
مشاركة السوريين في القرار: شرط أساسي لمحاربة الفقر في سورية
يدعو فريق من الاقتصاديين والمسؤولين، بما في ذلك العديد من المسؤولين الاقتصاديين في السلطة الحالية، إلى تبني «نظام سوق حر تنافسي». وتُقدم هذه الرؤية بوصفها تحولاً ضرورياً عن السياسات «الاشتراكية» السابقة المزعومة، مع دعوات واضحة لخصخصة واسعة للأصول العامة وتخفيض الضرائب على المستثمرين. في المقابل، يبرز في المجتمع السوري رأي معاكس قوي يستند إلى النتائج الكارثية لسياسات «التحرير الاقتصادي» التي طُبقت في سورية سابقاً، حيث أسهم التوجه القوي للأسد نحو سياسات السوق المفتوح في أوائل الألفية الجديدة في تفاقم الأوضاع الاجتماعية بشكل كبير، مما كان له دور رئيسي في انفجار الأزمة عام 2011.
الفقر في سورية: حقائق وأرقام اليوم
يعكس الواقع الاقتصادي والإنساني في سورية اليوم صورة واضحة للفقر المدقع وتبعاته المباشرة، حيث تشير جميع تقارير الأمم المتحدة إلى تدهور غير مسبوق في مستويات المعيشة: اعتباراً من عام 2024، يعيش 90% من السكان، أي نحو 20.7 مليون إنسان، تحت خط الفقر. وتمثل هذه النسبة زيادة كارثية عن 33% قبل عام 2011. ويعيش جزء كبير من السكان (نحو 15.8 مليون إنسان)، في فقر مدقع.
وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، انكمش الناتج المحلي الإجمالي في سورية بشكل حاد، حيث انخفض إلى أقل من نصف قيمته في عام 2010. ويبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي حالياً 25% فقط من مستواه في عام 2010. ويقدر إجمالي «الناتج المحلي الإجمالي المفقود» من عام 2011 إلى عام 2024 بنحو 800 مليار دولار أمريكي (بأسعار عام 2010)، وهو مبلغ يعادل 35 عاماً من الناتج المحلي الإجمالي للفرد بالمستويات الحالية.
فقدت الليرة السورية نحو 99% من قيمتها منذ عام 2011. وبلغ الحد الأدنى الشهري لتكاليف معيشة أسرة سورية مكونة من خمسة أفراد خلال الربع الأول من العام الجاري نحو 8,051,604 ليرة سورية (نحو 895 دولار أمريكي)، بينما لا يزال الحد الأدنى الرسمي للأجور ثابتاً حتى الآن عند 278,910 ليرة سورية شهرياً (نحو 30 دولار).
وصلت البطالة في صفوف الشباب إلى نحو 60% بحلول عام 2022. وفُقدت أكثر من 3 ملايين وظيفة خلال السنوات الخمس الأولى من انفجار الأزمة (2011-2016)، مع تقديرات بفقدان 500,000 إلى 600,000 وظيفة سنوياً خلال ذروة سنوات القتال العسكري. ولا تتمكن دخول الأسر السورية حتى اليوم، من مواكبةارتفاع الأسعار سواء من العمل أو التحويلات الخارجية.
فوق ذلك، يواجه 89% من السكان انعدام الأمن الغذائي، مع معاناة 60% من انعدام الأمن الغذائي الشديد. ويعتمد 70% على الأقل من السوريين على المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية. وبشكل عام، يقدر أن 16.7 مليون شخص (أي ثلاثة أرباع السكان) بحاجة إلى مساعدة إنسانية. وعلى هذا النحو، ارتفعت حالات سوء التغذية الحاد بين الأطفال السوريين بنسبة 48% بين عامي 2021 و2022. ويعاني أكثر من 500,000 طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الذي يهدد حياتهم، مع وجود مليونين آخرين على وشك أن يصبحوا مصابين بسوء التغذية.
