logo
رفع الأجور في لبنان إنقاذ أم مجازفة؟

رفع الأجور في لبنان إنقاذ أم مجازفة؟

الجزيرةمنذ يوم واحد
بيروت – في خضم أزمة اقتصادية حادة، أقرّ مجلس الوزراء اللبناني رفع الحد الأدنى الرسمي للأجور في القطاع الخاص إلى 28 مليون ليرة (312 دولارا) شهريا، بدءا من الشهر المقبل، في خطوة تعكس اتساع الهوّة بين المداخيل المتآكلة وتكاليف المعيشة المتصاعدة، وتعيد إلى الأذهان جدلًا واسعًا حول قدرة الدولة على تحمل أعباء إضافية دون خطة إصلاحية شاملة.
وترافق القرار مع موافقة الحكومة على مشروع قانون معجّل لتعديل قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، في محاولة لإنعاش قطاعات حيوية كالكهرباء والمياه والاتصالات، عبر جذب استثمارات خاصة طالما وُوجهت بعقبات تشريعية وهيكلية.
بَيد أن خبراء اقتصاديين -تحدثوا للجزيرة نت- يحذّرون من مغبّة تكرار سيناريو "سلسلة الرتب والرواتب" التي سبقت الانهيار المالي عام 2019، مشيرين إلى غياب مصادر تمويل واضحة، وتراجع الإيرادات العامة إلى مستويات قياسية، مقابل إنفاق جارٍ يتضخم بلا غطاء مالي كافٍ.
وفي ظل اعتماد لبنان بشكل متزايد على الإيرادات السياحية وتحويلات المغتربين كأبرز روافد الاقتصاد، تبدو الحكومة اللبنانية معلّقة بين رهان على موسم سياحي واعد، ومخاوف من انتكاسة بسبب التوترات الإقليمية وتباطؤ الإصلاحات.
يقول الخبير الاقتصادي أنيس أبو دياب، للجزيرة نت، إن مشروع القانون الذي أقرّ في الجلسة الأخيرة يخص فقط العاملين في القطاع الخاص، ولا علاقة له بالقطاع العام.
ويضيف أن القرار يعود إلى أبريل/نيسان الماضي، عندما أقرّه وزير العمل في لجنة المؤشر، رغم اعتراض الاتحاد العمالي العام، وبموافقة الهيئات الاقتصادية، وهو لا يحتاج إلى تمويل من الخزينة العامة، لأنه لا يطال موظفي الدولة.
أما بشأن مشروع القانون المعجّل لتعديل قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، فيشير أبو دياب إلى أن لبنان جهز هذا القانون عام 2017، لكن أثناء إعداد المراسيم التطبيقية ظهرت حاجة إلى تعديلات تشريعية، مما دفع الحكومة إلى تقديم مشروع قانون معجّل لتفعيل الشراكة، بهدف تمويل القطاعات الإنتاجية في القطاع العام من خلال الاستثمارات الخاصة، في مجالات حيوية كالكهرباء والمياه والاتصالات.
وفي ما يتعلّق بالقطاع السياحي، يؤكد أبو دياب أن السياحة، إلى جانب تحويلات المغتربين، شكّلت منذ عام 2022 العمود الفقري للاقتصاد اللبناني، ويقول "كان لبنان ينتظر موسما سياحيا واعدا هذا الصيف، خاصة بعد رفع معظم دول الخليج حظر السفر، حيث بدأنا نلاحظ توافد السائحين من الإمارات وقطر والكويت، وبعضهم عاد لترميم منازله الجبلية."
لكن الحرب التي اندلعت لـ12يومًا بين إسرائيل وإيران، انعكست سلبًا على هذا الموسم، ويضيف "كنا نتوقع أن تصل الإيرادات السياحية إلى ما بين 5 و6 مليارات دولار هذا العام، أي نحو 25% من الناتج المحلي الإجمالي، لكن ذلك يبقى مرهونًا بالاستقرار الأمني، واستمرار الهدنة، وتنفيذ الإصلاحات وتطبيق القرار 1701."
ويختم أبو دياب بالإشارة إلى أن لجنة المؤشر ستعود للاجتماع في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول المقبلين، لتقييم الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص، وإمكانية رفعه مجددًا إذا تحسّنت الدورة الاقتصادية.
