
تقارب أنقرة وشرق ليبيا يُعيد «مذكرة التفاهم البحرية» إلى الواجهة
ووفقاً لرؤية العديد من الأصوات السياسية، فإن التقارب الملحوظ بين القوى العسكرية والسياسية في شرق ليبيا وأنقرة خلال الفترة الأخيرة يقف وراء إعادة إخراج تلك الاتفاقية من الأدراج، ومطالبة الحكومة المكلّفة من البرلمان برئاسة أسامة حمّاد بضرورة تشكيل لجنة فنية لدراستها.
أقرّ عضو مجلس النواب الليبي، عصام الجيهاني، بأن مجلسه يواصل دراسة المذكرة التي وُقّعت بين حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج وأنقرة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، بالتفصيل؛ وإن كانت في المجمل تصبّ في تعزيز مصالح البلدين الاستراتيجية.
وتحدّث الجيهاني لـ«الشرق الأوسط» عن «احتمالية المطالبة بتعديل بعض بنود المذكرة، التي يرى أنها لا تراعي المصالح الليبية بدرجة كافية، أو قد تتعارض مع الحقوق المشروعة لدول الجوار الشقيقة».
وتأتي هذه التطورات في وقت تتصاعد فيه أهمية منطقة «شرق المتوسط»، التي تحتوي –وفقاً لتقارير إدارة معلومات الطاقة الأميركية الصادرة أخيراً– على نحو 57 في المائة من احتياطي النفط العالمي، إلى جانب معدلات متنامية في إنتاج الغاز، ما يجعلها موقعاً للتنافس الدولي.
من جانبه، وفي ظل ما صدر من تصريحات معارضة للمذكرة من بعض دول منطقة شرق المتوسط، يتوقّع عضو مجلس النواب الليبي، حسن الزرقاء، «ألا يتم حسم القرار البرلماني بالمصادقة عليها أو رفضها خلال جلسة واحدة».
وأرجع الزرقاء رفض مجلسه لتلك المذكرة إلى «توقيعها من قبل حكومة لم يمنحها ثقته، مما دفع كثيراً من أعضائه إلى الانصراف عن تقييم بنودها»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «مع تحسّن العلاقات بين الشرق الليبي وأنقرة، تُعرض المذكرة، كما يتوجّب، على السلطة التشريعية المختصة للنظر في إقرارها».
وتعاني ليبيا من الانقسام بين حكومتين: الأولى في الغرب وتتخذ من العاصمة طرابلس مقرًّا لها، والثانية تابعة للبرلمان وتحظى بدعم «الجيش الوطني» بقيادة خليفة حفتر، وتدير الشرق وبعض مدن الجنوب.
وكان «الجيش الوطني» قد شنّ حرباً على العاصمة الليبية في أبريل (نيسان) 2019، توقّفت بعد قرابة 13 شهراً، وتحديداً بعد ستة أشهر من قيام تركيا مطلع عام 2020 بنشر عدد من عناصرها ومرتزقة من الفصائل السورية الموالية لها، لمواجهة قوات «الجيش الوطني»، وذلك نتيجة توقيعها مذكرة أخرى لـ«التعاون العسكري والأمني» مع حكومة «الوفاق».
إلا أنه بعد سنوات قليلة من توقّف القتال، ومرحلة من التعاطي الحصري مع حكومة طرابلس، فتحت أنقرة قنوات التواصل بينها وبين قيادات شرق ليبيا، حيث استقبلت مسؤولين بارزين، كان آخرهم صدام، نجل خليفة حفتر، وشقيقه بلقاسم، مدير «صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا»، الذي وقّع عقود مشاريع تنموية مع شركات تركية.
واستعرض الباحث الأكاديمي في الدراسات الاستراتيجية والسياسية، محمد أمطيريد، جانباً من المكاسب الليبية المتوقّعة لإقرار المذكرة ودخولها حيّز التنفيذ، مثل «توسيع وإضافة مساحات جديدة للمناطق الاقتصادية الخالصة في البحار بما تحويه من ثروات، والأمر ذاته فيما يتعلق بالجرف القاري».
