
شبير أحمد شاه "مانديلا كشمير"
المولد والنشأة
وُلد شبير شاه يوم 14 يونيو/حزيران 1953، في بلدة كاديبورا بمنطقة أنانتناغ في الشطر الهندي من إقليم جامو وكشمير، ونشأ في بيئة ذات خلفية إسلامية قومية.
كان لوالده غلام محمد شاه فارير، دور مهم في صقل وعيه المبكر، وقد تركت حادثة وفاة والده أثناء احتجازه الأمني عام 1989 أثرا عميقا في شخصيته وأسهمت في تعزيز قناعاته السياسية.
تأثر شبير شاه أيضا بموجات التحرر والاستقلال التي اجتاحت المنطقة في ستينيات وسبعينيات القرن الـ20، وانجذب إلى قضايا الحرية والعدالة، فبدأ نشاطه السياسي وهو لا يزال في سن المراهقة.
الدراسة والتكوين
أكمل شبير شاه تعليمه الابتدائي في مدرسة سارنال، ثم واصل دراسته في المعهد النموذجي للتعليم بمدينة أنانتناغ، إلا أن انخراطه المبكر في النشاط السياسي حال دون إتمامه مسيرته التعليمية، إذ دفعه حماسه الوطني للمشاركة في أول تظاهرة وهو لم يتجاوز الـ14 من عمره، الأمر الذي أدى إلى اعتقاله للمرة الأولى عام 1968. وشكل هذا الحدث منعطفا حاسما في حياته، ووضعه على طريق طويل من المقاومة استمر أكثر من 50 عاما.
عقب الإفراج عنه، لم تتراجع عزيمته، بل عاد إلى الساحة السياسية بقوة أكبر. وفي أوائل سبعينيات القرن الـ20، بدأ بتكوين مجموعات شبابية سياسية، أبرزها "رابطة الشباب"، التي سرعان ما تطوّرت إلى "رابطة الشعب" عام 1974. وقد تركزت جهود هذه المنظمة على تثقيف الشباب الكشميري حول حقهم في تقرير المصير، وضرورة النضال السلمي لتحقيق هذا الهدف.
جذور القضية التي يناضل من أجلها شبير شاه
تعتبر قضية كشمير واحدة من أكثر النزاعات تعقيدا واستمرارا في العالم الحديث، إذ تتشابك فيها العوامل الدينية والسياسية والإستراتيجية، وهي بؤرة توتر دائم بين الهند وباكستان منذ تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947، وهي قضية لم تبدأ بحرب أو صراع مسلّح، بل بقرار سياسي فرضته الظروف الاستعمارية، ورفضته شعوب المنطقة.
تفجرت القضية حينما تُركت ولاية جامو وكشمير-ذات الأغلبية المسلمة- أمام خيار الانضمام إلى الهند أو باكستان. ومع غياب استفتاء شعبي، انضمت الولاية إلى الهند بموجب "وثيقة الانضمام"، مما أدى إلى اندلاع الصراع.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 1947 دخلت الهند وباكستان أول حرب بينهما بشأن كشمير، استمرت حتى عام 1948، وانتهت بتقسيم كشمير فعليا إلى قسمين:
القسم الأكبر بقي تحت سيطرة الهند (جامو وكشمير).
القسم الآخر أصبح تحت سيطرة باكستان (آزاد كشمير وجيليت-بلتستان).
وقف إطلاق النار الأول عام 1948، أُحيل النزاع إلى مجلس الأمن الدولي، وصدر القرار رقم 47، الذي دعا إلى إجراء استفتاء حر ونزيه بإشراف دولي، يتيح للشعب الكشميري تحديد مصيره بين الانضمام إلى الهند أو باكستان، غير أن هذا الاستفتاء لم يُنفّذ، وأصرّت الهند على أن الانضمام أصبح نهائيا، بينما أكدت باكستان أن الاستفتاء هو الحل الوحيد العادل.
وفي أغسطس/آب 2019، ألغت الحكومة الهندية بقيادة حزب بهاراتيا جاناتا المادة 370 من الدستور الهندي، والتي كانت تمنح الشطر الهندي من كشمير حكما ذاتيا محدودا، ورافق القرار فرض حظر تجوال طويل الأمد، وقطع للإنترنت واعتقالات جماعية، بينها اعتقال قادة الحراك السلمي.
