
يجسد قصة وطن وتاريخ شعب .. متحف قطر الوطني يحتفي بنصف قرن من الإرث والابتكار
محمد عابد
بجماله الأخاذ، يقف متحف قطر الوطني أو «وردة الصحراء» شامخا في قلب الدوحة، وقد أصبح أيقونة ثقافية ومعمارية تجسد قصة وطن وتاريخ شعب. ففي هذا الشهر، يحتفل متحف قطر الوطني بمرور خمسين عامًا على افتتاحه الأول في يونيو 1975، مكرّسًا نصف قرن من الزمن لصون الهوية القطرية وتوثيق الذاكرة الوطنية.
ويمثل متحف قطر الوطني درة تاج الثقافة القطرية، ويعكس تصميمه الهوية القطرية؛ إذ تتداخل فيه ملامح الأصالة والمعاصرة.
وقد نشرت سعادة الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني رئيس مجلس أمناء متاحف قطر مؤخرا على صفحاتها الرسمية على منصات التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة تجمع بين افتتاح المتحف في عام 1975، وبين إعادة افتتاحه بعد التجديد في عام 2019م.
«العرب» بهذه المناسبة تسلط الضوء على هذا الصرح الثقافي الوطني الذي يحتفي بمرور نصف قرن على إنشائه ليبقى شامخا وحاملا للثقافة والتراث القطري؛ فقبل خمسة عقود، وبالتحديد في يونيو عام 1975، افتُتح المتحف الوطني في مبناه الأول الذي كان قصرًا تاريخيًا للشيخ عبد الله بن جاسم آل ثاني، نجل مؤسس الدولة الحديثة.
وقد شكّل هذا القصر النواة الأولى للمتحف، حيث احتضن بدايات العرض المتحفي في البلاد، وعكس اهتمام الدولة المبكر بحفظ التراث القطري في وقت كانت المنطقة تشهد تحولات اقتصادية واجتماعية كبرى.
تحفة معمارية في قلب الدوحة
في مارس 2019، دشن حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، النسخة المعاصرة من المتحف بعد إعادة بنائه على مدى ثمانية أعوام من العمل والإبداع.
تولّى تصميمه المعماري العالمي جان نوفيل، الفائز بجائزة بريتزكر المرموقة، مستلهمًا وردة الصحراء، تلك التكوينات الكريستالية الطبيعية التي تنبت في باطن الرمال القطرية والمعروفة باسم «وردة الصحراء»، التي تظهر في المناطق الساحلية القاحلة، وتنشأ من خلال تفاعل الرياح ورذاذ البحر والرمال عبر آلاف السنين.
ويتناغم طلاء السطح الخرساني للمتحف مع البيئة الصحراوية القطرية، حيث يأخذ لونًا شبيهًا بالرمال، ليبدو المبنى كأنه نبت خارج من الأرض ومتوحّد معها، كما تبدو وردة الصحراء تمامًا، وبمقاربة فنية عبقرية، تحوّل المتحف إلى منحوتة عملاقة من أقراص خرسانية منحنية ومتشابكة، يظنها الناظر من بعيد جزءًا من الطبيعة لا بناء من صنع الإنسان هذا التماهي مع البيئة منح المتحف شهادات ريادة بيئية عالمية، منها تصنيف 'ليد' الذهبي وشهادة 'جي إس إيه إس' من فئة الأربع نجوم، ليغدو أول متحف وطني في العالم يحقق هذا الإنجاز البيئي.
متحف يروي قصة وطن
يمتد متحف قطر الوطني اليوم على مساحة 40 ألف متر مربع، ويضم 11 صالة عرض تُشكل مجتمعة سردية تفاعلية تحاكي تطوّر قطر عبر الزمن. تبدأ الرحلة من التاريخ الجيولوجي لشبه الجزيرة، وتمر بفصول ما قبل التاريخ، والتاريخ البحري، والتحولات الاجتماعية والسياسية، لتصل إلى النهضة المعاصرة ورؤية الدولة المستقبلية.
