
استيلاء روسيا على منجم ليثيوم مهم يقلص مساحة الموارد الأوكرانية
سلط استيلاء القوات الروسية على منجم ليثيوم قيّم في منطقة دونيتسك شرق أوكرانيا خلال «هجوم الصيف» المستمر، الضوء على التحديات التي تواجهها اتفاقية المعادن التي وقعتها الولايات المتحدة مع كييف قبل أشهر قليلة. ووفقاً لخرائط ميدانية من مجموعات مستقلة تتتبع التقدم الروسي، فقد استولت القوات الروسية على المنجم الواقع على مشارف قرية شيفتشينكو غرب دونيتسك، في الأيام الأخيرة، وهو أول منجم يقع في أيدي روسيا منذ توقيع الاتفاق، كجزء من المكاسب الميدانية المطردة التي حققتها في تلك المنطقة. وقالت صحيفة «نيويورك تايمز» في تقرير لها، إنه على الرغم من صغر حجمه نسبياً، إذ لا يتجاوز 100 فدان، فقد اعتبره محللو الصناعة من أثمن مناجم أوكرانيا نظراً لتركيزه الغني بالليثيوم، وهو معدن أساسي لتصنيع التقنيات المتقدمة مثل البطاريات الكهربائية، وصنّفت الولايات المتحدة الليثيوم بأنه عنصر أساسي لاقتصادها وأمنها القومي.
جانب من اللقاء بين ترمب وزيلينسكي في البيت الأبيض... 28 فبراير (أ.ب)
تسعى إدارة ترمب إلى الاستفادة من احتياطيات أوكرانيا الهائلة من الليثيوم، والتي تُعد من أكبر الاحتياطيات في أوروبا، من خلال الاتفاقية التاريخية التي وُقّعت مؤخراً تمنحها حق الوصول المباشر إلى ثروات البلاد المعدنية، غير أن الاستيلاء على هذا المنجم يُسلّط الضوء على تحدٍّ جوهري للاتفاق. فكلما زادت الأراضي التي تسيطر عليها القوات الروسية في أوكرانيا، قلّت الموارد التي تستطيع كييف تقديمها لواشنطن. وبموجب الاتفاقية، فقد أنشئ صندوق أميركي - أوكراني مشترك يتمتع بحقوق الأولوية للاستثمار في مشاريع استخراج المعادن في أوكرانيا. وأبدت الولايات المتحدة اهتماماً خاصاً بالاستفادة من معادن أوكرانيا كوسيلة لتقليل الاعتماد على الصين، التي تُهيمن على سلاسل التوريد العالمية.
الرئيسان الأميركي دونالد ترمب والأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض خلال زيارة الثاني واشنطن يوم 28 فبراير الماضي (أ.ف.ب)
وسعى المسؤولون الأوكرانيون خلال المفاوضات بشأن الاتفاق، إلى تأمين مزيد من الدعم العسكري الأميركي، مُجادلين بأن من مصلحة الولايات المتحدة الاقتصادية مساعدة أوكرانيا على دحر القوات الروسية والاحتفاظ بالسيطرة على احتياطياتها القيّمة. غير أن إدارة الرئيس ترمب رفضت باستمرار ربط هذا الاتفاق بأي دعم عسكري إضافي، وتمتنع حتى الآن عن تقديم أي مساعدة إضافية على الرغم من قرب نفاد مخزون أوكرانيا العسكري من المعدات الأميركية، وعدم قدرة حلفائها الأوروبيين على سد هذا النقص. ولا يزال الغموض يحيط بمستقبل العلاقات الأميركية - الأوكرانية، وبرؤية واشنطن لنهاية الحرب، بعد اتهام الأوروبيين الرئيس ترمب بمحاباة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على حساب أوكرانيا وأمن القارة الأوروبية بمجملها.
