logo
الفروسية في التشكيل المغربي.. التبوريدة بين سحر اللوحة وأسطورة الأرض

الفروسية في التشكيل المغربي.. التبوريدة بين سحر اللوحة وأسطورة الأرض

العربي الجديدمنذ 6 ساعات

اليوم، في العديد من
المدن المغربية
، تزيّن تماثيل الفرسان الشوارع الكبرى شاهدة على المكانة التي يحتلها ركوب الخيل في بلد تقترن أعياده الوطنية، الدينية والفلاحية بعروض التبوريدة، وهي طقس احتفالي يستحضر بفنون الفروسية ملاحم المجاهدين في قتال المستعمر. في الفن المغربي، تُعدّ التبوريدة (الخيالة) موضوعاً مفضلاً لدى عدد من
التشكيليين
الذين أسرتهم حالة التآلف بين الإنسان وجواده وبسالة الفارس وجسارة فرسه.
بالتوازي، ألهم جمال الخيول البربرية والعربية الأصيلة وهيبتها، وقد امتطاها فرسان يرتدون أبهى الحلل، العديد من الفنانين المستشرقين الذين سعوا لاقتناص سحر الشرق واستكشاف فتنة عوالمه. في لوحاتهم، يغدو العرض الفروسي أقرب إلى مشهد بطولي مقتبس من ساحة الوغى. يتكرّر الحصان كعنصرٍ تصويري للدلالة على بأس الفارس وعنفوانه، كما في لوحات التبوريدة للفنان الفرنسي أوجين دولاكروا الذي شهِد عروض الفروسية خلال رحلته إلى المغرب.
متأثرين بجمالية المدرسة الاستشراقية، يصور بعض الفنانين المغاربة مشاهد الفروسية التي تتسم بجاذبية بصرية. في أحد أعماله، يمثل التشكيلي العربي بلقاضي فارساً مغربياً على جواد وسط أجواء حالمة، وقد التفّت حولهما زوابع ريح تجسدها أشكال حلزونية توحي بلولبيتها على شجاعة الثنائي أمام عدائية المكان. تحمل هذه الدوّامات الريحية دلالة رمزية أيضاً، إذ تُحيل إلى أصل الحصان الذي خُلق، بحسب الحديث النبوي، من ريح الجنوب.
من الناحية الجمالية، فإن هذه التموجات، التي تبثّ الحيوية في اللوحة، تتناغم بانسياب مع تضاريس جسد الحصان، من استدارة ردفه وانحناءة عنقه إلى الخطوط المتمايلة لذيله، في تشكيل بصري يذكر بالطابع الزخرفي المنحني الذي يميّز العديد من المنتجات الحرفية المغربية.
ألهمت الخيول والمشاهد الفروسية عدداً من الفنانين المستشرقين
في لوحة أكثر صخباً، يرسم الفنان عبد الحق أرزيمة محارباً مغربياً على جواد منطلق في العدو، حاملاً مكحلته، في صورة تنبض بالقوة والحركة وتختزل مزيجاً من الحماسة والبطولة. يُجسّد الفنان الفارسَ وجواده من منظور أمامي وقد امتدّ أحدهما في الآخر حتى شكّلا معاً كائناً واحداً "حيواناً إنسانياً غامضاً" (بتعبير جيروم غارسان)، تُضفي عليه الظلال القاتمة مزيداً من الهيبة والرهبة.
مشاهد الفروسية الهادرة حاضرة أيضاً في لوحات عبد اللطيف الزين. في محاولة منه للإمساك بروعة العرض الفروسي، يُخضع الفنان شخوصه لصياغة تشكيلية تمزج بين التجريد والتصوير، بعيداً عن الدقة التصويرية التي تتسم بها لوحات الرسامين المستشرقين وتثبت الحصان وفارسه في إيماءة محددة. تضفي المقاربة الفنية المزدوجة التي يعتمدها الزين على اللوحة طاقة تشكيلية نابضة، محولة بذلك العرض الفروسي إلى عرض مبهر من اللون والضوء يبرز الانسجام بين الإنسان وفرسه.
أما حسن الكلاوي، وهو نجل أحد أبرز الباشوات في تاريخ المغرب، فتأثر بعروض التبوريدة التي كان ينظّمها والده، لدرجة أنه سخّر كل فنه لتصوير أجوائها. في إحدى لوحاته، يظهر الكلاوي ثلاثة خيول وفرسانها على خلفية زرقاء مخططة بلمسات بنية. يُقترح المنظور في اللوحة من خلال ترتيب العناصر بشكل مائل، ما يمنح الخيول المصوّرة في حالة عدوٍ مظهراً طائراً وكأنها تحلّق في سماء زرقاء. أما الشخصيات التي رُسمت على الأرجح من وحي اللحظة، فتفقد في أعمال الكلاوي ملامح وجوهها ودقة خطوطها، ذلك أن الفنان لم يكن مشغولاً بتفاصيل المشهد بقدر ما كان يحرص على نقل الأجواء الساحرة التي تنبع من عروض التبوريدة. يُضفي المظهر الشبحِي لتلك الخيول الهوائية، التي تبدو كأنها تتحدى بثباتها في الدرجات اللونية الزرقاء جاذبية الأرض، على اللوحة طابعاً حالِماً يفتح أمام عين المتلقي أفقاً بصرياً يتجاوز حدود المنطق المرئي.
* أكاديمي وكاتب من المغرب
فنون
التحديثات الحية
الفن التشكيلي المغربي وإشكاليات التقييم والتقنين

