
سلام بارد .. إسرائيل تخفض توقعاتها لأي اتفاق محتمل مع سوريا
وقال موقع 'واللا' الإخباري العبري: 'في حين أن التطبيع ليس مطروحا على الطاولة بعد، فإن المحادثات قد تمهد الطريق لدبلوماسية مستقبلية، بدءا من الجهود المبذولة لتخفيف التوترات وتحديث الترتيبات الأمنية على طول الحدود الإسرائيلية السورية المضطربة'.
ونقل الموقع الاثنين، عن مسؤول إسرائيلي لم يسمه، قوله: 'في حين أن الولايات المتحدة تفضل نهجا تدريجيا من شأنه أن يبني العلاقات بين البلدين ببطء، فإن إسرائيل تريد أن تعرف مسبقا أنه في نهاية العملية سيكون هناك اتفاق سلام مع سوريا يتضمن تطبيعا كاملا'.
وأضاف المسؤول الإسرائيلي: 'الاتفاق مع سوريا ليس قاب قوسين أو أدنى وسيستغرق وقتا لتحقيقه'.
وبحسب موقع 'واللا' فإنه 'في أوائل يونيو/ حزيران (الماضي)، أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مبعوث ترامب إلى سوريا توم باراك، اهتمامه بالتفاوض على اتفاقية أمنية جديدة مع الحكومة السورية ما بعد (الرئيس المخلوع بشار) الأسد، بوساطة الولايات المتحدة'.
ونقل عن مسؤول إسرائيلي كبير، لم يسمه، أن 'هدف نتنياهو هو محاولة التوصل إلى مجموعة من الاتفاقيات على مراحل مع سوريا، تبدأ بنسخة مُحدثة من اتفاقية فك الاشتباك لعام 1974، وتنتهي في نهاية المطاف باتفاقية سلام كاملة وتطبيع'.
ومنذ عام 1967، تحتل إسرائيل معظم مساحة هضبة الجولان السورية، واستغلت الوضع الجديد في البلاد بعد إسقاط نظام الأسد أواخر 2024، واحتلت المنطقة السورية العازلة، وأعلنت انهيار اتفاقية فض الاشتباك بين الجانبين لعام 1974.
كما احتلت 'جبل الشيخ' الاستراتيجي الذي لا يبعد عن العاصمة دمشق سوى نحو 35 كلم، ويقع بين سوريا ولبنان ويطل على إسرائيل، كما يمكن رؤيته من الأردن، وله أربع قمم يبلغ طول أعلاها 2814 مترا.
وقال موقع 'واللا': 'ينظر المسؤولون الإسرائيليون الآن إلى هذه المناطق على أنها ورقة الضغط الرئيسية في المفاوضات، ويقولون إن إسرائيل لن تنسحب إلا مقابل سلام كامل وتطبيع العلاقات مع سوريا'.
ونقل عن مسؤول أمريكي لم يسمه، أن 'المحادثات تقتصر حاليا على مسؤولين دون مستوى الرئيس السوري أحمد الشرع، وأنه لا نقاش حتى الآن بشأن عقد قمة بين القادة'.
وأشار الموقع إلى أن إسرائيل 'تتواصل مع سوريا عبر أربع قنوات على الأقل، بما في ذلك مستشار نتنياهو للأمن القومي تساحي هنغبي، ومدير الموساد ديفيد برنياع، ووزير الخارجية جدعون ساعر، للحوار السياسي والاستراتيجي، والجيش الإسرائيلي للتنسيق العسكري اليومي'.
كما نقل عن مسؤولين إسرائيليين وصفهم بـ'الكبار' دون تسميتهم، إنهم 'يريدون مشاركة أمريكية أكبر في الوساطة، لأن إسرائيل تعتقد أنها ستعطي الحكومة السورية حافزا أقوى للتوصل إلى اتفاق'.
وبحسب الموقع فإن 'مسألة وضع مرتفعات الجولان، التي احتلتها إسرائيل من سوريا خلال حرب عام 1967، تعد إحدى أكبر علامات الاستفهام المعلقة بشأن أي محادثات سلام إسرائيلية سورية مستقبلية'.
