
انشقاق الملياردير.. لماذا اشتعلت الخلافات بين ماسك وترامب؟
تهدف الفئة الأولى، وهي التي تتكوّن بالأساس من الطبقات الدنيا والوسطى من العمال ذوي الياقات الزرقاء وسكان الريف، إلى التضييق على المهاجرين ومحاربة مظاهر العولمة، خاصة ما يتعلق بتسهيل التجارة العالمية ونقل الوظائف عبر الحدود والرقمنة.
في حين تهدف الفئة الثانية، التي اصطف كبار ممثليها في مشهد لافت خلف ترامب في خطاب تنصيبه يوم 20 يناير/كانون الثاني 2025، وكان على رأسهم أغنى رجل في العالم بثروة تُقدَّر بأكثر من 300 مليار دولار، الملياردير إيلون ماسك، إلى الضغط من أجل إلغاء القيود الحكومية، وتسهيل النشر السريع للتقنيات المتطورة التي من المحتمل أن تحل محل العديد من العمال ذوي الياقات الزرقاء، وتقليص الدور والقيود الحكومية بصورة عامة.
لكن ما بدا في الأشهر الأولى لرئاسة ترامب بأننا أمام علاقة ودية وطيدة بين الرجلين، استحال إلى تصريحات عدائية، حيث اقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمس الثلاثاء أن تدرس إدارة الكفاءة الحكومية خفض الدعم الذي تتلقاه شركات إيلون ماسك الرئيس التنفيذي لتسلا من أجل توفير أموال الحكومة الاتحادية.
وهو التصريح الذي ردّ عليه إيلون ماسك متحديا: "اقطعوا كل شيء الآن".
شعبوية ترامب الفريدة
وصل الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض أول مرة عام 2017، ومرة ثانية عام 2025، متكئا على زعامة تيار أميركي شعبوي يميني جديد لم يعرف له التاريخ الأميركي مثيلا، وأُطلق على هذا التيار اختصارا لفظ "ماغا" (Make America Great Again – MAGA)، ووحَّد هذا التيار أفكارا وفئات مختلفة في توجهاتها وأهدافها، ومتناقضة في خلفياتها الاقتصادية والتعليمية.
ومنذ ولايته الأولى، لم يتوقف الرئيس دونالد ترامب عن تكرار أنه يسعى لترشيد الإنفاق الحكومي، وفي سبيل ذلك عهد لرجل الأعمال الشهير وأغنى رجل في العالم، إيلون ماسك، بالمساهمة في تحقيق هذا الهدف من خلال إدارة الكفاءة الحكومية، بعد وصوله إلى الحكم مرة ثانية.
لكن ترامب طرح "مشروع القانون الكبير والجميل"، وهو حزمة تشريعية شاملة قدَّمها قبل أسابيع، ومُرِّرَ في مجلس النواب بفارق ضئيل في 22 مايو/أيار، بأغلبية 215 صوتا مقابل 214 صوتا جاءت على أساس حزبي صارم، ليتناقض مع فكرة ترشيد الإنفاق الحكومي.
وعلى مدار سنوات حُكم ترامب، مَثَّل خطابه وسياساته تدشينا لرؤية شعبوية أميركية تنادي بـ"أميركا أولا"، معتمدةً على صيغة تلائم القرن الحادي والعشرين، ومركِّزةً على قصور وسلبيات ونتائج ظاهرة العولمة التي وجَّهتها وقادتها بالأساس الولايات المتحدة، سواء تحت حكم الجمهوريين أو الديمقراطيين خلال العقود الأخيرة.
ويمكن تبسيط مفهوم الشعبوية باعتبارها حركة أو أيديولوجيا أو حتى تكتيك سياسي، تعتمد على خطاب سياسي يهز عواطف المواطنين من أجل كسب ولائهم ودعمهم لما يُعرَض عليهم من سياسات أو توجهات. حيث طالب ترامب في خطابَيْ تنصيبه الشعب الأميركي باتباع قاعدتين بسيطتين، قائلا: "اشتروا المنتجات الأميركية، ووظِّفوا المواطنين الأميركيين"، وهو ما يُمثِّل حجر الأساس في سياساته الداخلية المرتبطة بسياسات الهجرة وسياسات فرض تعريفات وضرائب على شركاء واشنطن التجاريين.
وتمتد شعبوية سياسات ترامب إلى ملفات أخرى، أكثر خطورة وأهميةً من القضايا التجارية، وتتعلق بتهديد النظام العالمي الذي أرست قواعده وعملت على حمايته وتجديده الإدارات الأميركية المختلفة منذ الحرب العالمية الثانية ، واعتمد على ليبرالية سياسية واقتصاد مفتوح.
ونجح ترامب في استغلال انقسام الكتلة الجمهورية المتشعبة إلى ثلاث فئات أساسية. أولها: المحافظون الإنجيليون، وهي فئة متدينة ومتشددة اجتماعيًّا. وثانيها: الطبقة العاملة من ذوي مستويات التعليم المتوسطة (أقل من الجامعة)، التي تضم عمال المصانع وأصحاب الوظائف المكتبية ذات الدخول المنخفضة. وثالثها: فئة جمهوريي الوسط، أو الجمهوريون المعتدلون التقليديون، أي الصوت الوسطي المعتدل بمعايير الحزب الجمهوري الذي يتجه نحو اليمين. وتشغل كل فئة تقريبا ثلث أعداد المصوتين للحزب الجمهوري.
تركزت الكتلة الصلبة الأكثر ولاء للمرشح ترامب داخل الفئة الثانية التي تتكون من الطبقة الجمهورية العاملة، وهي طبقة بيضاء البشرة في معظمها. وقد وجدت هذه الطبقة في "ترامب" نموذجا للتعبير عن غضبها مما تراه وضعا اقتصاديا متدهورا، رغم تحسن الأوضاع الاقتصادية بصورة كبيرة خلال الفترات السابقة لانتخاب ترامب.
وشعرت هذه الطبقة قبل ذلك بقسوة الأزمة الاقتصادية عام 2008، وأزمة الرهون العقارية وتبعاتها، ولم تزد أجورها، بل زادت ديون أُسرها. ولذا، فقد قامت بإلقاء اللوم على الآخرين، سواء المهاجرين، أو الليبراليين الديمقراطيين، أو الصينيين.