أما الآثار السلبية القطاعية طويلة الأمد فتعكس صورة أكثر شمولاً، حيث وُلد أكثر من 75% من أطفال سورية البالغ عددهم 10.5 ملايين طفل في ظل الحرب. وتلجأ العديد من الأسر إلى آليات يائسة للتكيف، بما في ذلك عمالة الأطفال والزواج المبكر للفتيات الصغيرات. ولا يزال أكثر من 40% من إجمالي نحو 20,000 مدرسة في البلاد مغلقاً، ما يترك أكثر من 2.4 مليوني طفل خارج الفصول الدراسية وأكثر من مليون طفل معرضين لخطر التسرب. كما دُمر ثلث المراكز والعيادات الصحية بالكامل أو جزئياً، وباتت نصف خدمات الإسعاف غير عاملة. ويفتقر أكثر من نصف السكان (نحو 14 مليون سوري) إلى الوصول الكافي لخدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الأساسية. وتعرض أكثر من 50% من محطات معالجة المياه وشبكات الصرف الصحي لأضرار أو أصبحت خارج الخدمة. وباتت القدرة التشغيلية لتوفير المياه النظيفة في محافظات البلاد الأربع عشرة تقل عن 50%، وتنخفض إلى 23% عند انقطاع الكهرباء.
أبعاد الفقر السوري: هل الحرب هي السبب الوحيد؟
المستويات الحالية للفقر في سورية ليست مجرد نتيجة للصراع المسلح الذي شهدته البلاد، بل نتاج لعوامل مركبة منها السياسات الاقتصادية المتبعة، والتراجع المتعمد لدور الدولة، وعوامل خارجية مثل العقوبات الاقتصادية، التي تفاعلت معاً لتخلق واقعاً مأساوياً.
عندما سرّع الأسد الابن من التوجه النيوليبرالي منذ بداية حكمه، حاملاً شعار الدفع القوي نحو اقتصاد السوق الحر، شهدت البلاد «ثورة مراسيم» تضمنت أكثر من 1200 قانون جديد بهدف «دمج الاقتصاد السوري في التدفقات الاقتصادية العالمية». ونتيجة مباشرة لذلك، انخفضت حصة القطاع العام من الناتج المحلي الإجمالي في سورية إلى الثلث فقط. والأهم من ذلك، أن هذا التحرير الاقتصادي جاء على حساب التصنيع، مفضلاً الأنشطة ذات العائد المرتفع في قطاع الخدمات، مع ذهاب الفوائد إلى النخب الأكثر ثراءً وفساداً في البلاد.
بطبيعة الحال، كانت العواقب الاجتماعية لهذا التوجه كارثية - الذي يحاول البعض تصويره اليوم على أنه «حديث وعصري» - كارثية. وعلى وجه التحديد، ارتفعت نسبة السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر الأدنى (دولار واحد في اليوم) من 13.8% في عام 2005 إلى 24% في عام 2010، بينما ارتفعت نسبة من يعيشون تحت خط الفقر الأعلى (2.15 دولار في اليوم) من 30% في 2005 إلى 44% في 2010. وكان خلق فرص العمل ضئيلاً، بمتوسط نمو 0.5% فقط سنوياً بين عامي 2004 و2008، وهو أقل بكثير من 3-4% التي كانت لازمة لاستيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل. وكان هذا «الإصلاح» المزعوم بمثابة برنامج اقتصادي نيوليبرالي ضيق أعطى الأولوية لمعدلات النمو على التوزيع العادل.