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

بالصور: المشاهير يتوافدون على البندقية لحضور حفل زفاف جيف بيزوس ولورين سانشيز
بالصور: المشاهير يتوافدون على البندقية لحضور حفل زفاف جيف بيزوس ولورين سانشيز

BBC عربية

timeمنذ 24 دقائق

  • BBC عربية

بالصور: المشاهير يتوافدون على البندقية لحضور حفل زفاف جيف بيزوس ولورين سانشيز

عقد الملياردير جيف بيزوس، مؤسس شركة أمازون، قرانه على مقدمة البرامج التلفزيونية، لورين سانشيز، في حفل زفاف فاخر في مدينة البندقية (فينيسيا) الإيطالية يوم الجمعة. ورافق المصورون الصحفيون نجوم برامج الواقع والممثلين، وأفرادا من العائلات المالكة وعددا كبيرا من نجوم الصف الأول في قوارب مائية، أثناء توجههم إلى الحدث الذي يستمر ثلاثة أيام. كانت أوبرا وينفري، التي حضرت حفل خطوبة الزوجين في عام 2023، من بين 200 ضيف. شاركت كيم وكلوي كارداشيان صوراً من الحدث، وتم تصويرهما لاحقاً وهما تنطلقان بسرعة في تاكسي مائي. الممثل، أورلاندو بلوم، يقف أمام المصورين أثناء مغادرته الحفل. مصمم الأزياء دومينيكو دولتشي (يمين الصورة)، الذي ساعد في تصميم ملابس سانشيز ليوم عرسها الكبير. المتفرجون المتحمسون يرصدون جيف بيزوس، في طريقه إلى جزيرة سان جورجيو في البندقية. المغني وكاتب الأغاني الأمريكي آشر (يسار) مع نجم كرة القدم الأمريكية توم برادي (يمين). احتج نشطاء في البندقية على خلفية حفل زفاف جيف بيزوس، مشيرين إلى المخاوف بشأن المناخ والسياحة المفرطة. ويعني مصطلح "السياحة المفرطة" تدفق أعداد هائلة من الزوّار خلال فترات قصيرة، ما يخلق ضغوطاً على البنية التحتية والموارد والخدمات. اختار محرر شؤون الموضة، إدوارد إنينفول، وعارضة الأزياء الإيطالية، فيتوريا سيريتي، ألواناً باهتة لهذا اليوم الحار. وارتدى جاريد كوشنر وإيفانكا ترامب، ابنة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ملابس السهرة.