حقل بترول في منطقة راس لانوف الليبية (الشرق الأوسط)
واعتبر أمطيريد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «شراكة ليبيا وترسيم حدودها مع دول إقليمية كبرى مثل تركيا سيُعزّزان موقفها التفاوضي في أي جولة مفاوضات مستقبلية لترسيم حدودها البحرية مع دول أخرى في ذات المنطقة».
ولفت إلى أن المذكرة «لا تتضمّن حقوق البلاد في المسافة المقابلة لجزيرة كريت من الساحل الليبي، والتي تتداخل فيها المياه الاقتصادية الليبية واليونانية، كونها تتركّز بطول (300) كيلومتر فقط من الساحل الشرقي للبلاد، وتحديداً بين قرية البردي شرقاً وأودية درنة غرباً، بمحاذاة الساحل الجنوبي لتركيا».
وفيما يواصل المسؤولون الأتراك الدفاع عن المذكرة، تستمر اليونان في التشكيك بشرعيتها، معتبرة إياها «اعتداءً على مجالها الحيوي وحقوقها السيادية»، حيث وصفها رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس بأنها «غير مقبولة وغير قانونية ولا أساس لها من الصحة».
وحذّرت أصوات سياسية من تراجع مكاسب ليبيا من الاتفاقية بسبب عدم توحّد قرارها في ظل وجود حكومتين متصارعتين على السلطة، إضافة إلى احتمالية عدم امتلاك الشركات الوطنية للمعدات المتطورة في مجالي التنقيب والاستكشاف.
وذهب رئيس «المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الاستراتيجية»، العميد سمير راغب، إلى أن المذكرة تخدم المصالح الليبية على المدى الطويل، ما يجعل البرلمان أمام لحظة مفصلية بين المضيّ قدماً لتأمين تلك المصالح، وبين تحديات الانغماس في نزاعات قانونية بالمنطقة قد تُعيق تنفيذها على أرض الواقع.
وقال راغب لـ«الشرق الأوسط» إن الجانب التركي قد يكون الأكثر استفادة في الوقت الحاضر، لكن ليبيا أيضاً، بإقرار المذكرة، ستُضيف مساحات جديدة لمياهها الاقتصادية في مناطق شرق المتوسط الغنية بالنفط والغاز، منوّهاً إلى أن «الوقت اللازم لبدء استخراج هذه الموارد قد يتزامن مع عملية تدريجية لتسوية الأزمة السياسية والصراع على السلطة».
ووفقاً لرؤية راغب، فإن «المواجهة الحقيقية، حال حدوث أي نزاع دولي حول تنفيذ المذكرة، ستكون بين أنقرة وأثينا»، مشيراً إلى «إمكانية استقطاب أنقرة لدعم واشنطن لمواقفها، خاصة إذا ما حصلت الشركات الأميركية على حصة وازنة في أعمال التنقيب والاستكشاف التركية، مما يُكسب ليبيا دعماً إضافيًّا يتفوّق على دعم الاتحاد الأوروبي لليونان».
وعلى عكس ما يطرحه البعض من وجود موقف مصري قَلِق من مذكرة ترسيم الحدود، يرى راغب أن «موقف القاهرة هو التزام الحياد، في ظل علاقاتها الإيجابية مع الأطراف كافة».
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربية
منذ ساعة واحدة
- العربية
العراق يخطط لزيادة المساحات الزراعية بعد إطلاق المياه من تركيا
أكدت وزارة الزراعة العراقية أن زيادة الإطلاقات المائية من الجانب التركي تتيح إضافة مساحات زراعية أكثر في البلاد. وقال المتحدث باسم وزارة الزراعة، مهدي سهر، إن "وزارة الزراعة أعدت الخطة الصيفية بناءً على المعطيات المتوفرة عند وزارة الموارد المائية"، لافتًا إلى أن "المخزون المائي المتوفر كان متدنيًا وقت إعداد خطة الاستزراع الصيفي، وأيضًا كان موسمًا جافًا خلال هذه السنة". وأضاف أنه "بناءً على تدني المخزون المائي فقد تم الاعتماد على زراعة محاصيل الخضرة الصيفية، وعلى طرق الري الحديثة بالتنقيط"، وفق وكالة الأنباء العراقية "واع". وأشار إلى أنه "بعد ورود معلومات بزيادة إطلاقات الماء من قبل الجانب التركي فنحن ننتظر وصول هذه الإطلاقات وزيادة المخزون المائي المتوفر لدى وزارة الموارد المائية لإمكانية إضافة مساحات مخصصة لزراعة محاصيل الخضرة الصيفية والعلفية لاستثمارها لدعم القطاع الزراعي ودعم إنتاج الثروة الحيوانية". ووافق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على طلب العراق بزيادة معدل إطلاق المياه إلى 420 مترًا مكعبًا في الثانية لحل أزمة الجفاف في البلاد. ووقعت الحكومة العراقية اتفاقًا استراتيجيًا مع تركيا بشأن إدارة المياه، باعتبار أن 90% من مصادر المياه في العراق تعتمد على الجانب التركي.


