logo
ما تأثير العقوبات الأميركية الجديدة على الاقتصاد السوداني؟

ما تأثير العقوبات الأميركية الجديدة على الاقتصاد السوداني؟

الجزيرةمنذ 4 أيام
قلّل مسؤولون اقتصاديون وسفراء سودانيون سابقون لدى الولايات المتحدة -تحدثوا للجزيرة نت- من التأثير الاقتصادي للعقوبات الأميركية الجديدة، التي دخلت حيز التنفيذ أمس الجمعة، ضد السودان استنادا إلى اتهامه باستخدام أسلحة كيميائية.
وقال السفير معاوية عثمان خالد، القائم بالأعمال الأسبق في سفارة السودان بواشنطن، للجزيرة نت، إن دخول العقوبات الأميركية الجديدة حيز التنفيذ سيكون أثره الآني محدودا على الاقتصاد السوداني، نظرا لانعدام التبادل الاقتصادي والتجاري بين البلدين منذ عقود.
وأفاد السفير عبد المحمود عبد الحليم، مندوب السودان الأسبق لدى الأمم المتحدة بنيويورك، في حديثه للجزيرة نت، بأنه على الرغم من أن العقوبات تستهدف الصادرات الأميركية والتمويلات المالية والسلاح والتكنولوجيا، وهي أساسا ضعيفة أو غير موجودة في المبادلات الثنائية، فإنه لا ينبغي الاستهانة بها، نظرا لترابط اقتصاديات الدول الأخرى مع الاقتصاد الأميركي.
وفي السياق ذاته، أوضح عادل عبد العزيز الفكي، مدير مركز المعلومات بوزارة المالية السودانية الأسبق، في حديثه للجزيرة نت، أن الإعلان عن عقوبات جديدة غير مستندة لأي معلومات أو منطق هو بمنزلة قطع لمسار التعامل الجديد، الذي كان من المنتظر أن ينطلق بعد تعيين كامل إدريس رئيسا للوزراء.
إيقاف المساعدات المقدّمة للسودان
وأعلنت الولايات المتحدة بدء سريان العقوبات الخاصة باستخدام الأسلحة الكيميائية على السودان ابتداء من أمس الجمعة، وتشمل العقوبات المساعدات المقدّمة بموجب قانون المساعدات الخارجية، وتمويل مبيعات الأسلحة، والتمويل الحكومي، إضافة إلى صادرات السلع والتكنولوجيا.
وتضمّنت العقوبات كذلك رفض منح السودان أي ائتمان أو ضمانات ائتمان أو أي مساعدة مالية أخرى من أي إدارة أو وكالة أو جهاز تابع للحكومة الأميركية، بما في ذلك بنك التصدير والاستيراد الأميركي.
وقلل الخبير الاقتصادي ومسؤول إدارة الأمن الغذائي بوزارة الزراعة السودانية، المهندس عمار بشير، من تأثير هذه العقوبات على الاقتصاد السوداني، قائلا إن السودان أصبح أكثر وعيا وخبرة في التعامل مع الآليات التي تتخذها الولايات المتحدة ضده، وأنه اكتسب خبرات متراكمة في هذا السياق.
وأضاف -في تصريح خاص للجزيرة نت- أن فترات العقوبات الطويلة كانت من أكثر فترات الازدهار الاقتصادي في البلاد، إذ دفعت العقوبات السودان إلى فتح آفاق جديدة بديلة عن العلاقات مع واشنطن والمجتمع الغربي بشكل عام.
ويرى اقتصاديون أنه لا يوجد تعاون اقتصادي أو تبادل تجاري مؤثر بين السودان والولايات المتحدة، بما في ذلك صادرات الصمغ العربي التي لا تتجاوز 200 مليون دولار سنويا، خاصة بعد أن توسعت واشنطن في استخدام بدائل صناعية له.
وكانت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، تامي بروس، قد اتهمت الجيش السوداني باستخدام أسلحة كيميائية العام الماضي خلال صراعه مع قوات الدعم السريع، وهو ما رفضته الحكومة السودانية، واعتبرته تزييفا للحقائق وادعاءات كاذبة.
عودة القيود على التعامل الاقتصادي
وقال السفير معاوية للجزيرة نت إن دخول العقوبات الأميركية الجديدة على السودان حيز التنفيذ يعيد القيود القانونية على التعامل الاقتصادي والتجاري، وإن كان ذلك في نطاق محدود، لافتا إلى أن الإدارة الأميركية سمحت ببعض الاستثناءات التي يتم النظر فيها لكل حالة على حدة.
وأشار إلى أنه إذا تقدّمت شركة أميركية بطلب لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية بوزارة الخزانة (أوفاك) للحصول على إذن لتصدير سلعة أو تنفيذ تعاملات تجارية مع السودان، فمن الممكن أن يُسمح لها بذلك إذا رأت الإدارة أن في ذلك مصلحة للولايات المتحدة.