وقد رفض شبير شاه -وغيره من أبناء كشمير- هذا الوضع، واعتبر أن انضمام الولاية إلى الهند تم بشكل غير شرعي ودون إرادة شعبها، مما جعله يكرّس حياته للدفاع عن حق تقرير المصير للكشميريين، استنادا إلى قرارات الأمم المتحدة التي تدعو إلى استفتاء حر وعادل.
المسيرة السياسية
تُعدّ سنة 1975 علامة فارقة في تاريخ شبير شاه السياسي، إذ شهدت تلك الفترة توقيع اتفاقية (إنديرا-عبدالله) بين رئيسة الوزراء الهندية إنديرا غاندي والزعيم الكشميري المؤيد للهند شيخ عبدالله، وهو الاتفاق الذي اعتبره كثير من الكشميريين خيانة للقضية الكشميرية.
وأعلن شبير شاه ورفاقه معارضتهم العلنية للاتفاق، مما دفع السلطات إلى شن حملة اعتقالات طالت قادة الحركات الشبابية، وكان شاه في مقدمتهم.
وفي عام 1980، أعلن شبير شاه تأسيس ما عُرف لاحقا بـ"الحركة الكشميرية من أجل الحرية"، التي نادت بحل سياسي لقضية كشمير، يرتكز على مبدأ حق تقرير المصير وفقا لقرارات الأمم المتحدة، وأثار هذا الموقف غضب السلطات الهندية، مما أدى إلى سلسلة من الاعتقالات والمضايقات.
أسّس شبير شاه حركات وأحزابًا سياسية عدة، أبرزها "الحزب الديمقراطي الحر" -أحد المكونات الرئيسية لتحالف "تحرير كشمير"- وهو ائتلاف يضم أطرافا متعددة تطالب باستقلال كشمير عن الهند. وعبر هذا الحزب، دعا شاه إلى النضال السلمي والسياسي، ورفض علنا كل أشكال العنف، مؤكدا أن الحل الوحيد هو في الحوار الدولي الشفاف.
وتحالف شاه في فترات مختلفة من مسيرته السياسية مع القيادات الكشميرية البارزة من بينهم سيد علي شاه جيلاني وياسين ملك ومير واعظ عمر فاروق، وشكلوا سويا ما يُعرف بـ"تحالف الحرية لعموم أحزاب كشمير"، وهو ائتلاف سياسي طالب بحق تقرير المصير، وحاز دعم قطاعات واسعة من الكشميريين، خاصة في الجنوب والوسط، كما حصل على تأييد بعض الحركات الباكستانية المؤيدة لـ"كشمير الحرة".
وفي عام 1998، وبعد فترات قصيرة من الإفراج المتكرر، أسّس شبير شاه حزبا سياسيا جديدا باسم "الحزب الديمقراطي من أجل الحرية في جامو وكشمير"، وركز الحزب على المسار المدني والسلمي في النضال ورفض العنف، كما دعا إلى حوار ثلاثي يضم الهند وباكستان وممثلي الشعب الكشميري بوصفهم أطرافا متساوية في طاولة المفاوضات.
سعى الحزب إلى تثقيف المجتمع المدني في كشمير، وركز على مقاومة الاحتلال عبر وسائل ديمقراطية منها التظاهرات والمؤتمرات والبيانات السياسية. وانضم الحزب لاحقا إلى تحالف "مؤتمر الحرية لجميع الأحزاب"، الذي ضمّ طيفا واسعا من التنظيمات المؤيدة للاستقلال أو الانفصال عن الهند.
الأحزاب والحركات المنافسة لشبير شاه
وعلى الرغم من دوره الريادي، لم يسلم شاه من المعارضة السياسية داخل كشمير، فالأحزاب الموالية للهند مثل "المؤتمر الوطني الكشميري" و"حزب الشعب الديمقراطي" اعتبرته شخصية متشددة تعيق التنمية والسلام.
وفي المقابل، كانت هناك جماعات مسلّحة رفضت دعوته للنضال السلمي، من ضمنها "جيش محمد" و"حزب المجاهدين"، التي رأت في مواقفه ضعفا وتراخيا، وهو ما خلق فجوة بين التيارات السلمية والتيارات المسلحة في الساحة الكشميرية.
