
هل بدأت المرحلة الأخطر بين إيران وإسرائيل؟
محمود علوش
تنفّس الشرق الأوسط والعالم بأسره الصعداء عندما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في 24 يونيو/ حزيران 2025، التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، منهيًا بذلك حربًا استمرت 12 يومًا.
هذا الاتفاق، يُعد إنجازًا دبلوماسيًا مؤقتًا، يعكس رغبة الأطراف المنخرطة في الصراع في تجنب حرب طويلة الأمد قد تُغرق المنطقة في فوضى أكبر. ومع ذلك، فإن هذه الحرب، ليست سوى فصل جديد في صراع إسرائيلي- إيراني عميق الجذور، قد يكون مجرد مقدمة لمواجهات أكثر خطورة في المستقبل.
يُمثل وقف إطلاق النار إنجازًا تكتيكيًا لجميع الأطراف المعنية. بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل، تُعد الضربات التي استهدفت المنشآت النووية الإيرانية نجاحًا إستراتيجيًا، إذ أُعلن أنها ألحقت أضرارًا كبيرة بالبرنامج النووي الإيراني.
من جانبه، أكد الرئيس ترامب أن هذه العملية العسكرية حققت أهدافها دون جر الولايات المتحدة إلى حرب إقليمية شاملة، وهو ما يتماشى مع سياسته التي تتجنب التورط العسكري المباشر في الشرق الأوسط. في المقابل، تعرضت إسرائيل لأضرار بالغة جراء الهجمات الصاروخية الإيرانية، مما جعل وقف التصعيد ضرورة ملحة لتقليل الخسائر البشرية والاقتصادية.
من جانب إيران، يُتيح الاتفاق فرصة لتجنب حرب طويلة الأمد كانت ستُشكل تهديدًا وجوديًا للنظام. وعلى الرغم من الأضرار التي لحقت بمنشآتها النووية، تصر طهران على أن برنامجها النووي لا يزال قائمًا ولم يتأثر بشكل حاسم.
هذا الخطاب يعكس محاولة إيران للحفاظ على صورتها كقوة إقليمية صلبة، قادرة على مواجهة خصومها رغم تبعات الحرب. ومع ذلك، فإن هذا الاتفاق لا يُنهي الصراع الأساسي بين إسرائيل وإيران.
لقد تطور هذا الصراع من مواجهات غير مباشرة عبر وكلاء إقليميين إلى حرب مكشوفة، خاصة بعد أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، التي كانت نقطة تحول في الصراع. لقد كسرت الحرب الأخيرة الحواجز النفسية التي كانت تمنع المواجهة المباشرة، مما يجعل احتمال اندلاع حرب جديدة في المستقبل واردًا.
قد يبدو من الصعب تقدير حجم الأضرار التي لحقت بالبرنامج النووي الإيراني. أعلن ترامب أنّ الضربات الأميركية والإسرائيلية دمرت المنشآت النووية الإيرانية بالكامل، فيما تبدو التقييمات الإسرائيلية أكثر حذرًا.
تشير تقارير استخباراتية إسرائيلية إلى أن الضربات ألحقت أضرارًا كبيرة، لكنها لم تُنهِ البرنامج النووي بشكل نهائي. من ناحية أخرى، تقلل إيران من شأن هذه الأضرار، مؤكدة أن برنامجها النووي لا يزال يعمل بكفاءة.
من المتوقع أن يُمهد وقف إطلاق النار لاستئناف المفاوضات النووية بين طهران والقوى الغربية. ومع ذلك، فإن فكرة تخلي إيران عن طموحاتها النووية بالكامل تبدو غير واقعية، خاصة بعد أن حاولت تصوير نفسها كمنتصرة في هذه الحرب. إن استمرار البرنامج النووي، وإن بشكل محدود، سيبقى مصدر توتر دائم بين إيران وخصومها.
على الرغم من الضرر الذي لحق بإيران، سواء على المستوى العسكري أو الاقتصادي، فإن هذه الحرب قد تُنتج دولة أكثر جرأة وأقل التزامًا بالقيود التي كانت تُحكم سلوكها الإقليمي في الماضي.
