
"شرفة آدم": رحلة تأملية في الأدب والهوية الثقافية لـ حسين جلعاد
اضافة اعلان
عمّان – أكد الناقد والشاعر الدكتور محمد عبيد الله أن كتاب "شرفة آدم" للشاعر والقاص حسين جلعاد الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر؛ نافذة تأملية على عوالم الأدب والفكر والثقافة، حيث يتلاقى الأدب مع الفلسفة والتجربة الإنسانية في حوار متواصل مع الذات والوجود.وأضاف عبيد الله خلال حفل توقيع الكتاب الذي أقيم أول من أمس في رابطة الكتّاب الأردنيين، أن هذا الكتاب يجمع بين نصوص صحفية ومقالات وحوارات تعكس تجربة جلعاد العميقة والمتنوعة التي تمتد لأكثر من عقدين، كاشفة عن ثراء المشهد الثقافي الأردني والعربي والعالمي.شارك في الحفل الذي أدارَه الشاعر مهدي نصير، وتحدث فيه الدكتور محمد عبيد الله، قائلاً إن كتاب "شرفة آدم" يُجسّد تأملات حسين جلعاد في الأدب والوجود، ويكشف عن بُعد جديد في العلاقة بين الصحافة والأدب والثقافة. وأوضح أن المقالات التي يتضمّنها الكتاب، والتي نُشرت سابقًا في عدة منابر صحفية أردنية وعربية على مدى العقدين الماضيين، أعاد جلعاد تنظيمها وتحريرها وتقديمها في إطار موحّد تحت عنوان "شرفة آدم".وحول دلالة التسمية "شرفة آدم"، أشار عبيد الله إلى أنها تسمية لافتة تُبرز أهمية العنوان في تحديد هوية الكتاب وكشف مرامي مؤلفه. فهي، بحسبه، تعبّر عن الخيط الناظم الذي يجمع أطراف الكتاب وأشتاته في بنية واحدة، ويحوّل المقالات والكتابات التي نُشرت أول مرة متفرقة ومتباعدة إلى وحدة متماسكة في هيئة "كتاب".يقول عبيد الله أن الكتاب يضم جانبًا مشرقًا ومنتقى من حصيلة جلعاد في الصحافة الثقافية، عبر نحو ربع قرن من الكتابة. ومن خلال نشر هذه المجموعة المختارة من مقالاته وكتاباته، يسعى جلعاد إلى "استعادة جزء من ذاكرتنا الثقافية"، مؤكدًا أن الكتاب، وفق تعبيره، "ليس مجرد مجموعة من المقالات والحوارات، بل هو محاولة جادة لفهم اللحظة التاريخية التي نعيشها، وتقديم قراءة نقدية لمسار الأدب العربي المعاصر، وكذلك الأدب العالمي. مبينا أن الكتاب يُعد دعوة إلى الحوار والتفكير النقدي، وإلى استكشاف الجذور الثقافية التي تُشكّل هويتنا، بما يحمله من رؤى وتأملات تُسهم في فهم التحولات التي تشهدها الثقافة العربية في سياقها المحلي والعالمي.وعن جدل الأدب والصحافة، رأى عبيد الله أن من أبرز مظاهر التقاطع بين الصحافة والثقافة هو حضور الأنواع الكتابية الصحفية، وفي مقدّمتها: المقالة، والتحقيق، والحوار الصحفي. وأشار إلى أن المهتمين بهذه الأنواع يمكن أن يجدوا في كتاب جلعاد نماذج راقية، تتسم بتنوّع عناصرها شكلًا ومضمونًا، ومن خلال تحليل هذه العناصر يمكن التعمّق في خصائص الأسلوب الذي طوّره جلعاد عبر تجربته الطويلة وعكوفه الجاد على هذه الكتابات القيمة.