الشرق الأوسط
منذ 7 ساعات
- الشرق الأوسط
تركيا لا تمانع انضمام سوريا لـ«الاتفاقيات الإبراهيمية»
أكد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، دعمه لكل ما من شأنه تأمين مستقبل مزدهر لسوريا، بما في ذلك طلب الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، انضمامها إلى «اتفاقيات إبراهيم» مع إسرائيل. وعند سؤاله خلال تصريحات لصحافيين رافقوه في طريق عودته من أذربيجان، أمس، عن تقييمه للتطورات في سوريا في ضوء قرار ترمب رفع العقوبات عنها، وطلبه انضمامها إلى «اتفاقيات إبراهيم» للسلام، وإجراء محادثات أمنية تمهيدية بين سوريا وإسرائيل، وما يعنيه ذلك لتركيا، أجاب إردوغان: «تركيا تدعم جميع التطورات التي تدعم مستقبل سوريا المزدهر وتعزز السلام والهدوء». من ناحية ثانية، أعادت بريطانيا علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا بالتزامن مع وجود وزير خارجيتها، ديفيد لامي، في دمشق؛ حيث أجرى محادثات مع الرئيس أحمد الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني، تناولت سبل تعزيز التعاون بين البلدين.


الشرق الأوسط
منذ 12 ساعات
- الشرق الأوسط
المحذوف من المشهد الليبي
أصعب اللحظات على الأمم أن يهجرها الاستقرار، وأقسى الآلام عليها أن تكون لها حدود وأرض وشعب، وتفقد ذاتها بتوقيت الغدر. قطار ليبيا غادر محطة الدولة بمفهومها الشامل قبل أربعة عشر عاماً، وطالت سنوات البحث عن محطة الوصول. ليبيا، التي كتب عنها الفيلسوف العربي الكبير عبد الرحمن بدوي، وصال وجال في تاريخها الممتد آلاف السنين، تجد نفسها ممزقة الخرائط، يطل عليها طامعون وطامحون، تتقاذفها أحلام تركيا، وروسيا، وتنظر من نوافذها إيطاليا، وأميركا، وفرنسا. هذا الشعب الذي عرف الفلسفة منذ الإغريق والرومان، كأنه أصبح في مهب الريح من دون خيمة تحميه أو سفينة تبحر به إلى شاطئ الأمان. كثير من الناس لا يعرفون حضارة هذا الشعب الذي يمتد إلى آلاف السنين، وعليهم أن يقرأوا آثار «قورينا»، وفلاسفة العصر الإغريقي، وقياصرة العصر الروماني، وصولاً إلى الدور العربي الإسلامي الذي غطى شاطئ المتوسط في لحظات امتداد المنارة العربية الكبرى. في تلك اللحظات يجد الليبي نفسه مشتتاً بين الشرق والغرب، وبين الشمال والجنوب في أرض واحدة، خائفاً من أخيه، متوجساً من مستقبل غامض، لم يعد يأمن إدارة ظهره لما يجري حوله من أطماع وسباقات وصراعات، صحيح أن قدر ليبيا الجغرافي وضعها في مفترق مسارات عالمية، وصحيح أيضاً أن مأساة التاريخ جعلتها ممراً إلزامياً للغزوات بين الشرق والغرب، لذا كانت بوابة حتمية للأمن القومي للحضارات الشرقية جميعاً. ما يحدث الآن في الخريطة الليبية من سباق للنفوذ، وصراعات على المقدرات، والمصالح الاقتصادية والموارد الطبيعية من نفط وغاز وثروة معدنية، يجعلها أغنى دولة في أفريقيا، لكن سكانها يعانون التشرد، والفاقة، وعدم الأمان. ليبيا لا تستحق كل هذه الألاعيب، فهي دولة عربية غنية بالمكان والمكانة، وقوتها