
منتجاتهم منبوذة.. اتساع مقاطعة المنتجات الإسرائيلية في أوروبا، فلماذا لم تعد بضائعهم مرحّباً بها؟
تشهد الأسواق الأوروبية اتجاهاً متزايداً لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية، وخاصةً الزراعية منها، جراء استمرار حرب الإبادة الجماعية في غزة، واتساع نطاق انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي من جانب الاحتلال.
ونقلت وسائل إعلام عبرية عن مزارعين ومُصدّرين إسرائيليين شهادات تكشف اتساع نطاق مقاطعة المنتجات الإسرائيلية في أوروبا، وحتى في ألمانيا التي تُعد حليفاً مقرّباً لتل أبيب، وعادةً ما تدعم إسرائيل وتتجنب المقاطعة العلنية.
يأتي ذلك، بينما قررت شركة "كو-أوب" "Co-op"، إحدى أكبر سلاسل المتاجر الكبرى في المملكة المتحدة، التوقف عن استيراد السلع من إسرائيل ودول أخرى تقول إنها تشهد انتهاكات لحقوق الإنسان، وفق تقرير لموقع ميدل إيست آي البريطاني.
⛔️ رئيس وزراء إسبانيا: سأدعو #أوروبا اليوم إلى تعليق اتفاقية الشراكة مع #إسرائيل فوراً، وعلى الاتحاد أن يتحرك لمواجهة انتهاكات تل أبيب.
▪️ لا معنى لفرض 17 حزمة من العقوبات على روسيا، بينما لا نفعل ذلك مع إسرائيل.
▪️ أوروبا تطبّق معايير مزدوجة، وهي غير قادرة حتى على تعليق… pic.twitter.com/cB8HKtAjN0
— عربي بوست (@arabic_post) June 26, 2025
وأعلنت شركة "كو-وب"، التي تدير نحو 2300 متجر بقالة في المملكة المتحدة، أنها ستتوقف عن استيراد نحو 100 منتج، بما في ذلك الجزر الإسرائيلي.
وكان أعضاء الشركة قد صوتوا على إزالة المنتجات الإسرائيلية من رفوفها الشهر الماضي.
وأيّد نحو 73% من أعضاء شركة "كو-وب" الاقتراح غير الملزم، الذي دعا الشركة إلى إظهار الشجاعة الأخلاقية والقيادة من خلال حظر المنتجات الإسرائيلية.
واستشهد القرار باقتراح سابق تم تمريره في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022، لمقاطعة المنتجات الروسية.
مقاطعة المنتجات الإسرائيلية: حتى في ألمانيا لا يريدون الشراء
ولا تقتصر مقاطعة المنتجات الإسرائيلية في أوروبا على المملكة المتحدة حالياً، بل تمتد لتشمل دولاً أوروبية عديدة من بينها النرويج وسويسرا وبلجيكا وإيطاليا وألمانيا، وفق ما نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية عن مُصدرين ومزارعين إسرائيليين.
وقالت الصحيفة: "يُلمس رد فعل سلبي من جانب كبار تجار التجزئة، مثل ويتروز في المملكة المتحدة، وألدي في ألمانيا، وحتى في أماكن بعيدة كاليابان".
ونقلت الصحيفة عن أحد مُصدّري البطاطس، لم تُسمّه، قوله: "خلال الأسبوعين الماضيين، سمعنا أصواتاً أعلى تدعو إلى المقاطعة في ألمانيا، وهذا أمر جديد. ومنذ ستة أسابيع، تبذل ألدي قصارى جهدها لتجنب الشراء منا".
كما نقلت عن مزارع إسرائيلي آخر لم تُسمّه: "نبيع لشركات التعبئة والتغليف، التي تقوم بدورها بوضع علامات تجارية على منتجاتنا وتوزيعها على المتاجر الكبرى".
وأردف: "قال لي أحد عمال التعبئة والتغليف الألمان: أحبكم وأحتاج إلى منتجاتكم، لكن المشتري من بائع التجزئة أخبرني أنه من الصعب وضع منتجات إسرائيلية على الأرفف عندما يكون عنوان الصحيفة 'إبادة جماعية'".
وزاد المزارع: "مع ذلك، التزم الألمان بجداول مشترياتهم حتى الآن".
بدوره، قال عوفر ليفين، وهو مُصدّر زراعي إسرائيلي، للصحيفة: "شهدنا تحولاً كبيراً في المشاعر ضدنا في ألمانيا في الأسابيع الأخيرة".
وأرجع هذا التحول إلى "الرأي العام حول حرب غزة. نقترب من نهاية موسم مبيعاتنا هناك، وقد أُبلغنا بشكل غير مباشر أن ألدي لن تبيع منتجاتنا بعد الآن".
واستطرد: "رسمياً، يقولون إن السبب هو وجود منتجات محلية طازجة الآن، ولكن عند البحث بعمق، يتضح أن الأمر سياسي. قررت ألدي التوقف عن بيع البضائع الإسرائيلية".
وحسب ليفين، فإن المقاطعة بدأت في بلجيكا، حيث تُلزم لوائح وضع العلامات التجارية في الاتحاد الأوروبي تجار التجزئة بوضع علامة على الأرفف توضح بلد المنشأ، مما دفع المستهلكين إلى رفض المنتجات الإسرائيلية.
وعندما سُئل عمّا إذا كانت دول أخرى تنضم إلى المقاطعة، أجاب ليفين: "في السويد، لم تشترِ جمعية المزارعين المنتجات الإسرائيلية منذ خمس سنوات تقريباً".
وزاد: "النرويج لم تعد تشتري من إسرائيل على الإطلاق. منذ العام الماضي، أُغلقت الحدود فعلياً أمام بضائعنا، وهذا التوجه آخذ في الازدياد في جميع أنحاء أوروبا".
وأضاف: "أكبر زبون لبطاطسنا هي ألمانيا، لقد أخبروني بالفعل أنه إذا استمر هذا الوضع حتى العام المقبل، فقد لا نتمكن من بدء الموسم القادم معكم. وهذه ألمانيا، إحدى أكثر الدول دعماً لإسرائيل".
وقال أحد مُسوّقي الفاكهة، الذي يُصدّر أيضاً الأفوكادو والحمضيات والفلفل إلى سلاسل "كو-أوب" البريطانية عبر وسطاء في دول أوروبا الغربية: "نسمع من جميع عملائنا أن الوضع سيزداد تعقيداً. نسمع هذا منذ عام، ومع مرور الوقت واستمرار تواتر الأخبار من غزة، سيزداد الوضع صعوبة".
