
توم برّاك يضع لبنان في عين العاصفة
في مقابلةٍ أثارت الكثير من الجدل، قال المبعوث الأميركي توم برّاك عبارةً لافتة "إذا لم يتحرّك لبنان، فسيعود إلى بلاد الشام". عملياً، يبدو القول مجرّد توصيفٍ جغرافيّ أو تاريخيّ، لكن خلفه يكمن تحذيرٌ صريح بل تهديدٌ مبطَّن: أن استمرار الجمود والشلل في مؤسسات الدولة اللبنانية يفتح الباب واسعًا لانهيار الكيان اللبناني الحديث وذوبانه في خارطة الإقليم الأوسع، أي في الفضاء الذي كان لبنان جزءًا منه قبل تأسيس الدولة اللبنانية عام 1920.
تنبع خطورة كلام برّاك لا من موقعه الدبلوماسي فحسب، بل من توقيته أيضًا، في لحظةٍ يتقاطع فيها الانسداد الداخلي اللبناني مع تبدّلات إقليمية ودولية عميقة، ومع تراجع النفوذ الأميركي التقليدي لصالح لاعبين إقليميين ودوليين جدد (تركيا، إيران،روسيا، الصين). بهذا المعنى، يمثّل قول برّاك تشخيصًا أميركيًا لحال لبنان بقدر ما يعكس استراتيجية ضغط على القوى السياسية اللبنانية: إمّا إصلاحٌ وتحريك عجلة الدولة، أو ذوبانٌ في محيطٍ لا يرحم.
لبنان على حافة الهاوية
يصعب أن نبالغ في وصف عمق الأزمة اللبنانية اليوم: أزمة اقتصادية ـ مالية خانقة مستمرة منذ سنوات، شلل شبه تام في عمل المؤسسات الدستورية، انهيار الثقة بين الدولة والمواطن، وغياب شبه كامل لاستراتيجية وطنية لإدارة الأزمات المتراكمة. هذه الحالة من الجمود ليست وليدة الصدفة، بل هي نتيجة منظومة محاصصة طائفية بنيت منذ اتفاق الطائف، وفشلت في بناء دولة حديثة قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
النتيجة المباشرة لهذا الجمود هي تآكل شرعية الدولة. فحين لا يشعر المواطن أن لدولته القدرة على إدارة الاقتصاد أو توفير الأمن أو ضمان العدالة الاجتماعية، يبدأ بالبحث عن ولاءات بديلة: طائفية، مناطقية، أو حتى إقليمية. هكذا تتعزز نزعة "العودة" إلى الإقليم التاريخي الأوسع الذي كان لبنان جزءًا منه، أي بلاد الشام الكبرى.
بلاد الشام: ذاكرة التاريخ أم تهديد جيوسياسي؟
حين يتحدّث برّاك عن "العودة إلى بلاد الشام"، لا يقصد استعادة الإرث الثقافي المشترك بين شعوب المنطقة وحسب، بل يحذّر ضمناً من انهيار الكيان السياسي اللبناني الحديث، بما يحمله ذلك من نتائج كارثية على الداخل اللبناني وعلى الاستقرار الإقليمي.
بلاد الشام، بالمفهوم الجغرافي التاريخي، تشمل لبنان وسوريا والأردن وفلسطين، وكانت تحت حكمٍ سياسي واحد في حقب متعددة، آخرها الانتداب الفرنسي والبريطاني قبل قرن من الزمن. لكن في السياق السياسي المعاصر، تعني العودة إلى بلاد الشام انهيار الحدود والكيانات التي نشأت بعد الحرب العالمية الأولى، وهو سيناريو بالغ الخطورة في ضوء ما شهدته سوريا والعراق من حروب أهلية وتفكك مؤسساتي.
من هذا المنظور، فإن برّاك يقول للبنانيين: الجمود القاتل في دولتكم لن يؤدي إلى بقاء الوضع على ما هو عليه، بل قد يفضي إلى ذوبان كيانكم في صراعات الإقليم ومشاريعه الكبرى، سواء تلك المدفوعة من إيران أو تركيا أو حتى إسرائيل.