ماسك وتذبذباته السياسية
مثل العديد من المليارديرات، كان ماسك مترددا في السابق في الانخراط المباشر في الحياة السياسية، لكنه صوَّت لهيلاري كلينتون في انتخابات عام 2016 ولجو بايدن عام 2020.
وفي عام 2021 ادَّعى ماسك أنه يفضل البقاء بعيدا عن الانخراط المباشر سياسيا في نقاشات وصراعات الفضاء العام، وقال: "أُفضِّل البقاء بعيدا عن السياسة".
بدأ ماسك الانتقال إلى الحياة السياسية الأميركية بصورة مباشرة من خلال شرائه منصة التواصل الاجتماعي "تويتر" في أبريل/نيسان 2022، وأكمل الاستحواذ عليها بحلول أكتوبر/تشرين الأول 2022 مقابل 44 مليار دولار، وذلك مع احتداد الحملة الانتخابية لانتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
وفور استحواذه على منصة تويتر، غيَّر ماسك نظام خوارزميات المنصة، وجعلها مفتوحة أمام المؤثرين والسياسيين ممن كانوا محظورين من قبل، وكان دونالد ترامب من بين هؤلاء. وعزَّز ماسك حرية التعبير بما سمح بتحجيم القيود على سوق الأفكار على المنصة التي غيَّر اسمها إلى "إكس".
ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني 2022، اتخذ ماسك منعطفا دراماتيكيا في السياسة الانتخابية الأميركية، وبينما كان يتبرع تاريخيا للحزبين، مال ماسك إلى الحزب الجمهوري. ومنذ بداية عام 2024، تحول دعمه العلني إلى الرئيس ترامب وكل القضايا المحافظة التي نادى بها.
في أوائل عام 2024، كان ماسك لا يزال يدّعي أنه غير منحاز سياسيا، مما يشير إلى أنه لن يتبرع لأيٍّ من الحملتين الرئاسيتين. انتهى هذا الحياد الواضح بعد محاولة اغتيال ترامب في تجمع انتخابي في يونيو/حزيران 2024 بولاية بنسلفانيا، حيث أيَّد ماسك ترشح ترامب للعودة للبيت الأبيض.
وكان تحوُّل ماسك الفعلي إلى حركة "ماغا" سابقا بفترة طويلة محاولة اغتيال ترامب، إذ دأب ماسك على التغريد على موقع تويتر والتفاعل مع حسابات تشارك مبادئ أنصار ترامب وبعض ممثلي اليمين الأميركي ممن يروِّجون لنظريات سمو الجنس الأبيض، ومؤامرة الإبادة الجماعية للبيض في جنوب أفريقيا، والعداء لسياسات التنوع والإنصاف والشمول (DEI) التي تبنَّاها ترامب لاحقا.
وأشارت تقارير إلى أن ماسك كان أكبر مساهم مالي في حملة انتخاب ترامب 2024، حيث أنفق ما يقرب من 300 مليون دولار للمساعدة في انتخاب ترامب.
وأثار هذا الإنفاق الهائل أيضا شكوكا في رغبة ماسك في التأثير السياسي غير المتناسب من ملياردير تكنولوجيا يفتقر إلى التفويض الانتخابي أو الدور الرسمي.
وبصفته رجلَ أعمال مليارديرا، كان هناك العديد من القواسم المشتركة الأيديولوجية بين ماسك وترامب، على رأسها برامج التخفيضات الضريبية التي يتبنَّاها ترامب، وتحديد دور الدولة في التشريعات والإجراءات التكنولوجية.
شعبوية ترامب ضد تحررية ماسك
لم يعلن ماسك عن أي إطار أيديولوجي يغلف به تدخله في الحياة السياسية، ووصوله إلى دائرة التأثير المباشرة في البيت الأبيض على مدار الأشهر الخمسة الأخيرة.
وبوصفه رجلا تكنولوجيا ذا ميول تحررية، يُفضِّل ماسك الحد الأدنى من التدخل الحكومي، وغالبا ما ينتقد البيروقراطية وعدم كفاءة الحكومة، ويُقدِّر الأنظمة اللا مركزية (على سبيل المثال العملة المشفرة وحوكمة الذكاء الاصطناعي)، ويُفضِّل الابتكار الفردي على التحكم الذي تقوده الدولة.
وفي الوقت الذي هدف فيه ترامب من خلال الشعبوية إلى الوصول إلى البيت الأبيض مرتين، إضافة إلى إعادته تشكيل الحزب الجمهوري، والحفاظ على حركة سياسية تُمثِّل إرثا شخصيا له، حاول ماسك من خلال رؤيته لنفسه ونظرته إلى العالم الترويج لأفكار كبيرة طموحة، مثل الذكاء الاصطناعي، واستعمار الفضاء، وتعميم استخدام المركبات الكهربائية.
تفاخر ترامب بأن يصبح نصيرا وبطلا للطبقة الوسطى وحاميا للطبقة العاملة المنسية، وخاصة الأميركيين ذوي الياقات الزرقاء في مجالات التصنيع والزراعة وسكان المناطق الريفية. وكثيرا ما يستخدم اللغة الشعبوية، مدَّعيا أنه يُمثِّل "الأغلبية الصامتة" ضد النخب والعولمة ومناصريهم من ساكني سواحل المحيطيْن الأطلسي والهادي.
يصف ترامب نفسه بأنه ملياردير يفهم "الرجل العادي"، ويستخدم سياسات الهوية لحشد دعم الطبقة الوسطى، وغالبا ما يستحضر الوطنية والقيم التقليدية والقومية. وينظر ترامب إلى التكنولوجيا على أنها ذات قيمة في المقام الأول عندما تساعد التصنيع الأميركي أو القوة العسكرية. واجتماعيا، يشكك في الأجندة الاجتماعية لوادي السيليكون وتأثيرها على الثقافة المجتمعية ومستقبل الوظائف. ويتسق مع ذلك تشكُّك ترامب في سرديات تغير المناخ وضرورة اللجوء إلى الطاقة النظيفة، ومن هنا تراجع وألغى وعدّل الكثير من اللوائح البيئية، وعزَّز صناعات الوقود الأحفوري.
وعلى النقيض من ترامب، رأى ماسك نفسه يبني مستقبلا جديدا قد يترك أجزاء من الطبقة الوسطى وراءه، ولكنه يخلق نماذج اقتصادية جديدة تفيد الإنسانية.