وأكد السفير معاوية أن معاملات التبادل الاقتصادي والتجاري بين البلدين لم تُستأنف بصورة فعلية منذ عقود، حتى بعد رفع العقوبات الاقتصادية في العام 2017، إذ إن رفع العقوبات وقتها يعني فقط إزالة الحواجز القانونية التي تمنع الشركات والمؤسسات والأفراد الأميركيين من التعامل مع السودان دون أن يتعرضوا لعقوبات، وهذا ما حدث حينها.
لكن بقيت المشكلة الأساسية في غياب رغبة الشركات والأفراد في الدخول في تعاملات تجارية مع السودان، نظرا لأنهم اعتبروا السودان دولة عالية المخاطر، ولم يُقدِموا على الاستثمار فيه أو التعامل معه إلا في نطاقات فردية محدودة للغاية، لا تُحدث أثرا يُذكر على الأداء الكلي للاقتصاد السوداني.
وأشار القائم بالأعمال الأسبق في سفارة السودان بواشنطن إلى أن السودان بحاجة إلى جهود سياسية واقتصادية متزامنة لتوسيع دائرة الاستثناءات، وصولا إلى مرحلة جديدة يتم فيها الرفع الكلي لهذه القيود، وهو أمر وارد حسب رأيه.
مسار جديد للعلاقات الاقتصادية
وأوضح عادل عبد العزيز أن العقوبات الشاملة التي فرضتها الإدارة الأميركية على السودان رُفعت جزئيا عام 2017، ثم نهائيا في 20 مايو/أيار 2021.
بيد أنه بعد التغيير الذي طرأ على تركيبة الحكم نتيجة لتصحيح المسار الذي قام به الفريق عبد الفتاح البرهان في أكتوبر/تشرين الأول 2021، أعلنت الخارجية الأميركية تعليق المساعدات للسودان، والتي كانت تشمل مخصصات طارئة بقيمة 700 مليون دولار.
وقد تبعت المؤسسات المالية الدولية، مثل صندوق النقد الدولي و البنك الدولي ، والدول الغربية، خطى الولايات المتحدة، وأعلنت أنها لن تمنح قروضا أو منحا للسودان إلا في حال وجود حكومة مدنية تقود البلاد.
وبسبب هذا التدخل في الشؤون الداخلية، تم إيقاف مسار إعفاء ديون السودان الخارجية بموجب مبادرة "هيبيك"، وهي المبادرة المخصصة للدول الأقل نموا وذات المديونية العالية، رغم أن السودان كان مستوفيا لجميع شروط الإعفاء. كما توقّفت أيضا قروض ومعونات دولية كانت مؤسسة التمويل الدولية تنسّق لها.
وقال عبد العزيز إن تعيين كامل إدريس رئيسا لمجلس الوزراء، ومضيه في ترشيح وزراء مدنيين من التكنوقراط، كان من المفترض أن يُعيد الزخم لمسار التعاون الاقتصادي، لكن الإعلان عن عقوبات جديدة يُعد قطعا لهذا المسار.
وأشار إلى أن هذا التطور الجديد يتطلب إرادة وطنية قوية للتخطيط لمسار بديل للعلاقات الاقتصادية الخارجية، يركّز على التعاون مع دول الشرق والدول الصديقة للسودان.
عبء أخلاقي أم اقتصادي؟
ودعا السفير عبد المحمود إلى عدم الاستهانة بالعقوبات الأميركية، مؤكدا أنها تمثل عبئا أخلاقيا وإنسانيا في وقت يواجه فيه السودان تحديات كبيرة على صعيد إعادة البناء والإعمار بعد الحرب.
وقال إن اتهام الجيش السوداني باستخدام أسلحة كيميائية في هذا التوقيت، والسياق الذي أُعلنت فيه العقوبات، لا يعدو كونه شكلا من أشكال الابتزاز السياسي وتزييف الحقائق، ويُعيد إلى الأذهان العقوبات السابقة التي فُرضت عام 1997 ولم تُرفع إلا بعد أكثر من 20 عاما.
مفعول محدود وآليات بديلة
وقال رئيس إحدى المجموعات التجارية الكبرى في السودان، والمهتمة بتطوير العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة، للجزيرة نت، إنه لا يعتقد أن للعقوبات المفروضة بشكلها الحالي وفي نطاقها الضيق تأثيرا كبيرا أو مباشرا على الاقتصاد السوداني، لأنها لا تشمل قطاعا حيويا له ارتباط فعلي مع السوق الأميركي.
وأضاف رئيس المجموعة -الذي فضّل عدم ذكر اسمه- أن هذه العقوبات رغم محدوديتها تشكّل مؤشرا مقلقا، لأنها تمثل أول عقوبات تُفرض بعد الحرب على السودان كدولة، وليس على أفراد، وبالتالي فإن توسّع هذا الاتجاه قد يكون له تأثير كبير في المستقبل.
ولم يستبعد في الوقت نفسه أن يكون للعقوبات أثر غير مباشر، مثل ما قد تقوم به بعض الجهات أو البنوك في أوروبا من وضع السودان على قوائم المراقبة أو إيقاف تعاملاتها معه، بسبب تصنيف السودان دولة خاضعة لعقوبات أميركية.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