وأوضح أن المقالة الصحفية، بحكم طبيعة النشر، غالبًا ما تكون موجزة ومحدودة الحجم من حيث عدد الكلمات، ما يجعلها مثالًا واضحًا على بلاغة الإيجاز، وكيفية التعبير عن قضايا حيوية ومهمة بأقل عدد ممكن من الكلمات. وهنا تبرز مهارة الكاتب التي تصقلها الصحافة، في القدرة على التعبير المكثّف دون إسهاب أو استطراد، وعلى الاختزال دون الإخلال بالمعنى أو الفكرة.وأضاف أن بناء المقالة يتطلّب عناصر مهمة، تبدأ عادةً بمقدمة أو مفتتح يشكّل مظلّة شاملة للموضوع، أو يضع الفكرة في سياقها الفكري والثقافي، قبل الانتقال إلى فقرات المعالجة التي تشكّل جسم المقالة وصُلبها، وصولًا إلى خاتمة أو خلاصة تحمل رسالة أو توجيهًا أو نتيجة محدّدة يرغب الكاتب في إيصالها إلى القارئ.وتحدّث عبيد الله عن بلاغة التحقيق الثقافي، مشيرًا إلى أن الكتاب يتيح لنا فرصة ثمينة لمراجعة جانب من التحقيقات الصحفية التي أنجزها حسين جلعاد حول قضايا ثقافية جوهرية، استند فيها إلى آراء نخبة من المهتمين والخبراء والمشتغلين في الشأن الثقافي.وأوضح أن هذه التحقيقات لا تقتصر على عرض الوقائع، بل تتميّز بعمق الطرح ودقة التناول، ما يجعلها نماذج عالية الجودة من هذا النوع الصحفي المهم، ويضيف أنها تجمع بين التوثيق والتحليل والحوار مع القارئ.وقدّم عبيد الله ثلاثة أمثلة بارزة وردت في الكتاب، تُظهر هذا الأسلوب وتنوع اهتماماته، وهي:"لماذا يختلس الكاتب سيرته الذاتية؟""ترجمة الأدب الأردني""حفيدات شهرزاد في الأردن يتصدرن المشهد القصصي" وبيّن أن هذه التحقيقات تُبرز القدرة على تفكيك الإشكاليات الثقافية، وفتح أبواب النقاش، وتقديم المشهد الثقافي في سياق حيّ وتفاعلي، ما يجعلها إضافة نوعية في الصحافة الثقافية العربية.ورأى عبيد الله أن التحقيق الثقافي، وفق تحليل هذه النماذج من كتابات جلعاد، لا يقتصر على جمع آراء متباينة وتقديمها بصورة عشوائية، بل يخضع لرؤية الكاتب ويخضع لمراحل متعددة قبل أن يستقر في صورته المنشورة النهائية. مشيرا إلى أن التحقيق الثقافي، كما يتجلى في كتاب "شرفة آدم"، يقترب من كونه دراسة استقصائية، لا تخلو من تحليلات ومجادلات فكرية، تُسهم في توجيه القارئ، وتقديم المتعة والفائدة في آنٍ واحد.وأوضح عبيد الله أن التحقيق يبدأ عادةً بـمقدمة شاملة، تُكثّف الإشكالية الأساسية التي يطرحها، وتُحدّد أبعادها وأسئلتها الجوهرية، ثم يقوم الكاتب بتقسيم مادته إلى محاور أو قضايا فرعية، يُقدّم من خلالها إجابات المشاركين وآراءهم، مع الحرص على وضع كل إجابة في سياق تحليلي يخدم الموضوع، ويساعد على إضاءة أبعاده المختلفة. وشدّد على أن هذا النوع من الكتابة يُظهر براعة الصحفي الثقافي، ليس فقط في جمع المعلومات، بل في صياغة المعنى وتوجيه النقاش، ما يمنح التحقيق قيمة معرفية وإبداعية تتجاوز حدود العرض والتجميع.