وتابع: 'في كل جولة مفاوضات سابقة على مدى العقود الثلاثة الماضية طالب نظام الأسد بانسحاب إسرائيلي كامل أو شبه كامل من المنطقة مقابل السلام، وخلال فترة ولايته الأولى اعترف (الرئيس الأمريكي دونالد) ترامب بمرتفعات الجولان جزءا من إسرائيل، وهي خطوة لم تُلغِها إدارة (الرئيس الأمريكي السابق جو) بايدن'.
والاثنين، قال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، إن إسرائيل منفتحة على اتفاق مع سوريا، لكنه أصر على أن مرتفعات الجولان ستظل جزءا من إسرائيل بموجب أي اتفاق مستقبلي.
من جهتها، قالت صحيفة 'جروزاليم بوست' العبرية: 'تجري إسرائيل وسوريا محادثات أمنية تواجه تحديات كبيرة، سعيا لتحقيق السلام، لكنهما تواجهان عقبات قد تؤدي إلى 'سلام بارد' بدلًا من المصالحة الكاملة'.
ونقلت الصحيفة، الاثنين، عن مصدرين مطلعين دون أن تسميهما، قولهما: 'تواصل إسرائيل وسوريا مناقشاتهما الأمنية التي قد تؤدي إلى اتفاق سلام بين البلدين، ومع ذلك برز تحد كبير في المحادثات'.
وذكرت الصحيفة: 'أوضحت إدارة الشرع أنه بموجب أي اتفاق، لن يسمح لإسرائيل بالعمل أو ضرب أهداف داخل الأراضي السورية، فيما تصر إسرائيل على الاحتفاظ بالقدرة على مواجهة التهديدات الأمنية، لا سيما في السيناريوهات التي تنسحب فيها إسرائيل من المناطق العازلة كما طالبت إدارة دمشق'.
وأردفت نقلا عن مصادر مطلعة على المفاوضات لم تسمها، أنه 'حتى في حال التوصل إلى اتفاق، سيكون سلاما باردا على الأقل في المرحلة الأولية'.
وزادت الصحيفة: 'مثل هذا الاتفاق في حال توقيعه، لن يغير وضع مرتفعات الجولان، ولكنه سيتعلق بالمناطق العازلة بين البلدين، والتي استولت عليها إسرائيل عقب سقوط نظام الأسد قبل أكثر من ستة أشهر'.
وتحدثت نقلا عن مصدر إسرائيلي لم تسمه، أنه 'في هذه المرحلة، لن يكون اتفاق سلام بقدر ما سيكون ترتيبا أمنيا يهدف إلى التعاون ضد التهديدات المدنية'، بحسب تعبيره.
وأضاف المصدر: 'من غير المتوقع تناول الحمّص في دمشق، أو الإبحار في اللاذقية في أي وقت قريب'، وفق قوله.
ورغم أن الإدارة السورية الجديدة لم تهدد إسرائيل، شنت الأخيرة منذ الإطاحة بنظام الأسد أواخر 2024 غارات جوية على سوريا، فقتلت مدنيين، ودمرت مواقع عسكرية وآليات وذخائر للجيش السوري، إضافة إلى توغلها بمحافظتي القنيطرة وريف دمشق.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


رؤيا
منذ 34 دقائق
- رؤيا
بقرار رئاسي.. طهران توقف تعاونها مع "الطاقة الذرية" وتتوعد برد على الهجمات النووية
إيران تعلّق رسميًا تعاونها مع وكالة الطاقة الذرية ردًا على ضربات الاحتلال وامريكا إيران تنهي تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية: مرحلة نووية "أخطر" تبدأ تصعيد نووي جديد.. إيران تسحب الثقة من "الطاقة الذرية" وتتحدى الغرب صادق الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، الأربعاء، على قانون أقره البرلمان يقضي بتعليق تعاون إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وذلك في أعقاب الضربات الاحتلال الإسرائيلي وامريكا التي استهدفت منشآت نووية خلال الحرب الأخيرة مع تل ابيب. وتأتي الخطوة بعد تصاعد التوترات بين طهران والوكالة التابعة للأمم المتحدة منذ بدء هجوم الاحتلال في 13 حزيران، والذي استمر 12 يومًا، وتخلله استهداف منشآت نووية وعسكرية واغتيال علماء إيرانيين، إضافة إلى قصف أميركي لثلاث منشآت نووية رئيسية. وكان البرلمان الإيراني أقر في 25 حزيران، غداة إعلان وقف إطلاق النار، قانونًا