نيويورك تايمز: ما الذي تتوقعه واشنطن من حكومة الشرع في سوريا؟
نيويورك تايمز: ما الذي تتوقعه واشنطن من حكومة الشرع في سوريا؟

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

نيويورك تايمز: ما الذي تتوقعه واشنطن من حكومة الشرع في سوريا؟

قال تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز إن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفعت معظم العقوبات عن سوريا في بادرة حسن نية تجاه الحكومة الجديدة بقيادة أحمد الشرع ، ولكن هذا التقارب الدبلوماسي ليس مجانيا بل مشروطا بتوقعات أميركية محددة. وذكر التقرير أن القرار كان موضع ترحيب شعبي في سوريا، حيث يعيش أكثر من 90% من السكان تحت خط الفقر، إلا أن العقوبات التي رفعها ترامب لا تشمل الإجراءات كافة، لأن بعضها يحتاج إلى موافقة من الكونغرس. وفي ما يلي متطلبات واشنطن من سوريا وفق ما أورده كاتبا التقرير: مدير مكتب صحيفة نيويورك تايمز في بيروت بن هابرد، ومراسلة الصحيفة في الشرق الأوسط إيريكا سولومون. التطبيع مع إسرائيل وأكد التقرير أن الولايات المتحدة تتوقع من الحكومة السورية اتخاذ خطوات جدية نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل، على أن يشمل ذلك مبدئيا السعي لتوقيع اتفاق يضمن وقف جميع الأعمال العدائية بين البلدين. وأضاف أن واشنطن تأمل أن تنضم سوريا في نهاية المطاف إلى " اتفاقيات أبراهام"، على غرار الإمارات والمغرب والبحرين والسودان. المقاتلون الأجانب وطالب الرئيس ترامب، وفق التقرير، بترحيل المقاتلين الأجانب الذين قدموا إلى سوريا منذ 2011، معبرا عن مخاوف من إمكانية تورطهم في التخطيط لهجمات إرهابية خارج البلاد، وهو ما أثار قلق المسؤولين الأميركيين. غير أن الشرع رفض الطلبات الأميركية الأولية بطرد المقاتلين أو فصلهم عن قواته، بل بدأ فعليا بدمجهم في جيشه الجديد، وتؤكد حكومته أن إعادتهم إلى بلدانهم أمر شبه مستحيل، إما بسبب رفض تلك الدول استقبالهم أو لخطر أن يتم إعدامهم هناك. كما حذرت الحكومة السورية الانتقالية، حسب التقرير، من أن عزل المقاتلين في سوريا قد يؤدي إلى انقسامات داخلية ويقوّض النظام الهش الجديد. وبعد أن طالب ترامب في البداية بخروج "جميع الإرهابيين الأجانب" من سوريا، تراجعت واشنطن لاحقا لتطلب فقط "الشفافية الكاملة" حول مواقعهم، وفق التقرير. وأوضح التقرير أن عددا كبيرا من هؤلاء المقاتلين سبق أن قاتل ضمن صفوف تنظيم القاعدة في سوريا، الذي أسّسه الشرع وقاده على مدى سنوات قبل أن يعلن انفصاله عنه في عام 2016، وبقي الآلاف منهم في صفوف جماعة الرئيس السوري أو في تشكيلات أخرى موالية له. إخراج الجماعات الفلسطينية المسلحة ويتوقع الأميركيون كذلك من سوريا أن تقطع علاقاتها مع الجماعات الفلسطينية المسلحة وخاصة حركة الجهاد الإسلامي ، وهو مطلب ترحب به إسرائيل وفق التقرير، وقد بدأت الحكومة السورية بالفعل باتخاذ خطوات أولية عبر اعتقال اثنين من كبار الحركة في أبريل/نيسان الماضي. وأضاف التقرير أن سوريا تواجه معضلة بشأن ترحيل القادة ومقاتلي الجماعات الفلسطينية إذ لا يوجد بلد مستعد لاستقبالهم، في حين يرفض لبنان ودول الجوار استضافتهم خشية التوترات أو الهجمات الإسرائيلية. كذلك تطالب الولايات المتحدة بتفكيك الشبكات التابعة ل إيران داخل أراضيها، وهذا ليس مطلبا صعبا على الشرع الذي يرى في إيران وحزب الله شريكين لنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد ، ولكن العملية قد تحتاج إلى مساعدة استخبارية أجنبية، وفق التقرير. تدمير الأسلحة الكيميائية وحسب التقرير، تعدّ إزالة برنامج الأسلحة الكيميائية السوري من أبرز أولويات الولايات المتحدة. وقال التقرير إن برنامج سوريا النووي بدأ في السبعينيات، ونجح العلماء السوريون في تطوير مخزونات من غازات السارين والكلور والخردل، استخدم بعضها ضد المدنيين خلال الحرب التي استمرت 13 عاما في عهد الأسد. وأدى ذلك إلى توقيع اتفاق في عام 2013 سمح بموجبه لـ منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التابعة للأمم المتحدة بإرسال مفتشين لإغلاق 27 موقعا مرتبطا بإنتاج هذه الأسلحة. وبحسب التقرير، فقد دعت الحكومة السورية الجديدة خبراء دوليين وأبدت تعاونا في تبادل المعلومات حول ما تبقى من المخزونات، ويقدر الخبراء وجود نحو 100 موقع مخفي، مما يجعل الوصول إليها وتدميرها تحديا كبيرا. منع عودة تنظيم الدولة الإسلامية ومن أولويات واشنطن أيضا منع عودة تنظيم الدولة الإسلامية. وتشترط الإدارة الأميركية أن تسيطر الحكومة السورية على معسكرات عناصر التنظيم وسجونه التي ما زالت تخضع ل قوات سوريا الديمقراطية ، وهي قوات كردية مدعومة أميركيا. ويأمل البيت الأبيض أن تتحمل الحكومة الجديدة مسؤولية إغلاق معسكرات احتجاز عائلات مقاتلي التنظيم، وتهيئة الأرضية لإعادة تأهيل قاطنيها أو ترحيلهم، رغم هشاشة البنية الأمنية السورية في هذه المناطق. وخلص التقرير إلى أن واشنطن لا تهتم كثيرا بكيفية حكم الشرع لسوريا داخليا، لكنها تركز على أن يكون هذا الحكم متوافقا مع المصالح الأميركية الإقليمية، وهو ما يشكل جوهر توقعاتها من تحسن العلاقة مع دمشق.