وقال عبيد الله إن الحوارات التي أجراها جلعاد، رغم مرور سنوات على بعضها، ما تزال تحتفظ بحيويتها وقيمتها، وهو ما يعود إلى نوعية الأسئلة والقضايا التي تطرحها. وأشار إلى أن جلعاد يُعد مثالًا نادرًا للمثقف والإعلامي الذي يبذل جهدًا استثنائيًا في بناء الحوار، يظهر ذلك في اختياره الواعي للشخصيات الثقافية التي يحاورها، وابتعاده عن الأسئلة النمطية أو الجاهزة، مقابل سعيه لطرح أسئلة نوعية ترتبط بتجربة الشخصية نفسها، وهو ما يتطلب اطلاعًا معمقًا وقراءة دقيقة لإنتاج الشخصية قبل إجراء الحوار.وخلُص عبيد الله إلى أن كتاب شرفة آدم يكشف عن جانب أصيل من ثقافتنا وأدبنا، في الأردن والعالم العربي، كما يُقدّم إطلالات لافتة على الأدب العالمي. وأضاف أن النظرة من "الشرفة" – كما يوحي العنوان – تكشف عادةً عن مشاهد متنوّعة ومكونات متعدّدة، وهذا ما يفعله الكتاب: فهو شرفة عالية من شرفات أدبنا الحديث.ومن هذه الشرفة، نرى أعلامًا بارزين، ومؤلفات مهمة، وقضايا فكرية وأدبية جدلية، جميعها تنتمي إلى ثقافة الأسئلة، تلك التي لا تركن إلى إجابات جاهزة، ولا تطمئن تمامًا إلى الاستراحة في نعيم الجواب.من جانبه، شكر الشاعر والكاتب والإعلامي حسين جلعاد رابطة الكتّاب الأردنيين، واصفًا إياها بـ"البيت الذي يستقبل أبناءه بمحبة"، مشيرًا إلى أنه وصفها في إحدى مقالاته سابقًا بأنها "قلعة الحرية والإبداع"، متمنيًا لها دوام العطاء في سبيل الحرية والإبداع. وتقدّم بالشكر إلى الشاعر مهدي نصير على إدارته للأمسية، الشاعر والناقد الدكتور محمد عبيد الله، الذي قال عنه إنه "أضاء نصوصي بنظرته العميقة". وأضاف جلعاد: "شرفة آدم كتابي، نعم، لكنه أيضًا كتاب أولئك الذين سرتُ معهم، من حاورتهم، وقرأتهم، وتعلّمت منهم. فهو كتاب من أحبّوا رغم الخسارات، ومن كتبوا حيواتهم في الظلّ. من نظروا بعين القلب، ليجلبوا لنا كل هذه المتعة التي يوفرها الأدب والفكر." مضيفا أن "شرفة آدم" هو مشروع مفتوح على الأسئلة، حيث يتقاطع فيه الأدب مع الفلسفة والتجربة الإنسانية. وقال إنه أضاء في هذا العمل على تجارب أدبية أردنية وعربية وعالمية، مستكشفًا عبر نصوص الكتاب العلاقة بين الذات والعالم، وكيف يمكن للأدب أن يكون وسيلة لفهم الذات والواقع المحيط بنا.وأشار جلعاد إلى العنوان ذاته، قائلاً: "يعكس العنوان جوهر التجربة الفكرية التي يطرحها الكتاب، حيث تمثل الشرفة مساحة للتأمل الحر، وآدم رمز الإنسان الأول الباحث عن المعنى والوجود. في شرفة آدم، لم تكن رحلتي منفردة، بل كانت حوارًا متصلًا مع تجارب وقامات أدبية من مختلف الأعمار والسياقات والمرجعيات والثقافات".وأضاف: "لقد سعيت جاهداً لإبراز أهمية الأفكار التي طرحها هؤلاء المؤلفون والكتاب والشعراء، ولعل كل اسم منهم هو شرفة خاصة أطلت على عوالمنا الداخلية والخارجية، وذلك من خلال نقاشاتهم حول الوجود والعدم، الحب والفقد، الخير والشر. قدم لنا هؤلاء المبدعون، على اختلاف توجهاتهم ورؤاهم، عدسة فريدة ننظر من خلالها إلى تعقيدات الحياة."