logo
عُمان تعتمد أول ضريبة دخل في الخليج وسط تكهنات بأن تكون مغامرة اقتصادية

عُمان تعتمد أول ضريبة دخل في الخليج وسط تكهنات بأن تكون مغامرة اقتصادية

BBC عربية٢٦-٠٦-٢٠٢٥
في خطوة تُعدّ الأولى من نوعها على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، أعلنت سلطنة عُمان عن فرض ضريبة دخل على الأفراد ذوي الدخل المرتفع، لتصبح بذلك الدولة الخليجية الأولى التي تتبنّى هذا النوع من الضرائب. وبحسب ما أعلنت السلطات، من المقرّر بدء التطبيق في عام 2028 بنسبة 5% على الدخل السنوي الذي يتجاوز 42 ألف ريال عُماني (ما يعادل 109 آلاف دولار)، وتطال الضريبة كلّا من المواطنين والمقيمين.
ويأتي هذا القرار العُماني في وقت لا تفرض دول مجلس التعاون الخليجي الخمس الأخرى، الغنية بالنفط والغاز، ضرائب على دخل الأفراد. وهي "ميزة" تُعدّ من العوامل الرئيسية التي تجذب العمالة الأجنبية إلى دول مثل السعودية والإمارات وقطر، ما جعل قرار سلطنة عُمان بفرض ضريبة الدخل، خطوة أثارت نقاشا اقتصاديا هاما في الأوساط العُمانية حول جدواها الاقتصادية والاجتماعية والاستثمارية.
توقيت إقرار الضريبة
تعتبر سلطنة عُمان من الدول التي ترتكز في ميزانيتها العامة إلى العائدات النفطية والتي شكّلت عام 2024، نحو 7.45 مليار ريال عُماني أي نحو 19.3 مليار دولار أمريكي. إلا أن هذه الخطوة ستسهم بحسب تصريحات سابقة لوزير الاقتصاد العُماني، سعيد بن محمد الصقري، في تقليص الاعتماد على عائدات النفط من خلال تنويع الإيرادات العامة.
الخبير الاقتصادي العُماني الدكتور أحمد بن سعيد كشوب رأى أن فرض الضريبة جاء نتيجة تراكم عوامل داخلية وخارجية رئيسية. من أهم هذه العوامل ضرورة التنويع الاقتصادي، بعد عقود من الاعتماد على النفط الذي يعاني تقلّبات حادة، إلى جانب ارتفاع الدين العام واحتياجات الإنفاق المتزايدة على البنية التحتية والخدمات الاجتماعية. كما أشار كشوب في مقابلة مع بي بي سي نيوز عربي، إلى دور التوصيات الدولية، مثل صندوق النقد الدولي، في دعم التوجّه نحو إصلاحات مالية أكثر شفافية وعدالة.
ما تأثير طوفان الرسوم الجمركية الأمريكية على الاقتصاد العربي والعالمي؟
الأموال القذرة من روسيا وأوروبا تغرق سوق العقارات في دبي - الإندبندنت
بدوره، يرى الخبير الاقتصادي العُماني خلفان الطوقي أن فرض ضريبة الدخل يأتي في إطار منظومة ضرائبية متكاملة تبنّتها عُمان، تضمّنت سابقا أربعة أنواع من الضرائب، هي ضرائب على القيمة المضافة، وعلى أرباح الشركات، وعلى السلع الانتقائية، وعلى السلع المحلّاة، معتبرا أن ضريبة الدخل كانت الحلقة الناقصة لاستكمال هذه المنظومة. ويُشير الطوقي، في حديثه لبي بي سي نيوز عربي، إلى أن تقلّبات أسعار النفط وتراجع الاعتماد عليه كمصدر رئيسي للدخل فرضت الحاجة إلى تنويع الإيرادات العامة. كما أشار إلى أن النقاشات المتواصلة بين سلطنة عمان وصندوق النقد الدولي منذ عام 2020 ساهمت في توجّه الحكومة نحو البحث عن مصادر جديدة للدخل، رغم تأكيده على أن عُمان لم تقترض من الصندوق أو من البنك الدولي، وبالتالي لم تكن ملزمة باتباع توصياتهما.
وبحسب قانون الضريبة على دخل الأفراد، ستُفرض الضريبة بنسبة 5% على دخل الأفراد الذي يتجاوز 42 ألف ريال عُماني سنويا (ما يعادل 109 آلاف دولار أمريكي)، وبذلك سيُعفى أكثر من 99% من السكّان من الضريبة، ما يعزّز بحسب الخبير الاقتصادي العُماني الدكتور أحمد بن سعيد كشوب العدالة الضريبية ويقي الشرائح المتوسّطة والمنخفضة من الأعباء.
عدالة مالية أم عبء استثماري؟
إلا أن لهذه الضريبة إيجابيات وسلبيات وفق كشوب، ومن أبرز سلبياتها احتمال تحويل رؤوس الأموال إلى الخارج أو تجنّب بعض الكفاءات الأجنبية العمل في السلطنة، نتيجة زيادة العبء الضريبي مقارنة بدول الجوار. أما الإيجابيات فتتمثّل في تعزيز مصداقية الدولة كموقع إصلاحي منفتح على أفضل الممارسات العالمية من خلال تحسين تصنيف السلطنة في مؤشرات الشفافية المالية وجودة الحوكمة، إضافة إلى أنها تقلّص فجوة الدخل وتعزّز عدالة السوق المحلي.
لكنه في المقابل، شدّد على ضرورة أن تقترن هذه الضريبة الجديدة بحزمة من الحوافز والإعفاءات لضمان ألا تُشكّل عبئا على البيئة الاستثمارية. من بين هذه الحوافز برأيه، تقديم مزايا ضريبية للمشروعات الناشئة والابتكارية وإعطاء امتيازات خاصة في المناطق الحرة والقطاعات ذات الأولوية وتوفير أدوات دعم ضريبي للمستثمرين المحليين والأجانب لضمان الاستمرارية والتوسع.