هيرميس تعرض مجموعة من الأزياء الرجالية المصنوعة من الجلد في باريس
هيرميس تعرض مجموعة من الأزياء الرجالية المصنوعة من الجلد في باريس

القدس العربي

timeمنذ ساعة واحدة

  • القدس العربي

هيرميس تعرض مجموعة من الأزياء الرجالية المصنوعة من الجلد في باريس

باريس: عرضت فيرونيك نيشانيان المديرة الفنية للأزياء الرجالية في شركة هيرميس اليوم السبت مجموعة صيف 2026 تضمنت قمصانا وسراويل مفتوحة مصنوعة من الجلد المنسوج. وسار العارضون في مجموعة تصطف على جانبيها مرايا شاهقة لعرض سراويل جلدية وأخرى مخططة عالية الخصر، وقمصانا بلا أكمام وسترات بزخارف متعرجة وجلدية. وارتدى البعض أحذية بأربطة كاشفة للقدمين، في حين ارتدى آخرون أحذية تغطي الكاحل من الجلد اللامع وجلد التمساح. وكانت الحقائب واسعة من القماش مع أحزمة جلدية تتناسب مع اللونين البني الفاتح والداكن اللذين طغيا على التدرجات اللونية. وتوجت عُصابات الرأس الحريرية اكتمال أطقم الملابس. وحيا الجمهور نيشانيان بحرارة عندما خرجت لتقف على منصة العرض وهي تبتسم ابتسامة عريضة. ويختتم غدا الأحد أسبوع الموضة في باريس الذي تضمن عروضا لعلامة (سان لوران) المملوكة لشركة (كيرينج) وعلامة (لوي فيتون) التابعة لشركة (إل.في.إم.إتش) والظهور الأول المرتقب لجوناثان أندرسون في علامة (ديور). (رويترز)

السينما المغربية: حضور متكرر… وإنجاز غائب
السينما المغربية: حضور متكرر… وإنجاز غائب