وأشار جلعاد إلى أن الهدف من هذا الكتاب هو إدامة الحوار الإنساني، وإظهار كيف أن سؤالاً قديماً قد يحمل إجابة جديدة، وكيف أن حكمة منسية قد توقظ بصيرة غائبة، وكيف أن سؤالًا آنياً يضيء درب المستقبل. وبيّن أن فلسفته في هذا الكتاب تقوم على اعتبار الأدب أداة فكرية وأخلاقية لفهم أنفسنا والعالم من حولنا. فالأدب، بحسب جلعاد، ليس ترفًا، بل هو مرآة نُبصر من خلالها حقيقتنا ومعاناتنا، وهو ما يساعدنا على التفكير الحر، بعيدًا عن السياسة المباشرة أو الأيديولوجيا.وأضاف أن "شرفة آدم"، في مستوى ما، جاء كتأريخ للصحافة الثقافية، ليصبح شهادة على زمن ثقافي عشناه بكل تفاصيله. وفي مستوى آخر، هو مساهمة في الفهم النقدي، ونداء للتأمل والتفكير الحر. فهي شرفة حرة تدعونا إلى تأمل أفكارنا بهدوء. مؤكد أن الكتاب هو دعوة للحوار، فهو لا يغلق نصوصه، بل يضع مفاتيح تشجع القارئ على متابعة النقاش أو التحليل، وتحفزه على الانتقال من ترف التأمل إلى التفاعل الفكري.وخلص إلى أن "شرفة آدم" هو كتاب غني بالتأملات الفلسفية والأدبية، ويمثل دعوة للقارئ لإعادة التفكير في الأسئلة الكبرى حول الأدب، والوعي، والوجود الإنساني. وفي الوقت نفسه، هو إشارة إلى أن الأدب هو واحة الإنسان ومتعة روحه في رحلة الوجود.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


رؤيا نيوز
منذ 9 ساعات
- رؤيا نيوز
مشروع 'ذاكرة المكان وجمالياته'.. نقلة نوعية في برامج مهرجان جرش الثقافية
تنظم رابطة الكتاب الأردنيين بالتعاون مع مهرجان جرش للثقافة والفنون فعاليات مشروع 'ذاكرة المكان وجمالياته'، وذلك ضمن فعاليات الدورة (39) للمهرجان بمشاركة عدد من الباحثين والأكاديميين. وتنطلق فعاليات المشروع يوم الاثنين 28 تموز المقبل من قاعة بلدية إربد، بندوة حول ذاكرة المكان وجمالياته في إربد، من خلال تاريخها، وتراثها المعماري، وتراثها الشعبي والشفوي، وتنتقل بالترتيب إلى المفرق، والزرقاء، ومادبا، والطفيلة، وتختتم في اليوم السادس في معان. وقال نائب رئيس الرابطة، ومنسق المشروع الدكتور رياض ياسين، إن هذا المشروع الذي يُطلق لأول مرة ضمن فعاليات الدورة (39) لمهرجان جرش يُعدّ ثمرة تعاون بنّاء بين رابطة الكتّاب الأردنيين واللجنة العليا للمهرجان، في إطار شراكة استراتيجية تهدف إلى تعميق البعد الثقافي للمهرجان، وتجذير الوعي الوطني بالتراث المادي واللامادي للمكان الأردني. وأضاف أنه يمثل نقلة نوعية في مسار البرنامج الثقافي للمهرجان، الذي يشهد هذا العام تنوّعًا لافتًا في فعالياته، من خلال إدراج أنشطة ومبادرات جديدة تتجاوز الأطر التقليدية التي كانت تقتصر في الغالب على الشعر والأمسيات الأدبية، لتمتد نحو مشروعات بحثية توثيقية تلامس روح المكان وتحاكي عمق الذاكرة الجمعية الأردنية. وأشار الدكتور ياسين، وهو أستاذ التاريخ والحضارة في جامعة اليرموك، أن رابطة الكتاب تقدّمت بمجموعة من المشاريع الثقافية المبتكرة، ذات الطابع الوطني والتنموي، في محاولة لإشراك أكبر شريحة ممكنة من الأدباء والباحثين والمثقفين