
مخاطر التبجّح بالانتصار في الشرق الأوسط
الفجوة الزمنية بين النتيجة الفورية وما يترتب عنها من نتائج قد تمتد: عبارة "المهمة أنجزت" قد تتردّد لأيام، أسابيع، أشهر، بل وحتى سنوات. ثم ماذا؟ من المغري أن يُنظر إلى التحوّلات الفورية على أنها الأكثر أهمية. لكن ذلك يبقى صحيحًا فقط إلى أن يحدث الحدث التالي. فالقصة لا تنتهي...
بقلم: حسين آغا و روبرت مالي
بالنسبة لكثيرين خارج الشرق الأوسط، تبدو الحرب الأمريكية والإسرائيلية ضد إيران وكأنها سردية خطّية: جيوش الحليفين الهائلة وأجهزة استخباراتهم مصطفة ضد خصمهم، على وشك الانتصار، حيث يقفان على أعتاب نصر حاسم لا جدال فيه. تُرى هذه المعركة ونتيجتها المتوقعة من خلال عدسة نماذج سابقة مألوفة: ألمانيا الهتلرية سُحقت وهُزمت، وقَبِلت بشروط المنتصر؛ تلتها اليابان. عندما يتحدث مؤيدو هذه الحرب عن استسلام طرف ما وكون الطرف الآخر على "الجانب الصحيح من التاريخ"، فإنهم يعتمدون على مثل هذه المفاهيم الواضحة للتقدم والحسم. فالتاريخ، في نظرهم، يتقدّم بخط مستقيم، ويتّجه سريعًا نحو شواطئ آمنة، وعلى المرء أن يختار الجانب الصحيح أو يُترك تائهًا.
أما بالنسبة لأولئك الذين يعرفون الشرق الأوسط، فإن مثل هذه الأفكار تبدو بلا معنى. إنها هراء.
فالمنطقة لها نماذجها التاريخية المفضّلة. في أوائل السبعينيات، أدّت حملة الأردن لسحق الفدائيين الفلسطينيين إلى بروز منظمة "أيلول الأسود" ومجزرة ميونيخ التي استهدفت الرياضيين الإسرائيليين في الألعاب الأولمبية. غزت إسرائيل جنوب لبنان في عام 1982 ودفعت منظمة التحرير الفلسطينية إلى المنفى في تونس. النتيجة: صعود حزب الله المفعم بالحيوية، وفي وقت لاحق، انتقال الفلسطينيين المنفيين إلى مناطق أقرب إلى إسرائيل، في غزة والضفة الغربية.
في الثمانينيات، ساعد دعم واشنطن للمجاهدين الأفغان على طرد القوات السوفييتية، لكنه أيضًا أدى إلى صعود طالبان وجيل من الجماعات الجهادية، من بينها القاعدة، التي رأت في الأميركيين العدو الأول. بعد انتصار واشنطن في حرب الخليج عام 1990-1991، جعل أسامة بن لادن وأتباعه الولايات المتحدة هدفهم الأساسي. وبعد تنفيذهم لهجمات 11 سبتمبر، غزت إدارة جورج بوش الابن أفغانستان ودحرت طالبان، ثم أطاحت بنظام صدام حسين في العراق. بعد عشرين عامًا، عادت طالبان إلى السلطة. وفي العراق، نشأ تنظيم الدولة الإسلامية من تحت الأنقاض، ولعبت الميليشيات الموالية لإيران دورًا مهيمنًا في البلاد.
عندما اندلعت الثورات في الشرق الأوسط بين عامي 2010 و2011، تبنّى الغربيون "الربيع العربي"، واحتفوا بالناشطين الليبراليين، وهللوا لانتشار الديمقراطية. لكن الظلام سرعان ما حلّ؛ فالتظاهرات السلمية والقيم السامية التي ألهمتها أصبحت ذكريات بعيدة. نظام الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك أفسح المجال في النهاية لطاغية أكثر قسوة. إسقاط حكومة اليمن أفضى إلى هيمنة الحوثيين؛ وسقوط معمر القذافي في ليبيا جلب الفوضى وعدم الاستقرار والعنف. رحل بشار الأسد، لكن مصير سوريا لم يُحسم بعد. التاريخ لا يتقدم، بل ينحرف ويهبط في أكثر الأماكن غير المتوقعة.
قد تنتصر إسرائيل في حربها ضد إيران، تمامًا كما قد تفعل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أو في لبنان، أو سوريا. قد تخرج منتصرة، باعتبارها القوة الإقليمية المهيمنة بلا منازع. قد تظهر إيران كنمر من ورق؛ ويُهزَم شركاؤها من الدول الاخرى أو يُصابوا بالضعف؛ وقد يتحطم برنامجها النووي؛ وجيشها يصبح مجرد ظل لما كان عليه. قد لا تتحقق أحلام إسرائيل في تغيير النظام، لكن الفوضى قد تسود. بالنسبة لكل من رأى في إيران عملاقًا مرعبًا، ورُهب من قدرتها على الردع وجُمّد بفعل تهديداتها، فإن هذه أيام المحاسبة.