من انتصر في الحرب: إسرائيل أم إيران؟
من انتصر في الحرب: إسرائيل أم إيران؟

الجزيرة

timeمنذ 2 ساعات

  • الجزيرة

من انتصر في الحرب: إسرائيل أم إيران؟

قبل الهجوم غير القانوني الذي شنّته إسرائيل على إيران، كان نطاق الاشتباك بين طهران وتل أبيب يُعرّف ضمن "المنطقة الرمادية"، أو ما يُعرف بالحرب غير المتكافئة. لكن منذ أسبوعين تغيرت المعادلة، وأصبحنا أمام مواجهة مباشرة بين هذين الفاعلين الإقليميين. ففي فجر يوم الثالث عشر من يونيو/ حزيران 2025، أعلنت الحكومة الإسرائيلية، عبر بيان رسمي، أنها نفذت "ضربة استباقية" أطلقت عليها اسم "الأسد الصاعد"، استهدفت من خلالها مواقع حيوية كالمواقع النووية ووحدات الصواريخ والطائرات المسيّرة في نطنز وفوردو وخنداب وبارتشين. بالتزامن، شنّ الجيش الإسرائيلي وجهاز الموساد عمليات اغتيال ضد كبار القادة العسكريين وبعض الشخصيات البارزة في البرنامج النووي الإيراني. خلال الحرب التي استمرت 12 يومًا بين طهران وتل أبيب، سقط ما لا يقل عن 610 ضحايا إيرانيين. وبحسب الجيش الإسرائيلي، فقد استُهدِف ما لا يقل عن 480 هدفًا إستراتيجيًا داخل إيران خلال هذه العمليات المفاجئة. في المقابل، أعلنت القوات المسلحة الإيرانية بدء عملية "الوعد الصادق 3″، حيث أطلقت أكثر من 500 صاروخ على الأراضي المحتلة ضمن أكثر من 21 موجة هجومية. وأسفرت الهجمات الصاروخية الإيرانية عن مقتل 28 صهيونيًا، وإصابة 265 آخرين على الأقل. وعقب عملية "بشائر الفتح" الإيرانية ضد قيادة "سنتكوم" الأميركية في قاعدة العديد، وردًا على عملية "مطرقة منتصف الليل"، بدأت الولايات المتحدة بمساعدة قطر جهود وساطة بين إيران وإسرائيل، وأعلن ترامب عبر منشور على منصة "تروث سوشيال" عن التوصل إلى هدنة بين الطرفين. والسؤال الحاسم بعد إعلان هذه الهدنة النسبية في المنطقة: هل ستُستأنف الحرب بين إيران وإسرائيل من جديد؟ أهداف إسرائيل بعد دقائق من الهجوم واسع النطاق على أهداف عسكرية ومدنية داخل إيران، أعلن كل من بنيامين نتنياهو، ويسرائيل كاتس، وجدعون ساعر، الأقطاب الرئيسيين في الحكومة الإسرائيلية، أن هدف الحرب هو تدمير البرنامج النووي والصواريخ الباليستية الإيرانية. رغم أن الحكومة الإسرائيلية حاولت عبر المنابر الرسمية إظهار تلك الأهداف على أنها الأجندة الرئيسية للجيش وأجهزة الاستخبارات، فإن الوقائع على الأرض تشير إلى أن اليمين الصهيوني يسعى لتحقيق أهداف أكثر طموحًا. فقد ضخت إسرائيل كمًا هائلًا من الدعاية؛ بهدف تحريض الشعب الإيراني على التمرد وتغيير النظام القائم في طهران، مما يُظهر سعيها لتغيير وجه الشرق الأوسط. لكن الشعب الإيراني، بإظهاره وحدة وطنية واضحة في مواجهة العدو الخارجي، لم يتجاوب مع هذا المشروع الإسرائيلي- الأميركي. وبعد انتهاء الحرب، أعلنت إسرائيل أنها دمرت 50% من منصات إطلاق الصواريخ الإيرانية، واستهدفت 35 مركزًا لتصنيع الصواريخ، واغتالت 11 عالمًا نوويًا. ورغم مزاعم "النصر العظيم" من قبل المسؤولين الإسرائيليين، فإن الوقائع تشير إلى أن إسرائيل اكتفت بتوجيه ضربات محدودة إلى البرنامجين النووي والصاروخي الإيرانيين. فقد أظهرت استطلاعات رأي، مثل ما نشرته صحيفة "معاريف"، أن 65% من سكان الأراضي المحتلة لا يرون أن إسرائيل حققت نصرًا واضحًا. أهداف إيران خلال الحرب التي استمرت 12 يومًا، أعلنت طهران أن أهم أهدافها كانت "الرد الفعال على العدوان"، و"حماية الأصول الإستراتيجية"، و"معاقبة المعتدي بهدف استعادة الردع". وأكد اللواء موسوي، رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، أن العمليات المنفذة حتى الآن كانت تحذيرية لردع العدو، وأن العملية العقابية الحاسمة قادمة. عمليًا، وبسبب استهداف إسرائيل منظومات الدفاع الجوي والراداري الإيرانية، وعمليات التخريب التي نفذها عملاء الموساد، ركزت طهران على الهجوم وضرب مراكز إستراتيجية في الأراضي المحتلة، مثل: قاعدة نيفاتيم الجوية، قاعدة عودا الجوية، قاعدة رامون العسكرية، المقر المركزي للموساد، ومصفاة نفط حيفا. "تجميد التوتر".. العودة إلى طاولة المفاوضات مع إعلان الهدنة بين إيران وإسرائيل، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومبعوثه الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف عن محادثات غير رسمية مع طهران لإحياء المفاوضات النووية. ويبدو أن واشنطن قدمت بعض الحوافز، كرفع جزئي للعقوبات، لا سيما بيع النفط للصين. وقد ذكرت شركة "Kpler" أن صادرات إيران النفطية بلغت 2.2 مليون برميل يوميًا، ومن المتوقع أن ترتفع إلى 2.4 مليون قريبًا. وفيما بعد، كشفت "CNN" عن عرض أميركي بقيمة 30 مليار دولار لإنشاء برنامج نووي سلمي مقابل تخلي إيران عن التخصيب. رغم اهتمام البيت الأبيض بإبرام اتفاق نووي، فقد نفى وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في مقابلة مع التلفزيون الإيراني وجود أي خطط لاستئناف المفاوضات. وتُظهر تقارير وكالة الاستخبارات الدفاعية الأميركية أن المنشآت النووية الإيرانية لم تُدمَّر بالكامل، وهناك 400 كيلوغرام من اليورانيوم العالي التخصيب لا يزال مصيرها مجهولًا. وبالتالي، فإن العودة إلى المفاوضات باتت شبه حتمية، ما لم تستأنف إسرائيل مغامراتها العسكرية مجددًا. "تراجع تكتيكي" وفتح "صندوق باندورا" من جديد خلال قمة الناتو في هولندا، تحدث دونالد ترامب صراحة عن "الضربات القاسية" التي تعرضت لها إسرائيل جراء الهجمات الصاروخية. بالتوازي، تحدثت بعض المصادر عن محدودية مخزون الدفاعات الجوية الإسرائيلية لمواجهة هجمات إيرانية طويلة الأمد، وهو ما نفاه الجيش الإسرائيلي مرارًا. في هذا السيناريو، قد تلجأ إسرائيل بعد إعادة بناء قدراتها العسكرية وتحديث تقييماتها الاستخباراتية لجولة جديدة من الهجمات بذريعة استمرار التهديد النووي والصاروخي الإيراني. ويبدو أن النخبة السياسية والعسكرية والاستخباراتية في إيران تتعامل مع احتمال استئناف الحرب على المدى القصير بواقعية، وهو ما تعززه التجارب السابقة في لبنان وسوريا، بالإضافة إلى عدم تحقيق إسرائيل أهدافها بالكامل خلال الحرب الأخيرة. العودة إلى المنطقة الرمادية: لا حرب ولا سلم حتى قبل الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من أبريل/ نيسان 2024، كان الصراع بين إيران وإسرائيل يدور ضمن "المنطقة الرمادية"، حيث كان الطرفان يتجنبان الحرب المباشرة والشاملة. لكن الحرب الشاملة من 13 إلى 25 يونيو/ حزيران 2025 دفعت بعض خبراء العلاقات الدولية إلى القول إن العودة إلى المنطقة الرمادية لم تعد ممكنة. غير أن فريقًا آخر يرى أنه في حال فشلت المفاوضات المحتملة بين إيران والولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه لم تكن إسرائيل راغبة بخوض حرب جديدة، فإن الطرفين قد يعودان إلى استخدام أدوات "الحرب غير المتكافئة" من خلال العمليات الاستخباراتية، الحملات الدبلوماسية، الاستفادة من الحلفاء الإقليميين، أو توظيف الأدوات الاقتصادية. حرب على مستقبل الشرق الأوسط المنتصر في الحرب بين إيران وإسرائيل سيكون له دور حاسم في "إعادة تشكيل" النظام الإقليمي في غرب آسيا. ولعل فهم مكانة عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 في خريطة التنافس الجيوستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين وروسيا، يوضح هذا التوجه. فإسرائيل، باعتبارها الحليف الإستراتيجي لأميركا في شرق المتوسط، تسعى إلى إزالة محور المقاومة من معادلة المنطقة، تمهيدًا لتفعيل ممر "الهند – الشرق الأوسط – أوروبا" (IMEC) واحتواء النفوذ الصيني والروسي في شمال المحيط الهندي. وتزايد الحديث عن نهاية محتملة لحرب غزة، وتوسيع اتفاقيات "أبراهام" لتشمل السعودية وسوريا يعكس خطة مشتركة بين ترامب ونتنياهو لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط.

