logo
يزرع بالسلطان ما لا يزرع بالقرآن

يزرع بالسلطان ما لا يزرع بالقرآن

24 طنجةمنذ 17 ساعات
ليست كل السلوكات تُقوّم بالموعظة، ولا كل الفوضى تُعالج بالحملات التحسيسية. فبعض الاختلالات، حين تتكرر وتتحول إلى مشهد يومي، لا ينفع معها النداء الأخلاقي، بل تحتاج إلى أدوات الدولة: القانون، المراقبة، والغرامة. وما لا يُزرع بالخطاب التوعوي، يُزرع بمنطق الردع المسؤول.
في كل مرة ننتقد فيها تراجع النظافة، أو انتشار الفوضى في الفضاءات العامة، نُسارع إلى تحميل المسؤولية للمجلس الجماعي. نلومه على ضعف الخدمات، على تأخر الشاحنات، على غياب الحاويات، وعلى اختلالات التدبير.
وهذا في مجمله نقد مشروع، لكن المشكل لا يكمن دائما في الغياب، بل أحيانا في الحضور الهش. فالمجلس الذي نجلده حين يتقاعس، ينبغي أن يُسائل حين يُنجز دون أن يحمي، وحين يُهيئ دون أن يُنظم، وحين يُخصص الميزانية دون أن يُفعل أدوات الزجر.
وفي مدينة مثل طنجة، لم تعد المشكلة في نقص التجهيزات. فالمجال الحضري يعرف منذ سنوات توسعا ملحوظا، رُصدت له اعتمادات ضخمة، وأُنجزت فيه مساحات خضراء، وحدائق، وأرصفة، وتجهيزات عمومية حديثة.
والحقيقة أن طنجة اليوم تتوفر على بنية تحتية ومرافق حضرية تضاهي، بل في بعض الجوانب، تفوق ما تتوفر عليه مدن أوروبية عديدة متوسطة الحجم.
ومع ذلك، تبدو تلك المدن أكثر نظافة ونظاما، بينما لا تزال الفوضى البصرية وسوء الاستعمال يشوهان وجه طنجة، بفعل الاستهتار اليومي الذي لا يجد من يوقفه.
لا يتعلق الأمر بضعف الوعي وحده، بل بغياب منظومة زجرية فعالة. فما لا يضبطه الضمير، يُضبط بالقانون. وما لا يُزرع بالتحسيس، يُزرع بالغرامة. والتجربة الأوروبية تؤكد ذلك بوضوح لا لبس فيه.
فحين يعيش المواطن المغاربي، في ضواحي باريس أو مارسيليا، أو في أحياء مدريد وبرشلونة، أو في أزقة ميلانو وتورينو، لا يتحول فجأة إلى كائن منضبط بالفطرة. لكنه يعيش في فضاء لا يسمح له بتجاوز القواعد. يُراقب، يُغرم، ويُحاسب بصرامة، فيلتزم. السلوك نفسه، لكن الفرق في النظام.
بل أكثر من ذلك، حتى المواطن الأوروبي، سواء في ألمانيا أو بلجيكا أو هولندا، لا يعود أكثر تهذيبا في طبيعته، لكنه يُعيد تشكيل سلوكه الحضري بفضل ما راكمته تلك المجتمعات من منظومات قانونية لا تتسامح مع الإخلال بالمجال العام. فما يبدو لنا اليوم 'حضارة'، هو في الواقع نتيجة مباشرة لعقود من الردع المنظم، لا لبرامج التوعية وحدها.
هذا ما ينقصنا. ليس العبرة بما ننجزه من مشاريع، بل بما نفعله لحمايتها من التبديد الجماعي. طنجة لا تحتاج اليوم إلى مزيد من الحدائق إن كانت ستُداس، ولا إلى مزيد من الحاويات إن كانت ستُحاصر بالأكياس العشوائية.
المطلوب هو التفعيل الحقيقي لمقتضيات الشرطة الإدارية، لتحرير المخالفات، ومباشرة المساطر، وإثبات أن الفضاء العمومي ليس ملكا للعبث، بل مسؤولية مشتركة يخضع فيها الجميع لنفس القواعد.
فالردع لا يناقض الحرية، بل يحميها. والانضباط ليس ناتجا عن الوعي فقط، بل هو نتيجة تراكم طويل من القواعد المفروضة بوضوح. والمجلس الجماعي، حين لا يُقرن الإنجاز بالحماية، يُفرّط في مكتسباته، ويفتح الباب أمام انهيارها المتكرر.
إن ما لا يُزرع بالقرآن، يُزرع بالسلطان. لا سلطان التعسف، بل سلطان القانون حين يُطبّق بعدل، ويُفعّل باستمرار، ولا يُستثنى منه أحد.
فالسلطة التنظيمية ليست نقيضا للمواطنة، بل شرط من شروطها. وما لا تُبقيه التربية، تُبقيه الغرامة حين تكون صريحة، لا شكلية.
وما لا تفرضه الأخلاق الفردية، يفرضه النظام الجماعي حين يكون واضحا، نافذا، ومسنودا بإرادة لا تتسامح مع الفوضى. المدن لا تُبنى بالإسمنت فقط، بل بالانضباط. والكرامة لا تصونها المواعظ، بل آليات الحماية الفعلية التي تجعل من احترام المجال العام قاعدة لا خيارا.

