الأدب والحكايات الشعبية مفتاح للوحدة ويمنع الانقسام والتناحر في كتاب جديد
المؤلفة حائزة على جائزة «هولبرج» الشهيرة فى العلوم الإنسانية والاجتماعية... وأنفقت أموال الجائزة على إحدى مبادراتها لسرد القصص بين الشباب المهاجرين من الشرق الأوسط
الجارديان: يعيد تعريف معنى اللجوء من خلال سرد قصص وحكايات شعبية عن المهاجرين لاشك أن زمننا الحاضر يشهد الكثير من عمليات الهجرة والنزوح إلى الدول الغربية - وكثير منها بطرق غير شرعية - حيث الملايين يُجبرون على ترك بيوتهم بسبب الكوارث البيئية، والانهيارات الاقتصادية، والحروب، والقمع السياسى، وفى ظل هذه الظروف، اقترحت المؤرخة الثقافية البريطانية ، مارينا وارنر، عبر صفحات كتابها الذى سيصدر الشهر المقبل عن دار نشر «ويليام كولينز» بعنوان «الملاذ» مفهومًا جديدًا لمعنى اللجوء، لا يقوم على الحوائط أو المأوى أو الخيام، بل على القصص الشعبية والإنسانية وطريقة روايتها، والتى ترى أنها تتخطى حدود اللغة والعِرق والدين.وقد انغمست «وارنر» فى دراسة كافة أنماط الأدب من الحكايات الشعبية والأغانى الطفولية والأهازيج والأمثال إلى الأغانى القصيرة والسرد الشفهى على مدار خمسة عقود من عملها كباحثة فى الثقافة والتاريخ، وتعمقت أيضًا فى دراسة كيف استطاعت هذه الأشكال التسلل تحت رقابة السلطة لتصبح وسيلة تواصل وتأثير بين الأفراد من مختلف الجنسيات والثقافات.ودعت «وارنر» عبر صفحات الكتاب إلى توظيف هذه الأشكال الشعبية فى بناء جسور بين الوافدين الجدد - وهو المصطلح الذى تفضله على «المهاجرين» - وبين المجتمعات التى تستقبلهم، والتى قد تكون غير مرحبة أو عدائية، نقلًا عن صحيفة الجارديان البريطانية.وهنا قد يتساءل البعض: كيف يمكن ل «مجتمع من العجائب»، ملىء بالحكايات والأساطير، أن يساهم فى تلبية الاحتياجات الملموسة للنازحين الذين يبحثون عن ماء نظيف، ورعاية صحية، وفرصة عمل، وقبل كل شىء، حق قانونى فى الإقامة؟ وهذا الاعتراض تدركه «وارنر» جيدًا حيث قضت حياتها المهنية فى التعامل معه.وكما يتضح للقارئ؛ فإن كتبها الأولى على غرار: «عن العذراء مريم » الصادر عام 1976، و«جوان دارك» الصادر عام 1981، و«النُصُب والعذارى» الصادر عام 1985 كلها ركزت على أن الرموز والأساطير لها دور فى تشكيل فهم الإنسان لذاته وللعالم، ورغم أنها قوبلت ببعض الانتقادات، إلا أنها لاقت أيضًا إشادة كبيرة. واليوم، لا تزال «وارنر» مصرة على أن السرد يمكن أن يكون «مادة رابطة» بين الغرباء؛ حيث يهيئ بيئة تُزرع فيها مفاهيم العدالة والتعايش، واستشهدت فى ذلك بمصطلح الأنثروبولوجى ألفريد جِل حين قال «الفن وسيط فاعل» لتؤكد أن السرد له آثار ملموسة فى الواقع.