
تطبيع العنف السياسي في أميركا ترامب
إيريك لويس - (الإندبندنت) 29/6/2025من محاولات اغتيال الرئيس الأميركي الحالي إلى مقتل النائبة "الديمقراطية" ميليسا هورتمان وزوجها، يشهد العنف السياسي في الولايات المتحدة تصاعداً ملحوظاً وخطيرًا يترافق مع خطاب تحريضي يصدر في معظمه عن اليمين الأميركي، وعلى رأسه الرئيس دونالد ترامب. يحدث ذلك وسط محاولات لتبريره أو السخرية منه، في ظل صمت رسمي و"جمهوري" مقلق وتطبيع متزايد لهذا النوع من القمع في المؤسسات والمجتمع.***لطالما كان العنف السياسي حاضراً منذ نشأة السياسة نفسها. وقد مارسه كل من اليسار واليمين ضد الأعداء السياسيين -لا باعتباره انحرافاً عرضياً، بل كسمة طبعت الحركات السياسية الراديكالية.وكان فلاديمير لينين (الزعيم الثوري المؤسس للاتحاد السوفياتي) قد طور علماً قائماً على الإرهاب، معتبراً العنف أداةً لا بد منها لإسقاط الدولة. أما الزعيم النازي أدولف هتلر، فقال في كتابه "كفاحي"، إن "الشرط الأول والأساسي لتحيق النجاح هو الاستخدام الدائم والممنهج للعنف". وبالمثل، تبنى الزعيم الإيطالي بينيتو موسوليني -سواء كان ذلك في بداياته كاشتراكي أو بعد تحوله لاحقاً إلى الفاشية- العنف السياسي كأداة لا غنى عنها. وقد دأب المتطرفون على شيطنة خصومهم، والإصرار على الرد بالعنف، مبررين ذلك بأن الغاية تبرر الوسيلة.بذلك، لا جديد فعلياً في تصاعد العنف السياسي الذي بات جزءاً معتاداً وأكثر تجذراً في الحياة الأميركية. وعلى الرغم من أن قسماً كبيراً منه يستهدف "الديمقراطيين"، فإن "الجمهوريين" أنفسهم لم يكونوا في منأى عنه. فقد شهدت حملة الانتخابات الرئاسية للعام 2024 محاولتي اغتيال استهدفتا دونالد ترامب. كما تعرض السياسي ستيف سكاليس الذي يتولى اليوم زعامة الأغلبية "الجمهورية" في مجلس النواب، إلى إطلاق نار أثناء مباراة بيسبول في العام 2017.من الجدير بالملاحظة أن ما يُعرف بـ"غرف الصدى" على وسائل التواصل الاجتماعي" [حيث تعرض الخوارزميات للمستخدمين آراء متشابهة بحيث لا يسمعون سوى "صدى" أفكارهم]، إلى جانب سهولة الحصول على السلاح، يشكلان بيئة خصبة تستقطب طيفاً واسعاً من المهمشين وأصحاب نظريات المؤامرة والمتطرفين ذوي النزعات الألفية. لكن العنف السياسي يظل في جوهره، وفق أي مقياس موضوعي، عنفاً مضاداً للثورة. وفي الوقت الراهن، من الواضح أن هذا النمط من العنف تغذيه خطابات حركة "ماغا" من خلال تجريد الضحايا من إنسانيتهم وازدرائهم والسخرية منهم.في ولاية مينيسوتا، أقدم مسلح مؤيد لدونالد ترامب ومعارض للإجهاض، بعد أن تنكر في زي شرطي، على قتل ميليسا هورتمان، الرئيسة السابقة لـ"مجلس نواب مينيسوتا"، وزوجها مارك، بدم بارد. كما أطلق المهاجم نفسه 17 رصاصة على السنياتور الديمقراطي جون هوفمان وزوجته إيفيت، لكنهما نجيا بأعجوبة. حدث ذلك في ولاية يُطلق عليها تاريخياً لقب "مينيسوتا اللطيفة".