قبل هذه الحرب، كانت إيران تمارس ضبط النفس في مواجهاتها مع إسرائيل والولايات المتحدة، خشية التورط في حرب مباشرة. لكن الاشتباكات الأخيرة، التي شملت هجمات صاروخية إيرانية غير مسبوقة على مدن إسرائيلية، أزالت هذه العتبة النفسية.
في المستقبل، قد تكون إيران أكثر استعدادًا للرد بعنف على أي استفزاز، مما يزيد من مخاطر التصعيد. علاوة على ذلك، كشفت الحرب عن نقاط ضعف في الدفاعات الإيرانية، مما سيدفع طهران إلى تسريع جهودها لتعزيز ترسانتها العسكرية، بما في ذلك الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة.
في إسرائيل، يسود إجماع بين الأوساط السياسية والأمنية على أن إيران ستبقى تهديدًا إستراتيجيًا ما دام النظام الحالي في طهران مستمرًا.
على الرغم من الضربات التي تلقتها إيران وحلفاؤها في المنطقة، مثل حزب الله في لبنان وحضورها في سوريا، فإن طهران ستسعى لإعادة بناء شبكتها الإقليمية.
يُعتبر حزب الله، على وجه الخصوص، خطَّ دفاع أماميًا لإيران، وسيكون تعافيه أولوية لطهران في السنوات القادمة. كما ستعمل إيران على تعزيز علاقاتها مع الحوثيين في اليمن والجماعات التي تدعمها في العراق، للحفاظ على نفوذها الإقليمي. هذه الإستراتيجية تعكس اعتقاد إيران بأن حلفاءها الإقليميين يُشكلون درعًا متقدمًا ضد التهديدات المباشرة.
إن احتمال اندلاع حرب جديدة بين إسرائيل وإيران في المستقبل يُشكل خطرًا كبيرًا على استقرار الشرق الأوسط. وقد أظهرت الحرب الأخيرة بالفعل أن أي احتكاك قد يتطور بسرعة إلى مواجهة شاملة، خاصة مع انخفاض العتبة النفسية للمواجهة المباشرة.
وفي ظل إدارة أميركية لا يمكن التنبؤ بخطواتها تمامًا، فإن المخاطر ستبقى مرتفعة على الأقل حتى انتهاء ولاية ترامب الحالية. في غضون ذلك، تشير الهجمات الصاروخية المتبادلة، التي تسببت في خسائر كبيرة لكلا الطرفين، إلى أن أي حرب مستقبلية ستكون أكثر تدميرًا.
رغم وقف إطلاق النار، فإن الصراع سيُبقي التوتر قائمًا. ومن المرجّح أن تكون المرحلة الأخطر قد بدأت بالفعل، فالمعادلات التي كانت تضبط إيقاع الاشتباك خلال العقود الماضية لم تعد قائمة، وبدون اتفاق شامل يُعالج الخلافات الأساسية، سيظل قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي وقت.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الخبر
منذ 2 ساعات
- الخبر
الإنجليزية ليست "غنيمة حرب" مثل الفرنسية
جاء إدراج اللغة الإنجليزية في امتحان تقييم مكتسبات الابتدائي، بعد توسيع تدريسها إلى الرابعة ثم الخامسة، ليكرّس تحديّا كبيرا رفعته وزارة التربية، ومن خلالها السلطات العمومية، مكّن من "ترسيم وتجذر" عمليا وفعليا قرار فرضها في الطور الابتدائي، ليست كـ"غنيمة حرب" مثلما توصف به الفرنسية، وإنما كلغة عالمية تحولت إلى لسان حال العلماء والباحثين والخبراء عبر العالم، ولغة إيداع وتطور تكنولوجي بل ثورة يقودها الذكاء الاصطناعي في كل المجالات والقطاعات بشكل منقطع النظير. كان قرار رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون "التاريخي" باعتماد اللغة