وقد التزمت «وارنر» بتحويل أفكارها إلى مبادرات عملية؛ فعندما فازت بجائزة هولبرج عام 2015، استثمرت مبلغ الجائزة - 380,000 جنيه إسترلينى - فى تأسيس مبادرة «قصص فى الترحال»، وكان هدف المبادرة تسهيل تبادل القصص بين الشباب الذين يصلون يوميًا إلى صقلية، وغالبيتهم من الشرق الأوسط، والمغرب العربى، وبنجلاديش، وباكستان، وشرق البحر الأبيض المتوسط.وتعد جائزة هولبرج جائزة علمية مرموقة تأسست فى عام 2003 من قِبل البرلمان النرويجى، وسُميت على اسم اللورد النورديكى «لودفيج هولبرج»، وهى تُمنح سنويًّا لمؤرخين وباحثين مميزين فى مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية، والقانون، واللاهوت، للمساهمات البحثية الاستثنائية، وتُعتبر بمثابة «نوبل» للعلوم الإنسانية والاجتماعية.ومن هؤلاء الشباب، تحدثت المؤلفة عن الشاب «دين» القادم من غينيا، والذى دمرت الحرب الأهلية عائلته، وقد تمكن من الوصول إلى صقلية بعد سنتين من السير على الأقدام عبر الصحراء، ثم عبور البحر المتوسط، وشارك فى إحدى ورش المبادرة.وقد أخبرنا قصة من بلاده بعنوان «الصياد ابن الملك والغزال المسحور»، وكانت القصة مزيجًا من السياسة والسحر، والفكاهة والحزن، وتحوى قصصًا متداخلة على طريقة ألف ليلة وليلة، وما لفت نظر «وارنر»، بحسها المقارِن، هو التشابه بين هذه القصة وحكايات الحيوانات فى الأدب العربى الوسيط، بل وحتى حكايات «إيسوب» القديمة - وهى مجموعة من القصص الرمزية القصيرة المنسوبة إلى الحكيم الإغريقى «إيسوب» الذى يُعتقد أنه عاش فى القرن السادس قبل الميلاد امتازت ببساطتها واحتوائها على حيوانات ناطقة وشخصيات خيالية تمثل صفات بشرية وكانت تُستخدم لنقل دروس أخلاقية أو عبر تربوية - ومع ذلك، ما يشغلها ليس أصل القصة بل ما يمكن أن تصبح عليه.وخلال عدة جلسات، تطورت القصة إلى عرض أدائى، تضمن العرائس، والغناء، والرسوم المتحركة. ومن هناك، استلهم أحد الوافدين من جامبيا روح القصة وصاغ عملًا جديدًا تمامًا بعنوان «واحد لى وواحد لك»، وهو عرض فكاهى موسيقى بتوجه مختلف، وعبر هذا التحول، رأت «وارنر» قوة الحكاية أو القصة على التجدد والتكيف، لا كمجرد خيال، بل كأداة للنجاة.ومن نافلة القول أننا فى زمن أصبحت فيه الحقيقة موضع شك، والوقائع «أمرًا اختياريًا» يئول البت فيه لوجهات النظر المختلفة، إلا أن «وارنر» أوضحت عبر صفحات الكتاب أن النظرة السلبية للمهاجربن غير حقيقية؛ فهم يُصورون باعتبارهم «جحافل»، أو «حشرات»، أو «متسولين»، أو حتى «مجرمين»، والخرائط التى تحدد من أين أتوا وإلى أين يجب أن يذهبوا هى خرائط سياسية استعمارية، تعيد تشكيل الحدود دون اعتبار للهوية الثقافية أو اللغوية أو العرقية.