وسارع أنصار حركة "ماغا" على الفور إلى توجيه اللوم نحو "الليبراليين". ونشر العضو في "مجلس الشيوخ" عن ولاية يوتا، السيناتور مايك لي، صوراً للمسلح مع تعليق جاء فيه: "هذا ما يحدث عندما لا يحصل الماركسيون على ما يريدون". وفي جملة واحدة قصيرة، روج السيناتور لي لمغالطتين: الأولى، أن القاتل كان معارضاً سياسياً لحركة "ماغا" ولم يكن مؤيداً لترامب، والثانية، أن المصدر الحقيقي للعنف هو الماركسيون والماركسية.قد تكون لدى الولايات المتحدة مشكلات كثيرة، لكن التمسك بمبادئ كارل ماركس، أو حتى الإلمام بها، ليسا من بينها. أما المنشور الثاني للسيناتور "الجمهوري" لي: "كابوس في شارع والتز (نُشر في الأصل مع خطأ إملائي)"، فكان محاولة ساخرة وغريبة لإلقاء اللوم على حاكم ولاية مينيسوتا، تيم والز، وكأنه هو المسؤول عن حادثة إطلاق النار.مع مقتل شخصين وإصابة اثنين بجروح خطرة، وتيتيم أطفال أصبحوا بلا والدين، وترويع مجتمع هادئ وتقدمي بفعل هذا العنف، جاء رد اليمين الأميركي بأن الليبراليين هم الذين يتحملون المسؤولية عن كل ما حدث. وبذلك لا داعي للاعتذار، أو حتى لإبداء التعاطف. بالنسبة لهؤلاء، الأمر لا يستحق الاهتمام. صحيح أن ترامب قال في البداية إنه لا مكان للعنف السياسي، لكنه سرعان ما خصص وقتاً ليؤكد أنه لن يتصل بحاكم ولاية مينيسوتا، تيم والز، لمناقشة ما جرى، لأنه -على حد تعبيره- شخص "فوضوي"، "يفتقر إلى الكفاءة"، وهو "حاكمٌ سيئ". وفق منطق ترامب، لا مكان للتعاطف. وحده العداء السياسي هو الذي يعلو على كل اعتبار.قبل أسبوعين فقط، تعرض السيناتور "الديمقراطي" أليكس باديلا للطرح أرضاً والاعتداء الجسدي، على يد عناصر تابعين لوزيرة الأمن الداخلي الأميركية، كريستي نويم. حدث ذلك لتجرئه على محاولة التحدث خلال مؤتمر صحفي في ولاية كاليفورنيا. وكان عناصر الحماية يدركون تماماً أنه سيناتور أميركي، حيث عرّف عن نفسه مرات عدة. وعلى الرغم من توثيق الحادثة بالفيديو، لجأت إدارة ترامب ببساطة إلى الكذب. ونُقل عن الرئيس الأميركي قوله إن باديلا -وهو ابنُ مهاجرَيْن مكسيكيين عملا في وظائف متواضعة ليتمكنا من إرساله للدراسة في "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" -"يبدو وكأنه مهاجر غير شرعي".اللافت أنه من بين 53 سيناتوراً جمهورياً في "مجلس الشيوخ"، لم يُعرب سوى اثنين من زملاء باديلا عن رفضهم لما جرى، فيما آثر الباقون الصمت. ولم تكن هذه حادثة منعزلة أيضًا. في أيار (مايو) الماضي، اعتُقل عمدة نيوارك، راس باراكا، ووجهت إلى النائبة لامونيكا ماكيفر تهمة الاعتداء الجنائي على عناصر "إدارة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك" وعرقلة عملهم. وفي الأسبوع الماضي فقط، تعرض براد لاندر، المراقب المالي في مدينة نيويورك، للضرب والاعتقال على يد عناصر الوكالة نفسها، لمجرد مطالبته برؤية مذكرة توقيف. يُشار إلى أن جميع هؤلاء هم من "الديمقراطيين"، وثلاثة منهم من ذوي البشرة الملونة.في العام 2022، عندما جرى اقتحام منزل رئيسة "مجلس النواب" آنذاك، نانسي بيلوسي، في محاولة لاغتيالها (لكنها لم تكن في المنزل) -أصيب زوجها الثمانيني، بول بيلوسي، بكسر في الجمجمة جراء ضربة بمطرقة. في البداية انتشرت شائعة لا أساس لها من الصحة في أوساط حركة "ماغا"، مفادها أن الحادثة نتجت عن لقاء مثلي انتهى بشكل عنيف، قبل أن تتحول القصة برمتها إلى مادة للسخرية.