logo
فان غوخ همدان: حين تخذل البلاد عبقريًا

فان غوخ همدان: حين تخذل البلاد عبقريًا

يمرسمنذ 7 ساعات
عبدالوهاب قطران
خرجتُ اليوم الى البلاد همدان لتعزية أنسابنا الأعزاء، آل عبية، في رحيل الفذ المنسي، والعبقري الصامت، حمود علي محمد عبية، تغمّده الله بواسع رحمته ومغفرته.
رحل حمود، وترك خلفه فراغًا يئن من صمته، وألمًا لا يبوح به إلا من عرفوه على حقيقته؛ على ذلك النور الذي خَبَا في زوايا حياته المظلمة.
لقد كان، رحمه الله، شخصية فريدة تمشي على الأرض.
عبقرية مدهشة تؤكّد لك أن بين الجنون والعبقرية خيطًا رفيعًا لا يرى، لكنه كان يعيشه، يتأرجح عليه كبهلوانٍ يرفض أن يسقط، رغم تعرجات الجراح.
كان يرسم بيدٍ عارية، وبأدواتٍ بدائية بسيطة، لوحاتٍ تخطف الأبصار وتُدهش الأرواح، فتؤمن أن الفن لا يحتاج إلى مرسمٍ فاخر، بل إلى روحٍ متقدة، متوهّجة، متمرّدة على القبح.
ينتمي حمود إلى جيلٍ سبقنا بعقد، جيل منتصف الستينيات. كان الأوّل على دفعته في مدرستنا، لكنْ لأنّ مدرستنا لم تكن تدرّس القسم العلمي، ارتحل إلى بني الحارث، كلّ يوم على دراجته النارية، ليكمل تعليمه. اشتراها من راتب الجندية التي انخرط فيها باكرًا، أظنه كان حينها يتعسكر في "النادرة" بالمناطق الوسطى.
وتحكي ذاكرة الطفولة أنه، وهو لا يزال في الابتدائية، كان يرسم عملة الريال والخمسة ريالات الحمراء، فياخذ دفاتره زملائه بالمدرسة فيقتلعوا الرسمة من وسط الدفتر ويذهبون بها إلى دكان "أم ناجي" في قريتنا، ويشترون بها البسكويت والعصائر، فلا تشكّ المرأة الطيبة لحظة أنها ليست أوراقًا نقدية حقيقية!
لم أعرف حمود إلا وقد اختار الانزواء والعزلة، كما لو أنه نذر روحه لصمتٍ كصمت "كافكا"، أو جرحٍ يشبه جرح "فان غوخ". كانت عزلته احتجاجًا صامتًا على قبح هذا العالم، وبحثًا أبديًا عن نور لم يجده في عيون الناس.
قبل أكثر من عشرين عاما، بنى دُشمة من اللبن والطين على مرتفعٍ مُلهمٍ بجوار منزلهم، تُطل على الجهات الأربع. من نوافذها، كان يرى غروب الشمس صافياً، ومطار صنعاء متلألئًا، والعاصمة تتوهج كعقد لؤلؤ، وجبل نقم شامخًا كأنه تحته لا أمامه.
وكانت تلك الدشمة قريبة من جرب قاتنا. وكنت، يومها، فتىً يافعًا أقطف أغصان القات لأبيعه له كل يوم بعشرين ريالًا علاقية قطل. كان يمضغه وحيدًا بعد الظهر، ثم يغرق في التأمّل، والرسم، والكتابة.
أتذكر، منذ خمسةٍ وعشرين عامًا، تسلّلت إلى دُشمته ذات صباح بدافع فضولٍ لا يُقاوم، قلّبت دفاتره الملقاة جوار المدكَى، فوجدت فيها أشعارًا ملغزة، ورسوماتٍ مذهلة لحيوانات وكواكب ومجرات، وقصور وحدائق، ووجوه رجال ونساء، بريشةٍ أنيقةٍ لا تشبه سوى روح صاحبها.
عزف عن الزواج، واعتزل ضجيج الحياة، وكان إذا تكلّم نطق بحكمٍ تدهشك أكثر مما تفهمك.
شاحب الوجه، نحيل الجسد، أنيق الهيئة، يزيّن دراجته النارية بالمرايا من كل الاتجاهات، فإذا غضب حطّمها كما لو كان يحطم هذا العالم الظالم الذي لم ينصفه.
كتب، ورسم، ودوّن على درزينة دفاتر، ثم في لحظة احتراق داخلي قبل عشرين عامًا، ثار على كل شيء، أضرم النار في دفاتره، هدم دُشمته بيديه، كمن يدفن ذاكرته وروحه تحت الركام.
لو وُلد حمود في غير هذا البلد المنسي، لكان فنانًا عالميًا، يُشار إليه بالبنان، وتُزيّن لوحاته المتاحف، وتُترجم قصائده إلى لغات الأرض.
لكنّ القدر رماه في جاهلية همدان، فدُفنت معه كل مواهبه، واغتيلت عبقريته بصمتٍ رهيب.
تذكّرت، وأنا أكتب هذه الشذرات، مقولة دوستويفسكي في إحدى رواياته – ربما كانت "الإخوة كارامازوف" – عندما لمح ملامح العبقرية على وجه نادلٍ في مطعم، وقال:
"لو لم تسحقه الحياة، لكان فيلسوفًا كأفلاطون، أو شاعرًا لا يقل عن دانتي…"
لكن المصادفة شاءت أن يُطمر في هامش الحياة، لا يذكره أحد.
قبل أيام، داهمته جلطة أقعدته، أثّرت على قدمه، فنُقل إلى صنعاء. قرر الأطباء بترها، فارتجل أبياتًا شعرية، كأنما يكتب وصيته الأخيرة أو يتنبأ برحيله. دهش الطبيب من بلاغته، وتراجع عن قراره.
عاد إلى البيت يتوجّع في صمت، ويموت ببطء، حتى صعدت روحه المعذبة مساء الأمس إلى بارئها، بعد حياةٍ قاسيةٍ أوجعته، ولم تنصفه.
لروحه السكينة والسلام، والمغفرة والرضوان.
وخالص العزاء لنسبي العزيز علي بن علي عبية، ولأخيه منصور، ولكل آل عبية الكرام.
الخلود للمبدعين المنسيين… والبقاء لله.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