في مختلف المحافظات، والانتقال بالمهرجان من مركزية المشاركة إلى فضاء أوسع من التمثيل الثقافي المتوازن. وبين أن مشروع 'ذاكرة المكان وجمالياته' يأتي ليُكمل السردية الأردنية عبر قراءة معمّقة لتاريخ المكان الأردني وجمالياته، من خلال تناول الملامح السياسية والحضارية والتراثية والمعمارية لكل محافظة أردنية يتم تسليط الضوء عليها. وقد تم اختيار ست محافظات في هذه الدورة، وهي: إربد، المفرق، مادبا، الزرقاء، الطفيلة، ومعان، بوصفها محطات للقراءة والتأمل والتوثيق، تُقام فيها ندوات متخصصة تُعقد على شكل مهرجانات مصغّرة، تهدف إلى تقديم قراءة متعددة الأبعاد لتاريخ هذه المدن وآثارها وشواهدها الحضارية وكنوزها التراثية وفولكلورها الشعبي وذاكرتها الشفوية. وأوضح الدكتور ياسين أن الغاية من هذا المشروع لا تقتصر على البعد التوثيقي أو الأكاديمي، بل تتعداه إلى تنمية الوعي بالمكان، وتعزيز الانتماء الوطني، والإسهام في التنمية الثقافية المستدامة، من خلال إعادة إحياء العلاقة بين الإنسان والمكان، والتأكيد على البعد الثقافي والرمزي للمواقع الأردنية التي تشكّل معًا النسيج التاريخي والروحي للأردن. ولفت إلى أن المشروع، 'ذاكرة المكان وجمالياته'، بما يحمله من رؤية ومنهجية، يمثل إضافة نوعية لمهرجان جرش، ليس فقط بوصفه تظاهرة فنية، بل كمنصة وطنية شاملة تعبّر عن وجدان الأردنيين، وتُسهم في الترويج للهوية الأردنية بمكوناتها الثقافية والتراثية، على المستويين المحلي والدولي.


رؤيا نيوز
منذ 9 ساعات
- رؤيا نيوز
فرقة السارة تشارك في مهرجان جرش
تشارك فرقة السارة في فعاليات مهرجان جرش لهذا العام والذي يزخر بالفعاليات المميزة وسط مشاركة محليه وعربية وعالميه.


الغد
منذ 20 ساعات
- الغد
"شرفة آدم": رحلة تأملية في الأدب والهوية الثقافية لـ حسين جلعاد
عزيزة علي اضافة اعلان عمّان – أكد الناقد والشاعر الدكتور محمد عبيد الله أن كتاب "شرفة آدم" للشاعر والقاص حسين جلعاد الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر؛ نافذة تأملية على عوالم الأدب والفكر والثقافة، حيث يتلاقى الأدب مع الفلسفة والتجربة الإنسانية في حوار متواصل مع الذات والوجود.وأضاف عبيد الله خلال حفل توقيع الكتاب الذي أقيم أول من أمس في رابطة الكتّاب الأردنيين، أن هذا الكتاب يجمع بين نصوص صحفية ومقالات وحوارات تعكس تجربة جلعاد العميقة والمتنوعة التي تمتد لأكثر من عقدين، كاشفة عن ثراء المشهد الثقافي الأردني والعربي والعالمي.شارك في الحفل الذي أدارَه الشاعر مهدي نصير، وتحدث فيه الدكتور محمد عبيد الله، قائلاً إن كتاب "شرفة آدم" يُجسّد تأملات حسين جلعاد في الأدب والوجود، ويكشف عن بُعد جديد في العلاقة بين الصحافة والأدب والثقافة. وأوضح أن المقالات التي يتضمّنها الكتاب، والتي نُشرت سابقًا في عدة منابر صحفية أردنية وعربية على مدى العقدين الماضيين، أعاد جلعاد تنظيمها وتحريرها وتقديمها في إطار موحّد تحت عنوان "شرفة آدم".