التهديد المبطن في خطاب برّاك
ما يُضفي على كلام برّاك طابع التهديد المبطن هو صدوره عن مبعوث أميركي رسمي في لحظةٍ يبدو فيها أن واشنطن بدأت تفقد صبرها أمام طبقةٍ سياسية لبنانية متهمة بأنها عاجزة عن الإصلاح. بعبارة أخرى، الرسالة واضحة: أميركا ترى أن استمرار الجمود في لبنان لم يعد مقبولًا، وأن المجتمع الدولي، وفي مقدمته واشنطن، قد لا يواصل "سياسة إدارة الأزمة" إلى ما لا نهاية.
يتقاطع كلام برّاك مع حقيقة جيوسياسية أساسية: لبنان، منذ نشأته كدولة، بقي رهينة التوازنات الإقليمية والدولية. اليوم، هذه التوازنات تمرّ بتحولاتٍ عميقة: تحركات تركيا في الشمال السوري، الانفتاح العربي على دمشق، التواصل الخفي بين سوريا الجولاني وإسرائيل، وصولًا إلى اتفاقيات التطبيع بين بعض الدول العربية وإسرائيل.
في ظل هذا المشهد، يبدو الكيان اللبناني هشًا أكثر من أي وقت مضى. فغياب مشروع وطني موحّد، يجعل لبنان مهدّدًا بأن يصبح مجرّد مساحة نفوذ متنازع عليها بين القوى الكبرى في الإقليم.
اللافت في كلام برّاك هو أنه لم يحدد "ماهية التحرك" المطلوب من لبنان لتجنّب العودة إلى بلاد الشام. هل المقصود إصلاحٌ سياسي واقتصادي شامل يعيد بناء مؤسسات الدولة على أسس حديثة؟ أم المطلوب اصطفافٌ أوضح ضمن محورٍ إقليمي تدعمه واشنطن وحلفاؤها في مواجهة محور المقاومة بقيادة إيران؟
إذا كان المطلوب هو الإصلاح، فالسؤال المشروع: هل تملك واشنطن استراتيجية واقعية لدعم هذا الإصلاح بعيدًا عن لغة العقوبات والضغوط؟ أما إذا كان المطلوب اصطفافًا سياسيًا وأمنيًا واضحًا، فهذا يعني دفع لبنان إلى مزيدٍ من الانقسام الداخلي، وربما إلى مواجهة مفتوحة مع حزب الله، بما يحمله ذلك من مخاطر انفجار الوضع الأمني.
يبقى السؤال الأهم: هل لا يزال أمام لبنان متسع من الوقت لتفادي هذا المصير؟ الجواب يعتمد على إرادة النخبة السياسية اللبنانية أولًا، وعلى استعداد المجتمع الدولي لتقديم الدعم الحقيقي ثانيًا، بدلًا من الاكتفاء بسياسة إدارة الأزمة.
التحرك المطلوب هو بناء مشروع وطني جامع يعيد تعريف دور لبنان في الإقليم والعالم، على أساس استقلالية القرار وسيادة الدولة. وهذا يستدعي إصلاحات بنيوية في النظام السياسي والاقتصادي، لا مجرّد ترقيعات شكلية.