نادي بالستينو التشيلي ينعي مهند الليلي ويستنكر استهداف الرياضيين في غزة
نادي بالستينو التشيلي ينعي مهند الليلي ويستنكر استهداف الرياضيين في غزة

24 القاهرة

timeمنذ 6 ساعات

  • 24 القاهرة

نادي بالستينو التشيلي ينعي مهند الليلي ويستنكر استهداف الرياضيين في غزة

نشر الحساب الرسمي لنادي بالستينو التشيلي عبر فيسبوك، منشورًا حول استشهاد اللاعب مهند الليلي نجم الكرة الفلسطينية. استشهاد لاعب منتخب فلسطين مهند الليلي في قصف إسرائيلي على غزة بالستينو التشيلي ينعى مهند الليلي ويستنكر استهداف الرياضيين في غزة وذكر الحساب الرسمي لنادي بالستينو التشيلي: جرائم إسرائيل ضد الرياضة الفلسطينية مستمرة: استشهاد مهند الليلي لاعب كرة القدم الفلسطيني من المغازي كلوم في قصف مباشر لمنزله في قطاع غزة. وأضاف: تجاوز عدد الرياضيين الفلسطينيين الذين قتلوا منذ أكتوبر 2023 هم 585 منهم 265 لاعب كرة قدم، لا يمكننا أن نصمت أمام هذه الجرائم الخطيرة التي يجب أن يكون لها رد حازم، الله يرحمك يا مهند. بالستينو التشيلي ينعى مهند الليلي ويستنكر استهداف الرياضيين في غزة استشهاد لاعب منتخب فلسطين مهند الليلي في قصف إسرائيلي على غزة في وقت سابق، استشهد لاعب منتخب فلسطين لكرة القدم مهند الليلي، اليوم الخميس، متأثرًا بجراحه التي أصيب بها جراء قصف إسرائيلي استهدف منزله في مخيم المغازي وسط قطاع غزة، بحسب ما أعلن الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، حيث ذكر الاتحاد في بيانه الرسمي أن الليلي، كان أحد أبرز لاعبي نادي خدمات المغازي والمنتخب الفلسطيني، ويمثل رحيله خسارة كبيرة للكرة الفلسطينية. وتأتي هذه الحادثة في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة منذ أكتوبر 2023 والذي أسفر حتى الآن عن استشهاد أكثر من 57 ألف فلسطيني، بينهم عدد من الرياضيين والفنانين والصحفيين، وفق بيانات وزارة الصحة في القطاع. الجدير بالذكر، أن الاتحاد الفلسطيني والعديد من الأندية واللاعبين قاموا بـ نعي الشهيد الليلي، مشددين على أن استهداف الرياضيين والمدنيين يُعد جريمة بحق الإنسانية يجب أن تُحاسب عليها إسرائيل.