ركَّز ماسك على قطاع الأعمال المتقدمة من حيث الابتكار والرقمنة التي يمكن أن تحل محل وظائف الطبقة الوسطى.
في حين يعتقد ماسك أن التكنولوجيا تحويلية وضرورية بطبيعتها، حتى لو عطلت الطبقات الاقتصادية الحالية. كثيرا ما يقلل ماسك من أهمية المخاوف بشأن النزوح الوظيفي، ويعتبرها آلاما متزايدة نحو مستقبل أفضل.
ومن النادر أن يتحدث ماسك مدافعا عن الطبقة الوسطى، لكنه تحدث في كثير من الأحيان بدلا عن ذلك إلى المهنيين في مجال التكنولوجيا ورواد الأعمال أو المستثمرين. وعزَّز ماسك الرؤى طويلة المدى التي تعتمد على التكنولوجيا (مثل التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي) التي لا يتردد صداها دائما مع المخاوف المباشرة للطبقة الوسطى التي يدعمها ترامب.
وعلى العكس من ترامب فيما يتعلق بالمناخ، فماسك بيئي، ومؤيد للسرديات العلمية في هذا الشأن، وبنى إمبراطورية سيارات تسلا انطلاقا من إيمانه بضرورة تقليل انبعاثات الكربون، ومن هنا هو مدافع قوي عن الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية.
تحالف غير مقدس
توجَّه ماسك أكثر للجمهور الأصغر سِنًّا، والواعي بالتكنولوجيا، والمناهض للاستبداد من أصحاب الميول التحررية، أو المحبَطين من المؤسسات السائدة، مروِّجا لشعبوية تكنوقراطية تكنولوجية ليست سياسية بالمعنى التقليدي.
وحاول ماسك التأثير من خلال شعبويته المختلفة في تشكيل الروايات حول التكنولوجيا والحرية والمستقبل، غير مكترث بالهياكل السياسية الحالية. وأدَّى وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وهو ما أسهم فيه جزئيا دعم ماسك، إلى تحالف غير مسبوق بينهما.
ومنذ ولايته الأولى، لم يتوقف الرئيس ترامب عن تكرار أنه يسعى لترشيد الإنفاق الحكومي، وفي سبيل ذلك عهد لرجل الأعمال الشهير وأغنى رجل في العالم، إيلون ماسك، بالمساهمة في تحقيق هذا الهدف من خلال إدارة الكفاءة الحكومية، قبل أن تدب الخلافات بين الرجلين عندما انتقد ماسك مشروع قانون ترامب الذي يصفه بأنه "التشريع الكبير والجميل"، الذي يشمل خفض الضرائب وزيادة الإنفاق الحكومي بشكل كبير.
وقبل ذلك، ادَّعى ترامب وماسك أن وزارة الكفاءة الحكومية التي أشرف عليها ماسك، بقرار من ترامب، قد توفر ما يقرب من تريليونَيْ دولار، يمكن استخدامها لتمويل تخفيضات ضريبية واسعة، ومع عدم تحقق ما سعيا إليه، خشي ماسك من تبعات زيادة مشروع ترامب للميزانية على الدين العام.
ووسط قلق الخبراء المبرَّر من زيادة الدين العام، يدافع ترامب باستمرار عن حجم هذا التشريع ونطاقه، واصفا ضخامة الإنفاق بأنها استثمارات ستُعيد لأميركا عظمتها.
ووصف ترامب القانون بأنه أهم تشريع في ولايته الثانية، وهو مشروع قانون واحد من شأنه أن يُمهِّد لتنفيذ أجندته الداخلية بأكملها. ولكن مع توجُّه مشروع القانون من مجلس النواب إلى مجلس الشيوخ، يُتوقع أن يواجه الكثير من المعارضة.
حيث كشف تقرير صدر من "معهد مراقبة الميزانية"، المستقل في واشنطن، أن مشروع القانون سيضيف 2.4 تريليون دولار إلى الدين الوطني على مدى العقد المقبل.
و"مشروع القانون الكبير والجميل"، هو حزمة تشريعية شاملة قدّمها ترامب قبل أسابيع، ومُرِّرَ في مجلس النواب بفارق ضئيل في 22 مايو/أيار، بأغلبية 215 صوتا مقابل 214 صوتا جاءت على أساس حزبي صارم.
وجاء تمرير القرار في لحظة محورية في أجندة ترامب التشريعية، مما يعكس أولويات سياسته والانقسامات العميقة داخل الحزب الجمهوري.
وتغيَّر الأمر برفض ماسك مشروع ميزانية ترامب المعروف باسم "مشروع قانون ترامب الكبير والجميل"، الذي وصفه بأنه "بغيض"، وطلب من متابعيه على وسائل التواصل الاجتماعي الاتصال بأعضاء الكونغرس الممثلين لمناطقهم لتحفزيهم على قتل المشروع وعدم التصويت له".
واعتبر ترامب أن غضب ماسك يرجع إلى تخفيضه الدعم للسيارات الكهربائية. ورغم أن تخفيضات الدعم ستؤثر على أكبر شركات ماسك "تسلا"، فإن ماسك أيَّد سابقا إلغاء الدعم.
ولا يزال مشروع القانون يواجه عقبات كبيرة، حيث يشير أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون إلى أنهم يريدون تغييرات جوهرية، رغم أنهم يختلفون على ما ستكون عليه هذه التغييرات.
سخر السيناتور عن ولاية كنتاكي راند بول من تخفيضات الإنفاق ووصفها بأنها "ضعيفة"، بينما وصف السيناتور عن ولاية ويسكونسن رون جونسون، حليف ترامب، التأثير المالي لمشروع القانون بأنه "رهن مستقبل أطفالنا".
نهاية متوقعة.. ولكن!
غادر ماسك البيت الأبيض، وقام ترامب بشكره على خدمته وقدَّم له "مفتاحا ذهبيا" في احتفالية بالمكتب البيضاوي. لكن هذه الأجواء الاحتفالية غلَّفها توتر صامت حول مشروع قانون ترامب للميزانية الفدرالية، الذي انفجر في خلافات وتغريدات وتصريحات وتهديدات نارية خرجت في بعض الأحيان عن نطاق المعقول المتوقع بين رئيس أكبر دولة في العالم وأغنى رجل على كوكب الأرض.
