
قانون أوروبا الأخضر في مهبّ الغاز القطري
برز الأسبوع الماضي خبر لافت أشار إلى توتّر بين الدوحة وبروكسل. التوتّر يعود إلى تحذير قطري من احتمال إعادة توجيه الصادرات القطرية من الغاز الطبيعي المسال إلى أسواق بديلة، إذا لم يُعدّل الاتحاد الأوروبي قانون "العناية الواجبة في الاستدامة المؤسسية" (CSDDD)، الذي أُقرّ رسميا في يونيو/ حزيران 2024.
ويطرح هذا التحذير، الذي حمل نبرة تصعيدية، أسئلة جوهرية حول مستقبل العلاقات الاقتصادية بين الطرفين، لا سيما في ملف الطاقة الذي يُشكلّ أحد الأعمدة الاستراتيجية لأمن القارة الأوروبية.
التلويح ببدائل: رسالة رسمية وتحذير صريح
Getty Images
سعد بن شريدة الكعبي، وزير الطاقة القطري والرئيس التنفيذي لشركة قطر للطاقة
في رسالة موجّهة إلى الحكومة البلجيكية بتاريخ 21 مايو/ أيار، ردت قطر على لسان وزير الطاقة فيها سعد الكعبي، على توجيه الاتحاد الأوروبي بشأن العناية الواجبة، والذي يُلزم الشركات الكبرى بالكشف عن مشكلات حقوق الإنسان والبيئة، في سلاسل الإمداد ومعالجتها.
وجاء في الرسالة التي نقلتها وكالة رويترز: "ببساطة، إذا لم تُجرَ تعديلات إضافية على توجيه CSDDD، فلن يكون أمام دولة قطر وشركة قطر للطاقة خيار سوى النظر بجدية في أسواق بديلة خارج الاتحاد الأوروبي، لبيع الغاز الطبيعي المسال ومنتجات أخرى، في بيئة أعمال أكثر استقرارا وترحيبا."
ويبدو أنها ليست المرة الأولى التي تبعث فيها قطر رسالة مماثلة، فقد أكّد متحدث باسم المفوضية الأوروبية لوكالة رويترز، بأن المفوضية تلقّت رسالة أخرى من قطر بتاريخ 13 مايو/ أيار، موضحا أن الأمر متروك الآن للدول الأعضاء والمشرّعين "للتفاوض واعتماد التعديلات الجوهرية للتبسيط التي اقترحتها المفوضية". وكانت بروكسل قد اقترحت بالفعل تأجيل بدء تنفيذ القانون، حتى منتصف 2028 وتخفيف بعض متطلباته.
ما هو قانون "العناية الواجبة" ولماذا تعارضه قطر؟
قانون "العناية الواجبة" الذي أقرّه الاتحاد الأوروبي رسميا في يونيو/ حزيران 2024، يُلزم الشركات الكبرى، لا سيما العاملة في قطاعات حيوية كقطاع الطاقة، بالتحقّق من امتثال سلاسل التوريد التابعة لها، لمعايير صارمة تتعلّق بحقوق الإنسان، وظروف العمل، وحماية البيئة.
Getty Images
ويلزم القانون هذه الشركات باتخاذ تدابير عملية لمنع الانتهاكات البيئية والاجتماعية عبر شبكاتها العالمية، تحت طائلة غرامات قد تصل إلى 5% من إجمالي إيراداتها السنوية على مستوى العالم. ومن المرتقب أن يدخل القانون حيّز التنفيذ تدريجيا بدءا من عام 2027، وهو ما تعتبره دول مصدّرة للغاز، مثل قطر، عبئا قانونيا وماليا يهدّد استدامة علاقاتها مع السوق الأوروبية.
إلى ماذا يستند التهديد القطري؟
اعتبر عبد العزيز الدليمي، الخبير القطري في شؤون الطاقة، أن القانون الأوروبي الجديد المعروف بـ"قانون العناية الواجبة"، يشكّل تحديا كبيرا لصادرات الغاز الطبيعي المسال من قطر إلى أوروبا، وقد يدفع الدوحة إلى إعادة النظر في استمرار الإمدادات إلى أوروبا.
