logo
"يا فؤادي/سيرة سينمائية" لمحمد سويد: الحنين لوسط بيروت

"يا فؤادي/سيرة سينمائية" لمحمد سويد: الحنين لوسط بيروت

المدن٠٤-٠٥-٢٠٢٥

صدرت الطبعة الثانية من كتاب "يا فؤادي/سيرة سينمائية عن صالات بيروت الراحلة" للناقد والمخرج محمد سويد، وفيه يستعيد المؤلف سير الصالات السينمائية من نشوئها ونوعية برمجتها الى تحولاتها ونهاياتها.
جاء في تعريف الكتاب: "... وما هي إلا أيام قليلة حتى رجعت إلى دفتر أخضر قديم كنت أملؤه، وأنا ابن الثالثة عشرة، بعناوين أفلام أدمنتُ على مشاهدتها في صالات البرج.
حملتُ آلة التسجيل ودخلتُ مكاتب أصحاب دور العرض والموزعين. طرقتُ أبوابهم حباً بسماع ذكرياتهم عن السينما والصالات التي ورثوها عن آبائهم أو تولوا تأسيسها وأضحت اليوم نسياً منسيّاً.
... لوهلة، شعرتُ أنّ ما أبحث عنه لن يكون سوى حكاية مثيرة للأسى. واكتشفتُ، في المقابل، أنني كنت في انتظار لحظة تدعني على مسافة من أحاسيس الحسرة. فعلى مدى سبع سنوات، تجمعت لديّ أوراق وأشرطة رديئة التسجيل، حسبتُ، وأنا أعمل على تفريغها وتدوينها، تمهيداً لنشرها في مناسبة ما، أنها ستحمل عناصر السرد اللازمة لنشأة دور العرض السينمائي في بيروت.
... هذا الكتاب ليس في نهاية المطاف إلّا شبه سيرة شخصية وسينمائية عن تلك الصور والأماكن والوجوه التي خلتُ أنها طوت نفسها، فإذا بها تسري أرقاً في حياتي".
وأضافة إلى نصوص الطبعة الأولى مع تنقيحها وتصحيح بعض المعلومات، هناك فصل جاء بمثابة مقدمة عن سينما الريفولي، سبق ونشره سويد في "مجلة الدراسات الفلسطينية" بعنوان "قبلتي الأولى"، هنا مقتطفات منه: "وُلِدت في بيروت ونشأت على شاشاتها المنتشرة ما بين ساحات الدباس ورياض الصلح والبرج والشهداء؛ من سينما كابيتول إلى صالتَي بيبلوس والجندول في شارع الصيفي ومحيط المرفأ. ذهابي إليها في حداثة سني كان نزهتي الوحيدة في بيروت، أمّا المنطقة الحاضنة لها في وجداني، فكانت وسط بيروت".
"توجز صورة تفجير الريفولي رمزية اللحظات الثلاث الفاصلة بين فترات الازدهار والحرب وإعادة الإعمار؛ تفجير أزال آخر ستار كان يحجب البحر عن ساحة الشهداء وقلب البلد، وأسدل في الوقت نفسه ستاراً آخر متصلاً بشاشة العرض داخل المبنى المنسوف، سينما ريفولي، إذ كانت شهرة المبنى من شهرة صالته السينمائية. وحقيقة أنه ترسخ معلماً دالاً على وسط العاصمة لم تأتِ من خروجه عن المألوف في هندسته المعمارية، وإنما من طابع شعبي أوجدته سينما ريفولي، فنحن نتذكره بقدر ما نتذكر شاشتها والأفلام وسِمتها. ولعل فيلم "خللي بالك من زوزو" للمخرج حسن الإمام ونجمته سعاد حسني، هو الحدث الأوحد الذي خلّد تلك السينما، بما شهده من إقبال جماهيري استمر أشهراً. فحين أتذكر اللوحة الإعلانية الضخمة التي كانت منصوبة عند مدخل الريفولي، وعليها رسم لسعاد حسني وعبارة "تمثل!... وترقص!... وتغني!..."، لا أتردد في القول إن "خللي بالك من زوزو" كان أيقونة سينما ريفولي أكثر ممّا كانت الأخيرة أيقونة وسط بيروت، البلد".