وأظهر خلاف ترامب وماسك وقوف الحزب الجمهوري على مفترق طرق حاسم: هل يقفون مع دونالد ترامب الذي يريد إضافة أكثر من تريليونَيْ دولار إلى الدين العام، ويقلص العديد من الخدمات الاجتماعية التي يستفيد منها ملايين الجمهوريين من أبناء الطبقات الدنيا والوسطى، أم يقفون مع ما ينادي به ماسك، وهو ما قد يتركهم فريسة لقوى المستقبل غير المعروف.
ويشير الضجيج الجمهوري والاقتتال الداخلي حول الدين العام وعجز الموازنة إلى حقيقة استبدال الحزب الجمهوري أهواء ترامب الاقتصادية غير المتماسكة بما تبقى من أي "سياسة اقتصادية". وبالتالي، لا يُطلب من المشرعين الجمهوريين تمرير تشريعات، بل يُطلب منهم المشاركة في اختبار الولاء لترامب.
وإذا نفَّذ ماسك تهديداته وانقلب على الجمهوريين -بعد إنفاق مئات الملايين لدعم حملاتهم العام الماضي- فقد يتسبب ذلك في صداع لأعضاء مجلس النواب من شاغلي مناصبهم حاليا، وسيواجهون تحديات في الانتخابات التمهيدية للحزب قبل مواجهة خصومهم الديمقراطيين في نوفمبر/تشرين الثاني 2026.
وستُمثِّل خسارة مجلس النواب ضربة مدمرة لآمال الجمهوريين في الاحتفاظ بالسيطرة على الكونغرس في النصف الثاني من ولاية ترامب، الذي لن ينجو بنفسه من تحقيقات ومحاولات للعزل، ناهيك عن شلّ أجندته الداخلية.
وفي تصعيد لافت لخلافات الرجلين، طرح ماسك فكرة تشكيل حزب سياسي جديد لمنافسة نظام الحزبين القائم والراسخ في الحياة السياسية الأميركية. وأجرى ماسك استطلاعا عبر منصة "إكس" التي يمتلكها، وسأل متابعيه البالغ عددهم 221 مليون شخص: "هل حان الوقت لإنشاء حزب سياسي جديد في أميركا يُمثِّل بالفعل 80% في المنتصف؟".
تُظهر النتائج العامة أن نحو 80% من المستجيبين صوّتوا بـ"نعم". قال ماسك، ردا على نتائج استطلاعه الذي قرأ نصه 141 مليون شخص، بينهم ما يقرب من 5.7 ملايين شخص أدلوا بآرائهم: "لقد تحدث الناس. هناك حاجة إلى حزب سياسي جديد في أميركا لتمثيل 80% في الوسط!".
ومع إنفاق ماسك مئات الملايين من الدولارات دعما لانتخاب ترامب في عام 2024، لا نستبعد أن يستمر ماسك في الاستثمار بكثافة في الحياة السياسية الأميركية بصورة مبتكرة لم يتوقعها أحد قبل أسابيع قليلة.
لكن للمال حدود في السياسة الأميركية، فقد فشل استثمار ماسك الضخم في انتخابات المحكمة العليا في ولاية ويسكونسن في أن يؤتي ثماره في نهاية مارس/آذار الماضي، حيث فازت سوزان كروفورد المدعومة من الديمقراطيين بالمقعد الذي يقرر تَوجُّه المحكمة. وأنفق ماسك أكثر من 20 مليونا لدعم الجمهوري براد شيميل، وعدة ملايين أخرى لزيادة الوعي حول الانتخابات، وسافر إلى ويسكونسن لدعم شيميل، ولم ينجح المرشح الجمهوري.
في حين أن انتخابات المحكمة العليا على مستوى ولاية متوسطة الحجم ليس بالضرورة عاكسا للصورة العامة على المستوى الوطني، لكنها كانت دليلا على حدود قدرة ماسك المالية في التأثير السياسي.
كما أن هذه الانتخابات كانت من أوائل الانتخابات الكبرى التي تُجرى منذ وصول ترامب، ومعه ماسك، إلى البيت الأبيض، مما جعلها استفتاء مبكرا على قدرتهما معا، أو قدرة ماسك وحده، على التأثير على أي انتخابات مستقبلية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 40 دقائق
- الجزيرة
محللون: إسرائيل أمام خيارين بشأن غزة وحماس لن تتنازل عن 3 نقاط
تتجه الأنظار إلى العاصمة القطرية الدوحة بعد وصول وفدي إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) للانخراط في مفاوضات ماراثونية سعيا لاتفاق جديد لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى. وفي خطوة ليست ببعيدة عن مفاوضات الدوحة، توجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية – إلى العاصمة الأميركية واشنطن للقاء الرئيس دونالد ترامب للمرة الثالثة خلال 6 أشهر. وتركز مفاوضات الدوحة على النقاط الخلافية، وأبرزها مدى انسحاب قوات الاحتلال من القطاع، وآلية دخول وتوزيع المساعدات، وضمانات إنهاء الحرب. وتشير تقديرات محللين إلى أن السيناريو الأقرب إلى الواقع هو التوصل لصفقة جزئية مدتها 60 يوما، في سيناريو مشابه لـ" اتفاق يناير/كانون الثاني 2025"، وسط خشية من عودة إسرائيل للحرب بعد خرقها الاتفاق الأول في 18 مارس/آذار الماضي. ضمانات حماس ووفق هذا التقدير، تتمسك حماس في المفاوضات بطلب ضمانات بشأن 3 نقاط لا تستطيع التنازل عنها، وهي وقف القتل والنزوح، والتجويع، والانسحاب إلى المنطقة العازلة، حسب حديث الباحث في الشؤون السياسية سعيد زياد لبرنامج "مسار الأحداث". وتركز مفاوضات الدوحة على ملفي الانسحاب الإسرائيلي والمساعدات الإنسانية، في حين سيكون وقف الحرب نهائيا محور اجتماع ترامب ونتنياهو. وبعد مرور أكثر من 21 شهرا على الحرب، تدرك إسرائيل أن حماس باقية في غزة، لذلك تبحث عن وسائل "لا تلزمها بوقف الحرب"، عبر عمليات عسكرية وأمنية تحول القطاع إلى منطقة مستباحة. على الطرف الآخر، تريد تل أبيب وواشنطن نزع سلاح غزة، ولا تريدان حكما فلسطينيا فيها، فضلا عن رغبة إسرائيلية في الاحتفاظ بمحوري فيلادلفيا و