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تيفلت..وفاة شاب وإصابة آخر في حادث اصطدام دراجة نارية بسيارة خفيفة
تيفلت..وفاة شاب وإصابة آخر في حادث اصطدام دراجة نارية بسيارة خفيفة

تيفلت بريس

timeمنذ 31 دقائق

  • تيفلت بريس

تيفلت..وفاة شاب وإصابة آخر في حادث اصطدام دراجة نارية بسيارة خفيفة

عبد العالي بوعرفي – تيفلت بريس شهدت مدينة تيفلت، مساء اليوم الاثنين 7 يوليوز الجاري ، حادثة سير مميتة على مستوى شارع محمد الخامس (الطريق الوطنية رقم 6 ) قبالة الفضاء الاخضر للدالية وغير بعيد عن محطة الوقود شيل وذلك إثر اصطدام عنيف بين دراجة نارية وسيارة خفيفة من نوع فياط دوبلو. وحسب شهود عيان، فإن الحادثة وقعت عندما كان شابان على متن دراجة نارية قبل أن يصطدما بسيارة خفيفة، ما أدى إلى إصابة أحدهما بجروح خطيرة فارق على إثرها الحياة في مكان الحادث وهو من مواليد 1996 بمدينة سلا، بينما تم نقل الشخص الثاني إلى مستشفى القرب بتيفلت لتلقي العلاجات الضرورية ولقد صنفت حالته بالحرجة جراء اصابة خطيرة على مستوى الرأي وتم توجيهه على وجه السرعة الى مستشفى مولاي يوسف بالرباط. وفور علمها بالحادث، انتقلت إلى عين المكان عناصر الأمن الوطني والوقاية المدنية، حيث تم تأمين محيط الحادث وتيسير حركة المرور، فيما تم فتح تحقيق تحت إشراف النيابة العامة المختصة لتحديد ملابسات وظروف الواقعة،

نارسا تدق ناقوس الخطر: الدراجات النارية تتسبب في 43% من وفيات الطرقات
نارسا تدق ناقوس الخطر: الدراجات النارية تتسبب في 43% من وفيات الطرقات

24 طنجة

timeمنذ 32 دقائق

  • 24 طنجة

نارسا تدق ناقوس الخطر: الدراجات النارية تتسبب في 43% من وفيات الطرقات

في وقت تواصل فيه مدينة طنجة توسعها الحضري وتزايدها الديمغرافي، تقف مؤشرات السلامة الطرقية في الجهة على أرقام مقلقة، لا سيما على صعيد ضحايا الدراجات النارية، التي باتت تمثل أحد أكبر التحديات المطروحة على السلطات المحلية والمركزية على السواء. فخلال لقاء صحافي عقده ناصر بولعجول، المدير العام للوكالة الوطنية للسلامة الطرقية 'نارسا'، ضمن فعاليات تقديم برنامج صيف 2025، جرى التأكيد على أن جهة طنجة تطوان الحسيمة سجلت 28% من الوفيات الناجمة عن حوادث السير خلال الأشهر الخمسة الأولى من السنة الجارية، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بجهات أخرى، وتضع الجهة في المرتبة الثالثة وطنيا بعد سوس ماسة (40%) ومراكش آسفي (38%). السبب الرئيسي لهذا الارتفاع، بحسب بولعجول، يعود إلى تنامي استعمال الدراجات النارية ذات العجلتين والثلاث عجلات، التي تحولت من وسيلة نقل بسيطة إلى مصدر حقيقي للخطر في النسيج الحضري. فمنذ سنة 2015، تضاعف عدد القتلى في صفوف مستعملي هذه المركبات، منتقلا من 1066 حالة إلى 1738 في سنة 2024، وهو ما يمثل 43% من مجموع ضحايا الطرقات على الصعيد الوطني. في طنجة، حيث تنتشر الدراجات النارية بشكل واسع في الأحياء الشعبية والمناطق الصناعية وشبكات التوصيل، يُطرح مشكل الخوذة كأحد أبرز عناصر الخطر. فمعدل ارتدائها لا يتجاوز 58% لدى السائقين، ولا يتعدى 32% لدى المرافقين، رغم أن عدم استخدامها يرفع احتمال الوفاة بنسبة تفوق ستة أضعاف. وتزداد الخطورة مع انتشار خوذ غير مطابقة للمعايير. ورغم تفعيل نظام خصم النقط من رخص السياقة، الذي أسفر عن سحب حوالي مليوني نقطة منذ دخوله حيز التنفيذ، وإلغاء 1500 رخصة نهائيا إلى حدود يونيو 2025، إلا أن تأثير ذلك يظل محدودا أمام حجم الظاهرة، التي تعكسها الأرقام المرتفعة لوفيات الحوادث المسجلة سنويا. في هذا السياق، دعا المدير العام لـ'نارسا' إلى تعبئة شاملة تشمل الإدارات الترابية، والمجتمع المدني، والمؤسسات التربوية، مذكرا بأن السلامة الطرقية في المغرب تمر عبر أربع مراحل متباينة منذ سنة 1996، وأن الفترة الحالية تقتضي إجراءات أكثر صرامة، وصرامة تطبيق القانون على مستوى المدن الكبرى مثل طنجة، التي تعرف كثافة مرورية مرتفعة، وتوسعا حضريا متسارعا، ما يجعل التحدي مضاعفا.