لتعليق التعاون مع الوكالة، قبل أن يصادق عليه مجلس صيانة الدستور ويُحال إلى الحكومة للتنفيذ. ونقلت وسائل إعلام رسمية أن القانون يهدف إلى "الدفاع عن الحقوق الجوهرية لإيران"، خاصة فيما يتعلق بتخصيب اليورانيوم. في المقابل، دعا الاحتلال على لسان وزير خارجيته جدعون ساعر إلى تحرك دولي عاجل لوقف البرنامج النووي الإيراني، مطالبًا ألمانيا وفرنسا وبريطانيا بإعادة فرض العقوبات على طهران. ووصف باحثون في الشأن النووي القرار الإيراني بأنه يُدخل البرنامج النووي في "مرحلة جديدة وأخطر"، معتمدين على الاستخبارات بدلًا من المراقبة المباشرة. وكانت طهران رفضت زيارة مفتشي الوكالة لمواقعها المتضررة، وسط تساؤلات عن مصير مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب، وأكدت أن قرار التعليق جاء ردًا على "السلوك الهدّام" للوكالة ومديرها رافايل غروسي، الذي وُجهت له اتهامات من مسؤولين إيرانيين بـ"التحريض والمشاركة" في الهجمات على إيران. وفي حين أُعلن عن مقتل أكثر من 900 شخص في إيران خلال الضربات الإسرائيلية، ردت طهران بهجمات صاروخية وطائرات مسيرة أدت إلى مقتل 28 شخصًا في إسرائيل.


خبرني
منذ 3 ساعات
- خبرني
من فزاعة إيران إلى خنق الضفة: مشروع "الضم الكبير" يتجدد من غور الأردن
خبرني - تسوّغ إسرائيل خطواتها تجاه الشكل الجديد للمنطقة عبر إعادة تفعيل "حجج التهديد" بما فيه الإيراني، كرأس لمحور المقاومة؛ لانتشار عسكري غير مسبوق، بعد هدنة حذرة وهشة، حيث تُسرّع من وتيرة خطواتها الميدانية لترسيخ واقع جديد في الضفة الغربية المحتلة، وسط غطاء إعلامي كثيف يضخم تهديدات "مفترضة" من الحدود الشرقية مع الأردن. وبينما تُبرر إسرائيل عزل وحصار الحويصلات السكانية في الضفة الغربية تكثف انتشارها العسكري على الحدود الشرقية للأراضي المحتلة مع الأردن بـ"الاعتبارات الأمنية"، فإن السياق الأوسع يظهر أننا أمام محاولة حثيثة لتصفية حل الدولتين، والتمهيد لضم تدريجي لعمق الأراضي الفلسطينية، تبدأ بغور الأردن ولا تنتهي عنده. في الأسابيع الأخيرة، أعادت وسائل الإعلام العبرية تسويق فكرة "التهديدات الإيرانية من جهة الحدود الأردنية"، في محاولة لإعادة تعريف الجغرافيا السياسية الإقليمية، ووضع الأردن في مرمى توترات ليست قائمة فعليًا. ويبدو أن الهدف الرئيسي لهذا التهويل الإعلامي هو إعادة شرعنة المشروع الإسرائيلي بعزل ما لم يعزل بعد من الأراضي الفلسطينية وتوسيع التواجد العسكري في الضفة، خاصة في مناطق تماس قريبة من غور الأردن، بدعوى وجود "خطر خارجي محتمل"، على الرغم من أن المنطقة لم تشهد أي تصعيد فعلي يستدعي هذا التوتر العسكري. إحدى أكثر الخطوات اللافتة تمثلت في "إنشاء" ونشر إسرائيل لفرقة "جلعاد 96" العسكرية ذات الصبغة الأمنية قرب الحدود الشرقية، ورغم الإدعاء عن مهامها بـ"مراقبة الحدود" على مستوى "أمني"؛ إلا أن تحليل نمط وشكل الانتشار ومواقعه يُظهر بوضوح أن هذه القوة موجهة فعليًا نحو الداخل الفلسطيني، لا نحو الخارج، إذ يعكس هذا الانتشار نية لفرض واقع عسكري على الأرض، لا مجرد مراقبة حدودية موجودة أصلاً بتقنيات عالية منذ سنوات. فالفرقة المذكورة لا يمكن أن تكون "أنشئت" -في ظل كل هذه الظروف وتصاعدها والتواجد البري الكبير للاحتلال في غزة- إلا لتنفيذ عمليات تطويق واسعة، وقمع أي تحركات مدنية محتملة، وقطع التواصل الجغرافي بين القرى والمدن الفلسطينية، ما يعني أن نشرها قد يكون جزءًا من خطة أمنية–سياسية شاملة لخنق الضفة الغربية، تمهيدًا لإعلان ضمها بشكل متدرج، يبدأ من غور الأردن. لا تأتي هذه التحركات العسكرية من الفراغ، فقد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في شهر أيلول 2019 عن عزمه ضم منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت لإسرائيل في حال فوزه في الانتخابات البرلمانية، وتنفيذاً لوعدها أعلنت سلطات الاحتلال مؤخرًا عن اعتبار مناطق شاسعة من غور الأردن "أراضي دولة"، في خطوة تُعد من أخطر المؤشرات على نوايا الضم الفعلي والكبير لكافة أراضي الضفة الغربية. ويُذكر أن غور الأردن يمثل نحو 30٪ من مساحة الضفة الغربية، ويشكّل العمق الاستراتيجي لأي دولة فلسطينية مستقبلية. وبالتالي، فإن السيطرة عليه تقطع الطريق تمامًا على حل الدولتين، وتحرم الفلسطينيين من أي تواصل جغرافي حقيقي مع جارها الوحيد ورئتها "الأردن". وهنا تجدر الإشارة إلى أن القرار الأممي 2334 (الصادر عام 2016) أكد أن كل المستوطنات، وكافة الإجراءات الرامية لتغيير الواقع الديمغرافي والقانوني في الأراضي المحتلة، غير قانونية، كما تحظر اتفاقية جنيف الرابعة وقواعد لاهاي نقل السكان المدنيين لدولة الاحتلال إلى الأراضي المحتلة، أو إحداث أي تغيير دائم فيها. بالرغم من أنه لا توجد أي مؤشرات حقيقية أو مثبتة على وجود تهديد إيراني فعلي من الحدود الأردنية، يمكن بناء الرواية الإسرائيلية عليها، إلا أن حكومة نيتنياهو تعمل على استخدامها كفزاعة سياسية، كما عملت وتعمل – طوال الوقت- على قلب الحقائق في غيرها، إذ يبذل الأردن جهودًا كبيرة لضمان استقرار كل حدوده، بما في ذلك التنسيق الأمني مع الأطراف الإقليمية المختلفة؛ لضمان أن تبقى هذه الحدود الأكثر استقرارًا في الإقليم المضطرب ونموذجاً للدولة التي تعلي شأن سلامة مواطنيها وأراضيها فوق كل اعتبار. ولكن ما يجري يبدو أنه استخدام لأداة "التهديد الإيراني" كمبرر سياسي داخلي في إسرائيل، لتوسيع سيطرتها الجغرافية على الأرض، وتصعيد عسكري ممنهج يهدف لتحويل الاحتلال المؤقت إلى واقع دائم، ورسالة خارجية لواشنطن التي باتت أكثر قلقاً من خروج تل أبيب عن "النص". إن تموضع قوات إسرائيلية على مشارف الحدود الأردنية لا يمكن قراءته فقط في إطار التصعيد الداخلي الإسرائيلي، بل هو رسالة ضغط إقليمي واضحة، موجهة للأردن تحديدًا، في ظل تحركاته الأخيرة لتعزيز التقارب العربي، وإعادة تفعيل التنسيق مع سوريا والعراق. وهنا، فإن القلق الأردني من هذا الانتشار العسكري لا ينبع من خطر مباشر على الحدود، بل من نية إسرائيلية واضحة لتكريس مشاريع الضم، وتهديد فرص الحل السياسي، كما أن استمرار الترويج لمخاطر "إقليمية" قادمة من الشرق، يفتح الباب أمام تحولات استراتيجية قد تؤدي للشكل الجديد للمنطقة الذي يحلم نيتنياهو بالهيمنة عليه. ما يجري على الأرض هو أخطر من مجرد تموضع عسكري أو خطوات تصعيدية تهدف لقطع مسارات السلام المحتملة، فنحن أمام مشروع إلغاء متكامل لحل الدولتين، وتفكيك للهوية الجغرافية والسياسية للأراضي الفلسطينية. وإذا كان المجتمع الدولي لا يزال يتمسك بحل الدولتين، فإن عليه أن يتحرك فعليًا لوقف الانتهاكات الميدانية الجارية، وتفعيل أدوات الردع والمحاسبة التي باتت غائبة عن الكثير من الأحداث منذ السابع من أكتوبر، فمطلوب منه تجاوز "إدارة الصراع" نحو كبح جماح هذا التصعيد الممنهج. أما الأردن، فدوره المحوري كقوة استقرار في الإقليم يعني موقفًا سياسيًا متجدد الوضوح والصرامة، برفض أي وجود عسكري إسرائيلي موجه للضفة من جهة الحدود الأردنية، ورفض أي تغيير في الوضع القانوني للأراضي المحتلة.