"الحقّ أنه كان لريفولي صنوها في القاهرة وباريس في آن واحد، والأمر نفسه ينسحب على صالات مجاورة لها في ساحة الشهداء، طواها النسيان ومنها "أوديون" و"أوبرا" و"كايرو"، وصالات أُخرى جمة سقطت من الذاكرة كانت قائمة في ساحات رياض الصلح والبرج والدباس وشوارعها الفرعية، على غرار كابيتول ومتروبول وأمبير وروكسي وراديو سيتي ودنيا وبيغال وميامي.
بعد الحرب، صمد مبنيا أوبرا والتياترو الكبير وجزء من المجمع التجاري سيتي سنتر. وبينما رُمّم الأول واستأجرته شركة فيرجن (Virgin) المتخصصة ببيع المنتوجات الفنية والكتب والأدوات الإلكترونية، ظل الثاني على خرابه وخاض أهل المسرح والتجمعات الفنية والثقافية معركة الدفاع عن وجوده وثني الشركة العقارية لإعادة إعمار بيروت، "سوليدير"، عن تدميره أو جعله مقصفاً آخر مماثلاً للمشاريع السياحية المشمولة في مخططها، أو مُجارياً للموضة التي رافقت إقلاع سوليدير وراجت وساهم في إطلاقها رجل الأعمال بشارة نمّور عبر تحويل البيوت العتيقة إلى مطاعم وحانات. أمّا الثالث، سيتي سنتر، فلم يدم من أثره في سبعينيات القرن الماضي سوى سينما سيتي بالاس.
بخلاف التياترو الكبير، افتقدت سيتي بالاس الحملات المدافعة عنها والمطالبة بعدم إزالتها أو تحويلها. ولولا قبّتها البيضاوية المحروقة التي ظلت ماثلة للعين وحركت فضول السائلين وحيرتهم وتحرّيهم عن ماضيها، لما بُعثت حكايتها من جديد ونُشرت في غير صحيفة ووسيلة إعلامية. وقد التبس اسمها عند كثيرين، وما زال هذا الالتباس يتراوح بين مَن استرجع اسمها الحقيقي، ومَن سمّاها سيتي سنتر نسبة إلى المجمع التجاري الواقع عند أول شارع بشارة الخوري.
"كانت سيتي بالاس آخر العنقود في سلالة صالات البلد وأقصرها عمراً، فقد تقاسمت هي وسينما ستراند في شارع الحمرا برمجة الأفلام الأميركية، وباستثناء تشاركهما كل صيف في تقديم العروض الاستعادية لكلاسيكيات محمد عبد الوهاب من الأفلام الغنائية، انفردت سيتي بالاس بأحدث العروض الأولى للسينما المصرية، واستضافت أجرأ فيلم جنسي أنتجه العرب حتى اليوم: "سيدة الأقمار السوداء" لمخرجه اللبناني سمير خوري، مع ناهد يسري وحسين فهمي".
"لم تعمّر سيتي بالاس طويلاً، فبعد نحو خمسة أعوام على افتتاحها، راحت ضحية الحرب في ربيع سنة 1975، ومع ذلك، تبدو الآن كأنها من زمن ما سبقها، ومن تاريخ الأوبرا والتياترو الكبير، بل أطول أثراً منهما. ولا ريب في أن هذه الصالات الثلاث تُعتبر الشواهد الأخيرة على دور السينما ما قبل الحرب، ومقارنة إحداها بالأُخرى تُظهر أن سيتي بالاس أظهرت قابلية للانتعاش، وأن ثمة روحاً ترفرف في أرجائها، لم تغادرها".
"أمّا مقاومة أوبرا لهدمها وردمها ضمن مخطط سوليدير فأسفرت عن إنقاذ مبناها وإدخالها في المخطط، إذ رُمّم مبناها المؤلف من ثلاث طبقات وصالتين سينمائيتين: أوبرا في الطبقتين العلويتين وشقيقتها الصغرى ريو في الطبقة السفلى، لكن اسم أوبرا امّحى واستُبدل باسم فيرجن، وتغيرت هوية المبنى، ولم يعد معروفاً مثلما عهدناه في السابق داراً - وأكثر - للعرض السينمائي".
"مع سيتي بالاس، حدث شيء مختلف تماماً، فقد أتت الحرب على مبناها وأحرقتها وأخفت اسمها حتى بدت طللاً غامضاً من أطلال البلد، ينتظر حلول عمارة بوظيفة جديدة محله، لكن اسمها، وإن توارى، لم يُستبدل بآخر، وإنما عاد وأعادها إلى الحضور في غير مناسبة وحدث في الأعوام الأخيرة".
"أمّا التياترو الكبير، وعلى الرغم ممّا غمرت به من حنين وشهادات في مجدها الغابر ومناشدة بالحفاظ على إرثها الثقافي، فإن موقعها ظل في قلوب محبّيها ومجايليها، وأنتج شكلاً من المعارضة الثقافية لمخطط سوليدير، اندثر مع ما اندثر وهمد في بقاياها، فلم تسترد أنفاسها من داخلها مثلما استردتها سيتي بالاس بأقل قدر من الحنين إلى عتمة أفلامها وأضواء أيامها".
"في العربية كلمتان متلازمتان أحبهما كثيراً عند استعمالهما في مديح الأمكنة: قِبلة النظر. صالات بيروت الراحلة كانت قِبلات نظر في كل ساحة وشارع من أرجائها: كابيتول قبلة ساحة رياض الصلح؛ التياترو الكبير قِبلة شارع الأمير بشير؛ ريفولي قِبلة ساحة الشهداء؛ بيكال قِبلة ساحة الدباس؛ سيتي بالاس قِبلة شارع بشارة الخوري؛ أمبير بوابة الجميزة قِبلتي أنا، ففيها شاهدت أول فيلم في حياتي، وبضوئها اغتسلت عتمتي، وفيها كانت قُبلتي الأولى ولم أدرِ أنها كانت قُبلة وداع فقط".
محمد سويد
يُعتبر المخرج اللبناني محمد سويد أحد أبرز المخرجين الوثائقيين اللبنانيين والعرب في ايامنا هذه.
بدأ عمله كناقد سينمائي في صحف لبنانية عديدة منها جريدة «السفير» التي أنجز عنها فيلماً وثائقياً بعنوان «حكاية جريدة» في العام 2004 بمناسبة مرور ثلاثين عاماً على تأسيسها.
كما عمل في «ملحق النهار» الذي يصدر أسبوعياً عن صحيفة النهار اللبنانية اليومية، والذي تركه في منتصف تسعينيات القرن الماضي كي يتفرّغ للعمل التلفزيوني إخراجاً وإنتاجاً.
دخل سويد عالم الإخراج الوثائقي وتحرر من الأسلوب التقليدي وتميز بين زملائه في لبنان والعالم العربي.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"يا فؤادي"...أو ظاهرة رثاء صالات السينما اللبنانية
"يا فؤادي"...أو ظاهرة رثاء صالات السينما اللبنانية