وتتميز كل صالة بشخصيتها المستقلة وبيئتها المتكاملة، إذ تروي كل واحدة فصلًا من فصول قصة قطر عبر مزيج مميز من الوسائل المختلفة تتنوع بين الموسيقى والشعر والمرويات التاريخية والروائح المثيرة للذكريات والأعمال الفنية المصمّمة خصيصًا للعرض في المتحف، إلى جانب الأفلام الفنية التي تعرض على جدران الصالات بأحجامها الهائلة، وغير ذلك من الوسائل.
كما تحتوي صالات العرض على مجموعة مذهلة من المقتنيات الأثرية والتراثية، من بينها سجادة بارودة الشهيرة المصنوعة من اللؤلؤ، التي صمّمت عام 1865، والمُطرّزة بأكثر من 1.5 مليون لؤلؤة خليجية عالية الجودة ومزينة بالزمرد والماس والياقوت، إلى جانب المخطوطات والوثائق، والصور والجواهر والأزياء.
كهف النور
وعلى غرار تصميم المتحف المستوحى من الطبيعة، يأتي تصميم متجر الهدايا الذي استوحاه المصمم الياباني كويتشي تاكادا من دحل المسفر (كهف النور) الواقع في قلب دولة قطر، ويجسد هذا التصميم رؤية تاكادا حول العلاقة التي تربط بين الناس والطبيعة من خلال تصميم رائع للقطع الخشبية المتشابكة والمنحنية ذات اللون العسلي. ويتكون التصميم الداخلي للمتجر من 40 ألف قطعة خشبية تم تجميعها باليد مثل قطع «البازل» من قبل خبير النجارة الإيطالي كلاوديو ديفوتو وفريقه من الحرفيين. تقدم كل صالة عرض منظوراً فريداً لإحدى الحقب الزمنية التي مرت بها قطر منذ الأزل، وتربط الزوار بتجارب الشعب القطري بين البر والبحر. وتشرك جميع الحواس عبر مزيج إبداعي من المشاهد والأصوات وحتى الروائح المفعمة بالحيوية. وتعرض العديد من صالات العرض أفلاماً لمخرجين عالميين بارزين طُلبَ منهم صناعة تجارب حية وغامرة، بإنتاج من مؤسسة الدوحة للأفلام، وتُعرض هذه الأفلام بحجم كبير وجودة فائقة على جدران صالات العرض، مما يصهر مادية الجدران في جو المشاهد المتحركة بما فيها من ضوء وصوت وصورة.
الذاكرة الوطنية
ولا يقتصر دور المتحف على حفظ الذاكرة، بل يشكّل مركزًا تفاعليًا للتعلّم والاكتشاف، يستقبل الزوار من مختلف الأعمار، ويقدّم برامج تعليمية وورش عمل وأنشطة تتنوع بين التراث والفن والتكنولوجيا. كما يُستخدم كمنصة لعرض الفنون المعاصرة وإقامة الفعاليات الثقافية الوطنية والدولية.
على غرار إبداع المتحف المعماري، يحكي متجر الهدايا قصة بصرية أخرى. فقد صمّمه الياباني كويتشي تاكادا مستلهمًا من كهف 'دحل المسفر'، فجاء فضاؤه الداخلي مكوّنًا من 40 ألف قطعة خشبية مصنوعة يدويًا، تبدو كأنها موجات متداخلة من الضوء والظل، تتناغم مع فلسفة التصميم البيئي.
