logo
تفاعل الذكاء الاصطناعي مع فن كتابة السيناريو السينمائي

تفاعل الذكاء الاصطناعي مع فن كتابة السيناريو السينمائي

موقع كتاباتمنذ 7 ساعات

شهدت صناعة السينما في السنوات الأخيرة ثورة تكنولوجية هائلة، حيث أصبح الذكاء الاصطناعي، جزءًا لا يتجزأ من مختلف جوانب هذه الصناعة. من كتابة السيناريو إلى التصوير والتحرير، مما أسهم في تحسين الكفاءة وتعزيز الإبداع، وتغيير طريقة إنتاج وتوزيع الأفلام.
كيف يمكن ضمان الحفاظ على الجانب الإبداعي البشري في ظل استخدام الذكاء الاصطناعي ؟
وكيف يمكن معالجة التحديات الأخلاقية المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية ؟
تعتبر عمليات الإنتاج من أكثر المجالات استفادة من الذكاء الاصطناعي، فقد تم تطوير أنظمة تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل النصوص السينمائية وتقديم رؤى حول كيفية تنظيم المشاهد ، وتقوم هذه الأنظمة بتحديد المواقع المثلى للتصوير وتقدير التكاليف والموارد المطلوبة، مما يؤدي إلى تخفيض التكاليف وزيادة الكفاءة. كما يمكن للذكاء الاصطناعي تقديم تحليلات تنبؤية تساعد المنتجين في اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن الجدول الزمني والإنتاج
لم يقتصر دور الذكاء الاصطناعي على تحسين الكفاءة فقط، بل ساهم أيضًا في تعزيز الإبداع،ففي الاستوديوهات مثلا نجد أنها تستخدم بعض تقنيات الذكاء الاصطناعي في كتابة السيناريو، حيث تقوم هذه الأنظمة بتوليد نصوص جديدة أو تقديم أفكار مبتكرة بناءً على تحليلات للسيناريوهات السابقة. وهذا يسمح للكتاب باستكشاف أفكار مبتكرة لم تكن لتخطر على بالهم من قبل،مثلما تستخدم هذه التقنيات في معالجة الصور بشكل أسرع وأكثر دقة، مما يجعل من الممكن خلق تأثيرات بصرية مذهلة دون الحاجة إلى موارد بشرية ضخمة. كما يمكن أيضا دمج الذكاء الاصطناعي في تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز، مما يتيح للمشاهدين تجربة تفاعلية تعزز من انغماسهم في القصة.
أصبح تحليل بيانات الجمهور أمرًا حيويًا ،في عصر المعلومات، حيث يقوم الذكاء الاصطناعي بتحليل البيانات الكبيرة لفهم تفضيلات الجمهور وسلوكياته، مما يساعد شركات الإنتاج على تصميم حملات تسويقية أكثر فعالية. وأيضا تستخدم منصات البث الذكي تقنيات الذكاء الاصطناعي لتقديم توصيات مخصصة للمستخدمين، مما يزيد من احتمالية مشاهدة الأفلام ويعزز من تجربة المشاهدة.
يجب أن يكون لدى المبدعين و المهتمين بالمجال الفني الإبداعي ، أهداف واضحة حول كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي في أعمالهم ،و تحديد هذه الأهداف يمكن أن يساعدهم في توجيه التكنولوجيا نحو تعزيز الإبداع بدلاً من تقييده.
ومن المهم أن يتبنى الفنانون والمبدعون نهجًا نقديًا في استخدام الذكاء الاصطناعي ،وأن يسألوا أنفسهم كيف يؤثر هذا الاستخدام على أصالة أعمالهم وكيف يمكنهم الحفاظ على اللمسة الإنسانية فيها ، وينبغي أن تتضمن الأعمال الفنية قيمًا إنسانية وثقافية تعكس التجارب البشرية.
