
لماذا يصعب على إسرائيل الحسم في غزة .. تعرف على 5 أسباب محتملة ؟
مشاهدات
تتحدَّث إسرائيل عن «انتصارات» على إيران القوية إقليمياً في 12 يوماً، وتفاخر بمواصلة تنفيذ «ضربات قاصمة» ضد «حزب الله» اللبناني، كما تستغل تحطيمها قدرات الجيش السوري؛ لكنها مع ذلك لا تقدِّم تفسيراً لصعوبة حسمها على جبهة غزة.
في الحرب التي تشنها إسرائيل بأخطر وسائل القتل والتدمير ضد «حماس» ذات الإمكانات المحدودة مقارنة بغيرها من الجيوش والتنظيمات التي حاربتها إسرائيل، لا يزال الجيش عاجزاً عن إعلان انتصار أو تحقيق هدف استعادة كل الرهائن.
وطيلة 20 شهراً وأكثر، يحارب الجيش الإسرائيلي، بقوات قوامها بحسب المعطيات الإسرائيلية الرسمية 176 ألف جندي نظامي و360 من جنود الاحتياط، في مواجهة 43 ألف عنصر مسلح لـ«حماس» و«الجهاد» وغيرهما في قطاع غزة.
«فشل مدوٍ»
ويستخدم الجيش مئات الطائرات المقاتلة والسفن الحربية والمدرعات، وأحدث التقنيات التكنولوجية، بما فيها الذكاء الاصطناعي، كما حصل على أسلحة جديدة وذخائر وعتاد من الولايات المتحدة وحدها بمقدار 6.5 مليار دولار، ودمَّر 85 في المائة من الأبنية في قطاع غزة، وقتل أكثر 56 ألف فلسطيني، ثلثاهم من الأطفال والنساء والمسنين (وهناك 938 فلسطينياً قُتلوا في الضفة الغربية)، وأصاب نحو 200 ألف بجراح، وقام بتهجير نحو مليوني فلسطيني من بيوتهم، مرات عدة، بعضهم تم ترحيله من مكان لآخر 12 مرة، واعتقل نحو 10 آلاف فلسطيني. ومع هذا، فإن الجيش الإسرائيلي عالق في غزة.
وليس هذا فحسب، بل إن الجيش لا يزال يواجه «مقاومة» أسفرت عن سقوط مئات القتلى والمصابين، بينما لا تزال «حماس» تحتفظ برهائن، قتلى وأحياء، وأصبحت تلك أطول حرب في تاريخ إسرائيل.
وتحت مسمى «الفشل»، كتب المراسل العسكري لصحيفة «معاريف»، آفي أشكنازي، قبل أيام: «في غزة، إسرائيل لا تنتصر، هي تغرق في الوحل. ففي إيران وسوريا ولبنان، سجلت إسرائيل إنجازات عسكرية، انتصرت بشكل واضح قاطع وجلي، لكن ليس هكذا في غزة».
وأضاف: «منذ أكثر من 600 يوم، والجيش الإسرائيلي يقود الحرب في غزة، 1905 جنود ومدنيين قُتلوا (بينهم 408 جنود خلال الاجتياح لغزة). 50 مدنياً وجندياً يُحتَجزون مخطوفين في أيدي (حماس)، حان الوقت لتوجيه نظرة مباشرة والقول بصوت عالٍ: إدارة الحرب في غزة هي فشل مدوٍ لحكومة إسرائيل، ورئيسها بنيامين نتنياهو».
فما أسباب الفشل؟
الأول: إخفاء الهدف الحقيقي لهذه الحرب؛ فالحكومة حدَّدت لها أهدافاً وهميةً غير واقعية، من البداية «تدمير (حماس)، وتحطيم حكمها في قطاع غزة، وممارسة الضغط العسكري لإعادة المخطوفين». ومن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين أُضيفت أهداف وهمية أخرى مثل: ترحيل أهل غزة إلى دول أخرى، مثل هذه الأهداف يمكن لها أن تحارب سنين أخرى وعقوداً، ولا تحقق نتيجة.