ويرى المسؤولون الأوكرانيون أن الاتفاق كان يهدف إلى تأمين دعم أميركي طويل الأمد لبلدهم. وفي محاولة واضحة لإظهار لإدارة ترمب أن الاتفاق يمكن أن يُسفر عن نتائج سريعة، وافقت الحكومة الأوكرانية، الأسبوع الماضي، على الخطوات الأولى لفتح منجم كبير لليثيوم مملوك للدولة أمام الاستثمار الخاص. وقالت يوليا سفيريدينكو، وزيرة الاقتصاد الأوكرانية، التي وقّعت الاتفاق نيابةً عن بلادها، إن هذا الموقع، المعروف باسم حقل «دوبرا» لليثيوم، قد يصبح أول مشروع يُبدأ بموجب الاتفاق. وأبدى العديد من المستثمرين اهتمامهم بالفعل، بما في ذلك شركة «كريتيكال ميتالز كورب» الأميركية، التي كانت تمتلك ترخيصاً لاستغلال منجم شيفتشينكو الذي استولت عليه القوات الروسية. ورغم خسارتها المنجم، فقد أبدت الشركة حرصها على المشاركة في شراكة المعادن بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، وفقاً لمديرها ميخايلو زيرنوف. ومع ذاك، فقد قال إنه «إذا واصلت القوات الروسية تقدمها، واستولت على مزيد من الأراضي، فستسيطر على مزيد من الرواسب المعدنية». وأضاف: «إنها مشكلة تواجه هذه الصفقة».
ومع أن التقدم المستمر للقوات الروسية يعد التحدي الأكبر الذي يواجهه اتفاق المعادن، يقول محللو الصناعة إن عقبات عدة تلعب دوراً سلبياً في المضي في الصفقة، بما في ذلك إجراءات الترخيص المعقدة والمسوحات الجيولوجية القديمة التي تُخفي القيمة الحقيقية لباطن الأرض في أوكرانيا.
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ب)
وتوضح خريطة أعدها معهد دراسة الحرب في واشنطن أن احتلال روسيا لنحو خُمس أراضي أوكرانيا يعني أنها تسيطر بالفعل على كثير من رواسب التيتانيوم والمنغنيز ومعادن حيوية أخرى. كما دمرت القوات الروسية أو استولت على بعض أكبر مناجم الفحم في أوكرانيا. وفي حال واصلت القوات الروسية تقدمها في مناطق شرق أوكرانيا الغنية بالموارد الطبيعية، فإنها تقترب الآن من مزيد من رواسب التيتانيوم ومواد خام أخرى مثل اليورانيوم. لا تزال أوكرانيا تمتلك احتياطيين رئيسيين آخرين من الليثيوم متاحين للتطوير، وكلاهما يقع في وسط البلاد، بعيداً عن خطوط المواجهة الحالية.
ويرى مراقبون أن الاستيلاء على منجم «شيفتشينكو» بدا رسالة روسية، ليس فقط بسبب تميزه بجودة خامه، الذي يتكون أساساً من الإسبودومين، الذي يحتوي على مستويات عالية من الليثيوم، بل ولرمزيته تجاه مستقبل الاستثمارات الأميركية، بعدما أبدت إدارة ترمب رغبتها أيضاً في التفاوض مع روسيا للتوصل إلى اتفاقات مماثلة.
صرح فلاديمير إيجيكوف، وهو مسؤول روسي رفيع المستوى مُعيّن في منطقة دونيتسك، بأن قسم التعدين في شركة «روساتوم» النووية العملاقة الحكومية الروسية، أبدى اهتماماً بمنجم شيفتشينكو. وفي العام الماضي، وبينما كانت القوات الروسية تتقدم نحو الحقل، قال إيجيكوف: «نحن ندرك أن هذا المنجم عنصر بالغ الأهمية في الاقتصاد المستقبلي، وله إمكانات هائلة». وأضاف: «سيحصل هذا المنجم بالتأكيد على ترخيص. سيكون هناك بالتأكيد استثمار وتعدين لليثيوم».
جانب من اجتماع بين ترمب وزيلينسكي في الفاتيكان يوم 26 أبريل (أ.ب)
وميدانياً، أعلن سلاح الجو الأوكراني، الجمعة، أن قوات الدفاع الجوي الأوكراني أسقطت واعترضت 365 من أصل 371 صاروخاً وطائرة مسيرة أطلقتها روسيا على الأراضي الأوكرانية خلال الليل. وقال إن القوات الروسية شنت هجمات باستخدام 363 طائرة مسيرة هجومية من طراز «شاهد» وطرازات أخرى متنوعة، بالإضافة إلى صاروخين من طراز «كيه إتش47- إم تي كينجال» الباليستي، و6 صواريخ «كروز» من طراز «كاليبر»، حسبما ذكرت وكالة «أوكرينفورم» الأوكرانية. وأشار البيان إلى أن الهجوم الروسي استهدف بلدة ستاروكوستيانتينيف.