المدن

time٢٧-٠٥-٢٠٢٥

  • المدن

"يا فؤادي"...أو ظاهرة رثاء صالات السينما اللبنانية

قبل ثلاثين عاماً، اختار الناقد السينمائي ومخرج الأفلام الوثائقية، محمد سويد، أن يرثي صالات السينما في بيروت في كتابه "يا فؤادي". محمد سويد، المولود في بيروت، نشأ على شاشاتها المنتشرة ما بين ساحات الدباس ورياض الصلح والبرج والشهداء، ومن سينما كابيتول إلى صالتَي بيبلوس والجندول في شارع الصيفي ومحيط المرفأ. ذهابه إليها في حداثة سنه، كان نزهته الوحيدة، أمّا المنطقة الحاضنة لها في وجدانه، فكانت ساحة البرج. بعد اتفاق الطائف ونهاية الحرب ومجيء جرافة "سوليدير" لإعمار وسط بيروت، رجع محمد سويد إلى دفتر أخضر قديم كان يملأه، وهو ابن 13 عاماً، بعناوين افلام أدمن على مشاهدتها في صالات البرج. حمل آلة التسجيل ودخل مكاتب أصحاب دور العرض والموزعين. طرق أبوابهم حباً في سماع ذكرياتهم عن السينما والصالات التي ورثوها عن آبائهم أو تولوا تأسيسها وأضحت اليوم نسياً منسياً. لوهلة، شعر أن ما يبحث عنه لن يكون سوى حكاية مثيرة للأسى. واكتشف، في المقابل، انه كان في انتظار لحظة تضعه على مسافة من أحاسيس الحسرة. فعلى مدى سبع سنوات، تجمعت لديه أوراق وأشرطة رديئة التسجيل. عمل على تفريغها وتدوينها، تمهيداً لنشرها في مناسبة ما، مترقباً أنها ستحمل عناصر السرد اللازمة لنشأة دور العرض السينمائي في بيروت. وكانت النتيجة كتابه "يا فؤادي" الذي هو "نحت في الزمن" إذا ما استعرنا تعبير تاركوڤسكي، ليشكّل سيرة شخصية وسينمائية عن تلك الصور والأماكن والوجوه التي خال أنها طوت نفسها، فإذا بها تسري أرقاً في حياته. كتاب سويد يعالج بحثاً ما عن تلك الصالات اللبنانية التي تحوّلت جزءاً أساسياً من الذاكرة والتاريخ والنوستالجيا. لا يقدم سويد دراسة بالمعنى العلمي، ولا توثيقاً بالمعنى التقني. يعترف أن أول ما أغراه بالتردد على دور السينما والتسكع في أحيائها، لم يكن الأفلام أو نجومها أو لافتاتها الإعلانية، بل أبوابها وأمكنتها وسلالمها، مُحدداً "السلالم الخلفية لمبنى سينما بيغال في ساحة الدباس". يقول متسائلاً: "لعلني وقعت في هوى الصالات، أكثر من حب السينما"، مضيفاً أن "السينما نزوع الى الماضي ودور العرض صانعة ذكراها". وبين إصدار الكتاب قبل ثلاثين عاماً، وإعادة إصداره اليوم في طبعة ثانية، ماتت الصالات مرة ثانية، ماتت في المرة الأولى في الحروب الطويلة والغزوات والتناحرات، وماتت في المرة الثانية بعد التحولات في علاقتنا بالأشياء وولادة أقراص "دي في دي" والإنترنت والمنصات ونتفليكس والفردية المتطرفة واللامكان. الصالات التي انتقلت من الحمرا ووسط بيروت إلى جغرافيا جديدة، واحتضرت، صرنا بعدها أمام موجة جديدة من الدراسات والعروض والأبحاث، تستقرئ الأمكنة والذاكرة والموت. ما قدمه محمد سويد قبل ثلاثين عاماً، أصبح موضة أو ظاهرة في السنوات الأخيرة. كثر من الباحثين والباحثات، والمخرجين والمخرجات يبحثون عن أثر الصالات وعروض الأفلام وتأثيرها في المجتمع والمدن، والبحث يأتي بعد رحيل الصالات أو موتها، ومن خلال الأرشيف أو ما تبقى من دفاتر الصالات وملصقاتها وكراكيبها. يروي سويد أنه يوم قرّر تقديم كتابه، كان صعباً الوصول إلى أي أرشيف، صالات البرج كانت أثراً بعد عين، وكانت ذروة وداعها يوم تفجير سينما الريفولي. حتى أصحاب الصالات لم يكن لديهم إلا القليل من الصور الوثائق، وكان الوصول إلى بعض المؤسسات التوثيقية مكلفاً جداً. توثيق ذاكرة صالات طرابلس في السنوات الأخيرة، لصدفة ما، كان أسهل. قدمت الباحثة الالمانية الفرنسية ناتالي بوخر معرضها "طرابلس سكوب، عودٌ على طرابلسَ في ثقافتِها وممارساتها السّينمائيَّة" في شكا(شمالي لبنان)، ووثقت جانباً