الخيار لا يزال بيد اللبنانيين: إما إعادة بناء الدولة واستعادة زمام المبادرة، أو انتظار أن يُكتب مصيرهم في خرائط الآخرين. في الحالتين، لم يعد هناك كثير من الوقت

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

القناة الثالثة والعشرون
منذ 29 دقائق
- القناة الثالثة والعشرون
خطأ برّاك وخطيئة "حزب الله"
لا جدال في أنّ مبعوث الرئيس الأميركي السفير توم برّاك هو نجم المرحلة الحالية، ليس فقط على المستوى اللبناني بل أيضاً على مستوى المنطقة المحيطة، والتي عُرفت بالهلال الخصيب، أو كما عرّف عنها ملك الأردن بـ»الهلال الشيعي». ودشّن برّاك دخوله المثير إلى الملفات المعقّدة وشديدة الحساسية للمنطقة بتغريدته الشهيرة حول «وفاة» خريطة سايكس بيكو. وإثر زيارته الأخيرة لبيروت والتي حملت مهمّة واضحة تتعلق بالإسراع في نزع السلاح الثقيل لـ»حزب الله»، أجرى الموفد الرئاسي الأميركي جلسة نقاش مفتوحة مع إعلاميين عرب في نيويورك. ولأنّه لم يكن مدرجاً حصول لقاء من هذا النوع، فإنّ الإنطباع الغالب هو أنّ برّاك أراد استلحاق مهمّته وسدّ فجوة ظهرت لاحقاً على ما يبدو، عبر تعابير أوضح. فاللغة الديبلوماسية التي استخدمها والمرفقة بتعابير هادئة ومرنة، ولّدت انطباعاً عاماً خاطئاً، عملت أوساط سياسية على الترويج له، وفحواه أنّ إدارة ترامب تتّجه لسياسة أكثر مرونة وتسامحاً تجاه سلاح «حزب الله»، والمقصود به هنا النفوذ الإيراني في لبنان. أضف إلى ذلك حديثه عن الفصل بين الجناحين السياسي والعسكري لـ«حزب الله»، وسط تسريبات إعلامية أعقبت مغادرته بيروت، بتوجيهه رسائل إلى قيادة «حزب الله»، ووفق مبدأ الإستعداد للتفاوض حول أثمان سياسية مقابل السلاح. لكن برّاك بدل أن «يكّحلها عماها» كما يُقال في اللغة اللبنانية العامية. وهو ما فرض عليه توضيحاً إضافياً عبر منصة «إكس». ووفق ما تقدّم، فإنّ اللقاء الإعلامي لبرّاك في نيويورك كان يهدف فعلياً للضغط بدرجة أكبر على لبنان، عبر التهويل بخطر وجودي من خلال إعادته إلى بلاد الشام. وبالتالي فإنّه وبتوجيه مباشر من البيت الأبيض، والذي زاره لتوه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، يريد برنامجاً واضحاً لإنجاز الخطوات المطلوبة حيال السلاح الثقيل لـ«حزب الله» مع عودة برّاك الثالثة. وهذا التفسير الذي ساد الأوساط المراقبة على الساحة اللبنانية يبدو منطقياً وواقعياً، لكنه قد لا يختزل كامل الصورة. فصحيح أنّ برّاك سعى من خلال كلامه الأخير إظهار بعض التشدّد من خلال إثارة مخاوف وجودية، إلّا أنّ في كلامه جوانب أخرى. فمن جهة قد يكون المقصود إعادة تصويب التفسير الذي سعت جهات قريبة من «حزب الله» لتسويقه حول مفاوضات تؤمّن مكاسب سياسية جوهرية، من خلال صياغة دستور جديد ونظام سياسي مختلف عن القائم حالياً. ويأتي تفسير كلام برّاك هنا بأنّ أي سعي للعب بدستور الطائف القائم حالياً سيؤدي لتعديلات جذرية ستتولاها دمشق. ويرى بعض المراقبين أنّ برّاك تعمّد استخدام