وفي ذكرى نصف قرن على تأسيسه، لا يبدو أن المتحف بلغ ذروته، بل يواصل رحلته بوصفه رمزًا للنهضة الثقافية القطرية، وتعبيرًا حيًّا عن روح وطن لا ينسى ماضيه، ولا يتوقف عن بناء مستقبله. وقد حاز العديد من الجوائز سواء الفنية أو المعمارية أو جوائز استدامة وغيرها مثل جائزة Wallpaper Design Awards 2019 في فئة Best Roofscape تقديراً لتصميمه الفريد المُستلهم من 'وردة الصحراء»، وجائزة Aga Khan للعمارة 1980 لمبنى المتحف القديم (القصر)، ولقب أحد 'أعظم الأماكن في العالم' وفق Time عام 2019 نظرًا لتجربته الغامرة
ومن أبرز الجوائز الثقافية العالمية أوسكار المتاحف في 2020 إلى جانب جوائز الاستدامة والبيئة ومنها شهادات 'ليد' الذهبي و4 نجوم من GSAS، ليكون أول متحف وطني يحقق هذه الرُتب البيئية فضلا عن جائزة المباني الخضراء الجميلة (UK) عام 2023م، وكذلك شهادة الحياد الكربوني في نفس العام.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العرب القطرية
منذ 3 أيام
- العرب القطرية
كيف روى «الفن السابع» درب النور لرحلة غيرت تاريخ العالم .. الهجرة النبوية في السينما العربية.. أيقونات خالدة
محمد عابد احتفت السينما العربية بعدد من الأعمال التي تناولت الهجرة النبوية الشريفة، ذلك الحدث المفصلي في تاريخ الدعوة الإسلامية، والذي احتفى به المسلمون أمس الخميس. ورغم ندرة الإنتاج، فقد شكّلت هذه الأعمال علامات فارقة في مسيرة الفن الديني، وسعت إلى غرس قيم التضحية والصبر والتعايش، في ظل تحديات فنية وفقهية وإنتاجية مستمرة، وفي هذا الصدد عرضت منصة الجزيرة 360 مؤخرا الفيلم الوثائقي» هجرة غيرت التاريخ « من إنتاج الجزيرة الوثائقية عام 2011، في ثلاثة أجزاء. الفيلم تم بالتعاون مع السلطات السعودية في تصوير الأماكن التي مر بها النبي في رحلة الهجرة من مكة إلى المدينة حيث يوثق الآثار والشواهد التاريخية والسيرة المكانية لرحلة الهجرة النبوية على امتداد نحو 450 كيلو مترا. وقد أعاد الفيلم إلى الأذهان السؤال عن السينما والهجرة النبوية، وكيف عالجت السينما هذا الحدث الذي غير مجرى التاريخ من خلال تأسيس دولة الإسلام. ولم تكن الهجرة النبوية جرد انتقال جغرافي، بل كان تحولًا حضاريا، وانبعاثا لمجتمع قائم على الإيمان والعدل والحرية. وهو ما دفع السينما العربية وبل والعالمية على استحياء، إلى محاولة معالجة هذا الحدث المفصلي، عبر أعمال حملت في طياتها رسائل روحية وتربوية وقيمية تتجاوز حدود الشاشة. بالرجوع إلى تاريخ السينما العربية نجد أنها تناولت الهجرة النبوية من خلال ثمانية أفلام رئيسية بين عامي 1951 و1976، ضمن مسار إنتاجي نادر لما يُعرف بـ'السينما الدينية'، والذي لم يتجاوز حتى الآن على اقصى تقدير 30 فيلما طوال تاريخ السينما العربية، ومع ذلك فقد سجلت بعض الأفلام سجلا من نور لهذه الرحلة المباركة، وتحولت بعض الأفلام إلى أيقونات سينمائية دينية لعل أهمها على الإطلاق فيلم الرسالة للمخرج السوري الراحل مصطفى العقاد. التأريخ بالفن ويرى النقاد أن أول فيلم عن الهجرة كان 'ظهور الإسلام' (1951)، وهو عمل اقترب من السرد الديني عبر نص أدبي متين، مستوحى من 'الوعد الحق' للدكتور طه حسين، حيث يروي التحولات التي سبقت البعثة، ويمهد لخروج الدعوة الإسلامية إلى النور. وحسب النقاد فإن الفيلم اعتمد على النمط المسرحي واللغة الخطابية، ليبني صورة رومانسية للمجتمع التوحيدي الوليد. في العام 1953، جاء فيلم 'بلال مؤذن الرسول'، الذي اختار أن يسرد الحدث من زاوية مختلفة، عبر سيرة الصحابي بلال بن رباح، والذي رافق النبي في الهجرة وكان أول مؤذن في الدولة الجديدة. فتظهر سيرة الصحابي بلال بن رباح مدخلا إلى فهم القيم الكبرى للهجرة: الحرية، الكرامة الإنسانية. ورغم أن بعض الأفلام مثل 'بيت الله الحرام' (1957) و'مولد الرسول' (1960) لم تتناول الهجرة بشكل مباشر، إلا أنها أرست السياق التاريخي والنفسي الذي يجعل من الهجرة نتيجة منطقية لكفاح طويل ضد