من حياة سينما طرابلس وناسها واقتصادها وثقافتها وترفيهها، بين بداية الأربعينات وصولاً إلى ما قبل الحرب الأهلية اللبنانية. قالت بوخر إن المعرض "ليس تمريناً في الحنين". الحصول على بعض الوثائق المهملة والمهجورة أتاح التعرف على عوالم فقدناها في مدينة شهدت حروباً وتحولات ضارية، وكانت السينما فيها جزءاً من صناعة الحياة. المخرج هادي زكاك أيضاً اهتم بنوستالجيا السينما الطرابلسية في كتابه "العرض الأخير"، ويبيّن أن السينما عُرفت في الأوساط الشعبيّة الطرابلسيّة بإسم "سيلَما" واحتلّت مكانةً مهمّة في عاصمة الشمال اللبناني، امتدّت من الثلاثينيّات إلى نهاية القرن العشرين. تخطّى عدد صالات السينما الثلاثين وانتشرت في أنحاء المدينة، من ساحة التلّ إلى البولفار والأحياء الداخليّة وباب التبانة وصولاً إلى الميناء، وكانت جزءاً من الحياة الاجتماعية والسياسية والترفيهية، ونهايتها مرآة لنهاية المدينة وللحرية الفردية. وقدّم المخرج أنطوان كبابة، المولع بالسينما وشارع الحمرا كتابه "المشهد الأخير"، الذي يحتوي على 800 صورة و110 رسوم توضيحية ملونة و75 مُلصقاً من 225 دار سينما. ووَثّق عبودي أبو جودة تاريخ السينما اللبنانية في معرض وكتاب "هذا المساء"، بأفّيشات أفلام "بيّاع الخواتم"، "سفر برلك"، "عصابة النساء"، "بنت عنتر"، "يا سلام عالحب"، و"شارع الضباب". حتى النادي السينمائي العربي، جاء من يرسم صورته الزاهرة، فكتبت الباحثة والمحاضرة في مجال الدراسات السينمائية، ناييس فارين، دراسة معمقة عن النادي الآفل منذ السبعينات، وأظهرت أن انشاء النادي العام 1973 شكّل دليلاً بارزاً على أهمية تزايد السينما البديلة، من خلال محاولة التصدي لتغييب هذا النوع السينمائي الجديد من صالات العرض. حمل مؤسسو "النادي السينمائي العربي" طموحات وتطلعات سياسية عديدة، تبدَّت بشكل خاص في علاقتهم الخلافية بـ"مهرجان الافلام الناطقة بالفرنسية" و"نادي بيروت للسينما". ومن خلال التركيز على تاريخ "النادي السينمائي العربي في بيروت"، سلطت دراسة فارين الضوء على جانب غير معروف من تاريخ السينما في لبنان، وطرحت أسئلة تتعلّق بتسييس الممارسات السينيفيلية في أوائل السبعينيات، وبالممارسات الراهنة المتمثِّلة في تحويل بعض الأفلام التي أخرجها أو عرضها أعضاء ذلك النادي، إلى تراث سينمائي. كان النادي جزءاً من واقع سياسي، جزءاً من مختبرات بيروت التي أُقفلت. غرق لبنان في البحث عمّا يسمى "الزمن الجميل". بؤس الحاضر يجعلنا نتسلى بأطياف الماضي ونتحسر عليه. قرأنا الكتب عن الصالات والأفلام في بيروت ونواحيها، وفي طرابلس وحاراتها، واكتمل المشهد مع اهتمام المواقع الإلكترونية بصالات بعلبك والنبطية وصور وزحلة... عوالم كثيرة تغيرت. تبدلتْ الأمكنة والمعايير، ماتت الصالات بالمعنى التقليدي، صارت محال ألبسة، وإن كان البعض مازال يبحث عن طقسها في المهرجانات، وإن كانت جمعيات ترمّم صالة هنا وصالة هناك في استعراض لا يدوم. تبدّل الجمهور كثيراً، تجذّر الالتحاق بالطوائف والتديّن، الاستبداد المرئي تمدّد، الهواتف الذكية سرقت عوالم الثقافة، تخطت الحدود والحواجز. ومع ذلك، في طرابلس قبل مدّة، انتصر الأئمة في اختيار الأفلام لمهرجان محليّ، وفي صيدا لم يخلُ عرض مسرحي كوميدي من التشويش الرقابي. في بيروت لم ينج معرض الكتاب العربي من إلغاء ندوة، تخوفاً من توتر ما، من ردّ فعل ما. مرّ المنع بصمت من دون ضجيج أو بيان. هناك تواطؤ على الصمت وتمرير الأمور بأقل خسائر ممكنة. أيضاً حصل تشويش على ندوة أخرى من سلطة الأمر الواقع. لقد تقلّص الهامش الديموقراطي، ضاقتْ مساحته. مَن حضَر معرض بيروت للكتاب في يومه الأخير، انتبه إلى واقع تحولات الجمهور وحركاته المنظمّة.