وأوضح الدليمي في مقابلة مع بي بي سي نيوز عربي، أن هذا القانون سيفرض أعباء مالية كبيرة على قطر، ليس فقط على مستوى شركة "قطر للطاقة"، بل أيضا على كل من شارك في تطوير البنية التحتية لإنتاج الغاز، بمن في ذلك المقاولون، وكذلك شركات التشغيل. وأضاف: "في حال تم تطبيق القانون بصيغته الحالية، قد تصبح صادرات الغاز إلى أوروبا غير مجدية اقتصاديا، بل قد تُكبّد الدوحة خسائر مباشرة، وهو أمر غير مقبول من منظور تجاري واستراتيجي". واعتبر أن المنطق التجاري لا يسمح لقطر بتصدير الغاز إلى أوروبا إذا كانت النتائج المالية سلبية بسبب الغرامات، مضيفا: "هذا واقع غير عقلاني".
وفي معرض رده على سؤال حول ما إذا كانت تهديدات قطر مجرّد ورقة ضغط، أكد الدليمي أن الدوحة قد تلجأ فعليا إلى وقف الإمدادات، في حال أصرّ الاتحاد الأوروبي على تطبيق القانون بصيغته الحالية، مشيرا إلى أن قطر لا تمانع الدخول في مفاوضات لتحسين فعالية سبل تقليل الانبعاثات الكربونية، لكنها ترفض العقوبات المالية المشروطة. وتوقّع أن تُسفر المفاوضات عن التوصل إلى تسويات تقنية أو بيئية، لكنها تحتاج إلى إرادة سياسية متبادلة، بحسب تعبيره.
هل يمكن أن يؤدي هذا الخلاف إلى أزمة طاقة في أوروبا؟
التهديد القطري بإعادة توجيه صادرات الغاز لا يعني بالضرورة انقطاعا فوريا في الإمدادات المتجهة لأوروبا، لكنه يكشف عن هشاشة الاعتماد الأوروبي على شركاء خارجيين، في لحظة مفصلية من عملية التحوّل في سياسات الطاقة.
فمنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا وتراجع الإمدادات الروسية، تحوّلت أوروبا إلى الغاز القطري كمصدر بديل استراتيجي يصعب التخلي عنه بسهولة. ولكن التحذيرات الأخيرة الصادرة من الدوحة، تذكّر مجدّدا بأن أمن الطاقة الأوروبي، لا يزال خاضعا لحسابات جيوسياسية متقلّبة.
في هذا السياق، يربط الخبير القطري في شؤون الطاقة عبد العزيز الدليمي احتمالات حدوث أزمة طاقة أوروبية، بقرار الدوحة النهائي بشأن التصدير، مشيرا إلى أن البدائل الأمريكية أو الكندية ليست كافية أو مضمونة، خصوصا مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية. ويتساءل: "هل سيجرؤ الاتحاد الأوروبي على تطبيق القانون على الولايات المتحدة، وهي التي سبق أن انسحبت من اتفاقية باريس للمناخ؟" ويجيب: "لا أعتقد ذلك"، داعياً في المقابل إلى إعادة النظر في القانون، مؤكداً أن قطر تتخذ خطوات جدّية، نحو خفض الانبعاثات، وتستثمر في مشاريع صديقة للبيئة.
بدورها، ترى لوري هايتيان، الخبيرة اللبنانية في شؤون الطاقة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن قانون "العناية الواجبة" يمثل مصدر قلق كبير لقطر، نظرا لأن الدوحة تعتبر أن القانون ينطوي على تدخل مباشر في سيادتها وفرض لأعباء تنظيمية ومالية تفوق قدراتها.
وتوضح هايتيان في مقابلة مع بي بي سي نيوز عربي أن التزامات القانون لا تقتصر على شركة قطر للطاقة، بل تمتد لتشمل سلسلة الإمداد بأكملها، من الموردين الكبار إلى الشركات الصغيرة، بل حتى "شركات القهوة" المتعاملة مع "قطر للطاقة"، بحسب تعبيرها. وتضيف أن تطبيق هذا القانون يتطلّب موارد ضخمة، فيما قد تصل الغرامات في حال عدم الامتثال لما ورد فيه من التزامات إلى 5٪ من الإيرادات العالمية، وهو ما ترفضه الدوحة تماما.
وتشير هايتيان إلى أن قطر قد تجد في الانسحاب من بعض عقود تصدير الغاز مع أوروبا، خيارا أقل تكلفة من الالتزام بمنظومة بيروقراطية معقّدة.