ثانياً: الجيش الإسرائيلي لم يصل جاهزاً إلى المعركة في غزة، وبالتأكيد لم يكن جاهزاً لحرب طويلة مثل هذه. وكما يقول الخبير العسكري أشكنازي: «لم يكن جاهزاً لقدرات (العدو الحماسي) لنطاق الأنفاق والتحصينات تحت الأرضية، ولقدرة صمود (حماس) والسكان المؤيدين لها في غزة. لقد احتلَّ الجيش الإسرائيلي أجزاء من غزة مرات عدة حتى الآن. في جباليا نقاتل للمرة الرابعة. خان يونس نحتلها للمرة الثانية. رفح نطهرها للمرة الثالثة حتى الآن».
ويواصل أشكنازي: «لقد استخدم الجيش الإسرائيلي في غزة 5 فرق. وبسبب الحرب مع إيران تقلصت القوة إلى 4 فرق، ويوجد مقاتلون نظاميون ما أن ينهوا تأهيلهم بصفتهم مقاتلين، حتى يجدوا أنفسهم في قتال متواصل لأشهر على أشهر، فقط في غزة. دون تدريبات، دون نشاط عملياتي آخر في خطوط عملياتية أقل. وإلى هذا ينبغي أن نضيف تآكل العتاد في الجيش الإسرائيلي. إضافة إلى ذلك، يوجد نقص خطير في الوحدات، وفي الجنود».
ويشرح الخبير العسكري الإسرائيلي سبباً عسكرياً ثالثاً، بالقول: «على مدى سنوات، اعتقدت هيئة أركان الجيش الإسرائيلي أنه لا حاجة لوحدات مدرعات وهندسة في ميدان القتال المستقبلي، وأنه من الباهظ جداً إنتاج دبابة مركبات أو مجنزرة نمر. أما الآن فيكتشفون العكس تماماً، مَن يقومون بالعمل الأساسي في غزة في هذه الحرب هم مقاتلو الهندسة القتالية والمدرعات. لقد كانوا عمياناً قبل (7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023)، وهم يواصلون المعاناة من نقص الرؤية لواقع القتال في غزة بعد ذلك أيضاً».
ويضاف إلى ذلك استمرار قدرة الأذرع العسكرية لحركتَي «حماس» و«الجهاد»، وغيرهما على تنفيذ عمليات توقع قتلى عسكريين، في مواقع مختلفة من القطاع، رغم الخسائر البشرية والعسكرية الكبيرة التي تلقتها.
موقف البيت الأبيض
ويتمثل السبب الرابع في موقف البيت الأبيض، وفق ما يذهب المقال الافتتاحي لصحيفة «هآرتس» يوم الخميس الماضي، الذي قال إنه «كانت تكفي تغريدة من ترمب لوقف إطلاق النار في الحرب في إيران. كلمة واحدة من ترمب يمكنها أن توقف أيضاً الحرب في قطاع غزة. حان الوقت لوقف سفك الدماء. نحن ملزمون بوقف الحرب، وإعادة المخطوفين وسحب الجيش الإسرائيلي من غزة فوراً».
وتأكيداً على زيادة التساؤلات في ذلك الجانب، قال رئيس لجنة المالية في الكنيست، موشيه غفني، أحد أبرز قادة الائتلاف الحكومي، تعقيباً على قتل 7 جنود إسرائيليين في غزة نهاية الأسبوع الماضي: «أنا لا أفهم حتى هذه اللحظة على ماذا نقاتل ولأي حاجة، ما الذي نفعله هناك حين يُقتَل جنودٌ كل الوقت». ثم صاح: «هناك حاجة لترمب ما عندنا، ليقول نعيد المخطوفين، ونعود إلى الوضع الطبيعي، لكن على ما يبدو لم نحظَ به بعد».