قرارات ارتجالية
من جانبه، يرى الباحث الاقتصادي والسياسي الدكتور نبيل سرور، للجزيرة نت، أن جوهر النقاش حول رفع الحد الأدنى للأجور في لبنان يكمن في غياب مصادر التمويل الواضحة، مشددًا على أن إقرار الزيادة في مجلس الوزراء، والتي تقارب 300 دولار، يظل منقوصا ما لم يُرفق بخطة مالية تضمن استدامتها.
ويحذر سرور من أن الخزينة اللبنانية تمر بمرحلة دقيقة تتسم بعجز مزمن وتراجع حاد في الإيرادات، مما يستدعي، برأيه، تفعيل منظومة الجباية وتحسين التحصيلات الجمركية والضريبية، كشرط أساسي لتأمين أي زيادات في الرواتب.
ويضيف "لا توجد حتى الآن دراسات علمية أو موضوعية تسبق اتخاذ قرارات مالية بهذا الحجم، لا نرى تقييما حقيقيًا لواقع الاقتصاد اللبناني أو لمالية الدولة، في ظل تراجع الإيرادات العامة إلى ما بين 35 و40% فقط من مستوياتها السابقة".
ويستحضر سرور تجربة "سلسلة الرتب والرواتب"، التي أُقرّت في الأعوام الماضية، معتبرًا إياها نموذجًا على "القرارات الارتجالية" التي اتُخذت دون رؤية مالية متكاملة، وقد كلفت الدولة أعباء باهظة، على حد قوله.
أجور متآكلة
في المقابل، يرى الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان، في حديثه للجزيرة نت، أن قرار رفع الأجور يعكس حجم التآكل في القدرة الشرائية نتيجة التضخم والانهيار المالي المتواصل في لبنان منذ سنوات، لكنه يعتبره "قرارًا متأخرًا، وإن كان من الأفضل أن يأتي متأخرًا من ألا يأتي إطلاقًا"، مشددًا على ضرورته لتقليص الفجوة بين مداخيل الموظفين وتكاليف المعيشة المتصاعدة.
لكن أبو سليمان يحذر من أن التحدي الأكبر يكمن في كون هذه الزيادة تندرج ضمن الإنفاق الجاري، ما يجعلها عبئا تراكميا على الموازنة العامة، في ظل غياب مصادر إيرادات جديدة، واقتصار المداخيل على الضرائب والرسوم التي لم تُواكب بعد حجم الإنفاق.
ويضيف "الخطر يكمن في أن تتحول هذه الزيادة إلى عامل تضخمي إضافي، في حال لم تقابلها إيرادات فعلية، وهو ما قد ينعكس سلبا على الليرة اللبنانية ويزيد الضغط على الاقتصاد المنهك أصلا".
ويؤكد أبو سليمان أن هذه الزيادة لم تُرفق حتى الساعة بأي خطة إصلاح مالي واضحة، كما لا توجد مؤشرات ملموسة على تحسين الجباية أو مكافحة التهرب الضريبي أو ضبط الإنفاق العام، ولا حتى على إعادة هيكلة القطاع العام، مشيرا إلى أن الدولة لا تزال تعتمد بشكل أساسي على إيرادات ضريبية هشة وغير قابلة للتوسع.
ويعتبر أن "أي زيادة للأجور كان ينبغي أن تأتي ضمن خطة إصلاحية شاملة تتضمن إصلاحا ضريبيا وإداريا واضح المعالم، تواكبها إجراءات للحد من الهدر وتعزيز الكفاءة داخل القطاع العام".
أما في ما يتعلق بتوسيع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، فيرى أن "الفرصة قائمة لتحقيق مكاسب تنموية، لكنها مشروطة بإطار قانوني واضح، وحوكمة شفافة، وآليات رقابة صارمة، تضمن عدم تحويل هذه الشراكات إلى باب جديد للهدر والزبائنية السياسية".
ويختم أبو سليمان بالقول "أي إجراء اجتماعي أو اقتصادي يجب أن يكون جزءا من سياسة اقتصادية متكاملة، لا أن يأتي كرد فعل شعبوي أو تحت ضغط سياسي، فبهذا النهج سنبقى ندور في حلقة مفرغة من القرارات العشوائية، من دون القدرة على استعادة الثقة أو تحقيق الاستقرار طويل الأمد".
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