وأضاف: "أخبرنا أحد الزبائن اليابانيين بضرورة توخي الحذر بشأن شحن المنتجات الإسرائيلية إلى بلاده، إذ إن النظرة السائدة للسلع الإسرائيلية في المجتمع الياباني أصبحت إشكالية".
محادثات أوروبية لإنهاء التجارة مع المستوطنات الإسرائيلية
وتتزامن مقاطعة المتاجر الأوروبية للمنتجات الإسرائيلية مع جهود رسمية على مستوى الحكومات لوقف التجارة مع إسرائيل، حيث أظهرت رسالة اطّلعت عليها رويترز قبل عدة أيام أن تسع دول في الاتحاد الأوروبي دعت المفوضية الأوروبية إلى تقديم مقترحات بشأن كيفية وقف تجارة الاتحاد الأوروبي مع المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ووقّع على الرسالة الموجّهة إلى كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، وزراء خارجية بلجيكا وفنلندا وأيرلندا ولوكسمبورغ وبولندا والبرتغال وسلوفينيا وإسبانيا والسويد.
ويُعدّ الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لإسرائيل، إذ يُمثّل حوالي ثلث إجمالي تجارتها من البضائع. وبلغت قيمة تجارة البضائع بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل 42.6 مليار يورو (48.91 مليار دولار) العام الماضي، على الرغم من أنه لم يتضح مقدار ما يتعلّق بالمستوطنات من هذه التجارة.
وأشار الوزراء إلى رأي محكمة العدل الدولية الاستشاري الصادر في يوليو/تموز 2024، الذي نصّ على أن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية والمستوطنات هناك غير قانوني.
وذكر الرأي الاستشاري أن على الدول اتخاذ خطوات لمنع العلاقات التجارية أو الاستثمارية التي تُسهم في الحفاظ على الوضع القائم.
وكتب الوزراء: "لم نرَ اقتراحاً لبدء مناقشات حول كيفية وقف تجارة البضائع والخدمات مع المستوطنات غير القانونية بشكل فعّال".
وأضافوا: "نحن بحاجة إلى أن تضع المفوضية الأوروبية مقترحات لتدابير ملموسة لضمان امتثال الاتحاد الأوروبي للالتزامات التي حدّدتها المحكمة".
حملات مقاطعة أخرى
ومنذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تزايدت الدعوات الشعبية والرسمية لمقاطعة المنتجات والبضائع الإسرائيلية، بجانب مقاطعة الشركات المتواطئة مع جيش الاحتلال الذي يرتكب ابادة جماعية في القطاع الفلسطيني المحاصر.
وبجانب هذه الدعوات الشعبية، تبنت حكومات غربية تشريعات تحظر التعامل التجاري مع المستوطنات الإسرائيلية.
وفي 27 مايو/أيار الماضي، أعلن مجلس الوزراء الأيرلندي رسمياً دعمه لصياغة تشريع يتعلق بتقييد التجارة مع المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ورغم أن التعاملات التجارية بين أيرلندا والمستوطنات الإسرائيلية محدودة للغاية، أوضح رئيس الوزراء، مايكل مارتن، أن هذه "خطوة رمزية" تأتي في أعقاب اعتراف أيرلندا الرسمي العام الماضي بدولة فلسطينية، إلى جانب عدد صغير من الدول الأوروبية الأخرى.
وقال وزير الخارجية، سايمون هاريس، إن مشروع القانون، الذي سيحظر استيراد السلع من المستوطنات، سيخضع للنقاش من قبل لجنة برلمانية في الأسابيع المقبلة.
ومن المقرر بعد ذلك أن يخضع مشروع القانون النهائي للتدقيق البرلماني قبل التصويت عليه في مجلسي الشيوخ والنواب، ومن المرجح أن يتم ذلك في وقت لاحق من هذا العام.
وفي أسبانيا، أقر البرلمان، الثلاثاء 27 مايو/أيار، اقتراحاً غير ملزم يدعو الحكومة إلى فرض حظر على الأسلحة على إسرائيل، رداً على حربها في غزة.
وتمت الموافقة على الاقتراح، الذي قدّمه تحالف سومار اليساري، وهو جزء من الائتلاف الحاكم، إلى جانب أحزاب المعارضة بوديموس واليسار الجمهوري في كتالونيا (ERC)، بأغلبية 176 صوتاً مقابل 171، حسبما ذكرت صحيفة "إل باييس".
وصوّت حزب الشعب المحافظ وحزب "فوكس" اليميني المتطرف ضد الاقتراح، بينما أيدته جميع الأحزاب الأخرى.
كما دعت اثنتان من أكبر اتحادات نقابات عمال النفط في البرازيل الحكومة، في نهاية مايو/أيار الماضي، إلى فرض حظر على الطاقة على إسرائيل.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


بوست عربي
منذ 17 ساعات
- بوست عربي
هل دمرت فعلاً أمريكا طموحات إيران النووية؟ 'عربي بوست' يرصد حجم الدمار وكم تحتاج طهران لإعادة بناء برنامجها
في 22 يونيو/حزيران 2025، نفذت الولايات المتحدة عملية باسم "مطرقة منتصف الليل"، لضرب المنشآت النووية الحيوية في إيران، وعلى حد وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فقد كان هذا الهجوم الأمريكي على إيران في وسط حربها مع إسرائيل، عملاً استعراضيا استثنائيا للقدرات العسكرية الأمريكية. فقد استهدفت سبع قاذفات من طراز "B-2 سبيريت" المنشآت النووية الإيرانية في فوردو ونطنز بأربع عشرة قنبلة تزن 30 ألف رطل، واستهدفت غواصة أمريكية بأكثر من عشرين صاروخ كروز أكبر مجمع للأبحاث النووية الإيرانية في مدينة أصفهان. وبعد الانتهاء من الضربة الأمريكية، وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن القوات الأمريكية نجحت بشكل بارع في تدمير ثلاث منشآت نووية إيرانية، مؤكداً أنه قد تم الانتهاء من تهديد البرنامج النووي الإيراني. لكن خلال الأيام القليلة الماضية، نشرت وسائل إعلام أمريكية، نقلاً عن مصادر استخباراتية أمريكية، قولها إن الهجوم الأمريكي على المنشآت النووية الإيرانية لم يُؤتِ ثماره بالشكل الذي روّج له الرئيس الأمريكي. في المقابل، دأب المسؤولون الإيرانيون على التقليل من أضرار الهجوم الأمريكي على المنشآت النووية الإيرانية، أو حتى الهجمات الإسرائيلية التي سبقت عملية "مطرقة منتصف الليل". وأكد عدد من المسؤولين الإيرانيين أنه قد تم نقل كميات اليورانيوم المخصب بنسبة عالية من هذه المنشآت قبل الهجوم الأمريكي إلى منشآت نووية سرية أخرى. وفي محاولة لمعرفة حجم الأضرار التي لحقت بالبرنامج النووي الإيراني بعد الهجمات الأمريكية والإسرائيلية، تواصل "عربي بوست" مع عدد من المصادر الإيرانية المطلعة على الأمر لمعرفة ما هو مصير البرنامج النووي الإيراني. هل فعلاً قضت الضربات الأمريكية على البرنامج النووي الإيراني كما روّج لذلك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال الأيام الأخيرة؟ أم أن "مطرقة منتصف الليل" الأمريكية لم تحقق أهدافها؟ وما هو مصير البرنامج النووي الإيراني بعد حرب الـ12 يوماً؟ ما الذي تضرر في البرنامج النووي الإيراني؟ تُظهر صور الأقمار الصناعية أن الهجمات الأمريكية على نطنز وفوردو قد اخترقت هذه المنشآت بشكل سطحي، وفي الوقت نفسه سدّت المنافذ الرئيسية لهذه المنشآت. ويقول مسؤول في منظمة الطاقة الذرية الإيرانية لـ"عربي بوست"، شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول له بالحديث لوسائل الإعلام: "لا يمكن إنكار حجم الضرر الكبير الذي لحق بهذه المنشآت الثلاث، فقد استطاعت الهجمات الأمريكية استهداف طبقات الصخور الواقية في منشأتي نطنز وفوردو، ووصلت إلى قاعات أجهزة الطرد المركزي المتقدمة الموجودة هناك". وأضاف المصدر قائلاً: "في نطنز تم تدمير النظام الكهربائي للمنشأة وحتى مولدات الطوارئ، كما تم استهداف الكثير من أجهزة الطرد المركزي"، فيما تحفّظ المصدر على الإفصاح عن عدد أجهزة الطرد المركزي المتقدمة التي تم تدميرها في هذه الهجمات. وفي الوقت نفسه، قلّل المسؤول بمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية من حجم الضرر في منشأة أصفهان للأبحاث النووية، قائلاً: "الأضرار أغلبها سطحية، هناك بعض الأضرار في أجهزة توليد معدن اليورانيوم، ولكن من السهل العمل على إعادة بنائها مقارنة بالأضرار التي لحقت بفوردو ونطنز". وأشار خبير أمني نووي إيراني، تحدّث لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم ذكر اسمه، إلى حجم الخسائر التي لحقت بعملية توليد معدن اليورانيوم في منشأة أصفهان، قائلاً: "في أصفهان تم تدمير منشأة كاملة لمعالجة معدن اليورانيوم، وهو مسألة أساسية لصنع السلاح النووي". وأضاف الخبير الأمني النووي: "هذه المنشأة تم تدميرها بشكل كامل، ولن تنفع معها عمليات إعادة الإعمار، على الأرجح سيتم بناء منشأة أخرى جديدة، وهذا يستغرق المزيد من الوقت". لكن المصدرين أكدا أن كميات اليورانيوم المخصب بنسبة عالية تصل إلى 60٪ قد تم نقلها قبل الهجوم الإسرائيلي على إيران في 13 يونيو، وليس قبل الهجوم الأمريكي كما يُشاع. وقال المسؤول بمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية لـ"عربي بوست": "قبل الهجوم الإسرائيلي كانت لدينا مخاوف من استهداف البرنامج النووي، بالإضافة إلى المناوشات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتم نقل كميات كبيرة من اليورانيوم إلى منشأة نووية غير متاحة للتفتيش الدولي بموجب الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015". وتحفّظت المصادر التي تحدّثت إليها "عربي بوست" على الإفصاح عن المزيد من الأضرار التي لحقت بالمنشآت النووية الإيرانية الثلاث جراء الهجمات الأمريكية والإسرائيلية، لكنها أكدت أن حجم الضرر كان كبيراً، ولكن ليس مدمّراً بالكامل. كم سيستغرق إعادة بناء البرنامج النووي الإيراني؟ يقول المسؤول بمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية لـ"عربي بوست": "صحيح أن حجم الأضرار كبير، وهناك منشآت متخصصة تم تدميرها، ولكن هناك قرار سياسي قوي من خامنئي والمسؤولين الإيرانيين بالبدء في إعادة بناء ما تضرر بأقصى سرعة". وفيما يتعلق بالمدى الزمني الذي سيحتاجه البرنامج النووي الإيراني في عملية إعادة البناء، يقول المصدر ذاته لـ"عربي بوست": "بوضوح، الهجمات الإسرائيلية والأمريكية قد عطلت قدرة البرنامج النووي الإيراني لمدة عام أو عامين، وهذا تقدير مبدئي، ومن الممكن أن تتقلص هذه الفترة أو تزيد". وأضاف المصدر: "لكن لدينا ميزة مهمة، وهي أننا ما زلنا نحتفظ بكميات كبيرة من اليورانيوم المخصب بنسب عالية". وأشار الخبير الأمني النووي الإيراني إلى وجود خطورة في بعض المنشآت المتضررة من الهجمات الأمريكية، قائلاً: "لا أرغب في التحدث باستفاضة في هذا الأمر، ولكن هناك منشأة لتوليد معدن اليورانيوم في أصفهان يوجد بها خطورة كيميائية نتيجة للهجمات، إذا تم البدء في عملية إعادة بنائها وتشغيلها مرة أخرى". وقال الخبير الأمني النووي الإيراني إن الاحتفاظ باليورانيوم المخصب بعيداً عن الهجمات التخريبية يساعد إيران أيضاً في تسريع عملية إعادة بناء برنامجها النووي مرة أخرى، لكنه لم يتوقع فترة زمنية معينة لإعادة البناء والتأهيل. وأشار المصدر ذاته إلى مسألة هامة أخرى، وهي تأخير الهجمات الأمريكية لقدرة إيران على الحصول على سلاح نووي. وقال لـ"عربي بوست": "من ناحية إعادة بناء المنشآت، سواء التي تحت الأرض أو فوقها، فهذه المسألة سيتم العمل بها بشكل سريع، ولدينا من الطاقة والموارد القدرة على إعادة البناء في أقل فترة زمنية متاحة، ولكن إذا كنا نتحدث عن مسألة حصول إيران على سلاح نووي، فهذه بالطبع مسألة قد تم إعاقتها بسبب الهجمات الأمريكية والإسرائيلية". وأضاف الخبير الأمني النووي الإيراني قائلاً لـ"عربي بوست": "لا يمكن لأحد أن ينكر أن الهجمات العدوانية أعاقت الجدول الزمني المحتمل لحصول إيران على سلاح نووي رادع، ولكن من حسن الحظ أن هذه الهجمات لم تُدمّر العناصر الأساسية والهامة للحصول على سلاح نووي، وهي القدرة البشرية والفنية الهائلة التي تتمتع بها إيران، وباقي البنية التحتية النووية الإيرانية، سواء السرية أو المعلنة". هل تريد طهران الحصول على سلاح نووي؟ في الآونة الأخيرة، وخاصة بعد خروج الصراع بين إسرائيل وإيران من الظل إلى العلن، بدأ المسؤولون الإيرانيون في التحدث علانية عن إمكانية لجوء إيران إلى تصنيع سلاح نووي إذا تعرضت لخطر الهجمات الإسرائيلية، ولكنهم كانوا يؤكدون دائماً أن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي قد أصدر فتوى بتحريم صناعة سلاح نووي، وفي الوقت نفسه أشاروا إلى إمكانية عكس هذه الفتوى إذا شعرت إيران بالتهديد. والآن، بعد أن خاضت إيران حرباً لـاثني عشر يوماً مع إسرائيل، وهاجمت الولايات المتحدة لأول مرة منشآتها النووية لإجبارها على التخلي عن برنامجها النووي بشكل كامل، زاد الحديث عن لجوء إيران إلى سلاح نووي كقوة رادعة أمام هذا العدوان. يقول مصدر سياسي مقرّب من دوائر صنع القرار في طهران لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الإسناد: "الأمر تخطّى كونه تهديداً، هناك رغبة قوية لتخطي الوقوف على العتبة النووية والاتجاه إلى صناعة سلاح نووي رادع". على مرّ السنوات، كانت التيارات السياسية المتشددة في إيران تدعو إلى صناعة سلاح نووي كقوة رادعة، وزادت الحرب مع إسرائيل من تصلّب موقفهم، ولكن المثير للدهشة أن التيارات السياسية المعتدلة، والتي كانت تدعو إلى التفاوض مع الغرب وإثبات سلمية البرنامج النووي الإيراني، أصبحت تتحدث الآن عن نفس المسألة، وأن أهمية أن تمتلك إيران سلاحاً نووياً كقوة رادعة أمام الهجمات الإسرائيلية المحتملة. يقول مجيد مهاجراني، المحلل السياسي والذي يعمل في أحد مراكز الفكر المحسوبة على الحرس الثوري الإيراني، لـ"عربي بوست": "الهجمات الأمريكية والإسرائيلية لم تُنهِ خطر التهديد النووي الإيراني، بل زادته، وزادت من حدته. هناك اتجاه قوي داخل مؤسسات القوة في إيران للحصول على سلاح نووي لحماية النظام الإيراني من أي عدوان". وأضاف مهاجراني قائلاً: "في الماضي، كانت إيران تحاول إثبات سلمية برنامجها النووي وإثبات عدم رغبتها في الحصول على سلاح نووي، وكانت الأصوات الداخلية التي تدعو لتصنيع سلاح نووي تُهاجَم من قبل كبار القادة في إيران، لكن الآن أصبحت مسألة الحصول على سلاح نووي مطروحة بشدة في أي مناقشات تخص حماية الأمن القومي الإيراني". إلى أين يسير البرنامج النووي الإيراني؟ في 25 يونيو/حزيران، أقرّ البرلمان الإيراني بأغلبية ساحقة قانوناً يعلّق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مشترطاً موافقة المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني للسماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بدخول إيران. بعد الهجمات الإسرائيلية والأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية، اتهم المسؤولون الإيرانيون الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالمساعدة في هذه الهجمات عن طريق تبادل المعلومات عن المنشآت النووية الإيرانية مع واشنطن وتل أبيب. وعلى الرغم من إدانة الوكالة الدولية للطاقة الذرية للهجمات الأمريكية والإسرائيلية على المنشآت النووية، إلا أن هذه الإدانة كانت أقل من ما يتوقعه المسؤولون الإيرانيون. ويعلّق الباحث السياسي الإيراني مجيد مهاجراني على هذه المسألة قائلاً: "دائماً ما كان هناك تيار في إيران يدعو لوقف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وكانوا يفسّرون ذلك بأن مفتشي الوكالة يتعاملون سراً مع إسرائيل للكشف عن معلومات عن المنشآت النووية الإيرانية، وما حدث في الفترة الأخيرة دعم شكوكهم، حتى وإن كانت غير صحيحة". وأضاف مهاجراني لـ"عربي بوست": "في وقت ما ستدرك واشنطن حجم الخطأ الذي ارتكبته بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، لأن أخطر تداعيات هذه الهجمات سيكون العمل على سرّية البرنامج النووي الإيراني. فإذا قررت القيادة الإيرانية الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، وهي مسألة تتم مناقشتها بجدية هذه الأيام في إيران، فسيفقد المجتمع الدولي تماماً الرقابة على البرنامج النووي الإيراني". وفي السياق نفسه، قال خبير الأمن النووي المقيم في طهران لـ"عربي بوست": "ستقوم إيران بإعادة بناء برنامجها النووي، حتى وإن استغرق ذلك عدة سنوات، لكنه في ظل التهديدات الحالية والمستقبلية سيكون برنامجاً أكثر كفاءة وخبرة". وأوضح المتحدث: "الهجمات الإسرائيلية والأمريكية ستوفّر فرصة ذهبية للمسؤولين والعلماء النوويين لتطوير البرنامج النووي، والعمل على إعادة التكيّف والاستغلال الأمثل للموارد المحلية المتاحة لاستعادة بناء البرنامج النووي، وكل هذه الأمور تساعد في تسريع عملية الحصول على سلاح نووي، إذا كانت هناك إرادة سياسية لهذا الأمر".