من جانبها، أعلنت وزارة الدفاع الروسية إسقاط 39 طائرة مسيرة أوكرانية في مناطق عدة خلال الليل، بما في ذلك 19 مسيرة فوق منطقة روستوف و13 مسيرة أخرى فوق منطقة فولغوغراد.
وقال مسؤولون إن الهجوم الأوكراني أجبر 3 مطارات روسية على تعليق الرحلات الجوية لفترة وجيزة، كما أغلقت السلطات أيضاً جسر القرم لفترة وجيزة خلال الليل بسبب استهداف الطائرات المسيرة لشبه جزيرة القرم.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ 19 دقائق
- Independent عربية
مجلس الشيوخ الأميركي يصوت على قانون ترمب الجدلي للإنفاق
ناقش أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي حتى الساعات الأولى من صباح الأحد مشروع قانون دونالد ترمب للإنفاق "الكبير والجميل"، وهو مقترح مثير للانقسامات سيحقق جزءاً من أجندة الرئيس الأميركي مع خفض كبير في برامج الرعاية الاجتماعية. ويأمل ترمب في أن يتم إقرار "مشروع القانون الواحد الكبير والجميل" الذي سيمدد الخفض الضريبي الذي أقره في ولايته الأولى والبالغة كلفته 4.5 تريليون دولار ويعزز الأمن على الحدود. لكن تدور انقسامات بين الجمهوريين في شأن الحزمة التي تحرم ملايين الأميركيين الذين يعدون من بين الأفقر من الرعاية الصحية وتضيف أكثر من 3 تريليونات دولار على ديون البلاد، قبل انتخابات التجديد النصفي المقررة العام المقبل. وبدأ مجلس الشيوخ رسمياً مناقشة مشروع القانون في وقت متأخر السبت، بعدما أخر جمهوريون رافضون المقترح ما كان يفترض بأن تكون عملية تصويت إجرائية، في تطور أثار حفيظة ترمب. وصوت أعضاء مجلس الشيوخ بفارق ضئيل لمصلحة بدء مناقشة المقترح (51-49)، بعد ساعات على صدور الدعوة إلى التصويت، إذ انضم نائب الرئيس جاي دي فانس إلى المفاوضات. وفي نهاية المطاف، انضم جمهوريان في مجلس الشيوخ إلى الديمقراطيين الـ47 الذين صوتوا ضد بدء النقاش. وضغط ترمب على حزبه لإقرار مشروع القانون ووضعه على طاولته ليوقع عليه ليصبح قانوناً بحلول الرابع من يوليو (تموز)، يوم عيد الاستقلال الأميركي. وقال ترمب على منصته "تروث سوشال" بعدما تم التصويت لمصلحة بدء النقاش "شهدنا الليلة انتصاراً كبيراً في مجلس الشيوخ". وأفاد في منشور سابق "على الجمهوريين أن يتذكروا بأنهم يحاربون ضد مجموعة من الأشخاص الخبيثين جداً والفاسدين الذين لا يتمتعون بالكفاءة (لجهة السياسات)، ممن يفضلون بأن يحترق بلدنا على القيام بالأمر الصحيح". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ويعارض الديمقراطيون بشدة التشريع وأجندة ترمب وتعهدوا تعطيل النقاش، وأصروا في مستهل الجلسة على وجوب قراءة مشروع القانون بأكمله علناً أمام المجلس قبل بدء النقاش. ويقع مشروع القانون في نحو 1000 صفحة وستستغرق قراءته كاملاً قرابة 15 ساعة. وقال رئيس كتلة الديمقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر إن "الجمهوريين لن يقولوا لأميركا ما هو مضمون مشروع القانون... لذا يجبرهم الديمقراطيون على قراءته من أوله إلى آخره في المجلس، سنبقى هنا طوال الليل إذا كان ذلك ما