تعابير جارحة مثل اعتبار السوريين بأنّ «لبنان منتجعنا الشاطئي»، للإشارة الى خطورة التفكير بأي تعديلات دستورية. فبالنسبة إلى واشنطن هنالك قرار نهائي بعدم ترك أي منفذ أو ثغرة يمكن أن تسمح بنفوذ إيراني في لبنان أو سوريا، لا مباشرة ولا مواربة. لكن هنالك من يذهب أبعد من ذلك، ليصل إلى حدّ الإضاءة على خلفية المشهد المرسوم لمستقبل المنطقة ككل. فبرّاك الذي دشن مهمّاته في المنطقة بتغريدة «نعي» سايكس بيكو، تشتمّ دائماً في خلفية كلامه «نكهة» التحضير لمشهد جغرافي جديد للمنطقة. فحتى بالأمس وفي كلامه في نيويورك، بدأ الصديق الحميم لترامب حديثه بالإشارة إلى أنّ تدخّلات الغرب في هذه المنطقة من العالم منذ عام 1919 (مؤتمر سان ريمو الذي كرّس تقسيمات سايكس بيكو) أدّت إلى نتائج رائعة، إذا نظرنا إلى سايكس بيكو وتقسيم المنطقة إلى دول قومية وما تلاها. وتابع برّاك: «رؤية ترامب مختلفة، وليس هذا ما يريد القيام به». ووفق ما تقدّم يمكن استنتاج خلفية المشهد الذي تعمل إدارة ترامب على رسمه. خريطة جغرافية جديدة لا تقوم كياناتها على الأسس القومية التي عرفناها. فوظيفة تلك الخريطة انتهت على ما يبدو. ومن هذه الزاوية لا بدّ من النظر إلى التطورات الهائلة والمتسارعة، والتي احتاجت للتبدّلات الجذرية على مستوى السلطة في دمشق، والتي تطاول أجزاء أساسية من ساحتها، حيث تطلبت إبقاء النار مشتعلة ليس فقط في غزة والضفة ولبنان وسوريا، بل وصلت إلى طهران والسعي لإنهاء قدرتها الإقليمية، في وقت بات معلوماً أنّ إيران تريد أن تتولّى دور القوة الإقليمية العظمى في الشرق الأوسط. ومن هذه الزاوية يصبح مفهوماً أكثر أن يجري تعيين الصديق الأقرب لترامب كسفير لبلاده في تركيا، والتي تعمل بالتفاهم والتحالف مع واشنطن على ترتيب حضور جديد لها في المعادلة الجاري رسمها. وفي الوقت نفسه، أن يجري إيلاؤه الملف السوري مع كل التبدّلات الجذرية التي تطاوله. وبالتالي فإنّ إضافة لبنان إلى مهمّاته، وتحديداً مهمّة إنهاء النفوذ الإيراني على ساحته، تصبح أكثر وضوحاً. ولا يجب أن يغيب عن بالنا الإندفاعة السريعة لدمشق في اتجاه التطبيع مع إسرائيل. فالكشف عن لقاء سوري ـ إسرائيلي مباشر في باكو خلال زيارة رسمية لأحمد الشرع إلى أذربيجان، إنما يعكس عن مسار كبير تمّ إجتيازه بسرعة خلال المرحلة الماضية، خصوصاً وسط المعلومات عن عدد من الإجتماعات التي حصلت بين الطرفين سراً في تركيا. كذلك، فإنّ خطوة تسليم «حزب العمال الكردستاني» لأسلحته إنما حصلت بناءً لتفاهمات سرّية، قد تمنح الأكراد إعترافاً بحضور في شمال سوريا. مع الإشارة هنا إلى الإشتباكات العنيفة التي حصلت بين الأكراد والقوات السورية. وفي الوقت نفسه تتصاعد التوترات والإشتباكات في المنطقة الدرزية في السويداء، وهو ما يؤدي بطبيعة الحال إلى تعزيز وترسيخ سلطة القوى المحلية وحضورها على حساب حكومة دمشق. ومن هنا لا بدّ من التمعن بحركة نتنياهو بعد عودته من واشنطن، خصوصاً أنّ أي نتائج واضحة