وعلى رغم تأكيدات كريمة السعدية، مديرة مشروع ضريبة الدخل على الأفراد، بأن النظام الإلكتروني مصمّم لضمان دقة احتساب الدخل وتعزيز الامتثال الضريبي، إلّا أن الخبير الاقتصادي العُماني خلفان الطوقي أعرب عن شكوكه في قدرة الضريبة على تحقيق العدالة المالية الحقيقية، مشيرا إلى سهولة التهرّب الضريبي في ظلّ ضعف آليات الرقابة ضمن بيئة اقتصادية محدودة الحجم. ولفت الطوقي إلى أن هناك من بدأ فعليا في السلطنة في البحث عن محاسبين لمساعدتهم على التهرّب بأساليب فعّالة.
في السياق نفسه، أبدى الطوقي تخوّفه من أن تؤثر الضريبة سلبا على جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، محذّرا من احتمال هروب رؤوس الأموال وزيادة معدّلات التهرّب الضريبي، إلى جانب ارتفاع الكلفة التشغيلية لإدارة النظام الضريبي بشكل قد يتجاوز العائد المتوقّع. ورأى أن العدالة الاجتماعية قد تبقى بعيدة المنال، نظرا لصعوبة فرض الضريبة على أصحاب الثروات الحقيقية الذين غالبا ما يلجؤون إلى تحويل أموالهم إلى الخارج. وبدلا من ذلك، يقترح الطوقي تحسين كفاءة تحصيل الضرائب الحالية مثل ضريبة أرباح الشركات وضريبة القيمة المضافة، مقترحا رفع الأخيرة بنسبة 1% لتصل إلى 6%، معتبرا أن هذه الخطوة لن تمسّ الأفراد بشكل كبير لكنها قد تعزّز إيرادات الدولة بشكل أكبر.
بلغت الميزانية السنوية لسلطنة عُمان لعام 2024 نحو 11.65 مليار ريال عُماني، أي ما يعادل حوالي 30.26 مليار دولار أمريكي. ويرى الخبير الاقتصادي العُماني الدكتور أحمد بن سعيد كشوب أنه على الرغم من محدودية العائد المتوقّع من الضريبة (88 مليون ريال عُماني سنويا أي نحو 230 مليون دولار أمريكي) مقارنة مع حجم الموازنة العامة، إلا أن جدوى الضريبة لا تقاس فقط بالعائد المالي المباشر، بل بما تحقّقه من آثار بنيوية على النظام المالي، بحسب رأيه. واعتبر أن الضريبة ستسهم في بناء قاعدة بيانات دقيقة للدخل، وتعزّز الرقابة المالية، وتوفّر أدوات جديدة لرسم السياسات العامة للبلاد.
هل يجب على السعودية والإمارات وقطر دفع "ضريبة مناخ"؟
ويرى كشوب أنه إذا تم تطبيق الضريبة بشفافية ووضوح، فإنها ستكون أداة فعّالة لتحقيق العدالة الاجتماعية والتكافؤ، معتبرا أن استثناء غالبية المجتمع من الضريبة يؤكّد التوجّه نحو حماية الشرائح ذات الدخل المحدود والمتوسّط.
ولفت الخبير العُماني إلى أن التركيز على الدخول المرتفعة يعكس توجّها واضحا لإعادة توزيع المسؤوليات المالية بشكل متوازن. لكنه أشار في المقابل إلى أن نجاح التجربة مشروط بربط الضريبة بشكل مباشر بالخدمات الاجتماعية، بما يُقنع المواطن أن مساهمته الضريبية تُترجم إلى تعليم أفضل، وصحّة أجود، وفرص حياة متقدّمة.
في المقابل، يستبعد الخبير الاقتصادي العُماني خلفان الطوقي أن تسهم الضريبة في تحقيق عدالة اجتماعية، محذراً من آثارها السلبية المحتملة على أصحاب الكفاءات والتخصصات النادرة. واعتبر أن "99% من الأفراد المعفيين من الضريبة قد ينظرون إلى 1% الخاضعة لها نظرة سلبية، وكأنهم يرون في هذه الفئة الصغيرة مجموعة من ناهبي الثروات، وهو أمر غير منصف" على حدّ تعبيره.
هل تتكرّر التجربة خليجيا؟
وانطلاقا من أن السلطنة هي أول بلد خليجي يقرّ الضريبة على الدخل، اعتبر الخبير الاقتصادي العُماني الدكتور أحمد بن سعيد كشوب أنه بالرغم من تباين الأوضاع الاقتصادية بين دول مجلس التعاون الخليجي، إلا أن تجربة سلطنة عُمان قد تشكّل نموذجا تدريجيا يُحتذى به على المستوى الخليجي، لأسباب مختلفة في مقدّمتها أن عُمان تتمتّع بظروف مواتية للتجريب مثل قلّة الموارد، صغر حجم السكان، وانضباط في الإنفاق العام، لافتا إلى أن نجاح النموذج العُماني قد يوفّر مرجعية عملية لدول أخرى تسعى لتحقيق توازن بين الكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، من دون أن تضرّ بجاذبيتها الاستثمارية.
غير أن الخبير الاقتصادي العُماني خلفان الطوقي يرى الأمر من منظور مختلف، إذ يستبعد أن تُقدِم دول الخليج الأخرى على تطبيق ضريبة الدخل، معتبرا أن هذه الدول تُعدّ بمثابة "جنة ضريبية" للمستثمرين والوافدين، على حدّ وصفه.
بالنسبة للسلطات العُمانية، تُعدّ ضريبة الدخل خطوة إصلاحية تهدف إلى تعزيز الاستقرار المالي وتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال فرض مساهمة على أصحاب الدخل المرتفع. إلا أن هذه الخطوة تثير في المقابل تساؤلات حول كلفتها الاقتصادية وتأثيرها المحتمل على بيئة الاستثمار وجذب الكفاءات، فيما يرى بعض الخبراء أن التركيز على تحسين وتوسيع الضرائب القائمة قد يكون خيارًا أكثر واقعية وأقل مخاطرة.
في المحصّلة، تبقى التجربة العُمانية موضع مراقبة إقليمية، وقد تشكّل سابقة حاسمة في مسار السياسة المالية الخليجية، إذا ما نجحت في موازنة الحاجات المالية مع متطلّبات التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