علاوةً على ذلك، دخل شاه في خلافات مع بعض قيادات "تحالف الحرية"، خاصة بعد ظهور انقسامات أيديولوجية بين من يدعون لانضمام كشمير إلى باكستان ومن يدعون إلى استقلال كامل للإقليم. وفي أكثر من مناسبة، دعا شاه إلى حوار داخلي بين الكشميريين أنفسهم بهدف حسم التوجه الإستراتيجي للحراك.
تدهور حالته الصحية
تدهورت الحالة الصحية لشاه بشكل كبير في سنوات اعتقاله الطويلة، وعانى من أمراض مزمنة عدة، أبرزها السكري وارتفاع ضغط الدم واضطرابات في القلب.
وقد ناشدت عائلته أكثر من مرة ومنظمات حقوق الإنسان السلطات الهندية لتوفير الرعاية الصحية اللازمة له، خاصة وأنه قضى فترات طويلة في الحبس الانفرادي في ظروف لا تليق بالمعايير الإنسانية.
وأشارت تقارير طبية إلى تدهور صحته الجسدية والنفسية، وهو ما أثار القلق حول مصيره داخل السجن، وخصوصا بعد تأكيد جهات طبية إصابتَه بسرطان البروستاتا.
وفي يوليو/تموز 2017، اعتُقل شبير شاه مجددا من الوكالة الوطنية للتحقيقات، بتهم تتعلق بتمويل الإرهاب وغسيل الأموال. ونُقل إلى سجن تِهار في العاصمة نيودلهي، وتعرض في تلك الفترة لتدهور صحي كبير بسبب الأمراض المزمنة التي أصابته، وسط تقارير أفادت بعدم تلقيه الرعاية الطبية اللازمة.
ورغم هذه الظروف، لم يُفرج عنه حتى مع تفشي جائحة كورونا أو عند اكتشاف مؤشرات إصابته بأمراض مزمنة، مما دفع عددا من المنظمات الحقوقية وقادة كشميريين إلى المطالبة بالإفراج الفوري عنه لأسباب إنسانية، ومن أبرز من تبنّى هذه المطالبات القيادي فاروق عبد الله، والزعيمة الكشميرية السابقة محبوبة مفتي.
سنوات السجن.. النضال من وراء القضبان
أمضى شبير شاه أكثر من 33 عاما في السجون الهندية، معظمها دون محاكمة رسمية (أشارت بعض المصادر إلى أن مجموع فترات سجنه تصل إلى 38 عاما)، وهي مدة جعلته أحد أكثر السجناء السياسيين بقاء في السجن في القارة الآسيوية.
ومنذ ذلك الحين، لم تمر عليه فترة طويلة خارج السجن، إذ تعرض للاعتقال مرارا بموجب قوانين هندية صارمة منها "قانون الأمن العام" و"قانون مكافحة الإرهاب".
ومنذ أول اعتقال له عام 1968، وحتى آخر اعتقال جرى في 2017، تنقل شبير شاه بين سجون متعددة من ضمنها سجن كوثبال، وسجن تِهار المركزي في دلهي، وسجن سريناغار المركزي.
ووفق تقرير لمنظمة "العدل للجميع- كندا"، وُثّق أن شبير شاه قد تعرّض للاعتقال أكثر من 30 مرة، وأن السلطات كانت تلجأ إلى قوانين استثنائية من ضمنها قانون السلامة العامة، وقانون النشاطات غير القانونية، لإبقائه في السجن فترات مفتوحة دون محاكمة.
وأثناء فترات اعتقاله، تعرض شاه لانتهاكات متعددة، من بينها العزل الانفرادي والحرمان من الرعاية الصحية ورفض زيارات العائلة والمحامين. ومع ذلك، ظلّ ثابتا في مواقفه، رافضا أي تسوية سياسية لا تعترف بحق الكشميريين في اختيار مصيرهم.
مواقف الدول والهيئات والمنظمات الحقوقية من قضية شبير شاه
أثارت قضية شبير شاه اهتماما واسعا لدى منظمات حقوق الإنسان الدولية، وطالبت منظمة العفو الدولية ومنظمة " هيومن رايتس ووتش" مرارا بالإفراج عنه، معتبرة أن اعتقاله يأتي ضمن سياسة ممنهجة لقمع الصوت الكشميري الحر.