رغم الفوائد العديدة للذكاء الاصطناعي، إلا أن هناك تحديات أخلاقية واجتماعية تثير القلق، من أبرز هذه التحديات ؛ مسألة حقوق الملكية الفكرية، حيث يطرح استخدام الذكاء الاصطناعي في الكتابة والإنتاج تساؤلات حول ملكية النصوص والشخصيات التي تم إنشاؤها. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي الاعتماد على الخوارزميات إلى تعزيز التحيزات الموجودة في البيانات الأساسية، مما يمكن أن يؤثر على تمثيل الثقافات والمجتمعات المختلفة في السينما.
ولمعالجة التحديات الأخلاقية المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية في سياق استخدام الذكاء الاصطناعي تتطلب مجموعة من الاستراتيجيات والسياسات:
.
وضع مبادئ توجيهية لتحديد ملكية الأعمال التي يتم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي، مثل اعتبار المطورين أو المستخدمين كمؤلفين،وإنشاء نظام لتسجيل الأعمال التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، مما يسهل تحديد الملكية وحماية الحقوق.
-توعية وتثقيف:
التثقيف حول حقوق الملكية، من خلال تنظيم ورش عمل وندوات لتثقيف المعنيين حول حقوق الملكية الفكرية والمخاطر المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي ،و تشجيع المطورين على فهم القوانين المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية وكيفية تطبيقها في مشاريعهم.
-التعاون بين الأطراف:
حوار بين الصناعة والحكومة: تعزيز الحوار بين الشركات، الحكومات، والمجتمعات الأكاديمية لوضع سياسات فعالة تعالج التحديات ،و إنشاء شراكات بين المؤسسات الأكاديمية وصناعة السينما لتطوير حلول مبتكرة تتعلق بحقوق الملكية.
-تشجيع الإبداع المفتوح:
تراخيص مفتوحة: تشجيع استخدام تراخيص مفتوحة تسمح بمشاركة الأعمال المولدة بواسطة الذكاء الاصطناعي مع تحديد شروط واضحة للاستخدام ،و تعزيز ثقافة التعاون بين المبدعين والمطورين، مما يسمح بتبادل الأفكار والمحتوى بشكل قانوني وأخلاقي
– مراقبة وتقييم:
تقييم الأثر: إجراء دراسات دورية لتقييم تأثير استخدام الذكاء الاصطناعي على حقوق الملكية الفكرية وتعديل السياسات بناءً على النتائج ، و إنشاء مؤشرات لقياس النجاح في معالجة التحديات المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية.
تتطلب معالجة التحديات الأخلاقية المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية نهجًا شاملاً يجمع بين التشريعات، التوعية، والتعاون بين الأطراف المختلفة. من خلال تبني سياسات فعالة، يمكن تعزيز الإبداع والابتكار مع حماية حقوق الأفراد والمبدعين.
إن تأثير الذكاء الاصطناعي على صناعة السينما هو تأثير عميق ومتعدد الأبعاد. بينما يوفر فرصًا جديدة للإبداع والكفاءة، فإنه يأتي أيضًا مع مجموعة من التحديات التي تحتاج إلى معالجة. يجب أن تعمل صناعة السينما على تحقيق التوازن بين الاستفادة من هذه التكنولوجيا المتقدمة وضمان أن تبقى القيم الإنسانية والأخلاقية في صميم الإنتاج السينمائي.