الجهل والاضطهاد. ثم جاء فيلم 'هجرة الرسول' (1964) للمخرج إبراهيم عمارة ليحمل الاسم والمضمون، ويتناول رحلة الهجرة كعلامة على انتقال الدعوة من ضيق الاستضعاف إلى رحابة التمكين ويعتبر واحدا من الأفلام التي تناولت الحدث فنيا بعمق من خلال شخصية الأمة حبيبة وهي واحدة من المستضعفين الذين آمنوا بالله ورسوله وتتحمل الأذى في سبيل الدفاع عن معتقدها وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصولا إلى الهجرة المباركة التي تفتح بابا جديدا نحو النور. وجاء من بعده فيلم يظل علامة فارقة في السينما العربية هو فيلم الشيماء اخت الرسول عام 1972م، للمخرج المصري حسام الدين مصطفى، عن شخصية الشيماء أخت الرسول صلى الله عليه وسلم في الرضاعة، وتؤمن مع أسرتها بدعوة محمد، إلا بجاد زوج الشيماء العنيد الذي يكره محمد صلى الله عليه وسلم كرهًا وحقدًا دفينًا، تنتشر أخبار الدعوة الإسلامية، ويتحالف بجاد مع أعداء النبي صلى الله عليه وسلم في سبيل القضاء على دعوته سواء في مكة أو في المدينة. فيظهر الفيلم التحديات التي واجهت المجتمع المؤمن وكيف خرج منها في هجرات متتالية وصولا إلى الهجرة الكبرى إلى المدينة المنورة. «الرسالة» والذروة الفنية لكن الذروة الفنية الحقيقية كانت في فيلم 'الرسالة' (1976)، للمخرج السوري الراحل مصطفى العقاد، والذي يُعد بحق الملحمة السينمائية الأضخم في تاريخ السيرة النبوية. تعامل العقاد مع الهجرة باعتبارها حدثًا يتجاوز الزمان والمكان، واختار أن يُجسدها دون أن يُجسد صاحبها فنجح في تسجيلها كذاكرة حية لدى المشاهدين حتى اليوم.. وكان بنسختين، واحدة باللغة الإنجليزية، لعب الدور الرئيس فيها الممثل العالمي أنتوني كوين، وثانية باللغة العربية مثل فيها نجوم عرب على رأسهم الفنان المصري الكبير عبد الله غيث. الرسالة القيمية ولم تكن هذه الأفلام مجرد تسجيل لحادثة تاريخية، بل حملت في طياتها رسائل قيمية رفيعة، حاولت أن تُترجم روحية الهجرة إلى دروس بصرية وإنسانية. فقد جسّدت قيمة التضحية من خلال مشاهد التخلي عن الديار والمال، وقيمة الصبر والثبات عبر رصد ملامح المعاناة اليومية للمسلمين في مكة، وقيمة التوكل المقترن بالتخطيط، كما رأينا في تفصيلات الرحلة. وأبرزت الأعمال كذلك قيمة الأخوة المؤسِّسة للدولة الإسلامية، حيث صوّرت المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار كلبنة أولى لبناء مجتمع متكافل، يتجاوز القبيلة والدم. كما حملت مشاهد إقامة وثيقة المدينة - التي أُشير إليها في بعض الأفلام والوثائقيات - دعوة ضمنية إلى قيم التعدد والعيش المشترك والتسامح الديني. الهجرة في الوثائقيات بينما ظل الخيال الدرامي السينمائي مكبلًا بقيود فقهية وإنتاجية، فتحت الأفلام الوثائقية العربية، خصوصًا تلك التي أنتجتها قنوات كـ'الجزيرة الوثائقية'، الباب واسعًا لتناول الهجرة النبوية بحرية أكبر، عبر سرد تحليلي معزز بالخرائط والمخطوطات والآراء التاريخية. ومن أبرز الأمثلة على المعالجة الغربية للحدث، الفيلم الوثائقي الأمريكي 'الإسلام: إمبراطورية الإيمان' (2000)، الذي سعى لتقديم السيرة النبوية، بما فيها الهجرة، بلغة سردية معاصرة، تستهدف المتلقي الغربي وتضع الإسلام في سياقه الحضاري والإنساني. الهجرة النبوية ليست مجرد حدث، بل علامة فارقة في الوعي الإسلامي. ولذلك، فإن الأعمال السينمائية التي تناولتها حاولت – بدرجات متفاوتة – أن تزرع في وجدان المتلقي مجموعة من القيم من أهمها التضحية والوفاء والشراكة والتخطيط الاستراتيجي وأن بناء المجتمع يقوم على المؤاخاة والحب والتعاون. ورغم أهمية الموضوع وقيمته التربوية والدرامية، فإن السينما العربية لم تُنتج عملًا جديدًا عن الهجرة منذ عقود. لا تزال 'الرسالة' تُعرض عامًا بعد عام، وكأن الزمن توقّف عند تلك المحاولة الجبارة. لقد خسرنا فرصة توظيف أدوات العصر، من الرسوم المتحركة إلى الواقع الافتراضي، في تقديم سيرة الهجرة للأجيال الجديدة بلغة يفهمونها.