في المقابل، تحول ترامب إلى كوميدي ساخر حين قال: "سوف نواجه نانسي بيلوسي المجنونة، التي دمرت سان فرانسيسكو -كيف حال زوجها، هل يعلم أحد"؟ ولم يتوقف عند هذا الحد، بل أضاف: "هي تعارض بناء جدار على حدودنا، على الرغم من أن لديها جداراً حول منزلها -يبدو واضحاً أنه لم يجدِ نفعاً كما ينبغي".والآن، انضم دونالد ترامب الابن -النسخة المصغرة عن والده- إلى موجة السخرية، معيداً نشر صورة تظهر مطرقة وملابس داخلية وُصفت بأنها: "زي بول بيلوسي في عيد الهالوين".خلال أحداث السادس من كانون الثاني (يناير) الماضي، عندما اقتحم آلاف الأشخاص مبنى الكابيتول، وهتف بعضهم مطالباً بإعدام نائب ترامب آنذاك، مايك بنس، بينما اقتحم آخرون مكتب نانسي بيلوسي، بدا كل ذلك وكأنه جزءٌ طبيعي من المشهد. لساعات طويلة، امتنع ترامب عن التدخل لوقف الهجوم، بل نُقل عنه تلميحه إلى أن بنس ربما يستحق الشنق بالفعل. وحين عاد إلى السلطة، أصدر عفواً عاماً من دون تمييز، عن أكثر من 1.000 شخص من مقتحمي الكابيتول، بمن فيهم الذين تورطوا في أعمال العنف، واعتدوا على أكثر من 1.000 عنصر من الشرطة، وتسببوا بسقوط عدد من القتلى. في نظر ترامب، هؤلاء هم الوطنيون الحقيقيون.لطالما تم تغليف العنف السياسي ضد الأعداء المتصورين بروح السخرية -في مسعى إلى إقناع الناس بأنه لا داعي للقلق بشأن هؤلاء الضحايا، ولا على ما يجري في شوارع الولايات المتحدة أو داخل مؤسساتها الفيدرالية. ومع ذلك، يبقى الخطاب غير المسؤول الذي يحرض على العنف، أمراً مرفوضاً أياً كان مصدره على امتداد الطيف السياسي. وعلى عكس الاحتجاج السلمي، فإن هذا النوع من الخطاب لا يندرج ضمن حرية التعبير، بل يُعد جريمة صريحة.كما أن إلقاء اللوم على ضحايا العنف السياسي، أو التقليل من معاناتهم، أو التغاضي عن محاولات تطبيع الاستبداد من خلال تعويد الناس على تقبل مشاهد القمع، هي جميعها ممارسات لا تقل خطورة، وتستدعي القلق بالمقدار نفسه. إنها ببساطة ممارسات خاطئة، ولا شيء فيها يدعو إلى الضحك.*إيريك لويس: محامٍ بارز في مجال حقوق الإنسان وناشط قانوني يتمتع بخبرة واسعة في الدفاع عن ضحايا الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي، وقد ترافع في قضايا أمام محاكم أميركية ودولية تتعلق بالتعذيب، والاحتجاز التعسفي، وجرائم الحرب. يشغل عضوية مجلس إدارة صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، ويساهم في النقاشات العامة حول العدالة الدولية، وحرية الصحافة، ومساءلة الأنظمة الاستبدادية، كما يُعرف بمواقفه المدافعة عن مبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان في مواجهة سياسات القمع والحرب.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الغد
منذ 4 ساعات
- الغد
غزة فرصة ترامب الوحيدة