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

لوحة الواحة لإليزابيث بيتون تحقق 2.7 مليون دولار في مزاد عالمي
لوحة الواحة لإليزابيث بيتون تحقق 2.7 مليون دولار في مزاد عالمي

الرأي العام

timeمنذ ساعة واحدة

  • الرأي العام

لوحة الواحة لإليزابيث بيتون تحقق 2.7 مليون دولار في مزاد عالمي

أعلنت دار المزادات العالمية سوثبي بيع لوحة إليزابيث بيتون، التى تُصوّر الأخوين ليام ونويل جالاجر، مغنيى فرقة أواسيس، بسعر زهيد بلغ 1.5 مليون جنيه إسترلينى (مليونا دولار) في مزاد للفن الحديث والمعاصر في لندن، محققةً 1,992,000 جنيه إسترليني (2.7 مليون دولار). تصور هذه الصورة المزدوجة الأخوين في عام 1996، في أوج شهرتهما، بدفء وعمق، رسما بألوان أرجوانية وزرقاء جريئة، مع لمسات من اللون الأحمر على شفاههما وملابسهما الرياضية، وبالطبع، تسريحات شعر الخنفساء المميزة، وفقا لما نشره موقع' اشترى المُرسِل العمل الفني مقابل 511,640 دولارًا أمريكيًا من دار سوثبي للمزادات في 13 أكتوبر 2011، وفقًا لقاعدة بيانات أسعار آرت نت، وحتى مع تعديل السعر وفقًا للتضخم إلى 731,195 دولارًا أمريكيًا، من المتوقع أن يحقق عائدًا إيجابيًا. بلغ الرقم القياسي لسعر بيع لوحة بيتون في مزاد 4.1 مليون دولار، وهو رقم سجل العام الماضي للوحة أخرى مستوحاة من الواحة، وهي لوحة ' بلو ليام'، وقد ضاعف هذا السعر تقديره الأدنى البالغ 1.8 مليون دولار.. (تشمل أسعار البيع الرسوم، أما التقديرات فلا تشملها). في معرض آرت بازل هذا الأسبوع، بيعت لوحة 'نرى أشياء لن يروها أبدًا' (2025) للفنان فريدريش كوناث بسعر 135,000 دولار أمريكي في جناح بيس؛ وقد بيعت في يوم افتتاح المعرض لكبار الشخصيات لجامع أوروبي مجهول الهوية، وفقًا للمعرض، سُميت اللوحة تيمنًا بسطر من أغنية 'عش للأبد' الشهيرة لفرقة أواسيس عام 1994، وهي تصور رجلاً وحيدًا على جرف، بأسلوب الرسام الرومانسي الألماني كاسبار ديفيد فريدريش في القرن التاسع عشر.