ورأت «وارنر» أيضًا أن للخيال دورًا آخر أكثر خصوصية؛ فخلال رحلة لجوئهم، يُطلب من الوافدين سرد قصصهم الشخصية أمام السلطات، لكن بطريقة واحدة محددة؛ ألا وهى أن تكون التواريخ دقيقة، والأحداث منطقية، والدوافع نبيلة ومحصورة فى الهروب من القمع، لا الطموح لحياة أفضل. وأى تغيير فى الرواية الأصلية يعرضهم لخطر الترحيل. وبهذا، كما أشارت «وارنر»، يُجبر هؤلاء الأشخاص على التماهى مع نسخة واحدة وثابتة من ذواتهم، لا تعكس تطورهم أو تحولاتهم الداخلية. وهنا، يصبح تأليف القصص وسردها وسيلة أساسية للبقاء، نفسيًا ومعنويًا، وليس فقط جسديًا.وفى النهاية، لا يسعنا سوى القول إن المؤلفة قدمت كتابًا استثنائيًا يعيد تعريف مفهوم «الملاذ» أو «الملجأ» بوصفه مساحة تُبنى بالخيال والسرد، لا بالحجارة والجدران، وهى تدعو من خلاله إلى النظر فى القوة الكامنة للحكاية الشعبية بوصفها أداة للمقاومة، والتعافى، وبناء علاقات إنسانية تتجاوز الانقسام والخوف.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


نافذة على العالم
منذ 41 دقائق
- نافذة على العالم
ثقافة : ذاكرة اليوم.. جورج واشنطن قائدًا للجيش الأمريكي وميلاد محمد صلاح
الأحد 15 يونيو 2025 01:30 مساءً نافذة على العالم - جرت فى يوم 15 يونيو عبر التاريخ العديد من الأحداث والوقائع التاريخية التى غيرت مجرى التاريخ، ورحل أيضًا عن شخصيات أدبية وسياسة وفنية بارزة وهذا ما نستعرضه خلال التقرير التالى. أحداث 15 يونيو 1775 -الكونجرس القاري في أمريكا يقرر تعيين الجنرال جورج واشنطن قائدًا عامًا للجيش الأمريكي الجديد. 1805 - بدء الحملة البريطانية الأولى على القواسم في الخليج العربي. 1831 - انتشار وباء الطاعون في الكويت الذي ذهب ضحيته الآلاف من الكويتيين. 1918 - نهاية الحرب الأهلية في فنلندا. مواليد 15 يونيو 1902 - إريك إريكسون، عالم أمريكي في علم النفس التطوري. 1910 - سليمان فرنجية، رئيس الجمهورية اللبنانية. 1915 - توماس ولر، عالم أمريكي في علم الفيروسات حاصل على جائزة نوبل في الطب عام 1954. 1916 - هيربرت سيمون، اقتصادي أمريكي حاصل على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية عام 1978. 1917 - جون فين، عالم كيمياء أمريكي حاصل على جائزة نوبل في الكيمياء عام 2002. - 1934 أحمد عبد الوهاب، مؤلف وكاتب سيناريو مصري. 1961 - هالة صدقي، ممثلة مصرية. 1992 - محمد صلاح، لاعب كرة قدم مصري. وفيات 15 يونيو 1889 - ميهاي إمينسكو، كاتب وشاعر روماني. 1902 - عبد الرحمن الكواكبي، مفكر قومي عربي وصحافي سوري. 1934 - ألفريد برونياو، موسيقي فرنسي. 1971 - وندل ستانلي، عالم كيمياء أمريكي حاصل على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1946. 2009 - النبوي إسماعيل، وزير داخلية مصر. 2014 - فتحية العسال، كاتبة مصرية. أعياد ومناسبات 15 يوينو عيد الصحافة العراقية في العراق.