اضافة اعلان لأسابيع مرت تجاهلت إدارة ترامب ملف الحرب الإسرائيلية على غزة، في وقت كان الاهتمام منصبّا على إيران. الرئيس الأميركي دونالد ترامب شخصيا قضى أكثر من أسبوعين وهو في صراع مع وسائل الإعلام ليثبت أن ضربات قاذقاته العملاقة، دمرت بالفعل مفاعلات إيران النووية، بعد تقارير إستخبارية "أولية" شككت بنتائج القصف الجوي الأميركي. وبلغ الأمر بالرئيس ترامب، حد استدعاء القاذفات b2 لتحلق في سماء واشنطن في يوم الاستقلال.وبشكل بدا لافتا للغاية، أصبح ترامب مهتما وحريصا على تأمين حياة أهل غزة، بعد أن طرح، وبقوة خيار تهجيرهم في الأسابيع الأولى من حكمه، وهدد بفتح أبواب الجحيم إن لم يقبلوا بشروطه للحل في غزة.ليس مرد هذا الاهتمام، حرص ترامب على غزة، التي لم ير فيها سوى مشروع عقاري، ومنتجع لأثرياء العالم، حال تهجير أهلها. ترامب رغب منذ عودته للبيت الأبيض بتكريس نفسه كرجل سلام، يستحق نيل جائزة نوبل للسلام، إلى جانب دعوة علنية أطلقها وصارت برنامجا لولاياته الثانية، مفادها، وضع مصلحة أميركا أولا، وفك ارتباطها مع أزمات العالم ومشاكله التي لا تنتهي، مشهرا شعار السلام بالقوة إذا تطلبت مصلحة أميركا ذلك.لكن ترامب أخفق في تحقيق أمانيه كرجل سلام، لا بل اضطر لاستخدام القوة العسكرية، لنجدة حليفه الإسرائيلي في حربه على إيران.وعد ترامب خلال حملته الانتخابية بوقف الحرب الروسية الأوكرانية، في أول يوم عمل له بالبيت الأبيض. بعد مرور نحو ستة أشهر، يبدو أن اليأس قد ملأ قلبه بعد فشل كل جهوده وجهود مبعوثيه في دفع الطرفين لوقف النار وبدء محادثات سلام. بعد آخر اتصال هاتفي، قبل أيام، مع صديقه بوتين، عبر ترامب عن استيائه الكبير من مجريات المحادثة الهاتفية.ظل ترامب طوال الأشهر التي انقضت من عهده بالبيت الأبيض يتودد لبوتين ويمتدح قيادته وشخصيته، وأكثر من ذلك، انحاز بشكل شبه كلي لموقف موسكو من الصراع مع أوكرانيا، وعبر عن نقمته واحتقاره للرئيس الأوكراني، حد طرده من البيت الأبيض، غير أن كل هذا لم يبدل من الوضع القائم.الفشل يلازم مساعي ترامب في أوكرانيا، ويبدو أن المرحلة المقبلة ستشهد، تراجعا للجهود الدبلوماسية الأميركية في ملف الحرب الأوكرانية.العلاقة مع إيران والمحاولات الأميركية لفتح قنوات الدبلوماسية، تصطدم بحالة من الغضب في طهران. القيادة الإيرانية لم تتعاف بعد من صدمة الحرب، والغضب يملأ صدر المرشد الأعلى، بعد التدخل الأميركي الضارب والخاطف في الحرب، خلافا لما كان يعد فيه مسارات المفاوضات في مسقط وروما.يدرك أركان إدارة ترامب أن القيادة الإيرانية المتشددة، تحتاج لوقت كي تقف على قدميها، وتقنع شعبها بجدوى العودة للدبلوماسية من جديد.فرصة ترامب لتحقيق اختراق سلمي مع إيران غير متاحة في الوقت الحالي، وربما في المستقبل، بالنظر لتشدد الحليف الإسرائيلي، وإصراره على ضرب طهران كلما رفعت رأسها.الفرصة الوحيدة المتاحة لترامب، ليظهر كصانع سلام في الوقت الحالي، هي الضغط وبقوة لوقف إطلاق النار في غزة. نوافذ السلام مغلقة في أوكرانيا وإيران، والنافذة الوحيدة المفتوحة هي غزة. الوقت مناسب لإسرائيل أيضا، فلم يعد هناك أهداف في غزة تستحق القصف. حلفاء أميركا في المنطقة انهكتهم الحرب وهم بحاجة لوقف هذه الكارثة.الأهم أهل غزة، هي فرصتهم لوقف شلال الدم، ينبغي على حماس والوسطاء عدم إضاعتها.ترامب ومعه كل الأطراف بحاجة لوقف إطلاق النار في غزة.