العرب القطرية
منذ 5 أيام
- العرب القطرية
يجسد قصة وطن وتاريخ شعب .. متحف قطر الوطني يحتفي بنصف قرن من الإرث والابتكار
محمد عابد بجماله الأخاذ، يقف متحف قطر الوطني أو «وردة الصحراء» شامخا في قلب الدوحة، وقد أصبح أيقونة ثقافية ومعمارية تجسد قصة وطن وتاريخ شعب. ففي هذا الشهر، يحتفل متحف قطر الوطني بمرور خمسين عامًا على افتتاحه الأول في يونيو 1975، مكرّسًا نصف قرن من الزمن لصون الهوية القطرية وتوثيق الذاكرة الوطنية. ويمثل متحف قطر الوطني درة تاج الثقافة القطرية، ويعكس تصميمه الهوية القطرية؛ إذ تتداخل فيه ملامح الأصالة والمعاصرة. وقد نشرت سعادة الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني رئيس مجلس أمناء متاحف قطر مؤخرا على صفحاتها الرسمية على منصات التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة تجمع بين افتتاح المتحف في عام 1975، وبين إعادة افتتاحه بعد التجديد في عام 2019م. «العرب» بهذه المناسبة تسلط الضوء على هذا الصرح الثقافي الوطني الذي يحتفي بمرور نصف قرن على إنشائه ليبقى شامخا وحاملا للثقافة والتراث القطري؛ فقبل خمسة عقود، وبالتحديد في يونيو عام 1975، افتُتح المتحف الوطني في مبناه الأول الذي كان قصرًا تاريخيًا للشيخ عبد الله بن جاسم آل ثاني، نجل مؤسس الدولة الحديثة. وقد شكّل هذا القصر النواة الأولى للمتحف، حيث احتضن بدايات العرض المتحفي في البلاد، وعكس اهتمام الدولة المبكر بحفظ التراث القطري في وقت كانت المنطقة تشهد تحولات اقتصادية واجتماعية كبرى. تحفة معمارية في قلب الدوحة في مارس 2019، دشن حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، النسخة المعاصرة من المتحف بعد إعادة بنائه على مدى ثمانية أعوام من العمل والإبداع. تولّى تصميمه المعماري العالمي جان نوفيل، الفائز بجائزة بريتزكر المرموقة، مستلهمًا وردة الصحراء، تلك التكوينات الكريستالية الطبيعية التي تنبت في باطن الرمال القطرية والمعروفة باسم «وردة الصحراء»، التي تظهر في المناطق الساحلية القاحلة، وتنشأ من خلال تفاعل الرياح ورذاذ البحر والرمال عبر آلاف السنين. ويتناغم طلاء السطح الخرساني للمتحف مع البيئة الصحراوية القطرية، حيث يأخذ لونًا شبيهًا بالرمال، ليبدو المبنى كأنه نبت خارج من الأرض ومتوحّد معها، كما تبدو وردة الصحراء تمامًا، وبمقاربة فنية عبقرية، تحوّل المتحف إلى منحوتة عملاقة من أقراص خرسانية منحنية ومتشابكة، يظنها الناظر من بعيد جزءًا من الطبيعة لا بناء من صنع الإنسان هذا التماهي مع البيئة منح المتحف شهادات ريادة بيئية عالمية، منها تصنيف 'ليد' الذهبي وشهادة 'جي إس إيه إس' من فئة الأربع نجوم، ليغدو أول متحف وطني في العالم يحقق هذا الإنجاز البيئي. متحف يروي قصة وطن يمتد متحف قطر الوطني اليوم على مساحة 40 ألف متر مربع، ويضم 11 صالة عرض تُشكل مجتمعة سردية تفاعلية تحاكي تطوّر قطر عبر الزمن. تبدأ الرحلة من التاريخ الجيولوجي لشبه الجزيرة، وتمر بفصول ما قبل التاريخ، والتاريخ البحري، والتحولات الاجتماعية