
مساءات الرفقة في بودكاست «ذاكرة»
في وقت تعج فيه المنصات بأصوات تتشابه، وتميل نحو الإيقاع السريع والمضامين السطحية، قدّم "ذاكرة" صوتًا هادئًا، متأنيًا، ولكنه عميق الأثر، هو أشبه بجلسة تأمل جماعية في تفاصيل كادت تُنسى، أو لحظات لم تُدوَّن في كتب التاريخ، لكنها تسكن وجدان الناس الذين عاشوها. في زمن يركض فيه الناس إلى المستقبل، ويغرق فيه الإعلام بالمستجدّات اليومية، ظهر بودكاست "ذاكرة" كحالة صوتية مميزة، واستغراق عاطفي ليستدعي الماضي ويجعل منه مادةً حية على طاولة الحاضر فأعاد ترتيب العلاقة بين شجن المتلقي وذكرياته، واستحضر الزمن الغابر لا كمجرد تذكّر، بل كمشاركة وجدانية حية، تُعيد تشكيل الواقع وتفتح باب التأمل.
"ذاكرة" بودكاست لافت في شكله الفني، ومثرٍ في أسلوبه الإنتاجي، ويتجلى كمشروع ثقافيّ محلي وطني إنسانيّ عميق يقف خلفه منتج وطاقم يملكان الخبرة والرصيد المعرفي والتواصلي ما يمكّنهم من تقديم محتوى تواصلي لينثال على تلامس الزمن، وتقديم التاريخ، لا كصفحات مجففة، بل كأحاديث حميمة تُقال على مائدة، أو تُروى تحت ظل شجرة، أو تُهمس في مساءات الرفقة.
ولعل ما يميّز مقدّمي هذا البودكاست، ليس تمكنهم من المادة التي يتناولونها فقط، بل قدرتهم العفوية على أن يجعلوا الذاكرة صوتًا نابضًا، يعيش في رأس المتلقي وقلبه في آنٍ واحد. لا يتكلّفون في الحديث، ولا يغرقون في التقريرية، بل يقدّمون الحكاية كما لو كانت جارة عزيزة طرقت الباب على حين دفء، وجلست تروي ما كان وكأنّه يحدث الآن.
في كل حلقة من "ذاكرة"، يبدو أن الصوت لا يخرج من أفواه المقدّمين فحسب، بل من أعماق الذاكرة المحلية الوطنية، التي كثيرًا ما صمتت، أو لم تجد من ينصت لها بهذا القدر من الاحترام والتذوق. فهم لا يعرضون التاريخ كأحداث باردة، بل يضعونه على طاولة الحاضر، يقرّبونه من اليوم، ويحرّكون به ذواكر المستمعين، فيدهشوننا بالتفاصيل، وكيف أن حدثًا مرّ قبل سنين مضت قد يُحرّك دمعة أو يوقظ ابتسامة.
تناولت الحلقات موضوعاتٍ شتى من الطفولة في أحياء كانت ذات يوم تغلي بالحياة، إلى مواقف سياسية وثقافية صنعت وعي الأجيال، ومن شخصيات منسية أعطت بعمق ولم تُحتفَ بها، إلى لحظات تحوّل تركت أثرًا لا يُمحى. لم يكن موضوع الحلقة هو البطل، بل كان مجرد باب، وراءه حكايات لا تنتهي، تُحرّك الساكن، وتبعث في القلب أسئلة، وفي الذهن صورًا، وفي الذاكرة أصواتًا كانت غائبة فعادت.
وتنوّعت أطروحاتها بين مواقف ومشاهد وصور متعدد كالعادات القديمة في المأكل والملبس والتزاور والاحتفال والفرح والحزن والتواصل، وتغيرات المدينة كالرياض في حراكها وأحداثها وشواهدها وشوارعها وناسها وأسلوب حياتها وقيمها وغير ذلك. وإن تنوعت فهي تتوحّد في رسالتها؛ التذكير بأن الزمن ليس جدارًا نعلّق عليه الصور، بل كائن حيّ نعيش فيه ويعيش فينا. من الحديث عن المدن في لحظاتها العتيقة، إلى سرد تفاصيل الحياة الاجتماعية، والسياسية، والثقافية، والرياضية وحتى العائلية، كان كل موضوع في "ذاكرة" يُقدَّم وكأنه مشهد نعرفه مسبقًا، نكاد نراه، ونشمّ رائحته، ونسمع أصواته القديمة تتردّد. في كل حلقة، وكأنك أمام مرآةٍ زمنية، لا تعكس وجهك، بل ملامح أجيال سبقتك، تركت لك الإرث والمكان، واللغة والصمت، والفرح والشجن، ثم مضت.