مصرس
منذ 7 ساعات
- مصرس
الأدب والحكايات الشعبية مفتاح للوحدة ويمنع الانقسام والتناحر في كتاب جديد
المؤلفة حائزة على جائزة «هولبرج» الشهيرة فى العلوم الإنسانية والاجتماعية... وأنفقت أموال الجائزة على إحدى مبادراتها لسرد القصص بين الشباب المهاجرين من الشرق الأوسط الجارديان: يعيد تعريف معنى اللجوء من خلال سرد قصص وحكايات شعبية عن المهاجرين لاشك أن زمننا الحاضر يشهد الكثير من عمليات الهجرة والنزوح إلى الدول الغربية - وكثير منها بطرق غير شرعية - حيث الملايين يُجبرون على ترك بيوتهم بسبب الكوارث البيئية، والانهيارات الاقتصادية، والحروب، والقمع السياسى، وفى ظل هذه الظروف، اقترحت المؤرخة الثقافية البريطانية ، مارينا وارنر، عبر صفحات كتابها الذى سيصدر الشهر المقبل عن دار نشر «ويليام كولينز» بعنوان «الملاذ» مفهومًا جديدًا لمعنى اللجوء، لا يقوم على الحوائط أو المأوى أو الخيام، بل على القصص الشعبية والإنسانية وطريقة روايتها، والتى ترى أنها تتخطى حدود اللغة والعِرق والدين.وقد انغمست «وارنر» فى دراسة كافة أنماط الأدب من الحكايات الشعبية والأغانى الطفولية والأهازيج والأمثال إلى الأغانى القصيرة والسرد الشفهى على مدار خمسة عقود من عملها كباحثة فى الثقافة والتاريخ، وتعمقت أيضًا فى دراسة كيف استطاعت هذه الأشكال التسلل تحت رقابة السلطة لتصبح وسيلة تواصل وتأثير بين الأفراد من مختلف الجنسيات والثقافات.ودعت «وارنر» عبر صفحات الكتاب إلى توظيف هذه الأشكال الشعبية فى بناء جسور بين الوافدين الجدد - وهو المصطلح الذى تفضله على «المهاجرين» - وبين المجتمعات التى تستقبلهم، والتى قد تكون غير مرحبة أو عدائية، نقلًا عن صحيفة الجارديان البريطانية.وهنا قد يتساءل البعض: كيف يمكن ل «مجتمع من العجائب»، ملىء بالحكايات والأساطير، أن يساهم فى تلبية الاحتياجات الملموسة للنازحين الذين يبحثون عن ماء نظيف، ورعاية صحية، وفرصة عمل، وقبل كل شىء، حق قانونى فى الإقامة؟ وهذا الاعتراض تدركه «وارنر» جيدًا حيث قضت حياتها المهنية فى التعامل معه.وكما يتضح للقارئ؛ فإن كتبها الأولى على غرار: «عن العذراء مريم » الصادر عام 1976، و«جوان دارك» الصادر عام 1981، و«النُصُب والعذارى» الصادر عام 1985 كلها ركزت على أن الرموز والأساطير لها دور فى تشكيل فهم الإنسان لذاته وللعالم، ورغم أنها قوبلت ببعض الانتقادات، إلا أنها لاقت أيضًا إشادة كبيرة. واليوم، لا تزال «وارنر» مصرة على أن السرد يمكن أن يكون «مادة رابطة» بين الغرباء؛ حيث يهيئ بيئة تُزرع فيها مفاهيم العدالة والتعايش، واستشهدت فى ذلك بمصطلح الأنثروبولوجى ألفريد جِل حين قال «الفن وسيط فاعل» لتؤكد أن السرد له آثار ملموسة فى الواقع.وقد التزمت «وارنر» بتحويل أفكارها إلى مبادرات عملية؛ فعندما فازت بجائزة هولبرج عام 2015، استثمرت مبلغ الجائزة - 380,000 جنيه إسترلينى - فى تأسيس مبادرة «قصص فى الترحال»، وكان هدف المبادرة تسهيل تبادل القصص بين الشباب الذين يصلون يوميًا إلى صقلية، وغالبيتهم من الشرق الأوسط، والمغرب العربى، وبنجلاديش، وباكستان، وشرق البحر الأبيض المتوسط.