انشقاق الملياردير.. لماذا اشتعلت الخلافات بين ماسك وترامب؟
انشقاق الملياردير.. لماذا اشتعلت الخلافات بين ماسك وترامب؟

الجزيرة

timeمنذ 2 ساعات

  • الجزيرة

انشقاق الملياردير.. لماذا اشتعلت الخلافات بين ماسك وترامب؟

بعد ما يقرب من العقد على بداية ظهور دونالد ترامب مرشحا رئاسيا في عام 2015، أصبح ترامب رئيسا متزعِّما مجموعتين أساسيتين متناقضين، هما: الشعبويون الغاضبون الذين يسعون إلى الدفاع عن الهويات والتقاليد الاجتماعية المحافظة، وقادة قطاع التكنولوجيا الحديثة. تهدف الفئة الأولى، وهي التي تتكوّن بالأساس من الطبقات الدنيا والوسطى من العمال ذوي الياقات الزرقاء وسكان الريف، إلى التضييق على المهاجرين ومحاربة مظاهر العولمة، خاصة ما يتعلق بتسهيل التجارة العالمية ونقل الوظائف عبر الحدود والرقمنة. في حين تهدف الفئة الثانية، التي اصطف كبار ممثليها في مشهد لافت خلف ترامب في خطاب تنصيبه يوم 20 يناير/كانون الثاني 2025، وكان على رأسهم أغنى رجل في العالم بثروة تُقدَّر بأكثر من 300 مليار دولار، الملياردير إيلون ماسك، إلى الضغط من أجل إلغاء القيود الحكومية، وتسهيل النشر السريع للتقنيات المتطورة التي من المحتمل أن تحل محل العديد من العمال ذوي الياقات الزرقاء، وتقليص الدور والقيود الحكومية بصورة عامة. لكن ما بدا في الأشهر الأولى لرئاسة ترامب بأننا أمام علاقة ودية وطيدة بين الرجلين، استحال إلى تصريحات عدائية، حيث اقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمس الثلاثاء أن تدرس إدارة الكفاءة الحكومية خفض الدعم الذي تتلقاه شركات إيلون ماسك الرئيس التنفيذي لتسلا من أجل توفير أموال الحكومة الاتحادية. وهو التصريح الذي ردّ عليه إيلون ماسك متحديا: "اقطعوا كل شيء الآن". شعبوية ترامب الفريدة وصل الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض أول مرة عام 2017، ومرة ثانية عام 2025، متكئا على زعامة تيار أميركي شعبوي يميني جديد لم يعرف له التاريخ الأميركي مثيلا، وأُطلق على هذا التيار اختصارا لفظ "ماغا" (Make America Great Again – MAGA)، ووحَّد هذا التيار أفكارا وفئات مختلفة في توجهاتها وأهدافها، ومتناقضة في خلفياتها الاقتصادية والتعليمية. ومنذ ولايته الأولى، لم يتوقف الرئيس دونالد ترامب عن تكرار أنه يسعى لترشيد الإنفاق الحكومي، وفي سبيل ذلك عهد لرجل الأعمال الشهير وأغنى رجل في العالم، إيلون ماسك، بالمساهمة في تحقيق هذا الهدف من خلال إدارة الكفاءة الحكومية، بعد وصوله إلى الحكم مرة ثانية. لكن ترامب طرح "مشروع القانون الكبير والجميل"، وهو حزمة تشريعية شاملة قدَّمها قبل أسابيع، ومُرِّرَ في مجلس النواب بفارق ضئيل في 22 مايو/أيار، بأغلبية 215 صوتا مقابل 214 صوتا جاءت على أساس حزبي صارم، ليتناقض مع فكرة ترشيد الإنفاق الحكومي. وعلى مدار سنوات حُكم ترامب، مَثَّل خطابه وسياساته تدشينا لرؤية شعبوية أميركية تنادي بـ"أميركا أولا"، معتمدةً على صيغة تلائم القرن الحادي والعشرين، ومركِّزةً على قصور وسلبيات ونتائج ظاهرة العولمة التي وجَّهتها وقادتها بالأساس الولايات المتحدة، سواء تحت حكم الجمهوريين أو الديمقراطيين خلال العقود الأخيرة. ويمكن تبسيط مفهوم الشعبوية باعتبارها حركة أو أيديولوجيا أو حتى تكتيك سياسي، تعتمد على خطاب سياسي يهز عواطف المواطنين من أجل كسب ولائهم ودعمهم لما يُعرَض عليهم من سياسات أو توجهات. حيث طالب ترامب في خطابَيْ تنصيبه الشعب الأميركي باتباع قاعدتين بسيطتين، قائلا: "اشتروا المنتجات الأميركية، ووظِّفوا المواطنين الأميركيين"، وهو ما يُمثِّل حجر الأساس في سياساته الداخلية المرتبطة بسياسات الهجرة وسياسات فرض تعريفات وضرائب على شركاء واشنطن التجاريين. وتمتد شعبوية سياسات ترامب إلى ملفات أخرى، أكثر خطورة وأهميةً من القضايا التجارية، وتتعلق بتهديد النظام العالمي الذي أرست قواعده وعملت على حمايته وتجديده الإدارات الأميركية المختلفة منذ الحرب العالمية الثانية ، واعتمد على ليبرالية سياسية واقتصاد مفتوح. ونجح ترامب في استغلال انقسام الكتلة الجمهورية المتشعبة إلى ثلاث فئات أساسية. أولها: المحافظون الإنجيليون، وهي فئة متدينة ومتشددة اجتماعيًّا. وثانيها: الطبقة العاملة من ذوي مستويات التعليم المتوسطة (أقل من الجامعة)، التي تضم عمال المصانع وأصحاب الوظائف المكتبية ذات الدخول المنخفضة. وثالثها: فئة جمهوريي الوسط، أو الجمهوريون المعتدلون التقليديون، أي الصوت الوسطي المعتدل بمعايير الحزب الجمهوري الذي يتجه نحو اليمين. وتشغل