الإنجليزية بدءا من الطور الابتدائي، بعد دراسة عميقة للخبراء والمختصين، ليحدث القطيعة مع "وصاية" اللغة الفرنسية التي شهدت تكريسا وتجذرت في المنظومة التربوية الوطنية بداية من هذه المرحلة، إلى درجة أن أصبحت الفرنسية مادة أساسية استهوت العديد من الأولياء ممن هرولوا باتجاه المدارس الخاصة خصيصا، من أجل اكتساب أبنائهم المتمدرسين هذه اللغة بطلاقة، وأيضا قصد "فرنسة" كل منهاجهم الدراسية وما لذلك من إسقاطات على بيئتهم داخل المجتمع. وإن كان قرار تدريس الإنجليزية في الابتدائي لم يقابله قرار آخر بحذف الفرنسية من هذا الطور، إلا أن مجرد إدراج لغة أجنبية منافسة لهذه الأخيرة في طور مبكر من الدراسة، يعتبر بمثابة بداية تغييرات جذرية ستمس المناهج المقررة، والدليل على ذلك أن وزارة التربية الوطنية وبمجرد إعلان رئيس الجمهورية عن إقرار الإنجليزية في الابتدائي، باشرت دون تأخير أولى مراحل تجسيده، حيث تم فتح باب التوظيف لما يزيد عن خمسة آلاف أستاذ عن طريق التعاقد لتأطيرها، موازاة مع تكليف مفتشي مادة اللغة الإنجليزية في الطور المتوسط بالتكوين التهييئي لهؤلاء الأساتذة. وفي هذا الإطار، تم تجنيد كل فواعل الأسرة التربوية لمرافقة تجسيده ميدانيا، وهو ما ترجمته العبارة التي قالها الوزير السابق عبد الحكيم بلعابد، وقتها، بخصوص اعتماد اللغة الإنجليزية في السنة الثالثة من الطور الابتدائي بداية من السنة الدراسية 2022-2023، حيث شدد على أن القرار هو "تحدٍّ رفعته الدولة الجزائرية لتمكين التلاميذ من اكتساب هذه اللغة الحية". وفعليا، ولمعالجة المشكل الخاص بعدم وجود مفتشي مادة الإنجليزية في الطور الابتدائي، تقرر رسميا إجراء امتحان مهني للالتحاق برتبة مفتش التعليم الابتدائي - تخصص لغة إنجليزية، حيث تم استنفار مديريات التربية عبر الوطن لتجسيد الترتيبات المتعلقة بهذا الامتحان، قصد ضمان تأطير أساتذتها ومرافقتهم ميدانيا، خاصة بعد أن تقرر توسيع تدريس هذه المادة إلى قسم الخامسة ابتدائي، وهي المهمة التي يقوم بها حاليا مفتشو التعليم المتوسط للغة الإنجليزية. وجاء قرار تنظيم هذا الامتحان على خلفية ترخيص استثنائي من وزارة المالية للأساتذة المكوّنين في التعليم المتوسط، ممن يستوفون خمس سنوات أقدمية بهذه الصفة، وبعد متابعتهم بنجاح تكوينا متخصصا مدته سنة دراسية واحدة، للترقية إلى رتبة مفتش في الابتدائي، في تخصص اللغة الإنجليزية، وذلك في حدود المناصب المفتوحة لهذه الرتبة بعنوان سنة 2024. ورافق قرار إدراج الإنجليزية في الابتدائي، منذ بداية الإعلان عنه، تنظيم دورات تكوينية، لفائدة أساتذة اللغة الإنجليزية، بهدف التحسين المستمر في مستوى تدريسها، وبشكل متواصل، لرفع "تحدي" تدريسها. وبخصوص تقييم تدريس مادة اللغة الإنجليزية في الطور الابتدائي، بعد عام من تدريسها، أعلنت وزارة التربية بأنه تم تحقيق نتائج "ممتازة"، ما يفسر القرار "الاستراتيجي" بإخضاع أستاذة التعليم الابتدائي في اللغة الإنجليزية، على مستوى المدارس العليا للأساتذة للتكوين، لتعزيز هذه اللغة في النظام التربوي الجزائري.


