
سفراء حماية المستهلك.. الرهان الذكي على وعي الجيل القادم
في خطوة نوعية تعكس فكراً مستنيراً ورؤية مستقبلية متقدمة، أعلنت وزارة الصناعة والتجارة، بالتعاون مع وزارة شؤون الشباب، إطلاق المبادرة الوطنية «سفراء حماية المستهلك»، مستهدفةً فئة الشباب البحريني من 24 إلى 30 عاماً، ورغم أن هذا الإعلان قد يبدو للبعض ضمن موجة البرامج التدريبية المعتادة، فإن القراءة المتعمقة تكشف عن تحول استراتيجي في العقلية البحرينية نحو اقتصاد قائم على المعرفة وحقوق المستهلك.
تأتي أهمية هذه المبادرة من كونها ليست فقط برنامجاً تدريبياً، بل هي منصة لبناء جيل اقتصادي جديد، واعٍ، مثقف، مؤهل لحماية ذاته ومجتمعه من أخطار التضليل التجاري، فالمستهلك الخليجي، والبحريني على وجه الخصوص، بات اليوم أمام تحديات معقدة في السوق الرقمية.ذات يوم، رفض أحد المتاجر تسليم مستهلك بحريني فاتورة شراء بسيطة، مما حرمه لاحقاً من حقه في استرجاع منتج معيب، لكن المفاجأة أن هذا التصرف الفردي فجّر نقاشاً نيابياً، وأدى لاحقاً إلى تعزيز إلزامية الفاتورة كوثيقة قانونية، وهو ما تحوّل إلى حملة رسمية لحماية المستهلك وتعديل تشريعي، وغيرها من المواقف في منطقة دول الخليج.
وفق إحصائيات إدارة حماية المستهلك بالبحرين، فإن أكثر من 35% من الشكاوى التجارية المسجلة خلال 2024 كانت نتيجة جهل المستهلك بحقه القانوني أو آلية التعامل مع الجهات التجارية، وفي مقابل هذه الأرقام، نجد أن وعي المستهلك يشكل درعاً أولياً أمام ممارسات الغش والخداع التجاري، وهو ما تسعى إليه المبادرة بتأهيل الشباب وتدريبهم نظرياً وعملياً، حتى يصبحوا سفراء حقيقيين لثقافة الاستهلاك الرشيد.
ولعل من أبرز أبعاد البرنامج هو أنه يعزز من قوة السوق الداخلية، ويُعيد التوازن بين طرفي العملية التجارية: المستهلك والتاجر، المستهلك الواعي لا يُخدع بعروض كاذبة، ولا يستجيب للتسويق العاطفي، ولا يتورط في صفقات تفتقر للشفافية.
ومن هذا المنطلق، فإن المبادرة تسهم في تقليل حجم الخسائر المالية التي يتكبدها المواطن جراء الغش التجاري، والتي قدّرت في دراسة خليجية حديثة بـ1.2 مليار دولار سنوياً على مستوى دول الخليج مجتمعة، وفي السياق نفسه، يحمل البرنامج بعداً استشرافياً لافتاً، إذ يُهيئ الشباب للانخراط في منظومة رقمية شديدة التعقيد، ويُعدّهم لمستقبل يعتمد بشكل كبير على المهارات السيبرانية، والتحليل المالي، والفهم القانوني، فالمستهلك في العصر الرقمي لا يحتاج فقط إلى معرفة سعر المنتج، بل إلى فهم سياسات الخصوصية، شروط الاسترجاع، آليات التقييم، واستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي للمقارنة والتحقق.
وما يميز المبادرة أكثر، أنها تنسجم تماماً مع الرؤية الاقتصادية البحرينية 2030 التي ترتكز على التنافسية والاستدامة والعدالة، فحماية المستهلك ليست فعلاً قانونياً فحسب، بل هي رافعة أخلاقية واقتصادية ومجتمعية.