سهم تسلا يتراجع بعد تصريحات ترامب: لولا الدعم الحكومي لأغلق ماسك مصنعه
سهم تسلا يتراجع بعد تصريحات ترامب: لولا الدعم الحكومي لأغلق ماسك مصنعه

الجزيرة

timeمنذ 41 دقائق

  • الجزيرة

سهم تسلا يتراجع بعد تصريحات ترامب: لولا الدعم الحكومي لأغلق ماسك مصنعه

اتهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب الرئيس التنفيذي لشركتي تسلا وسبيس إكس إيلون ماسك بالاستفادة المفرطة من الدعم الحكومي للسيارات الكهربائية. وإثر ذلك تراجع سهم شركة تسلا 4.46% إلى 303.50 دولارات في أحدث تعاملات ما قبل الفتح. وقال ترامب في منشور على موقع "تروث سوشيال": "قد يحصل إيلون على دعم أكبر من أي إنسان في التاريخ، وبدون دعم، لكان على الأرجح سيُغلق مصنعه ويعود إلى جنوب أفريقيا". لا سيارات كهربائية وأضاف: "لن نشهد إطلاق صواريخ أو أقمار صناعية أو إنتاجا للسيارات الكهربائية بعد الآن، وستوفر بلادنا ثروة طائلة. ربما علينا أن نطلب من وزارة كفاءة الحكومة أن تلقي نظرة فاحصة على هذا الأمر؟ أموال طائلة يجب توفيرها!". يأتي هذا بعد أن انتقد ماسك بشدة النسخة الأخيرة من مشروع قانون ترامب الضريبي الذي تبلغ قيمته تريليونات الدولارات، محذرا من أن التخفيضات في اعتمادات السيارات الكهربائية وغيرها من اعتمادات الطاقة النظيفة ستكون "مدمرة للغاية" للبلاد. واستفادت تسلا من ائتمان ضريبي للمستهلكين بقيمة 7500 دولار للسيارات الكهربائية، والذي سيلغيه مشروع قانون ترامب، ومن المقرر أن تُصدر شركة صناعة السيارات مبيعات الربع الثاني في وقت لاحق من هذا الأسبوع، والتي من المرجح أن تُظهر انخفاضا إضافيا في الطلب. وقال ترامب: "كان إيلون ماسك يعلم، قبل وقت طويل من تأييده القوي لي للرئاسة، أنني أعارض بشدة فرض السيارات الكهربائية.. إنه أمر سخيف، وكان دائما جزءا رئيسيا من حملتي. السيارات الكهربائية جيدة، ولكن لا ينبغي إجبار الجميع على امتلاكها". وردا على ترامب، قال ماسك على منصة إكس التي يملكها: "أقول حرفيا أوقفوا كل شيء. الآن". وكان ترامب قد هدد في وقت سابق بخفض الدعم الحكومي والعقود التي يحصل عليها ماسك عندما اندلعت بينهما مشاجرة على وسائل التواصل الاجتماعي في أوائل يونيو/حزيران بشأن مشروع القانون. كما تسبب خلافه مع ترامب في تقلبات لأسهم تسلا، إذ خسرت أسهم شركة السيارات الكهربائية نحو 150 مليار دولار من قيمتها السوقية في الخامس من من يونيو/حزيران، وهو أكبر انخفاض يومي في تاريخ الشركة، على الرغم من تعافيها بعد ذلك. وبعد أسابيع من الصمت النسبي عقب خلافه مع ترامب بشأن التشريع، عاد ماسك إلى الانخراط في النقاش السبت الماضي عندما كان مجلس الشيوخ يناقش حزمة التشريعات، ووصفها بأنها "مجنونة ومدمرة تماما" في منشور على منصة إكس. وصعّد ماسك انتقاداته أمس الاثنين قائلا إن المشرعين الذين دعوا لخفض الإنفاق في حملاتهم الانتخابية لكنهم أيدوا مشروع القانون "يجب أن يخجلوا من أنفسهم!". وأضاف "سيخسرون الانتخابات التمهيدية العام المقبل، حتى إن كان ذلك آخر شيء أفعله في حياتي". ودعا ماسك مجددا إلى إنشاء حزب سياسي جديد، قائلا إن الإنفاق الضخم لمشروع القانون يشير إلى "أننا نعيش في بلد الحزب الواحد.. حزب الخنزير!!". وتسبب انتقاد ماسك لمشروع القانون في حدوث تحول جذري في علاقته مع ترامب، بعدما أنفق الملياردير ما يقرب من 300 مليون دولار على حملة إعادة انتخاب ترامب وقيادته إدارة كفاءة الحكومة المثيرة للجدل، وهي مبادرة لخفض تكاليف الحكومة الاتحادية. ولا يزال من غير الواضح مدى تأثير ماسك على الكونغرس وعلى إقرار مشروع القانون، لكن الجمهوريين يبدون قلقهم من أن خلافه مع ترامب قد يضر بفرصهم في الحفاظ على أغلبيتهم في انتخابات الكونغرس النصفية في 2026.

