
تحليل: حدود القوة الاقتصادية والقدرة على الصمود.. دروس من الحرب بين إسرائيل وإيران
فحتى العام الماضي، كان وزير المالية الإسرائيلي قد صرّح بثقة لافتة بأن 'الاقتصاد الإسرائيلي قوي بجميع المقاييس، وقادر على تحمّل أعباء الحرب، في الجبهة وخلفها، حتى تحقيق النصر، بمشيئة الله'.
لكن التكلفة العسكرية اليومية المباشرة لإسرائيل بلغت في المتوسط 725 مليون دولار، أي أكثر من ثمانية أضعاف الإنفاق الدفاعي اليومي المقدّر، بناءً على المخصص السنوي البالغ نحو 33 مليار دولار (109.8 مليار شيكل) لوزارة الدفاع في موازنة الدولة لعام 2025.
وقد كلّفت الغارات الجوية على أهداف إيرانية نحو 590 مليون دولار خلال أول يومين فقط، بينما قُدّرت تكلفة عمليات الاعتراض الصاروخي بما لا يقل عن 200 مليون دولار يوميًا.
ورغم هذا الإنفاق الهائل، لم تتمكن منظومات الدفاع الصاروخي من منع الضربات الإيرانية الانتقامية، التي أعقبت الهجمات الإسرائيلية على البنى التحتية العسكرية والمدنية في أنحاء إيران، من التسبب بأضرار مباشرة داخل إسرائيل، تجاوزت قيمتها 1.5 مليار دولار، وشملت مراكز اقتصادية ومالية رئيسية.
وقد تعرّض المركز العصبي للسوق المالية الإسرائيلية – مبنى بورصة تل أبيب – لضربة مباشرة. ورغم أن الأسهم استعادت خسائرها الأولية بسرعة خلال الحرب، ما دفع وزير المالية الإسرائيلي إلى اعتبار ذلك 'دليلًا على صلابة الاقتصاد الإسرائيلي، حتى تحت النيران'، فإن الهجمات التي طالت مراكز البحث والتطوير، والتي تُعدّ من أكثر القطاعات ديناميكية في البنية الاقتصادية الإسرائيلية، أي قطاع التكنولوجيا المتقدمة، مثّلت خسارة فادحة لعقود من الأبحاث والتجارب والاستثمارات.
وكانت الضربة التي استهدفت معهد وايزمان ذات أهمية خاصة، نظرًا لارتباطه بمشروعات عسكرية، وقد جاء استهدافه ردًا على اغتيال عدد من العلماء النوويين الإيرانيين. وأدى ذلك إلى تدمير 45 مختبرًا، من بينها مختبر يحتوي على مواد بحثية تعود لأكثر من 22 عامًا.
ومن المرجّح أن تؤدي أي حرب مستقبلية إلى توسيع نطاق الاستهداف، لتطال مواقع أكثر أهمية وحساسية.
وتتوقع التقديرات أن يشهد الاقتصاد الإسرائيلي هذا العام تراجعًا في النمو بنسبة لا تقل عن 0.2%، مع وصول عجز الموازنة الحكومية إلى نحو 6% من الناتج المحلي الإجمالي، متجاوزًا السقف المحدد من قبل وزارة المالية، والذي يبلغ 4.9%.
وكان مسؤول إسرائيلي قد لمح، في الشهر الماضي، إلى إمكانية أن تلجأ تل أبيب إلى طلب دعم مالي إضافي من الولايات المتحدة، بهدف تعويض تكاليف الحرب وتلبية الاحتياجات الدفاعية العاجلة.
كما تكشف الحرب التي استمرت 12 يومًا وأدّت إلى عواقب اقتصادية بهذا الحجم، عن مدى هشاشة الاقتصاد الإسرائيلي وضعفه البنيوي.
أما إيران، فقد تكبّدت هي الأخرى تكلفة مالية باهظة. فقد بلغت كلفة الصواريخ وحدها نحو 800 مليون دولار، وهو مبلغ يفوق تقديرات ميزانيتها الدفاعية لفترة 12 يومًا، استنادًا إلى المخصص السنوي البالغ 23.1 مليار دولار للفترة من مارس/ آذار 2025 إلى مارس/ آذار 2026. وتشير تقارير إلى أن طهران تخطط حاليًا لزيادة ميزانيتها الدفاعية إلى ثلاثة أضعاف في عام 2025، في مؤشر واضح على الحاجة إلى تعويض الموارد المستنزفة.
وقد تضرّر العمود الفقري للاقتصاد الإيراني – أي قطاع النفط والغاز – بشكل بالغ، حيث كلّفت خسائر الصادرات النفطية خلال الحرب ما يُقدّر بنحو 1.4 مليار دولار من الإيرادات المفقودة. وتعرّض عدد من المنشآت النفطية والغازية الحيوية، بما في ذلك حقل 'بارس الجنوبي' الضخم، لضربات مباشرة.
وعلى عكس إسرائيل، لم تكن منظومات الدفاع الإيرانية متقدمة بما يكفي لحماية قطاعات اقتصادية استراتيجية من الهجمات.