وتُحذّر هايتيان من أن تنفيذ الاتحاد الأوروبي لخطة وقف استيراد الغاز الروسي بنهاية 2027، سيجعل أوروبا أكثر اعتمادا على خيارات بديلة في التوريد، وعلى رأسها قطر. وفي حال نفّذت الدوحة تهديدها، فإن القارة الأوروبية ستواجه أزمة طاقة حقيقية، قد تدفعها مجدّدا للاعتماد على الولايات المتحدة كمصدر بديل.
وتتفق هايتيان مع الدليمي في التشكيك في إمكانية التزام واشنطن الصارم ببنود القانون الأوروبي الجديد، ما يثير تساؤلات حول مدى تطبيق الاتحاد لمعاييره بشكل متوازن على جميع الشركاء. وتلفت هايتيان إلى أن التشريع الجديد لا يواجه رفضا من الموردين فقط، بل يثير تحفظات لدى عدد من الشركات الأوروبية التي تعتبره صعب التطبيق، ما يعزّز فرص تعديل شروطه أو تخفيفها في المرحلة المقبلة.
ما هي الأسواق البديلة؟ هل تتجه قطر أكثر نحو آسيا؟
يرى الخبير القطري عبد العزيز الدليمي، أن القانون لا يُهدّد قطاع الطاقة القطري، بل يقتصر تأثيره على السوق الأوروبية فقط، إذ تستمر صادرات الغاز القطري إلى آسيا والأسواق الأخرى بشكل طبيعي.
وأضاف: " تملك قطر هامشا واسعا للمناورة، بفضل علاقاتها المتينة مع الدول الآسيوية، وعلى رأسها الصين، كوريا الجنوبية، اليابان، الهند وباكستان، وهي تملك أكبر أسطول في العالم لنقل الغاز المسال، ما يمنحها مرونة عالية في إعادة توجيه صادراتها".
Getty Images
أما بشأن الخيارات البديلة أمام قطر، فتشير لوري هايتيان، إلى أن أسواقا في آسيا وأفريقيا، وعلى رأسها الصين، تمثل بديلا استراتيجيا محتملا، في حال تعثّرت العلاقات مع أوروبا. وتستند في ذلك، إلى أحدث البيانات الرسمية التي تُظهر أن الصين تحتل المرتبة الأولى في استيراد الغاز القطري، مع توقيع اتفاقيات توريد تمتد حتى 27 عاما، مع شركات صينية كبرى.
ووفق آخر الأرقام الرسمية، تأتي بعد الصين، كوريا الجنوبية، الهند، واليابان، إذ تُمثّل آسيا الوجهة الأهم لصادرات الغاز القطري، بحصة تفوق 70 % من إجمالي الصادرات.
اختبار توازن بين البيئة والمصالح
المستشار النفطي الكويتي والخبير في شؤون الطاقة د. مبارك الهاجري، اعتبر أن التصعيد القطري تجاه قانون "العناية الواجبة" الأوروبي، لا يتعدّى حتى الآن إطار المناورة التفاوضية المدروسة، لا سيما أن الدوحة تدرك تبعات الخروج عن العقود الطويلة الأمد التي تربطها بدول الاتحاد الأوروبي، سواء على المستوى القانوني أو على صعيد السمعة كمصدّر موثوق للطاقة.
ويشرح الهاجري في مقابلة مع بي بي سي نيوز عربي: " لدى قطر عقود طويلة الأجل مع معظم الدول الأوروبية وبالتالي الانسحاب منها أو ممارسة أي أمور تخلّ بهذه الاتفاقيات، يمكن أن يعرّضها لمخاطر قانونية وأيضا لغرامات تجارية". ويضيف: " أتوقع أن تحافظ قطر على سمعتها كمصدر موثوق لبيع الغاز المسال، لأنه برأيي، في حال هدّدت بفسخ العقود الآجلة، فإن ذلك سيؤدّي إلى امتناع كثيرين عن توقيع عقود آجلة معها في المستقبل".
Getty Images
ويرى الهاجري، أنه إذا كانت قطر تملك من أدوات التحرّك ما يمكّنها من إعادة توجيه صادراتها نحو أسواق آسيوية أو التحالف مع شركاء جدد، فإن هذه البدائل تبقى، حتى اللحظة، ورقة ضغط أكثر منها خيارا استراتيجيا فعليا. فكما أنه لا يمكن لأوروبا التفريط بمورد حيوي مثل الغاز القطري في مرحلة انتقال حسّاسة بالنسبة للطاقة، تدرك الدوحة بدورها أن الحفاظ على موقعها في السوق الأوروبية يوازي، وربما يفوق، أهمية تنويع الزبائن، بحسب الهاجري.
