logo
المرأة كفاعل قانوني في ثورة عاشوراء: زينب بنت علي (عليها السلام) نموذجًا

المرأة كفاعل قانوني في ثورة عاشوراء: زينب بنت علي (عليها السلام) نموذجًا

شبكة النبأمنذ 12 ساعات
تُجسّد السيدة زينب (عليها السلام) في ثورة الحسين (عليه السلام) المبدأ الإسلامي القائل إن المرأة ليست عنصرًا صامتًا في المجتمع، بل شريكة في صناعة الوعي ومواجهة الظلم. وقد برهنت أن الصوت النسوي، حين يتصل بالحق، يمكنه أن يهزم الطغيان ويُخلده التاريخ...
عادةً ما تُصوَّر المرأة في الثورات التاريخية بوصفها عنصرًا هامشيًا أو داعمًا، ولكن ثورة كربلاء قدّمت نموذجًا مغايرًا، حيث برزت السيدة زينب (عليها السلام) كفاعل قانوني وأخلاقي وسياسي، تجاوز الدور التقليدي للمرأة، لتتبوأ موقعًا رياديًا في فضح السلطة، ومساءلة الحكم، والدفاع عن القيم الدستورية الإسلامية. ففي لحظة انهيار الدولة الأخلاقية، وسقوط النظام الحاكم في مستنقع الظلم والدم، لم تكن زينب مجرد "شاهدة على المجزرة"، بل كانت "مرافعةً ناطقة باسم الضمير الإسلامي"، و"مؤسسة للخطاب الثوري"، الذي رسم بوضوح حدود الحاكمية والشرعية وحرية التعبير في الإسلام.
قدّمت السيدة زينب (عليها السلام) نموذجًا متكاملًا لما يمكن تسميته اليوم بـ"الخطاب القانوني المقاوم"، حيث جمعت بين البيان السياسي والمرافعة الأخلاقية، مستندة إلى أحقيتها كمواطنة وكأخت لإمام معصوم مظلوم. ومن ذلك خطبتها في الكوفة، حين قالت: "يا أهل الكوفة، يا أهل الختل والغدر… أتبكون؟! فلا رَقأت الدمعة، ولا هدأت الرنة… إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثًا…". لقد قامت زينب (عليها السلام) في هذا الخطاب بمحاكمة شعبية وجماعية، تضع فيها الأمة أمام مسؤوليتها القانونية والدينية، مستخدمة القرآن في بناء الحُجة، ومبدأ المحاسبة كمرتكز لمخاطبة الرأي العام، وهذا أحد أركان الخطاب الحقوقي الحديث: مخاطبة الجمهور من موقع الضحية الناقد للسلطة.
وفي قصر ابن زياد، حين سألها بشماتة: "كيف رأيتِ صنع الله بأخيك؟"، أجابت بقوة المؤمن الواثق بعدالة قضيته: "ما رأيتُ إلا جميلًا، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم…". لم تكن إجابتها مجرد موقف صبر، بل تأسيس لشرعية المقاومة في مواجهة من يحاول تجريمها.
كرّست زينب (عليها السلام) من خلال مواقفها مبدأ "حرية التعبير المسؤول"، وهو ما يُعدّ من أسمى الحقوق في النظم القانونية المعاصرة. وقد عبّرت عن ذلك في مجلس يزيد، حيث وقفت أمام الطاغية بكل إباء، وقالت له: "أمن العدل يا ابن الطلقاء، تخديرك حرائرك وإماءك، وسوقك بنات رسول الله سبايا؟!". في هذا الموقف، وضعت زينب (عليها السلام) يدها على جوهر انحراف السلطة: الاستبداد، وسلب الكرامة، وتسييس الدين. كما أنها استخدمت موقعها الاجتماعي والديني لتذكّر الخليفة غير الشرعي بأنه "ابن الطلقاء"، وهي عبارة قرآنية وتاريخية تشير إلى عدم مشروعيته في تمثيل الأمة. وقد قال الله تعالى: ﴿الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشى أحدًا إلا الله﴾ (الأحزاب: 39)، وهذا ما جسدته زينب (عليها السلام)، إذ كانت ناطقة بالحق، لا تخشى سلطانًا، ولا ترهب من ظلم الحاكم.
لم يكن دور السيدة زينب (عليها السلام) دفاعًا عن العائلة فحسب، بل عن الأمة وقيمها المهددة، وهي لم تمارس الفعل السياسي بعقلية رد الفعل، بل بالرؤية الواضحة لموقعها في حركة الإصلاح الإسلامي. فبعد انتهاء المعركة، أدّت زينب الدور الأخطر: حماية النساء، حفظ الرواية، تثبيت المظلومية، وقيادة القافلة إعلاميًا وروحيًا.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان". وقد طبقت زينب (عليها السلام) هذا الحديث بكل مراحله: شاركت، وتكلّمت، وواجهت، وفضحت، ودوّنت المظلومية التي كانت ستُدفن لولا صوتها، فهي لم تكن تابعة، بل مُبصرة، ذات وعي فقهي وسياسي رسالي، تُمارس الحق وتنتزعه، لا تنتظره.
إن خط زينب (عليها السلام) يمثّل تيارًا عميقًا في الفقه الإسلامي، يمكن تسميته بفقه الاحتساب المقاوم، الذي يرى أن المرأة ليست فقط كيانًا محكومًا، بل قادرة على المرافعة، والبيان، والاعتراض، بل حتى إسقاط الشرعية الرمزية للنظام الحاكم. وقد كانت خطبها في الكوفة والشام دروسًا في كيفية تحويل الحدث المأساوي إلى قضية قانونية وأخلاقية تفضح المستبد وتُحرج صمت الناس، فقد نقلت المعركة من أرض الطف إلى أروقة العروش، وحوّلت المأساة إلى خطاب عالمي، لا زال يدوّي إلى اليوم.
قال تعالى جل وعلا: ﴿ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار﴾ (هود: 113)، وكانت زينب (عليها السلام) في خطابها إعلانًا صارخًا لعدم الركون، وعدم الصمت، وعدم الاستسلام.
ختامًا، تُجسّد السيدة زينب (عليها السلام) في ثورة الحسين (عليه السلام) المبدأ الإسلامي القائل إن المرأة ليست عنصرًا صامتًا في المجتمع، بل شريكة في صناعة الوعي ومواجهة الظلم. وقد برهنت أن الصوت النسوي، حين يتصل بالحق، يمكنه أن يهزم الطغيان ويُخلده التاريخ. إن حضورها لم يكن طارئًا، بل ضرورة في معادلة الثورة، حيث توزّعت أدوار النهضة بين السيف والكلمة، بين الشهادة والرواية، بين الدم والصوت. وهكذا علمتنا زينب (عليها السلام) أن المقاومة ليست حكرًا على من يحمل السلاح، بل تشمل من يحمل الكلمة، ويذود عن الحق، ويواجه السلطان الجائر بكلمة صدق.
د. جمانة جاسم الأسدي، عضو ملتقى النبأ للحوار، تدريسية بجامعة كربلاء.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