كيف يُؤجج "الذهب الدموي" الصراع في غرب أفريقيا؟
كيف يُؤجج "الذهب الدموي" الصراع في غرب أفريقيا؟

BBC عربية

timeمنذ 4 أيام

  • BBC عربية

كيف يُؤجج "الذهب الدموي" الصراع في غرب أفريقيا؟

حقق الذهب نتائج إيجابية وكان عاماً جيداً للمعدن الأصفر. وتسببت مجموعة من الاضطرابات في الاقتصاد العالمي إلى ارتفاع أسعار هذه السلعة الثمينة إلى مستويات قياسية في عام 2025. في عالم تسوده صراعات دولية ومن أجل التعريفات الجمركية، يجذب الذهب المستثمرين كأحد الأصول القليلة المستقرة. الجميع يريد حصة من هذا النشاط، سواء البنوك المركزية أو المؤسسات الكبرى مثل صناديق التحوط، وحتى مستثمري التجزئة. لكن القليل من هؤلاء يعرف من أن يأتي ذهبهم، أو حتى يسمع عن الصراعات في البلدان التي يُستخرج منها هذا الذهب. بالنسبة لحكومات منطقة الساحل في غرب أفريقيا، فإن المخاطر أكبر. فالذهب شريان حياة للمجالس العسكرية الحاكمة في بوركينا فاسو ومالي والنيجر، المحاصرة بتمرد مسلح من تنظيمات جهادية وتعاني كذلك من عزلة إقليمية وتأثيرات تغير المناخ. وكشفت بيفرلي أوتشينغ، الباحثة البارزة في شركة الاستشارات العالمية "كونترول ريسكس"، لبي بي سي عن أنه نظراً لارتفاع أسعار الذهب إلى مستويات تاريخية... تأمل الحكومات العسكرية أن تتمكن من تحقيق استفادة مباشرة." تُنتج دول الساحل الثلاث مجتمعة (بوركينا فاسو ومالي والنيجر) حوالي 230 طناً من الذهب سنوياً، وفقاً لتقديرات مجلس الذهب العالمي، أي ما يُعادل حوالي 15 مليار دولار أمريكي بسعر السوق الحالي. لكن الرقم الحقيقي للإنتاج أكبر من هذا، نظراً لعدم وجود سجلات لعمليات التعدين الصغيرة والتي تتم يدويا. يتجاوز إنتاج هذه الدول الثلاث من الذهب ما تنتجه أي دولة أخرى في أفريقيا، مما يجعل منطقة الساحل مساهماً عالمياً رئيسياً في سوق الذهب. وتؤكد حكوماتها أنها تستخدم عائدات هذا القطاع المربح في خدمة المواطنين من خلال تعزيز "السيادة"، رغم أن الشركات الروسية ترفع حصتها في هذه الصناعة على حساب الشركات الغربية. ماذا نعرف عن العالم الخفي لمنجم ذهب تديره إحدى العصابات بجنوب أفريقيا؟ الذهب الأفريقي يهرب في الإمارات ما الشكل الجديد لفاغنر في أفريقيا؟ وكيف أعادت روسيا استخدامها؟ التلغراف: الذهب السوداني يساعد روسيا في مواجهة العقوبات على سبيل المثال، وضع قائد المجلس العسكري في مالي، الجنرال أسيمي غويتا، حجر الأساس الشهر الماضي لمصفاة ذهب، تمتلك فيها مجموعة يادران الروسية حصة أقلية. وستوفر المصفاة 500 وظيفة مباشرة و2000 وظيفة غير مباشرة، بحسب التقارير. وفي بوركينا فاسو، يجري العمل على أول مصفاة ذهب في البلاد، بعد تدشين شركة تعدين مملوكة للدولة، وألزمت الشركات الأجنبية بمنحها حصة 15 في المئة من عملياتها المحلية بالإضافة لنقل مهارات العمل إلى الشعب البوركينابي. وانطلقت في البلاد حملات إعلامية زائفة بالذكاء الاصطناعي للترويج للحاكم العسكري صاحب الكاريزما، الكابتن إبراهيم تراوري، 37 عاماً، للاحتفاء بسيطرته على هذا المصدر المهم للدخل في البلاد. وفي إحدى هذه الحملات تم توليد صوت المغنية الأمريكية ريهانا، من خلال الذكاء الاصطناعي، لتنشد "نستخرج الذهب من أعماق الوحل. لكن الأرواح غنية وصادقة"، في إشادة بالكابتن تراوري. لكن الواقع مختلف تماماً بحسب السيدة بيفرلي أوتشينغ، وأوضحت أن بوركينا فاسو وجيرانها بحاجة إلى سيولة سريعة لتمويل حملات عسكرية لمكافحة التمرد. وبالنسبة لمالي فقد أسندت جانب كبير من مهمة مواجهة المتمردين إلى مرتزقة روس، ومنها شركة فاغنر وخليفتها، فيلق أفريقيا، تحت قيادة وزارة الدفاع الروسية. وشارك فيلق أفريقيا الروسي في تدريب عسكري في بوركينا فاسو، إلا أن المجلس العسكري ينفي رسمياً وجوده على أراضيه. على الرغم من ضعف شفافية الإنفاق العام في هذه البلدان، إلا أن الاعتقاد السائد أن الحكومات تخصص جزءاً كبيراً من ميزانياتها للأمن القومي. تضاعف الإنفاق العسكري في مالي ثلاث مرات منذ عام 2010، ليصل إلى 22 في المئة من ميزانية الدولة بحلول عام 2020. وتحارب الحكومات جماعات جهادية مرتبطة بتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية (داعش). لكن منظمة هيومن رايتس ووتش اتهمت الحكومة المالية ومجموعة فاغنر الروسية بارتكاب فظائع ضد المدنيين، بما في ذلك عمليات قتل غير قانوني وإعدامات بمحاكمات قصيرة وارتكاب عمليات تعذيب. ووثقت المنظمة "فظائع" مماثلة ارتكبها جيش بوركينا فاسو والميليشيات المتحالفة معه. وتدفع هذه الحكومات غالبا لمجموعة فاغنر، والآن فيلق أفريقيا، ذهبا مقابل الخدمات العسكرية، او تقدم لهم امتيازات تعدين، بحسب أليكس فاينز، من مركز تشاتام هاوس البحثي في لندن. وقال فاينز لبي بي سي: "القليل جداً (من عائدات الذهب) تصل إلى الماليين والبوركينيين"، وأوضح أن المتمردين المسلحين أنفسهم قد يستفيدون من الذهب. منذ الانقلاب العسكري في مالي عام 2021، عززت الحكومة من "التكتيكات الوحشية" ضد المجتمعات التي يشتبه أنها تؤوي جهاديين أو تتعاطف معهم، مما دفع المزيد من المدنيين إلى الانضمام إلى الجماعات الجهادية. شنت جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، التابعة