لم تصدر. وهو إما أنّ ذلك يعني الخلاف والفشل، ولكن أي مؤشرات سلبية لم تظهر، لا بل على العكس أشاد نتنياهو بترامب كأهم صديق لإسرائيل بين كل الذين سبقوه. أو أن يعني ذلك وجود تفاهمات كبيرة وسرّية ما يمنع حتى التلميح لها، وهو الأرجح، وهنا باب الخطورة. وفي إحدى أهم الإشارات ما تردّد من تلميحات إسرائيلية حول نجاح نتنياهو فور عودته، بإقناع وزيري اليمين المتطرف بن غفير وسموتريتش بالقبول باتفاق وقف النار في غزة. والمعروف عن اليمين المتطرّف تمسّكه الحازم والعقائدي بعدم المساومة على تصفية الحضور الفلسطيني وتثبيت الدولة اليهودية عبر استكمال الحرب وعدم الذهاب إلى وقف لإطلاق النار تحت طائلة الإنسحاب من الحكومة. لكن تعديل اليمين المتطرّف لموقفه فجأة يحمل في طياته ما يؤكّد ويضمن الذهاب في اتجاه تحقيق العقيدة التي يعمل لها. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى التغريدة التي كتبها رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية السابق حمد بن جاسم على منصة «إكس». فهو حذّر فيها من تقسيم محتمل لدول عربية ومن بينها سوريا، على نار التوترات الحالية في المنطقة. والمعروف عن حمد بن جاسم علاقته القوية والوثيقة مع دوائر أميركية نافذة. ووفق كل ما سبق، فإنّ من البساطة بمكان النظر في الإهتمام الأميركي بلبنان من زاوية ضيّقة ومحدودة. لا بل أكثر، فلا بدّ من التيقن بوجود قرار كبير على مستوى «تغيير الدول»، ما يستوجب «حفظ الرأس» لا المكابرة وأخذ الأمور بخفة وسذاجة. وقد يكون التهويل الذي لوّح به برّاك صحيحاً في جانب منه. بمعنى أنّ زوار واشنطن يتحدثون عن استئناف الحرب الإسرائيلية مع بداية الخريف إذا لم يلبِ لبنان المطالب الأميركية. وإنّ الحرب الجوية من المحتمل أن تكون مقرونة هذه المرّة بمواجهات برّية ستتولاها قوات الشرع عند الحدود مع البقاع الشمالي، وحيث تمّت زيادة أعداد العناصر السورية و»الإيغور» بعض الشيء. ويجب التنبّه دائماً إلى «المكاسب» الإقليمية التي يمكن أن تنالها تركيا من خلال إمساكها بأوراق قوة إضافية في حال الحرب. أضف إلى ذلك، التنسيق الأمني الكبير بين واشنطن ودمشق، وإنّ التقدّم في العلاقة بين سوريا وإسرائيل لا بدّ أن يتضمن تفاهمات أمنية وعسكرية. وفي تعليقه على العاصفة التي أدّى إليها كلام برّاك، ذكّر مراقب عتيق بالطرفة اللبنانية التي تقول إنّ أحد الأشخاص انشغل في البحث عن ورقة مالية أضاعها، فسأله صديقه أين أضاعها؟ فأجاب الرجل وهو يؤشر بأصبعه بعيداً، هناك. عندها سأله صديقه باستغراب: ولكن لماذا تبحث هنا؟ وكان جواب الرجل، لأنّه هنا يوجد ضوء. عسى ألّا نكون نبحث عن مصيرنا ومستقبلنا في المكان الخطأ. فالذهاب إلى الخطاب الشعبوي يدفع للمجهول كما أنّ التمسك بمفردات الخطاب القديم يدفع للانتحار، فخير الأمور وسطها. جوني منير -الجمهورية انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News


الديار
منذ ساعة واحدة
- الديار
التخبّط سيد الموقف!!