أما آخر الأسباب المحتملة لغياب الحسم في غزة، فيكرسه عدم وجود هدف سياسي واضح للمستقبل، وفي تقديرات الإسرائيليين فإنه «حتى لو حُقِّقت معظم هذه الأهداف، فلا يوجد أحد يعرف ماذا تريد الحكومة لمستقبل القطاع: هل إعادة الاحتلال، أو إقامة حكم عميل موالٍ، أو إجراء انتخابات يقرِّر فيها الشعب قادته. لا أحد يعرف. إسرائيل تقول إنها لا تريد (حماس/تان) ولا (فتح/ستان)»... إذن ما الذي تريده؟ لا أحد يعرف. لا رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ولا المتطرفون أمثال الوزراء إيتمار بن غفير، وبتسلئيل سموترتش، ويسرائيل كاتس، ولا قادة الجيش الذين بدأوا الحرب والذين تمت الإطاحة بهم، ولا القادة الجدد برئاسة إيال زامير ولا المخابرات.
حرب للحرب
ويبدو أن الحرب الإسرائيلية على غزة باتت حرباً لمجرد الحرب؛ وهذا ليس لغزاً، بل خطة، هدفها لا يتعلق بالقطاع ولا الفلسطينيين. الهدف الحقيقي، على ما يتأكد بمرور الوقت، هو بقاء نتنياهو وحكومته، فهو ورفاقه يخشون من موقف الرأي العام. استطلاعات الرأي كلها التي نُشرت خلال الحرب، منذ أكتوبر 2023، تشير إلى أنه في حال إجراء الانتخابات ستخسر أحزاب الائتلاف الحكومي ثلث قوتها وتسقط.
وهم لا يخشون فقط من السقوط، بل من تبعاته الخطيرة على مصالحهم الحزبية والشخصية. نتنياهو يخاف من أن تهبط مكانته أمام القضاء، إذا لم يعد رئيساً للحكومة. فهو اليوم يشنُّ حرباً على الجهاز القضائي لكي يخيفه ويضعفه. ويسنُّ القوانين التي تكبله، ويقيل المستشارة القضائية للحكومة، التي تعدُّ جزءاً من هذا الجهاز.
أما رفاق نتنياهو في اليمين، مثل سموترتش وبن غفير، فإنهم يستغلون وجودهم في الحكم لتصفية القضية الفلسطينية. يوسّعون الاستيطان ويمهّدون لفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، ويحاولون خلق ظروف لا تصلح فيها الحياة للفلسطينيين. و«الحريديم» يستغلون وجودهم لسنِّ قانون يضمن لشبابهم الإعفاء من الخدمة العسكرية. هذه الحكومة هي فرصة العمر لهم، خصوصاً مع وجود رئيس أميركي مثل دونالد ترمب، محاط بأنصار اليمين الاستيطاني الإسرائيلي في الولايات المتحدة.
صحيح أن مثل هذا الأمر لا يُصدَّق. ولكن غالبية الإسرائيليين يعتقدون ذلك، ويقولون في استطلاعات عدة إن سبب امتناع نتنياهو عن إنهاء الحرب في غزة، هو سياسي حزبي، وشخصي.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


اليمن الآن
منذ 20 دقائق
- اليمن الآن
قناة يمنية: الزبيدي حوّل 20 مليون دولار إلى حساب خاص في لندن والحكومة على حافة الإفلاس
كشفت تقارير اخبارية يمنية، اليوم الاثنين، عن قيام عضو مجلس القيادة الرئاسي عيدروس الزبيدي بتحويل مبلغ 20 مليون دولار من حساب لجنة الإيرادات الحكومية، التي يترأسها، إلى حساب خاص في العاصمة البريطانية لندن. ونقلت قناة "بلقيس" عن مصادر حكومية، القول إن الزبيدي الذي يرأس أيضًا المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، وجّه اللجنة العليا للموارد السيادية والمحلية ووزارة المالية بتحويل المبلغ إلى حساب بنكي يتبع له في لندن، في وقت تواجه فيه الحكومة أزمة مالية خانقة، نتيجة شح الموارد وتوقف الدعم الخارجي، لا سيما من التحالف السعودي الإماراتي. في السياق ذاته، أكدت مصادر اقتصادية أن الحكومة اليمنية برئاسة سالم بن بريك تقترب من إعلان الإفلاس الكامل، وعجزها عن الوفاء بالالتزامات المالية ودفع المرتبات. وأشارت المصادر إلى أن السعودية أوقفت تعهداتها المالية، بما في ذلك المنحة المدرجة ضمن حزمة دعم الشرعية، وذلك عقب إقالة رئيس الوزراء السابق أحمد عوض بن مبارك وتعيين بن بريك بدلاً عنه دون تنسيق مسبق مع الرياض أو الدول المانحة، التي أبدت تحفظها على القرار. وبحسب المصادر، حاول بن بريك خلال الفترة الماضية تأمين دعم مالي من الرياض، حيث بقي هناك أكثر من شهر لهذا الغرض، لكنه عاد إلى عدن دون نتائج تذكر، وبرفقة رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي.