لتنظيم القاعدة والأكثر نشاطاً في المنطقة، هجمات غير مسبوقة على جيش بوركينا فاسو، خلال النصف الأول من عام 2025، في مؤشر على تنامي قوة الجماعة. وتستفيد الجماعات المسلحة، بصورة أساسية، من تزايد الإقبال العالمي على الذهب. يأتي جزء كبير من تعدين الذهب في منطقة الساحل من قطاع صغير يقوم بالعمل يدويا، وغالباً ما يكون غير رسمي، أي أنه يعمل في مواقع غير مرخصة وغير مكشوفة بعيداً عن الرقابة الحكومية، بحسب تقرير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC) حول تعدين الذهب في منطقة الساحل، عام 2023. وتتنافس حكومات منطقة الساحل مع جماعات مسلحة، بينها جماعات جهادية، للسيطرة على العديد من مناجم الذهب الصغيرة هذه. ويعد الذهب مصدر دخل مهم للجماعات المسلحة، التي يبدو أنها توسع نفوذها الإقليمي في كل من مالي وبوركينا فاسو. ويعتقد مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة أن معظم الذهب الناتج عن هذا النوع من التعدين يذهب في النهاية إلى الإمارات العربية المتحدة، وهي مركز عالمي لتكرير الذهب وتجارته. قال الدكتور فاينز: "نشهد بالفعل تشابكا بين الجماعات المتطرفة وانتقالها إلى مناطق الإنتاج اليدوي للسيطرة". ربما يؤدي الارتفاع العالمي في أسعار الذهب إلى إطالة أمد الصراع في منطقة الساحل وتفاقمه، ولكن لن يصب هذا في صالح العاملين في مناجم الذهب اليدوية، لأنه من سوء حظهم لن تزيد أجورهم. وافق أحد عمال مناجم الذهب في منطقة كيدال شمال مالي على الرد على أسئلة مكتوبة من بي بي سي، شريطة عدم الكشف عن هويته، خوفاً على سلامته. وأكد أنه يكسب في "يوم العمل الجيد" ما بين 10,000 و20,000 فرنك أفريقي، أي ما يعادل تقريباً ما بين 18 إلى 36 دولاراً أمريكياً. وأشار إلى أن هذا المبلغ لم يرتفع مع ارتفاع أسعار الذهب العالمية. وقال: "ارتفعت الأسعار، لكن الأرباح الإضافية تذهب إلى أصحاب المناجم... إنه أمر محفوف بالمخاطر وغير مضمون، ولكنه الخيار الوحيد أمام الكثير منا". ويشعر الدكتور فاينز، الذي حقق سابقاً في قضية الماس الدموي لدى الأمم المتحدة، بالقلق من أن يصبح الذهب سلعة الصراع الرئيسية الجديدة في أفريقيا. وأشار إلى أن الذهب لم يحصل على نفس الاهتمام الدولي مثل الماس، الذي أشعل فتيل صراعات دموية في العديد من الدول الأفريقية طوال القرن العشرين، وخاصة خلال التسعينيات. أدى تدخل جماعات حقوق الإنسان والأمم المتحدة إلى إنشاء نظام عملية كيمبرلي في 2003، لإصدار شهادات المنشأ للماس، والذي ساهم بشكل كبير في إنهاء بيع ما يسمى "الماس الدموي" في السوق المفتوحة. لكن محاولات السيطرة على "الذهب الدموي" لم تنجح. ومن أسباب هذا غياب معايير أخلاقية موحدة، رغم أن جمعية سوق السبائك في لندن (LBMA)، جهة رئيسية في سوق الذهب، تُلزم مصافي الذهب بالامتثال لمعايير تستند إلى إرشادات وضعتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهي هيئة عالمية في سوق الذهب. لكن في الإمارات لا يتم الالتزام بهذه المعايير بشكل دائم. وأعلنت الإمارات معاييرها الخاصة لتعدين الذهب الأخلاقي، في عام 2021، إلا أن إطار العمل بها لا يزال طوعياً. ووقع من قبل توتر بين الإمارات وجمعية سوق السبائك في لندن بسبب تطبيق المعايير الدولية. وهناك عقبة أخرى في السيطرة على "الذهب الدموي"، تتمثل في تكنولوجيا التتبع. قال الدكتور فاينز: "لا يوجد اختبار للحمض النووي للذهب. فبالنسبة للماس يمكن من خلال جهد كبير تتبعه قبل صقله وقطعه... لكنني لم أشهد وسيلة لتتبع أصول قطعة الذهب". وأوضح أن عملية صهر الذهب بعد التعدين مباشرة، تجعل من شبه المستحيل تحديد موقع استخراجه وبالتالي تتبّعه وربطه بمناطق الصراع المحتملة. ويعتقد الدكتور فاينز أنه من المرجح أن يصل بعض الذهب الدموي من منطقة الساحل ويصل في النهاية إلى أسواق في بريطانيا. ويضيف: يُصهر الذهب في الإمارات، ثم يدخل في صناعة المجوهرات، أو طب الأسنان، أو السبائك. بعضه يصل علنا إلى بريطانيا. وبمجرد وصوله هنا، لا يمكن معرفة أصله". وقال مسؤول إماراتي لبي بي سي إن بلاده لديها "إطار تنظيمي قوي لتعزيز أمن وسلامة وشفافية كل معاملة للذهب، وهي مدعومة بإجراءات تنفيذ صارمة". وأكد المسؤول أن الإمارات تطبق إجراءات تتوافق مع إرشادات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، بل وتتجاوزها في بعض المجالات. وأضاف:"إنها مدعومة بإجراءات إلزامية لمكافحة غسل الأموال وتحديد العميل، وعمليات تدقيق سنوية، وتنفيذ كامل للإجراءات في جميع نقاط الدخول". وأضاف الدكتور فاينز أن من الأسباب الأخرى لصعوبة تكرار نجاحات عملية كيمبرلي في الماس، أن نظام الشهادات لم يُصمم للتعامل مع حكومات الولايات. وأوضح أن شهادات كيمبرلي "مصممة للتعامل مع الجهات الفاعلة المسلحة غير الحكومية في أماكن مثل سيراليون وليبيريا". لذلك فإنه من المتوقع أن يستمر تداول هذا النوع من الذهب، بغض النظر عن مصدره، نظرا لأهميته بالنسبة لحكومات منطقة الساحل، والتطبيق غير المنتظم لمعايير الذهب الأخلاقية. ولسوء الحظ، قد يعني ذلك بالنسبة لبعض المجتمعات في منطقة الساحل دفع ثمن تجارة الدم.

ما قصة المرأة التي طلبت من أبنائها عدم اللعب لتوفير مصاريف المعيشة؟
ما قصة المرأة التي طلبت من أبنائها عدم اللعب لتوفير مصاريف المعيشة؟

BBC عربية

time٢٩-٠٦-٢٠٢٥

  • BBC عربية

ما قصة المرأة التي طلبت من أبنائها عدم اللعب لتوفير مصاريف المعيشة؟

تقضي سوزانا كاثومبا، العاملة المنزلية في مالاوي، كل يوم في التفكير في طرق للتوفير حتى تتمكن من جعل راتبها الشهري البالغ 80 ألف كواشا (46 دولاراً أمريكياً) يكفي لإعالة أسرتها. فيما تعصر قطعة قماش مبللة أخرجتها من دلو ماء في غرفة المعيشة، وتبدأ بمسح الطاولات والكراسي، تُفكّر في أحدث حيلة توصلت إليها لتوفير المال. قالت المرأة البالغة 43 عاماً لبي بي سي، "طلبت من أطفالي الصغار ألا يتسخوا كثيراً أثناء اللعب حتى نوفر في استهلاك الصابون"، وأضافت: "لكن الأمر صعب لأن الأطفال يبقون أطفالاً، فهم يريدون اللعب". خلال الأشهر القليلة الماضية، كانت كاثومبا، الأم المطلقة لأربعة أطفال، وتعمل في العاصمة ليلونغوي، تكافح من أجل البقاء على راتبها بسبب ارتفاع أسعار السلع في السوق. وبدعم مالي ضئيل من زوجها السابق، أصبحت هي المعيل الوحيد للأسرة، ويذهب معظم راتبها لإعالة أطفالها الأربعة الذين يعيشون في مسقط رأسهم كاسونغو، على بعد نحو 130 كيلومتراً (80 ميلاً) شمال غرب العاصمة ليلونجوي. لا يزال الطفلان الأصغر سناً في المدرسة، بينما الطفلان الأكبر عاطلان عن العمل. في مايو/أيار، بلغ معدل التضخم السنوي في ملاوي 27.7 في المئة، في أحد أعلى معدلات التضخم في إفريقيا، وهو تراجع عن معدل 29.2 في المئة تم تسجيله في إبريل/نيسان. وقالت كاثومبا إن "الأمر المثير للدهشة هو أن الرواتب تظل على حالها، لكن أسعار السلع الأساسية تستمر في الارتفاع بشكل يومي"، موضحة أن "المال ينفد قبل أن يصل. نحن نعيش حياة صعبة للغاية". الأمم المتحدة: الفقر وليس الدين هو "السبب الرئيسي وراء الإرهاب في إفريقيا" وأشار تقرير لشركة إرنست ويونغ، إلى أن مالاوي تعد واحدة من الدول القليلة في العالم التي تمتلك ما تسميه بـ "اقتصاد التضخم المفرط"، إلى جانب بوروندي وسيراليون والسودان وفنزويلا وزيمبابوي، ويحدث هذا عندما يبلغ معدل التضخم التراكمي على مدى ثلاث سنوات قرابة 100 في المئة أو أكثر. وقالت شركة المحاسبة إن مالاوي، وفق قاعدة بيانات آفاق الاقتصاد العالمي التي جمعها صندوق النقد الدولي، سجلت معدل تضخم تراكمي خلال ثلاث سنوات بلغ 116 في المئة حتى ديسمبر/كانون الأول 2024، وتوقعت معدلات تضخم تراكمية لمدة ثلاث سنوات بنسبة 102 في المئة لعام 2025 و66 في المئة لعام 2026. وتظهر بيانات البنك الدولي أن البلاد واحدة من أفقر دول العالم، ويُقدر أن 70 بالمئة من سكان هذه الدولة الواقعة في جنوب أفريقيا يعيشون على أقل من 2.15 دولار يومياً. وتركت أزمة تكاليف المعيشة الحالية العديد من المواطنين، مثل كاثومبا، دون أي مدخرات. وقالت كاثومبا: "سأكذب إذا قلت إنني أدخر بعض المال في نهاية الشهر. لم يبق لدي أي شيء على الإطلاق". وأضافت: "أدفع 50 ألف كواشا (29 دولاراً) كرسوم مدرسية لكل فصل. ثم عليك شراء الدفاتر، والطعام، والصابون - كل ذلك بنفس الراتب الصغير. السكر (كيلوغرام واحد) أصبح الآن 4500 كواشا (3 دولارات)". ويُرجع اقتصاديون مشاكل التضخم الحالية في مالاوي، جزئياً، إلى نقص العملات الأجنبية - المعروفة باسم "فوركس" - في البنوك. ولطالما واجهت مالاوي صعوبات في توفير العملة الأجنبية، إذ أن البلاد تستورد أكثر بكثير مما تُصدر. وقالت الأستاذة المحاضرة في الاقتصاد الكلي في جامعة مالاوي ورئيسة جمعية الاقتصاد في مالاوي، بيرثا بانغارا تشيكادزا، لبي بي سي: "نحن لا نصدر منتجات عالية القيمة". وأضافت: "نحن نصدر منتجات مثل الذرة وفول الصويا والسكر، لكننا نستورد منتجات باهظة الثمن مثل الأسمدة والأدوية والأثاث، ما يحتاج إلى كمية هائلة من النقد الأجنبي لهذا الغرض". وتقول شركات راغبة في استيراد سلع إنها عندما تطلب من البنوك الحصول على العملات الأجنبية، خصوصاً الدولار الأمريكي، غالبا ما يُرفض طلبها لعدم توفرها. وهذا يُجبر البعض على البحث عن الدولار الأمريكي في السوق السوداء، حيث سعر الصرف أعلى من السعر الرسمي البالغ 1750 كواتشا مقابل الدولار الواحد. ويمكن للتجار أن يدفعوا ما بين 4000 و5000 كواشا مقابل دولار واحد، وهو ما يؤثر بشكل غير مباشر على المستهلكين. حان الوقت لأن تستثمر أفريقيا في نفسها – الفاينانشال تايمز أما أصحاب المحال، مثل محمد حنيف واكا، الذي يملك متجراً لبيع القرطاسية في العاصمة، يقولون إنهم فقدوا العديد من الزبائن منذ رفع الأسعار. وقال واكا لبي بي سي: "انخفضت المبيعات بشكل حاد، واضطررنا للاستغناء عن بعض الموظفين". ورغم استيراده - عادة - بعض السلع لمتجره، مثل اللوازم المكتبية والأقلام ودفاتر الملاحظات، إلا أن نقص النقد الأجنبي يجبره على محاولة الحصول إلى البضائع محلياً. وقال: "لا أستطيع تذكر متى أعطتنا بنوكنا العملات الأجنبية". وفي محاولة للتغيير، خرج تجار في القطاع غير الرسمي إلى الشوارع للاحتجاج في فبراير/شباط الماضي، وأغلق المئات منهم مدخل البرلمان في مالاوي. وقال ستيف ماجومبو، رئيس سوق تسوكا للبضائع المستعملة في ليلونغوي، لبي بي سي: "نحن متأثرون بشدة، من المفترض أن نحقق ربحاً من أعمالنا"، وأضاف: "لكن على هذا الحال، نحن نفشل. المالاويون غير قادرين على شراء سلعنا". وفي وقت سابق من هذا العام، أُعلن عن تعليق مؤقت لاتفاقية قرض بـ 175 مليون دولار تبلغ مدته أربع سنوات مع صندوق النقد الدولي بعد أن تمت الموافقة عليه في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وبلغت قيمة المبلغ المصروف حتى الآن 35 مليون دولار أمريكي. وقال رئيس بعثة صندوق النقد في مالاوي، جاستن تايسون، لبي بي سي: "بموجب سياسة الصندوق، إذا لم تكتمل المراجعات خلال 18 شهراً، فإن البرنامج ينتهي تلقائياً، ولم يتم إكمال أي مراجعة بنجاح". وأضاف أن "الانضباط المالي أثبت صعوبة الحفاظ عليه في البيئة الحالية بسبب ضغوط الإنفاق المرتفعة". لكن وزير المالية المالاوي، سيمبلكس تشيثيولا باندا، قال إن قرار تعليق القرض كان حكومياً، لوجود خلاف بشأن الشروط. وقال باندا لبي بي سي الشهر الماضي، "عندما يقال لك إنك بحاجة إلى بناء احتياطيات، وفي الوقت نفسه تعاني البلاد من نقص الوقود - فإنك تختار شراء الوقود (بدلاً من) بناء الاحتياطيات". وأضاف: "قيل لنا إنه من أجل البقاء في البرنامج، يجب تعديل أسعار الوقود، لكن هذا قد يؤثر سلباً على أسعار السلع الأساسية". ومع اقتراب موعد الانتخابات المحلية في ملاوي في سبتمبر/أيلول، تقول الحكومة إنها تتخذ خطوات لخفض الأسعار. وأقر وزير التجارة، فيتومبيكو مومبا، بضرورة تقنين صرف العملات الأجنبية، لكنه أشار إلى أن الشركات المسجلة يمكنها التقدم بطلبات للحصول على الأساسيات عبر البنك المركزي أو وزارة المالية، وحمل التجار مسؤولية تضخم الأسعار. في المقابل، ألقت المعارضة باللوم على المسؤولين في السلطة فيما يتعلق بالتضخم. ومهما كان سبب تضخم الأسعار، فمن المرجح أن تشكل تكاليف المعيشة قضية رئيسية في الحملة الانتخابية. ويأمل المالاويون أن تخفف خطط الحكومة من معاناتهم اليومية، ويريد الجميع حلاً يحقق الاستقرار الدائم للاقتصاد. وقالت كاثومبا: "نحن نعتمد على الحكومة للحصول على المساعدة"، وأضافت: "آمل أن يتذكر السياسيون الأقل حظاً عند اتخاذ قراراتهم".