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب قال مصدر واسع الاطلاع لـ"الديار" ان "التخبط هو سيد الموقف لدى المسؤولين اللبنانيين، وبالتحديد الحكومة ورئاسة الجمهورية كما وزارة الخارجية، فهم غير قادرين على الخروج لانتقاد وادانة ما ورد على لسان الموفد الأميركي إلى سوريا ولبنان، وسفير واشنطن في تركيا توم برّاك، وبنفس الوقت لا يستطيعون التعامل معها وكأنها لم تكن، نظرا للاستياء الشعبي الكبير منها ، والضغوط السياسية المطالبة بموقف رسمي واضح". وأشار المصدر الى انه "بات واضحا ان الهدف الاساسي من تحذيرات برّاك، ومن محاولة ربط مصير سوريا مجددا بمصير لبنان، وهو ما يتزامن مع اخبار متداولة عن تحركات على الحدود من الجهة السورية وتوقيف خلايا متشددة، كلها تصب في خانة الضغوط المتواصلة على كل المستويات على لبنان لتسليم سلاح حزب الله، وهي ضغوط من المرجح ان تتفاقم في المرحلة المقبلة"، معتبرا ان "المستغرب هو ان القوى التي لطالما صوّرت نفسها مدافعة شرسة عن السيادة اللبنانية لحد انها أسمت نفسها "سيادية"، لم تتكبد عناء انتقاد ما قاله برّاك، ومن اصدر موقفا منها كان الموقف باهتا جدا، واقرب لان يبرر له ما حذّر منه".


MTV
منذ ساعة واحدة
- MTV
مساءلة حكومة مغيّبة عن ورقة برّاك وعن الردّ اللبنانيّ!
الثلثاء، تمثل الحكومة أمام مجلس النواب في جلسة مساءلة وهي التي تقف على مشارف الدخول في شهرها السادس منذ حصولها على ثقة البرلمان. بالتأكيد، سيركّز النوّاب في مداخلاتهم على ملف حصرية السلاح بيد الدولة وما حمله المبعوث الأميركي توم برّاك إلى بيروت والردّ اللبنانيّ الذي استغيب مجلس الوزراء. وسيكون نواب حزب "القوات اللبنانية" رأس الحربة لا سيّما وأن الردّ على ورقة برّاك أُعِدَّ عبر لجنة ثلاثية ضمّت الرؤساء الثلاثة خارج إطار الحكومة، ما أثار تساؤلات حول دستوريّة هذه الخطوة. وسأل النائب غسان حاصباني: "على أيّ أساس تتمّ صياغة الرّد من قبل الرؤساء الثلاثة من دون علم مجلس الوزراء وقراره، وهو الجهة التي أعطاها الدستور هذه الصلاحية؟". فإذا كانت قضايا السياسة الخارجية وحصرية السلاح لا تُبحث داخل الحكومة، فماذا سيناقش مجلس النواب المدعوّ لمناقشة السياسة العامة؟ دور المؤسسات بين البيان الوزاري والدستور ينصّ اتفاق الطائف والدستور على دور محوريّ لمجلس الوزراء في رسم السياسة العامة للدولة. فقد أناط الدستور السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء الذي يضع السياسة العامة للدولة. وأكّدت الحكومة الحالية في بيانها الوزاري التزام حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية وبسط سلطة الدولة على أراضيها، باعتباره أمرًا توافق عليه اللبنانيون منذ الطائف. لكن رغم هذا الالتزام، لم يتّخذ مجلس الوزراء خطوات عملية أو يُقرّ خطة لتحقيق ذلك، ما يثير تساؤلات حول جدية تنفيذ البيان الوزاري. سلاح "حزب اللّه": فقدان الردع ومخاطر داخلية كانت حجّة المقاومة والتصدي للعدوان الإسرائيلي هي المبرّر الأساسي لبقاء سلاح "حزب اللّه"، لكنّ هذه الغاية باتت موضع تشكيك مع تفكّك عناصر الردع التقليدية. فمعادلة الردع التي طالما اعتُمدت لتبرير احتفاظ "الحزب" بترسانته بدأت تتفكّك