وحول دلالة التسمية "شرفة آدم"، أشار عبيد الله إلى أنها تسمية لافتة تُبرز أهمية العنوان في تحديد هوية الكتاب وكشف مرامي مؤلفه. فهي، بحسبه، تعبّر عن الخيط الناظم الذي يجمع أطراف الكتاب وأشتاته في بنية واحدة، ويحوّل المقالات والكتابات التي نُشرت أول مرة متفرقة ومتباعدة إلى وحدة متماسكة في هيئة "كتاب".يقول عبيد الله أن الكتاب يضم جانبًا مشرقًا ومنتقى من حصيلة جلعاد في الصحافة الثقافية، عبر نحو ربع قرن من الكتابة. ومن خلال نشر هذه المجموعة المختارة من مقالاته وكتاباته، يسعى جلعاد إلى "استعادة جزء من ذاكرتنا الثقافية"، مؤكدًا أن الكتاب، وفق تعبيره، "ليس مجرد مجموعة من المقالات والحوارات، بل هو محاولة جادة لفهم اللحظة التاريخية التي نعيشها، وتقديم قراءة نقدية لمسار الأدب العربي المعاصر، وكذلك الأدب العالمي. مبينا أن الكتاب يُعد دعوة إلى الحوار والتفكير النقدي، وإلى استكشاف الجذور الثقافية التي تُشكّل هويتنا، بما يحمله من رؤى وتأملات تُسهم في فهم التحولات التي تشهدها الثقافة العربية في سياقها المحلي والعالمي.وعن جدل الأدب والصحافة، رأى عبيد الله أن من أبرز مظاهر التقاطع بين الصحافة والثقافة هو حضور الأنواع الكتابية الصحفية، وفي مقدّمتها: المقالة، والتحقيق، والحوار الصحفي. وأشار إلى أن المهتمين بهذه الأنواع يمكن أن يجدوا في كتاب جلعاد نماذج راقية، تتسم بتنوّع عناصرها شكلًا ومضمونًا، ومن خلال تحليل هذه العناصر يمكن التعمّق في خصائص الأسلوب الذي طوّره جلعاد عبر تجربته الطويلة وعكوفه الجاد على هذه الكتابات القيمة.وأوضح أن المقالة الصحفية، بحكم طبيعة النشر، غالبًا ما تكون موجزة ومحدودة الحجم من حيث عدد الكلمات، ما يجعلها مثالًا واضحًا على بلاغة الإيجاز، وكيفية التعبير عن قضايا حيوية ومهمة بأقل عدد ممكن من الكلمات. وهنا تبرز مهارة الكاتب التي تصقلها الصحافة، في القدرة على التعبير المكثّف دون إسهاب أو استطراد، وعلى الاختزال دون الإخلال بالمعنى أو الفكرة.وأضاف أن بناء المقالة يتطلّب عناصر مهمة، تبدأ عادةً بمقدمة أو مفتتح يشكّل مظلّة شاملة للموضوع، أو يضع الفكرة في سياقها الفكري والثقافي، قبل الانتقال إلى فقرات المعالجة التي تشكّل جسم المقالة وصُلبها، وصولًا إلى خاتمة أو خلاصة تحمل رسالة أو توجيهًا أو نتيجة محدّدة يرغب الكاتب في إيصالها إلى القارئ.وتحدّث عبيد الله عن بلاغة التحقيق الثقافي، مشيرًا إلى أن الكتاب يتيح لنا فرصة ثمينة لمراجعة جانب من التحقيقات الصحفية التي أنجزها حسين جلعاد حول قضايا ثقافية جوهرية، استند فيها إلى آراء نخبة من المهتمين والخبراء والمشتغلين في الشأن الثقافي.وأوضح أن هذه التحقيقات لا تقتصر على عرض الوقائع، بل تتميّز بعمق الطرح ودقة التناول، ما يجعلها نماذج عالية الجودة من هذا النوع الصحفي المهم، ويضيف أنها تجمع بين التوثيق والتحليل والحوار مع القارئ.