ومن السمات البارزة للسياسات النيوليبرالية التي اتبعت في سورية قبل الحرب وأثناءها كان تخفيض الدعم الحكومي للسلع الأساسية وتقليص الإنفاق الاجتماعي. ففي عام 2008 مثلاً، أقدمت الحكومة على رفع الدعم عن المشتقات النفطية بشكل حاد، ما أدى إلى زيادة سعر وقود الديزل بنسبة 257% دفعة واحدة. وترتب على ذلك ارتفاع كبير في تكاليف الإنتاج الزراعي والصناعي، حيث وجدت شريحة واسعة من المزارعين والصناعيين نفسها عاجزة عن تحمل تكاليف الوقود اللازمة لتشغيل معداتها. وانعكس هذا القرار سريعاً على أسعار السلع الأساسية التي قفزت إلى مستويات غير مسبوقة، مما أدى إلى موجة غلاء أثقلت كاهل المواطنين وبخاصة الفقراء. وبالمثل، شهدت الخدمات العامة تراجعاً ملحوظاً في مستواها وتغطيتها نتيجة «تقشف» الدولة في الإنفاق الاجتماعي. فقد انخفض الإنفاق الحكومي على الصحة مثلاً إلى نحو 0.4% فقط من الناتج المحلي قبل عام 2010، وهو رقم متدنٍ للغاية مقارنة بالمعدلات العالمية (التي تتراوح عادة بين 5% و12%). وينطبق الأمر نفسه على قطاع التعليم الذي شهد ازدحاماً في المدارس الحكومية وضعفاً في جودتها، في وقت لم يكن معظم السوريين قادرين على تحمل كلفة التعليم الخاص.
هذه السياسات - التي جاءت بإيحاء من توجهات اقتصاد السوق والرغبة في تقليص دور الدولة - أسهمت بشكل مباشر في زيادة معدلات الفقر قبل الحرب، رغم ما أظهرته الأرقام الكلية من نمو اقتصادي في تلك الفترة. وهذا يدل على أن ثمار ذلك النمو لم تصل إلى معظم الشعب، بل تركزت في يد نخبة اقتصادية ضيقة استفادت من الخصخصة والانخراط في شبكات الفساد. وهكذا أسهمت هذه السياسات في تفكيك كثير من مقومات شبكة الأمان الاجتماعي التي كانت تحمي السوريين.
خطوات عملية لمحاربة الفقر
في ضوء ما ذكرناه، يبدو واضحاً أن القضاء على الفقر في سورية لن يتحقق بمجرد نمو اقتصادي عابر أو وعود نظرية، بل يحتاج إلى رؤية وطنية شاملة تعالج جذور المشكلة وتتبنى نموذجاً سورياً خاصاً يضع مصلحة السوريين في صدارة الأولويات. حيث أثبتت التجربة السورية خلال العقود الماضية أن ترك الأمور لقوى السوق والاعتماد على جهاز دولة مترهل دون إصلاح، كلاهما طريقان مسدودان. وعليه، فإن المقاربة العملية للقضاء على الفقر يجب أن تقوم على دور قوي وفعال للدولة من جهة، وعلى إعادة توجيه دفة الاقتصاد نحو تلبية احتياجات المجتمع وتحقيق العدالة الاجتماعية من جهة أخرى.
لا غنى عن دور محوري للدولة في المرحلة المقبلة لضمان توجيه الموارد نحو أولويات إعادة الإعمار والتنمية البشرية. وهذا لا يعني العودة إلى اقتصاد مغلق مزعوم، بل المقصود أن تكون الدولة مخططاً ومنظماً رئيسياً يحدد القطاعات الاستراتيجية التي يجب النهوض بها ويحفز الاستثمار فيها دون التفريط بها، ويعيد بناء البنية التحتية المدمرة.
الدولة القوية والعادلة هي وحدها التي تستطيع وقف الاحتكارات وضبط الأسواق ومكافحة الفساد وتبديد الموارد. وفي الحالة السورية، ينبغي على الدولة استعادة دورها في التخطيط الاقتصادي طويل المدى لضمان تنويع الاقتصاد وإيجاد فرص عمل منتجة، بدلاً من تركز النشاط في التجارة والأنشطة الريعية.