ولا نغفل البُعد القانوني لهذا البرنامج؛ فالتدريب العملي من الضرورة أن يشمل لتعرف على قانون حماية المستهلك رقم (35) لسنة 2012، واللوائح التنفيذية المرتبطة به، مما يعزز الفهم الحقوقي لدى الشباب، ويمكّنهم من تطبيق هذه القوانين في الواقع اليومي، وقد ثبت أن أكثر المواقف التي أثرت في تحولات السياسات الاستهلاكية في الخليج لم تكن بسبب مؤتمرات أو ندوات، بل بفضل مواقف شبابية فردية قادت حملات مقاطعة، أو فجّرت قضايا رأي عام، أو تصدت لممارسات استغلالية بأسلوب حضاري وقانوني.
اليوم، تحمل هذه المبادرة في جوهرها أكثر من مجرد تدريب، إنها مشروع وطني لإعداد «مواطن اقتصادي» واعٍ، يفكر، يحلل، يسأل، ويقارن.
في النهاية، فإن منح لقب «سفير حماية المستهلك» ليس فقط اعترافاً بالكفاءة، بل هو إعلان من البحرين للعالم أنها تؤمن بقدرات شبابها، وتستثمر في عقولهم، وتراهن عليهم لقيادة المستقبل.
* إعلامية وباحثة أكاديمية
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البلاد البحرينية
منذ 4 ساعات
- البلاد البحرينية
أرامكو تسعى لبيع أصول بقيمة تصل إلى 4 مليارات دولار
ذكرت مصادر لرويترز إن شركة أرامكو تسعى لبيع ما يصل إلى 5 محطات لإنتاج الكهرباء باستخدام الغاز، بحسب 3 مصادر مطلعة بقيمة قد تصل إلى 4 مليارات دولار. كما ذكرت المصادر أن الشركة قد تقوم ببيع أصول أخرى مثل مجمعات سكنية وخطوط الأنابيب بالإضافة إلى أصول مرتبطة ببنية تحتية مرتبطة بالمرافق. ولم تحدد "رويترز" المهلة الزمنية للبيع إنما أشارت إلى أن المشترين المحتملين قد يكونون من ضمن شركات سعودية متخصصة بالمرافق العامة. تمتلك أرامكو جزئيا أو كليا 18 محطة لإنتاج الطاقة تغذي المصافي ومصانع الغاز التابعة لأرمكو بحسب البيانات المالية للشركة لعام 2024.


الوطن
منذ 11 ساعات
- الوطن
OpenAI توسع شراكتها مع 'أوراكل' لتأمين طاقة حوسبة لمشروعات الذكاء الاصطناعي
في خطوة جديدة تؤكد النمو المتسارع لتطبيقات الذكاء الاصطناعي ومتطلباتها التقنية، دخلت شركة "OpenAI" في اتفاق لاستئجار طاقة حوسبة هائلة من مراكز بيانات "أوراكل" في الولايات المتحدة، والاتفاق يأتي ضمن مشروع "ستارجيت" الطموح الذي يهدف إلى بناء بنية تحتية عملاقة لدعم تطور الذكاء الاصطناعي عالميًا. طاقة غير مسبوقة لدعم الذكاء الاصطناعي الاتفاق بين "OpenAI" و"أوراكل" يشمل استئجار سعة حوسبية تقدر بحوالي 4.5 جيجاواط من طاقة مراكز البيانات، وهو رقم يعادل طاقة إنتاج أربعة أو خمسة مفاعلات نووية، وهذه الكمية من الطاقة يمكنها نظريًا تغذية ملايين المنازل في الولايات المتحدة، والتحرك يبرز الحاجة المتزايدة للموارد التقنية لتشغيل وتطوير نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة. مشروع "ستارغيت" وأبعاده الاستثمارية الصفقة تعد جزءًا من مبادرة "ستارجيت" التي أُعلن عنها في يناير الماضي من البيت الأبيض، وتشارك فيها "OpenAI" إلى جانب "أوراكل"، و"سوفت بنك" وعدة شركات أخرى، وتهدف هذه المبادرة إلى استثمار 500 مليار دولار في البنية التحتية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي خلال السنوات القادمة في مواقع مختلفة داخل الولايات