وفي تقاريرها، أشارت هذه المنظمات إلى الانتهاكات التي يتعرض لها شاه وغيره من النشطاء، ومنها الاعتقال التعسفي والحبس الانفرادي والحرمان من العلاج.
أما على الصعيد الدولي، فقد أعربت باكستان في أكثر من مناسبة عن دعمها الكامل لشبير شاه، وخصصت الحكومة الباكستانية بعض المؤتمرات لتسليط الضوء على معاناته، وأعربت بعض الدول الإسلامية من ضمنها تركيا وماليزيا عن تضامنها الإنساني، فيما التزمت الأمم المتحدة الصمت النسبي رغم إدراج قضية كشمير ضمن جدول أعمالها.
والتزمت كثير من الدول الغربية والولايات المتحدة الصمت تجاه قضية شاه، حفاظا على مصالحها مع الهند التي تعتبر شاه شخصية محرّضة على الانفصال، وتدّعي أن نشاطاته تهدد السلم الأهلي والنظام العام. وعلى هذا الأساس، بقي محتجزا دون محاكمة عادلة في كثير من الأحيان، وهو ما أدى إلى تزايد الانتقادات الدولية.
من جهتها، أطلقت عائلة شبير شاه حملات إعلامية عدة للتذكير بقضيته، وأشارت فيها إلى الظروف غير الإنسانية التي يتم اعتقال رب الأسرة فيها، وحرمانه من أبسط حقوقه في العلاج وتأمين ظروف سجن تليق برمزيّته القومية والوطنية، وتوفر له أبسط حاجاته الإنسانية من الغذاء والدواء والتواصل والزيارات.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 26 دقائق
- الجزيرة
ماذا سيحدث في الشيشان لو غاب رجلها الأقوى؟
تواجه الشيشان اليوم اختبارًا غير مسبوق في تاريخها الحديث، إذ يتدهور الوضع الصحي للرئيس رمضان قديروف، بينما تتجه الأنظار نحو مستقبل الجمهورية القوقازية التي تحولت خلال العقدين الماضيين إلى نموذج سياسي فريد داخل الاتحاد الروسي، قائم على الولاء الشخصي وقوة القبضة الأمنية. لكن السؤال الذي يفرض نفسه: ما الذي ينتظر الشيشان إذا غاب رجلها الأقوى فجأة عن المشهد؟ لم يأتِ صعود رمضان قديروف إلى سدة الحكم في الشيشان مصادفة، بل كان امتدادًا لمرحلة محورية من الجدل السياسي والشخصي في تاريخ عائلته، بدأت مع والده أحمد قديروف. فقد كان الأب أحد أبرز قادة المقاومة الشيشانية خلال التسعينيات، ثم غيّر موقفه في ظل تعقيدات المشهد لينتقل إلى التعاون مع موسكو تحت شعار "الاستقرار مقابل الولاء". هذا التحول الحاد أثار جدلًا واسعًا بين الشيشانيين وخصومه السياسيين، إذ اعتبره كثيرون خيانة لتطلعات الاستقلال، في حين رأى آخرون أنه كان محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الدمار والفوضى. وقد أدى هذا الجدل، وتزايد الاستقطاب الداخلي، إلى اغتيال أحمد قديروف في انفجار استهدفه داخل ملعب دينامو في غروزني في 2004 أثناء الاحتفال بيوم النصر، في حادثة هزت الأوساط الشيشانية والروسية معًا، وفتحت الباب أمام تصعيد ابنه رمضان إلى الواجهة. في تلك الفترة، لم يكن رمضان بعيدًا عن مركز الأحداث؛ إذ كان قائدًا لمليشيات والده، وشارك بقوة في التحولات الميدانية، لكنه سرعان ما أعاد تموضعه مع تقارب عائلته من موسكو، لينتقل لاحقًا إلى الحكم المباشر عام 2007 بدعم الرئيس فلاديمير بوتين، معتمدًا على معادلة الولاء الشخصي كضمانة للاستقرار في منطقة القوقاز المضطربة. خلال سنوات حكمه، أرسى قديروف الابن نظامًا أمنيًا شديد المركزية، معتمدًا على أجهزة أمنية وقوات خاصة شديدة الولاء للعائلة، وأدار شبكة علاقات معقدة في الداخل ومع الشتات الشيشاني بالخارج، وبنى صورة الدولة الحديثة عبر مشاريع الإعمار ومظاهر الرفاه النسبي مقارنة بسنوات الحرب. اليوم، ومع تدهور صحة قديروف، عاد النقاش حول سيناريوهات الخلافة بقوة إلى الواجهة. فابنه آدم، الذي لم يبلغ بعد سن الرئاسة القانونية وفق الدستور الروسي (ثلاثين عامًا)، جرى تصعيده مؤخرًا إلى مواقع سيادية وأمنية بارزة، في ظل إشراف مباشر من الكرملين. وفي الوقت نفسه، برزت أسماء قوية أخرى مثل آدم دليمخانوف، وأبتي علاء الدينوف قائد قوات "أخمت" (أحمد) الخاصة، وماغوميد داودوف رئيس الوزراء، وجميعهم محسوبون على الدائرة الضيقة التي تفضل موسكو استمرارها كضامن للاستقرار. ما يعزز مخاوف الفراغ أن النخبة الحاكمة الشيشانية ظلت لعقدين تدور في فلك أسرة قديروف، دون تطوير مؤسسات حكم ديمقراطية أو تداول حقيقي للسلطة. وقد وزعت المناصب العليا بين الأقارب والموالين، في وقت عانى فيه المجتمع من رقابة أمنية مكثفة، وقيود اجتماعية ودينية، وتكررت التقارير الدولية حول الانتهاكات الحقوقية والاعتقالات التعسفية وملاحقة المعارضين حتى خارج البلاد. ورغم ذلك، لا يمكن تجاهل التحسن النسبي في الوضع المعيشي وبنية الإعمار، بالاستفادة من تدفقات مالية ضخمة من موسكو تمثل أكثر من 80% من الميزانية الشيشانية، وهو ما جعل قطاعات واسعة تفضل استمرارية الاستقرار الحالي على العودة إلى أجواء الحرب والصراع المسلح. ومن التطورات اللافتة في السنوات الأخيرة مشاركة قوات الشيشان بقيادة قديروف وقوات "أخمت" إلى جانب الجيش الروسي في الحرب الأوكرانية. هذا الدور منح قديروف موقعًا متقدمًا في منظومة الولاء للكرملين، لكنه في الوقت نفسه ولّد استياءً في بعض الأوساط الشيشانية، خصوصًا مع تزايد أعداد القتلى في صفوف الجنود المحليين، واحتدام الجدل حول جدوى المشاركة في صراعات لا تمس الشيشان مباشرة. نجح قديروف في تحويل الدين إلى عنصر أساسي في شرعية الحكم؛ إذ عمل على إحياء الهوية الإسلامية للشيشان، وشيد مسجد غروزني الكبير، واستقبل رموزًا دينية مثل شيخ الأزهر، في رسالة واضحة لإبراز البعد الديني لنظامه أمام موسكو والعالم الإسلامي. وقد ساهم هذا التوجه في دمج الشيشان في المنظومة الدينية الروسية الأوسع، وأعطى للنظام بُعدًا رمزيًا يُستثمر في تعزيز علاقة الكرملين بالمجتمع المسلم الذي تزداد نسبته في روسيا عامًا بعد عام. يقف ملف حقوق الإنسان في الشيشان في قلب الجدل الدولي، مع تكرار الاتهامات بانتهاكات جسيمة، وعمليات إخفاء قسري واعتقال للمعارضين، بالإضافة إلى تقارير عن ملاحقة خصوم النظام في الشتات، وخصوصًا في تركيا وأوروبا. وقد أدى ذلك إلى ضغوط غربية متزايدة على موسكو، مع تهديد بفرض عقوبات إضافية في حال تدهورت الأوضاع بعد غياب قديروف. ويحمل الشتات الشيشاني، خاصة في تركيا وأوروبا، دورًا سياسيًا وإعلاميًا متزايدًا، ويعد نافذة لتصعيد الخطاب المعارض أو حتى لإعادة إنتاج مشاريع المقاومة المسلحة إذا ما تزعزع الاستقرار الداخلي. في المقابل، تتابع أوروبا بقلق إمكانية تكرار موجات هجرة واسعة إذا انفجر الوضع الأمني في الشيشان، خصوصًا مع هشاشة منظومة الحكم وغياب مؤسسات تداول السلطة. وهكذا، يظل المجتمع الشيشاني معلقًا بين أمل التغيير ومخاوف الفوضى، حيث تختصر الشيشان اليوم معضلة الاستقرار في منطقة القوقاز: دولة صغيرة، مجتمع جريح، سلطة متمركزة حول أسرة واحدة، وولاء متبادل بين زعيم محلي ورئيس دولة عظمى. لذا، يبقى مصير الشيشان بعد قديروف معلقًا بين أمل التغيير ومخاطر الفوضى، وسط ترقب حذر محلي وإقليمي ودولي لما ستسفر عنه الأيام القادمة. إن طبيعة الإرث السياسي المعقد الذي تركه أحمد قديروف، واستمرار الجدل حول شرعية خيارات ابنه رمضان، ومسار السلطة من بعده، ستظل عنصرًا حاسمًا في رسم مستقبل الشيشان للسنوات المقبلة.