يمنات الأخباري
منذ 21 دقائق
- يمنات الأخباري
الوافي: اعتقلني بحث عدن وصادر هاتفي واهانني أثناء متابعتي لقضية حقوق بـ'آلاف' الدولارات لدى احدى المنظمات
اعتقلت إدارة البحث الجنائي بمحافظة عدن، جنوب اليمن، الاحد 30 يونيو/حزيران 2025 ناشط على خلفية متابعته لقضية حقوق لدى احد المنظمات العاملة في اليمن. وقال الناشط أحمد الوافي على حسابه في الفيسبوك انه خرج من سجن البحث الجنائي بعدن بعد توقيفه دون وجه حق. ولفت الوافي إلى ان إدارة البحث الجنائي صادرت هواتفه واهانته وقامت باعتقاله اثناء متابعته لمستحقات تخص ابن عمه، لدى منظمة مرايا المستقبل ومديرتها رقية المورد. وبين الوافي ان المبلغ المستحق لابن عمه يصل إلى 70 ألف دولار، مشيرا إلى أن منظمة مرايا عليها اشكالات مالية كبيرة، تقدر بملايين الريالات السعودي. وأكد الوافي على حسابه في الفيسبوك أنه لم يفرج عنه إلا بعد تدخل العميد مطهر الشعيبي مدير امن عدن، وعبدالقوي باعش مدير دائرة التوجيه المعنوي بوزارة الداخلية، ومدير الرقابة والتفتيش بوزارة الداخلية، عبدالسلام الضالعي. ولفت إلى أنه سيوضح لاحقا تفاصيل ما تعرض له، متمنيا من قيادات وزارة الداخلية وأمن عدن وضع حل لمثل هذه الممارسات، مؤكدا احتفاضه بحقه القانوني في مقاضاة كل من تسبب في حجز حريته.


اليمن الآن
منذ 31 دقائق
- اليمن الآن
كيف تحولت عدن اليمنية من مدينة نابضة بالحياة إلى غارقة في الظلام والأزمات؟
يجد سكان العاصمة اليمنية المؤقتة، عدن، جنوبي البلاد، أنفسهم محاصرين في أزمات متراكمة، حيث تغرق المحافظة الساحلية التي كانت يوما نابضة بالحياة في ظلام دامس، وبلا ماء جراء توقف شبكة المياه وسط طفح المجاري في الشوارع، وهو ما يثير علامات استفهام وأسئلة عدة بشأن هذا الانهيار وكيف وصلت عدن إلى هذا الحال؟ يأتي ذلك على وقع انهيار اقتصادي مخيف وتراجع حاد وغير مسبوق في سعر صرف العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية، الأمر الذي حول عدن المعروفة بـ"ثغر اليمن الباسم" إلى مدينة غارقة في الأزمات منذ 10 سنوات على استعادتها من سيطرة جماعة "أنصار الله" الحوثيين 2015. ووصلت مدة انقطاع التيار الكهربائي في عدن، إلى ما يزيد عن 11 ساعة يوميا، وفق مصادر محلية، وسط عجز رسمي لمعالجة هذه الأزمة التي أرقت سكان العاصمة المؤقتة. عدن التي تتخذ منها الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، مقرا لها، إلا أنها ترزح تحت هيمنة وتحكم المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تشكل بدعم إماراتي أوساط 2017 ـ إداريا وأمنيا وعسكريا، وسط حضور شكلي للحكومة. وعلى وقع الانهيار الشامل في الأوضاع المعيشية والخدمية والاقتصادية، بدأ سكان العاصمة المؤقتة، عدن، في الخروج للمطالبة بتحسين الأوضاع ووقف تدهور الخدمات الأساسية من كهرباء وماء، فضلا عن انهيار سعر صرف