والسياسية، لتصل إلى النهضة المعاصرة ورؤية الدولة المستقبلية. وتتميز كل صالة بشخصيتها المستقلة وبيئتها المتكاملة، إذ تروي كل واحدة فصلًا من فصول قصة قطر عبر مزيج مميز من الوسائل المختلفة تتنوع بين الموسيقى والشعر والمرويات التاريخية والروائح المثيرة للذكريات والأعمال الفنية المصمّمة خصيصًا للعرض في المتحف، إلى جانب الأفلام الفنية التي تعرض على جدران الصالات بأحجامها الهائلة، وغير ذلك من الوسائل. كما تحتوي صالات العرض على مجموعة مذهلة من المقتنيات الأثرية والتراثية، من بينها سجادة بارودة الشهيرة المصنوعة من اللؤلؤ، التي صمّمت عام 1865، والمُطرّزة بأكثر من 1.5 مليون لؤلؤة خليجية عالية الجودة ومزينة بالزمرد والماس والياقوت، إلى جانب المخطوطات والوثائق، والصور والجواهر والأزياء. كهف النور وعلى غرار تصميم المتحف المستوحى من الطبيعة، يأتي تصميم متجر الهدايا الذي استوحاه المصمم الياباني كويتشي تاكادا من دحل المسفر (كهف النور) الواقع في قلب دولة قطر، ويجسد هذا التصميم رؤية تاكادا حول العلاقة التي تربط بين الناس والطبيعة من خلال تصميم رائع للقطع الخشبية المتشابكة والمنحنية ذات اللون العسلي. ويتكون التصميم الداخلي للمتجر من 40 ألف قطعة خشبية تم تجميعها باليد مثل قطع «البازل» من قبل خبير النجارة الإيطالي كلاوديو ديفوتو وفريقه من الحرفيين. تقدم كل صالة عرض منظوراً فريداً لإحدى الحقب الزمنية التي مرت بها قطر منذ الأزل، وتربط الزوار بتجارب الشعب القطري بين البر والبحر. وتشرك جميع الحواس عبر مزيج إبداعي من المشاهد والأصوات وحتى الروائح المفعمة بالحيوية. وتعرض العديد من صالات العرض أفلاماً لمخرجين عالميين بارزين طُلبَ منهم صناعة تجارب حية وغامرة، بإنتاج من مؤسسة الدوحة للأفلام، وتُعرض هذه الأفلام بحجم كبير وجودة فائقة على جدران صالات العرض، مما يصهر مادية الجدران في جو المشاهد المتحركة بما فيها من ضوء وصوت وصورة. الذاكرة الوطنية ولا يقتصر دور المتحف على حفظ الذاكرة، بل يشكّل مركزًا تفاعليًا للتعلّم والاكتشاف، يستقبل الزوار من مختلف الأعمار، ويقدّم برامج تعليمية وورش عمل وأنشطة تتنوع بين التراث والفن والتكنولوجيا. كما يُستخدم كمنصة لعرض الفنون المعاصرة وإقامة الفعاليات الثقافية الوطنية والدولية. على غرار إبداع المتحف المعماري، يحكي متجر الهدايا قصة بصرية أخرى. فقد صمّمه الياباني كويتشي تاكادا مستلهمًا من كهف 'دحل المسفر'، فجاء فضاؤه الداخلي مكوّنًا من 40 ألف قطعة خشبية مصنوعة يدويًا، تبدو كأنها موجات متداخلة من الضوء والظل، تتناغم مع فلسفة التصميم البيئي. وفي ذكرى نصف قرن على تأسيسه، لا يبدو أن المتحف بلغ ذروته، بل يواصل رحلته بوصفه رمزًا للنهضة الثقافية القطرية، وتعبيرًا حيًّا عن روح وطن لا ينسى ماضيه، ولا يتوقف عن بناء مستقبله. وقد حاز العديد من الجوائز سواء الفنية أو المعمارية أو جوائز استدامة وغيرها مثل جائزة Wallpaper Design Awards 2019 في فئة Best Roofscape تقديراً لتصميمه الفريد المُستلهم من 'وردة الصحراء»، وجائزة