ومع ذلك، يرى محللون أن إيران أظهرت قدرة على الصمود تفوق التوقعات، إذ تمكّنت من تفادي الانهيار الكامل، ويُقال إنها واصلت تصدير جزء من نفطها أثناء الحرب من خلال 'أسطول الظل' من الناقلات.
والدرس الأساسي الذي يمكن استخلاصه من هذه الحرب لا يتمثّل في 'تعزيز القدرة على الصمود' للتخفيف من تبعات الحروب المستقبلية، بل في إدراك أن للقوة التكنولوجية والاقتصادية حدودًا في مواجهة ويلات الحرب.
فالواقع أن الدول ذات الاقتصادات المتقدمة والمنظومات الدفاعية المتطورة، كإسرائيل، قد تبالغ في تقدير قدرتها على امتصاص وإدارة تداعيات الحرب، مما يقلّل من عتبة ترددها في إشعال الصراع. وحتى في حال نجحت في بناء ما يكفي من الصلابة لحماية البنى التحتية الحيوية والقطاعات الاستراتيجية خلال الحرب، فإن الإنفاق العسكري قد يبلغ مستويات باهظة تجعل تكلفة الفرصة البديلة (أي الخسائر الناتجة عن التخلي عن خيارات تنموية أخرى) تمتد لعدة عقود.
ومن هنا، بات من الضروري أن تتجرأ الأصوات الإسرائيلية واليهودية على طرح الأسئلة الصعبة دون خوف: ما هو الثمن الحقيقي للمغامرات العسكرية التي تنخرط فيها إسرائيل؟ وإلى متى سيُهدر المال العام في إراقة دماء الأبرياء؟
وينبغي أن تُطرح هذه الأسئلة نفسها من قبل الأصوات الأمريكية أيضًا، نظرًا للدعم المباشر والتواطؤ الذي تمارسه الولايات المتحدة في الحملات العسكرية الإسرائيلية.
فعندما تبدأ قطاعات واسعة من الشعوب، داخل إسرائيل أو الولايات المتحدة، بإدراك تكلفة هذه الحروب وطرح تساؤلات حاسمة بشأنها، يصبح الاستمرار في هذه السياسات من قبل القادة السياسيين أمرًا غير قابل للاستدامة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


اليمن الآن
منذ 26 دقائق
- اليمن الآن
7 مليارات دولار تمويلات أمريكية لليمن دون نتائج ملموسة
سمانيوز - عدن / طلال لزرق كشف استشاري التغيرات المناخية والتقييم البيئي، عبدالقادر الخراز، عن أن التمويل الأمريكي المقدم لليمن خلال الفترة من 2015 حتى 2025 تجاوز 7 مليارات دولار، دون أن تظهر له نتائج ملموسة على أرض الواقع. واشار الى مشروع بحثي يهدف إلى تتبع التمويلات الدولية وتحليل أوجه صرفها والجهات التي استلمتها،ورصد دقيق للمشاريع والأنشطة التي تم الادعاء بتنفيذها وتحليل مخصصات القطاعات المختلفة. وتركيز هذه المشاريع البحثية على تمويلات الاتحاد الأوروبي الممنوحة لمؤسسات محددة في اليمن، ووعد بنشر نتائج الرصد والتحليل في الكتاب الثاني من سلسلة دراساته. واختتم المستشار متساءلا : أين ذهبت الأموال ولماذا لم تظهر لها نتائج ملموسة على أرض الواقع؟ وما هي الجهات التي استلمت التمويلات وكيف تم صرفها؟


يمنات الأخباري
منذ 2 ساعات
- يمنات الأخباري
محاسب خلف القبضان في تعز لكشفه اختلاس أموال وتهرب ضريبي بملايين الريالات
كشف ناشطون حقوقيون فيمدينة تعز، جنوب غرب اليمن عن سجن محاسب بصورة تعسفية، بعد كشفه اختلاسات مالية وعمليات تهرب ضريبي داخل منشأة تجارية اهلية، أحد الشركاء فيها قيادي امني وأوضحوا أن المحاسب ياسر محمد عبدالسلام الخليدي تلقى عرضًا من شخص يدعى جلال العزي، وهو شريك في مشروع للخرسانة بمنطقة الضباب، إلى الجنوب الغربي من مدينة تعز، لإعداد الحسابات الختامية للمنشأة مقابل 5,000 دولار، ولمدة ثلاثة أشهر. وبحسب المعلومات، فوجئ الخليدي فور مباشرته العمل بانعدام أي نظام محاسبي أو إداري داخل المنشأة، فطلب إعادة تنظيم الدورة المالية للمنشأة منذ عام 2016 وحتى 2024، وهو ما وافق عليه العزي مبدئيًا. وخلال عملية المراجعة، اكتشف المحاسب صرف مبالغ مالية ضخمة من قبل العزي دون وجود أي مستندات قانونية تبررها، وعند مطالبته بتسويتها، قوبل بالرفض وتعرض لمحاولة إغراء مالي مقابل التستر عليها، الأمر الذي رفضه بشدة. كما كشف الخليدي عن تهرب ضريبي واسع النطاق، تم عبر دفع رشى لمندوب الضرائب، مقابل إلغاء عشرات الملايين من الريالات من الالتزامات الضريبية، مع الاكتفاء بسداد نحو 10% فقط من المبالغ المستحقة، وفقا لما اورده الناشطين. وعقب انتهاء عمله، طالب الخليدي بمستحقاته ورفض تسليم التقرير المالي، ليُفاجأ بقيام قائد قوات النجدة في تعز، محمد مهيوب – الذي يُقال إنه أحد الشركاء في المشروع – باختطافه واحتجازه لأكثر من شهرين، تمت خلالها مصادرة أجهزته الشخصية. ونوهوا إلى أن الخليدي أُفرج عنه لفترة وجيزة، قبل أن يُعاد اعتقاله ونقله بين عدة مراكز احتجاز، آخرها سجن البحث الجنائي، دون أي أوامر قضائية أو إحالة رسمية إلى النيابة، في مخالفة واضحة للإجراءات القانونية المعمول بها.