من هنا، يعتقد الخبير الكويتي في شؤون الطاقة أن المسار المرجّح، هو محاولة الطرفين التوصّل إلى تسوية تقنية وربما سياسية، تتيح تخفيف حدّة التزامات القانون الأوروبي من دون المساس بجوهر أهدافه البيئية والحقوقية.
في الختام، يبدو أن موقف قطر يمثّل اختبارا حقيقيا لقدرة الاتحاد الأوروبي على الموازنة بين أولوياته البيئية ومسؤولياته الاقتصادية. أما فيما يخص التهديد القطري، سواء تحقّق أو لم يتحقق، فهو يُشكّل رسالة سياسية واضحة: لا يمكن بناء نظام استدامة عالمي يقوم على معايير أحادية، بل يجب أن يكون – بحسب الدوحة - ثمرة شراكة متوازنة تحترم السيادة وتراعي الاختلافات الاقتصادية والتنموية بين الدول على اختلافها، وأنه بينما تؤكد قطر استعدادها للتعاون البيئي وتطوير تقنيات خفض الانبعاثات، فإنها ترفض أن تُحمّل الكلفة القانونية والمالية للقانون الجديد. وبالتالي، فإن الرسالة القطرية تبدو جليّة الحفاظ على أمن الطاقة في أوروبا يمرّ عبر توازن المصالح، وليس عبر فرض المعايير الأحادية، وفقا لرؤية الدوحة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


عين ليبيا
منذ 3 ساعات
- عين ليبيا
ماسك يفتح معركة جديدة حول مستقبل الاتحاد الأوروبي.. انسحاب أم إصلاح؟
دعا رجل الأعمال الأمريكي إيلون ماسك، دول الاتحاد الأوروبي إلى مغادرة التكتل الأوروبي، معتبراً أن الاتحاد 'يدمّر الديمقراطية في أوروبا'. وجاء ذلك في تغريدة له على منصة 'إكس'، حيث علق ماسك على قرار حديث لمحكمة العدل الأوروبية بشأن قضية في إيرلندا، قائلاً: 'على إيرلندا أن تغادر الاتحاد الأوروبي'. وأضاف: 'برأيي، يجب على جميع الدول فعل ذلك. فهو يدمر الديمقراطية في أوروبا'. وجاء هذا التصريح في أعقاب حكم أصدرته محكمة العدل الأوروبية يمنع الحكومة الإيرلندية من استخدام أزمة نقص المساكن كذريعة لرفض استقبال طالبي اللجوء، وهو القرار الذي أثار جدلاً واسعاً في الأوساط الأوروبية. وتأتي دعوة ماسك في وقت يتعرض فيه الاتحاد الأوروبي لضغوط داخلية وخارجية عدة، على الصعيدين السياسي والاجتماعي، حيث يرى بعض النقاد أن سياسات التكتل قد تقيد سيادة الدول الأعضاء وتحد من حرية اتخاذ القرار الوطني. في السياق ذاته، أشار البيت الأبيض في وقت سابق إلى أن الاتحاد الأوروبي 'خضع' أمام سياسات سابقة للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ما يعكس التحديات التي يواجهها التكتل في مسيرته السياسية والاقتصادية.