تتطلبه قراءته". وفي حال إقراره في مجلس الشيوخ فسيعود مشروع القانون إلى مجلس النواب لتمريره، حيث لا يمكن للجمهوريين تحمل خسارة إلا بضعة أصوات فيما يواجهون معارضة قوية من صفوف حزبهم. يعمل الجمهوريون على موازنة كلفة مقترح ترمب لخفض الضرائب والبالغة 4.5 تريليون دولار، إذ إن كثيراً من مقترحات الخفض ستأتي من خفض التمويل للتأمين الصحي الذي يعتمد عليه الأميركيون من ذوي الدخل المحدود "ميدك إيد ".(Medicaid) وتدور انقسامات بين الجمهوريين في شأن خفض "ميدك إيد" الذي يهدد عشرات المستشفيات الريفية وسيحرم نحو 8.6 مليون أميركي من الرعاية الصحية. كما تنص خطة الإنفاق على إلغاء كثير من الحوافز الضريبية المخصصة للطاقة المتجددة التي وضعت في عهد جو بايدن، سلف ترمب. وأمس السبت، وصف إيلون ماسك الذي اختلف الرئيس معه علناً على خلفية انتقاده مشروع القانون، المقترح بصيغته الحالية، معتبراً أنه "مجنون تماماً ومدمر". وقال ماسك، أثرى رجل في العالم، الذي يملك شركة "تيسلا" للمركبات الكهربائية وشركة "سبايس إكس" للفضاء وغيرهما، إن مشروع القانون "يقدم مساعدات لصناعات الماضي بينما يضر بصورة كبيرة بصناعات المستقبل". يظهر تحليل مستقل أيضاً بأن مشروع القانون سيمهد لإعادة توزيع تاريخية للثروات من أفقر 10 في المئة من الأميركيين إلى الأكثر ثراءً. وكشف استطلاع واسع النطاق أجري أخيراً عن أن مشروع القانون لا يحظى بأي شعبية في أوساط عدة فئات سكانية وعمرية ودخلية. وعلى رغم أن مجلس النواب أقر نسخته الخاصة به، فإنه يتعين على مجلسي النواب والشيوخ الاتفاق على النص ذاته قبل أن يكون من الممكن تحويله إلى قانون.

العربية
منذ ساعة واحدة
- العربية
إجراءات سريعة في اليابان لمواجهة ارتفاع التضخم
قال رئيس الوزراء الياباني ، شيجيرو إيشيبا، إن أي إجراءات لتخفيف التضخم في اليابان يجب أن تكون سريعة، ولا تعوق قدرة الحكومة على تمويل الخدمات الاجتماعية، في تصريح يعكس رفضه لخفض ضرائب المبيعات، في الوقت الذي تسعى فيه أحزاب المعارضة لخفض الضريبة قبل الانتخابات المقررة الشهر المقبل. وأوضح إيشيبا، اليوم الأحد في مؤتمر أقامته منظمة "مركز اليابان الإنتاجي" غير الربحية: "علينا أن نؤمن الاحتياجات الضرورية للرعاية الطبية ورعاية كبار السن والمعاشات، وعلاوة على ذلك، فإن التعامل مع توجهات التضخم الحالية يحتاج للسرعة". وأضاف أن إجراءات مواجهة التضخم يجب أن تصل للأكثر احتياجًا، مشيرًا إلى الخطوات الأخيرة لخفض أسعار الأرز والبنزين، وفق وكالة الأنباء الألمانية "د ب أ". وعارض إيشيبا خفض ضرائب المبيعات قبل انتخابات مجلس الشيوخ، حيث سيصوت الناخبون على أداء حكومة الأقلية التي يرأسها. ويذكر أن استطلاعًا أجرته وكالة "كيودو" أظهر أن 50.2% من المشاركين يرغبون في رؤية الائتلاف الحاكم يخسر أغلبيته في مجلس الشيوخ، في حين يأمل 38.1% في أن يحتفظ الائتلاف بالأغلبية. يشار إلى أن معدل التضخم في طوكيو تراجع في شهر يونيو الحالي لأول مرة منذ أربعة أشهر نتيجة للخطوات الحكومية لخفض أسعار الخدمات والبنزين.