"بليغ و وردة" في أوبرا القاهرة
"بليغ و وردة" في أوبرا القاهرة

الميادين

time٠٩-٠٥-٢٠٢٥

  • الميادين

"بليغ و وردة" في أوبرا القاهرة

ليلة خاصة بالأغاني التي جمعت الفنانين الراحلين بليغ حمدي، و وردة تحييها أوركسترا القاهرة السيمفوني بقيادة رئيس الأوبرا المايسترو علاء عبد السلام مساء الثلاثين من أيار/ مايو الحالي، على خشبة المسرح الكبير بدار أوبرا القاهرة. يصادف هذا الحفل إحياء الذكرى 13 لرحيل الفنانة وردة في 17 الجاري، وهو يقام إنسجاماً مع تقليد درجت عليه الدار في الإحتفاء بنتاج الكبار خصوصاً أولئك الكبار الذين صنعوا العصر الذهبي للأغنية العربية، وما قدمه الثنائي بليغ و وردة مثّل علامة فارقة في تلك الحقبة. بأصوات: إيمان عبد الغني، ياسر سعيد، سارة زكي، وأحمد حسن، يُعاد إحياء أغنيات مختارة لهذا الثنائي.

"يا فؤادي/سيرة سينمائية" لمحمد سويد: الحنين لوسط بيروت
"يا فؤادي/سيرة سينمائية" لمحمد سويد: الحنين لوسط بيروت