بوست عربي
منذ 2 أيام
- بوست عربي
الشهداء 100 ألف.. كيف كذبت الدراسات الدولية رواية إسرائيل ووثقت زيادة أعداد ضحايا غزة بشكل يفوق الأرقام الرسمية
قالت صحيفة هآرتس العبرية، الجمعة 27 يونيو/حزيران 2025، إن حصيلة الضحايا الذين قتلوا بهجمات إسرائيلية أو توفوا نتيجة الآثار غير المباشرة للإبادة الجماعية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 اقتربت من عتبة 100 ألف فلسطيني بنسبة تقارب 4% من عدد سكان قطاع غزة، ما يجعل هذه الحرب "الأكثر دموية في القرن 21". وفي تقرير لها تساءلت الصحيفة عما إذا كانت إسرائيل قتلت 100 ألف فلسطيني في غزة منذ بداية حرب الإبادة الجماعية، محاولة الإجابة بتسليط الضوء على تقرير نشره فريق بحثي دولي هذا الأسبوع. يأتي ذلك بينما سعى الاحتلال مراراً وتكراراً إلى التشكيك في أعداد الضحايا في غزة، جنباً إلى جنب مع محاولات أمريكية لإخفاء العدد الحقيقي للضحايا في القطاع الفلسطيني المحاصر. ⭕️ صحة #غزة: ▪️ وصول "81 شهيداً و422 مصاباً" إلى مستشفيات القطاع خلال 24 ساعة جرّاء استمرار الهجمات الإسرائيلية بالقصف وإطلاق النيران. ▪️ ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر 2023 إلى "56 ألفاً و412 شهيداً، و133 ألفاً و54 مصاباً". ▪️ ارتفاع حصيلة الضحايا… — عربي بوست (@arabic_post) June 28, 2025 وتواجه إسرائيل محاكمات دولية أمام محكمتي العدل الدولية والجنائية الدولية بتهم ارتكاب إبادة جماعية في غزة، وصدرت مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه السابق، يوآف غالانت. ووفقاً لإحصاءات رسمية لوزارة الصحة الفلسطينية، تجاوز عدد الشهداء في غزة نتيجة القصف الإسرائيلي حتى الآن 55998 شهيداً، من بينهم 18 ألف طفل و12400 امرأة و3853 مسناً. الحرب الأكثر دموية في القرن 21 ونقلت صحيفة هآرتس تأكيد باحثين دوليين أن عدد الضحايا بغزة جراء الهجمات الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 والذي أعلنته وزارة الصحة الفلسطينية، "أقل من الحجم الحقيقي للأزمة". وقالوا بهذا الصدد: "الجوع والمرض وإطلاق النار الإسرائيلي على مراكز توزيع الغذاء جعل الحرب في القطاع واحدة من أكثر الحروب دموية في القرن الحادي والعشرين". وفي الوقت الذي يرفض فيه متحدثون رسميون وصحفيون ومؤثرون في إسرائيل بيانات وزارة الصحة الفلسطينية مدعين أنها "مبالغ فيها"، يؤكد خبراء دوليون أن قائمة تلك الوزارة "بكل ما تجسده من فظائع، ليست موثوقة فحسب بل قد تكون متحفظة جداً مقارنة بالواقع". وعن أبرز الدراسات الدولية التي تناولت هذه القضية، سلطت الصحيفة الضوء على دراسة نشرها البروفيسور مايكل سباغات، الخبير العالمي في الوفيات خلال النزاعات العنيفة، وفريق من الباحثين هذا الأسبوع، إذ اعتبرتها "الأكثر شمولاً حتى الآن بشأن موضوع الوفيات في غزة". وأوضحت الصحيفة أن سباغات وبمساعدة "عالم السياسة الفلسطيني الدكتور خليل الشقاقي"، أجرى الفريق مسحاً لـ 2000 أسرة في غزة، تضم نحو 10 آلاف شخص، وخلصوا إلى أنه حتى يناير/كانون الثاني 2025، قتل حوالي 75 ألفاً و200 شخص في غزة نتيجة أعمال عنف خلال الحرب، غالبيتهم العظمى بسبب الذخائر الإسرائيلية. واستدركت: "في ذلك الوقت، قدرت وزارة الصحة في قطاع غزة عدد القتلى منذ بداية الحرب بـ 45 ألفاً و660 قتيلاً، وبعبارة أخرى، قللت بيانات وزارة الصحة من العدد الحقيقي للقتلى بنحو 40%". وذكرت الصحيفة العبرية أن دراسة "سباغات وزملائه تحاول الإجابة عن سؤال الوفيات الزائدة في القطاع، وبمعنى آخر، كم عدد الأشخاص الذين ماتوا نتيجة الآثار غير المباشرة للحرب: الجوع، والبرد، والأمراض التي استحال علاجها بسبب تدمير النظام الصحي، وعوامل أخرى؟". وقالت بهذا الصدد: "حتى دون احتساب موجات الوفيات الزائدة المتوقعة في المستقبل، أدى الجمع بين ضحايا العنف والوفيات الناجمة عن الأمراض والجوع إلى وفاة 83 ألفاً و740 شخصاً قبل يناير/كانون الثاني (2025)، مع الأخذ في الحسبان المسح والوفيات الزائدة". وأضافت: "منذ ذلك الحين، ووفقاً لوزارة الصحة في غزة، قُتل أكثر من 10 آلاف شخص، وهذا لا يشمل من هم في فئة الوفيات الزائدة، والخلاصة هي أنه حتى لو لم تتجاوز الحرب بعد خط 100 ألف قتيل، فهي قريبة جداً من ذلك". ونقلت الصحيفة عن البروفيسور سباغات، قوله: "حتى لو كان العدد الإجمالي لضحايا الحرب في سوريا وأوكرانيا والسودان أعلى في كل حالة، فإن غزة على ما يبدو تحتل المرتبة الأولى من حيث نسبة القتلى من المقاتلين إلى غير المقاتلين، وكذلك من حيث معدل الوفيات بالنسبة إلى حجم السكان". وأشارت الصحيفة إلى أنه "وفقاً لبيانات المسح، والتي تتوافق مع بيانات وزارة الصحة الفلسطينية، فإن 56% من القتلى كانوا إما أطفالاً دون 18 عاماً، أو نساء، وهذا رقم استثنائي مقارنة بجميع النزاعات الأخرى تقريباً منذ الحرب العالمية الثانية". وبحسب الصحيفة، فإن البيانات التي جمعتها ونشرتها منظمة سباغات، تشير إلى أن نسبة النساء والأطفال الذين قُتلوا نتيجةً للعنف في غزة تزيد على ضعف النسبة في جميع النزاعات الأخيرة تقريباً. ومن البيانات المتطرفة الأخرى التي وُجدت في الدراسة، نسبة القتلى إلى عدد السكان، يقول سباغات: "أعتقد أننا ربما وصلنا إلى نسبة قتلى