فان غوخ همدان: حين تخذل البلاد عبقريًا
فان غوخ همدان: حين تخذل البلاد عبقريًا

يمرس

timeمنذ 7 ساعات

  • يمرس

فان غوخ همدان: حين تخذل البلاد عبقريًا

عبدالوهاب قطران خرجتُ اليوم الى البلاد همدان لتعزية أنسابنا الأعزاء، آل عبية، في رحيل الفذ المنسي، والعبقري الصامت، حمود علي محمد عبية، تغمّده الله بواسع رحمته ومغفرته. رحل حمود، وترك خلفه فراغًا يئن من صمته، وألمًا لا يبوح به إلا من عرفوه على حقيقته؛ على ذلك النور الذي خَبَا في زوايا حياته المظلمة. لقد كان، رحمه الله، شخصية فريدة تمشي على الأرض. عبقرية مدهشة تؤكّد لك أن بين الجنون والعبقرية خيطًا رفيعًا لا يرى، لكنه كان يعيشه، يتأرجح عليه كبهلوانٍ يرفض أن يسقط، رغم تعرجات الجراح. كان يرسم بيدٍ عارية، وبأدواتٍ بدائية بسيطة، لوحاتٍ تخطف الأبصار وتُدهش الأرواح، فتؤمن أن الفن لا يحتاج إلى مرسمٍ فاخر، بل إلى روحٍ متقدة، متوهّجة، متمرّدة على القبح. ينتمي حمود إلى جيلٍ سبقنا بعقد، جيل منتصف الستينيات. كان الأوّل على دفعته في مدرستنا، لكنْ لأنّ مدرستنا لم تكن تدرّس القسم العلمي، ارتحل إلى بني الحارث، كلّ يوم على دراجته النارية، ليكمل تعليمه. اشتراها من راتب الجندية التي انخرط فيها باكرًا، أظنه كان حينها يتعسكر في "النادرة" بالمناطق الوسطى. وتحكي ذاكرة الطفولة أنه، وهو لا يزال في الابتدائية، كان يرسم عملة الريال والخمسة ريالات الحمراء، فياخذ دفاتره زملائه بالمدرسة فيقتلعوا الرسمة من وسط الدفتر ويذهبون بها إلى دكان "أم ناجي" في قريتنا، ويشترون بها البسكويت والعصائر، فلا تشكّ المرأة الطيبة لحظة أنها ليست أوراقًا نقدية حقيقية! لم أعرف حمود إلا وقد اختار الانزواء والعزلة، كما لو أنه نذر روحه لصمتٍ كصمت "كافكا"، أو جرحٍ يشبه جرح "فان غوخ". كانت عزلته احتجاجًا صامتًا على قبح هذا العالم، وبحثًا أبديًا عن نور لم يجده في عيون الناس. قبل أكثر من عشرين عاما، بنى دُشمة من اللبن والطين على مرتفعٍ مُلهمٍ بجوار منزلهم، تُطل على الجهات الأربع. من نوافذها، كان يرى غروب الشمس صافياً، ومطار صنعاء متلألئًا، والعاصمة تتوهج كعقد لؤلؤ، وجبل نقم شامخًا كأنه تحته