عُمان تعتمد أول ضريبة دخل في الخليج وسط تكهنات بأن تكون مغامرة اقتصادية
عُمان تعتمد أول ضريبة دخل في الخليج وسط تكهنات بأن تكون مغامرة اقتصادية

BBC عربية

time٢٦-٠٦-٢٠٢٥

  • BBC عربية

عُمان تعتمد أول ضريبة دخل في الخليج وسط تكهنات بأن تكون مغامرة اقتصادية

في خطوة تُعدّ الأولى من نوعها على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، أعلنت سلطنة عُمان عن فرض ضريبة دخل على الأفراد ذوي الدخل المرتفع، لتصبح بذلك الدولة الخليجية الأولى التي تتبنّى هذا النوع من الضرائب. وبحسب ما أعلنت السلطات، من المقرّر بدء التطبيق في عام 2028 بنسبة 5% على الدخل السنوي الذي يتجاوز 42 ألف ريال عُماني (ما يعادل 109 آلاف دولار)، وتطال الضريبة كلّا من المواطنين والمقيمين. ويأتي هذا القرار العُماني في وقت لا تفرض دول مجلس التعاون الخليجي الخمس الأخرى، الغنية بالنفط والغاز، ضرائب على دخل الأفراد. وهي "ميزة" تُعدّ من العوامل الرئيسية التي تجذب العمالة الأجنبية إلى دول مثل السعودية والإمارات وقطر، ما جعل قرار سلطنة عُمان بفرض ضريبة الدخل، خطوة أثارت نقاشا اقتصاديا هاما في الأوساط العُمانية حول جدواها الاقتصادية والاجتماعية والاستثمارية. توقيت إقرار الضريبة تعتبر سلطنة عُمان من الدول التي ترتكز في ميزانيتها العامة إلى العائدات النفطية والتي شكّلت عام 2024، نحو 7.45 مليار ريال عُماني أي نحو 19.3 مليار دولار أمريكي. إلا أن هذه الخطوة ستسهم بحسب تصريحات سابقة لوزير الاقتصاد العُماني، سعيد بن محمد الصقري، في تقليص الاعتماد على عائدات النفط من خلال تنويع الإيرادات العامة. الخبير الاقتصادي العُماني الدكتور أحمد بن سعيد كشوب رأى أن فرض الضريبة جاء نتيجة تراكم عوامل داخلية وخارجية رئيسية. من أهم هذه العوامل ضرورة التنويع الاقتصادي، بعد عقود من الاعتماد على النفط الذي يعاني تقلّبات حادة، إلى جانب ارتفاع الدين العام واحتياجات الإنفاق المتزايدة على البنية التحتية والخدمات الاجتماعية. كما أشار كشوب في مقابلة مع بي بي سي نيوز عربي، إلى دور التوصيات الدولية، مثل صندوق النقد الدولي، في دعم التوجّه نحو إصلاحات مالية أكثر شفافية وعدالة. ما تأثير طوفان الرسوم الجمركية الأمريكية على الاقتصاد العربي والعالمي؟ الأموال القذرة من روسيا وأوروبا تغرق سوق العقارات في دبي - الإندبندنت بدوره، يرى الخبير الاقتصادي العُماني خلفان الطوقي أن فرض ضريبة الدخل يأتي في إطار منظومة ضرائبية متكاملة تبنّتها عُمان، تضمّنت سابقا أربعة أنواع من الضرائب، هي ضرائب على القيمة المضافة، وعلى أرباح الشركات، وعلى السلع الانتقائية، وعلى السلع المحلّاة، معتبرا أن ضريبة الدخل كانت الحلقة الناقصة لاستكمال هذه المنظومة. ويُشير الطوقي، في حديثه لبي بي سي نيوز عربي، إلى أن تقلّبات أسعار النفط وتراجع الاعتماد عليه كمصدر رئيسي للدخل فرضت الحاجة إلى تنويع الإيرادات العامة. كما أشار إلى أن النقاشات المتواصلة بين سلطنة عمان وصندوق النقد الدولي منذ عام 2020 ساهمت في توجّه الحكومة نحو البحث عن مصادر جديدة للدخل، رغم تأكيده على أن عُمان لم تقترض من الصندوق أو من البنك الدولي، وبالتالي لم تكن ملزمة باتباع توصياتهما. وبحسب قانون الضريبة على دخل الأفراد، ستُفرض الضريبة بنسبة 5% على دخل الأفراد الذي يتجاوز 42 ألف ريال عُماني سنويا (ما يعادل 109 آلاف دولار أمريكي)، وبذلك سيُعفى أكثر من 99% من السكّان من الضريبة، ما يعزّز بحسب الخبير الاقتصادي العُماني الدكتور أحمد بن سعيد كشوب العدالة الضريبية ويقي الشرائح المتوسّطة والمنخفضة من الأعباء. عدالة مالية أم عبء استثماري؟ إلا أن لهذه الضريبة إيجابيات وسلبيات وفق كشوب، ومن أبرز سلبياتها احتمال تحويل رؤوس الأموال إلى الخارج أو تجنّب بعض الكفاءات الأجنبية العمل في السلطنة، نتيجة زيادة العبء الضريبي مقارنة بدول الجوار. أما الإيجابيات فتتمثّل في تعزيز مصداقية الدولة كموقع إصلاحي منفتح على أفضل الممارسات العالمية من خلال تحسين تصنيف السلطنة في مؤشرات الشفافية المالية وجودة الحوكمة، إضافة إلى أنها تقلّص فجوة الدخل وتعزّز عدالة السوق المحلي. لكنه في المقابل، شدّد على ضرورة أن تقترن هذه الضريبة الجديدة بحزمة من الحوافز والإعفاءات لضمان ألا تُشكّل عبئا على البيئة الاستثمارية. من بين هذه الحوافز برأيه، تقديم مزايا ضريبية للمشروعات الناشئة والابتكارية وإعطاء امتيازات خاصة في المناطق الحرة والقطاعات ذات الأولوية وتوفير أدوات دعم ضريبي للمستثمرين المحليين والأجانب لضمان الاستمرارية والتوسع. وعلى رغم تأكيدات كريمة السعدية، مديرة مشروع ضريبة الدخل على الأفراد، بأن النظام الإلكتروني مصمّم لضمان دقة احتساب الدخل وتعزيز الامتثال