الريال اليمني الذي تجاوز مؤخرا، حاجز الـ 2700 ريالا لكل دولار أمريكي. إلا أن المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يرفع شعار انفصال جنوب البلاد عن شمالها، دفع بتشكيلاته الأمنية والعسكرية إلى الشوارع ومدن العاصمة عدن، لقمع التظاهرات المطالبة بمعالجة الانهيارات الشاملة في الأوضاع المعيشية والاقتصادية. ونظرا للمعالجة الأمنية التي انتهجها المجلس الانتقالي المتحكم بعدن ضد حركة الاحتجاجات الشعبية انكفأ شباب ورجال عدن عن الخروج للاحتجاج خشية الاعتقال. الأمر الذي دفع نساءها إلى الخروج والاحتشاد في تظاهرات متوالية، رغم حالة الانتشار الأمني والعسكري الواسع للتشكيلات التابعة للانتقالي، في رسالة أرادت النساء العدنيات إيصالها بأن "الوضع لم يعد يحتمل". وقد هتفت النساء في التظاهرات التي شهدتها عدن في الأسابيع الماضية، بهتافات مناهضة لسلطات المجلس الانتقالي التي تدير العاصمة، وأخرى ضد الحكومة والمجلس الرئاسي برئاسة، رشاد العليمي. كما لم تقتصر الهتافات على الحكومة والانتقالي بل تجاوزتها إلى المطالبة برحيل التحالف العربي الذي تقودها السعودية بالشراكة مع الإمارات. ومنذ استعادة السيطرة على عدن في يوليو/تموز 2015، انتظر اليمنيون أن تتحول هذه المدينة التي تحررت مبكرا من سطوة الحوثيين عام 2015، إلى نموذج من بين محافظات البلاد تهوي إليها الأفئدة وتنجذب إليها الاستثمارات وتتطور بناها التحتية، إلا أنها هوت في قاع سحيق من الأزمات، يقول سكان محليون، وهو ما يفتح الباب واسعا أمام تساؤل مهم عمن يتحمل مسؤولية هذا الواقع الأليم والكارثي التي تعيشه العاصمة المؤقتة للبلاد في ظل محاولة هروب مختلف الأطراف اليمنية وإلقاء اللوم على الأخر؟ ابتزاز وتجاذبات وفي السياق، قال الكاتب والصحفي اليمني، صلاح السقلدي إن وضع عدن البائس ومعها بالطبع باقي المحافظات ماهو إلا "نتيجة منطقية ومتوقعة تعكس حالة التباينات السياسية والتجاذبات الحادة داخل الحكومة والرئاسة". وأضاف السقلدي في حديث خاص لـ"عربي21" أن هذا الحال المضطرب ألقى بظلاله الكئيبة على الوضع الخدمي والمعيشي حيث يتحمل المواطن وحده قسوة وتبعات هذا الوضع المريع بعد أن أصبح مكشوف الظهر يتوجع بصمت. وبعد أن صار موضوع الخدمات، يتابع السقلدي "ورقة ابتزاز ومساومات سياسية بين توليفة الحكومة والرئاسة" وهو ما يعني بالضرورة فشلا صريحا في تقديم نموذجا ناجحا ومغرٍ يقتدى به في المحافظات الأخرى وبالذات الخاضعة لسيطرة الحوثيين. وأشار إلى أنه على الصعيد السياسي فإن لهذا الوضع ضحاياه السياسيين أيضا. وقال : "فبالإضافة إلى أن هذا الوضع يصب سياسيا بمصلحة الحوثيين ويقوض الشرعية فإن القضية الجنوبية برغم شراكة المجلس الانتقالي الجنوبي بهذه الحكومة وفي الرئاسة إلا أنها أصبحت خارج الأجندة المحلية وتم وضعه على رف النسيان والإهمال بعد أن تم إنهاك