تُقارب 4% من السكان". ويضيف: "لست متأكداً من وجود حالة أخرى في القرن الحادي والعشرين وصلت إلى هذا المستوى". ولفتت الصحيفة إلى أنه "على عكس ثراء البيانات التي تقدمها قوائم الوزارات الرسمية والدراسات البحثية، والتي تُؤكد أرقام وزارة الصحة في غزة، فإن صمت المتحدثين الرسميين الإسرائيليين عن عدد القتلى لافت للنظر". وقالت: "حرب 7 أكتوبر/تشرين الأول (2023) هي الأولى التي لم يُقدم فيها الجيش الإسرائيلي تقديرات لعدد القتلى المدنيين من العدو". وأضافت: "الرقم الوحيد الذي تُكرره وحدة المتحدث باسم الجيش والمتحدثون الرسميون الإسرائيليون الآخرون هو مقتل 20 ألفاً من حماس ومنظمات أخرى. هذا الرقم غير مدعوم بقائمة أسماء أو أدلة أو مصادر أخرى". وتابعت: "وفقاً لسباغات، جرت محاولة لإحصاء عدد المسلحين الذين نشرتهم إسرائيل. وقد تمكن فريقه من الوصول إلى بضع مئات، لكن من الصعب إعداد قائمة تضم حتى ألفاً". العدد الحقيقي لضحايا غزة قد يتجاوز 186 ألف ولم يكن تقرير صحيفة هآرتس الإسرائيلية، الذي يسلط الضوء على أعداد الضحايا في غزة، الأول من نوعه، حيث صدرت في وقت سابق تقارير تابعة لمؤسسات طبية وحقوقية بارزة توثق زيادة أعداد الشهداء في القطاع المحاصر بشكل يفوق الأرقام الرسمية. ففي يناير/كانون الثاني الماضي، قالت دراسة نشرتها مجلة "لانسيت" الطبية البريطانية إن حصيلة وفيات غزة خلال الأشهر التسعة الأولى من حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة "أعلى بنحو 41% مقارنة بأرقام وزارة الصحة في القطاع". واستندت الدراسة الطبية الجديدة إلى بيانات للوزارة الفلسطينية، واستطلاع عبر الإنترنت، ومنشورات نعي على مواقع التواصل الاجتماعي. وفي يوليو/تموز 2024، قدّرت دراسة أخرى نشرتها أيضاً مجلة " لانسيت" أن يبلغ عدد ضحايا الحرب الإسرائيلية على غزة 186 ألفاً من الوفيات المباشرة وغير المباشرة. واستندت الدراسة إلى حقيقة أنه في الصراعات والحروب الأخيرة، تراوحت أعداد الوفيات غير المباشرة حوالي 3 إلى 15 ضعفاً من أعداد الوفيات المباشرة. وباستخدام تقدير أعداد السكان في قطاع غزة لعام 2022 البالغ 2,375,259 نسمة، فإن ذلك يعني أن عدد الضحايا من الوفيات المباشرة وغير المباشرة سيبلغ 7.9٪ من إجمالي عدد السكان في القطاع. وقال تقرير المجلة البريطانية إن الصراعات المسلحة تنطوي على مخاطر صحية غير مباشرة تتجاوز الضرر المباشر الناجم عن العنف. وحتى لو انتهى الصراع على الفور، فسوف يستمر وقوع العديد من الوفيات غير المباشرة في الأشهر والسنوات التالية لأسباب مثل الأمراض الإنجابية والأمراض المعدية وغير المعدية. وبحسب تحقيق أجرته منظمة "أيروورز" في يوليو/تموز الماضي، والذي حدد بشكل مستقل ما يقرب من 3000 اسم لضحايا مدنيين قتلوا في أول 17 يوماً من الحرب، فإن أرقام وزارة الصحة الفلسطينية "موثوقة على نطاق واسع" على الرغم من الصعوبات التي ينطوي عليها تقييم الخسائر. وقال تقرير منظمة "أيروورز" إن التحقيق وجد ارتباطاً وثيقاً بين أرقام الوزارة وما أفاد به المدنيون الفلسطينيون عبر الإنترنت، حيث ظهرت 75% من الأسماء المبلغ عنها علناً أيضًا في قائمة وزارة الصحة. ومنظمة "أيروورز" هي منظمة غير ربحية مقرها لندن تابعة لقسم الإعلام والاتصالات في جامعة لندن، والتي تقوم بالتحقيق في الوفيات المدنية في الصراعات. محاولات لإخفاء أعداد الضحايا في غزة ومنذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، تصدر وزارة الصحة بانتظام تحديثات حول عدد الفلسطينيين الذين قتلوا في الهجوم الإسرائيلي. وكانت هذه الأرقام محل تشكيك من قبل إسرائيل وحلفائها، حيث قال الرئيس الأمريكي السابق، جو بايدن، إنه "لا يثق" بها، في حين تسلط وسائل الإعلام الضوء بانتظام على سيطرة حماس على الوزارة مع التلميح إلى أنه يجب التعامل معها بحذر. وضمن المساعي الأمريكية لإخفاء أعداد الضحايا في غزة، تضمن مشروع قانون الدفاع السنوي، الذي تم تقديمه للكونغرس في ديسمبر/كانون الأول 2024، بنداً يحظر على البنتاغون الاستشهاد بوزارة الصحة في غزة كمصدر موثوق، بحسب موقع ذا انترسبت. وقالت النائبة إلهان عمر، عضو مجلس النواب الأمريكي عن الحزب الديمقراطي عن ولاية مينيسوتا، في بيان لموقع ذا إنترسبت: "هذا محو مثير للقلق لمعاناة الشعب الفلسطيني، وتجاهل الخسائر البشرية الناجمة عن العنف المستمر". فيما شكك سياسيون أمريكيون في الأرقام التي تقدمها وزارة الصحة في غزة، لأنها تقع تحت سلطة حماس. وفي يونيو/حزيران 2024، أقرّ مجلس النواب تشريعاً يحظر صراحةً على وزارة الخارجية الأمريكية الاستشهاد ببيانات من وزارة الصحة في غزة. ووصفت حماس في بيان سابق ادعاء نتنياهو في مقابلة تلفزيونية بأن نسبة (القتلى) من المدنيين إلى المقاتلين في غزة واحد إلى واحد، بأنه "كذب واستخفاف بالرأي العام العالمي"، مشيرةً إلى أن "تقارير وزارة الصحة اليومية، وغيرها من التقارير والتوثيقات التي أجرتها جهات أممية وحقوقية دولية تؤكد أن الغالبية العظمى من الضحايا في قطاع غزة من المدنيين". وفي مقابلة سابقة مع موقع بانشبول الأمريكي، زعم نتنياهو، أن "نسبة الضحايا المدنيين إلى القتلى المسلحين في غزة تبلغ واحداً إلى واحد تقريباً، وهي أدنى نسبة في حروب المدن الحديثة".