المتحدة وخارجها. مراكز بيانات جديدة وتوسعات ضخمة بالفعل بدأت "أوراكل" في تطوير مركز بيانات ضخم في مدينة أبيلين بولاية تكساس، بالتعاون مع شركة "Crusoe"، وضمن خطط التوسع تدرس الشركة إنشاء مراكز بيانات إضافية في ولايات مثل ميشيجان ووايومنج وويسكونسن ونيو مكسيكو وأوهايو، بالإضافة إلى توسيع سعة الموقع القائم في أبيلين من 1.2 إلى نحو 2 جيجاواط، وهذا التحرك يعكس التخطيط الاستراتيجي لتوفير البنية التحتية المطلوبة لنماذج الذكاء الاصطناعي واسعة النطاق. "أوراكل" تعزز وجودها في سوق الحوسبة السحابية رغم أن "أوراكل" معروفة ببرمجيات قواعد البيانات فإنها حققت في الفترة الأخيرة تقدمًا ملحوظًا في سوق الحوسبة السحابية خصوصًا من خلال استهداف مشاريع الذكاء الاصطناعي، والصفقة الحالية التي تصل قيمتها إلى أكثر من 30 مليار دولار تتجاوز الحجم الحالي لأعمال البنية التحتية السحابية للشركة مما يعد دفعة قوية لتوسيع حضورها في هذا المجال الحيوي. الضغوط المالية والمكاسب المستقبلية أشارت تقارير وكالة "ستاندرد آند بورز" إلى أن وتيرة إنفاق "أوراكل" على بناء هذه البنية التحتية السحابية تفوق التوقعات، وقد تؤثر مؤقتًا على التدفق النقدي للشركة، ورغم ذلك تبدي الوكالة نظرة إيجابية تجاه استراتيجية الشركة على المدى الطويل خصوصًا مع ازدياد الطلب العالمي على قدرات الذكاء الاصطناعي. شراكات دولية لتعزيز البنية التحتية في مايو الماضي أعلنت "OpenAI" أنها تساهم في تطوير "ستارجيت" في الإمارات بالتعاون مع "أوراكل"، و"Crusoe"، و"Nvidia"، و"Cisco"، وشركة "G42" المدعومة من صندوق الثروة السيادي الإماراتي، وهذه الخطوة تعكس التوسع الجغرافي في تنفيذ المشروع وأبعاده الاستراتيجية على مستوى عالمي.


البلاد البحرينية
منذ 19 ساعات
- البلاد البحرينية
65.7 مليار دولار أربــــاح الفائزيـــــن بلقـــــب 'أقوى 30 مصرفا خليجيا في 2025'
سجلت البنوك الخليجية الفائزة بلقب 'أقوى 30 مصرفا خليجيا للعام 2025'، أرباحا صافية مجمعة بلغت نحو 65.73 مليار دولار أميركي حسب النتائج المالية للعام 2024، في أداء يعكس قوة القطاع المصرفي في دول مجلس التعاون الخليجي وقدرته على تحقيق نتائج استثنائية، بالرغم من التحديات الاقتصادية العالمية، وتزايد كلفة التمويل، وضغوط الأسواق المالية الإقليمية والدولية. وتوزعت هذه الأرباح بين 31 بنكا خليجيا تم اختيارها ضمن النسخة الثالثة من مبادرة 'أقوى 30 مصرفا خليجيا' التي أطلقتها 'البلاد' للسنة الثانية، وذلك بعد أن تقاسم بنكان خليجيان المرتبة الثلاثين. وتعتمد المبادرة على تحليل شامل للبيانات المالية المدققة، باستخدام مجموعة من المؤشرات الكمية التي تشمل إجمالي الأصول، وصافي الربح قبل الضرائب، والعائد على الأصول، ونمو الأرباح، إلى جانب نسب كفاية رأس المال، في إطار تقييم مستقل تُجريه لجنة تضم خبراء مصرفيين وماليين من مختلف دول المنطقة. وتصدر بنك الإمارات دبي الوطني قائمة البنوك الخليجية الأعلى ربحية بالعام 2024، محققا أرباحا بلغت 8.17 مليار دولار، يليه البنك الأهلي السعودي بأرباح قدرها 6.38 مليار دولار، ثم بنك قطر الوطني (QNB) بأرباح بلغت 6.29 مليار دولار، في