تضاف إلى قوة القارة الأفريقية أولاً، والمنطقة العربية ثانياً، وكذلك في حوض البحر المتوسط المهم، لا سيما أن موقعها حاكم بيننا، نحن العرب الأفارقة، وبين أوروبا، وأي خلل في الدولة الليبية يؤثر سلباً علينا وعلى أوروبا، ورأينا ذلك بوضوح في ملف الهجرة غير الشرعية، عندما أصبحت الدولة الليبية ساحة لعبور المهاجرين غير الشرعيين، وعايشنا ذلك أيضاً في عناقيد جماعات العنف والإرهاب التي وجدت ضالتها في المسرح الليبي الشاسع، وأثرت في الأمن القومي لدول الجوار الليبي، واختطفت مقدرات الدولة من أمن وأمان، بل إنها وضعت جدول أعمالها لبسط نفوذها على مساحات واسعة اعتبرتها أرض المعركة. إن ليبيا في أمسّ الحاجة إلى إعادة بناء المؤسسات الوطنية، واستعادة وحدة أراضيها، من خلال تسوية شاملة، تبدأ من إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة، وهذا هو الطريق الوحيد القصير إلى عودة ليبيا دولة وأمة. بالطبع لا بد، قبل إجراء مثل هذه الانتخابات الضرورية، أن يتم توحيد المؤسسات الأمنية الاستراتيجية، ومؤسسات النقد والاقتصاد، وربط الشرق بالغرب بالجنوب، من دون تحيز جهوي أو طائفي أو ديني. ليبيا غنية بثقافة عريقة وعميقة، نستطيع أن نحصي من بين أبنائها آلاف الأسماء التي أسهمت في الفكر الإنساني، يجب أن تعود إلى دورها التنويري، ويعود مبدعوها في كل مجال إلى التفاعل الحيوي في المنطقة والإقليم. وهنا أتوقف أمام ضرورة عودة الدولة الوطنية الليبية، وأمام خطر الفوضى الذي يضرب أسفل جدران الدولة، لما لهذه العودة من أهمية كبرى تنعكس على محيطها الإقليمي والدولي. مثلما أن هناك رغبة في عودة الاستقرار والأمن الليبي، فإن هناك أيضاً رغبات في تقسيم وتمزيق الخريطة الليبية، وهو ما يجب ألا يسمح به الشعب الليبي الواحد، وعليه أن يدرك أن صناديق الذخيرة لا تبني الأوطان، بل إن صناديق الانتخابات هي التي يجب أن تنتصر على صوت الرصاص، لا سيما أن هناك مخططات رهيبة تهدف إلى إبقاء ليبيا في دوامة العنف لسنوات طويلة حتى تصبح ثمرة جاهزة للقطف والوقوع بين يدى المخططين، وهم ليسوا بخافين عن حصافة الشعب الليبي الذي يفهم ويدرك أن كل ما يجري هو ترتيب وتجهيز المسرح الليبي لصالح قوى أخرى، تريد السيطرة على مقدرات الشعب الليبي ومؤسساته، وصولاً إلى تكوين منطقة «غربية» كانت حلماً طوال عقود مضت، ووجدوا في أحداث 2011 طريقاً إليها، ولا يزالون يواصلون السير، لذا فإنه على الشعب الليبي أن يأخذ بيديه القرار الوطني، ويقطع الطريق على كل من يخطط للسيطرة على مصير ليبيا، ويجعلها ساحة لا دولة، ووطناً للميليشيات، وكنزاً يتم تقسيمه بين الطامعين من الداخل والخارج. في ليبيا كل شيء، تاريخها الممتد، وحضارتها الثرية، ومواردها الغزيرة، وجغرافيتها الفريدة، لكنّ ثمة مشهداً واحداً محذوفاً هو كل المشاهد، مشهد ليبيا الدولة الواحدة والشعب الواحد، فالفرصة لا تزال سانحة، ليخرج الشعب الليبي إلى صندوق الانتخاب بدلاً من الخروج حاملاً صندوق الذخيرة.