بوست عربي
منذ 3 أيام
- بوست عربي
العدوان وحدهم.. كيف أعادت إسرائيل إحياء القومية الإيرانية دون قصد؟
تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فبينما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يسعى إلى أن تشعل حربه مع إيران ثورة شعبية ضد نظام الجمهورية الإسلامية، فقد عززت الهجمات التي شنتها تل أبيب ضد طهران مشاعر القومية الوطنية والوحدة في البلاد حتى بين صفوف المعارضة. وكان تغيير النظام في إيران هو أحد أهداف الحرب بالنسبة لإسرائيل، إذ خاطب نتنياهو الإيرانيين قائلاً: "نحن أيضاً نمهد لكم الطريق لتحقيق حريتكم". وفاجأ هذا الشعور الجديد بالوحدة، في بلدٍ مُنقسمٍ في السابق، المراقبين والسياسيين في الداخل والخارج، وفق تقرير لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية. #إيران استطاعت أن تنهي المعركة لصالحها، رغم كونها غير متكافئة — عربي بوست (@arabic_post) June 25, 2025 ورصدت كتابات غربية عدة كيف أعادت تل أبيب إحياء القومية الإيرانية وكيف التف الإيرانيون حول علم بلادهم بينما كانت إسرائيل تقصف المواقع النووية في البلاد وتستهدف برنامج الصواريخ الباليستية الطموح لطهران. وقال الكاتب البريطاني، ديفيد هيرست، في مقال نشره موقع ميدل إيست آي: "نجح النظام في حشد الأمة بدلاً من تقسيمها، ولو بدافع الغضب القومي من هجوم إسرائيل غير المبرر". الالتفاف حول العلم وقال محمد إسلامي، أستاذ مساعد للعلاقات الدولية بجامعة مينهو البرتغالية: "يبدو أن إسرائيل نسيت درساً من الغزو العراقي لإيران في عام 1980. فبدلاً من إحداث تغيير في النظام، أدى هذا الغزو إلى حشد الشعب الإيراني خلف الجمهورية الإسلامية باسم القومية، وليس بالضرورة بدافع الحب للنخبة الدينية". وأضاف إسلامي في مقال نشره موقع ميدل إيست آي جاء تحت عنوان: "لماذا تأتي هجمات إسرائيل بنتائج عكسية بينما يتجمع الإيرانيون حول العلم" ، إنه وبدلاً من تأجيج المعارضة الداخلية، أشعلت الضربات الإسرائيلية الأخيرة شرارة تجدد المشاعر القومية — التي لم تركز على دعم النظام، بل على الدفاع عن الأمة. وتابع: "أقيمت مراسم حداد عامة ونُشرت التعازي عبر الإنترنت. حتى أن بعض من كانوا منتمين سابقاً لحركة 'المرأة، الحياة، الحرية' المعارضة بدأوا يُعربون عن تضامنهم مع من يُصوّرونهم الآن 'حماة الوطن'". وفي الأحياء العمالية والمناطق الريفية، حيث كافحت حركات المعارضة من أجل اكتساب موطئ قدم، أصبحت هذه المشاعر أقوى. وأتت محاولة إسرائيل لفصل الشعب الإيراني عن دولته بنتائج عكسية، على الأقل حتى الآن. ولم يكن رد الفعل السائد داخل إيران هو الابتهاج أو الانتفاضة، بل الالتفاف حول العلم – وهي ظاهرة مألوفة لدى من يدرسون آليات الصدمة الوطنية والتهديد الخارجي، بحسب إسلامي. لحظة حاسمة للمعارضة وفي حين أن الهجمات الإسرائيلية استهدفت قيادات أمنية سحقت احتجاجات سابقة، قال نشطاء إنها تسببت أيضاً في خوف واضطراب كبيرين لدى المواطنين وغضب تجاه إسرائيل، وفق تقرير لوكالة رويترز. ونقلت وكالة رويترز عن أتينا دايمي، وهي ناشطة بارزة قضت ست سنوات في السجن قبل أن تغادر إيران، قولها: "كيف يفترض أن يخرج الناس إلى الشوارع؟ في مثل هذه الظروف المروعة، يركز الناس فقط على إنقاذ أنفسهم وعائلاتهم وحتى حيواناتهم الأليفة". وعبرت نرجس محمدي، الناشطة الإيرانية البارزة والحائزة على جائزة نوبل للسلام، عن مخاوفها في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي. ورداً على تحذير إسرائيلي بإخلاء أجزاء من طهران، كتبت قائلة: "لا تدمروا مدينتي". وقالت ناشطتان تحدثت إليهما رويترز في إيران إنهما لا تعتزمان التظاهر، وكانتا من بين مئات الآلاف الذين شاركوا في احتجاجات حاشدة قبل عامين بعد وفاة الشابة مهسا أميني في أثناء احتجازها. وقالت إحداهما، وهي طالبة جامعية في شيراز وطلبت عدم نشر اسمها حرصاً على سلامتها: "بعد انتهاء الهجمات، سنرفع أصواتنا لأن هذا النظام مسؤول عن الحرب". وقالت الثانية، والتي فقدت مقعدها الجامعي وسجنت لخمس أشهر بعد احتجاجات 2022 وطلبت أيضاً عدم نشر اسمها، إنها تؤمن بتغيير النظام في إيران لكن الوقت لم يحن بعد للنزول إلى الشوارع. وأضافت أنها وصديقاتها لا يخططن لتنظيم مسيرات أو الانضمام إليها ورفضن الدعوات الخارجية للاحتجاج. وقالت: "إسرائيل ومن يسمون قادة المعارضة في الخارج لا يفكرون إلا في مصالحهم الشخصية". من جانبه، انضم رضا كيانيان، الممثل الإيراني المخضرم وأحد معارضي النظام الإيراني منذ فترة طويلة، سريعاً إلى صفوف المعارضة التي احتشدت حول العلم، في إطار موجة الحماسة الوطنية التي اجتاحت البلاد التي يبلغ عدد سكانها 90 مليون نسمة منذ بدء الحرب التي امتدت 12 يوماً. وبينما استخدم كيانيان صفحته الشهيرة على منصة إنستغرام للتشكيك في مبادئ أيديولوجية النظام، كتب كيانيان بعد بدء الحرب: "إيران كانت موجودة، ولا تزال موجودة، وستبقى". وقال كيانيان، البالغ من العمر 74 عاماً، لصحيفة فاينانشال تايمز: "لا يمكن لشخص واحد يجلس خارج إيران أن يأمر شعباً بالانتفاضة. إيران بلدي. سأقرر ما سأفعله، ولن