ومما يلفت الانتباه في هذا البودكاست، هو الانسجام بين المقدّمين، والتناغم الذي يتجاوز توزيع الأدوار، إلى إظهار حالة من الحوار التفاعلي الصادق، الذي لا يعتمد على نصوص مكتوبة بقدر ما ينطلق من أعماق خبرتهم وتلقائيتهم وبراعتهم في الإنصات لبعضهم ولما بين السطور، وقد استطاع هذا الأسلوب أن يمنح "ذاكرة" طابعًا خاصًا، لا يشبه إلا نفسه.
وما يجعل "ذاكرة" مختلفًا أيضًا هو أنه لا يخاطب عقل المتلقي فقط، بل يربت على ذاكرته، وينشط وجدانه، ويثير أسئلته الشخصية: أين كنت عندما حدث ذلك؟ كيف كنا نعيش؟ وما الذي تغيّر؟ ومع كل إجابة، لا نكتشف الماضي فحسب، بل نكتشف الحاضر بطريقة أوضح، وأصدق.
ويمكن القول إن "ذاكرة" قد نجح عبر شخصيتين تمتلكان خبرة عريضة، وبصيرة مؤرخ لا تَحكمه الوقائع بقدر ما تستثيره التفاصيل الصغيرة، تلك التي غالبًا ما تتسلل من الكتب ولا تسكن إلا في العيون التي عايشت. شخصيتان بارزتان، باحثان مؤرخان جديران هما الأستاذ منصور الشويعر والأستاذ منصور العساف، اسمان يمتلكان من الخبرة والرصيد المعرفي والتواصلي ما يمكّنهما من إدارة الحوار مع الزمن نفسه، ومن تقديم التاريخ، لا كصفحات مجففة، بل كأحاديث حميمة تُقال على مائدة، أو تُروى تحت ظل شجرة، أو تُهمس في مساءات الرفقة.
ويبقى القول: بودكاست "ذاكرة" ليس استرجاعاً للماضي من أجل الترف العاطفي، بل هو تمرين حقيقي على أن التذكّر فعل مقاومة للنسيان، وبحث دائم عن المعنى، وإيمان بأن الإنسان لا يُفهم خارج ذاكرته. إنه بودكاست لا يروي لنا التاريخ، بل يجعلنا نعيشه، ونفهمه، ونتصالح معه.. بودكاست يُعيد تشكيل وعينا، حلقة بعد أخرى، فشكراً للناقل والمنقول.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


مجلة سيدتي
منذ 2 ساعات
- مجلة سيدتي
عمرو دياب برفقة أبنائه جانا وعبدالله في حفله الأخير
تصدّر الفنان عمرو دياب ترند مؤشرات البحث خلال الساعات الماضية، وذلك بعد حفل ناجح ومميز أحياه في الساحل الشمالي. عمرو دياب يستضيف ابنته على المسرح من اللحظات المميزة في هذا الحفل، كان ظهور ابنته جانا برفقته على المسرح، وتقديمها لأغنية "خطفوني" التي قدّمتها معه في الألبوم الجديد. وفاجأت الجمهور بغنائها باللغتين الإنجليزية والعربية بصوت مميز لاقى استحسان الحضور، وتفاعل الجمهور مع المقطع المتداوَل على السوشيال ميديا، وأبدَوا سعادتهم بالدعم الذي يقدّمه الهضبة لابنته. وبعد نزولها، صعد عبدالله على المسرح برفقة والده وقدّم التحية للجمهور، وعلى ما يبدو أن جانا وعبدالله سيتخذان خطوات احترافية في عالم الفن خلال الفترة المقبلة. View this post on Instagram A post shared by ET بالعربي (@etbilarabi) صنّاع ألبوم عمرو دياب الجدير بالذكر، أن عمرو دياب طرح ألبومه الجديد "ابتدينا" خلال الأيام القليلة الماضية، وتعاون في الألبوم الجديد مع مجموعة من أبرز الشعراء والملحنين والموزعين، مثل: عمرو مصطفى، تامر حسين، خالد تاج الدين، محمد يحيى، طارق مدكور، أيمن بهجت قمر، وليد سعد، أسامة الهندي، بهاء الدين محمد، أحمد إبراهيم، أحمد المالكي، عزيز الشافعي، عادل حقي، مدين، محمد القاياتي، محمد البوغة، إسلام زكي، منة القيعي، مصطفى حدوتة وغيرهم. ويُعَد ألبوم "ابتدينا" عودةً تاريخية بين عمرو دياب وعمرو مصطفى، وتحديداً أغنيتي: "ابتدينا، وخطفوني". وقد احتفى الملحن عمرو مصطفى بالفنان عمرو دياب ، وتصدّرت أغنيته "خطفوني" ترند رقم 1فور طرحها. ويأتي هذا التعاون بعد قطيعة وفترة من الخلافات، جاءت بعد مصالحة حديثة بين عمرو دياب وعمرو مصطفى، وذلك على خلفية إصابة الأخير منذ فترة بالسرطان، وكان النجم عمرو دياب من أوائل الأشخاص الذين حرَصوا على دعم الملحن عمرو مصطفى بعد الأزمة الصحية التي مرّ بها؛ متمنياً له الشفاء العاجل. لمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا « إنستغرام سيدتي ». وللاطلاع على فيديوغراف المشاهير زوروا « تيك توك سيدتي ». ويمكنكم متابعة آخر أخبار النجوم عبر «تويتر» « سيدتي فن ».