الجزيرة
منذ 6 ساعات
- الجزيرة
خبير عسكري: ما يحدث في سوريا تنفيذ ميداني لمشروع الشرق الأوسط الجديد
حذر الأكاديمي والخبير الإستراتيجي الدكتور أحمد الشريفي من أن سوريا في خطر الآن، وهي تسير باتجاه الفدرالية والتقسيم، لافتا إلى أن مبدأ كسر الحدود في السويداء جنوبي سوريا يهدف إلى وضع اليد على الجغرافيا. وقال -في تحليل للمشهد السوري- إن الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا تأتي في إطار التنفيذ الميداني لما يطلق عليه مشروع الشرق الأوسط الجديد، بدليل أن الاحتلال يزعم حماية الدروز في السويداء، لكنه يقوم بقصف العاصمة دمشق. وأضاف الشريفي أن الغرض من الاعتداءات الإسرائيلية هو إضعاف المؤسسة العسكرية السورية، وتوجيه رسالة إلى تركيا التي قال إنها تسعى إلى إعادة هيبة الجيش السوري. ونفذت إسرائيل اليوم الأربعاء غارات عنيفة على دمشق استهدفت مقري وزارة الدفاع وهيئة الأركان ومحيط القصر الرئاسي، وقررت نقل قوات إلى الجولان السوري المحتل ، وذلك بذريعة حماية الدروز من الهجمات في جنوب سوريا. كما شهدت الحدود السورية الإسرائيلية، اليوم الأربعاء، توترا أمنيا متصاعدا، حيث أكد الجيش الإسرائيلي عبور عدد من المواطنين الإسرائيليين السياج الحدودي في منطقة مجدل شمس إلى داخل سوريا، مضيفا أن قواته تحاول إعادتهم "بسلام". وربط الشريفي ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي في سوريا بجذور المشاريع التي أعدت للتنظير لمنطقة الشرق الأوسط منذ عقود من الزمن. وأوضح أن ما ينفذ اليوم هو تحويل نظرية بن غوريون (أول رئيس وزراء إسرائيلي) التي يطلق عليها نظرية "شد الأطراف" إلى واقع تطبيقي، وتقوم على أساس تفعيل دور الأقليات لا سيما المضطهدة في تشكيل دويلات قومية صغيرة أو كانتونات وعلى أساسها تتشكل المنطقة من وحدات إدارية أقرب منها إلى الدولة وحينها ستكون إسرائيل صاحبة اليد الطولى إقليميا ودوليا. وتقول نظرية بن غوريون إن المجتمعات والدول لا يمكن تقسيمها إلاّ بتحريك الأقليات الفرعية. تصدع وغياب وحدة الموقف ويذكر الخبير العسكري والإستراتيجي أنه منذ حرب الخليج الأولى يتم الترويج لما يطلق الأبعاد الطائفية والعرقية والإثنية، وذلك تمهيدا لانفجار الشرق الأوسط وتشظيه إلى دويلات صغيرة. وفي الخطط الإسرائيلية، فإن القنيطرة و درعا والسويداء هي العمق الإستراتيجي الضامن لحصانة الجبهة الداخلية الإسرائيلية، أما العمق الإستراتيجي الضامن للأمن القومي الإسرائيلي فيتمدد حتى يصل مشارف الفلوجة في العراق. وعن المطلوب إقليميا للتصدي للمشاريع الإسرائيلية، أشار الأكاديمي والخبير الإستراتيجي إلى أن المنطقة تعاني من غياب وحدة الموقف وغياب تحصين للمنظومة القيمية، بالإضافة إلى التصدع الذي أصاب بعض الدول. وتحدث الشريفي في السياق ذاته عما سماها الترويكا الإقليمية وهي: تركيا وقطر وإيران، وقال إن الأكثر وعيا في إدارة الأزمة كانت قطر، حيث عملت على تقريب وجهات النظر وما زالت تذهب في هذا الاتجاه في مسألة قطاع غزة ، ولكن صوتا واحدا لا يجد صدى. وأشار إلى أن الخلل في تقييم وتقدير الموقف أدى إلى التراجع الإقليمي الذي تشهده المنطقة حاليا، ولو كانت القراءة أكثر عمقا لكان الاشتباك في المنطقة سياسيا وليس تعبويا على مستوى الميدان.