كل فئة تقريبا ثلث أعداد المصوتين للحزب الجمهوري. تركزت الكتلة الصلبة الأكثر ولاء للمرشح ترامب داخل الفئة الثانية التي تتكون من الطبقة الجمهورية العاملة، وهي طبقة بيضاء البشرة في معظمها. وقد وجدت هذه الطبقة في "ترامب" نموذجا للتعبير عن غضبها مما تراه وضعا اقتصاديا متدهورا، رغم تحسن الأوضاع الاقتصادية بصورة كبيرة خلال الفترات السابقة لانتخاب ترامب. وشعرت هذه الطبقة قبل ذلك بقسوة الأزمة الاقتصادية عام 2008، وأزمة الرهون العقارية وتبعاتها، ولم تزد أجورها، بل زادت ديون أُسرها. ولذا، فقد قامت بإلقاء اللوم على الآخرين، سواء المهاجرين، أو الليبراليين الديمقراطيين، أو الصينيين. ماسك وتذبذباته السياسية مثل العديد من المليارديرات، كان ماسك مترددا في السابق في الانخراط المباشر في الحياة السياسية، لكنه صوَّت لهيلاري كلينتون في انتخابات عام 2016 ولجو بايدن عام 2020. وفي عام 2021 ادَّعى ماسك أنه يفضل البقاء بعيدا عن الانخراط المباشر سياسيا في نقاشات وصراعات الفضاء العام، وقال: "أُفضِّل البقاء بعيدا عن السياسة". بدأ ماسك الانتقال إلى الحياة السياسية الأميركية بصورة مباشرة من خلال شرائه منصة التواصل الاجتماعي "تويتر" في أبريل/نيسان 2022، وأكمل الاستحواذ عليها بحلول أكتوبر/تشرين الأول 2022 مقابل 44 مليار دولار، وذلك مع احتداد الحملة الانتخابية لانتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر/تشرين الثاني 2022. وفور استحواذه على منصة تويتر، غيَّر ماسك نظام خوارزميات المنصة، وجعلها مفتوحة أمام المؤثرين والسياسيين ممن كانوا محظورين من قبل، وكان دونالد ترامب من بين هؤلاء. وعزَّز ماسك حرية التعبير بما سمح بتحجيم القيود على سوق الأفكار على المنصة التي غيَّر اسمها إلى "إكس". ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني 2022، اتخذ ماسك منعطفا دراماتيكيا في السياسة الانتخابية الأميركية، وبينما كان يتبرع تاريخيا للحزبين، مال ماسك إلى الحزب الجمهوري. ومنذ بداية عام 2024، تحول دعمه العلني إلى الرئيس ترامب وكل القضايا المحافظة التي نادى بها. في أوائل عام 2024، كان ماسك لا يزال يدّعي أنه غير منحاز سياسيا، مما يشير إلى أنه لن يتبرع لأيٍّ من الحملتين الرئاسيتين. انتهى هذا الحياد الواضح بعد محاولة اغتيال ترامب في تجمع انتخابي في يونيو/حزيران 2024 بولاية بنسلفانيا، حيث أيَّد ماسك ترشح ترامب للعودة للبيت الأبيض. وكان تحوُّل ماسك الفعلي إلى حركة "ماغا" سابقا بفترة طويلة محاولة اغتيال ترامب، إذ دأب ماسك على التغريد على موقع تويتر والتفاعل مع حسابات تشارك مبادئ أنصار ترامب وبعض ممثلي اليمين الأميركي ممن يروِّجون لنظريات سمو الجنس الأبيض، ومؤامرة الإبادة الجماعية للبيض في جنوب أفريقيا، والعداء لسياسات التنوع والإنصاف والشمول (DEI) التي تبنَّاها ترامب لاحقا. وأشارت تقارير إلى أن ماسك كان أكبر مساهم مالي في حملة انتخاب ترامب 2024، حيث أنفق ما يقرب من 300 مليون دولار للمساعدة في انتخاب ترامب. وأثار هذا الإنفاق الهائل أيضا شكوكا في رغبة ماسك في التأثير السياسي غير المتناسب من ملياردير تكنولوجيا يفتقر إلى التفويض الانتخابي أو الدور الرسمي. وبصفته رجلَ أعمال مليارديرا، كان هناك العديد من القواسم المشتركة الأيديولوجية بين ماسك وترامب، على رأسها برامج التخفيضات الضريبية التي يتبنَّاها ترامب، وتحديد دور الدولة في التشريعات والإجراءات التكنولوجية. شعبوية ترامب ضد تحررية ماسك لم يعلن ماسك عن أي إطار أيديولوجي يغلف به تدخله في الحياة السياسية، ووصوله إلى دائرة التأثير المباشرة في البيت الأبيض على مدار الأشهر الخمسة الأخيرة. وبوصفه رجلا تكنولوجيا ذا ميول تحررية، يُفضِّل ماسك الحد الأدنى من التدخل الحكومي، وغالبا ما ينتقد البيروقراطية وعدم كفاءة الحكومة، ويُقدِّر الأنظمة اللا مركزية (على سبيل المثال العملة المشفرة وحوكمة الذكاء الاصطناعي)، ويُفضِّل الابتكار الفردي على التحكم الذي تقوده الدولة. وفي الوقت الذي هدف فيه ترامب من خلال الشعبوية إلى الوصول إلى البيت الأبيض مرتين، إضافة إلى إعادته تشكيل الحزب الجمهوري، والحفاظ على حركة سياسية تُمثِّل إرثا شخصيا له، حاول ماسك من خلال رؤيته لنفسه ونظرته إلى العالم الترويج لأفكار كبيرة طموحة، مثل الذكاء الاصطناعي، واستعمار الفضاء، وتعميم استخدام المركبات الكهربائية. تفاخر ترامب بأن يصبح نصيرا وبطلا للطبقة الوسطى وحاميا للطبقة العاملة المنسية، وخاصة الأميركيين ذوي الياقات الزرقاء في