عمون
منذ 4 ساعات
- عمون
من فزاعة إيران إلى خنق الضفة .. مشروع "الضم الكبير" يتجدد من غور الأردن
تسوّغ إسرائيل خطواتها تجاه الشكل الجديد للمنطقة عبر إعادة تفعيل "حجج التهديد" بما فيه الإيراني، كرأس لمحور المقاومة؛ لانتشار عسكري غير مسبوق، بعد هدنة حذرة وهشة، حيث تُسرّع من وتيرة خطواتها الميدانية لترسيخ واقع جديد في الضفة الغربية المحتلة، وسط غطاء إعلامي كثيف يضخم تهديدات "مفترضة" من الحدود الشرقية مع الأردن. وبينما تُبرر إسرائيل عزل وحصار الحويصلات السكانية في الضفة الغربية تكثف انتشارها العسكري على الحدود الشرقية للأراضي المحتلة مع الأردن بـ"الاعتبارات الأمنية"، فإن السياق الأوسع يظهر أننا أمام محاولة حثيثة لتصفية حل الدولتين، والتمهيد لضم تدريجي لعمق الأراضي الفلسطينية، تبدأ بغور الأردن ولا تنتهي عنده. في الأسابيع الأخيرة، أعادت وسائل الإعلام العبرية تسويق فكرة "التهديدات الإيرانية من جهة الحدود الأردنية"، في محاولة لإعادة تعريف الجغرافيا السياسية الإقليمية، ووضع الأردن في مرمى توترات ليست قائمة فعليًا. ويبدو أن الهدف الرئيسي لهذا التهويل الإعلامي هو إعادة شرعنة المشروع الإسرائيلي بعزل ما لم يعزل بعد من الأراضي الفلسطينية وتوسيع التواجد العسكري في الضفة، خاصة في مناطق تماس قريبة من غور الأردن، بدعوى وجود "خطر خارجي محتمل"، على الرغم من أن المنطقة لم تشهد أي تصعيد فعلي يستدعي هذا التوتر العسكري. إحدى أكثر الخطوات اللافتة تمثلت في "إنشاء" ونشر إسرائيل لفرقة "جلعاد 96" العسكرية ذات الصبغة الأمنية قرب الحدود الشرقية، ورغم الإدعاء عن مهامها بـ"مراقبة الحدود" على مستوى "أمني"؛ إلا أن تحليل نمط وشكل الانتشار ومواقعه يُظهر بوضوح أن هذه القوة موجهة فعليًا نحو الداخل الفلسطيني، لا نحو الخارج، إذ يعكس هذا الانتشار نية لفرض واقع عسكري على الأرض، لا مجرد مراقبة حدودية موجودة أصلاً بتقنيات عالية منذ سنوات. فالفرقة المذكورة لا يمكن أن تكون "أنشئت" -في ظل كل هذه الظروف وتصاعدها والتواجد البري الكبير للاحتلال في غزة- إلا لتنفيذ عمليات تطويق واسعة، وقمع أي تحركات مدنية محتملة، وقطع التواصل الجغرافي بين القرى والمدن الفلسطينية، ما يعني أن نشرها قد يكون جزءًا من خطة أمنية–سياسية شاملة لخنق الضفة الغربية، تمهيدًا لإعلان ضمها بشكل متدرج، يبدأ من غور الأردن. لا تأتي هذه التحركات العسكرية من الفراغ، فقد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في شهر أيلول 2019 عن عزمه ضم منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت لإسرائيل في حال فوزه في الانتخابات البرلمانية، وتنفيذاً لوعدها أعلنت سلطات الاحتلال مؤخرًا عن اعتبار مناطق شاسعة من غور الأردن "أراضي دولة"، في خطوة تُعد من أخطر المؤشرات على نوايا الضم الفعلي والكبير لكافة أراضي الضفة الغربية. ويُذكر أن غور الأردن يمثل نحو 30٪ من مساحة الضفة الغربية، ويشكّل