الغول والمرآة..!كريم عبد السلام
الغول والمرآة..!كريم عبد السلام

ساحة التحرير

timeمنذ 2 ساعات

  • ساحة التحرير

الغول والمرآة..!كريم عبد السلام

الغول والمرآة.. المضروبُ بلعنة الظمأ يملك أسئلةَ الموت.. ماذا تفعل النجوم؟* ———– كريم عبد السلام** ———– غُولْ عينان تُطلقان الشرر وأنيابٌ بارزهٌ ورائحةُ قمامة غُولْ، أقسمُ ليس كابوساً رأسُ ذئبٍ وقرناُ ثورٍ وبدنُ فأر عملاق وذراعا كُنغرٍ ومخالبُ دبٍّ قطبى يقفُ على قدمين ويعرف الكلام ماذا يكون إذن إن لم يكن غولاً لا أدرى من أين أتى.. خرجَ من الحكايات القديمة، أم جاء عبر ثغرة فى الزمن لكنه أمامى، وأنا عائد من المدينة المزدحمة إلى بيت أهلى، الجسرِ الترابى ومدخلِ قريتى وحقولِ القمح والبرسيم وماكينات الرى، وفى رأسى يتردد سؤال واحد: من أنا ….. أنا لم أَسْتَدعِه هو أو غيره من الوحوش، ولم أكن أفكر فى الغيلان حتى تحضرَ كنت أتمتم 'والصبحِ إذا تنفس' مع غبشة الفجر، وأشعر بالتراب المبلل على الجسر فى مدخل قريتى، وسؤال 'من أنا' يتخبط فى رأسى، تحت هذه السماء فى هذه النقطة من العالم الغولُ يتمدد بعرض الجسر، وعيناه الحمراوان تلمعان وأنيابُه ظاهرة، وزمجرته مسموعة من يريد أن يقترح اسما آخر لهذا الوحش فليتفضل، لكنى الآن، أعرف الشعور الذى يجتاح الفأر عندما يحدق فيه ثعبان على بعد أمتار ساقاى من الخشب وذراعاى من الرمل، ودمى متجمدٌ والعرق يتصبب من رأسى إلى وجهى وعنقى أريد أن أتراجع ولا أستطيع، أريد أن أعدو، أريد أن أقفز يميناً أو يساراً ، هرب يهرب هروبا فهو غائب عن عينى الغول، لكن جسدى يعصانى، والعينان الحمروان مصوبتان باتجاهى والعضلات متحفزة والأذنان تتحركان كأنما تسمعان أنفاسى، والذيل إلى اليمن وإلى اليسار أنت تهذى، قل لعينيكَ: أنتما تكذبان تقدم ودُس على الوهم، مجردُ وهمٍ ويزول مع نصف خطوة، قام واقفاً يتلمظ وضرب الأرض بحافريه 'ظمآن .. ظمآن لماذا أنا من دون العالم محكومٌ علىَّ بالظمأ إلى الأبد كل الأنهار لا تروينى.. كل الآبار لا تُطفئ العطشَ الملازمَ لروحى معك ماءٌ أم أشربُ دمَك؟ ظمآن .. ظمآن' قذفت نحوه زجاجتى فتلقفها وسكبها فى فمه وأنا أفكر فى طريقة للهروب، وفى بلدتى التى لا يظهر منها أحد، وفى بيت أهلى وفى الأنهار والآبار التى جفت ولم ترو ظمأه، لكنّى ظللتُ متخشباً فى مكانى، والغولُ يتقدم ببطء، واستند إلى سقالة من عروق الخشب فى وسطها سلم صاعد بارتفاع عشرة طوابق 'الأغبياء نصحونى ببناءِ سُلّمٍ لاصطياد السحاب الكذابون، قالوا إن الغيوم تخزن المياه فى جوفها وأنَّ فكَّ لعنتى فى ابتلاع الغيوم كل يوم أصعد حتى الغيوم لكنى لا أمسك