القدس العربي

timeمنذ 2 ساعات

  • القدس العربي

السينما المغربية: حضور متكرر… وإنجاز غائب

الرباط ـ «القدس العربي»: من جديد، خرجت السينما المغربية خاوية الوفاض من مهرجان «كان» السينمائي، دون أن يحظى أي فيلم أو ممثل بأي تتويج، ضمن جوائز المسابقة الرسمية، ما يطرح علامات استفهام كثيرة حول أسباب غياب الأفلام المغربية عن دائرة التتويج في المهرجانات العالمية الكبرى. ولم يسبق لأي فيلم مغربي أن تمكن من دخول المسابقة الرسمية لمهرجان «كان»، إذ غالبا ما اقتصرت المشاركات على مسابقات جانبية كـ»نظرة ما»، مثل فيلم «الجرح» للمخرجة سلوى الكنوني، بالإضافة إلى فيلم «الجميع يحب تودا» للمخرج نبيل عيوش، الذي أعلن فوزه بجائزتين ضمن «جوائز النقاد للأفلام العربية 2025»، التي أعلنت نتائجها على هامش فعاليات مهرجان كان السينمائي. ورغم تعدد المحاولات والمشاركات في مهرجانات عربية وأوروبية، فإن هذه المشاركات، وإن كانت مهمة من حيث الحضور، لم ترقَ إلى المستوى الذي يضمن للسينما المغربية تألقا عالميا حقيقيا ومستمرا. ويعكس هذا الوضع، حسب النقاد، ضعفا هيكليا في الصناعة السينمائية المغربية التي لم ترسخ بعد أسسها بشكل قوي، على غرار ما حققته دول عربية مثل مصر. كما يُعزى هذا التراجع أيضا إلى خيارات فنية وموضوعاتية، لا ترتكز بالضرورة على قضايا محلية عميقة، بل تميل في بعض الأحيان إلى ما يُرضي المُنتجين الأجانب منهم على الخصوص، ما يُفقد الأفلام روحها الأصيلة وخصوصيتها الثقافية. وأفاد الناقد الفني والسينمائي مصطفى الطالب، بأن السينما المغربية تخرج مرة أخرى دون جائزة، رغم مشاركتها بفيلم مغربي «الجرح» لسلوى الكنوني في مسابقة «نظرة ما»، لافتا إلى أن جل الأفلام المغربية المشاركة في مهرجان «كان» تشارك فقط في هذه الخانة من المسابقة ولا تشارك في المسابقة الرسمية للمهرجان، ما يطرح أكثر من سؤال حول عدم وصولها وتألقها في مثل هذه المهرجانات العالمية. وأشار إلى أن الفيلم المغربي «الجرح» هو من إنتاج متعدد الجنسيات، ويعزف على الوتر نفسه الذي تعزف عليها بعض الأفلام المغربية، والمتعلق بالضرب في ثقافة المجتمع المغربي وقيمه. الأمر الذي لا يؤدي إلى تألق السينما المغربية عالميا بقدر ما يخدم أصحابها والمنتج العالمي. وأبرز الطالب متحدثا لـ»القدس العربي»، أنه لم يسبق لأي فيلم مغربي أن تمكّن من الوصول إلى جوائز الأوسكار أو الدخول في المسابقة الرسمية لـ»كان». وتابع: «صحيح أن العديد من الأفلام المغربية تألقت في مهرجانات عربية وأخرى أوروبية، لكن ليست بالشكل المطلوب الذي يضمن لها عالميتها وجودتها». ويرى الناقد السينمائي، أن الأمر دليل على أن السينما المغربية، التي ما زالت لم تحقق صناعتها الوطنية مثل مصر، «تحتاج إلى الرفع من مستواها الفني وكذلك معالجة مواضيع ذات عمق، وبعد وطني أكثر من مواضيع ترضي الآخر، أو المنتج الأجنبي، وهذا ما نراه في الأفلام الأخرى التي تحترم نفسها وتحترم جمهورها. ذلك أن المواضيع المحلية الإنسانية هي التي تعطي للإبداع السينمائي بعده العالمي». وأشار مصطفى الطالب إلى أن الكل يتفق على دعم السينما المغربية والدفع بها عالميا، خاصة أن المغرب يستقطب إنتاجات سينمائية عالمية، لكن ذلك يجب أن يترجم على أرض الواقع بالوقوف على الخلل، والدفع بكل الطاقات السينمائية التي لها مشروع سينمائي وطني ينهل من الواقع والثقافة المغربية، عوض احتكار المشهد السينمائي من طرف البعض، الذي يحقق نجاحه على حساب الأغلبية. وأكد: «إذا كنا نؤمن اليوم بالدبلوماسية الثقافية والسينمائية، فيجب أن نعمل لكي تكون السينما الخاصة بنا في مستوى هذا الطموح». وفي تتويج وصفته الصحف المغربية بـ»الإنجاز اللافت»، حصد الفيلم القصير «L'mina» لمخرجته راندا معروفي جائزة Leitz Cine Discovery لأفضل فيلم قصير، ضمن فعاليات الدورة الرابعة والستين لأسبوع النقاد (La Semaine de la Critique) الموازي لمهرجان كان السينمائي لعام 2025، حيث يعد هذا التتويج الأول من نوعه لفيلم مغربي في تاريخ أسبوع النقاد. وتم تصنيف الفيلم كعمل تجريبي- وثائقي مدته 26 دقيقة، وشكّل منصة للتعبير عن مواقف إنسانية وسياسية. فعقب عرضه، وأثناء صعود فريق العمل إلى المنصة، عبّر الفريق عن تضامنه مع القضية الفلسطينية بشكل لافت، حيث تناولت المخرجة راندا معروفي القضية في كلمتها، بينما رفع الفنان أمين مقلش العلم الفلسطيني في قلب فرنسا. ولم يقتصر هذا الموقف على الكلمات أو الرموز، بل تجسّد أيضا في الأزياء، إذ ارتدى أعضاء الفريق الكوفية الفلسطينية، وسترات تحمل عبارات مثل «سنبقى» و»راجعين يا هوى».

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store