
عبدالرؤوف الروابدة.. شهادة رجل على وطن لم يشهد عليه زورًا
بقناعتي أن السياسة ليست مهنة للباحثين عن التصفيق، بل ميدانٌ لأصحاب الشجاعة في اتخاذ القرار وسط عتمة الصخب.
بهذا المعنى العميق، يمكن قراءة المشهد الذي رافق إشهار كتاب «شذرات من تاريخ الأردن» لدولة رئيس الوزراء الأسبق عبدالرؤوف الروابدة، في حفلٍ استثنائي فاق حضوره التوقعات، وارتفعت فيه رمزية المناسبة بعلوّ من حضرها: رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز، ورئيس الديوان الملكي يوسف العيسوي، ورئيس مجلس النواب، إلى جانب عدد كبير من رؤساء الوزراء السابقين، وحضور لافت من وزراء، وأعيان، ونواب، وشخصيات سياسية وأكاديمية، ونقابية واعلامية واقتصادية من مختلف أطياف الدولة.
أبدع المؤرخ الدكتور علي محافظة وهو يغوص في مدخلات الكتاب، كمن يفتح أبواب التاريخ بحذر العارف وحنكة العاشق، فسلّط الضوء على اللحظات المفصلية وصاغ من الوثائق والوقائع جسراً نحو الفهم العميق لما بين السطور.
أما الأستاذ أحمد سلامة، فقد تنفس الكلمات كما لو كانت عطرًا، ونثرها على السطور بذكاء الأديب الكاتب وصدق المُحب، وهو يرسم ملامح الدكتور عبد الرؤوف الروابدة، لا كسياسي عابر، بل كرمزٍ مشاكسٍ للفكرة، وندٍّ صلبٍ للحدث، ورجلٍ ظلّ حاضرًا في العتمة كما في الضوء.
صدر الكتاب عن مركز التوثيق الملكي، لكنه في مضمونه أبعد من التوثيق، هو سردية وطن بعيون رجلٍ لم تنكسر في الممرات الضيقة، ولم تتلوّن في محطات التردد. عبدالرؤوف الروابدة – كما عرفه الأردنيون – لا يشبه أحدًا، ولم يسعَ يومًا لأن يشبهه أحد.
نعم في زمنٍ يتكاثر فيه الصدى ويقل فيه الصوت، ظلّ الروابدة صوتًا واضحًا. لا يُراوغ في لغته، ولا يتخفّى خلف العبارات، قال كلمته حين صمت الآخرون، ووقف في موقع الاختلاف حين تدافع البعض نحو الانحناء. لذلك، لم يكن مجرد رجل دولة، بل ظاهرة سياسية فردية فريدة، ذات استقلالية فكرية وشخصية تشبه البدايات الكبرى التي صُنعت منها الدول.
لقد قرأ الروابدة الأردن من قلب التجربة، لا من هوامشها، وكتب شهادته لا ليُجمّل، بل ليقول: هذا ما كان، وهذه شهادتي فيه، لوطن لم يشهد علينا بزور، لكن وللأسف شهد الكثير من أبنائه عليه بذلك.
الكتاب عنوانه «شذرات من تاريخ الأردن»، لكنه في مضمونه صراحة كاملة لا تعرف الحذر، وذاكرة لا تُجمِّل التاريخ ولا تنقّيه. والاحتفاء به لم يكن احتفاءً بكتاب فحسب، بل بذاكرة رجلٍ نذر تجربته لتكون جزءًا من سردية الدولة الأردنية، الصادقة كما عاشها منذ عهد الراحل الحسين بن طلال وبداية عهد الملك عبدالله حيث كان أول رئيس للوزراء في عهد الملك عبدالله.
من يعرف الروابدة، يدرك أن حضوره لا يُقاس بعدد المقاعد التي تجتمع حوله، بل بثقل الكلمة التي يقولها، والثمن الذي لا يتردد في دفعه إن لزم الأمر.
يوم أمس عندها اقتربت منه لكي يوقع على نسختي من الكتاب نظر الي وقال مبروك النظارة صاير حلو أكثر ما عرفتك، نعم رجل يهتم بكل من حوله ويبتسم في وجه من يعرفه ومن لا يعرفه.
في زمن المواقف الرمادية، لا يزال عبدالرؤوف الروابدة متمسكًا بلونٍ واحد: صدقُ القول ووضوحُ الموقف. وهذا – بلا شك – ما يجعل من شهادته على التاريخ الأردني، شهادة يُحسب لها ألف حساب.