بها دخانٌ .. هواء لا يروى عطشى خدعونى وشربت دماءهم'، وأشار إلى العظام والجماجم حول السقالة عندئذ أيقنت أنى ميتٌ ميّت لا أخاف الموت لكنى أخاف الألم هذه المخالب كفيلةٌ بصبِّ آلام العالم على رأسى قد ينتزع ذراعى أو ساقى أو ينهشنى حياً رأيتُ الضباع تلتهم فريستَها حيةً، قضمةً قضمة أيها الغولُ المبجّلُ أنتَ أقوى وحشٍ فى العالم أقوى من الأسود والنمور والدببة مجتمعين وأشرسُ من جماعات الكلاب البرّية التماسيحُ العملاقةُ لا تُقارَن بقدرتكَ على البطش أنت الوحشُ الوحيدُ القادرُ على الكلام الوحيدُ الملعونُ بالظمأ الأبدى أيها الغولُ المبجَّل أنت لا ينافسك إلا الشيطان لكنّى أثق أنكَ إذا واجهته، ستقضىى عليه فى لمح البصر اسمح لى فقط اسمح لى أن أستأذنَ فى موتٍ سريع ضربةٌ واحدةٌ من كفّك القوية على رأسى كفيلةٌ بقتلى أيها الغولُ المبجَّل أنا فضّلتكَ على نفسى رغم عطشى وأعطيتك ما معى من ماء كل ما أطلبه ليس النجاةَ لا سمح الله ليس السماحَ بأن أمر إلى بيت أهلى أنا أقدّر مصابكم الأليم وعطشكم الدائم ولعنتكم الثقيلة أريد موتاً سريعاً لا أريدُ ألماً لا أريد تعذيباً ……… لأنك أعطيتنى ما معك من ماء سأسألك ثلاثة أسئلة إذا أجبتَها تمرُّ بروحكَ وجسدك، وإذا عجزتَ، شربتُ دمكَ وأكلتُ لحمكَ لا خيارَ أمامكَ تجيبُ أو تصمت تعبر أو تموت … -ماذا تفعل النجوم؟ =تلفظ أنفاسها الأخيرة أمامنا، لكننا سنموت قبل أن تنتهى وصوب الغول عينيه نحوى ضارباً الأرض بحافريه …. -ما معنى الكون؟ =الكون هو الكون، معناه فى وجوده ورفع الغول رأسه، وزعق ناحية السماء فطار سربُ حمام كان على الأرض ….. -هل هناك من هو أجملُ منّى فى العالم؟ =نعم فأخرج الغول ناراً من جوفه -إذا لم تدلنى عليه أقضمْ رقبتَكَ وفتح فكيه فظهرت أنيابُه خناجرَ =كائن المرآة أجملُ منكَ ، هو الأجملُ على الأرض ورفعتُ المرآةَ بيدى الإثنتين حتى تكون فى مستوى وجهه وأيقنت بهلاكى ورحت أتمتم بالشهادتين، والغول يتقدم ويدمدم ، إلى أن خطف المرآة من يدى ووضعها أمام عينيه الحمراوين ووجهه العفريتى وقرنيه البارزين وأنيابه التى تخترق شفتيه لأعلى ولأسفل وكأنّى بالغول قد انتفخَ حتى صار منطاداً ثم صرخ صرخةً عظيمةً وتبعها بزفرةٍ ناريةٍ وقعتْ على حقل قمحٍ فأحرقته ثم انفجر إلى مزقٍ صغيرةٍ، بعد أن ارتفع فى الهواء وارتطم بالأرض من الغيظ عندما رأى صورته، وانحلت لعنته المؤبدة بالموت. وعندما وصلت بيت أهلى سألونى : هل سمعت عن الغول الذى ظهر ناحيتنا؟ —————————————————————– · من ديوان 'بالادات' .. أيها القارئ السعيد .. ماذا فعلت الحملانُ بالذئاب · شاعر من مصر ‎2025-‎06-‎28