أنتظر أن تُملي عليّ ما سأفعله في بلدي". تعزيز النظام للقومية الإيرانية ويأتي هذا الاستيقاظ للقومية الإيرانية ــ الذي يأمل السياسيون أن يستمر حتى لو عاد الغضب تجاه الجمهورية الإسلامية إلى السطح ــ بعد عقود من الاستقطاب العميق، بحسب فايننشال تايمز. ولطالما حاول حكام إيران قمع توق أمتهم المتزايد نحو التغيير الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، مستجيبين للاضطرابات بحملات قمع وحشية. وذكرت منظمة العفو الدولية أن أكثر من 300 شخص قُتلوا خلال احتجاجات عام 2022 التي اندلعت على سبيل المثال إثر وفاة مهسا أميني، البالغة من العمر 22 عاماً، أثناء احتجازها لعدم ارتدائها الحجاب بشكل صحيح، مما ترك ندوباً عميقة في نفسية الأمة. ورغم أن الجمهورية الإسلامية خففت منذ ذلك الحين من قواعد الحجاب، فإن العديد من الإيرانيين يشعرون بعدم الرضا الشديد عن حالة الاقتصاد، ويكافحون للتعامل مع التضخم والعقوبات الأمريكية، ويشعرون بالغضب إزاء الفساد المزعوم بين أولئك المرتبطين بالنظام. ولكن عندما شنت إسرائيل هجومها في 13 يونيو/حزيران، قرر الإيرانيون سريعاً أن هذه ليست لحظة التغيير التي كانوا يأملونها. ⛔️ المرشد الإيراني: أي اعتداء علينا سنواجهه بتكرار استهداف القواعد الأمريكية، وترامب بالغ في تضخيم حجم الهجوم الأمريكي، لكنه يعلم الحقيقة. ▪️ الذين ضخموا حجم الهجوم الأمريكي علينا هم أنفسهم من قلّلوا من حجم ضربتنا على القاعدة الأمريكية. ▪️ الشعب الإيراني العظيم أظهر أنه، عندما… — عربي بوست (@arabic_post) June 26, 2025 صدم القصف الكثيرين، والذي قالت إسرائيل إنه كان يستهدف أهدافاً للنظام، بينما قال مسؤولون إيرانيون إنه أسفر عن مقتل 627 شخصاً وتدمير 120 مبنى سكنياً في طهران، قبل أن ينتهي بوقف إطلاق نار هش، الثلاثاء 24 يونيو/حزيران. وقالت مريم، وهي ربة منزل تبلغ من العمر 39 عاماً وناقدة للنظام: "شعرنا بأننا عالقون بين قوى لا تسعى إلا لتحقيق طموحاتها الخاصة، لا لرفاهيتنا". وأضافت: "ذكّرنا نتنياهو بأننا قد نخسر حتى القليل الذي نملكه. وبهذا المعنى، خدم الجمهورية الإسلامية عن غير قصد، مما قلل من أملنا في التخلص من هذا النظام". ومن أجل تجنب إثارة ردة فعل شعبية خلال الحرب، قلل النظام أيضاً من أهمية أيديولوجيته الاستقطابية، والتي تعتبر الولايات المتحدة وإسرائيل أعداء أبديين، وتعتبر الإسلام الشيعي هو الحل لجميع المشاكل. وسعت اللافتات التي تم رفعها في طهران إلى تعزيز القومية بدلاً من نقاط الحديث النظامية، وأشاد المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، الخميس 26 يونيو/حزيران، بما أسماه "الوحدة غير العادية" للبلاد. وقال في كلمة مصورة، ركز فيها على إيران كأمة لا على النظام الديني الحاكم، ساعياً بوضوح إلى الحفاظ على وحدة الإيرانيين: "أمة قوامها 90 مليون نسمة توحدت وقاومت بصوت واحد، متكاتفين دون إثارة خلافاتهم". وأضاف: "بات جلياً أنه في الأوقات الحرجة، يُسمع صوت الأمة". وسعى المسؤولون إلى إطالة أمد هذه الحماسة الوطنية من خلال وصف الصراع بأنه "انتصار"، على الرغم من الضربات الموجعة التي تلقاها النظام والجيش والبرنامج النووي الإيراني. وقال أحد المطلعين على بواطن الأمور في النظام: "دعونا لا ننسى أنه لم تكن هناك احتجاجات مناهضة للحرب في الشوارع، وأن الحكومة حرصت على توفير إمدادات كافية من الغذاء والوقود في كل مكان". حشد الدعم للبرنامج النووي الإيراني ويبدو أن الحرب، في الوقت الحاضر على الأقل، قد عززت بعض الدعم المحلي لبرنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، والحملة التي تشنها الحكومة على المتعاونين المزعومين مع إسرائيل، وحتى الحماس للحصول على قنبلة نووية ــ وهو الأمر الذي تقول الجمهورية الإسلامية إنها لا تسعى إلى تحقيقه. ولكن الحفاظ على هذه الوحدة لن يكون سهلاً، حيث يدعو منتقدو النظام ــ الذين لم تختفِ قائمتهم الطويلة من المظالم تجاه حكامهم ــ إلى المحاسبة بشأن دور الجمهورية الإسلامية في وضع إيران على طريق الحرب. وبحسب الكاتب إسلامي، من السابق لأوانه الجزم بأن هذه الوحدة ستدوم. فالمجتمع الإيراني لا يزال ممزقاً بعمق، ويعاني من انقسامات أجيالية وأيديولوجية واقتصادية. وقال الممثل كيانيان إن المتشددين داخل النظام، بما في ذلك على شاشة التلفزيون الحكومي، يجب أن يتحملوا المسؤولية عن مدى مساهمة سياساتهم في الصراع. وقال: "يُرددون على شاشات التلفزيون أننا جميعاً متحدون، من اليسار إلى اليمين. استغرق الأمر منهم وقتاً طويلاً ليدركوا أننا متحدون، ولم يُصرحوا بذلك إلا عندما لم يكن هناك خيار آخر في زمن الحرب". وبالنسبة للعديد من الإيرانيين، لا ينبغي للجمهورية الإسلامية أن تعتبر هذا التضامن الوطني أمراً مفروغاً منه، وأن تواصل سياساتها الأكثر إثارة للانقسام، مع استمرار تفاقم جميع القضايا التي أغضبت الإيرانيين على مر السنين. ونقلت فايننشال تايمز عن المحلل السياسي الإصلاحي، فياض زاهد، قوله: "إن ما أنقذ إيران ليس أيديولوجية وهمية، بل تاريخها القديم… وتجربة النجاة من غزوات الإسكندر والمغول والعرب".