مجالات التصنيع والزراعة وسكان المناطق الريفية. وكثيرا ما يستخدم اللغة الشعبوية، مدَّعيا أنه يُمثِّل "الأغلبية الصامتة" ضد النخب والعولمة ومناصريهم من ساكني سواحل المحيطيْن الأطلسي والهادي. يصف ترامب نفسه بأنه ملياردير يفهم "الرجل العادي"، ويستخدم سياسات الهوية لحشد دعم الطبقة الوسطى، وغالبا ما يستحضر الوطنية والقيم التقليدية والقومية. وينظر ترامب إلى التكنولوجيا على أنها ذات قيمة في المقام الأول عندما تساعد التصنيع الأميركي أو القوة العسكرية. واجتماعيا، يشكك في الأجندة الاجتماعية لوادي السيليكون وتأثيرها على الثقافة المجتمعية ومستقبل الوظائف. ويتسق مع ذلك تشكُّك ترامب في سرديات تغير المناخ وضرورة اللجوء إلى الطاقة النظيفة، ومن هنا تراجع وألغى وعدّل الكثير من اللوائح البيئية، وعزَّز صناعات الوقود الأحفوري. وعلى النقيض من ترامب، رأى ماسك نفسه يبني مستقبلا جديدا قد يترك أجزاء من الطبقة الوسطى وراءه، ولكنه يخلق نماذج اقتصادية جديدة تفيد الإنسانية. ركَّز ماسك على قطاع الأعمال المتقدمة من حيث الابتكار والرقمنة التي يمكن أن تحل محل وظائف الطبقة الوسطى. في حين يعتقد ماسك أن التكنولوجيا تحويلية وضرورية بطبيعتها، حتى لو عطلت الطبقات الاقتصادية الحالية. كثيرا ما يقلل ماسك من أهمية المخاوف بشأن النزوح الوظيفي، ويعتبرها آلاما متزايدة نحو مستقبل أفضل. ومن النادر أن يتحدث ماسك مدافعا عن الطبقة الوسطى، لكنه تحدث في كثير من الأحيان بدلا عن ذلك إلى المهنيين في مجال التكنولوجيا ورواد الأعمال أو المستثمرين. وعزَّز ماسك الرؤى طويلة المدى التي تعتمد على التكنولوجيا (مثل التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي) التي لا يتردد صداها دائما مع المخاوف المباشرة للطبقة الوسطى التي يدعمها ترامب. وعلى العكس من ترامب فيما يتعلق بالمناخ، فماسك بيئي، ومؤيد للسرديات العلمية في هذا الشأن، وبنى إمبراطورية سيارات تسلا انطلاقا من إيمانه بضرورة تقليل انبعاثات الكربون، ومن هنا هو مدافع قوي عن الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية. تحالف غير مقدس توجَّه ماسك أكثر للجمهور الأصغر سِنًّا، والواعي بالتكنولوجيا، والمناهض للاستبداد من أصحاب الميول التحررية، أو المحبَطين من المؤسسات السائدة، مروِّجا لشعبوية تكنوقراطية تكنولوجية ليست سياسية بالمعنى التقليدي. وحاول ماسك التأثير من خلال شعبويته المختلفة في تشكيل الروايات حول التكنولوجيا والحرية والمستقبل، غير مكترث بالهياكل السياسية الحالية. وأدَّى وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وهو ما أسهم فيه جزئيا دعم ماسك، إلى تحالف غير مسبوق بينهما. ومنذ ولايته الأولى، لم يتوقف الرئيس ترامب عن تكرار أنه يسعى لترشيد الإنفاق الحكومي، وفي سبيل ذلك عهد لرجل الأعمال الشهير وأغنى رجل في العالم، إيلون ماسك، بالمساهمة في تحقيق هذا الهدف من خلال إدارة الكفاءة الحكومية، قبل أن تدب الخلافات بين الرجلين عندما انتقد ماسك مشروع قانون ترامب الذي يصفه بأنه "التشريع الكبير والجميل"، الذي يشمل خفض الضرائب وزيادة الإنفاق الحكومي بشكل كبير. وقبل ذلك، ادَّعى ترامب وماسك أن وزارة الكفاءة الحكومية التي أشرف عليها ماسك، بقرار من ترامب، قد توفر ما يقرب من تريليونَيْ دولار، يمكن استخدامها لتمويل تخفيضات ضريبية واسعة، ومع عدم تحقق ما سعيا إليه، خشي ماسك من تبعات زيادة مشروع ترامب للميزانية على الدين العام. ووسط قلق الخبراء المبرَّر من زيادة الدين العام، يدافع ترامب باستمرار عن حجم هذا التشريع ونطاقه، واصفا ضخامة الإنفاق بأنها استثمارات ستُعيد لأميركا عظمتها. ووصف ترامب القانون بأنه أهم تشريع في ولايته الثانية، وهو مشروع قانون واحد من شأنه أن يُمهِّد لتنفيذ أجندته الداخلية بأكملها. ولكن مع توجُّه مشروع القانون من مجلس النواب إلى مجلس الشيوخ، يُتوقع أن يواجه الكثير من المعارضة. حيث كشف تقرير صدر من "معهد مراقبة الميزانية"، المستقل في واشنطن، أن مشروع القانون سيضيف 2.4 تريليون دولار إلى الدين الوطني على مدى العقد المقبل. و"مشروع القانون الكبير والجميل"، هو حزمة تشريعية شاملة قدّمها ترامب قبل أسابيع، ومُرِّرَ في مجلس النواب بفارق ضئيل في 22 مايو/أيار، بأغلبية 215 صوتا مقابل 214 صوتا جاءت على أساس حزبي صارم. وجاء تمرير القرار في لحظة محورية في أجندة ترامب التشريعية، مما يعكس أولويات سياسته والانقسامات العميقة داخل الحزب الجمهوري. وتغيَّر الأمر برفض ماسك مشروع ميزانية ترامب المعروف