ومن أجل تحقيق عدالة اجتماعية حقيقية والتخفيف الفوري من معاناة السوريين الأكثر فقراً، لا بد من اعتماد سياسات صريحة لإعادة توزيع الدخل والثروة داخل المجتمع السوري. لقد أدت سنوات الحرب والفساد إلى تراكم الثروة لدى فئة ضيقة من المنتفعين الفاسدين، فيما انزلقت الغالبية العظمى إلى ما دون خط الفقر. وعليه، ينبغي أن تتضمن الرؤية لسورية الجديدة إجراءات مثل إصلاح النظام الضريبي ليصبح تصاعدياً بحق، يفرض ضرائب أعلى على الشركات الكبرى وأصحاب الدخل المرتفع، مقابل تخفيف العبء عن الفقراء ومحدودي الدخل. كما يتعين مكافحة التهرب الضريبي الذي حرم الخزينة من موارد كانت كفيلة بتمويل برامج اجتماعية مهمة، والوقف الفوري لجميع عمليات تبديد مصادر إيرادات الدولة التي تصاعدت مؤخراً.
لا يمكن كسر حلقة الفقر السوري دون رفع فعلي لمستويات دخل الأسر السورية، وبخاصة شريحة العاملين بأجر. فالأجور الحالية - حتى بعد الزيادات المتتالية التي أعلنت خلال السنوات الماضية - تلتهمها ارتفاعات الأسعار السريعة التي لا يوجد من يضبطها اليوم.
الطريق نحو القضاء على الفقر في سورية يتطلب نهجاً متكاملاً ومدروساً يضع العدالة الاجتماعية في صلب أولوياته. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال دور قوي وفعال للدولة، ليس كجهة تتخلى عن المسؤولية الاقتصادية، بل كمهندس لإعادة بناء الاقتصاد وحماية مواطنيها. من يريد أن ينتشل المواطنين حقاً من الفقر، فهو محكوم بأن يركز جهوده على إعادة توزيع الثروة لصالح الغالبية المنهوبة، ورفع القوة الشرائية الفعلية للأجور، ودعم الإنتاج المحلي السوري وتطويره لحماية الصناعات الوطنية واستعادة عوامل الاكتفاء الذاتي. كما أن بناء الثقة بين الدولة والمواطنين، لا يمكن أن ينجز دون ضمان مستوى عال من الرقابة الشعبية والمشاركة المجتمعية الواسعة في صنع القرار الاقتصادي.
وفي حين أن رفع العقوبات الاقتصادية الدولية يمكن أن يساهم نظرياً في تسهيل حياة السوريين، إلا أن النجاح في النهاية يعتمد بشكل أساسي على التغيير الداخلي الجذري، والقطع تماماً مع سياسات السلطة السابقة التي جرّفت جهاز الدولة السوري.
سورية بحاجة ماسة إلى التحول من نموذج اقتصادي يخدم النخب إلى نموذج يعزز النمو الشامل، حيث تقاس الإنجازات الاقتصادية بمدى تحسينها لمعيشة السوريين. والفشل في تبني هذا النهج الشامل والموجه نحو العدالة الاجتماعية سيؤدي إلى استمرار دورة الفقر وعدم الاستقرار، مع تداعيات كارثية على الأجيال القادمة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ دقيقة واحدة
- الشرق الأوسط
الأمم المتحدة تطلق نداء لجمع 3 مليارات دولار لمساعدة 10 ملايين سوري
أطلقت الأمم المتّحدة الخميس نداء لجمع 3.19 مليار دولار أميركي لمساعدة 10.3 مليون سوري حتى نهاية العام الجاري. وقال مكتب الأمم المتّحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا) في بيان إنّ آدم عبد المولى «المنسّق المقيم للأمم المتّحدة ومنسّق الشؤون الإنسانية في سوريا أطلق اليوم تمديد أولويات الاستجابة الإنسانية لعام 2025، داعيا إلى توفير مساعدة بقيمة 3.19 مليار دولار أميركي لدعم 10.3 مليون شخص محتاج حتى ديسمبر (كانون الأول) 2025». ويأتي هذا