المواطن والنخب الجنوبية بضروريات حياتهم من مأكل ومشرب وغاز طبخ وكهرباء، وبالتالي أدار المواطن والنخب ظهورهم مرغمين للجانب السياسي لقضيتهم". وبحسب الكاتب السقلدي وهو مقرب من المجلس الانتقالي الجنوبي فإن هكذا وضع متدهور بائس لا يمكن أن يكون نموذجا يحتذى به، كما أنه وضع طارد ليس فقط لرؤوس الأموال والاستثمارات الخارجية بل للرأسمال المحلي. وقال أيضا، إن "غياب البنية التحتية واستشراء الفساد ورخاوة القضاء وتفشي داء الجبايات وحق الحماية وارتفاع سعر الدولار الجمركي وتعقيدات الجمارك وغيرها من الأسقام كلها جعلت من المدينة بيئة موحشة ومنفرة لأي جهود استثمارية واقتصادية وخدمية. الحكومة والانتقالي والتحالف وحمل الصحفي السقلدي مسؤولية ما أعتبره "كل هذا السوء" بدرجة أساسية "الحكومة والرئاسة"، وبدرجة أكثر "المجلس الانتقالي الجنوبي باعتباره القوة المسيطرة والحاكمة الفعلية لعدن". كما أوضح أن التحالف بقيادة الرياض يتحمل مسؤولية كبيرة كذلك بصناعة هذا الوضع"، وقال إن التحالف لديه كثير من الإمكانيات وأوراق الضغط والمساعدة والوسائل التي ستعمل على انتشال الأوضاع سواء بتقديم دعم مادي ومالي أو برفع العصا بوجه الرئاسة والحكومة"، على حد قوله. وأكد الكاتب اليمني على أن الفشل الجاري بالنهاية لن يقيد على هذه القوى وحدها بل سيكون للتحالف نصيبا وافرا من اللوم إذا ظل الحال كما هو في تدحرج مستمر نحو الفشل والتمزق والضياع. يشكو ويقمع وبشأن المسيرات الاحتجاجية وسياسات التعامل معها أمنيا، قال إن المسيرات بدأت وما تزال وستظل تتوسع ما بقيت الأوضاع على حالها من السوء. وهاجم السقلدي المجلس الانتقالي الذي قال إنه "يشكو من شركائه في الحكومة والرئاسة بأنهم يقفون خلف هذا التدهور ويعيقون جهوده لانتشال الأوضاع"، بينما يظهر نفسه خصما للمواطن المسحوق وأداة قمع ومنع للتظاهرات الاحتجاجية بدلا من الوقوف معه. وعبر عن غرابته من أن "يشكو الانتقالي من هذه القوى، ثم يمنع الناس من التظاهر ضدها بل ويقمهم ويشدد الخناق عليهم في الساحات". ودعا السقلدي في ختام حديثه إلى "الوقوف مع المواطن لانتزاع حقوقه المشروعة بدلا عن قمعه"، مؤكدا أن من يقوم بذلك فهو "شريك في المأساة التي يعيشها الناس". وسجل الريال اليمني انخفاضًا في قيمته خلال مايو/أيار بنسبة 33 بالمئة مقارنة بالعام السابق، و5% مقارنة بشهر أبريل/نيسان، وفق ما ذكرته منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) الأسبوع الماضي. وأرجعت المنظمة ذلك إلى "تناقص الاحتياطي من النقد الأجنبي في مناطق الحكومة، وتوقف تصدير النفط والغاز منذ أبريل 2022". عدن ساحة صراع من جانبه، قال الباحث اليمني في القانون والعلاقات الدولية، عبدالله الهندي إنه منذ تحريرها في يوليو 2015، كان يفترض أن تتحول عدن إلى نموذج لبقية المحافظات، إلا أن ما حدث كان عكس ذلك، مضيفا أن