الكتابة كقَدَر: من حبر الذات إلى وجع الوطن (4)
الكتابة كقَدَر: من حبر الذات إلى وجع الوطن (4)

موقع كتابات

timeمنذ 5 ساعات

  • موقع كتابات

الكتابة كقَدَر: من حبر الذات إلى وجع الوطن (4)

أكتب… وكأنني أنقذ نفسي من الغرق. أكتب… وكأن الكلمات الحرة الصادقة هي آخر حبل نجاة في هذا الطوفان الجارف من التزييف واللامعنى . أكتب لأن الصمت، في زمن التشويه، لم يعد حيادًا، بل صار جريمة. هل يُغفر لكاتب أن يصمت حين يُهان وطنه؟ هل يُعذر مثقف إذا سكت حين تُجزّ الحقيقة أمامه كالشاة وينحر الصدق كالابل ؟ وهل من الجائز أن نُقايض ضمائرنا بالسلامة، وعقولنا بالرواتب، وحروفنا بالمجاملات والامتيازات ؟ لا والله… ؛ إننا بذلك نكون قد قتلنا أوّل ما وهبنا الله: الكلمة. الكلمة التي علّمها آدم، وفهم بها الخلق، وميّز بها الخبيث من الطيب. الكلمة التي لم تكن يومًا مجرّد حروف، بل وعدٌ، وعهدٌ، وثورة. يا صاحبي، إنّ الكتابة الحقّة ليست 'نشاطًا ثقافيًا' في صالون مخملي، ولا منشورًا يحصد اللايكات، ولا مرآة لغرورنا المعلّب. الكتابة التي أعنيها، هي تلك التي تُربك، وتُخيف، وتُوقظ، وتُطارد الطمأنينة الزائفة في عقل القارئ، وتنتزع أقنعته قطعةً قطعة . حين أكتب عن العراق، لا أمارس الحنين، بل المحاسبة . وحين أستحضر مآسيه، لا أثير الشجن، بل أحرّض على التغيير. العراق لا يحتاج مزيدًا من الرثاء، بل يحتاج من يصرخ في وجه التاريخ: 'قف، لقد سُرقت الحقيقة والحاضر والمستقبل !' إننا في بلادٍ، صار فيها الماضي كذبة، والحاضر لعنة، والمستقبل مجهولًا مبهمًا مروّعًا. في بلادٍ، حيث الطفل يولد حاملًا طائفته قبل اسمه، والشاب يشيخ قبل أن يحلم، والمثقف يُستبدل بـ'مؤثر'، والمنبر الديني يُستثمر سياسيًا، والسياسي يزني بالوطن ثمّ يخطب في شرفه … . كيف لا أستشيط من الغضب، وذاكرتي مثقلة بصور المذابح، وسجلات الإعدامات، وقبور المجهولين؟ كيف لا أكتب، وأنا أرى أبناء الوطن يُصنّفون ويُقسّمون ويُهانون، ثم يُطلب منهم أن يُحبّوا جلّاديهم؟ أكتب… وأنا أعلم أن الحرفَ الحرّ لا يجد منصّة، بل يجد حبلًا مشنوقًا، أو نافذةً مغلقة، أو طعنة من 'صديق'. أكتب… لأنني قررت أن لا أكون شاهد زور في جنازة وطنٍ يتداعى. الكتابة الحقيقية — كما قال سارتر — شكلٌ من أشكال الحرية. لكنها أيضًا، في عالمنا، شكل من أشكال الشهادة والهلاك . وما أكثر الكُتّاب الذين اغتيلوا، لا لأنهم حملوا سلاحًا، بل لأنهم كتبوا سطرًا لم يُعجب السلطة او قوى الظلام ، أو كشفوا فضيحة أزعجت الطائفة، أو انتصروا للمهمّشين، لا للنافذين… . لا يوجد قلم نظيف لا يُلاحق، ولا عقل حر لا يُخوَّن، ولا كلمة حقّ لا تُداس في البداية… ؛ ثم تُرفع لاحقًا كأيقونة بعد أن تُسفك الدماء. لكن… هل يهمّ؟ هل نكتب لنُصفّق؟ أم نكتب لنعري الواقع ونوقظ الغافلين؟ وهل معنى الحياة في أن نعيش طويلًا؟ أم أن نعيش صادقين، ولو كلفنا ذلك أعمارنا؟ أنا أكتب لأجل الذين لا صوت لهم. لأجل تلك الأمّ التي تنتظر ابنها في السجون منذ عقد ولم تسمع خبراً. لأجل الشهداء الذين شوّهت أسماءهم في نشرات الأخبار، ولأجل أطفال الشوارع الذين يتوسدون الأرصفة ويأكلون من نفايات المدينة التي تنام في أحضان اللصوص. الكتابة قدر، نعم… ولكنها ليست قدراً أعمى، بل رسالة. رسالة تبدأ من الذات — من أن تكون صادقًا مع نفسك — ثم تمتد إلى الإنسان… كل إنسان. يا صديقي، إن أردت أن تعرف الكاتب الحقيقي، فلا تسأله عن بيانه، بل عن جراحه. ولا تبحث في معجمه، بل في ضميره. وانظر إلى ما كتبه ساعة الهزيمة، لا ساعة النصر، إلى ما كتبه عندما خسر، لا عندما صُفّق له. لأن الكلمة لا تُختبر في الرخاء، بل في الشدة. وإن لم تكن الكتابة نارًا تأكل صاحبها قبل أن تنير الطريق، فهي حيلة لا تُغني ولا تُسمن من جوع.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store