وقد يستمر هذا الحال لبعض الوقت. الفجوة الزمنية بين النتيجة الفورية وما يترتب عنها من نتائج قد تمتد: عبارة "المهمة أنجزت" قد تتردّد لأيام، أسابيع، أشهر، بل وحتى سنوات. ثم ماذا؟ من المغري أن يُنظر إلى التحوّلات الفورية على أنها الأكثر أهمية. لكن ذلك يبقى صحيحًا فقط إلى أن يحدث الحدث التالي. فالقصة لا تنتهي. القوة تستدعي قوة مضادة. والنجاح يولد ردود أفعال تفضي إلى نقيضه. كلما اقتربت إسرائيل من الانتصار الكامل، كلما اقتربت من حالة من عدم اليقين الكامل، ومن أخطار يطلقها الإذلال المكبوت والغضب والحقد. مثل هذا النصر ليس مكانًا آمنًا.
بالنسبة للإسرائيليين، كان الإغراء بالتحرك لا يُقاوم. لقد انتظروا عقودًا ليتمكنوا من إسقاط أعدائهم، سواء القريبين أو البعيدين، الحقيقيين أو المتخيلين. ومع زوال كل القيود، باتوا يعتقدون أن حدودهم الوحيدة هي قدرتهم على التنفيذ، وهم قادرون على الكثير. لكن على الولايات المتحدة والدول الأوروبية أن تكون أكثر وعيًا. فاليهود لم ينسوا ارتباطهم بالأرض المقدسة بعد ألفي عام من المنفى. والفلسطينيون، واللبنانيون، والإيرانيون، أولئك الذين لا يزالون يتذكرون معركة كربلاء في القرن السابع، التي قادت إلى استشهاد حفيد النبي محمد، الحسين، لن ينسوا ما حلّ بغزة من ويلات، وقصف مدنهم، والمجازر، والعار، واغتيال قادتهم، وخيانة الغرب ونفاقه وخواءه الأخلاقي. ومع ذكريات بهذا العمق وآفاق بهذا البُعد، فإن كثيرًا مما يُرى اليوم على أنه مصيري، سيكون بلا أهمية في المستقبل.
المخاطر القادمة قد لا تكون من النوع المألوف. قد تتطلب إعادة تشكيل "محور المقاومة" الإيراني بدرجة لا تقل عمقًا عمّا أحدثته إسرائيل بالقوة. فعلى مدى السنوات، ومع شعورها بالتمكّن، بنت إيران ترسانة تقليدية، مؤمنة بأنها قادرة على ردع إسرائيل وتحديها في ساحة طالما تفوّقت فيها الدولة العبرية. حزب الله، ثم حماس من بعده، أقاما شبه دول في لبنان وغزة، مع مسؤوليات مدنية مرهقة وجيوش شبه نظامية. ورأى الثلاثة في هذه الإنجازات مؤشرات قوة، وتغاضوا عن مدى هشاشة هذه الإنجازات، وكيف أن الضعف نشأ من مظاهر القوة الظاهرة.
ثمة سبب جعلهم في البداية يعتمدون أساليب أكثر حركة وتخفّيًا تشبه أساليب الجماعات المسلحة. كانت قوتهم تكمن في عدم التماثل. وحين انحرفوا نحو محاولة مجاراة عدوهم، تاهوا عن الطريق وفقدوا زمام الأمور. فانكشفوا. في الأيام والسنوات القادمة، قد يشعرون بالحاجة إلى العودة إلى التكتيكات القديمة. وقد لا يمر وقت طويل قبل أن يلجأ مزيد من الفلسطينيين واللبنانيين والإيرانيين وغيرهم ممن تحركهم قضيتهم -يائسون، فقدوا أصدقاء أو عائلة، يتوقون للانتقام، ولا يرون إلا الظلام أمامهم-، إلى أشكال غير تقليدية من الحروب، بعضها مخطط له بعناية، وبعضها مرتجل، نسخ اليوم الأشد فتكًا والأكثر تطورًا تكنولوجيًا من طائرات وباصات مخطوفة، واحتجاز رهائن، وهجمات انتحارية. شيء جديد، مختلف، أكثر تدميرًا، وفي الوقت ذاته، عودة إلى الماضي. قد تشير إنجازات إسرائيل في الاستخبارات التقنية، والهجمات السيبرانية، وتفجيرات الأجهزة، والاغتيالات الدقيقة، والمجازر الجماعية للمدنيين، وغيرها، إلى أساليب ستُستَخدَم من قِبل الجميع. والمؤشرات بدأت تظهر بالفعل.
يستغرق التاريخ وقتًا ليصل إلى وجهته، ولن يصلها قبل أن يسلك مسارات مضللة عديدة. السنوات المقبلة لن تعكس خططًا منمقة أو وصفات سياسية صارمة. بل ستتشكّل بفعل الغريزة والعاطفة، مستلهمة من رغبات خام متجذّرة في أعماق الذاكرة من أجل جبر التاريخ والانتقام. هذا ليس عالمًا بناه الأمريكيون أو صُمم من أجلهم. سيكونون فيه تائهين.