لا أمامه. وكانت تلك الدشمة قريبة من جرب قاتنا. وكنت، يومها، فتىً يافعًا أقطف أغصان القات لأبيعه له كل يوم بعشرين ريالًا علاقية قطل. كان يمضغه وحيدًا بعد الظهر، ثم يغرق في التأمّل، والرسم، والكتابة. أتذكر، منذ خمسةٍ وعشرين عامًا، تسلّلت إلى دُشمته ذات صباح بدافع فضولٍ لا يُقاوم، قلّبت دفاتره الملقاة جوار المدكَى، فوجدت فيها أشعارًا ملغزة، ورسوماتٍ مذهلة لحيوانات وكواكب ومجرات، وقصور وحدائق، ووجوه رجال ونساء، بريشةٍ أنيقةٍ لا تشبه سوى روح صاحبها. عزف عن الزواج، واعتزل ضجيج الحياة، وكان إذا تكلّم نطق بحكمٍ تدهشك أكثر مما تفهمك. شاحب الوجه، نحيل الجسد، أنيق الهيئة، يزيّن دراجته النارية بالمرايا من كل الاتجاهات، فإذا غضب حطّمها كما لو كان يحطم هذا العالم الظالم الذي لم ينصفه. كتب، ورسم، ودوّن على درزينة دفاتر، ثم في لحظة احتراق داخلي قبل عشرين عامًا، ثار على كل شيء، أضرم النار في دفاتره، هدم دُشمته بيديه، كمن يدفن ذاكرته وروحه تحت الركام. لو وُلد حمود في غير هذا البلد المنسي، لكان فنانًا عالميًا، يُشار إليه بالبنان، وتُزيّن لوحاته المتاحف، وتُترجم قصائده إلى لغات الأرض. لكنّ القدر رماه في جاهلية همدان، فدُفنت معه كل مواهبه، واغتيلت عبقريته بصمتٍ رهيب. تذكّرت، وأنا أكتب هذه الشذرات، مقولة دوستويفسكي في إحدى رواياته – ربما كانت "الإخوة كارامازوف" – عندما لمح ملامح العبقرية على وجه نادلٍ في مطعم، وقال: "لو لم تسحقه الحياة، لكان فيلسوفًا كأفلاطون، أو شاعرًا لا يقل عن دانتي…" لكن المصادفة شاءت أن يُطمر في هامش الحياة، لا يذكره أحد. قبل أيام، داهمته جلطة أقعدته، أثّرت على قدمه، فنُقل إلى صنعاء. قرر الأطباء بترها، فارتجل أبياتًا شعرية، كأنما يكتب وصيته الأخيرة أو يتنبأ برحيله. دهش الطبيب من بلاغته، وتراجع عن قراره. عاد إلى البيت يتوجّع في صمت، ويموت ببطء، حتى صعدت روحه المعذبة مساء الأمس إلى بارئها، بعد حياةٍ قاسيةٍ أوجعته، ولم تنصفه. لروحه السكينة والسلام، والمغفرة والرضوان. وخالص العزاء لنسبي العزيز علي بن علي عبية، ولأخيه منصور، ولكل آل عبية الكرام. الخلود للمبدعين المنسيين… والبقاء لله.