الضريبي، إلّا أن الخبير الاقتصادي العُماني خلفان الطوقي أعرب عن شكوكه في قدرة الضريبة على تحقيق العدالة المالية الحقيقية، مشيرا إلى سهولة التهرّب الضريبي في ظلّ ضعف آليات الرقابة ضمن بيئة اقتصادية محدودة الحجم. ولفت الطوقي إلى أن هناك من بدأ فعليا في السلطنة في البحث عن محاسبين لمساعدتهم على التهرّب بأساليب فعّالة. في السياق نفسه، أبدى الطوقي تخوّفه من أن تؤثر الضريبة سلبا على جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، محذّرا من احتمال هروب رؤوس الأموال وزيادة معدّلات التهرّب الضريبي، إلى جانب ارتفاع الكلفة التشغيلية لإدارة النظام الضريبي بشكل قد يتجاوز العائد المتوقّع. ورأى أن العدالة الاجتماعية قد تبقى بعيدة المنال، نظرا لصعوبة فرض الضريبة على أصحاب الثروات الحقيقية الذين غالبا ما يلجؤون إلى تحويل أموالهم إلى الخارج. وبدلا من ذلك، يقترح الطوقي تحسين كفاءة تحصيل الضرائب الحالية مثل ضريبة أرباح الشركات وضريبة القيمة المضافة، مقترحا رفع الأخيرة بنسبة 1% لتصل إلى 6%، معتبرا أن هذه الخطوة لن تمسّ الأفراد بشكل كبير لكنها قد تعزّز إيرادات الدولة بشكل أكبر. بلغت الميزانية السنوية لسلطنة عُمان لعام 2024 نحو 11.65 مليار ريال عُماني، أي ما يعادل حوالي 30.26 مليار دولار أمريكي. ويرى الخبير الاقتصادي العُماني الدكتور أحمد بن سعيد كشوب أنه على الرغم من محدودية العائد المتوقّع من الضريبة (88 مليون ريال عُماني سنويا أي نحو 230 مليون دولار أمريكي) مقارنة مع حجم الموازنة العامة، إلا أن جدوى الضريبة لا تقاس فقط بالعائد المالي المباشر، بل بما تحقّقه من آثار بنيوية على النظام المالي، بحسب رأيه. واعتبر أن الضريبة ستسهم في بناء قاعدة بيانات دقيقة للدخل، وتعزّز الرقابة المالية، وتوفّر أدوات جديدة لرسم السياسات العامة للبلاد. هل يجب على السعودية والإمارات وقطر دفع "ضريبة مناخ"؟ ويرى كشوب أنه إذا تم تطبيق الضريبة بشفافية ووضوح، فإنها ستكون أداة فعّالة لتحقيق العدالة الاجتماعية والتكافؤ، معتبرا أن استثناء غالبية المجتمع من الضريبة يؤكّد التوجّه نحو حماية الشرائح ذات الدخل المحدود والمتوسّط. ولفت الخبير العُماني إلى أن التركيز على الدخول المرتفعة يعكس توجّها واضحا لإعادة توزيع المسؤوليات المالية بشكل متوازن. لكنه أشار في المقابل إلى أن نجاح التجربة مشروط بربط الضريبة بشكل مباشر بالخدمات الاجتماعية، بما يُقنع المواطن أن مساهمته الضريبية تُترجم إلى تعليم أفضل، وصحّة أجود، وفرص حياة متقدّمة. في المقابل، يستبعد الخبير الاقتصادي العُماني خلفان الطوقي أن تسهم الضريبة في تحقيق عدالة اجتماعية، محذراً من آثارها السلبية المحتملة على أصحاب الكفاءات والتخصصات النادرة. واعتبر أن "99% من الأفراد المعفيين من الضريبة قد ينظرون إلى 1% الخاضعة لها نظرة سلبية، وكأنهم يرون في هذه الفئة الصغيرة مجموعة من ناهبي الثروات، وهو أمر غير منصف" على حدّ تعبيره. هل تتكرّر التجربة خليجيا؟ وانطلاقا من أن السلطنة هي أول بلد خليجي يقرّ الضريبة على الدخل، اعتبر الخبير الاقتصادي العُماني الدكتور أحمد بن سعيد كشوب أنه بالرغم من تباين الأوضاع الاقتصادية بين دول مجلس التعاون الخليجي، إلا أن تجربة سلطنة عُمان قد تشكّل نموذجا تدريجيا يُحتذى به على المستوى الخليجي، لأسباب مختلفة في مقدّمتها أن عُمان تتمتّع بظروف مواتية للتجريب مثل قلّة الموارد، صغر حجم السكان، وانضباط في الإنفاق العام، لافتا إلى أن نجاح النموذج العُماني قد يوفّر مرجعية عملية لدول أخرى تسعى لتحقيق توازن بين الكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، من دون أن تضرّ بجاذبيتها الاستثمارية. غير أن الخبير الاقتصادي العُماني خلفان الطوقي يرى الأمر من منظور مختلف، إذ يستبعد أن تُقدِم دول الخليج الأخرى على تطبيق ضريبة الدخل، معتبرا أن هذه الدول تُعدّ بمثابة "جنة ضريبية" للمستثمرين والوافدين، على حدّ وصفه. بالنسبة للسلطات العُمانية، تُعدّ ضريبة الدخل خطوة إصلاحية تهدف إلى تعزيز الاستقرار المالي وتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال فرض مساهمة على أصحاب الدخل المرتفع. إلا أن هذه الخطوة تثير في المقابل تساؤلات حول كلفتها الاقتصادية وتأثيرها المحتمل على بيئة الاستثمار وجذب الكفاءات، فيما يرى بعض الخبراء أن التركيز على تحسين وتوسيع الضرائب القائمة قد يكون خيارًا أكثر واقعية وأقل مخاطرة. في المحصّلة، تبقى التجربة العُمانية موضع مراقبة إقليمية، وقد تشكّل سابقة حاسمة في مسار السياسة المالية الخليجية، إذا ما نجحت في موازنة الحاجات المالية مع متطلّبات التنمية الاجتماعية والاقتصادية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store