العربية
منذ ساعة واحدة
- العربية
سانت بطرسبرغ
في روسيا - الدولة التي يحتمل أن تكون الأكبر من حيث المساحة الزراعية – تشح محاصيل البطاطس والبصل. حتى الرئيس فلاديمير بوتين لاحظ هذا العجز، وقال قبل بضعة أسابيع: "اتضح أن لدينا نقصا في البطاطس". كما أقر بوجود نقص في بنجر السكر وبعض الخضراوات. وقبل ذلك، شهدت أسعار البطاطس في المتاجر الروسية ارتفاعا حادا. ووفقا للأرقام الرسمية، ارتفعت أسعارها ثلاث مرات تقريبا خلال العام الماضي، بينما زاد سعر البصل بمقدار الضعف. وارتفع سعر الكرنب بأكثر من 50% عن العام الماضي، وفقا لمكتب الإحصاء الروسي (روستات). واضطر الروس إلى إنفاق ما يزيد قليلا عن يورو واحد لشراء كيلوغرام من البطاطس في يونيو/حزيران 2025. ومع متوسط دخل يقل قليلا عن 1000 يورو قبل احتساب الضرائب ومعاشات تقاعدية تزيد قليلا عن 200 يورو - وفقا لبيانات (روستات) - فإن هذا المبلغ ليس بقليل. ويُعد ارتفاع أسعار المواد الغذائية أحد العوامل الرئيسية المُسببة للتضخم في روسيا. ووفقا لوزارة الاقتصاد، يبلغ معدل التضخم حاليا 9.6%. ويحاول البنك المركزي الروسي السيطرة على التضخم من خلال سعر فائدة رئيسي مرتفع - يبلغ حاليا 20%. والهدف من ذلك: إذا تسببت أسعار الفائدة المرتفعة في زيادة صعوبة الاقتراض، فإن المعروض النقدي المتداول سينخفض. وقلة النقود تعني انخفاض الطلب وانخفاض التضخم. الاتجاه نحو الركود لكن هذا قد جلب لروسيا الآن المزيد من التعقيدات. في منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي، أصدر وزير الاقتصاد الروسي مكسيم ريشيتنيكوف تحذيرا واضحا وغير معتاد من مشكلات الاقتصاد المحلي، قائلا: "وفقا للأرقام، نشهد تباطؤا؛ ووفقا للشعور الحالي لرجال الأعمال، نحن بالفعل على وشك الدخول في حالة ركود". وأضاف ريشيتنيكوف أن مستوى سعر الفائدة الحالي يُثني رواد الأعمال عن الاستثمار. ووفقا لتقديرات الوزير، قد تكون الاستثمارات في الربعين الثالث والرابع لهذا العام أقل من مستوى العام السابق. ودافعت رئيسة البنك المركزي الروسي، إلفيرا نابيولينا، عن نفسها ضد اتهامات بانتهاج سياسة نقدية غير سليمة، لكنها توقعت أيضا أن يواجه الاقتصاد الروسي صعوبات. وذكرت نابيولينا أنه على الرغم من العقوبات حقق الاقتصاد الروسي نموا على مدار عامين بفضل برامج إحلال الواردات وأموال صندوق الازدهار واحتياطيات رأس المال الموجودة في النظام المصرفي، وقالت: "يجب أن ندرك أن العديد من هذه الموارد استُنفِدَت بالفعل، وعلينا التفكير في نموذج جديد للنمو". في الواقع، صمد الاقتصاد الروسي بشكل مدهش بعد الهجوم على أوكرانيا الذي أمر به بوتين، رغم العقوبات الغربية. ويعود ذلك في المقام الأول إلى التحول الجذري في الاقتصاد نحو الإنتاج الحربي. وقد تفاخر سيرجي تشيميزوف، المقرب من بوتين والرائد في قطاع الصناعات الدفاعية، مؤخرا بزيادة في الذخيرة والأسلحة "بعشرات الأضعاف مقارنة بعام 2021". ويشكو النقاد من أن نمو الناتج المحلي الإجمالي لروسيا لا يعكس قدرة الاقتصاد على إنتاج سلع جديدة للمواطنين، أو ارتفاع في مستوى معيشتهم، بل إنه يشير فقط إلى أن قطاع الصناعات الدفاعية - الممول من الميزانية - ينتج المزيد