وقدّم عبيد الله ثلاثة أمثلة بارزة وردت في الكتاب، تُظهر هذا الأسلوب وتنوع اهتماماته، وهي:"لماذا يختلس الكاتب سيرته الذاتية؟""ترجمة الأدب الأردني""حفيدات شهرزاد في الأردن يتصدرن المشهد القصصي" وبيّن أن هذه التحقيقات تُبرز القدرة على تفكيك الإشكاليات الثقافية، وفتح أبواب النقاش، وتقديم المشهد الثقافي في سياق حيّ وتفاعلي، ما يجعلها إضافة نوعية في الصحافة الثقافية العربية.ورأى عبيد الله أن التحقيق الثقافي، وفق تحليل هذه النماذج من كتابات جلعاد، لا يقتصر على جمع آراء متباينة وتقديمها بصورة عشوائية، بل يخضع لرؤية الكاتب ويخضع لمراحل متعددة قبل أن يستقر في صورته المنشورة النهائية. مشيرا إلى أن التحقيق الثقافي، كما يتجلى في كتاب "شرفة آدم"، يقترب من كونه دراسة استقصائية، لا تخلو من تحليلات ومجادلات فكرية، تُسهم في توجيه القارئ، وتقديم المتعة والفائدة في آنٍ واحد.وأوضح عبيد الله أن التحقيق يبدأ عادةً بـمقدمة شاملة، تُكثّف الإشكالية الأساسية التي يطرحها، وتُحدّد أبعادها وأسئلتها الجوهرية، ثم يقوم الكاتب بتقسيم مادته إلى محاور أو قضايا فرعية، يُقدّم من خلالها إجابات المشاركين وآراءهم، مع الحرص على وضع كل إجابة في سياق تحليلي يخدم الموضوع، ويساعد على إضاءة أبعاده المختلفة. وشدّد على أن هذا النوع من الكتابة يُظهر براعة الصحفي الثقافي، ليس فقط في جمع المعلومات، بل في صياغة المعنى وتوجيه النقاش، ما يمنح التحقيق قيمة معرفية وإبداعية تتجاوز حدود العرض والتجميع.وقال عبيد الله إن الحوارات التي أجراها جلعاد، رغم مرور سنوات على بعضها، ما تزال تحتفظ بحيويتها وقيمتها، وهو ما يعود إلى نوعية الأسئلة والقضايا التي تطرحها. وأشار إلى أن جلعاد يُعد مثالًا نادرًا للمثقف والإعلامي الذي يبذل جهدًا استثنائيًا في بناء الحوار، يظهر ذلك في اختياره الواعي للشخصيات الثقافية التي يحاورها، وابتعاده عن الأسئلة النمطية أو الجاهزة، مقابل سعيه لطرح أسئلة نوعية ترتبط بتجربة الشخصية نفسها، وهو ما يتطلب اطلاعًا معمقًا وقراءة دقيقة لإنتاج الشخصية قبل إجراء الحوار.وخلُص عبيد الله إلى أن كتاب شرفة آدم يكشف عن جانب أصيل من ثقافتنا وأدبنا، في الأردن والعالم العربي، كما يُقدّم إطلالات لافتة على الأدب العالمي. وأضاف أن النظرة من "الشرفة" – كما يوحي العنوان – تكشف عادةً عن مشاهد متنوّعة ومكونات متعدّدة، وهذا ما يفعله الكتاب: فهو شرفة عالية من شرفات أدبنا الحديث.ومن هذه الشرفة، نرى أعلامًا بارزين، ومؤلفات مهمة، وقضايا فكرية وأدبية جدلية، جميعها تنتمي إلى ثقافة الأسئلة، تلك التي لا تركن إلى إجابات جاهزة، ولا تطمئن تمامًا إلى الاستراحة في نعيم الجواب.