باسم "مشروع قانون ترامب الكبير والجميل"، الذي وصفه بأنه "بغيض"، وطلب من متابعيه على وسائل التواصل الاجتماعي الاتصال بأعضاء الكونغرس الممثلين لمناطقهم لتحفزيهم على قتل المشروع وعدم التصويت له". واعتبر ترامب أن غضب ماسك يرجع إلى تخفيضه الدعم للسيارات الكهربائية. ورغم أن تخفيضات الدعم ستؤثر على أكبر شركات ماسك "تسلا"، فإن ماسك أيَّد سابقا إلغاء الدعم. ولا يزال مشروع القانون يواجه عقبات كبيرة، حيث يشير أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون إلى أنهم يريدون تغييرات جوهرية، رغم أنهم يختلفون على ما ستكون عليه هذه التغييرات. سخر السيناتور عن ولاية كنتاكي راند بول من تخفيضات الإنفاق ووصفها بأنها "ضعيفة"، بينما وصف السيناتور عن ولاية ويسكونسن رون جونسون، حليف ترامب، التأثير المالي لمشروع القانون بأنه "رهن مستقبل أطفالنا". نهاية متوقعة.. ولكن! غادر ماسك البيت الأبيض، وقام ترامب بشكره على خدمته وقدَّم له "مفتاحا ذهبيا" في احتفالية بالمكتب البيضاوي. لكن هذه الأجواء الاحتفالية غلَّفها توتر صامت حول مشروع قانون ترامب للميزانية الفدرالية، الذي انفجر في خلافات وتغريدات وتصريحات وتهديدات نارية خرجت في بعض الأحيان عن نطاق المعقول المتوقع بين رئيس أكبر دولة في العالم وأغنى رجل على كوكب الأرض. وأظهر خلاف ترامب وماسك وقوف الحزب الجمهوري على مفترق طرق حاسم: هل يقفون مع دونالد ترامب الذي يريد إضافة أكثر من تريليونَيْ دولار إلى الدين العام، ويقلص العديد من الخدمات الاجتماعية التي يستفيد منها ملايين الجمهوريين من أبناء الطبقات الدنيا والوسطى، أم يقفون مع ما ينادي به ماسك، وهو ما قد يتركهم فريسة لقوى المستقبل غير المعروف. ويشير الضجيج الجمهوري والاقتتال الداخلي حول الدين العام وعجز الموازنة إلى حقيقة استبدال الحزب الجمهوري أهواء ترامب الاقتصادية غير المتماسكة بما تبقى من أي "سياسة اقتصادية". وبالتالي، لا يُطلب من المشرعين الجمهوريين تمرير تشريعات، بل يُطلب منهم المشاركة في اختبار الولاء لترامب. وإذا نفَّذ ماسك تهديداته وانقلب على الجمهوريين -بعد إنفاق مئات الملايين لدعم حملاتهم العام الماضي- فقد يتسبب ذلك في صداع لأعضاء مجلس النواب من شاغلي مناصبهم حاليا، وسيواجهون تحديات في الانتخابات التمهيدية للحزب قبل مواجهة خصومهم الديمقراطيين في نوفمبر/تشرين الثاني 2026. وستُمثِّل خسارة مجلس النواب ضربة مدمرة لآمال الجمهوريين في الاحتفاظ بالسيطرة على الكونغرس في النصف الثاني من ولاية ترامب، الذي لن ينجو بنفسه من تحقيقات ومحاولات للعزل، ناهيك عن شلّ أجندته الداخلية. وفي تصعيد لافت لخلافات الرجلين، طرح ماسك فكرة تشكيل حزب سياسي جديد لمنافسة نظام الحزبين القائم والراسخ في الحياة السياسية الأميركية. وأجرى ماسك استطلاعا عبر منصة "إكس" التي يمتلكها، وسأل متابعيه البالغ عددهم 221 مليون شخص: "هل حان الوقت لإنشاء حزب سياسي جديد في أميركا يُمثِّل بالفعل 80% في المنتصف؟". تُظهر النتائج العامة أن نحو 80% من المستجيبين صوّتوا بـ"نعم". قال ماسك، ردا على نتائج استطلاعه الذي قرأ نصه 141 مليون شخص، بينهم ما يقرب من 5.7 ملايين شخص أدلوا بآرائهم: "لقد تحدث الناس. هناك حاجة إلى حزب سياسي جديد في أميركا لتمثيل 80% في الوسط!". ومع إنفاق ماسك مئات الملايين من الدولارات دعما لانتخاب ترامب في عام 2024، لا نستبعد أن يستمر ماسك في الاستثمار بكثافة في الحياة السياسية الأميركية بصورة مبتكرة لم يتوقعها أحد قبل أسابيع قليلة. لكن للمال حدود في السياسة الأميركية، فقد فشل استثمار ماسك الضخم في انتخابات المحكمة العليا في ولاية ويسكونسن في أن يؤتي ثماره في نهاية مارس/آذار الماضي، حيث فازت سوزان كروفورد المدعومة من الديمقراطيين بالمقعد الذي يقرر تَوجُّه المحكمة. وأنفق ماسك أكثر من 20 مليونا لدعم الجمهوري براد شيميل، وعدة ملايين أخرى لزيادة الوعي حول الانتخابات، وسافر إلى ويسكونسن لدعم شيميل، ولم ينجح المرشح الجمهوري. في حين أن انتخابات المحكمة العليا على مستوى ولاية متوسطة الحجم ليس بالضرورة عاكسا للصورة العامة على المستوى الوطني، لكنها كانت دليلا على حدود قدرة ماسك المالية في التأثير السياسي. كما أن هذه الانتخابات كانت من أوائل الانتخابات الكبرى التي تُجرى منذ وصول ترامب، ومعه ماسك، إلى البيت الأبيض، مما جعلها استفتاء مبكرا على قدرتهما معا، أو قدرة ماسك وحده، على التأثير على أي انتخابات مستقبلية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store