الوسط
منذ 5 ساعات
- الوسط
محور «تركيا – ليبيا – إيطاليا».. هل يتحول إلى قطب متوسطي جديد؟
رأى تقرير تركي أن الاجتماع الثلاثي رفيع المستوى الذي استضافته إسطنبول لقادة تركيا وإيطاليا وليبيا تمهِّد الطريق نحو «محور جديد ناشئ في البحر الأبيض المتوسط»، يركز على قضايا سياسية وأمنية واقتصادية، بالتزامن مع التنسيق بشأن ملف الهجرة غير الشرعية. وناقش الاجتماع الذي ضمّ الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، ورئيس حكومة «الوحدة الوطنية الموقتة» عبدالحميد الدبيبة، التحديات الإقليمية الملحة، بما في ذلك إدارة الهجرة والتنسيق الأمني والتعاون في مجال الطاقة. واعتبر تقرير «الهجرة».. أولوية حاضرة لكن ليست وحيدة لا تزال الهجرة تُشكّل أولويةً على الأجندة الأوروبية، لا سيما مع تزايد تدفق المهاجرين إلى القارة نتيجةً عدم الاستقرار السياسي في منطقة الساحل وشمال أفريقيا. وعلى الرغم من الدوريات المشتركة وجهود ضبط الحدود الممولة من الاتحاد الأوروبي، لا تزال أوروبا تُكافح لاحتواء الهجرة غير النظامية. وفي هذا السياق تشير جريدة «تركيا توداي» إلى استغلال هذه القضية بشكلٍ دوري من قِبَل جهاتٍ فاعلة على جانبي البحر الأبيض المتوسط. بينما أُشير إلى استخدام سلطات شرق ليبيا لملف الهجرة، «ربما سهّلت عمليات العبور»، كورقة ضغط سياسية على الاتحاد الأوروبي، ما يكشف عن هشاشة مقاربة بروكسل في إدارة الحدود الخارجية، وفق التقرير. في المقابل، تبنت تركيا نهجًا براجماتيًا قائم على تحقيق الاستقرار لا المواجهة، مدعومًا بحضور عسكري وشراكات طاقوية في ليبيا. وتُظهر اتفاقيات شركة البترول التركية «TPAO» الأخيرة للتنقيب في أربع مناطق ليبية استثمار أنقرة طويل الأمد في مستقبل ليبيا، بغض النظر عن الانتكاسات السياسية الموقتة أو تغير التحالفات. روما وأنقرة.. توافق مصالح حول ليبيا مستقرة في هذا السياق، تتلاقى رؤية تركيا مع الاستراتيجية الإيطالية الجديدة بقيادة جورجيا ميلوني، التي تُفضل التعامل مع سلطة مركزية واضحة في ليبيا، على نمط مقاربة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب السابقة في الشرق الأوسط، بدلاً من الانخراط في تعقيدات الفصائل المتنازعة. ويرى الجانبان أن النظام أفضل من الفوضى، وهو ما يعزز رهانهما على حكومة الدبيبة، المعترف بها دوليًا، وفق جريدة «تركيا توداي». ومع ذلك، فإن الهجرة، وإن كانت ملحة، ليست سوى جزء من الصورة. ويشير السياق الضمني لاجتماع إسطنبول إلى إعادة ترتيبات إقليمية أوسع نطاقًا، حيث تُرسّخ تركيا مكانتها كمحاور لا غنى عنه بين أوروبا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط الأوسع. تعاون دفاعي صناعي تركي – إيطالي يتوسع بهدوء وأشار التقرير إلى أن شكل القمة وإطارها إلى أن أنقرة وروما تتحالفان بشكل وثيق خلف حكومة الدبيبة، وهو ما عزز الرسالة التي مفادها أن أولويتهما المشتركة هي ليبيا موحدة ومستقرة. وإلى جانب القادة، أشار إشراك كبار المسؤولين في الاستخبارات والأمن إلى التنسيق العسكري وتبادل المعلومات الاستخباراتية والاستقرار السياسي. وكشفت القمة عن جانب آخر أقل علانية لكنه لا يقل أهمية، وهو تعميق التعاون الصناعي الدفاعي بين أنقرة وروما، ففي الأشهر الماضية، استحوذت شركة «بايكار» التركية، الرائدة في صناعة الطائرات المُسيّرة، على واحدة من شركات الطيران والفضاء الكبرى في إيطاليا. وفي تطور موازٍ، أبرمت شركة تركية في ولاية «تشوروم» صفقة لتوريد قذائف مدفعية إلى روما، وهي عملية حساسة عادةً ما تتطلب موافقة سياسية من أعلى