من جانبه، شكر الشاعر والكاتب والإعلامي حسين جلعاد رابطة الكتّاب الأردنيين، واصفًا إياها بـ"البيت الذي يستقبل أبناءه بمحبة"، مشيرًا إلى أنه وصفها في إحدى مقالاته سابقًا بأنها "قلعة الحرية والإبداع"، متمنيًا لها دوام العطاء في سبيل الحرية والإبداع. وتقدّم بالشكر إلى الشاعر مهدي نصير على إدارته للأمسية، الشاعر والناقد الدكتور محمد عبيد الله، الذي قال عنه إنه "أضاء نصوصي بنظرته العميقة". وأضاف جلعاد: "شرفة آدم كتابي، نعم، لكنه أيضًا كتاب أولئك الذين سرتُ معهم، من حاورتهم، وقرأتهم، وتعلّمت منهم. فهو كتاب من أحبّوا رغم الخسارات، ومن كتبوا حيواتهم في الظلّ. من نظروا بعين القلب، ليجلبوا لنا كل هذه المتعة التي يوفرها الأدب والفكر." مضيفا أن "شرفة آدم" هو مشروع مفتوح على الأسئلة، حيث يتقاطع فيه الأدب مع الفلسفة والتجربة الإنسانية. وقال إنه أضاء في هذا العمل على تجارب أدبية أردنية وعربية وعالمية، مستكشفًا عبر نصوص الكتاب العلاقة بين الذات والعالم، وكيف يمكن للأدب أن يكون وسيلة لفهم الذات والواقع المحيط بنا.وأشار جلعاد إلى العنوان ذاته، قائلاً: "يعكس العنوان جوهر التجربة الفكرية التي يطرحها الكتاب، حيث تمثل الشرفة مساحة للتأمل الحر، وآدم رمز الإنسان الأول الباحث عن المعنى والوجود. في شرفة آدم، لم تكن رحلتي منفردة، بل كانت حوارًا متصلًا مع تجارب وقامات أدبية من مختلف الأعمار والسياقات والمرجعيات والثقافات".وأضاف: "لقد سعيت جاهداً لإبراز أهمية الأفكار التي طرحها هؤلاء المؤلفون والكتاب والشعراء، ولعل كل اسم منهم هو شرفة خاصة أطلت على عوالمنا الداخلية والخارجية، وذلك من خلال نقاشاتهم حول الوجود والعدم، الحب والفقد، الخير والشر. قدم لنا هؤلاء المبدعون، على اختلاف توجهاتهم ورؤاهم، عدسة فريدة ننظر من خلالها إلى تعقيدات الحياة."وأشار جلعاد إلى أن الهدف من هذا الكتاب هو إدامة الحوار الإنساني، وإظهار كيف أن سؤالاً قديماً قد يحمل إجابة جديدة، وكيف أن حكمة منسية قد توقظ بصيرة غائبة، وكيف أن سؤالًا آنياً يضيء درب المستقبل. وبيّن أن فلسفته في هذا الكتاب تقوم على اعتبار الأدب أداة فكرية وأخلاقية لفهم أنفسنا والعالم من حولنا. فالأدب، بحسب جلعاد، ليس ترفًا، بل هو مرآة نُبصر من خلالها حقيقتنا ومعاناتنا، وهو ما يساعدنا على التفكير الحر، بعيدًا عن السياسة المباشرة أو الأيديولوجيا.وأضاف أن "شرفة آدم"، في مستوى ما، جاء كتأريخ للصحافة الثقافية، ليصبح شهادة على زمن ثقافي عشناه بكل تفاصيله. وفي مستوى آخر، هو مساهمة في الفهم النقدي، ونداء للتأمل والتفكير الحر. فهي شرفة حرة تدعونا إلى تأمل أفكارنا بهدوء. مؤكد أن الكتاب هو دعوة للحوار، فهو لا يغلق نصوصه، بل يضع مفاتيح تشجع القارئ على متابعة النقاش أو التحليل، وتحفزه على الانتقال من ترف التأمل إلى التفاعل الفكري.وخلص إلى أن "شرفة آدم" هو كتاب غني بالتأملات الفلسفية والأدبية، ويمثل دعوة للقارئ لإعادة التفكير في الأسئلة الكبرى حول الأدب، والوعي، والوجود الإنساني. وفي الوقت نفسه، هو إشارة إلى أن الأدب هو واحة الإنسان ومتعة روحه في رحلة الوجود.