Aga Khan للعمارة 1980 لمبنى المتحف القديم (القصر)، ولقب أحد 'أعظم الأماكن في العالم' وفق Time عام 2019 نظرًا لتجربته الغامرة ومن أبرز الجوائز الثقافية العالمية أوسكار المتاحف في 2020 إلى جانب جوائز الاستدامة والبيئة ومنها شهادات 'ليد' الذهبي و4 نجوم من GSAS، ليكون أول متحف وطني يحقق هذه الرُتب البيئية فضلا عن جائزة المباني الخضراء الجميلة (UK) عام 2023م، وكذلك شهادة الحياد الكربوني في نفس العام.


العرب القطرية
١٩-٠٦-٢٠٢٥
- العرب القطرية
على هامش معرض «أرت بازل» بسويسرا.. المياسة بنت حمد: قطر تمتلك بنية تحتية ثقافية قوية
بازل _ قنا أكدت سعادة الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني رئيس مجلس أمناء متاحف قطر، أن دولة قطر تمتلك بنية تحتية ثقافية قوية توفر منصة لعرض الفنون واقتناء الأعمال وتتيح فرصة للتعرف على المواهب الموجودة بالمنطقة، مشيرة إلى أن الشراكة مع «آرت بازل» يتمثل في المساهمة في بناء منظومة الثقافة والرياضة التي أرساها حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، لتكون ركيزة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية في البلاد. وقالت سعادتها خلال مشاركتها في حلقة نقاشية بعنوان «خارج الإطار التقليدي: الفن والعمارة والتصور العالمي»، على هامش مشاركة متاحف قطر في معرض «آرت بازل» بمدينة بازل السويسرية:» إننا بدولة قطر ندرك أنه حان الوقت المناسب لدعم البنية التحتية الثقافية التي استثمرنا فيها من خلال توفير منصة لعرض الفنون واقتناء الأعمال. وأضافت:» قسمنا استراتيجيتنا الممتدة على مدى خمسة وعشرين عاما إلى ثلاثة أجزاء، إذ يعكس الجزء الأول، صوتا وهوية محلية أصيلة بعد افتتاح متحف الفن الإسلامي، والمتحف العربي للفن ثم متحف قطر الوطني، فيما يدور الجزء الثاني، والذي نكمله بافتتاح متحف قطر الأولمبي والرياضي، حول التنمية الاجتماعية وكيفية تشجيع الناس على استخدام المؤسسات الفنية والثقافية كمراكز للمعرفة وليست مجرد أماكن ترفيه». وتابعت:» افتتحنا المتحف الرياضي تزامنا مع بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022، ونعمل الآن على متحف الأطفال، والذي يُسمى «ددُ» في حديقة البدع، وهي أكبر حديقة عامة في قطر، وقريبة جدا من مطافئ -مقر الفنانين الذي حالفنا الحظ في تحويله لاستوديوهات جديدة للفنانين والمبدعين من المنطقة». وأوضحت سعادة رئيس مجلس أمناء متاحف قطر، خلال الحلقة النقاشية، أن مشاركة دولة قطر بهذا المعرض جاءت لإطلاق مشاريع التواصل العالمي. وأشارت في هذا الصدد إلى مشروع «متحف لوسيل» الذي يتمحور حول فكرة «ما بعد الاستعمار وأزمة الهوية» التي تواجهها المنطقة، وكيفية معالجة الصراع باستخدام الفنون والثقافة كأداة للتعافي وجمع الناس معا، فيما يكمن المشروع الثاني بـ «متحف قطر للسيارات»، والذي أقام معرضا مؤخراً بالشراكة مع متحف السيارات الوطني في تورينو، بالإضافة إلى «متحف مطاحن الفن»، وهو عبارة عن ترميم لمبنى مطاحن الدقيق القديمة الوحيدة والتي بُنيت في الثمانينيات، لتصبح متحف الفن الحديث والمعاصر.