رؤيا نيوز
منذ 9 ساعات
- رؤيا نيوز
'مشاكلكم ستتفاقم'.. بوتين يحذر الغرب من استمرار دعم أوكرانيا
حذّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليوم الأحد الغرب من استمرار دعمه لأوكرانيا، معتبرا أن سياسات الغرب المعادية لروسيا ستفاقم مشاكله. وقال بوتين إن 'الغرب يواجه مشاكل أكثر وأشد وطأة بكثير من روسيا، لكنه يفضل إنفاق أمواله على ، بدلا من تطوير أنظمتها الاجتماعية' وفق تعبيره. وذكر بوتين أن الطائرات الروسية المسيرة التي وفرتها 'الجبهة الشعبية لعموم روسيا' وحدها أحرقت معدات للعدو تزيد قيمتها عن ملياري دولار، وفق تقديره. وأضاف الرئيس الروسي: 'فليسمع دافعو الضرائب في الدول الغربية هذه الأرقام، وليفكروا في السؤال: أين تنفق حكوماتهم أموال شعوبهم – بدلا من تطوير أنظمتهم الصحية (وثمة مشاكل كثيرة هناك، ونحن نعلم ذلك جيدا)، وأنظمة الإسكان والمرافق إياها، ورفع الأجور' بحسب تعبيره. وأشار بوتين في كلمته أمام قمة 'بريكس' إلى موضوع تشغيل المهاجرين الذين ينتقلون بأعداد كبيرة إلى أوروبا كأحد هذه المجالات. وقال الرئيس الروسي: 'يجب توظيفهم بشكل صحيح حتى لا يشغلوا فرص عمل المواطنين المحليين، بل يعملون حيث تكون الحاجة لهم' وفق قوله. وتابع بوتين: 'لدينا أيضا مثل هذه المشاكل، لكن المشاكل لديهم أكثر حدة بكثير، وكلما استمروا في السياسة العدائية التي ينتهجونها تجاه روسيا حتى الآن، سيكون الوضع أسوأ' بحسب تعبيره.


الغد
منذ 9 ساعات
- الغد
من سيشعل فتيل جولة الحرب التالية بين الاحتلال وإيران؟
اضافة اعلان عواصم - يسود شعور بعودة القتال مع إيران في الفضاء العام في كيان الاحتلال الإسرائيلي، وسط محاولات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، تسويق نتيجة الحرب على أنها انتصار، وأنه نجح في تحقيق أهدافها المعلنة.ورغم إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن وقف الحرب بين الاحتلال وإيران، فإن إنهاء الحرب جاء من دون بنود واضحة أو اتفاق مكتوب، في ظل حالة من الغموض تلف مصير الملف النووي الايراني الذي كان المبرر الأساسي للعدوان الإسرائيلي الأميركي، وغياب خطوات واضحة بشأن مسار المفاوضات.وتشير ترجيحات لمحللين سياسيين أن دولة الاحتلال والولايات المتحدة تعتبران وقف إطلاق النار وسيلةً لإعادة تنظيم قدراتهما العسكرية وتحسينها.وبحسب المحللة السياسية في صحيفة "معاريف" أنا براسكي في مقال نشر الجمعة الماضي، فإن السؤال الكبير المُخيّم على الشرق الأوسط ليس "هل سيُستأنف القتال؟"، بل "متى ستبدأ الجولة التالية وعلى أي جبهة؟وعلى الرغم من التوصل إلى وقف لإطلاق النار، فإن كل طرف يواصل التصرف وفقًا للخطوط الإستراتيجية التي شكّلت أساس الصراع، فدولة الاحتلال من جهتها ترى في وقف البرنامج النووي الإيراني هدفا أساسيا، في المقابل، تشدد إيران على أنها لن تتخلى عن مشروعها النووي حتى لو عادت الآن إلى قاع الأرض، فاللاعبون بقوا في أماكنهم، وستستمر اللعبة، ولن يخدع أحد نفسه بأنها انتهت.