هل أصبح الدولار كبش فداء لسياسات ترامب؟
هل أصبح الدولار كبش فداء لسياسات ترامب؟

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

هل أصبح الدولار كبش فداء لسياسات ترامب؟

شهد الدولار الأميركي أسوأ بداية له هذا العام منذ عام 1973، بعد أن دفعت سياسات دونالد ترامب التجارية والاقتصادية المستثمرين العالميين إلى إعادة النظر في تعاملاتهم مع العملة المهيمنة عالميا. وانخفض مؤشر الدولار، الذي يقيس قوة العملة مقابل سلة من 6 عملات أخرى، بما في ذلك الجنيه الإسترليني واليورو والين، بنسبة 10.8% في الأشهر الستة الأولى من عام 2025، وهي أسوأ بداية لهذا العام منذ نهاية نظام بريتون وودز المدعوم بالذهب. كبش فداء وقال إستراتيجي العملات الأجنبية في بنك آي إن جي، فرانشيسكو بيسول: "أصبح الدولار كبش فداء لسياسات ترامب في الولاية الثانية المتقلبة". وأضاف أن حرب التعريفات الجمركية المتقطعة التي شنها ترامب، واحتياجات الولايات المتحدة الهائلة للاقتراض، والمخاوف بشأن استقلال مجلس الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الأميركي)، قوضت جاذبية الدولار كملاذ آمن للمستثمرين. وانخفضت العملة الأميركية 0.6% أمس الاثنين، مع استعداد مجلس الشيوخ الأميركي لبدء التصويت على تعديلات مشروع قانون الضرائب "الكبير والجميل" الذي اقترحه ترامب. ومن المتوقع أن يضيف هذا التشريع التاريخي 3.2 تريليونات دولار إلى ديون الولايات المتحدة خلال العقد المقبل، وقد أثار مخاوف بشأن استدامة اقتراض واشنطن، مما أدى إلى نزوح جماعي من سوق سندات الخزانة الأميركية. ويمثل الانخفاض الحاد للدولار أسوأ نصف أول له في العام منذ خسارته 15% عام 1973، وأضعف أداء له خلال أي فترة 6 أشهر منذ عام 2009. وأربك انخفاض العملة التوقعات واسعة النطاق في بداية العام بأن حرب ترامب التجارية ستلحق ضررا أكبر بالاقتصادات خارج الولايات المتحدة، بينما ستؤدي إلى تأجيج التضخم الأميركي، مما يعزز العملة مقابل منافسيها. بدلا من ذلك، ارتفع اليورو، الذي توقعت عدة بنوك في وول ستريت أن يتراجع إلى مستوى التكافؤ مع الدولار هذا العام، بنسبة 13% ليتجاوز 1.17 دولار، حيث ركز المستثمرون على مخاطر النمو في أكبر اقتصاد في العالم، بينما ارتفع