيارات تسلا الكهربائية. لكن الأمور تصاعدت عندما قال ماسك إنه السبب في فوز ترامب في الانتخابات. وحول ذلك، علق المقدم الكوميدي ساخرا: "ورد ترامب قائلا: 'حسنًا، أنت تعرف أن المريخ كوكب مقرف'. فرد ماسك: 'يا إلهي، أنت لست نفس الرجل الذي كنت أؤيده". وتصاعد الخلاف مؤخرا، حيث ادعى ماسك على منصة "إكس" أن تورط ترامب في ملفات إبستين هو سبب عدم الكشف عنها، لكنه حذف المنشور لاحقا. من جهته، حاول ترامب التظاهر بعدم الاهتمام بصديقه السابق، وفي هذا الصدد، سخر ماهر قائلا: "الرهان مرتفع جدًا لأن الفائز سيواجه بلايك لايفلي"، في إشارة إلى التراجع الإعلامي الأخير لصورة الممثلة. وأنهى ماهر بالقول إن أي شعور جيد بين الرجلين ربما انتهى بعد تصعيد ماسك نقده لـ"القانون الجميل والضخم" المدعوم من ترامب، ودعوته لعزل الرئيس وتأسيس حزب سياسي جديد لمواجهة الحزب الجمهوري.