عكاظ
منذ 2 ساعات
- عكاظ
عمرو دياب يفاجئ الجمهور بموهبة ابنيه جنا وعبد الله على المسرح في حفل الساحل الشمالي
أحيا الفنان المصري عمرو دياب حفلاً جماهيرياً ضخماً مساء الجمعة في أحد الأماكن بمنطقة مراسي الساحل الشمالي، وذلك في أول ظهور له بعد إطلاق ألبومه الجديد «ابتدينا»، وسط حضور جماهيري غفير. وشهد الحفل لحظة إنسانية ومميزة حين استقبل الهضبة ابنته جنا عمرو دياب على المسرح، وقدّما معاً أغنية «خطفوني» وسط تفاعل كبير من الجمهور. وأشاد عمرو دياب بموهبة ابنته قائلاً: «عمرى ما تخيلت إن بنتي في يوم من الأيام تطلع معايا على المسرح، هي بتغني وبتألف وبتعزف بيانو وموهوبة جداً». كما استقبل الهضبة على المسرح نجله عبد الله الذي كان قد شاركه غناء «يلا» ضمن أغنيات الألبوم، ودعا أيضاً الرابر «بدر» المشارك بمقطع الراب في أغنية «خطفوني» ليؤديها على المسرح. وقدم الهضبة مجموعة من أنجح أغانيه القديمة والجديدة خلال برنامج الحفل، حيث غنى: «بحبه، غلاوتك، خطفوني، قمرين، نور العين، العالم الله، ما لهاش بديل، وياه، الحظ، وليلي نهاري». ويُعد هذا الحفل بداية قوية لموسم صيفي ينتظره جمهور عمرو دياب سنوياً، ويأتي بالتزامن مع النجاح الكبير الذي يحققه ألبوم «ابتدينا» منذ طرحه. يذكر أن الفنان عمرو دياب طرح أخيراً ألبومه «ابتدينا» عبر منصات الموسيقى المختلفة، وضم الألبوم 15 أغنية تعاون خلالها مع نخبة من أشهر صناع الموسيقى في مصر والوطن العربي. أخبار ذات صلة


عكاظ
منذ 2 ساعات
- عكاظ
«عكاظ» تكشف سر غياب عادل إمام عن زفاف حفيده
غاب الزعيم عادل إمام عن حضور زفاف حفيده عادل رامى إمام، نجل المخرج المصري رامي إمام، ما أثار الكثير من التساؤلات والقلق بين جمهوره ومحبيه. وكشف مصدر مقرب من أسرة الزعيم عادل إمام في تصريح خاص إلى «عكاظ» سبب غياب الزعيم، حيث أكد أن أولاد عادل إمام يحرصون على عدم ظهوره في أي مناسبة رسمية أو عائلية بسبب تقدمه في العمر، وتغير ملامحه، وخوفاً أيضاً عليه من التجمعات والتقاط الصور معه ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة. وأضاف المصدر أن العروسين ذهبا إلى الزعيم عادل إمام في غرفته الخاصة بالفيلا الخاصة به ليهنئهما بهذه المناسبة السعيدة بعيداً عن الأضواء والضجة الإعلامية، لافتاً إلى أنه يتمتع بحالة صحية جيدة ولا يعاني من أي مرض. وكان حفيد الزعيم عادل إمام احتفل بزفافه مساء الجمعة 4 يوليو على مدربة اللياقة البدنية فريدة أشرف، في حفل أسطوري داخل إحدى الفيلات الشهيرة بالمنصورية، بحضور الأهل والأصدقاء وعدد كبير من نجوم الفن. واستقبل رامي ومحمد إمام الحضور، حيث حضر عدد من الشخصيات البارزة، من بينهم: يسرا، يوسف الشريف، إلهام شاهين، لبلبة، ياسمين عبد العزيز، ياسمين صبري، هنا الزاهد، رضوى الشربيني، هشام ماجد، والمخرج معتز التوني، والإعلامي عمرو الليثي، والشاعر تامر حسين، والملحن عزيز الشافعي، وآخرون. كما حرص العديد من الفنانين على الغناء، من بينهم الفنان تامر حسني، وأحمد سعد، وسط تفاعل كبير من الحضور. وأُقيم الزفاف بعد أيام من عقد قران العروسين في أجواء عائلية بسيطة وحضور المقربين والأصدقاء فقط، ولاقت صور العروسين تفاعلاً كبيراً على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة. أخبار ذات صلة