......................................
* حسين آغا قضى أكثر من 25 عامًا زميلًا أقدم في كلية سانت أنتوني، جامعة أكسفورد، وشارك في المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية لأكثر من ثلاثة عقود.
روبرت مالي مُحاضر في كلية جاكسون للشؤون العالمية بجامعة ييل، وشغل منصب المبعوث الأمريكي الخاص لإيران في إدارة بايدن، ومنسق شؤون الشرق الأوسط في البيت الأبيض في إدارة أوباما.
وهما مؤلفا الكتاب القادم: الغد هو البارحة: الحياة والموت والسعي وراء السلام في إسرائيل وفلسطين.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

القناة الثالثة والعشرون
منذ يوم واحد
- القناة الثالثة والعشرون
لجنة من 11 عضوًا لبحثِ تنفيذ اتفاق نزع السلاح… هل من أيادٍ خفيّة تعبث مجدّدًا في المخيمات الفلسطينية؟
لا، الأمن في المخيمات الفلسطينية في لبنان ليس مستتبًّا ولا حتّى مستقرًا. والكلام عن نزع السلاح الفلسطيني فيها يبدو كحكاية 'إبريق الزيت' في الأساطير. فمنذ وُلدنا ونحن نسمع عن السلاح الفلسطيني وضرورة حصر السلاح في يد الدولة اللبنانية وحدها. تدور الأيام والعقارب. يتقدّم ملف السلاح ويعود ليؤجَّل تحت ألف سبب وسبب، في مقدمتها: ثّمة أولوية أخرى. اليوم، هو موعد آخر اتُفق عليه بين لبنان والسلطة الفلسطينية على سحب السلاح من تلك المخيمات في منتصف حزيران الجاري. فهل لنا أن نسأل في آخر أيام حزيران عن هذا الاتفاق؟ قبل يومَيْن، لَعْلَعَت أصوات الرصاص والآر.بي.جي في أرجاء مخيم شاتيلا بين تجّار المخدرات. مات من مات و… وانتهت الجولة. لكن، ألا يدفعنا هذا الى تكرار السؤال: ماذا عن مصير الاتفاق بين لبنان والسلطة الفلسطينية؟ فلنقصد مخيمات ضاحية بيروت الجنوبية في محاولةٍ لاكتشاف الأرض علّنا نتلمّس أجوبة. كتبت نوال نصر لـ'هنا لبنان': المشهد في مخيمات مار الياس وشاتيلا وبرج البراجنة تقريبًا واحد. لا شيء، لا شيء أبدًا يوحي بأن خطةً أمنيةً رسميةً ما قيد التنفيذ. وفي حين 'يُضبضب' مخيم شاتيلا ندوب الحادث الأخير، يعيش سكان مخيم مار الياس وبرج البراجنة الحياة على وقع قرقعات حرب غزّة الأليمة رافعين شعارات وشعارات من نوع: 'ثورة… ثورة حتى النصر'. أطفالٌ يلعبون 'طاق طاق طاقية رنّ رنّ يا جرس'، ولعبة 'السبع حجار' و'البطل والحراميّة'. هناك، في مخيمات الضاحية الجنوبية يعود التاريخ ستين عامًا الى الوراء. الطموحات الكبيرة تقف عند حدود مقاطعة البضاعة الأميركية وتأمين ربطة الخبز ويصل أقصاها الى الحصول على 'نت' يصلهم بعالمٍ خارجي. هناك، في الضاحية الجنوبية، على طريق المطار، نحو المخيمات، كثير من اليافطات الحسينية العاشورائية معلّقة. وعبارات: 'حرارة في قلوب المؤمنين لن تبرد أبدًا، و'الحسين مني وأنا من الحسين'، و'إيران تحمل راية الحسين وتدافع عن كل مظلومي هذا العالم'… فماذا في قلب مخيم برج البراجنة؟ لا حاجز أمني لبناني يفصل بين مجتمعَيْ الضاحية والمخيّم. ووحده رسم ياسر عرفات على مبنى مطلّ ينبئ بأنّنا ندخل الى حرم المخيّم. أزقّة مكتظّة. وكلما توغلنا أكثر ازدحمت الصورة أكثر. رجُلان غزا الشيب رأسيْهما يحملان عدسة وميكروفون 'فلسطين الآن' يعبران قبلنا الى قلب المخيم. وشباب كثر يتسلّون بأراجيل 'قبل الضوّ'. الدرّاجات النارية كثيرة ولحى تتدلّى بلا شوارب. واللّحى لها دلالات. رجلٌ يحمل كلاشينكوف روسي عند جامع العرفان. وكثير من الصيدليات تبيع الأدوية السورية. نسأل عن فعّاليتها؟ يجيب فلسطيني: 'هناك، في سوريا، يستخدمها 25 مليون إنسان وهم أحياء'. يضحك. فنبتسم على مضض. لكن، كيف تدخل الى لبنان؟ يجيب 'هي تجارة والتجارة شطارة'. بعض الصور للسيد حسن نصر الله على بعض الحيطان. وصور كثيرة لإسماعيل هنية. عناصر 'الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين' يجلسون تحت عبارة 'فلسطين هي العشق وهي الجرح' وفي أيديهم بنادق كلاشينكوف وكأنّ 'العدو' أمامهم. هناك، في المخيّم يعيشون في الخيال. والسلاح الذي بين الأيادي ما عاد قادرًا إلّا على 'الداخل' في أحداثٍ أمنيةٍ تقهر أبناء المخيم أنفسهم. فما لزومه بعد؟ سؤال وجّهناه الى عضو قيادة فتح وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان خالد عبادي انطلاقًا ممّا حدث في اليومين الماضيين في مخيم شاتيلا، فقال: 'لا نعلم لماذا إقحام مخيم شاتيلا في الحادث الأخير. هو جرى في محيط المخيّم من جماعةٍ أتى أفرادها الى الحيّ الغربي والحرش المحيطَيْن بالمخيم. هؤلاء من تجّار المخدرات والقتلى الثلاثة ليسوا جميعًا فلسطينيين، بل لبناني وسوري وفلسطيني. المشكلة بدأت قبل شهرين وتجدّدت في المحيط، عند حدود المخيم، العصي على الأمن اللبناني وعلى الأمن الفلسطيني. هي منطقة حسّاسة من 'زمان وجاي'. أمّا بالنسبة الى السلاح الفلسطيني فاليوم (البارحة) تصل لجنة من رام الله لترتيب الموضوع الذي اتُفق عليه بين الرئيس جوزاف عون وأبو مازن'. ويستطرد: 'ليس خفيًا وجود أيادٍ تتحرّك خلسةً اليوم في إطار المؤامرة لتحريك المخيّمات لكن، نحن، كمنظمة تحرير سنتابع من اليوم موضوع السلاح في المخيّمات من خلال لجنةٍ تضم كل المؤسّسات الفلسطينية. نحن نبذل جهدنا كي لا نكون عقبةً وسنواجه من يحاول زجّنا في الموضوع الداخلي، عبر الدخول من الخاصرة الرّخوة، من مخيّم شاتيلا بالتحديد، حيث يكثر تجار المخدرات، الذين لديهم ارتباطات خارجية ويتبعون 'روس كبيرة'. نحن رفعنا عن هؤلاء الغطاء من زمان. وبتقديري لن نواجه مشكلة مع الفصائل الفلسطينية في موضوع نزع السلاح، بل مع الإرهابيين الإسلاميين في مخيّم عين الحلوة بالتحديد'. لن تحدث، برأي مسؤول فتح، مشاكل في حال طُبّقَ اتفاق نزع السلاح في المخيمات في بيروت 'والسلاح الموجود لا يتعدّى السلاح الفردي'. لكن، ما سمعناه في محيط مخيّم شاتيلا ليس مجرّد مسدس وكلاشينكوف؟ يجيب: 'الآر.بي.جي باتت تعتبر هي أيضًا، في التصنيف الحالي، سلاحًا فرديًا. هي صوت أكثر مما هي فعّالية'. الجديد أن لجنةً فلسطينيةً وصلت البارحة الى لبنان لتبدأ تطبيق الاتفاق. ممتاز. فلنأمل خيرًا. لكن، ليست هذه المرة الأولى التي تصل فيها 'لقمة' نزع السلاح الى التنفيذ وتؤجّل. وهنا، نسمع جيدًا أصداء الشارع الفلسطيني 'الخوف، خوفنا، من لبنانيين يحاولون تكوين تنظيم متطرّف، من قلب المخيمات هذه المرة، كما حصل مع داعش'. نعم، هناك من سيظلّ يلعب بالورقة الفلسطينية حتّى النهاية. نعود لنجول في مخيم مار الياس. هنا، عند المدخل، تستقبلنا عبارة: 'جميل أن يكون لك قلب أنت صاحبه، والأجمل أن يكون لك وطن أنت قلبه'. ديوك المخيم تسرح وراء الدجاجات. وباعة الخضار على الجانبين. وخرير مياهٍ خافتةٍ من قساطل مهترئة. المشهد تقريبًا نفسه. أزقّة وأحلام بسيطة. واللهجة السورية تكاد تطغى. النازحون السوريون يشغلون حيّزًا كبيرًا من المخيم الفلسطيني. و'ما عاد أهل المخيم الأصليين يعرفون ما يُحاك وراء كل الأبواب'. الفلسطينيون، مَن يحلمون بفلسطين، لديهم قناعة بضرورة ألّا تكون المخيمات بؤر توتر، ولديهم، في الموازاة، شبه يقين بأنّ أي فتنة جديدة أو حادثة أمنية لن تكون أدواتها فلسطينية. فالكلّ يغمز من 'خواصر رخوة' قد يستخدمها من يرى نفسه 'محشورًا'، من خلال أدواته الخفية. لا أحد يريد الدخول في التفاصيل 'لكن الدولة اللبنانية لا بُدّ أنها تعرف هذا'. والأمل، كل الأمل، لدى فلسطينيي مخيمات الضاحية الجنوبية ألا يكونوا هذه المرة أيضًا 'كبش محرقة'. بربّكم، كم مرّة ومرّة قيل لنا: تمّ الاتفاق على نزع السلاح الفلسطيني؟ ألا تتذكّرون عام 2006 يوم اتفق اللبنانيون، الجالسون تحت قبّة البرلمان، على ذلك؟ يومها أعطيت مهلة زمنية مدّتها ستة أشهر لكنها أرجئت 'الى أجلٍ يُعلن في حينه' بسبب حرب تموز. اليوم، أرجئ الاتفاق -الشبيه- من منتصف حزيران الى 'أجلٍ' بسبب الحرب الإيرانية – الإسرائيلية. غزّة تحترق. والشعارات في المخيمات بالكاد تذكر 'الحريق' منهمكةً بشعاراتٍ قديمةٍ من نوع: 'راجعون'، و'القدس لنا'. السلاح الفلسطيني لطالما قيل 'هو إضافة نوعية الى سلاح المقاومة في لبنان'. اليوم، سلاح المقاومة مطلوب تسليمه. فهل يكون السلاح الفلسطيني مظلّة سلاح المقاومة؟ هل اقترب أوان تسليم سلاح المخيمات الفلسطينية بالفعل لا بمجرد القول؟ وهل الأيادي الخفية ستسمح بذلك؟ لننتظر… ونرى. انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

القناة الثالثة والعشرون
منذ يوم واحد
- القناة الثالثة والعشرون
نتنياهو ينصّب نفسه شرطيّاً للنّوويّ؟
خرج كلّ المتحاربين منتصرين في حرب الأيّام الـ12. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو احتفل بـ'الانتصار التاريخي' على إيران وبدأ يعدّ العدّة لإجراء انتخابات مبكرة قبل نهاية العام الجاري، مستغلّاً 'انتصاره' لتعزيز موقعه السياسي، وترميم مكانة حزب الليكود في المشهد السياسي الإسرائيلي. احتفلت إيران أيضاً بـ'إجبار' إسرائيل على القبول بوقف النار، الأمر الذي اعتبره رئيسها مسعود بزشكيان 'نصراً عظيماً للأمّة الإيرانية'. من جهته، هنّأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه على الإنجاز الكبير بـ'إنقاذ الشرق الأوسط' من حرب مدمّرة كانت ستستمرّ سنوات. بالنسبة إلى إسرائيل، حقّقت أكثر ممّا توقّعت، إذ تمكّنت من إشراك طائرات الشبح الأميركية 'ف 35' والقنابل العملاقة، في معركتها المصيرية ضدّ مفاعلات 'فوردو'، وتمكّنت على الأقلّ، بمساعدة الأميركيين، من تأخير البرنامج الإيراني فترة من الزمن. وتباهت بأنّها تسبّبت بانتكاسة لمشروع الصواريخ البالستية الذي كان بمقدوره أن ينتج آلاف الصواريخ خلال سنوات قليلة، وبينها صواريخ ذات قدرات نوويّة. إلى ذلك أجهزت على أركان القيادة العسكرية، واغتالت علماء نوويّين بارزين ولو تجاوزوا سنّ التقاعد. وتعتقد أنّها زعزعت ثقة النظام بنفسه، ووضعته تحت طائلة السقوط، وفتحت مجالاً لمقاتلاتها في عمق الأجواء الإيرانية بعد تدمير الدفاعات الجوّية. أمّا إيران فتقول إنّها تصدّت للهجوم الإسرائيلي – الأميركي المشترك ومنعته من تحقيق أهدافه. وحقّقت انتصارها ببقاء النظام وتماسكه والاحتفاظ بكمّية كبيرة من اليورانيوم المخصّب بدرجة 60 في المئة، وواصلت استهداف المدن الإسرائيلية، وألحقت أضراراً جسيمة بالبنى التحتية والممتلكات، وقتلت 28 إسرائيلياً وأثبتت قدرة كبيرة على الإيذاء حتّى لو تضرّرت منصّات إطلاق الصواريخ. فهذا نصر بالنسبة إليها. حافظت على الردع وتجنّبت عدواناً أميركيّاً أكبر وأقسى تجلّى في إخراج مسرحيّ رديء لقصف قاعدة العديد في قطر، الذي نالت على أثره تهنئة ترامب وشكره وإعلان وقف النار. لا مصلحة للطّرفين بحرب استنزاف طويلة لم تكن إطالة أمد الحرب وتحويلها إلى حرب استنزاف في مصلحة إيران ولا في مصلحة إسرائيل. بالنسبة إلى تل أبيب تحقّقت الأهداف العسكرية المُعلنة، ولا سيّما بعد ضرب منشأة 'فوردو' التي من شأن تعطيلها أو إلحاق الضرر فيها أن يعطّل البرنامج النووي لسنوات عدّة. وتدرك أنّ أيّ حرب استنزاف قد يكلّفها ثمناً باهظاً ومن دون نتائج حاسمة، لا سيّما أنّ إسقاط النظام الإيراني من بعيد ليس هدفاً واقعيّاً وسهل التنفيذ. بالنسبة إلى إيران، فإنّ الظروف المحيطة بها تحتّم عليها القبول السريع بوقف النار، فهي تعاني من حصار طويل ومرهق، ومعزولة بلا حلفاء حقيقيّين قادرين على دعمها. صار موقعها الجيوسياسي أكثر ضعفاً