الطلب على الأصول الآمنة في أماكن أخرى، مثل السندات الألمانية. ونقلت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية عن كبير مسؤولي الاستثمار في الدخل الثابت العالمي في مجموعة السندات بيمكو، أندرو بولز، قوله إنه لا يوجد تهديد كبير لوضع الدولار كعملة احتياطية عالمية بحكم الأمر الواقع، مضيفا أن هذا "لا يعني أنه لا يمكن أن يكون هناك ضعف كبير في الدولار"، مسلطا الضوء على تحول بين المستثمرين العالميين للتحوط بشكل أكبر من تعرضهم للدولار، وهو نشاط يدفع الدولار إلى الانخفاض. وما دفع الدولار للانخفاض كذلك هذا العام تزايد التوقعات بأن يخفض الاحتياطي الفدرالي الفائدة بشكل أكثر حدة لدعم الاقتصاد الأميركي -بتشجيع من ترامب- مع توقع إجراء 5 تخفيضات على الأقل بمقدار ربع نقطة مئوية بحلول نهاية العام المقبل، وفقا للمستويات التي تشير إليها العقود الآجلة. وساعدت الرهانات على انخفاض الفائدة الأسهم الأميركية على التخلص من مخاوف الحرب التجارية والصراع في الشرق الأوسط لتصل إلى مستوى قياسي مرتفع أمس الاثنين، لكن ضعف الدولار يعني أن مؤشر ستاندرد آند بورز 500 لا يزال متأخرا كثيرا عن منافسيه في أوروبا عند قياس العوائد بالعملة نفسها. وأعرب كبار المستثمرين، من صناديق التقاعد إلى مديري احتياطيات البنوك المركزية، عن رغبتهم في تقليل تعرضهم للدولار والأصول الأميركية، وتساءلوا عما إذا كانت العملة لا تزال توفر ملاذا آمنا من تقلبات السوق. وقال بيسول من آي إن جي: "يحتاج المستثمرون الأجانب إلى تحوط أكبر من العملات الأجنبية للأصول المقومة بالدولار، وهذا عامل آخر يمنع الدولار من اللحاق بانتعاش الأسهم الأميركية". وسجّل الذهب كذلك مستويات قياسية مرتفعة هذا العام، مدعوما باستمرار عمليات الشراء من جانب البنوك المركزية والمستثمرين الآخرين القلقين من انخفاض قيمة أصولهم الدولارية. وأدى تراجع الدولار إلى وصوله إلى أضعف مستوياته مقابل العملات المنافسة في أكثر من 3 سنوات، ونظرا لسرعة التراجع، وشعبية المراهنات على هبوط الدولار، يتوقع بعض المحللين استقرار العملة. وقال كبير إستراتيجيي السوق في مجموعة زيورخ للتأمين، جاي ميلر: "أصبح ضعف الدولار تجارة مكتظة، وأتوقع أن وتيرة التراجع ستتباطأ".