المستويات، ما يدل على مستوى ثقة نادر بين شريكين أحدهما خارج الاتحاد الأوروبي. تشير هذه المعاملات إلى مستوى من الثقة نادرًا ما يُمنح للشركاء من خارج الاتحاد الأوروبي. ومن المتوقع أن تسعى شركات الدفاع الإيطالية، ولا سيما شركة «ليوناردو»، إلى تعزيز تعاونها مع نظيراتها التركية، مما قد يضع المنصات التركية في صميم منظومة الدفاع الجوي الأوروبية المتطورة. تجزئة ليبيا تمنح تركيا مساحة للمناورة أما في ليبيا، فقد حافظت تركيا على موقعها كطرف خارجي قادر على التعامل مع مختلف القوى، سواء حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس أو السلطات الشرقية. وقد غيّر تدخلها العسكري لصالح طرابلس خلال هجوم حفتر عامي 2019-2020 موازين القوى، إلا أن أنقرة تحولت بعد ذلك إلى نهج مزدوج، تسعى من خلاله إلى الحفاظ على علاقات مفتوحة مع الطرفين وتشجيع مسار سياسي تفاوضي. يرى التقرير أن هذا «الانخراط البراجماتي» مكَّن تركيا من توقيع صفقات طويلة الأجل في مجالات الطاقة والبنية التحتية، كما عزز مكانتها في نظر الأوروبيين، وفي مقدمتهم إيطاليا، التي تسعى للحفاظ على مصالح شركتها «إيني» للطاقة في ليبيا. اليونان تراقب بحذر من على الهامش في المقابل، قوبلت القمة الثلاثية بقلق شديد في اليونان، فقد اعتبر حزب «سيريزا» المعارض الاجتماع بمثابة «هزيمة دبلوماسية» لحكومة رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس، منتقدًا ما وصفه بـ«غياب استراتيجية وطنية» و«تزايد العزلة الدولية لليونان». وسائل الإعلام اليونانية، أشارت إلى أن تأجيل زيارة دبلوماسية كانت مقررة إلى بنغازي في يوليو الجاري هو مؤشر آخر على تراجع الحضور اليوناني في الملف الليبي. وبعد أن اعتُبرت اليونان لفترة طويلة حجر الزاوية في سياسة الاتحاد الأوروبي المتوسطية، تجد نفسها الآن في عزلة متزايدة مع تحوّل الديناميكيات الإقليمية. ويرى تقرير جريدة «تركيا توداي» أن جزءًا كبيرًا من هذه العزلة ينبع من تراجع أهمية منتدى غاز شرق المتوسط وانهيار مبادرة خط أنابيب شرق المتوسط، التي كانت تضم في السابق اليونان وإسرائيل وقبرص ومصر كأطراف رئيسية. ومع تبلور ممرات طاقة جديدة، بما في ذلك التعاون التركي القطري عبر سورية، وتوسيع الروابط بين بحر قزوين وأوروبا عبر تركيا، تواجه أثينا بيئة سياسية أكثر تقييدًا. نحو مثلث متوسطي براجماتي؟ إزاء ما سبق، تعتقد الجريدة التركية أن تطور إسطنبول لتصبح مركزًا للدبلوماسية متعددة الأطراف «أصبح جليًا بشكل متزايد»، فقد استضافت المدينة مؤخرًا مفاوضات حساسة واتصالات سياسية رفيعة المستوى من وفود أوكرانية وروسية إلى محادثات السلام في القرن الأفريقي، بل وزيارات لكبار المسؤولين الأرمن والإيرانيين. وبالتالي يرى التقرير أن السياسة الخارجية التركية تسعى إلى بناء هوية «باني الجسور» بين الكتل المستقطبة، وهو الدور الذي اتجهت إليه أنقرة في ظل التعددية القطبية العالمية والتراجع الغربي، وجمع الجهات الفاعلة من طرفي الطيف الجيوسياسي كمنسق إقليمي، على عكس الأوقات التي كانت مهمشة فيها من قبل جيرانها قبل بضع سنوات.


الوسط
منذ 8 ساعات
- الوسط
ماذا يعني قرار ترامب نشْر غواصتين نوويتين قرب روسيا على أرض الواقع؟- مقال رأي في التلغراف