وخلافًا لأي اتفاقات في مثل هذه الحروب، فإن هذا الاتفاق غير مستقر، فلا توجد آليات مراقبة، ولا قنوات اتصال لمتابعة تطبيقه، ولا التزامات صريحة من أي من الجانبين بوقف التسلح أو الحد من الأنشطة.ووفقًا للتقديرات في دولة الاحتلال والولايات المتحدة، لم ينتهِ القتال بعد، وقد نشهد جولة أخرى خلال أسابيع، وقد يستمر الهدوء لأشهر، لكن التوتر القائم، وانعدام الثقة، والصراع الذي لم يُحلّ بعد حول مستقبل البرنامج النووي الإيراني كل ذلك لن يختفي من تلقاء نفسه.ويؤيد هذا تصريحات رئيس حزب إسرائيل بيتنا عضو الكنيست أفيغدور ليبرمان من على منصة الجلسة العامة للكنيست؛ بأن على إسرائيل الاستعداد الآن لحرب ضد إيران.وقال "أمامنا 3 سنوات بحد أقصى حتى الحرب القادمة ضد إيران. هذا يعني أن على الحكومة الإسرائيلية تغيير جميع أولوياتها".حرب لم تنتهوتلا ذلك قول رئيس الأركان جيش الاحتلال إيال زامير الجمعة الماضي "لقد حققنا جميع أهداف العملية وضربنا البرنامج النووي الإيراني، لكن الحرب لم تنتهِ بعد".ونقل الكاتب رافيف دراكر عن مسؤول عسكري كبير بأن بيانات الجيش الإسرائيلي بالقضاء على القدرات الإيرانية لإنتاج الصواريخ الباليستية لا تستند إلى أي أساس استخباراتي.وكتب رئيس الوزراء ووزير الدفاع السابق إيهود باراك في مقال نشرته هآرتس "يجب ألا ننخدع. فرغم الستار الدخاني المُصطنع الذي يُخفي الصورة، لم نقضِ بعد على التهديد النووي أو الصاروخي الإيراني".وعلى الجانب الإيراني، كانت تصريحات رئيس كلية العلوم السياسية في جامعة طهران إبراهيم متكي والتي قال فيها إن الأدلة المتوفرة تشير إلى أن إسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة، ستستأنف عملياتها العسكرية المفاجئة والمدمرة ضد إيران".من جهته، حذر المتخصص في الشأن الإسرائيلي عقل صلاح فقال "إنه انطلاقا من أهداف نتنياهو ومن ورائه الرئيس الأميركي بخصوص شرق أوسط جديد، فإنه لن يسمح لإيران بترميم قدراتها النووية من جهة، أو قدراتها الصاروخية خصوصا الباليستية منها، وسيسعى الجانبان إلى توجيه ضربات متتالية لهذه القدرات حتى تبقى ضعيفة".كذلك ستعمل أميركا وإسرائيل على فرض حصار دولي على إيران لمنعها من امتلاك أي قدرات دفاعية خصوصا الدفاعات الجوية أو الطائرات الصينية المتقدمة، إذ كانت قد أثبتت نفسها أمام الطائرات الغربية الحديثة في المواجهة بين الهند والباكستان.واستبعد صلاح قدرة الطيران الإسرائيلي على استباحة الأجواء الإيرانية كما فعل في الأجواء السورية واللبنانية قبل سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، فالقدرات الإيرانية في رد العدوان تم إثباتها بقدرات صاروخية واضحة شعرت بها الجبهة الداخلية الإسرائيلية بشكل واضح.غطاء دوليفي المقابل، قال المتخصص بالشأن الإسرائيلي إسماعيل مسلماني إن هناك تقدير موقف في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية يحذّر من التصعيد من دون غطاء دولي واسع، خاصة إذا كان الرد الإيراني هذه المرة مباشرًا، وليس عبر "وكلاء".