فى تجليات العار الغربى
فى تجليات العار الغربى

بوابة الأهرام

timeمنذ 10 ساعات

  • بوابة الأهرام

فى تجليات العار الغربى

تساءلت: ما رد فعل القوى الغربية على اعترافات جنود إسرائيليين بتلقيهم تعليمات مباشرة من قياداتهم لإطلاق النار على الفلسطينيين طالبى المساعدات قرب مركز ما يسمى «منظمة غزة الإنسان» حتى لو لم يشكلوا أى تهديد، والتى نشرتها صحيفة هآرتس الإسرائيلية يوم 26 يونيو الماضي، بعد أن قتل الاحتلال الإسرائيلى 500 فلسطينى أعزل خلال محاولتهم الحصول على المساعدات فى غزة؟.. وكيف يصمت الغرب على جرائم الحرب التى يرتكبها جيش الاحتلال على مدى 20 شهرا؟ ولماذا يمتنع عن إدانة هذه الجرائم التى تنتهك كل القيم التى يدعو إليها والقوانين والمواثيق الدولية التى برع فى صياغتها؟! رجعت بذاكرتى إلى الوراء، وتذكرت أن الغرب يرتكب على مدى التاريخ جرائم توصف بالعار ضد الشعوب الأخرى ولكن فى هذه الحقبة جديد يستحق الرصد والتأمل. ففى كل مرة يرفع الغرب شعارات كاذبة لتبرير عدوانه، تارة شعارات دينية: ( خلال الحروب الصليبية) والكل يعلم ان السيد المسيح عليه السلام بريء تماما منها بل إنها تناقض تعاليمه (ومنها: الله محبة..وأحبوا أعداءكم) وتارة أخرى يستخدم شعارات مدنية كتعمير البلاد (الاستعمار) وهو فى الحقيقة يقصد تخريب البلدان التى احتلها لنهب مواردها وتحويلها إلى أسواق لمنتجاته، وتارة ثالثة بدعوى حماية حقوق الإنسان وتحقيق الديمقراطية، ورابعة بحجة التخلص من أسلحة الدمار.. تنوعت المبررات والهدف واحد هو السيطرة على مقدرات الشعوب ومنعها من حقها فى التقدم والتنمية وحماية استقلالها الوطني. كنا نتصور ان التطور الحضارى الذى حققه الغرب والقيم التى يدعو إليها أنهت هذا الجنوح، ولكن الإحداث تؤكد أن كل ذلك كان وهما وأنه يواصل جرائمه إما مباشرة أو بالوكالة بعد ان زرع بمنطقتنا كيانا يكمل مسيرته الاستعمارية او بالأحرى «الاستحمارية» وأن قيم الحرية وحماية حقوق الإنسان التى يتشدق بها مقصورة على الإنسان الغربى فقط!! أى قراءة سريعة للتاريخ تبين بوضوح ذلك، فجميع أشكال العنصرية هى إنتاج غربى بامتياز، وكل ما ارتكب من جرائم ضد اليهود على مدى التاريخ والتى توجت بالمحرقة هى جرائم غربية حاول الغرب غسل يده منه فيما سمى «المسألة اليهودية» من خلال تصديرها إلى المنطقة العربية منذ وعد بلفور وحتى اليوم، ثم حولها الى قاعدة متقدمة لمشروعه الاستعماري.. وأن محاكم التفتيش، والإبادة الجماعية لسكان البلاد الأصليون (الهنود الحمر) واحتلال بلدان العالم بالقوة. واستخدام القنابل النووية (هيروشيما وناجازاكي) واحتكار أدوات القوة وتحريمها على الآخرين وتدمير كل محاولة لامتلاكها (كما حدث فى لبيبا وسوريا والعراق وايران) وزرع الفتن وتقسم البلاد (سايكس بيكو فى الماضى والشرق الأوسط الجديد المزعوم) وإشعال الحروب العالمية.. كل ذلك تخطيط وإنتاج وتنفيذ غربي.. وفى هذا السياق يمكن فهم اصطفاف الدول الغربية مع العدوان الإسرائيلى على فلسطين ولبنان وسوريا والعراق وصمتها وتبريرها للإبادة الجماعية التى تمارسها إسرائيل تجاه الفلسطينيين بغزة، والتى اعتبرتها القوى الغربية بلسان واحد انه «دفاع عن النفس» وكأن التاريخ بدأ يوم 7 اكتوبر 2023، وهو الأمر الذى تكرر أيضا فى موقف الغرب من العدوان الإسرائيلى على إيران وإن كان تبريره للموقف الأخير قد أخذ منعطفا أكثر صراحة وبجاحة عندما لخص المستشار الألمانى فريدريتش ميرتس، مواقف الغرب المخزية فى عبارة واحدة، قائلا:»هذه مهمة قذرة تؤديها إسرائيل نيابة عنا جميعاً» مبديا، تأييد بلاده للعدوان الإسرائيلى على إيران وهو النهج الذى اتخذته سائر القوى الغربية الأخري. وهكذا ظلت كل سلوكيات العار تتم على مدى التاريخ مغلفة بشعارات ولافتات مزيفة ولكن الجديد أن التقدم فى تكنولوجيا الاتصالات جعل ازدواج المعايير لدى القوى الغربية أمرا مفضوحا أمام الجميع اليوم، بخاصة وأن الأقدار شاءت أن تضع الغرب أمام اختبار قوى لسرديته عن قيمه الحضارية، حيث تدعى الدول الغربية أنها المدافع الوحيد عن الحرية والعدالة والمساواة واحترام القانون على الساحة الدولية. ومن هنا كان تزامن العدوان الروسى على أوكرانيا مع العدوان الإسرائيلى على فلسطين وإيران، كاشفا عن مدى كذب هذه السردية، كما مكن أصحاب الضمائر الحية فى الشرق والغرب من أن يقارنوا بين مواقف الغرب من هاتين الحالتين المتشابهتين. أما نتيجة هذه المقارنة فربما تحتاج إلى تفصيل فى مقال آخر!

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store