AFP في عرض الصحف لهذا اليوم، نطالع قراءة في قرار الرئيس دونالد ترامب الخاص بنشْر غواصتين نوويتين رداً على "تهديدات روسية"؛ كما نطالع تقريراً عن زيادة عدد المجنّدات الأوكرانيات إلى الضِعف؛ وقبل أن نختتم جولتنا نتطرق لفكرة ناقدة لموقف الاتحاد الأوروبي من الحكومة الإسرائيلية. ونستهل جولتنا من التلغراف ومقال بعنوان "بيان ترامب بشأن الغواصات النووية لا يغيّر أيّ شيء من واقع الأمر"، للكاتب لويس بيدج. ورصد الكاتب أوامر أصدرها دونالد ترامب بـ"تحريك غوّاصتين نوويتين إلى المناطق المناسبة"، على حدّ تعبيره، رداً على تهديدات أطلقها الرئيس الروسي السابق ديمتري مدفيديف – الحليف المقرّب للرئيس الحالي فلاديمير بوتين. ورأى الكاتب أن هذه الخطوة من جانب ترامب "لا معنى لها على الإطلاق"، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة تمتلك 14 غواصة من طراز "أوهايو" مزوّدة بصواريخ باليستية، وأنّ اثنتين من تلك الغواصات كانتا قادرتين على ضرب روسيا حتى من قبل أن تبدأ هذه "الحرب الكلامية" بين مدفيديف وترامب. وتحمل كل غواصة حوالي 24 صاروخاً من طراز "ترايدنت-2"، وكلّ من هذه الصواريخ يحمل بدورِه أربعة رؤوس حربية، كلّ رأس منها قادر على طمْس معالم مدينة بأكملها. ومنذ عقود، وعلى مدار الساعة، "توجد دائماً غواصات أمريكية وفرنسية وبريطانية في وضعية الاستعداد لتدمير روسيا؛ وعليه، فلم تكُن هناك حاجة لتحريك أيّ من هذه الغواصات لتحقيق ذلك الهدف"، وفقاً لكاتب المقال. ورأى الكاتب أن هناك أسباباً وجيهة لعدم اتخاذ مثل هذه الخطوة، ليس أقلّها أنّ الغواصات بالفعل في وضعية الاستعداد. أضِف إلى ذلك أن مثل هذه الغواصات الرادِعة تحاول جاهدة التخفّي، وهذا هو السبب وراء وضْع صواريخ بالستية على متن الغواصات؛ بحيث يتعذّر تحديد مكانها، ومن ثمّ يستحيل مباغتتها بضربة استباقية. كما أن غواصات الردع هذه، عادة ما تتحرك في المياه خُلسة وبخُطى شديدة البُطء، وإذا ما تقرَّر تغيير موضعها فإن ذلك من شأنه أن يتطلّب تسريعاً في وتيرة حركتها وبالتالي تسهيل العثور عليها – وهو ما يجعل الفكرة نفسها في غير محلّها، وفقاً للكاتب. ويقول الكاتب: "لربما أمر الرئيس ترامب بنشر المزيد من الغواصات، لكن الموجود منها يكفي وزيادة". واختتم لويس بيدج قائلا إن "الكلمات مُهمّة، وخصوصاً في سياق الحديث عن 'حرب هرمجدون نووية' قد تُسدل الستار على الحياة في كوكب الأرض. ولا شك أن ترامب إنما أراد القول إنه لا يخشى تهديدات مدفيديف، لكن الخطوة التي يقول إنه اتخذها، لا تغيّر من واقع الأمر شيئاً". كيف غيّرت التقنية طبيعة الحروب؟ AFP وإلى مجلة الإيكونوميست، والتي نشرت مقالا بعنوان: "أعداد النساء في الجيش الأوكراني تشهد ازدياداً". ونقلت المجلة البريطانية عن ماريا برلينسكا، هي ناشطة أوكرانية تدعو إلى تعزيز الوجود النسائي في الجيش، القول إنه "لا علاقة بين نوع الجنس من حيث الذكورة والأنوثة عندما يتعلق الأمر بتشغيل طائرة بدون طيار، على سبيل المثال لا الحصر". ولفتت الإيكونوميست إلى أن الكثير من الرجال في أوكرانيا لا يرغبون في أداء الخدمة العسكرية، بخلاف النساء الأوكرانيات؛ "فجميع مَن يحمل السلاح منهن متطوعات، وقد بلغ عددهن حوالي 100 ألف من إجمالي مليون مقاتل في الجيش الأوكراني". ونوّهت المجلة إلى أن حوالي 5,500 امرأة أوكرانية تؤدي الخدمة العسكرية على الجبهة - ما بين مُسعفات وسائقات ومُشغّلات طائرات مُسيّرة. وكانت نسبة النساء في الجيش الأوكراني "لا تتجاوز 15 في المئة في عام 2022 قبل الغزو الروسي الشامل للبلاد"، والذي أدى بدورِه إلى زيادة كبيرة في حجم الجيش؛ ورغم تراجُع نسبة التمثيل النسائي بعد هذه الزيادة في حجم الجيش إلا أن عدد النساء الأوكرانيات اللائي يؤدين الخدمة العسكرية "قد تضاعف"، وفقاً للإيكونوميست. ونقلت المجلة عن أوكسانا غريغورييفا، مستشارة الشؤون الجنسانية في القوات