شذرات من تاريخ الأردن» ليست مجرد صفحات من الذاكرة، بل فصلٌ في سردية دولة لا تزال تبحث عن هويتها بين الموروث والحداثة، بين البدايات الصلبة والانكسارات الطارئة.
الروابدة، قال كلمته، ومشى، أما شذرات الكتاب فقد وضعتنا جميعًا أمام المرآة، وطرحت السؤال الكبير: هل كنا أوفياء بما يكفي لهذا الوطن؟؟
مقالي ليوم الأربعاء في الدستور
Medhat_505@yahoo.co

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


رؤيا نيوز
منذ 19 دقائق
- رؤيا نيوز
الملقي يؤكد عمق العلاقات الأردنية اليابانية والحرص المشترك على التعاون البرلماني والدبلوماسي
بحث رئيس لجنة الشؤون العربية والدولية والمغتربين في مجلس الأعيان العين هاني الملقي، مع السفير الياباني لدى المملكة هيديكي أساري، سبل تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين الصديقين. وأكد الملقي لدى استقباله اساري اليوم الخميس بحضور مقرر اللجنة العين علي العايد، عمق العلاقات الأردنية اليابانية، والحرص المشترك على تعزيز التعاون البرلماني والدبلوماسي، بما يخدم المصالح المشتركة لكلا البلدين. وأشار إلى الجهود الكبيرة التي يبذلها جلالة الملك عبدالله الثاني على الساحة الدولية، في الدفاع عن القضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، ودعم مساعي تحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة، لافتا إلى ضرورة التنسيق والتشاور بين الأردن واليابان حيال مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك. ودعا إلى توسيع آفاق التعاون المشترك في شتى المجالات، لا سيما الاقتصادية والاستثمارية، ومشاريع المياه والبنية التحتية إلى جانب البرامج التعليمية والتقنية. من جانبه، أكد السفير الياباني حرص بلاده على توسيع مجالات التعاون وتعزيز التواصل مع المؤسسات البرلمانية الأردنية، مشيدًا بدور الأردن المحوري في المنطقة بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني في دعم جهود إحلال السلام وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة. وأشاد السفير أساري بالمستوى المتميز الذي وصلت إليه العلاقات بين البلدين، مؤكدًا أهمية العمل على تعزيزها في مختلف المجالات وضرورة تبادل الزيارات والخبرات بين الجانبين.


أخبارنا
منذ يوم واحد
- أخبارنا
د. حازم قشوع يكتب : نظام ضوابط امني وسياسي ؛
أخبارنا : على ايقاع كمائن غزة حيث بيت حانون وصواريخ عسقلان وتدمير الباخره الإسرائيلية ذات الحمولة الكيميائية فى البحر الأحمر، وظهور صواريخ الليزر "الأرض جوية" فى اليمن، ووصول الصواريخ الصينية إلى إيران، ونشر الدفاعات الجويه المصريه الصينيه حديثة التصنيع فى قناة السويس، تأتى قمة نتنياهو والرئيس ترامب في البيت الأبيض لكي تجيب على الاسئلة الخمسة التي تتعلق منها في مسألة المفاوضات مع إيران واذرع المحور، وآخر يقوم على تطبيع العلاقات بين "اسرائيل نتنياهو" و "سوريا الشرع"، اضافة الى انهاء المسألة اللبنانية بنزع سلاح حزب الله، كما في كيفية التعامل مع اليمن بعد فشل عمليه العلم الاسود، اضافة الى مسألة وقف إطلاق النار فى غزة من دون الانسحاب الاسرائيلي من القطاع حيث يتم