والمزيد من الطائرات المسيرة والصواريخ والدبابات. ارتفاع التكاليف في المقابل، تعاني القطاعات المدنية منذ فترة طويلة من ارتفاع التكاليف، وتقلص العمالة، والتخلف التكنولوجي الذي يزداد وضوحا بسبب العقوبات. فعلى سبيل المثال، يعاني قطاع البناء والعقارات من أزمة حادة، كما شهدت صناعة السيارات ركودا منذ أن أدار المنتجون ومصنعو قطع الغيار الغربيون ظهورهم لروسيا. ورغم تزايد مبيعات الصين من السيارات في روسيا،فإنها لا تنتجها هناك. وعجزت شركة "أفتوفاز" - الشركة المصنعة لسيارات لادا والتابعة لإمبراطورية تشيميزوف الاقتصادية - عن سد الفجوة التي تركها مصنعو السيارات الغربيون. وفي منتدى سانت بطرسبرج الاقتصادي، قدمت الشركة أحدث طرازاتها "لادا أزيموت" والمقرر أن تدخل مرحلة الإنتاج التسلسلي العام المقبل. ومع ذلك، لا تزال الطرازات السابقة تتراكم في المستودعات بسبب نقص الطلب. وشهدت مبيعات السيارات الجديدة في روسيا تراجعا جديدا بعد ذروة مؤقتة في عام 2024. ففي الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام لم تُبع سوى حوالي 450 ألف سيارة، بانخفاض قدره 26% على أساس سنوي. كما تتوقع شركة "أفتوفاز" انهيارا في المبيعات بنسبة 25% للعام بأكمله. وتشهد شركة "روستسيلماش" لتصنيع الآلات الزراعية أزمة أيضا، حيث فرضت الشركة المُصنِّعة للحصَّادات والجرارات على أكثر من 15 ألف موظف إجازة إجبارية. وبالنسبة للقوى العاملة لا يعني هذا راحة، بل مصيرا مجهولا. وقد طُبِّق نظام العمل بدوام جزئي في مصنع الشركة بالفعل في مارس/آذار الماضي، وسُرّح ألفي عامل في أبريل/نيسان الماضي. ومن المفارقات أن "روستسيلماش" غير قادرة أيضا على الاستفادة من الانسحاب واسع النطاق لمنافسيها الغربيين. فمبيعات الحصَّادات متعثرة، حيث أعقب تراجع المبيعات بنسبة 20% العام الماضي انخفاض جديد بنسبة تتراوح بين 10% و15% حتى الآن هذا العام. ويتراكم 40% من الإنتاج السنوي في مستودعات "روستسيلماش". ويفتقر المزارعون إلى المال اللازم لشراء معدات جديدة. كما يعاني المزارعون من ارتفاع أسعار الفائدة على القروض وارتفاع تكاليف الإنتاج. وكان لهذا تأثيرا على الحصاد. ففي العام الأول من الحرب، 2022، أعلن بوتين بفخر عن حصاد قياسي للحبوب بلغ 157 مليون طن، إلا أن المحاصيل تراجعت في كل من العامين التاليين. اتجاه معاكس وقد أمر بوتين بالفعل بزيادة حصاد الحبوب إلى 170 مليون طن والصادرات إلى 80 مليون طن بحلول عام 2030، إلا أن نائب رئيس الوزراء دميتري باتروشيف، المسؤول عن القطاع الزراعي، قال مؤخرا: "بناء على الاتجاهات الأخيرة، فإننا نسير في الاتجاه المعاكس"، مؤكدا ضرورة تصحيح هذا الوضع بسرعة. ولا تزال الحكومة تأمل في حصاد أفضل من العام الماضي. ومن المنتظر حصاد البطاطس خلال الأيام المقبلة. وبسبب زيادة العرض، قد تنخفض الأسعار مؤقتا مرة أخرى. وبخلاف ذلك سيضطر بوتين إلى اللجوء إلى وصفة حليفه الوثيق حاكم بيلاروس ألكسندر لوكاشينكو - "ديكتاتور البطاطس". فقبل أيام قليلة، أوصى لوكاشينكو رعاياه بتناول البطاطس مرة واحدة أو مرتين أسبوعيا على الأكثر، وإلا فسيزداد وزنهم، حسبما قال لوكاشينكو، الذي لا يعتبر من أصحاب الوزن الخفيف.