المسلحة الأوكرانية، القول إن حوالي 20 في المئة من تلاميذ المدارس الثانوية العسكرية والكليات العسكرية هم من النساء – ما يُعتبر تغيّراً كبيراً. وتشير المجلة البريطانية إلى أن هذا الوجود النسائي في تلك المدارس والكليات العسكرية في أوكرانيا لم يكن متاحاً قبل عام 2018، بسبب قيود تشريعية. وتشهد قوانين مكافحة التحرش الجنسي في صفوف القوات المسلحة الأوكرانية الآن "تشديداً"، على أن النضال الحقيقي، بحسب غريغورييفا، يتمثل في "ضمان عدم معاملة الإناث كجنود من الدرجة الثانية". وتقول أوْلها بيهار، التي تقود إحدى الوحدات المدفعية، إن "التقنية غيّرت طبيعة الحروب؛ ولعل أفضل الجنود الآن هو مُشغّل صغير الحجم لطائرة بدون طيار بأصابع ماهرة. وهكذا تتغير الصُور النمطية". ولم تشهد الساحة السياسية الأوكرانية نقاشاً بخصوص تجنيد النساء، ويعزو المحللون ذلك إلى تخوّف القادة الأوكرانيين مما قد يَنمّ عليه مثل هذا النقاش حال إثارته من "ضَعف استراتيجي" في أعيُن الروس، ولكنْ في ظلّ اتساع الفجوة في التجنيد، لن يتسنى لهؤلاء القادة تجاهُل مثل هذا النقاش للأبد، وفقاً للإيكونوميست. "قادة الاتحاد الأوروبي متواطئون في جرائم إسرائيل" AFP ونختتم جولتنا من صحيفة الغارديان، حيث نطالع مقالاً بعنوان "قادة الاتحاد الأوروبي متواطئون في جرائم إسرائيل بإخفاقهم في معاقبتها، وعليهم أن يفعلوا ذلك الآن"، بقلم جوزيب بوريل، الممثل الأعلى السابق للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية. ويرى بوريل أن قادة الاتحاد الأوروبي ودولَه الأعضاء قد يُستدعون للمساءلة في المستقبل بشأن "تواطئهم في جرائم ضد الإنسانية ارتكبتْها حكومة نتنياهو"، ويضيف أن الشعوب الأوروبية ستحاكِم هؤلاء القادة بقسوة بسبب "تعاميهم عن عملية الإبادة الجماعية التي تحدث الآن في غزة"، وفقاً للكاتب. ومع ذلك، يرى بوريل أن الحاجة ماسّة الآن إلى وقْف النزيف، وأنّ على الاتحاد الأوروبي أن يقرّر فرْض عقوبات على إسرائيل دون مزيد من الإبطاء؛ حيث يعتقد بوريل أن هذه هي اللغة الوحيدة التي يمكن أن توقف قادة إسرائيل عن "ارتكاب جرائم ضد الإنسانية"، على حدّ تعبيره. وقال بوريل إن الاتحاد الأوروبي ودولَه الأعضاء "يقوّضون ثقة العالم فيهم، كما يقوّضون سيادة القانون الدولي بإصرارهم على: عدم تعليق اتفاقية الشراكة مع إسرائيل رغم انتهاك الأخيرة لبنودها بشكل واضح؛ وعدم حظْر بيع السلاح لإسرائيل رغم ما ترتكبه الأخيرة من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة؛ وعدم حظْر استيراد منتجات قادمة من مستوطنات غير شرعية رغم قرارات محكمة العدل الدولية في هذا الخصوص؛ وعدم معاقبة وزراء وقادة سياسيين إسرائيليين يحرّضون على الإبادة؛ وعدم حظْر نتنياهو من استخدام المجال الجوي الأوروبي رغم أوامر التوقيف التي أصدرتها الجنائية الدولية بحقّه". ولفت بوريل إلى "التناقض الصارخ" بين موقف الاتحاد الأوروبي الحازم إزاء العدوان الروسي على أوكرانيا من جهة، و"موقفه السلبي إزاء الحرب في غزة من جهة أخرى"، مشيراً إلى أن ذلك التناقض "يتمّ استغلاله بشكل واسع من جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على نحو يضرّ كثيراً بموقف الاتحاد الأرووبي جيوسياسياً، ليس فقط في العالم الإسلامي وإنما في العالم كله". ورأى بوريل أن الاتحاد الأوروبي لديه العديد من الأوراق التي يمكن أن يمارس بها ضغوطاً على الحكومة الإسرائيلية، قائلاً إن "الذين لا يحرّكون ساكنا لوقف عملية الإبادة وانتهاكات القانون الدولي رغم قُدرتهم على ذلك، إنما هم متواطئون فيها".