وتعد جائزة هولبرج جائزة علمية مرموقة تأسست فى عام 2003 من قِبل البرلمان النرويجى، وسُميت على اسم اللورد النورديكى «لودفيج هولبرج»، وهى تُمنح سنويًّا لمؤرخين وباحثين مميزين فى مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية، والقانون، واللاهوت، للمساهمات البحثية الاستثنائية، وتُعتبر بمثابة «نوبل» للعلوم الإنسانية والاجتماعية.ومن هؤلاء الشباب، تحدثت المؤلفة عن الشاب «دين» القادم من غينيا، والذى دمرت الحرب الأهلية عائلته، وقد تمكن من الوصول إلى صقلية بعد سنتين من السير على الأقدام عبر الصحراء، ثم عبور البحر المتوسط، وشارك فى إحدى ورش المبادرة.وقد أخبرنا قصة من بلاده بعنوان «الصياد ابن الملك والغزال المسحور»، وكانت القصة مزيجًا من السياسة والسحر، والفكاهة والحزن، وتحوى قصصًا متداخلة على طريقة ألف ليلة وليلة، وما لفت نظر «وارنر»، بحسها المقارِن، هو التشابه بين هذه القصة وحكايات الحيوانات فى الأدب العربى الوسيط، بل وحتى حكايات «إيسوب» القديمة - وهى مجموعة من القصص الرمزية القصيرة المنسوبة إلى الحكيم الإغريقى «إيسوب» الذى يُعتقد أنه عاش فى القرن السادس قبل الميلاد امتازت ببساطتها واحتوائها على حيوانات ناطقة وشخصيات خيالية تمثل صفات بشرية وكانت تُستخدم لنقل دروس أخلاقية أو عبر تربوية - ومع ذلك، ما يشغلها ليس أصل القصة بل ما يمكن أن تصبح عليه.وخلال عدة جلسات، تطورت القصة إلى عرض أدائى، تضمن العرائس، والغناء، والرسوم المتحركة. ومن هناك، استلهم أحد الوافدين من جامبيا روح القصة وصاغ عملًا جديدًا تمامًا بعنوان «واحد لى وواحد لك»، وهو عرض فكاهى موسيقى بتوجه مختلف، وعبر هذا التحول، رأت «وارنر» قوة الحكاية أو القصة على التجدد والتكيف، لا كمجرد خيال، بل كأداة للنجاة.ومن نافلة القول أننا فى زمن أصبحت فيه الحقيقة موضع شك، والوقائع «أمرًا اختياريًا» يئول البت فيه لوجهات النظر المختلفة، إلا أن «وارنر» أوضحت عبر صفحات الكتاب أن النظرة السلبية للمهاجربن غير حقيقية؛ فهم يُصورون باعتبارهم «جحافل»، أو «حشرات»، أو «متسولين»، أو حتى «مجرمين»، والخرائط التى تحدد من أين أتوا وإلى أين يجب أن يذهبوا هى خرائط سياسية استعمارية، تعيد تشكيل الحدود دون اعتبار للهوية الثقافية أو اللغوية أو العرقية.ورأت «وارنر» أيضًا أن للخيال دورًا آخر أكثر خصوصية؛ فخلال رحلة لجوئهم، يُطلب من الوافدين سرد قصصهم الشخصية أمام السلطات، لكن بطريقة واحدة محددة؛ ألا وهى أن تكون التواريخ دقيقة، والأحداث منطقية، والدوافع نبيلة ومحصورة فى الهروب من القمع، لا الطموح لحياة أفضل. وأى تغيير فى الرواية الأصلية يعرضهم لخطر الترحيل. وبهذا، كما أشارت «وارنر»، يُجبر هؤلاء الأشخاص على التماهى مع نسخة واحدة وثابتة من ذواتهم، لا تعكس تطورهم أو تحولاتهم الداخلية. وهنا، يصبح تأليف القصص وسردها وسيلة أساسية للبقاء، نفسيًا ومعنويًا، وليس فقط جسديًا.وفى النهاية، لا يسعنا سوى القول إن المؤلفة قدمت كتابًا استثنائيًا يعيد تعريف مفهوم «الملاذ» أو «الملجأ» بوصفه مساحة تُبنى بالخيال والسرد، لا بالحجارة والجدران، وهى تدعو من خلاله إلى النظر فى القوة الكامنة للحكاية الشعبية بوصفها أداة للمقاومة، والتعافى، وبناء علاقات إنسانية تتجاوز الانقسام والخوف.