الجزيرة
منذ 8 ساعات
- الجزيرة
تركيا.. حكم بالسجن 20 شهرا لأكرم إمام أوغلو بتهمة إهانة المدعي العام لإسطنبول
قضت محكمة في تركيا بالسجن 20 شهرا على عمدة إسطنبول المعزول أكرم إمام أوغلو وذلك بتهمة إهانة وتهديد مسؤول حكومي. وبعد جلسة عُقدت اليوم الأربعاء في محكمة سيلفيري بالضواحي الغربية لإسطنبول، قررت المحكمة سجنه لمدة عام و5 أشهر و15 يوما بتهمة إهانة المدعي العام لإسطنبول، إضافة إلى شهرين و15 يوما بتهمة توجيه تهديدات للمدعي العام للمدينة. في الوقت نفسه، برأت المحكمة إمام أوغلو من تهمة منفصلة باستهداف أحد ممثلي الادعاء. ويقبع أوغلو في السجن منذ مارس/آذار الماضي انتظارا للمحاكمة في سلسلة من تهم الفساد، علما بأن الحكم الصادر اليوم غير نهائي ويمكن الاستئناف عليه. وشهدت الأشهر الماضية سلسلة احتجاجات من أنصار المعارضة الذين كانوا يعتبرون إمام أوغلو منافسا حقيقيا للرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وحسب وكالة رويترز، فقد ألقت الشرطة القبض على أكثر من 500 شخص منذ أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، وسُجن لاحقا أكثر من 200 منهم انتظارا للمحاكمة في إطار تحقيقات حول أنشطة البلديات التي يديرها حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي والذي ينتمي إليه إمام أوغلو. وينفي حزب الشعب الجمهوري اتهامات الفساد، ويصفها بأنها محاولة مسيسة من جانب الحكومة للقضاء على التهديدات الانتخابية لأردوغان، وهو اتهام ترفضه الحكومة. صعود فهبوط وسبق أن انتُخب إمام أوغلو رئيسا لبلدية إسطنبول كبرى مدن تركيا، في 2019 وأعيد انتخابه في 2024، علما بأن التهم الموجهة إليه قد تتسبب في منعه من خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة. جدير بالذكر أن هذه هي المرة الثانية التي يدان فيها إمام أوغلو بإهانة مسؤولين حكوميين. ففي 2022، حُكم عليه بالسجن لمدة عامين و6 أشهر لانتقاده مسؤولي لجنة الانتخابات على خلفية قرار بإلغاء انتخابات إسطنبول لعام 2019 والتي فاز فيها على مرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم. واستأنف على ذلك الحكم لكن لم يتم إعادة النظر فيه بعد. وإذا تم تأييد إدانة عام 2022، فقد يُمنع إمام أوغلو من المشاركة في الانتخابات مستقبلا. علما بأن جامعة إسطنبول قررت في مارس/آذار الماضي إلغاء شهادة إمام أوغلو الجامعية والتي لا يمكنه الترشح للرئاسة من دونها.