تدريجيًا. خاصةً بعد اتفاق وقف إطلاق النار الأخير وما تخلله من خروقات إسرائيلية، لم يعد السلاح يُستخدم حصريًا ضد إسرائيل، بل دخل في التوظيف الداخلي عبر تخوين الخصوم. بهذا المعنى، تنهار إحدى ركائز ما كان يسمّى بشرعية سلاح "الحزب"، إذ يفقد الردع الخارجي فعاليّته بينما تُستنزف وظيفته الدفاعية في صراعات سياسية داخلية. على صعيد الأمن الداخلي، يشكّل استمرار امتلاك "حزب اللّه" السلاح المتوسط وحتى الخفيف تهديدًا لاستقرار الدولة. إذ إنّ وجود جماعة مسلّحة تمتلك ترسانة خارج سلطة المؤسسات يعني أنّ أيّ خلاف سياسيّ قد يتطوّر إلى مواجهة مسلّحة. ولعلّ أحداث 7 أيار 2008 – عندما اجتاح مسلّحو "الحزب" العاصمة بيروت في نزاع داخلي – أبرز مثال على خطورة هذا الواقع. وفي واقعة أحدث، في آب 2023، انقلبت شاحنة ذخيرة تابعة لـ "الحزب" في بلدة الكحالة، ما أشعل اشتباكات مسلّحة مع الأهالي. يذكّر هذا الحادث بتراجع شرعية سلاح "حزب اللّه" خارج بيئته الحاضنة، وينذر بالتبعات الخطيرة لإبقاء أسلحة وذخائر تتحرّك بين المناطق المأهولة. تُثار كذلك تساؤلات حول ترسانة "الحزب" غير المستخدمة وما تحمله من أخطار كامنة. فرغم امتلاك "حزب اللّه" إحدى أضخم الترسانات غير النظامية قبل حرب 2024، فإنّ جزءًا من قدراته بقي خارج ساحات المعارك المباشرة. على سبيل المثال، تشير تقارير إلى حصوله سابقًا على صواريخ بحرية روسية متطوّرة من طراز "ياخونت" (يصل مداها إلى 300 كلم)، إلّا أنه لم يظهر أي دليل عملي على استخدامها حتى الآن. كذلك يمتلك "الحزب" منظومات دفاع جوي وصواريخ أرض-جو (قدّر بعضها بنحو 2500 صاروخ مضاد للطائرات)، لكن ثبت أنّ قسمًا كبيرًا منها إمّا دُمّر أو خرج من الخدمة. وهكذا، يتحوّل ثقل الترسانة غير المستخدمة من عنصر قوة إلى عبء استراتيجي؛ فإما أنها قدرات جامدة غير قابلة للتفعيل، أو أنّ استخدامها المحتمل سيجلب دمارًا أشدّ على لبنان في أي مواجهة مقبلة. على المستويين الإقليمي والدولي، يتفاقم الشعور بأنّ سلاح "حزب اللّه" أصبح مشكلة تتجاوز حدود لبنان. تعتبر واشنطن مثلًا أنّ استمرار وجود هذه الترسانة يبقي لبنان رهينة للوضع الأمني المتوتر، إذ يؤدي إلى استمرار الضربات الإسرائيلية ويقوّض ثقة المجتمع الدولي بأي خطة إنقاذ أو إعادة إعمار للبنان. ومن هنا، بات لبنان يواجه ضغوطًا غير مسبوقة لوضع حدّ لفوضى السلاح وإخضاع أيّ قدرة عسكرية على أراضيه لسلطة الدولة الشرعية. أمام كل ذلك، لا بدّ من الإسراع في بدء الخطوات العملية لحصر السلاح بيد الدولة، ولا مفرّ من تحرّك الحكومة بشكل فوري على هذا الخط، لذلك كان لا بدّ من أن تكون في صورة ما يحصل من اتفاقات وأوراق وردود عابرة للمحيطات. كما أنه وفي ظلّ تنامي المخاوف من جرّ البلاد إلى حروب بالوكالة، وتعاظم الدعوات المحلية والدولية لحصر السلاح بيد المؤسسات الدستورية، يغدو احترام اتفاق الطائف والدستور – نصًّا وروحًا – مرهونًا بالمعالجة الجذرية لهذه الإشكالية. فحصر قرار السلم والحرب بيد الدولة ووضع حدّ لازدواجية السلاح هما شرطان لا بدّ منهما لحماية الأمن الوطني واستعادة ثقة اللبنانيين والمجتمع الدولي. واستعادة الدولة تبدأ من استعادة القرار، والقرار يبدأ من مجلس الوزراء.