اتقوا الله في هذا الوطن
اتقوا الله في هذا الوطن

بيروت نيوز

timeمنذ 33 دقائق

  • بيروت نيوز

اتقوا الله في هذا الوطن

اعتبر الرئيس العماد ميشال سليمان في تصريح اليوم أن 'إحياء ذكرى عاشوراء عبر المسيرات العزائية يندرج ضمن حرية ممارسة الشعائر الدينية، التي يكفلها الدستور اللبناني، ويشكّل أحد أوجه رسالة لبنان القائمة على التنوع والعيش المشترك. لكن حين يُستحضر السلاح في المناسبة، تُحمَّل الذكرى معاني سياسية وعسكرية تخرج بها عن بعدها الروحي، وتثير انقسامًا لا تلتقي عليه سائر الطوائف، بل ولا يتفق عليه حتى جميع أبناء الطائفة الشيعية الكريمة'. اضاف: 'إن الخلط بين رمزية كربلاء الدينية وخطابات القوة والسلاح يُفقد المناسبة قُدسيتها ورسالتها الجامعة'. وختم سليمان: 'اتقوا الله في هذا الوطن، وارحموا شعبًا يتوق إلى السلام ويعتزّ بالتنوع، ودولةً تحاول أن تنهض وسط ركام الانهيار'.

عز الدين: سلاح المقاومة حق مشروع ووسيلة دفاع لا غنى عنها في وجه عدو غادر
عز الدين: سلاح المقاومة حق مشروع ووسيلة دفاع لا غنى عنها في وجه عدو غادر

النشرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • النشرة

عز الدين: سلاح المقاومة حق مشروع ووسيلة دفاع لا غنى عنها في وجه عدو غادر

أكّد عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن عز الدين خلال المجلس العاشورائي في بلدة السكسكية، أن ​​ لا تزال حاضرة في ضمير الأمة، وأن ​ عاشوراء ​ هي مدرسة خالدة عبر العصور، رغم كل من حاول طمسها أو التآمر عليها ،وقال إن هذه المجالس بقيت واستمرت رغم محاولات المنع والتنكيل، حيث تعرّض الموالون للقتل والنفي والتشريد، لكن عاشوراء كانت تتجدد في كل زمان، لأنها تعبّر عن حق لا يموت. وأضاف: إذا أردنا أن نُسقط معادلة الحق والباطل على واقعنا اليوم، فإن ​ فلسطين ​ هي النموذج الحي لكربلاء هذا العصر، وما يجري هناك هو استمرار لمظلومية الحسين عليه السلام ، ولذلك لم يكن غريبًا أن يقول الإمام السيد موسى الصدر عام 1975 إن كربلاء اليوم هي فلسطين، لأن ما تتعرض له هذه القضية من تآمر وتواطؤ دولي هو نسخة معاصرة من معركة الطف، ففلسطين ليست قضية عادية بل هي قضية رسول الله (ص)، لأنها مسرى النبي، وأولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين. وشدد عز الدين على أن من يقف إلى جانب فلسطين هو في صف الحق، ومن يتآمر عليها أو يخذلها فهو في صف الباطل، وكذلك كل من يقاتل من أجل تحرير وطنه هو على حق، بينما من يتواطأ مع العدو من أجل مكاسب سياسية أو رهانات خاسرة، فهو في جبهة الباطل مهما حاول أن يجمّل موقفه، وأكد أن ما يجري اليوم في ​ لبنان ​، كما جرى سابقًا في سوريا والعراق واليمن، وما تتعرض له الجمهورية الإسلامية في إيران، يدخل في هذا السياق، حيث يقف مشروع ​ المقاومة ​ في مواجهة مشروع التبعية والهيمنة والاحتلال. وأشار إلى أن المقاومة في لبنان وُلدت من رحم ​ الاحتلال الإسرائيلي ​، فبعد الاجتياح عام 1982، ظهرت مقاومة ​ حزب الله ​، مستكملةً مسار أفواج المقاومة اللبنانية (أمل) والقوى الوطنية التي سبقتها، واستطاعت بعد 18 عامًا من المواجهة أن تطرد الاحتلال وتهزمه، دون أن تمنحه أي مكسب سياسي أو أمني أو دبلوماسي، لتُسجّل أول انتصار حقيقي للأمة في مواجهة العدو الصهيوني، وأردف قائلاً إن هذا الانتصار أثبت صواب منطق المقاومة، وأكّد أن لبنان لا يمكن أن يُستعبد أو يتحوّل إلى مستوطنة صهيونية أو محمية أمريكية، لأن هذه الأرض ارتوت بدماء الشهداء، ولأن أبناء هذا الوطن اختاروا طريق الكرامة وليس طريق الخنوع. وتابع عز الدين :": لا يمكن لأحد أن يفرض على لبنان التطبيع، ولا أن ينتزع منّا سلاح المقاومة، لأن هذا السلاح هو حق مشروع، ووسيلة دفاع لا غنى عنها في وجه عدو غادر ومفترس، واستشهد بكلام المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله (رضوان الله عليه) الذي قال: إن الإنسان الذي يعيش في مكان فيه حيوان مفترس، لا يمكن أن يُطلب منه أن يسلم سلاحه ويطمئن، طالما أن التهديد لا يزال قائمًا، والعدو الصهيوني هو هذا المفترس الذي لا يعرف إلّا لغة القوة، ولا يردعه إلا من يملك القدرة على مواجهته. وختم كلمته بالتشديد على أن المقاومة باقية، والسلاح باقٍ، و​ الإرادة ​ لا تنكسر، لأننا أبناء الحسين، وسنظل في موقع الدفاع عن أرضنا وكرامتنا، مستمدين من عاشوراء روح ​ الصمود ​ والتضحية، ولن ننحني أمام أي تهديد أو ابتزاز، لا من أمريكا، ولا من أدواتها في الداخل والخارج، لأننا أصحاب حق، و"هيهات منا الذلة".

سليمان: اتقوا الله في هذا الوطن
سليمان: اتقوا الله في هذا الوطن

ليبانون 24

timeمنذ ساعة واحدة

  • ليبانون 24

سليمان: اتقوا الله في هذا الوطن

اعتبر الرئيس العماد ميشال سليمان في تصريح اليوم أن "إحياء ذكرى عاشوراء عبر المسيرات العزائية يندرج ضمن حرية ممارسة الشعائر الدينية ، التي يكفلها الدستور اللبناني ، ويشكّل أحد أوجه رسالة لبنان القائمة على التنوع والعيش المشترك. لكن حين يُستحضر السلاح في المناسبة، تُحمَّل الذكرى معاني سياسية وعسكرية تخرج بها عن بعدها الروحي، وتثير انقسامًا لا تلتقي عليه سائر الطوائف، بل ولا يتفق عليه حتى جميع أبناء الطائفة الشيعية الكريمة". اضاف: "إن الخلط بين رمزية كربلاء الدينية وخطابات القوة والسلاح يُفقد المناسبة قُدسيتها ورسالتها الجامعة". وختم سليمان: "اتقوا الله في هذا الوطن، وارحموا شعبًا يتوق إلى السلام ويعتزّ بالتنوع، ودولةً تحاول أن تنهض وسط ركام الانهيار".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store