التفاوض حولها، وهى الموضوعات التى يفاوض عبرها نتنياهو عن الأجندة "الأمنية" بينما يفاوض الرئيس ترامب عن برنامجه "السياسي". وهذا ما جعل من اللقاء يتم من دون هالة بروتوكولية ومن غير منصه إعلاميه دأب الرئيس الأمريكي على بيانها مع ضيوفه فى المكتب البيضاوي لبيان موقفه وبرنامج سياساته، الأمر الذى جعل من السمة الغالبة على اللقاء تأخذ سمة "اجتماع تفاوضي" على مرحلتين حيث يدخل فيها نتنياهو للبيت الأبيض من المدخل الجنوبي في الوجبة الثانية من الاجتماع ويبرز فيها التباين بين وجهتي الرأى الامنيه والسياسيه. وعلى الرغم من تقديم نتنياهو لعربون ولاءه عبر ورقة ترشيح دونالد ترامب لنيل جائزة نوبل للسلام، سيما وأنها الجائزة التى تخص اسرائيل ومن يقف مع توجهاتها سلمية، الا ان هذا العربون لم يقدم المفيد الذي تحمله ورقة نوبل باعتبارها جائزه سلمية وليست أمنية، يريد من ورائها نتنياهو من بسط نفوذه على المنطقة بالنيابة عن أمريكا وحده من دون شركاء "سياسيين" بل وعبر شركاء داعمين يقومون على دعم أجندته القاضية بالهيمنة على المنطقة وتصفية قضيتها المركزية التي بات مجرد الحديث حولها يشكل إشكالية على حد وصف نتنياهو واجندته الأمنية. وعلى صعيد متصل يقوم الملك عبدالله ببيان الموقف العربي الفلسطيني والدولي في جملة تعاطي دبلوماسية، يقوم عبرها باللقاء مع عمق الدولة الأمريكي في جناحي المعادلة الجمهورية في واشنطن كما الحزب الديموقراطي الصاعد فى نيويورك ودنفر فى ولاية كولورادو حيث معقل الحزب الديمقراطي وكاليفورنيا، والملك وهو يقوم بهذه الجولة "السياسية" نيابة عن تيار عريض عنوانه دول الناتو إنما تهدف لإنهاء ملفات الشرق الاوسط وقضيته المركزية بطريقة سياسية منسجمة إلى حد كبير مع سياسة البيت الأبيض في بيان السلام. ان الملك عبدالله وهو يحاول تشكيل نظام ضوابط وموازين جديد للمنطقة بين السياسية منها والأمنية، إنما يقوم بهذا الدور الريادي وهو المؤيد بقرارات الشرعية الدولية وسط دعم كبير يتلقاه من عمق الدوله العالمي بطريقة غير مسبوقة، سيما وان هنالك قرارا مركزيا قد اتخذ على حد وصف متابعين بوقف الحلول الأمنية قبل وصول الجميع إلى لقاء الجمعية العمومية في أيلول القادم، وهو الموعد الذي ستصبح فيه فلسطين دوله كامله العضوية، وهذا ما يجعل من إشكالية نتنياهو وبرنامج عمله تزيد إشكالية بالرغم من الحالة الإعلامية التي يغلب على فضاءاتها الأجندة الأمنية خدمةً للملفين الاسرائيلي والايراني مع دخول تركيا في محور الارتكاز في المنطقة. وبهذا تكون الولايات المتحدة تشهد حراكا أمنيا يتم التفاوض حوله في البيت الأبيض، كما تشهد تحركا دبلوماسيا فى بيت قرارها السياسي يقوده الملك عبدالله لاستخلاص معادلة "سياسية أمنية"، وهو الاستخلاص الذى من المهم بلورته بهذه الظرفية كونه منسجم مع رؤية البيت الأبيض والرئيس الأمريكي سياسيا، وهذا ما يجعل من امريكا تشهد تحركا غير مسبوقا امنيا وسياسيا، ويكون البيت الأبيض على موعد مع بيان برنامج عمله وتحديد بوصلة قراره التى ستكون فى الغالب تجاه الحالة السياسية السلمية، حتى يتم تشكيل شراكة أمنية وسياسية تقوم عليها نظام الضوابط والموازين الجديد.