اليمن الآن
منذ 3 ساعات
- اليمن الآن
هجمات البحر الأحمر تثير جدلاً حول إجراءات التأمين البحري ضد مخاطر الحرب
يمن إيكو|تقرير: أدت الهجمات الأخيرة التي نفذتها قوات صنعاء في البحر الأحمر وأدت إلى إغراق سفينتين، إلى إثارة جدل حول إجراءات التأمين البحري ضد مخاطر الحرب، والتي وصفها البعض بأنها 'منطقة رمادية'. ونشر موقع 'سيتريد ماريتايم' البريطاني المتخصص في شؤون الملاحة البحرية، أمس الجمعة، تقريراً رصده 'يمن إيكو'، ذكر فيه أن 'بوالص تأمين الحماية والتعويض التقليدية التي تغطي مخاطر فقدان الأرواح والإصابات وتلف البضائع والتلوث وإزالة الحطام، لا تطبق في أوقات الحرب أو الأعمال العدائية، لذلك، يجب على مالكي الأصول التجارية في المناطق المتضررة من الأعمال العدائية اتخاذ ترتيبات بديلة لمواجهة مخاطر الحرب لتغطية هذه الحالات، وتُجرى هذه الترتيبات إما عبر قنوات نادي الحماية والتعويض التابع لهم، أو مع شركات تأمين متخصصة في مخاطر الحرب'. ونقل الموقع عن مصادر في نوادي تأمين الحماية والتعويض قولها إن 'وضع التأمين في حالة الأعمال العدائية يشكل منطقة رمادية'. وأشار الموقع إلى أنه 'إذا استثنت البوليصة تحديداً مخاطر الحرب أو النشاط في المياه المعادية، فهذا أمر غير قابل للتفاوض'. وكشفت صحيفة 'لويدز ليست' البريطانية في تقرير نشرته، أمس الجمعة، أن شركة (ترافيلرز) الأمريكية العملاقة للتأمين، رفضت تغطية الرحلة الأخيرة لسفينة (إتيرنتي سي) التي أغرقتها قوات صنعاء الأسبوع الماضي في البحر الأحمر. وأوضحت الصحيفة أنه 'يتعين على السفن التي تخطط لدخول المياه التي تم تحديدها كمناطق خطر حرب أن تبلغ شركات التأمين الخاصة بها مسبقاً، ويحق لشركات التأمين حينها طلب قسط إضافي للرحلة، أو يمكنها ببساطة رفض التغطية، وهذا ما فعلوه هذه المرة مع السفينة (إتيرنتي سي)'. وقالت الصحيفة إنه 'من الواضح أن المسؤولين كانوا على علم بأن الفصيل الإسلامي اليمني هدد باستئناف هجومه على السفن، فقبل يوم واحد فقط، تم استهداف سفينة شحن كبيرة أخرى، مما جعل شركة (فيسيل بروتكت) مسؤولة عن مطالبة محتملة بقيمة 40 مليون دولار على سفينة (ماجيك سيز)'. وأشارت إلى أن 'هناك إجماعاً على أن (إتيرنتي سي) لم تكن مؤمَّنة، وأن شركة (كوزموشيب مانيجمنت) المشغلة لها ستتحمل الخسارة كاملةً بنفسها، ومن المحتمل أنها كانت مغطاة ببوليصة تأمين مستقلة'. وذكرت الصحيفة أن 'الحادثة أثارت غضباً بين كبار مشغلي سفن الشحن، حيث عبر بعضهم عن استيائهم من تصرفات شركة (ترافيلرز) للتأمين'. وفيما تحجج المشغلون بأن شركات التأمين جنت أرباحاً هائلة بسبب حرب أوكرانيا وحرب غزة، قالت الصحيفة إن 'شركات التأمين لم تجلس مكتوفة الأيدي وتحصد الأموال، فقد كانت أنشطة الحوثيين مسؤولة عن سلسلة من عمليات دفع الخسائر الكلية'. وخلصت الصحيفة إلى أن 'شركات التأمين ليست ملزمة بكتابة وثيقة تأمين أكثر من التزام أصحاب السفن بقبول عقد التأمين'.