السبب الجوهري لا يعود فقط إلى غياب الدولة المركزية أو استمرار الحرب، بل إلى تحول عدن إلى ساحة صراع نفوذ بين قوى متعددة: "التحالف (الإمارات والسعودية)، الحكومة الشرعية (المعترف بها دولياً)، والمجلس الانتقالي الجنوبي". وتابع الهندي حديثه لـ"عربي21" بأن عدن أصبحت فعلياً مدينة بلا سلطة موحدة، وكل طرف يملك جزءاً من القرار دون أن يتحمل كامل المسؤولية، مما أنتج وضعاً إدارياً وأمنياً هجيناً لا يسمح فيه لأي طرف ببناء مؤسسات حقيقية أو تقديم خدمات مستقرة. وتابع"والنتيجة كانت مدينة تنهار بسبب غياب الحوكمة، وتآكل البنية التحتية، والفساد، وانعدام الرؤية"، وهو ما يعني أن عدن لم تُمنح فرصة لأن تنهض، كونها تحوّلت إلى رمز للتنازع لا مركزًا للبناء. ووفق الباحث اليمني فإن عدن كانت في قلب صراع القوى الإقليمية والمحلية، ويمكن فهم ما جرى لعدن من خلال قراءة ثلاثة مستويات متداخلة الأول" سياسي وعنوانه غياب الدولة وحضور المشاريع المتضاربة". وقال إن عدن تحررت سياسيا، لكنها عانت إداريًا بسبب انكفاء الحكومة الشرعية على ذاتها، واكتفائها بالتموضع في الرياض بدل إدارة البلاد من عاصمتها المؤقتة. يأتي ذلك، في الوقت الذي كانت الإمارات تدفع باتجاه ترسيخ قوى محلية موالية لها، على رأسها المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو ما أنتج تعددًا في مراكز القرار، وصراعًا على الشرعية، مما عطّل المؤسسات وتسبب بانهيار الخدمات الأساسية, حسبما ذكره المتحدث ذاته. تفكيك مؤسسات الدولة أما المستوى الثاني فيتركز بحسب الهندي في "المستوى الإداري" المتمثل "بتفكيك مؤسسات الدولة دون بديل". وقال إنه بعد تحرير عدن من قبضة الحوثيين لم تُفعّل مؤسسات الدولة كما ينبغي، بل تم تهميشها أو استبدالها بكيانات موازية غير خاضعة للمساءلة أو للمحاسبة. وأضاف أن المهام الأمنية والإدارية أوكلت لتشكيلات مسلحة غير موحدة الهوى والمرجعية...وذلك ما جعل عدن مدينة بلا إدارة واضحة، ولا مركزية في القرار، وأدّى إلى تراكم الأزمات وانعدام القدرة على الاستجابة. شلل البنى التحتية وأبرز الباحث اليمني في القانون الدولي المستوى الثالث المتمثل بـ"المستوى الخدمي" الذي يعني "شلل البنى التحتية وتفكك دورة الحياة". ولفت إلى أن النتيجة المباشرة لهذا الانقسام كانت واضحة من خلال "انقطاع الكهرباء بشكل شبه دائم، رغم وجود محطات ومحاولات دولية للدعم وانهيار شبكة الصرف الصحي، ما أدى إلى انتشار الأوبئة إضافة إلى انفجار الأسعار وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وسط غياب أي سياسة اقتصادية فاعلة أو آلية ضبط للأسواق". وبالتالي، يقول الباحث الهندي إن عدن لم تُعطَ فرصة لتنهض، لأنها بقيت رهينة لتجاذبات الفاعلين بدل أن تكون ساحة للبناء. من يتحمل المسؤولية؟ وردا على سؤال من يتحمل مسؤولية واقع عدن الكارثي، يرى الباحث اليمني الهندي أن المسؤولية مشتركة في ظل مشهد معقد تشهده عدن وكثرة الأطراف المتدخلة في مصيرها ولكنها غير متساوية، موضحا أن كل الأطراف الحاضرة في المشهد لم تكن فاعلة بنفس الدرجة، ولا كل طرف ساهم بنفس القدر في إيصال المدينة إلى ما هي عليه. وقال إن الحكومة الشرعية تتحمل قسطًا من المسؤولية عنما آلت إليه المدينة، بفعل "فشلها في بسط سيادتها على الأرض بعد التحرير، ورضاها بالتموضع في الخارج بدل ممارسة وظائفها من الداخل". كما حمل الباحث اليمني أيضا، "المجلس الانتقالي الجنوبي" القسط الأكبر من المسؤولية، وقال إنه "رغم امتلاكه لزمام السيطرة الفعلية على عدن منذ أغسطس 2019، إلا أن حضوره في المدينة لم يُترجم إلى نموذج حكم محلي ناجح، بل انحصر في ممارسة السلطة بمنطق الغلبة والسيطرة، لا بمنطق الدولة والإدارة ". وتابع بأن المجلس اعتمد في إدارته للمدينة على أدوات غير مؤسسية، قائمة على الولاءات الشخصية والهياكل القبلية، لا على الكفاءة أو التخطيط المؤسسي، ما أنتج سلطة منغلقة على ذاتها، غير قادرة على تقديم حلول للأزمات المتراكمة. انقسامات ودور سلبي كما حمل التحالف وخصوصا دولة الإمارات جزءا من المسؤولية عن أوضاع عدن وقال إن أبوظبي التي هيمنت ميدانيا على الأرض في عدن، وأصبحت لاعب ذو تأثير لا يمكن تجاهله، "عملت على تكريس الانقسامات من خلال دعم كيانات موازية للسلطة، وخلق مراكز نفوذ غير خاضعة لمؤسسات الدولة". ولم يغفل الباحث اليمني دور السعودية قائلا : "لا يمكن إغفال الدور السلبي الذي لعبته السعودية في التماهي مع ما يحصل، فيما يشبه توزيعًا للنفوذ داخل اليمن ". مأزق سياسي وبشأن قمع المسيرات الاحتجاجية على الأوضاع بعدن من قبل المجلس الانتقالي قال إنه لا يمكن تفسير سلوك المجلس الانتقالي في قمع الاحتجاجات السلمية في عدن بمعزل عن المأزق السياسي الذي يواجهه، والذي ينبع أساسا من طبيعة شرعيته الهشة التي لم تُؤسس على قاعدة صلبة منذ البداية، وهو ما يمكن تسميته بـ"مازق التأسيس السياسي". ومضى قائلا : "فالمجلس، الذي استمد شرعيته جزئيًا من ادعائه تمثيل الإرادة الشعبية الجنوبية عبر المظاهرات، يواجه تحديًا جوهريًا يتمثل في فقدان الثقة الحقيقية من قِبل قطاعات واسعة من السكان الذين يطالبون بتحسين الأوضاع المعيشية والخدمية ". وأكد على أن تضارب خطاب المجلس بين الترويج لتمثيله الشعبي من جهة، وقمعه للمطالبات السلمية لا يعكس فقط "هشاشة شرعية المجلس"، بل يشير أيضًا إلى "اعتماده المتزايد على القوة الأمنية كآلية للحفاظ على سلطته، بدلاً من بناء قاعدة دعم اجتماعي حقيقية عبر الحوار والسياسات التنموية". وفي وقت سابق من الشهر الجاري، كشفت منظمة الصحة العالمية عن تسجيل أكثر من 3900 حالة إصابة بحمى الضنك"، و 14 حالة وفاة في إبريل/ نيسان من العام الجاري، في العاصمة المؤقتة عدن ومحافظة لحج المحاذية لها من جهة الشمال.