المدن

time٠٤-٠٥-٢٠٢٥

  • المدن

"يا فؤادي/سيرة سينمائية" لمحمد سويد: الحنين لوسط بيروت

صدرت الطبعة الثانية من كتاب "يا فؤادي/سيرة سينمائية عن صالات بيروت الراحلة" للناقد والمخرج محمد سويد، وفيه يستعيد المؤلف سير الصالات السينمائية من نشوئها ونوعية برمجتها الى تحولاتها ونهاياتها. جاء في تعريف الكتاب: "... وما هي إلا أيام قليلة حتى رجعت إلى دفتر أخضر قديم كنت أملؤه، وأنا ابن الثالثة عشرة، بعناوين أفلام أدمنتُ على مشاهدتها في صالات البرج. حملتُ آلة التسجيل ودخلتُ مكاتب أصحاب دور العرض والموزعين. طرقتُ أبوابهم حباً بسماع ذكرياتهم عن السينما والصالات التي ورثوها عن آبائهم أو تولوا تأسيسها وأضحت اليوم نسياً منسيّاً. ... لوهلة، شعرتُ أنّ ما أبحث عنه لن يكون سوى حكاية مثيرة للأسى. واكتشفتُ، في المقابل، أنني كنت في انتظار لحظة تدعني على مسافة من أحاسيس الحسرة. فعلى مدى سبع سنوات، تجمعت لديّ أوراق وأشرطة رديئة التسجيل، حسبتُ، وأنا أعمل على تفريغها وتدوينها، تمهيداً لنشرها في مناسبة ما، أنها ستحمل عناصر السرد اللازمة لنشأة دور العرض السينمائي في بيروت. ... هذا الكتاب ليس في نهاية المطاف إلّا شبه سيرة شخصية وسينمائية عن تلك الصور والأماكن والوجوه التي خلتُ أنها طوت نفسها، فإذا بها تسري أرقاً في حياتي". وأضافة إلى نصوص الطبعة الأولى مع تنقيحها وتصحيح بعض المعلومات، هناك فصل جاء بمثابة مقدمة عن سينما الريفولي، سبق ونشره سويد في "مجلة الدراسات الفلسطينية" بعنوان "قبلتي الأولى"، هنا مقتطفات منه: "وُلِدت في بيروت ونشأت على شاشاتها المنتشرة ما بين ساحات الدباس ورياض الصلح والبرج والشهداء؛ من سينما كابيتول إلى صالتَي بيبلوس والجندول في شارع الصيفي ومحيط المرفأ. ذهابي إليها في حداثة سني كان نزهتي الوحيدة في بيروت، أمّا المنطقة الحاضنة لها في وجداني، فكانت وسط بيروت". "توجز صورة تفجير الريفولي رمزية اللحظات الثلاث الفاصلة بين فترات الازدهار والحرب وإعادة الإعمار؛ تفجير أزال آخر ستار كان يحجب البحر عن ساحة الشهداء وقلب البلد، وأسدل في الوقت نفسه ستاراً آخر متصلاً بشاشة العرض داخل المبنى المنسوف، سينما ريفولي، إذ كانت شهرة المبنى من شهرة صالته السينمائية. وحقيقة أنه ترسخ معلماً دالاً على وسط العاصمة لم تأتِ من خروجه عن المألوف في هندسته المعمارية، وإنما من طابع شعبي أوجدته سينما ريفولي، فنحن نتذكره بقدر ما نتذكر شاشتها والأفلام وسِمتها. ولعل فيلم "خللي بالك من زوزو" للمخرج حسن الإمام ونجمته سعاد حسني، هو الحدث الأوحد الذي خلّد تلك السينما، بما شهده من إقبال جماهيري استمر أشهراً. فحين أتذكر اللوحة الإعلانية الضخمة التي كانت منصوبة عند مدخل الريفولي، وعليها رسم لسعاد حسني وعبارة "تمثل!... وترقص!... وتغني!..."، لا أتردد في القول إن "خللي بالك من زوزو" كان أيقونة سينما ريفولي أكثر ممّا كانت الأخيرة أيقونة وسط بيروت، البلد". "الحقّ أنه كان لريفولي صنوها في القاهرة وباريس في آن واحد، والأمر نفسه ينسحب على صالات مجاورة لها في ساحة الشهداء، طواها النسيان ومنها "أوديون" و"أوبرا" و"كايرو"، وصالات أُخرى جمة سقطت من الذاكرة كانت قائمة في ساحات رياض الصلح والبرج والدباس وشوارعها الفرعية، على غرار كابيتول ومتروبول وأمبير وروكسي وراديو سيتي ودنيا وبيغال وميامي. بعد الحرب، صمد مبنيا أوبرا والتياترو الكبير وجزء من المجمع التجاري سيتي سنتر. وبينما رُمّم الأول واستأجرته شركة فيرجن (Virgin) المتخصصة ببيع المنتوجات الفنية والكتب والأدوات الإلكترونية، ظل الثاني على خرابه وخاض أهل المسرح والتجمعات الفنية والثقافية معركة الدفاع عن وجوده وثني الشركة العقارية لإعادة إعمار بيروت، "سوليدير"، عن تدميره أو جعله مقصفاً آخر مماثلاً للمشاريع السياحية المشمولة في مخططها، أو مُجارياً للموضة التي رافقت إقلاع سوليدير وراجت وساهم في إطلاقها رجل الأعمال بشارة نمّور عبر تحويل البيوت العتيقة إلى مطاعم وحانات. أمّا