وأضاف أنه نظرا لذلك فقد يختار نتنياهو خطوات جزئية، مثل تكثيف عمليات الاغتيال أو الهجمات السيبرانية، من دون الدخول في حرب مفتوحة، على الأقل في المدى القريب.وتطرح وسائل إعلام عبرية سيناريو الحرب المتدحرجة على شكل جولات قصيرة ومُركزة، لكنها مُدمرة، تحدث كل بضعة أشهر، في كل مرة على ساحة مختلفة.ومن شأن صراعٍ كهذا أن يُقوّض الاستقرار الإقليمي تدريجيا، ويزيد من التدخل الأميركي، ويؤدي إلى عدم انتهاء الحرب بجولة شاملة، بل إلى استمرارها كبنية تحتية حربية مستمرة.ما موقف واشنطن؟ولكن أين ترى واشنطن نفسها في السيناريوهات المستقبلية؟ تشير التقديرات إلى أن الولايات المتحدة ستبقى حاضرة في الساحة في هذه المرحلة، ليس من منطلق أيديولوجي، بل من منطلق المصلحة.وترى براسكي أن ترامب غير مهتم بفتح جبهة جديدة، وفي الوقت نفسه لديه مصلحة في إظهار قوة ردع، سواء ضد إيران أو ضد منافسيه ومنتقديه على الساحة الداخلية. لذلك، ما لم تحدث أي شرارة قوية، سيواصل ترامب الضغط على الجانبين لالتزام الهدوء.مع ذلك، ليس هناك يقين من أن الولايات المتحدة ستتدخل عسكريا مجددًا إذا اندلع قتال واسع النطاق، وقد أدلى ترامب نفسه بتصريحات متناقضة، إذ قال مرة إن "أميركا انتهت من مهاجمة إيران"، وفي مناسبة أخرى "سنهاجم مجددًا إذا لزم الأمر".ولكن وراء هذه التصريحات والتغريدات، ثمة حقيقة واقعة، فدعم الكونغرس لمزيد من الإجراءات غير مضمون، والمجتمع الأميركي متوترٌ بما يكفي، وهذا ضعف إستراتيجي قد يضع إسرائيل رمأزق صعب، إذا ما قررت توجيه ضربة استباقية أخرى لإيران.الردع المتبادلويعتقد الخبير في الشؤون الإيرانية عماد آب شناس أن إيران نجحت في إيصال رسالتها الردعية للاحتلال وأميركا، وهذا ما أثبتته الهجمات الصاروخية الإيرانية، فالأضرار التي لحقت بالكيان نسبيا كانت أكبر بكثير مقارنه بالأضرار التي لحقت بإيران، ولا تزال إيران تملك برنامجها النووي رغم الأضرار التي لحقت به.وقال إن قرار البرلمان الإيراني بوقف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية يأتي في مصلحة إيران بمنع وجود طرف ثالث، يطّلع أو يعرف ما يحدث في البرنامج النووي الإيراني من تخصيب لليورانيوم أو تطوير لهذا البرنامج الذي بات اليوم تحت الأرض.في المقابل، لا يستبعد المتخصص في الشأن الإسرائيلي عقل صلاح استخدام إسرائيل للخيار النووي ضد إيران لو أغلقت كل السبل أمامها للوصول إلى أهدافها بمنع طهران من الوصول للقنبلة النووية وتدمير مقدراتها النووية أو الصاروخية الباليستية.ولا بد الاخذ بالحسبان أن وقف إطلاق النار بين الاحتلال وإيران، حتى هذه اللحظة، هو نتيجة وساطة وإرهاق تكتيكي أكثر منه ثمرة تفاهم إستراتيجي عميق، لذا فالنتيجة هي واقع خطير، فهي تبدو جبهة هادئة، لكنها تشتعل تحت السطح.وما سيحدد استمرار هذا الهدوء أو انهياره ليس سلوك إسرائيل وإيران فحسب، بل قدرة الولايات المتحدة على السيطرة على وقف إطلاق النار الهش وضبط الإيقاع بين الطرفين.