بعد سقوط النظام السوري، أقوى حليف إقليميّ لها، وبعد النكسات التي ألمّت بمحورها وفي مقدَّمه 'الحزب'. حتّى حليفتها الأقرب روسيا اكتفت بدعمها لفظيّاً ببيانات الدعم والاستنكار. صبّت موسكو اهتمامها الأساسي على صمودها في أوكرانيا بدلاً من الانخراط في صراعات إضافية. حافظت على التوازن الدقيق في علاقتها مع كلّ من تل أبيب وطهران، وتحاشت إغضاب ترامب الذي يتجنّب استفزازها في أوكرانيا. وتركت إيران وحيدة بلا سند ولا دعم ولا غطاء جوّيّ. طهران تجنّبت مصير صدّام في 1990 قبلت طهران بلا تردّد طلب ترامب وقف النار، تجنّباً لمصير صدّام حسين في حرب الخليج عام 1991. حينذاك جرّدت واشنطن الرئيس العراقي من قدراته العسكرية وأنهكت جيشه وحاصرته وحاصرت العراق كلّه وفكّكته داخليّاً وصولاً إلى إسقاطه بالغزو عام 2003. صحيح أنّ الغارات الإسرائيلية أنزلت خسائر هائلة في البنية العسكرية الإيرانية والقيادة، لكنّ الوحدات القتالية وقوّات الحرس الثوري ظلّت متماسكة ولم تتشتّت كما حصل في الحالة العراقية. ولم تتضرّر كثيراً منشآتها النفطية والاقتصادية التي يعني استهدافها تشديد الخناق على النظام داخليّاً وصولاً إلى إسقاطه. لا تزال قادرة على إعادة بناء وترميم المشروع النووي، ما دام أهمّ عناصر المشروع النووي بقيت على حالها من دون المساس بها، وهي المعرفة النوويّة وآلاف العلماء والمهندسين والفنّيّين النوويّين الإيرانيين، إضافةً إلى بقاء حوالي نصف طنّ من اليورانيوم المُخصّب بنسبة 60 في المئة، وهي تكفي لصناعة أكثر من 10 قنابل نووية. ونجت آلاف أجهزة الطرد المركزي الحديثة ولم تتضرّر. هكذا لم يكن من الصعب على الرئيس الأميركي التوصّل إلى اتّفاق لوقف النار، حتّى من دون مفاوضات بين إيران وإسرائيل، فكلتاهما يريدانه بأسرع وقت. لكن هل تكفي التمنّيات والخطب والمكالمات الهاتفية وحدها لإنهاء الحرب، وللحدّ من التنافس بين خصمين ينتظر كلّ منهما الفرصة للإجهاز على الآخر وشطبه من معادلة إقليمية شديدة التعقيد؟ هل من اتّفاق نوويّ جديد قيد الإعلان؟ هل ثمّة وعد إيراني بالتخلّي عن الحلم النوويّ والمشروع البالستيّ ووقف التخصيب على الأراضي الإيرانية؟ ما مصير كمّيات اليورانيوم المخصّب التي أُخرجت على الأرجح من 'فوردو' قبل الغارات الأميركية؟ هل تبقى في إيران أم تُنقل إلى خارجها؟ وهل من آليّة دوليّة للرقابة متّفق عليها مسبقاً للتعامل مع معضلة التخصيب والمسألة النووية الإيرانية؟ هل ينصّب نتنياهو نفسه شرطيّاً للنّوويّ؟ قرار وقف النار وحده من دون اتّفاق واضح ومن دون شروط والتزامات دوليّة موقعّة، قد يبرّر لإسرائيل إعطاء نفسها الحقّ في إطلاق حرّية عملها العسكري والتدخّل في إيران بالإغارة 'الاستباقية' على مواقع 'تشتبه' في أنّ فيها نشاطات نوويّة أو صاروخيّة يتعيّن شلّها في مهدها، على غرار ما تفعله الآن في لبنان وسوريا، أو إذا ما 'استشعرت' أنّ طهران تعاود مدّ 'الحزب' و'حماس' و'الجهاد' و'أنصار الله' بالمال أو السلاح. بعد 12 يوماً من الإغارات المتواصلة والهجمات المكثّفة في العمق الإيراني واستباحة أجواء إيران ودول الجوار، كسرت إسرائيل كلّ الحواجز والخطوط الحمر. وتبيّن أنّ أثمان الردّ العسكري محدودة والكلفة البشرية مقدور عليها، والاحتجاجات الدولية باهتة وغير فعّالة. فهل تُنصّب إسرائيل نفسها شرطيّاً للمشروعين النووي والصاروخي الإيرانيَّين وتعمد إلى القوّة لمنع ترميمهما وإعادة تفعيلهما برضى ضمنيّ أميركيّ وغضّ نظر دوليّ بعدما بات المجتمع الدولي شاهد زور على الهمجيّة الإسرائيلية؟ في حال عاد الطرفان الأميركي والإيراني إلى المفاوضات، هل يكافىء ترامب نتنياهو على المهمّة القذرة التي تولّتها إسرائيل نيابة عن الولايات المتّحدة، بجعلها شريكاً ضمنيّاً من تحت الطاولة لصوغ اتّفاق جديد يراعي المقاسات والتمنّيات والمصالح الإسرائيلية؟ أم معادلة 'الكلّ رابح' ستفرض اتّفاقاً يراعي مصالح الأميركي أوّلاً ولا يكسر أيّاً من الجانبين؟ في المقابل بدت إيران جنديّاً ملتزماً قواعد اللعبة العسكرية، فتجنّبت المغامرات القاتلة. لمّحت إلى أوراق قوّتها في مضيق هرمز، لكنّها لم تنشر الألغام البحريّة فيه ولم تتعرّض لناقلات النفط والسفن الحربية التي كانت بمتناول نيرانها في الخليج وبحر العرب. لم تفعّل خلاياها النائمة بعمليّات انتحارية على غرار تدمير مقرّ المارينز في بيروت عام 1983 وتفجير الجمعية الخيرية اليهودية في بوينس أيرس عام 1994. فهل تفعلها وتزيد إذا ما شعرت أنّ نظامها في خطر وأنّ الأميركي والإسرائيلي تماديا في خنقها وإذلالها؟ أثبتت حرب الـ12 يوماً بجدارة أنّ إسرائيل على الرغم من قدراتها العسكرية والاستخباريّة الجبّارة، لا تستطيع إنجاز مهمّة من دون تدخّل أميركي، وأنّ إيران على الرغم من وهنها الظاهر ليست سهلةً هزيمتُها ولا تلعب كلّ أوراقها مرّة واحدة ولا يجوز الاستهانة بها، وأنّ أميركا تبقى القوّة الحاسمة في العالم، لكنّها لا ترى إلّا بعين واحدة، وأنّ منطقة الشرق الأوسط ولّادة حروب من نوع خاصّ، لا الهزائم فيها خالصة ولا الانتصارات. - أمين قمورية - اساس ميديا انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News


سيدر نيوز
منذ 3 أيام
- سيدر نيوز
قاآني يظهر في طهران بعد شائعات اغتياله، فمن هو الرجل الذي يقود 'فيلق القدس'؟
ظهر قائد 'فيلق القدس' التابع للحرس الثوري الإيراني، العميد إسماعيل قاآني، في مقاطع فيديو نشرتها وسائل إعلام إيرانية، تظهر احتفالات وسط العاصمة طهران، وذلك بعد 12 يوماً من تقارير زعمت اغتياله في هجمات إسرائيلية. وبحسب مقطع فيديو نشرته وكالة أنباء فارس على حسابها على تلغرام، فإن قاآني ظهر وسط حشود من المحتفلين في فعاليات 'النصر' بطهران، عقب وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، متجولاً في الساحة برفقة حراسه، وهو يتحدث إلى المواطنين ويرتدي ملابس مدنية وقبعة سوداء. وتداولت حسابات عديدة على منصات التواصل الاجتماعي الفيديو، بينما شكّكت أخرى بصحته. ويُعد هذا الظهور الثاني من نوعه خلال عام، بعد شائعات سابقة تحدثت عن اغتياله في ضربات إسرائيلية على لبنان. ولم تُحدد التقارير مكان وجود قاآني خلال الأيام الأولى من الحرب، أو ما إذا كان متوارياً عن الأنظار. وكانت وسائل إعلام إسرائيلية قد نقلت عن صحيفة نيويورك تايمز تقريراً أفاد بمقتل اللواء إسماعيل قاآني في الهجمات التي شنتها إسرائيل على إيران في 13 حزيران/يونيو الجاري، والتي أودت بحياة عدد من كبار قادة الحرس الثوري، من بينهم قائده العام اللواء حسين سلامي. وكان المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي، قد عيّن قاآني قائداً لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في يناير/كانون الثاني 2020، في أعقاب مقتل الفريق قاسم سليماني في ضربة جوية أمريكية في بغداد. ووصف خامنئي في برقية تعيينه العميد قاآني بأنه من أبرز قادة الحرس الثوري في 'مرحلة الدفاع المقدس' (التعبير الذي يستخدمه الإيرانيون لوصف حرب السنوات الثمانية مع العراق في الثمانينيات). وبأنه كان دائماً إلى جانب سليماني في المنطقة. من هو إسماعيل قاآني؟ Reuters تولى إسماعيل قاآني قيادة فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في 3 يناير/كانون الثاني 2020. جاء تعيينه بعد مقتل سلفه، اللواء قاسم سليماني، في غارة جوية على مطار بغداد، أمر بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وُلِد قاآني عام 1957 في مدينة مشهد، وانضم إلى الحرس الثوري الإيراني عام 1980، وشارك في الحرب الإيرانية العراقية. خلال تلك الفترة، تعرَّف على سليماني وكوَّن صداقة وثيقة معه. عمل قاآني نائباً لسليماني منذ التسعينيات وحتى وفاة الأخير في عام 2020. كقائد مساعد لفيلق القدس، كانت مسؤولياته تتركز على مناطق مثل أفغانستان وباكستان وآسيا الوسطى، ومن المعروف أنه ساهم في دعم التحالف الشمالي ضد طالبان في أفغانستان خلال التسعينيات. في عام 2012، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات عليه لدوره في الإشراف على المساعدات المالية وشحنات الأسلحة لعناصر فيلق القدس في الشرق الأوسط وأفريقيا، وخاصة في غامبيا. وتُشير وسائل الإعلام الإيرانية إلى قاآني بلقب 'جنرال المشرق'. قاآني شارك في الحرب السورية بصفة مستشار عسكري، ووصفته وسائل إعلام إيرانية بأنه الرجل الصلب، وصاحب الخبرة الكافية بالتعامل مع جبهات القتال المختلفة. ووصف قاآني الحرب في سوريا بأنها قضية وجود بالنسبة لإيران، وكان أول من كشف امتلاك جماعة أنصار الله في اليمن لصواريخ يبلغ مداها أكثر من 400 كلم. وظلّ يؤكد في تصريحاته التزامه بخط المرشد الإيراني، قائلاً: 'نحن ما زلنا متمسكين بالطريق الذي رسمته لنا وحافظ عليه الإمام آية الله على خامنئي بعزة واقتدار، وسنمضي في هذا الطريق حتى ظهور الإمام المهدي، وسندافع عن جميع الشعوب المضطهدة في أقصى نقاط العالم'. تصريحات مثيرة للجدل عُرف قاآني بأنه رجل قليل الكلام، لكن ذلك تغيّر في 3 يناير/كانون الثاني 2020، عندما حلّ محل اللواء قاسم سليماني بحكم الأمر الواقع. ألقى قاآني أول خطاب رئيسي له بصفته رئيساً لفيلق القدس في 14 يوليو/تموز 2020، بعد حوالي ستة أشهر من اغتيال سليماني. وتوعّد الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفاءهما بالثأر لاغتيال سلفه. وفي أبريل/نيسان 2024، في سياق حرب غزة، خرج قاآني بعد استهداف قادة إيرانيين في دمشق في هجوم على مبنى القنصلية الإيرانية هناك بتصريحات غاضبة. كما هاجم المملكة العربية السعودية في خطاباته، ومن سمّاهم بـ'المنافقين'. وفي كلمته أمام البرلمان الإيراني في 7 سبتمبر/أيلول 2021، حثّ قاآني البرلمانيين الإيرانيين على مدّ يد الصداقة إلى طالبان، خصم إيران القديم، وذلك في أعقاب استيلاء الحركة المتشددة الجهادية على حكم أفغانستان من جديد بعد رحيل القوات الأمريكية. ورأى قاآني أن الولايات المتحدة هي التي 'خطّطت' لخلق 'انقسامات بين الشيعة والسُنّة'، وأن أفضل طريقة لتحييد 'المؤامرة' هي مدّ يد الصداقة إلى طالبان. كما أشاد علناً في إحدى كلماته بالمرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني، الذي يُعتبر من أكثر المرجعيات الشيعية نفوذاً في العراق والعالم، رغم خلافه المرحلي مع إيران. وفيما يتعلق بالشأن الداخلي، بدت تصريحات قاآني أقلّ حذراً مقارنة بسلفه سليماني. فقد انتقد في خطاب ألقاه في مايو/أيار 2022 الإصلاحيين الإيرانيين، وخاصةً أنصار الرئيس السابق محمد خاتمي، واعتبر أنهم 'قوم لا علاقة لهم بالثورة الإيرانية'، بينما كانت كلمات سليماني محسوبة باستمرار عند التعامل مع الأطياف والمشارب السياسية المختلفة، كما كان حريصاً على عدم نبذ أيّ منها ودرء الانقسام والفتنة حيال قضايا الهوية القومية. وفي تصريح أكثر إثارةً للجدل في 21 ديسمبر/كانون الأول 2022، عقب الاحتجاجات التي شهدتها البلاد ضدّ الحجاب الإلزامي، قال قاآني: 'لن ترى امرأةً عفيفةً في شمال طهران لا تضع حجابها'. وكان هذا التصريح مناقضاً تماماً لقول سليماني الشهير: 'حتى الفتاة التي لا ترتدي الحجاب بشكل مناسب هي ابنتي'. وأدرك قاآني خطأه، فصحّح المسار في 5 يناير/كانون الثاني 2023، قائلاً: 'حتى من لا يرتدين الحجاب بالشكل المناسب قد يكنّ من الجمهور الشيعي المخلص'.