الشفافية تعريفها وتطورها التاريخي وأهدافها
الشفافية تعريفها وتطورها التاريخي وأهدافها

الجزيرة

timeمنذ 2 ساعات

  • الجزيرة

الشفافية تعريفها وتطورها التاريخي وأهدافها

الشفافية مفهوم ينبني على الوضوح والانفتاح في تداول المعلومات واتخاذ القرارات، وتُعد من الركائز الأساسية للحوكمة الرشيدة والمساءلة. وقد نشأ هذا المفهوم منذ قرون في السياقين السياسي والاقتصادي، وتطور بشكل ملحوظ مع ثورة الإنترنت. تهدف الشفافية إلى مكافحة الفساد وتعزيز الثقة العامة وتحسين جودة السياسات عبر إشراك المواطنين وتمكينهم من الرقابة على الأداء العام. في اللغة العربية تعني الشفافية القابلية على الإظهار والكشف، ويُقال عن شخص إنه "شفاف" إذا عبّر بصدق ووضوح عما في داخله، ويُستخدم التعبير أيضا لوصف الحديث الصريح الخالي من الغموض، وذلك وفق معجم المعاني. أما على الصعيد المؤسسي، فتعرفها منظمة الشفافية الدولية بأنها صفة تميز الحكومات والشركات والمنظمات والأفراد، تقوم على مبدأ الانفتاح والإفصاح عن المعلومات، بما يشمل القواعد والخطط والإجراءات وآليات العمل. ويؤكد مكتب الأمم المتحدة المعني بمكافحة الجريمة أن ثمة إجماعا على أن الشفافية تعني إتاحة المعلومات المتعلقة بعملية صنع القرار للجمهور، وهو ما يعزز الرقابة المجتمعية والحد من مظاهر الفساد. أما من منظور تاريخي، فتوضح الموسوعة البريطانية أن مفهوم الشفافية -وإن كان يُتداول في سياقات سياسية ترتبط بالمساءلة والانفتاح والاستجابة- فإنه نشأ في الأصل داخل الأوساط المالية، وكان يشير إلى التزام الشركات بالإفصاح الدقيق والواضح عن أنشطتها أمام المساهمين والجهات الرقابية والرأي العام. التطور التاريخي لمفهوم الشفافية يعود تاريخ ظهور مفهوم الشفافية إلى قرون، وظهرت بوادره الأولى في القرن الـ19 ضمن أطروحات طالبت بعلنية أعمال الدولة وإخضاع سلطاتها للمساءلة. وكان كل من الفيلسوف السويسري الفرنسي جان جاك روسو والبريطاني جيريمي بنثام من أبرز المفكرين الذين مهدوا لهذا المفهوم في كتاباتهم. كما ظهر المفهوم بقوة في النقاشات الفكرية حول ما يُعرف بـ"سوق الأفكار"، وهي نظرية تؤكد أن الأفكار يجب أن تتداول بحرية داخل المجتمع كما تُعرض السلع في الأسواق، وأن التنافس بين الآراء يؤدي في النهاية إلى انتصار الحقيقة. وتُفهم الشفافية في هذا السياق بأنها أداة تُعزز كفاءة القرار السياسي وتخدم المصلحة العامة. وتُشير بعض الدراسات إلى أن بنثام كان من أوائل من استخدم مصطلح "الشفافية" بصيغته الحديثة المرتبطة بالحوكمة، والتي تعني إدارة المؤسسات بطريقة تضمن الشفافية والمساءلة والكفاءة والعدالة. واعتبر بنثام أن الشفافية تمثل وسيلة رادعة للانحراف عن السلطة، مشددا على ضرورة أن يتحمل المسؤولون كلفة واضحة لأي تجاوز أو انتهاك يرتكبونه، وأن يكون الجمهور هو الجهة التي تُقيّم تلك المخالفات. ورأى أيضا أن الرقابة