وأردفت سعادتها :» أن متحف لوسيل هو جزيرة متكاملة، حيث يعتمد مشروع الجزيرة المتكاملة على المقتنيات التي جمعناها على مر السنين، والتي ركزت على الاستشراق، واللوحات الاستشراقية، وما يعنيه ذلك لمنطقتنا من العالم، لكون العديد من هؤلاء الرسامين جاؤوا من الغرب، ورسموا الشرق، واستوحوا أعمالهم منه».وقالت سعادتها»إن هذه هي خريطة طريقنا، مدعومة بالطبع بالمراكز الإبداعية، مثل؛ مطافئ مقر الفنانين، ومؤسسة الدوحة للأفلام، و»M 7» للأزياء والتصميم والتكنولوجيا، و»استديوهات ليوان» للتصميم»، لافتة إلى أنه يجري العمل الآن على إنشاء مدرسة مهنية لدعم الفنانين وتنمية مواهبهم بهذا المجال.وأضافت:»لدينا رؤية وطنية في دولة قطر قادتنا لتطوير الفنون والثقافة للاستثمار الحقيقي في التنمية البشرية، وهذا هو النموذج المميز الذي اتبعته قطر مقارنة بالعديد من الدول التي استثمرت في الثقافة انطلاقا من التنمية البشرية. الدب المصباح ولفتت سعادة الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني رئيس مجلس أمناء متاحف قطر، إلى أن مدينة لوسيل هي مدينة مستقبلية، وفيها يوجد ملعب لوسيل المونديالي من تصميم المعماري نورمان فوستر، وكذلك جميع مكاتب القطاع المالي، مشيرة في هذا الصدد إلى أن لوسيل مدينة مبتكرة للغاية بفضل منطقتها الحرة، ومن الأماكن القليلة التي يمكن للأجانب فيها امتلاك مقراتهم ونقلها إليها. وأشارت سعادتها إلى أن متحف لوسيل يضم مركزا فكريا، بالشراكة مع مؤسسات ثقافية متعددة، مثل؛ متحف أورسيه في باريس، ومع جامعات أخرى، مثل؛ جامعة براون، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وجامعة جورج تاون في قطر، ومعهد الدوحة للدراسات العليا، وجامعة قطر. وقالت سعادة الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني: « حين رأيتُ منحوتة «الدب المصباح»، الموجودة حالياً في مطار حمد الدولي، للفنان أورس فيشر في نيويورك في مزاد كريستيز، كان لدى والدي صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، رؤية لإدخال الفن إلى المطار، الذي كان قيد الإنشاء آنذاك، ولأننا كنا نُحوّل بلدنا إلى مركز ثقافي للتنمية البشرية، أراد سموه أن يُرحّب بالعالم بهذه البادرة». وأضافت سعادتها:» كان من الصعب إدخال منحوتة «الدب المصباح' إلى مبنى المطار مع وزنها الثقيل، وبعد فتح المطار أمام المسافرين، وجدنا الجميع يمرّون بجانب الدب ويلتقطون الصور معه». وأشارت سعادتها إلى أن سويسرا دائماً ما ينظر إليها كمعيار في التعليم عالي الجودة وأسلوب الحياة الراقية، لافتة إلى أن ذلك يتفق مع رؤية قطر الوطنية 2030، التي تستثمر في التنمية البشرية بجودة حياة تدعو الجميع للاندماج في المجتمع.ونوهت سعادتها بأنه سيكون هناك العديد من الفعاليات الثقافية المشتركة مستقبلاً، معربة عن شكرها لفريق «آرت بازل» وشركائهم المتحمسين للغاية لفعاليتنا التي ستقام في فبراير المقبل، والشركاء القطريين، وهم؛ شركة قطر للاستثمار الرياضي، وشركة كيو سي بلس.