الجمهورية
منذ 3 ساعات
- الجمهورية
المنظمة الوطنية للمحافظة على الذاكرة وجمعية الإحسان يزوران عائلة المجاهد بوطالب قدور .. ابنة المحكوم عليه بالإعدام تستحضر تضحيات والدها ودور الوسيط الذي اختاره بالسجن
بمناسبة الذكرى الثالثة والستين لعيدي الاستقلال والشباب، نظّمت المنظمة الوطنية للمحافظة على الذاكرة وتبليغ رسالة الشهداء، بالتنسيق مع جمعية الإحسان لرعاية وحماية الطفل، زيارة خاصة إلى عدد من عائلات المجاهدين، التفتة منهما لهذه الفئة كان أبرزها زيارة عائلة المجاهد قودير المدعو 'كابرة'، الذي حُكم عليه بالإعدام إبّان الثورة التحريرية. وفي هذا الإطار، صرّحت السيدة وهراني إلهام، الأمينة الولائية للمنظمة الوطنية للمحافظة على الذاكرة نحن لا نكرّم فقط أسماء، بل نكرّم ذاكرة حية صنعت استقلال الجزائر. هذه المبادرات تعبّر عن امتنان أمة بأكملها لمن ضحوا بكل شيء في سبيل الحرية. وواجبنا أن نواصل تبليغ رسالة الشهداء إلى الأجيال الصاعدة.' وعلى هامش الزيارة، قدّمت ابنة المجاهد المرحوم قودير المدعو 'كابرة' شهادة مؤثرة عن والدها، قالت فيها والدي وُلد في 21 جانفي 1937 بالحي الشعبي المدينة الجديدة بوهران، واعتُقل سنة 1960 خلال الثورة التحريرية. سُجن أولًا في وهران، ثم نُقل إلى سجن في مرسيليا بفرنسا حيث صدر في حقه حكم بالإعدام.' وأضافت بافتخار كان يتقن اللغة الفرنسية، فكان يكتب الرسائل لعائلات السجناء المجاهدين، وكان ممثلهم أمام الإدارة الفرنسية، لأنه كان الوسيط مع المحامين. كان يحكي لي أنه قضى 11 يومًا في السجن الانفرادي، وكان يُعطى فقط فنجان قهوة وقطعة خبز، وكان يحتفظ بها ليطعم الجرذان حتى لا تؤذيه. كما كان يحدثني عن لحظات التكبير فجراً خلف الزنازين وهو يردد 'الله أكبر على المقصلة'.' وتابعت بعد الاستقلال، عاد والدي إلى الوطن، وعُيّن مديرًا لأروقة الجزائر بوهران، ثم شغل منصب نائب رئيس المجلس الشعبي البلدي للمدينة حتى وفاته سنة 2001. أنا أفتخر وأعتز بكوني ابنة مجاهد محكوم عليه بالإعدام.' وفي ختام حديثها، وجّهت رسالة قوية إلى شباب الجزائر رسالتي إلى الشباب أن يحافظوا على الوطن، فهو أغلى ما نملك. حرية الجزائر لم تكن هدية، بل ثمنها دماء الشهداء وتضحيات المجاهدين. أشكر المنظمة الوطنية للمحافظة على الذاكرة على هذه المبادرة النبيلة التي تزرع فينا الفخر والانتماء.' تأتي هذه المبادرة في إطار إحياء الذاكرة الوطنية وترسيخ قيم الوفاء عبر الأجيال، وتأكيدًا على الدور الفعّال للمجتمع المدني في ربط الحاضر بجذور النضال من أجل السيادة والكرامة.


الشروق
منذ 3 ساعات
- الشروق
ترامب وسلام القوة!