قرار قضائي تاريخي يُنصف الأساتذة الشباب ويُوجّه ضربة قوية لـ"اللوبيات" الجامعات
قرار قضائي تاريخي يُنصف الأساتذة الشباب ويُوجّه ضربة قوية لـ"اللوبيات" الجامعات

هبة بريس

timeمنذ 39 دقائق

  • هبة بريس

قرار قضائي تاريخي يُنصف الأساتذة الشباب ويُوجّه ضربة قوية لـ"اللوبيات" الجامعات

هبة بريس – محمد الهروالي أصدرت محكمة الاستئناف الإدارية بمدينة طنجة قراراً وصفه المتتبعون بـ'التاريخي'، بعدما قضت بقبول ترشيح أستاذ جامعي مؤهَّل لرئاسة شعبة بإحدى الكليات، رغم اعتراض سابق من طرف عميد الكلية المعنية. وجاء في حيثيات القرار أن قبول ترشيح الأستاذ الطاعن يشكّل 'تصحيحاً لوضعية غير قانونية'، مشيرة إلى أن هذا التدارك الذي تَمثّل في إعلان لائحة مصحّحة للمرشحين، لا يَمَسُّ بصحة عملية الاقتراع ولا يؤثر على سلامتها القانونية. وبموجب هذا الحكم، لم يعد هناك أي سند قانوني يمنع الأستاذ المؤهل من الترشح لرئاسة الشعب داخل الكليات المغربية، وهو المنصب الذي ظل حكراً لسنوات على فئة 'أساتذة التعليم العالي' ، ما اعتُبر سابقاً عائقاً أمام تجديد النخب وضخّ دماء جديدة في دواليب التسيير الجامعي. ويرى عدد من الأساتذة الجامعيين أن هذا القرار يمثّل نقطة تحوّل مفصلية، من شأنها كسر منطق الاحتكار التقليدي الذي فرضته لوبيات نافذة داخل الجامعات، وفتح المجال أمام الكفاءات الشابة من الأساتذة المؤهلين لتولي مهام قيادية عبر آليات ديمقراطية وانتخابية. وأكد هؤلاء أن الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف الإدارية بطنجة يتمتّع بحجية 'الشيء المقضي به'، ما يجعله مُلزِماً لإدارة الجامعة ولكل الجهات المعنية بتنظيم هياكل ومهام الكليات. وتفيد هذه الحجية القانونية بأن منطوق الحكم، الذي نصّ صراحة على أحقية الأستاذ المؤهل في الترشح على قدم المساواة مع أستاذ التعليم العالي، لا يمكن الطعن فيه أو إعادة مناقشته ما دامت العناصر القانونية للملف متطابقة. وتأتي هذه الخطوة القضائية في سياق النقاش المتجدد حول الحاجة إلى إصلاح منظومة التعليم العالي، وتجديد النخب، وتعزيز مبادئ الشفافية وتكافؤ الفرص داخل المؤسسات الجامعية، بما ينسجم مع روح الدستور وتطلعات الجيل الأكاديمي الجديد. تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Telegram تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على X مقالات ذات صلة

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store