الثالث، سيتي سنتر، فلم يدم من أثره في سبعينيات القرن الماضي سوى سينما سيتي بالاس. بخلاف التياترو الكبير، افتقدت سيتي بالاس الحملات المدافعة عنها والمطالبة بعدم إزالتها أو تحويلها. ولولا قبّتها البيضاوية المحروقة التي ظلت ماثلة للعين وحركت فضول السائلين وحيرتهم وتحرّيهم عن ماضيها، لما بُعثت حكايتها من جديد ونُشرت في غير صحيفة ووسيلة إعلامية. وقد التبس اسمها عند كثيرين، وما زال هذا الالتباس يتراوح بين مَن استرجع اسمها الحقيقي، ومَن سمّاها سيتي سنتر نسبة إلى المجمع التجاري الواقع عند أول شارع بشارة الخوري. "كانت سيتي بالاس آخر العنقود في سلالة صالات البلد وأقصرها عمراً، فقد تقاسمت هي وسينما ستراند في شارع الحمرا برمجة الأفلام الأميركية، وباستثناء تشاركهما كل صيف في تقديم العروض الاستعادية لكلاسيكيات محمد عبد الوهاب من الأفلام الغنائية، انفردت سيتي بالاس بأحدث العروض الأولى للسينما المصرية، واستضافت أجرأ فيلم جنسي أنتجه العرب حتى اليوم: "سيدة الأقمار السوداء" لمخرجه اللبناني سمير خوري، مع ناهد يسري وحسين فهمي". "لم تعمّر سيتي بالاس طويلاً، فبعد نحو خمسة أعوام على افتتاحها، راحت ضحية الحرب في ربيع سنة 1975، ومع ذلك، تبدو الآن كأنها من زمن ما سبقها، ومن تاريخ الأوبرا والتياترو الكبير، بل أطول أثراً منهما. ولا ريب في أن هذه الصالات الثلاث تُعتبر الشواهد الأخيرة على دور السينما ما قبل الحرب، ومقارنة إحداها بالأُخرى تُظهر أن سيتي بالاس أظهرت قابلية للانتعاش، وأن ثمة روحاً ترفرف في أرجائها، لم تغادرها". "أمّا مقاومة أوبرا لهدمها وردمها ضمن مخطط سوليدير فأسفرت عن إنقاذ مبناها وإدخالها في المخطط، إذ رُمّم مبناها المؤلف من ثلاث طبقات وصالتين سينمائيتين: أوبرا في الطبقتين العلويتين وشقيقتها الصغرى ريو في الطبقة السفلى، لكن اسم أوبرا امّحى واستُبدل باسم فيرجن، وتغيرت هوية المبنى، ولم يعد معروفاً مثلما عهدناه في السابق داراً - وأكثر - للعرض السينمائي". "مع سيتي بالاس، حدث شيء مختلف تماماً، فقد أتت الحرب على مبناها وأحرقتها وأخفت اسمها حتى بدت طللاً غامضاً من أطلال البلد، ينتظر حلول عمارة بوظيفة جديدة محله، لكن اسمها، وإن توارى، لم يُستبدل بآخر، وإنما عاد وأعادها إلى الحضور في غير مناسبة وحدث في الأعوام الأخيرة". "أمّا التياترو الكبير، وعلى الرغم ممّا غمرت به من حنين وشهادات في مجدها الغابر ومناشدة بالحفاظ على إرثها الثقافي، فإن موقعها ظل في قلوب محبّيها ومجايليها، وأنتج شكلاً من المعارضة الثقافية لمخطط سوليدير، اندثر مع ما اندثر وهمد في بقاياها، فلم تسترد أنفاسها من داخلها مثلما استردتها سيتي بالاس بأقل قدر من الحنين إلى عتمة أفلامها وأضواء أيامها". "في العربية كلمتان متلازمتان أحبهما كثيراً عند استعمالهما في مديح الأمكنة: قِبلة النظر. صالات بيروت الراحلة كانت قِبلات نظر في كل ساحة وشارع من أرجائها: كابيتول قبلة ساحة رياض الصلح؛ التياترو الكبير قِبلة شارع الأمير بشير؛ ريفولي قِبلة ساحة الشهداء؛ بيكال قِبلة ساحة الدباس؛ سيتي بالاس قِبلة شارع بشارة الخوري؛ أمبير بوابة الجميزة قِبلتي أنا، ففيها شاهدت أول فيلم في حياتي، وبضوئها اغتسلت عتمتي، وفيها كانت قُبلتي الأولى ولم أدرِ أنها كانت قُبلة وداع فقط". محمد سويد يُعتبر المخرج اللبناني محمد سويد أحد أبرز المخرجين الوثائقيين اللبنانيين والعرب في ايامنا هذه. بدأ عمله كناقد سينمائي في صحف لبنانية عديدة منها جريدة «السفير» التي أنجز عنها فيلماً وثائقياً بعنوان «حكاية جريدة» في العام 2004 بمناسبة مرور ثلاثين عاماً على تأسيسها. كما عمل في «ملحق النهار» الذي يصدر أسبوعياً عن صحيفة النهار اللبنانية اليومية، والذي تركه في منتصف تسعينيات القرن الماضي كي يتفرّغ للعمل التلفزيوني إخراجاً وإنتاجاً. دخل سويد عالم الإخراج الوثائقي وتحرر من الأسلوب التقليدي وتميز بين زملائه في لبنان والعالم العربي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store