وطنا نيوز
منذ 2 أيام
- وطنا نيوز
عبدالرؤوف الروابدة.. شهادة رجل على وطن لم يشهد عليه زورًا
المهندس مدحت الخطيب بقناعتي أن السياسة ليست مهنة للباحثين عن التصفيق، بل ميدانٌ لأصحاب الشجاعة في اتخاذ القرار وسط عتمة الصخب. بهذا المعنى العميق، يمكن قراءة المشهد الذي رافق إشهار كتاب «شذرات من تاريخ الأردن» لدولة رئيس الوزراء الأسبق عبدالرؤوف الروابدة، في حفلٍ استثنائي فاق حضوره التوقعات، وارتفعت فيه رمزية المناسبة بعلوّ من حضرها: رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز، ورئيس الديوان الملكي يوسف العيسوي، ورئيس مجلس النواب، إلى جانب عدد كبير من رؤساء الوزراء السابقين، وحضور لافت من وزراء، وأعيان، ونواب، وشخصيات سياسية وأكاديمية، ونقابية واعلامية واقتصادية من مختلف أطياف الدولة. أبدع المؤرخ الدكتور علي محافظة وهو يغوص في مدخلات الكتاب، كمن يفتح أبواب التاريخ بحذر العارف وحنكة العاشق، فسلّط الضوء على اللحظات المفصلية وصاغ من الوثائق والوقائع جسراً نحو الفهم العميق لما بين السطور. أما الأستاذ أحمد سلامة، فقد تنفس الكلمات كما لو كانت عطرًا، ونثرها على السطور بذكاء الأديب الكاتب وصدق المُحب، وهو يرسم ملامح الدكتور عبد الرؤوف الروابدة، لا كسياسي عابر، بل كرمزٍ مشاكسٍ للفكرة، وندٍّ صلبٍ للحدث، ورجلٍ ظلّ حاضرًا في العتمة كما في الضوء. صدر الكتاب عن مركز التوثيق الملكي، لكنه في مضمونه أبعد من التوثيق، هو سردية وطن بعيون رجلٍ لم تنكسر في الممرات الضيقة، ولم تتلوّن في محطات التردد. عبدالرؤوف الروابدة – كما عرفه الأردنيون – لا يشبه أحدًا، ولم يسعَ يومًا لأن يشبهه أحد. نعم في زمنٍ يتكاثر فيه الصدى ويقل فيه الصوت، ظلّ الروابدة صوتًا واضحًا. لا يُراوغ في لغته، ولا يتخفّى خلف العبارات، قال كلمته حين صمت الآخرون، ووقف في موقع الاختلاف حين تدافع البعض نحو الانحناء. لذلك، لم يكن مجرد رجل دولة، بل ظاهرة سياسية فردية فريدة، ذات استقلالية فكرية وشخصية تشبه البدايات الكبرى التي صُنعت منها الدول. لقد قرأ الروابدة الأردن من قلب التجربة، لا من هوامشها، وكتب شهادته لا ليُجمّل، بل ليقول: هذا ما كان، وهذه شهادتي فيه، لوطن لم يشهد علينا بزور، لكن وللأسف شهد الكثير من أبنائه عليه بذلك. الكتاب عنوانه «شذرات من تاريخ الأردن»، لكنه في مضمونه صراحة كاملة لا تعرف الحذر، وذاكرة لا تُجمِّل التاريخ ولا تنقّيه. والاحتفاء به لم يكن احتفاءً بكتاب فحسب، بل بذاكرة رجلٍ نذر تجربته لتكون جزءًا من سردية الدولة الأردنية، الصادقة كما عاشها منذ عهد الراحل الحسين بن طلال وبداية عهد الملك عبدالله حيث كان أول رئيس للوزراء في عهد الملك عبدالله. من يعرف الروابدة، يدرك أن حضوره لا يُقاس بعدد المقاعد التي تجتمع حوله، بل بثقل الكلمة التي يقولها، والثمن الذي لا يتردد في دفعه إن لزم الأمر. يوم أمس عندها اقتربت منه لكي يوقع على نسختي من الكتاب نظر الي وقال مبروك النظارة صاير حلو أكثر ما عرفتك، نعم رجل يهتم بكل من حوله ويبتسم في وجه من يعرفه ومن لا يعرفه. في زمن المواقف الرمادية، لا يزال عبدالرؤوف الروابدة متمسكًا بلونٍ واحد: صدقُ القول ووضوحُ الموقف. وهذا – بلا شك – ما يجعل من شهادته على التاريخ الأردني، شهادة يُحسب لها ألف حساب. شذرات من تاريخ الأردن» ليست مجرد صفحات من الذاكرة، بل فصلٌ في سردية دولة لا تزال تبحث عن هويتها بين الموروث والحداثة، بين البدايات الصلبة والانكسارات الطارئة. الروابدة، قال كلمته، ومشى، أما شذرات الكتاب فقد وضعتنا جميعًا أمام المرآة، وطرحت السؤال الكبير: هل كنا أوفياء بما يكفي لهذا الوطن؟؟ مقالي ليوم الأربعاء في الدستور Medhat_505@