موراغ جنوبا. وبناء على هذا المشهد، فإن غزة ذاهبة إلى مرحلة "الحصار المطبق مقابل الإعمار"، وهو خيار مهلك لا يقل عن ديمومة الحرب وتدمير القطاع وتهجير سكانه، حسب زياد، مما يفرض على الفلسطينيين الصمود والقتال، مع ضرورة توفير مظلة عربية تحمي الفلسطينيين. خياران لا ثالث لهما أما ما يشغل حكومة نتنياهو -التي تواجه ضغوطا داخلية لوقف الحرب واستعادة الأسرى- فهو بحث اتفاق نهائي بشأن اليوم التالي للحرب، وليس الاتفاق المرحلي الخاص بالصفقة الجزئية، وفق الخبير بالشؤون الإسرائيلية مهند مصطفى. ويتفق المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأميركية توماس واريك مع هذا الطرح، إذ يركز اجتماع ترامب ونتنياهو المرتقب على حكم غزة مستقبلا، وليس بشأن مفاوضات الدوحة وتفاصيلها. وحسب هذا التفكير، فإن إسرائيل قد تتفاوض على أوراق قوة تمتلكها، لكن لن تتنازل عنها، وهي عدم الانسحاب الكامل من قطاع غزة، وعدم التعهد بوقف الحرب بعد هدنة الـ60 يوما، وعدم تفكيك منظومة المساعدات الأميركية الإسرائيلية. لكن هذا التشدد الإسرائيلي لن ينسحب على ملف الأسرى، إذ يريد نتنياهو استعادة بعض المحتجزين، وإضعاف هذه الورقة التي تمتلكها حماس -حسب مصطفى- مقابل تعزيز أوراق إسرائيل التفاوضية. وبناء على هذا الوضع، تبدو إسرائيل أمام خيارين لا ثالث لهما، فالأول يقضي باحتلال كامل قطاع غزة ومحاولة تهجير سكانه، في حين يفضل نتنياهو الخيار الآخر بوقف الحرب والانسحاب إلى المنطقة العازلة مقابل رفض إعادة إعمار غزة وعدم إعطاء حماس أي فرصة لإعادة منظومتها العسكرية والحكومية. وبين مطالب حماس وخيارات إسرائيل، لا يبدو سيد البيت الأبيض في وارد منح ضمانات للفلسطينيين، لأن وجهة النظر الأميركية تعتقد أن حماس تريد تمديد المفاوضات دون التخلي عن سلطتها في غزة وعدم تسليم سلاحها، حسب واريك. وتميل واشنطن إلى خطة تستند إلى إدارة مؤقتة لغزة تجمع بين هيئة حكم دولية وجهات فلسطينية غير منتمية لأحزاب سياسية، وإرسال قوات حفظ سلام دولية. كما تعتبر نزع سلاح غزة شرطا أساسيا لإعادة إعمار القطاع، إضافة إلى ضمان عدم الاعتداء على هذه القوات الدولية. وفي هذا السياق، نقل موقع "والا" الإسرائيلي عن مسؤولين أميركيين قولهم إن ترامب يريد الاتفاق مع نتنياهو على شروط إنهاء الحرب في غزة، إذ ستكون قضية اليوم التالي للحرب موضوعا مركزيا في اللقاء المرتقب. وحسب هؤلاء المسؤولين، فإن القضية الشائكة هي من سيسيطر على غزة بعد الحرب، وأن إسرائيل والولايات المتحدة ترغبان في تجنب سيناريو يشبه نموذج حزب الله في لبنان.


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
خبير بنمي للجزيرة نت: مخاوف ترامب من نفوذ الصين على قناة بنما مبررة
اعتبر الخبير القانوني البنمي ألونسو إيلوسيا أن مخاوف الرئيس الأميركي دونالد ترامب من تغلغل النفوذ الصي ني في بلاده "مبررة" من منظور إستراتيجي، مشيرا إلى سيطرة شركات صينية على ميناءين حيويين على ضفتي قناة بنما ، فضلا عن مشاريع للبنية التحتية، وحذّر إيلوسيا من أن استمرار هذا التغلغل قد يهدد الشفافية والسيادة البنمية. وأوضح الخبير القانوني، في حوار خاص مع الجزيرة نت، أن بلاده بدأت اتخاذ خطوات مضادة مثل الانسحاب من مبادرة "الحزام والطريق"، وتعليق مشاريع صينية حيوية. ورأى إيلوسيا أن نهج إدارة ترامب تجاه بنما كان أكثر تشددا مقارنة بإدارة الرئيس السابق جو بايدن ، حيث اتسم بمطالب وتهديدات مباشرة تمس السيادة البنمية، منها طلب تمرير السفن الحربية الأميركية مجانا عبر القناة، واستقبال مهاجرين غير نظاميين مرحّلين من أميركا. واعتبر أن الحكومة البنمية أخفقت في وضع حدود واضحة أمام الضغوط الأميركية، كما أشار إلى الأهمية الجيوسياسية المتزايدة لبنما في حال نشوب صراع عالمي، لافتا إلى أن بعض القيادات العسكرية الأميركية تتصرف وكأن القناة لا تزال تحت السيطرة الأميركية الفعلية. ويعد ألونسو إيلوسيا من أبرز المتخصصين في القانون الدولي وحقوق الإنسان في بنما، وهو أستاذ جامعي ومستشار سياسي سابق، حاصل على شهادات عليا من جامعات تشيلي وكولومبيا الأميركية، ويكتب مقالات رأي أسبوعية في صحيفة (La Prensa) البنمية، فضلا عن عضويته في مجلس إدارة منظمة الشفافية الدولية – فرع بنما. وإلى نص الحوار: بداية، كمواطن بنمي، وكناشط سياسي ومحامي دولي، ماذا تمثل لك الولايات المتحدة؟ أميركا هي أهم حليف إستراتيجي لنا منذ الغزو العسكري الأميركي في عام 1989 للإطاحة بالنظام العسكري للرئيس مانويل أورتيجا، لكن الأمر تغيّر في الآونة الأخيرة بسبب خطاب ونهج الرئيس دونالد ترامب. لكن لا يعني ذلك أننا لا نتشارك القيم نفسها، فالقيم لا تزال موجودة. نحن نتقاسم القيم الديمقراطية ذاتها والشفافية وحقوق الإنسان، ونؤمن بالأهمية الأساسية للنظام الليبرالي الدولي. لكن في هذا الصدد، هناك استعداد أميركي لإهمال أهمية تلك القيم حاليا، لذلك لا أرى أن الولايات المتحدة وبنما الآن في المكان نفسه، ويمكن أن يتغير ذلك بسرعة. أعتقد أنني ما زلت أؤمن بمرونة النظام الديمقراطي الأميركي، وأعتقد أن التزامنا بالديمقراطية والشفافية وحقوق الإنسان قوي جدا، وأن الولايات المتحدة قوية جدا أيضا. وخلال الأشهر القليلة أو السنوات القليلة المقبلة، سنقوم بتعديل علاقتنا المالية بسبب الادعاءات السيئة بأن الصين تسيطر على بنما، وقناة بنما. هل تعتقد أن هذه القضايا التي تواجهها الآن بنما مع الولايات المتحدة هي بسبب شخصية وطبيعة ترامب؟ وهل كان الوضع مختلفا في عهد الرئيس جو بايدن؟ لم يكن الأمر كذلك خلال حكم بايدن، لكن لا أريد أن أعزو ما يحدث فقط إلى الطبائع الشخصية، حيث هناك الكثير من الأهداف الإستراتيجية والطرق التي تدار بها العملية الدبلوماسية. أرى أن ترامب أكثر حزما من الرئيس بايدن. لكنني أؤمن بقوة الشراكات، ففي فترة سابقة، لم تكن علاقات بنما وواشنطن مثالية، ولم يكن هناك تنسيق مثالي بين الدولتين. لديك أقوى دولة في العالم، كان يمكن أن تدخل حربا مع بلد صغير في أميركا الوسطى لديه قناة إستراتيجية من أجل إخضاعه. وبدلا من إخضاع هذا البلد لإرادتهم، قررت الولايات المتحدة التفاوض مع بنما بصورة ندية وتسليم قناة بنما لنا في النهاية. وتم ذلك لأنها كانت جزءا من جمهورية بنما. كان هذا هو مدى عظمة الولايات المتحدة في ذلك الوقت، وجعلت واشنطن من هذا الخصم أحد أهم حلفائها وأكثرهم موثوقية، وما زلت أعتقد أن بنما حليف للولايات المتحدة. لكن مع الخطاب المحيط بإنشاء قواعد عسكرية مشتركة والأشياء المحيطة بقناة بنما، لا يبدو أن الأمر سيستمر. ماذا يعكس اختيار وزير الخارجية ماركو روبيو ووزير الدفاع بيت هيغسيث بنما لتكون المحطة الأولى في زيارتهما خارج الولايات المتحدة؟ هذا يؤكد الأهمية الإستراتيجية لبنما بالنسبة للولايات المتحدة، مرة أخرى، إنه ليس سلوكا شخصيا، نحن لا نتعامل هنا مع الشخصية رغم أن هذا عامل مهم. لكن أيضا من الناحية الإستراتيجية، تعد قناة بنما واحدة من أهم الأصول الإستراتيجية للأمن القومي الأميركي، في حالة نشوب صراع تشارك فيه الولايات المتحدة بأوروبا، خاصة إذا كنت بحاجة إلى تعبئة موارد المحيط الهادي. قناة بنما هي الأصول الأكثر إستراتيجية وأهمية التي تمتلكها الولايات المتحدة، وهذا يجعل بنما حليفا مهما للغاية ولاعبا مهما بالنسبة لواشنطن، وقد ظهر ذلك من خلال زيارة الوزيرين. وبلا شك، هناك قلق رئيسي واحد مهم وهو ادعاء ترامب بأن قناة بنما يسيطر عليها الجيش الصيني. وهذا الادعاء لا أساس له من الصحة، وليس له أساس قانوني أو وقائعي. لكن في الواقع، لدينا مخاوف مثيرة للقلق حول وجود الصين ونفوذ الصين في دائرة الحكم ببنما، ليس بشكل مباشر أو بشكل يرتبط بالقناة، فللصين سيطرة على ميناءين، واحد في المحيط الهادي، والآخر في المحيط الأطلسي، وأيضا على العديد من أعمال البنية التحتية الحيوية الرئيسية. الصينيون يبنون مركزا للمؤتمرات، ويبنون جسرا فوق قناة بنما، وأيضا كانوا يعملون في الطاقات المتجددة، ويقومون ببعض الأعمال في منشأة ميناء الحاويات، وكانوا يتحكمون في محطة الغاز لتوليد الكهرباء.. نعم للصين وجود إستراتيجي هنا. ومنذ فوز ترامب قلّ الشعور بهذا التأثير الذي كانت تمارسه الصين تدريجيا هنا في هذه المدينة. كنا نعلم بالفعل أن لدينا وجودا إستراتيجيا للصين وحتى مؤشر الصين الذي يقيس حجم نفوذ الصين في جميع أنحاء العالم وضع بنما في الترتيب الـ12 في العالم من ناحية التأثير الصيني، لذلك كان منطقيا إثارة هذه المخاوف. ولكن كما ذكرت للتو يجب أن تعمل بنما والولايات المتحدة معا بشكل شامل من أجل مواجهة نفوذ الصين في بنما وحول منطقة القناة. وهناك إجراءات جارية لنقل ملكية وإدارة الميناءين المملوكتين لشركة هونغ كونغ لشركة بلاك روك الأميركية، ونحن في انتظار إجراءات هيئة مكافحة الاحتكار في الصين للتصديق على هذا الإجراء. لماذا قبلت بنما استقبال الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين من الولايات المتحدة رغم كونهم ليسوا من بنما في الأصل؟ نعم. إنه شيء سيئ ويذهلني، ويحيرني، وهو أيضا غير منطقي لأن معظم هؤلاء الأشخاص كانوا يتعرضون للاضطهاد في بلدانهم الأصلية لا يجب أن يعودوا إليها، ولا يجب أن تكون بنما محطة ثالثة لهم. إذا ألقيت نظرة على تقرير صحيفة نيويورك تايمز عن الأشخاص الذين تم ترحيلهم من بنما إلى بلدانهم الأصلية فستعرف ما أقصده، فجميعهم كانوا مضطهدين في بلدانهم. طلبت واشنطن تسريع مرور السفن الحربية الأميركية من القناة، وإعفاءها من الرسوم المالية المقررة عليها، ما رد فعلكم؟ هذا جزء من الموقف الإشكالي الذي تتخذه بنما حاليا، لأن بنما حاولت استرضاء واشنطن في موقف تلو الآخر، تطلب واشنطن أن نتلقى مهاجرين، نرد بالإيجاب، وتطلب واشنطن المرور المجاني عبر القناة لسفنها العسكرية، نوافق على ذلك، على الرغم من أن مدير قناة بنما قال إنه لن يمنحهم حرية المرور المجانية، لكن الحكومة تقول إنهم يريدون القيام بذلك، فسوف يفعلون. ما تحصل عليه بنما من مرور السفن العسكرية الأميركية قليل جدا، هو أقل مما تنفقه هذه السفن على القهوة. لكن ما الذي يزعج واشنطن في تأسيس علاقات بين بنما والصين؟ يقول أنصار ترامب إن الصينيين سيحاولون الاستيلاء على القناة، وإن بنما لا تستطيع منعهم. وتشير أحدث البيانات إلى نمو علاقات بنما مع الصين منذ عام 2017، حين أسست الصين وجودا إستراتيجيا في بنما، وقد رفضت أنا ومجموعة أخرى من البنميين ذلك، ونعمل على مواجهته. ومع كل جهودنا، وفي حالتي، من وجهة نظر أكاديمية، كنت أكتب العديد من التقارير حول نفوذ الصين في بنما، وكيف يمكن أن يحد ذلك من عملياتنا الديمقراطية، وكيف يمكن أن يتغير النظر في قضية حقوق الإنسان لدينا، وأيضا كيف يمكن أن يُخفي شفافيتنا. التغول الصيني في بنما مزعج بسبب اختلاف القِيم السياسية بين الدولتين، وهذا يتعارض مع سيادتنا وسلامتنا المجتمعية. لكن بنما كانت عضوا في مبادرة "طريق الحرير"، والآن لم تعد كذلك، لذا، فهم يتخذون بعض الإجراءات القوية لمواجهة تأثير الصين المتزايد، وقد انسحبت بنما من مبادرة "طريق الحرير" بعد زيارة روبيو مباشرة، وتحديدا بعد الاجتماع الفردي بين روبيو والرئيس مولينو. وقبل ذلك، اتخذت بنما بالفعل عدة خطوات، ففي عام 2020، قررت بنما إلغاء عقد مع شركة صينية من شنغهاي كانت تشرف على ميناء حاويات في مدينة كولون عند مخرج القناة على المحيط الأطلسي، وأوقفت أيضا مشروع مصنع تابع لشركة صينية مختصة في بناء محطة لتوليد الكهرباء بالغاز. وقد حذرنا، كمنظمات مجتمع مدني، من هذا التأثير المتزايد الذي كانت تمارسه جمهورية الصين على بنما، وأكدنا أنه يجب علينا أن نفعل شيئا حياله، ولن نتوقف عن ذلك. ماذا عن الوجود الصيني البشري داخل بنما؟ وهل يأتي سياح صينيون لزيارة بنما؟ نعم. لدينا أكبر جالية صينية بين دول أميركا الوسطى والجنوبية، وهناك مئات الآلاف من الصينيين يعيشون هنا منذ عقود طويلة، ويُقدّر عددهم بين 200 و300 ألف شخص. وجاء الصينيون على موجات هجرة متقطعة إلى بنما، أولا في خمسينيات القرن التاسع عشر، عندما كانت بنما تبني، جنبا إلى جنب مع الولايات المتحدة، سكة حديد بنما، حين كنا نحاول ربط الساحل الغربي بالشرقي عن طريق القطارات، وكان معظم عمال السكك الحديدية صينيين. ثم جاؤوا أثناء بناء القناة، وبعد ذلك جاؤوا من جنوب الصين، من كانتون، بعد انتصار الشيوعيين وسيطرتهم على الحكم في نهاية الحرب العالمية الثانية. ثم جاء من كانوا يهربون أثناء الثورة الثقافية لماو. وتاريخيا، الجالية الصينية في بنما غير متحالفة مع الحزب الشيوعي الصيني، والكثير من قادة مظاهرات ميدان تيانانمن الديمقراطية هربوا إلى بنما. وأغلب الصينيين في بنما مناهضون للنظام الشيوعي في الصين، لذلك، إذا ذهبنا إلى أبعد من ذلك، كان الوجود الدبلوماسي للصين في بنما، منذ عام 1911 وحتى عام 2017، ممثلا لتايوان، وليس الصين، حيث كانت علاقاتنا مع تايوان قوية جدا، لكنها انتهت لصالح العلاقة مع الصين. أثناء حجزي تذكرة للقدوم من واشنطن إلى بنما، اكتشفت أن هناك حوالي 50 رحلة يوميا من 19 مدينة أميركية إلى بنما. وهذا رقم ضخم مقارنة بحجم بنما. ألا يعني ذلك أن هناك تواصلا كبيرا بين الدولتين وتفاعلات ضخمة تتخطى خطاب ترامب؟ نعم، أنا نتاج هذا التفاعل. أنا محامٍ من جامعة كولومبيا في نيويورك. هناك تفاعلات ضخمة بيننا وبين أميركا. الولايات المتحدة هي أهم دولة لنا، ليس فقط من الناحية الأمنية، ولكن أيضا من الناحية التجارية. لدينا معاهدة لتعزيز التجارة، ولدينا أيضا روابط مهمة جدا في بلدنا، خاصة في صناعة الطيران، كما ذكرتُ للتو، لدينا اتصال مع معظم المدن المهمة في الولايات المتحدة، ويحدث الشيء نفسه مع بلدان أخرى، كبريطانيا. ومع كولومبيا، لدينا رحلات يومية يبلغ عددها حوالي 20 رحلة، وهي مستمرة بلا توقف. لدينا علاقة إستراتيجية مع الولايات المتحدة، والشعب يرحب بذلك، إذا سألتَ أي بنمي، فسيقول لك إن الحفاظ على هذه العلاقة الإستراتيجية ضرورة قصوى. تواجه القناة الكثير من التحديات بسبب الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية، وهي أمور لا يعترف بها ترامب. وهناك الكثير من التقارير حول نقص المياه والجفاف، وقد يؤثر ذلك على مستقبل القناة.. كيف ترون هذه المعضلة؟ كيف يمكننا أن نضمن توفر الموارد الكافية لمنح القناة القدرة على الحفاظ على نفسها طوال الوقت؟ يمكن التعامل مع ذلك بفعالية عبر البحيرات المغذية للقناة، خاصة خزان بحيرة غاتون. وفي السنوات المقبلة، سيكون هناك ازدياد سكاني، لذلك يتعين على الحكومة البنمية وهيئة قناة بنما إشراك المجتمع في البحث عن حلول، وإيجاد مخرج لهذه المعضلة، وهناك تفكير في بناء المزيد من البحيرات الصناعية. لدينا ميناءان جديدان في المحيط الهادي، و3 موانئ في المحيط الأطلسي، ويبلغ طول الطريق بين الجانبين 76 كيلومترا فقط. وعلينا بناء قناتين جافتين، إضافة إلى بناء 4 موانئ ضخمة، وخطين آخرين للسكك الحديدية من أجل ترسيخ السيادة، وجلب كل تجارة جانبي المحيطين إلى بنما لجعلها أكثر تنافسية، في مواجهة منافسات مستقبلية عند النقطة التي تلتقي فيها السلفادور مع الإكوادور.