الدستور
منذ 8 ساعات
- الدستور
"بيرل باك".. تفاصيل أكثر عن أول سيدة أمريكية تفوز بنوبل
كانت بيرل باك أول سيدة أمريكية تحصل على جائزة نوبل عام 1938، ولم يكن أحد يصدق أنها ستفوز بجائزة مثل جائزة نوبل، وفي تقرير نشرته مجلة الثقافة جاء فيه. بيرل باك "لقد أنهت بيرل باك دراستها أخيرا، وبعد أن درست علم النفس مدة سنة واحدة في إحدى كليات أمريكا عادت إلى الصين مرة ثانية، ومن جديد أحست بأنها غريبة لقد تزوجت رفيقاتها وكان والدها يرغب في أن يزوجها هي أيضا فاختار لها زوجا صينيا، غير أن أمها مانعت في هذا الزواج. كانت بيرل أثناء ذلك تود الكتابة، لكنها كانت تحس أنها ليست أهلا لذلك، وقد كتبت فيما بعد قائلة: 'كنت أعرف في أعماق نفسي أنني سأصبح كاتبة، لكنني لم أكن أهلًا لذلك. إنني أو من بأن الكاتب لا يجب أن يعالج الرواية قبل أن يبلغ الثلاثين، وتعركه الحياة بتجاربها'. جائزة نوبل ومرت عليها ثلاث سنوات في الصين وفجأة لاح في أفق حياتها "جون لوسينع باك" الذي أرسلته الإرسالية لتعليم الزراعة، والتقى الشابان وتحابا وتزوجا عام ۱۹۱۷ ثم انتقلا إلى الشمال حيث عملا بين الفلاحين والمزارعين. وقد جرت حوادث روايتها الأرض الطيبة في تلك الأمكنة. عاد الزوجان بعد خمس سنوات إلى "نانكين"، حيث أصبح جون أستاذ الزراعة في جامعتها، وفي نانكين رزقا ابنتهما الوحيدة وفي نفس العام الذي ولدت فيه ابنتها توفيت أم بيرل، حينها أحست بيرل بالحزن على أمها، فجلست إلى طاولتها وكتبت صورة عن أمها دعتها "المنفية" ليتعرف أولادها على جدتهم وحياتها وشخصيتها بعد أن حرموا من رؤيتها وما أن أنهت بيرل قصة حياة أمها حتى أحست في نفسها الرغبة في متابعة الكتابة، وكتبت القصص والمقالات التي نشرتها في المجلات الأميركية الشهيرة. كانت "بيرل باك" طوال ذلك الوقت تعطي الدروس في الجامعة، وكانت سعيدة في عملها فيها كسعادتها في الكتابة، لكنها كانت تعيسة في أعماقها، فابنتها تختلف عن غيرها إن عقلها لا ينمو مع جسمها فحملتها إلى أميركا وعرضتها على الاختصاصيين، فنصحها هؤلاء بإدخالها في المدارس المعدة لأمثالها ورفضت بيرل الانفصال عن ابنتها فحملتها وعادت بها إلى الصين، بعد أن تبنت ابنة أخرى لكنها رأت أخيرًا أنه من الأفضل إعادتها إلى أميركا لإدخالها إحدى المؤسسات الخاصة بالعناية بأمثال هؤلاء الأطفال، كي تتفرغ أكثر للكتابة. رواية الأرض الطيبة حين علمت أن الناشر جون داي قد قبل نشر روايتها ريح الشرق وريح الغرب" بدأت بكتابة روايتها الأرض الطيبة، واتخذت لنفسها برنامجًا يوميًا تكتب فيه أربع أو خمس ساعات صباح كل يوم، ولما انتهت من روايتها الثانية أرسلتها إلى الناشر، وهكذا أصبحت خلال عام واحد من الاديبات الشهيرات في العالم. وبينما كان النقاد يتحدثون عن روايتيها بإعجاب والقراء يتهافتون على قراءتهما، وتعيد دور النشر طباعتهما مرة تلو الأخرى كانت هى عاكفة فى مدينة نانكين على كتابة روايتها الثالثة، كانت في الصباح تلقي الدروس في الجامعة، وبعد الظهر تقوم بترجمة قصة عن الصينية عنوانها "كل الرجال إخوة" نشرتها عام ١٩٣٣. كانت تكتب الساعات الطويلة وبسرعة فائقة، وقبل أن تصل روايتها "الأرض الطيبة" إلى الناشر بدأت بكتابة روايتها الرابعة وكانت تقول: "إنني من الناس الذين لا يشعرون بالسعادة إلا وهم يكتبون القصص جيدة كانت أم رديئة.. إنني بكل أسف من الذين لا يعرفون كيف يعيشون إذا لم يكتبوا".