حين حل مصرف الراجحي رابعا بـ 5.93 مليار دولار، يليه بنك أبوظبي الأول بـ 5.38 مليار دولار. كما تجاوزت أرباح بيت التمويل الكويتي 2.66 مليار دولار، إلى جانب أداء قوي لبنوك مثل بنك الكويت الوطني، وبنك أبوظبي التجاري، ومصرف مشرف، وبنك دبي الإسلامي، والتي تراوحت أرباحها بين 2.2 و2.9 مليار دولار. ومن حيث التوزيع الجغرافي، تصدرت الإمارات العربية المتحدة قائمة الدول من حيث إجمالي الأرباح المحققة للبنوك الفائزة، إذ بلغ صافي أرباح بنوكها الإحدى عشرة نحو 27.26 مليار دولار، مستفيدة من الأداء القوي لعدد من أكبر المصارف الإقليمية. في المقابل، جاءت المملكة العربية السعودية في المرتبة الثانية بأرباح مجمعة بلغت 23.87 مليار دولار موزعة على عشرة بنوك، أبرزها البنك الأهلي ومصرف الراجحي وبنك الرياض. أما قطر، فقد جاءت ثالثا بأرباح قدرها 9.12 مليار دولار من 5 بنوك، فيما سجلت الكويت أرباحا مجمعة بلغت 4.93 مليار دولار من مصرفين هما البنك الوطني وبيتك. وسجلت البنوك البحرينية الثلاثة المدرجة ضمن القائمة أرباحا قدرها 1.34 مليار دولار، بينما بلغ صافي أرباح بنك مسقط، الممثل الوحيد لسلطنة عمان، نحو 702 مليون دولار. ويمثل صافي الربح أحد المؤشرات الأساسية التي تُستخدم في تقييم الكفاءة التشغيلية للمصارف، إذ يعكس قدرة البنك على توليد العوائد من أنشطته التمويلية والاستثمارية، إلى جانب إدارة التكاليف والمخاطر بكفاءة. وكلما ارتفعت الأرباح، زادت قدرة البنك على تعزيز احتياطياته، وتوسيع قاعدة أصوله، وتوزيع أرباح مجزية على المساهمين، كما تزداد قدرته على تمويل استثمارات استراتيجية وتوسعات رقمية تواكب متطلبات العصر المصرفي الحديث. ويُعد الأداء الربحي أيضا مؤشرا محوريا في التصنيفات الائتمانية، حيث يعكس متانة الوضع المالي للبنك، ويعزز ثقته لدى المستثمرين والمودعين، كما يمنحه مرونة أكبر في التوسع إقليميا ودوليا، وتطوير منتجات وخدمات مالية مبتكرة. وفي السياق الخليجية، يمثل الحفاظ على مستويات ربحية مرتفعة عاملا حاسما في دعم الرؤى الاقتصادية الطموحة مثل رؤية السعودية 2030، وخطط التنويع في الإمارات وقطر، وتمكين المؤسسات المالية من تمويل مشروعات البنية التحتية والتحول الرقمي والاستدامة. وتأتي هذه النتائج في إطار مبادرة 'أقوى 30 مصرفا خليجيا' التي أطلقتها 'البلاد' الإعلامية كمبادرة مستقلة واحترافية لتسليط الضوء على البنوك الأكثر تميزا في دول الخليج، وفق معايير شفافة وعادلة تُمكن صناع القرار والمستثمرين من تقييم أداء البنوك على أسس موضوعية. وقد أصبحت المبادرة مرجعا سنويا لمتابعة تطورات القطاع المصرفي الخليجي، وتحديد اتجاهات التنافس الإقليمي، وتعزيز مفاهيم الشفافية والحوكمة في القطاع المالي. ويؤكد خبراء أن نتائج العام 2024 تعزز من مكانة المصارف الخليجية ضمن النطاقات العالمية، إذ تُظهر الأرقام قدرتها على التكيف مع التحولات الاقتصادية، والحفاظ على مستويات نمو وربحية مستدامة، مدفوعة باستراتيجيات تنويع الأعمال، وتوسيع الخدمات الرقمية، وتحقيق التوازن بين العوائد والمخاطر، في وقت يتزايد فيه الطلب على التمويل طويل الأجل والمشروعات الاستراتيجية الكبرى في المنطقة.