'سلام القوة'، طريقة ابتدعها دونالد ترامب لوقف الحروب وحل النزاعات، فالسلام في الوضع الطبيعي يؤسس على رغبة طرفي النزاع –كليهما أو أحدهما- في وضع حد للمواجهات والجلوس إلى طاولة المفاوضات بعد استشعار حالة إنهاك كبيرة في عتادهما الحربي أو عنصرهما البشري، مما يجعل الاستمرار في الحرب شكلا من أشكال المغامرة التي لا تحمد عقباها، وهناك أمثلة كثيرة عن هذا السلام في تاريخ الصراعات العالمية لا يتسع المقام لذكرها. وأما السلام عند ترامب فسلامٌ من نوع آخر وهو 'سلام القوة ' الذي يعني اللجوء إلى القوة العسكرية لحمل الأطراف المتنازعة أو طرف بعينه على قبول عرض السلام أو مواجهة العقوبات، وقد تجلى ذلك في حالات كثيرة: في الحرب الروسية الأوكرانية، وفي الحرب الإيرانية الإسرائيلية، وفي العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والضفة الغربية. إن اللجوء إلى استخدام القوة لا يكون بقرار انفرادي بل بقرار جمعي، ويكون في حالة واحدة وهي رفض طرف من الأطراف عرض السلام واستمراره في العدوان كما يرد تفصيله في قوله تعالى: 'وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيىء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا إن الله يحب المقسطين'. (الحجرات 9). إن الجهة التي تقوم بمهام قتال الفئة الباغية في العصر الحاضر تتمثل في قوات حفظ السلام المكلفة بحفظ السلام ومنع خرق وقف إطلاق النار وقتال المتسببين في ذلك، تقوم بهذه المهمة باسم القوة الدولية المجتمعة وليس باسم الإرادة المنفردة لدولة أو رئيس دولة كما هو الشأن في نموذج السلام الذي يسعى ترامب لتكريسه في الوقت الحاضر. يتجلى سلام القوة الذي ينتهجه ترامب من خلال ما سماه 'صفقة السلام' بين روسيا وأوكرانيا وبين إيران وإسرائيل، وصفقته بشأن وقف الحرب في غزة. أولا: ترامب وصفقة السلام بين روسيا وأوكرانيا قد يتوهم بعض سطحيي الثقافة السياسية أن دونالد ترامب يسعى إلى إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية من منطلق الرغبة المجردة في تكريس السلام، هذا وارد، ولكن المتمعن في التصريحات التي أدلى بها ترامب يدرك أنه يريد استخدام القوة الأمريكية واستغلال حالة الإنهاك الاقتصادي والاجتماعي والعسكري لطرفي النزاع لحملهما على توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار أو مواجهة العقوبات، وفي الحالة الروسية، لمح دونالد إلى إمكانية ازدياد شوكة التحالف الأوروبي ضد موسكو في حالة رفضها العرض الأمريكي للسلام وإلى ازدياد حالة الإنهاك الاقتصادي داخل المجتمع الروسي، وكأن ترامب يريد بذلك أن يلتمس مخرجا لفلاديمير بوتين من المأزق الذي وضع نفسه فيه باجتياحه لأوكرانيا في 24 فبراير 2022 وعدم قدرته على إحراز النصر رغم التفوق العسكري للجيش الروسي. ولدى استقبال ترامب للرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي بدا وكأنه يسدي أوامر لهذا الأخير من خلال توبيخه وتهديده بالمصير المجهول الذي ينتظره في حالة رفض المقترح الأمريكي والذي سيزيد من تفاقم حالة الانهيار التي لحقت بالبنية التحتية لأوكرانيا.