العمق الاستراتيجي لأي دولة فلسطينية مستقبلية. وبالتالي، فإن السيطرة عليه تقطع الطريق تمامًا على حل الدولتين، وتحرم الفلسطينيين من أي تواصل جغرافي حقيقي مع جارها الوحيد ورئتها "الأردن". وهنا تجدر الإشارة إلى أن القرار الأممي 2334 (الصادر عام 2016) أكد أن كل المستوطنات، وكافة الإجراءات الرامية لتغيير الواقع الديمغرافي والقانوني في الأراضي المحتلة، غير قانونية، كما تحظر اتفاقية جنيف الرابعة وقواعد لاهاي نقل السكان المدنيين لدولة الاحتلال إلى الأراضي المحتلة، أو إحداث أي تغيير دائم فيها. بالرغم من أنه لا توجد أي مؤشرات حقيقية أو مثبتة على وجود تهديد إيراني فعلي من الحدود الأردنية، يمكن بناء الرواية الإسرائيلية عليها، إلا أن حكومة نيتنياهو تعمل على استخدامها كفزاعة سياسية، كما عملت وتعمل – طوال الوقت- على قلب الحقائق في غيرها، إذ يبذل الأردن جهودًا كبيرة لضمان استقرار كل حدوده، بما في ذلك التنسيق الأمني مع الأطراف الإقليمية المختلفة؛ لضمان أن تبقى هذه الحدود الأكثر استقرارًا في الإقليم المضطرب ونموذجاً للدولة التي تعلي شأن سلامة مواطنيها وأراضيها فوق كل اعتبار. ولكن ما يجري يبدو أنه استخدام لأداة "التهديد الإيراني" كمبرر سياسي داخلي في إسرائيل، لتوسيع سيطرتها الجغرافية على الأرض، وتصعيد عسكري ممنهج يهدف لتحويل الاحتلال المؤقت إلى واقع دائم، ورسالة خارجية لواشنطن التي باتت أكثر قلقاً من خروج تل أبيب عن "النص". إن تموضع قوات إسرائيلية على مشارف الحدود الأردنية لا يمكن قراءته فقط في إطار التصعيد الداخلي الإسرائيلي، بل هو رسالة ضغط إقليمي واضحة، موجهة للأردن تحديدًا، في ظل تحركاته الأخيرة لتعزيز التقارب العربي، وإعادة تفعيل التنسيق مع سوريا والعراق. وهنا، فإن القلق الأردني من هذا الانتشار العسكري لا ينبع من خطر مباشر على الحدود، بل من نية إسرائيلية واضحة لتكريس مشاريع الضم، وتهديد فرص الحل السياسي، كما أن استمرار الترويج لمخاطر "إقليمية" قادمة من الشرق، يفتح الباب أمام تحولات استراتيجية قد تؤدي للشكل الجديد للمنطقة الذي يحلم نيتنياهو بالهيمنة عليه. ما يجري على الأرض هو أخطر من مجرد تموضع عسكري أو خطوات تصعيدية تهدف لقطع مسارات السلام المحتملة، فنحن أمام مشروع إلغاء متكامل لحل الدولتين، وتفكيك للهوية الجغرافية والسياسية للأراضي الفلسطينية. وإذا كان المجتمع الدولي لا يزال يتمسك بحل الدولتين، فإن عليه أن يتحرك فعليًا لوقف الانتهاكات الميدانية الجارية، وتفعيل أدوات الردع والمحاسبة التي باتت غائبة عن الكثير من الأحداث منذ السابع من أكتوبر، فمطلوب منه تجاوز "إدارة الصراع" نحو كبح جماح هذا التصعيد الممنهج. أما الأردن، فدوره المحوري كقوة استقرار في الإقليم يعني موقفًا سياسيًا متجدد الوضوح والصرامة، برفض أي وجود عسكري إسرائيلي موجه للضفة من جهة الحدود الأردنية، ورفض أي تغيير في الوضع القانوني للأراضي المحتلة.