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
وفد التفاوض الإسرائيلي يصل الدوحة وترامب يسعى للتوافق مع نتنياهو بشأن غزة
وصل وفد التفاوض الإسرائيلي إلى الدوحة، اليوم الأحد، لإجراء مفاوضات غير مباشرة مع وفد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بشأن وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى، في حين توجّه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو -المطلوب للجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب- إلى واشنطن للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب. ونقل موقع والا الإسرائيلي عن مسؤولين أميركيين أن ترامب يريد الاتفاق مع نتنياهو على شروط إنهاء الحرب في غزة، وأن قضية "اليوم التالي" للحرب ستكون موضوعا مركزيا في لقائهما المقرر غدا الاثنين. وأضافوا أن الرئيس الأميركي يرغب في الاستماع إلى موقف نتنياهو بشأن هذه القضية والتوصل إلى تفاهمات. كما نقل الموقع عن مسؤول أميركي قوله "نريد التوصل إلى إطار متفق عليه بشأن ما سيكون عليه الوضع في غزة بعد الحرب". "قضية شائكة" وذكر موقع والا نقلا عن عدد من المسؤولين أن "القضية الشائكة هي مَن سيسيطر على غزة بعد الحرب"، وأن إسرائيل والولايات المتحدة ترغبان في "تجنب نموذج يشبه نموذج حزب الله في لبنان". وأضافت المصادر ذاتها أن نتنياهو "يعارض حكم حماس في غزة، كما يعارض أيضا أي دور للسلطة الفلسطينية في إدارة القطاع". في الوقت نفسه، ذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن نتنياهو قال في محادثات مغلقة "أرغب في التوصل إلى اتفاق، وأنا واثق من أن ذلك ممكن". "مطالب حماس مقبولة" ونقلت قناة "آي 24" الإسرائيلية عن مسؤول قوله إن "جميع مطالب حماس مقبولة لدى الأميركيين، وهي ليست أمورا قد تعرقل المفاوضات". ووفقا لما نقلته القناة، فإن هناك محاولة لتحقيق تقدم خلال الـ24 ساعة المقبلة، في حين ذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن وفد التفاوض الإسرائيلي وصل إلى الدوحة، ويبدأ مفاوضاته رسميا غدا الاثنين. إعلان وكانت حركة حماس قد سلّمت ردها إلى الوسطاء مساء الجمعة، وأكدت، في بيان، استعدادها "بكل جدية للدخول فورا في جولة مفاوضات حول آلية تنفيذ هذا الإطار". كما ذكرت في بيان لاحق أن هذه الخطوة جاءت بعد تنسيق واتصالات واسعة مع قادة الفصائل والقوى الفلسطينية للخروج برد موحد. من ناحية أخرى، نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف قوله في لقاء مع ممثلين للجالية اليهودية في نيويورك "آمل أن تنهي إسرائيل الحرب". وأشاد ويتكوف بدور قطر في الوساطة بمفاوضات وقف إطلاق النار، وقال إن هناك "زخما كبيرا للتوصل إلى اتفاق، والأمور تسير في الاتجاه الصحيح". الاتفاق المحتمل ولم تتحدث مصادر رسمية عن تفاصيل مقترح وقف إطلاق النار، لكن وسائل إعلام إسرائيلية قالت إنه يتضمن الإفراج عن نصف الأسرى الإسرائيليين الأحياء في غزة (10 أسرى)، إضافة إلى جثامين 18 أسيرا على 5 مراحل خلال وقف إطلاق النار لمدة 60 يوما. في المقابل، تفرج إسرائيل عن عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين الذين تحتجزهم، وتسحب قواتها تدريجيا من مناطق متفق عليها داخل غزة. وتقدر تل أبيب وجود 50 أسيرا إسرائيليا بغزة، منهم 20 أحياء، في حين يقبع بسجونها آلاف الفلسطينيين الذين يعانون تعذيبا وتجويعا وإهمالا طبيا، أودى بحياة العديد منهم، حسب تقارير حقوقية وإعلامية فلسطينية وإسرائيلية. وتتهم المعارضة الإسرائيلية وعائلات الأسرى نتنياهو بأنه رفض مرارا مقترحات إنهاء الحرب، مستجيبا للجناح اليميني الأكثر تطرفا في حكومته لتحقيق مصالحه السياسية الشخصية. ومنذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، يشن جيش الاحتلال حرب إبادة على سكان قطاع غزة، أسفرت، حتى الآن، عن استشهاد أكثر من 57 ألف شخص وإصابة أكثر من 135 ألفا، وتشريد كل سكان القطاع تقريبا وسط دمار لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية الثانية ، وفقا لما وثقته تقارير فلسطينية ودولية.