على أداء المسؤولين لا تتطلب أجهزة ضخمة، بل يمكن لمجالس صغيرة من المواطنين أو الممثلين المنتخبين أن تؤدي هذا الدور بفعالية. أدى صعود الثورة الصناعية وتنامي نفوذ الشركات الكبرى إلى بروز تحديات جديدة أمام مبدأ الشفافية، فكانت بعض الأنشطة التجارية تُمارس في بيئة تفتقر إلى الرقابة العامة. وقد شهدت أواخر القرن الـ19 سن أول قوانين مكافحة الاحتكار، التي هدفت إلى كبح هيمنة الشركات الكبرى ومنعها من العمل في الخفاء، بما يضمن منافسة عادلة وشفافة في السوق. وشهدت الولايات المتحدة محطة مفصلية في هذا المسار مع صدور قانون حرية المعلومات عام 1966، والذي منح المواطنين ضمانات محدودة للوصول إلى الوثائق الحكومية. وقد ألهم هذا النموذج عددا من الدول التي اعتمدت قوانين مشابهة ووسّعت نطاقها لاحقا. أما في تسعينيات القرن الـ20، فقد أسهمت الأدبيات المتعلقة بالحوكمة في تعزيز استخدام مصطلح الشفافية في الخطابات السياسية والإدارية. وقد غيرت هذه الدراسات الفهم التقليدي لدور الدولة، فلم تعد تُرى فاعلا مركزيا يحتكر تقديم الخدمات، بل منسقا أو منظما يسهم في بناء الحلول. وقد أحدث ظهور الإنترنت تحولا جذريا في مفهوم الشفافية، إذ مكّن الأفراد من الوصول الفوري إلى المعلومات. مما رفع سقف التوقعات حول الشفافية والحق في المعرفة. بيد أن هذا الانفتاح صاحبته مخاوف بشأن الخصوصية، وفرض تحديات جديدة تتعلق بالتوازن بين الحق في المعرفة من جهة وحق الأفراد في السرية وحماية بياناتهم الشخصية من جهة أخرى. أهداف ومبادئ الشفافية الشفافية عنصر أساسي في تحقيق مجموعة من الأهداف السياسية، من بينها مكافحة الفساد وضمان التمويل العادل للحملات الانتخابية وتعزيز الديمقراطية داخل المؤسسات السياسية والحد من الصراعات الدولية. أما في مجال الأعمال، فتُطرح الشفافية وسيلة للحد من الاحتيال المؤسسي ومنع تسلل الجريمة المنظمة أو التدخلات ذات الطابع السياسي، إضافة إلى تقليل مخاطر الأزمات المالية. وتهدف الشفافية إلى أن تكون وسيلة لردع الممارسات الفاسدة، فعندما تكون جميع جوانب عملية اتخاذ القرار مرئية للعامة، يقل احتمال مرور الأنشطة غير المشروعة دون ملاحظة. كما تسعى الشفافية إلى تعزيز الشمولية عبر إتاحة المعلومات للجميع، فتضمن أخذ تنوع وجهات النظر بعين الاعتبار، مما يؤدي إلى قرارات أكثر توازنا وعدالة. وتتحسن جودة القرارات نتيجة خضوع العملية لمراجعة أوسع ونقد بناء، بفضل مشاركة عدد أكبر من الأطراف في الاطلاع عليها وتقييمها. كما تبني الشفافية الثقة العامة، فعندما يفهم الناس كيفية اتخاذ القرارات، يكونون أكثر استعدادا للثقة بالمؤسسات التي تصدرها، سواء كانت في القطاع العام أو الخاص. وتتيح الشفافية لأصحاب المصلحة محاسبة صانعي القرار على أفعالهم، مما يضمن التزامهم بالمعايير الأخلاقية وخدمة الصالح العام.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store