كل هذا له تفسير واحد في الأدبيات السياسية، وهو أن ترامب يؤمن بسلام القوة لا بثقافة السلام. ثانيا: ترامب وصفقة السلام بين إيران وإسرائيل كان لترامب خطابٌ مزدوج ومتناقض في كثير من الأحيان حيال المواجهة الإيرانية الإسرائيلية في حرب الاثني عشر يوما، فهو يتظاهر من جهة بتغليب منطق السَّلام على منطق الحرب ويبدي تخوُّفه من اتساع هذه الحرب إقليميًّا بما يكون له آثار مدمرة على أمن الخليج والعالم، ويفصح من جهة أخرى وعلى النقيض من ذلك عن تحيزه لإسرائيل بذريعة الخطر الوجودي الذي يهددها في حالة استمرار إطلاق الصواريخ الإيرانية، وينتقد ترامب التصرف الإيراني ويبارك التصرف الإسرائيلي، بل اقتنع أخيرا بأن الحل الحاسم يكمن في ضرب مفاعلات إيران. وحتى عند وضع صفقة لإنهاء الحرب لم يكفّ ترامب عن تحذير إيران وتهديدها بضربة أمريكية مزلزلة في حالة العودة إلى تخصيب اليورانيوم. يمكن تقبل هذا التحذير وهذا التهديد لو كان يشمل إيران وإسرائيل على سواء، فالحرص على شرق أوسط آمن هو رغبة كل عربي وكل مسلم، ولكن أن يقتصر ذلك على إيران فهو في اعتقادي قسمة ضيزى لا تساهم في إرساء السلام بل تؤجل العودة إلى الحرب إلى حين لتعود بعد ذلك أشد وأنكى مما كانت. إن العمل للسلام يتناقض مع خطاب النصر الذي ألقاه ترامب ومع التبريكات التي أسداها لنتنياهو بمناسبة ما سماه 'النصر المؤزر' على إيران. إن السلام لا يتحقق بهذه الطريقة، فشتان بين إرادة تحقيق السلام وسلام القوة. ثالثا: ترامب وصفقة السلام في غزة يتحدث ترامب عن صفقة وقف الحرب في غزة، وتفيد الأخبار الواردة من البيت الأبيض أن نص الصفقة قد أصبح جاهزا وأن إسرائيل قد وافقت عليه، ويحقّ لنا أن نتساءل: بأي صيغة تمت هذه الصفقة ووفق أي شروط موضوعية أو توافقات أو تفاهمات؟ إذا كانت هذه الصفقة تتماهى مع ما صرّح به رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو فإنها بئس الصفقة؛ إنه يتحدّث عن تحرير 'المخطوفين' وعن القضاء المبرم على حماس ونفي قادتها إلى الخارج، فماذا بقي للطرف الآخر أن يقول؟ وهل يمكن لحماس القبول بهذه الشروط المذلة والإملاءات في صفقة تسوَّق أمريكيًّا وإسرائيليًّا على أنها تجري وفق مفاوضات ومقترحات من طرفي النزاع؟ الإنهاك الذي يعانيه الجيش الإسرائيلي هذه الأيام بسبب الضربات الموجعة التي يتلقاها على يد المقاومة قد يجعل نتنياهو يتخلى عن شروطه التعجيزية وانتصاراته الوهمية ويقبل بالشروط التوافقية التي لن تحدث في غياب حماس ولا بتغييبها بفرض 'سلام القوة' الذي اتخذه ترامب وسيلة لتمكين إسرائيل من 'فتح' ثان بعد 'الفتح الكبير' على إيران كما يروِّج لذلك في تغريداته المتكررة. نتنياهو يريد من خلال هذه الصفقة تحقيق ما عجز عنه عسكريًّا، فبعد 21 شهرا من العدوان لم يستطع نتنياهو تحقيق ذلك. إن الإنهاك الذي يعانيه الجيش الإسرائيلي هذه الأيام بسبب الضربات الموجعة التي يتلقاها على يد المقاومة قد يجعل نتنياهو يتخلى عن شروطه التعجيزية وانتصاراته الوهمية ويقبل بالشروط التوافقية التي لن تحدث في غياب حماس ولا بتغييبها بفرض 'سلام القوة' الذي اتخذه ترامب وسيلة لتمكين إسرائيل من 'فتح' ثان بعد 'الفتح الكبير' على إيران كما يروِّج لذلك في تغريداته المتكررة. رابعا: دور الوساطة القطرية أظن أن دور الوسيط القطري بشأن صفقة وقف إطلاق النار في غزة –ولو لستين يوما كما هو متداول– سيكون حاسما، فلن تكون قطر جسرا يعبُر منه نتنياهو لتحقيق أحلامه الوردية في غزة على حساب دماء الذين حصدتهم آلة الإجرام الصهيوني وأشلائهم، ولن تعطي قطر صكًّا على بياض ولن تبيع صكوك الغفران لنتنياهو، إنها ستدير المفاوضات بشأن الصفقة وفقا لمبدأ العدل والإنصاف. إن صفقة ترامب بشأن وقف الحرب في غزة لا تخدم إلا طرفا واحدا وهي أقرب إلى الأمر المفروض منها إلى التفاوض، وهي بالصيغة التي تحدَّث عنها نتنياهو مرفوضة من حماس، فمن ذا الذي يسلّم رقبته للذبح ويتنازل عن سلاحه لعدوه؟ أعتقد أن اللمسة القطرية على الصفقة ستهذّبها وتجعلها قابلة للتطبيق ومتوافقة مع العدل والمنطق. هذا ما أعتقده حول الدور القطري في إنصاف الطرف الفلسطيني، ولكل شرعة هو مولّيها.