الإعلان في ظلّ نقص حادّ في التمويل، وفقا للأمم المتّحدة التي لم تتمكن حتى الآن من أن تجمع سوى 11% من الأموال اللازمة للوفاء باحتياجات السوريين. وفي 2024، لم يُموّل من الخطة الإنسانية لسوريا سوى 36.6%، في أحد أدنى مستويات التمويل منذ بدء الحرب الأهلية في هذا البلد قبل 14 عاما. وأوضح أوتشا في بيانه أنّ هذا التمديد للأولويات الإنسانية لعام 2025 يستهدف بشكل أساسي المناطق التي تواجه أشدّ الظروف حرجا، والأماكن المصنّفة ضمن مستويي الخطورة الرابع والخامس اللذين يعنيان أنّ الحالة «كارثية»، أيّ المستوى ما قبل الأخير من الخطورة كون المستوى الأخير يعني حالة المجاعة. ولفت مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إلى أنّه بحاجة لمبلغ 2.07 مليار دولار لسدّ الاحتياجات العاجلة لحوالى 8.2 مليون شخص في بلد يعاني من اقتصاد منهار وبنية تحتية مدمّرة، وغالبية سكانه يعيشون تحت خط الفقر المحددّ من جانب الأمم المتّحدة. وقال آدم عبد المولى إنّ «هذا التمديد هو الأول الذي يُطوَّر في البلد، بالتشاور الوثيق مع الشركاء والسلطات، وهو يُبرهن عن التزامنا المستمر تجاه الشعب السوري».


Independent عربية
منذ ساعة واحدة
- Independent عربية
اجتماع إيراني-أوروبي في إسطنبول لبحث برنامج طهران النووي
يجتمع وفد إيراني في إسطنبول الجمعة مع مبعوثين فرنسيين وبريطانيين وألمان لاستئناف المحادثات بشأن برنامج طهران النووي في وقت تهدد فيه الدول الأوروبية الثلاث بإعادة فرض العقوبات الأممية على طهران. وسيكون هذا أول اجتماع بين الطرفين منذ شنت إسرائيل هجوماً واسع النطاق على إيران في منتصف يونيو (حزيران) ضربت خلاله مواقع نووية وعسكرية رئيسية مما أشعل فتيل حرب بين البلدين استمرت 12 يوماً وتدخلت فيها الولايات المتحدة بضرب ثلاثة مواقع نووية في إيران. والدول الأوروبية الثلاث هي بالإضافة إلى الولايات المتحدة والصين وروسيا الأطراف الموقعة على الاتفاق النووي الذي أبرم في 2015 مع إيران ونص على فرض قيود كثيرة على البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع تدريجي لعقوبات الأمم المتحدة عن طهران. لكن الولايات المتحدة انسحبت في 2018، خلال الولاية الأولى للرئيس دونالد ترمب، من هذا الاتفاق من جانب واحد وأعادت فرض عقوبات قاسية على طهران. بالمقابل، تمسكت باريس ولندن وبرلين باتفاق 2015، مؤكدة رغبتها بمواصلة التجارة مع إيران، مما جنب الأخيرة إعادة فرض العقوبات الأممية أو الأوروبية عليها. لكن هذه العواصم الأوروبية الثلاث تتهم اليوم طهران بعدم الوفاء بالتزاماتها وتهددها بإعادة فرض العقوبات عليها بموجب آلية منصوص عليها في الاتفاق. وتنتهي صلاحية هذه الآلية وبالتالي إمكانية إعادة فرض العقوبات الأممية على طهران في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وهو أمر يسعى الإيرانيون لتجنبه بأي ثمن. إعادة فرض العقوبات أكد مصدر أوروبي أن "تقاعس مجموعة الدول الأوروبية الثلاث (ألمانيا، فرنسا، المملكة المتحدة) ليس خياراً" تجاه إيران، محذراً من أن الأوروبيين سيبلغون الإيرانيين في اجتماع إسطنبول بأن نافذة العودة للوضع الطبيعي ستُغلق في الخريف. وأوضح المصدر أن الأوروبيين يستعدون لتفعيل آلية إعادة فرض العقوبات "في حال عدم التوصل إلى حل تفاوضي"، داعياً الإيرانيين لاستئناف تعاونهم مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وكان نائب وزير الخارجية الإيراني كاظم غريب آبادي الذي سيشارك في محادثات إسطنبول وصف الثلاثاء اللجوء إلى آلية "سناب باك" بأنه "غير قانوني بتاتاً"، مؤكداً أن الدول الأوروبية "أنهت التزاماتها" بعدما انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق في 2018. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وأضاف غريب آبادي "لقد حذرناهم من المخاطر، لكننا ما زلنا نسعى إلى أرضية مشتركة". وسبق لطهران أن هددت بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي التي تضمن الاستخدام السلمي للطاقة الذرية، إذ ما أعاد الأوروبيون فرض العقوبات الأممية عليها. لكن إيران تريد تجنب مثل هكذا سيناريو كونه سيزيد من عزلتها الدولية وسيزيد أيضاً الضغوط الشديدة التي يروح تحتها اقتصادها المنهك أساساً من جراء العقوبات. وتحمل إيران الوكالة الدولية للطاقة الذرية جزءاً من المسؤولية عن الضربات الإسرائيلية والأميركية التي طالت أراضيها وقد علقت رسمياً كل أشكال التعاون مع هذه الوكالة الأممية في مطلع يوليو (تموز). وأثار هذا القرار الإيراني غضب إسرائيل التي دعت الدول الأوروبية الثلاث إلى "إعادة فرض كل العقوبات على إيران". التخصيب مستمر بعد الحرب، جددت إيران تأكيدها على أنها لن تتخلى عن برنامجها النووي، واصفة إياه على لسان وزير خارجيتها عباس عراقجي بأنه مسألة "فخر وطني". وأكد عراقجي مجدداً الخميس أنه "من المهم لهم (الأوروبيين) أن يعلموا أن مواقف إيران ثابتة وأن تخصيبنا سيستمر". وغادر مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية إيران إثر قرارها تعليق التعاون معهم، لكن فريقاً فنياً من الوكالة سيزور الجمهورية الإسلامية قريباً بعد أن أعلنت أن التعاون بين الطرفين سيتخذ "شكلاً جديداً". وأكد عراقجي أن أنشطة تخصيب اليورانيوم في إيران "متوقفة حالياً" بسبب الأضرار "الجسيمة والشديدة" التي لحقت بالمنشآت النووية جراء الضربات الأميركية والإسرائيلية. ولا تزال الهوة واسعة جداً بين الولايات المتحدة وإيران بشأن قضية تخصيب اليورانيوم، إذ تعتبر طهران هذه الأنشطة حقاً "غير قابل للتفاوض" بينما تعتبرها واشنطن "خطاً أحمر". ووفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية فإن إيران هي الدولة الوحيدة غير النووية التي تُخصب اليورانيوم إلى مستوى عال (60 في المئة). وهذا المستوى يتجاوز بكثير الحد الأقصى البالغ 3.67 في المئة المنصوص عليه في الاتفاق الدولي المبرم في 2015 مع القوى الكبرى، لكنه أدنة من مستوى الـ90 في المئة اللازم لصنع قنبلة نووية. وتنفي إيران الاتهامات الغربية والإسرائيلية لها بالسعي إلى صنع قنبلة ذرية، مؤكدة أن برنامجها النووي مدني وأهدافه سلمية محض.


الرياض
منذ 2 ساعات
- الرياض
خلال زيارة للبنك المركزيترامب يضغط على باول لخفض الفائدة
تجادل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي جيروم باول خلال زيارة نادرة للبنك المركزي أمس ، منتقدا تكلفة تجديد مبنيين تاريخيين بالمقر الرئيسي ومطالبا بخفض أسعار الفائدة. واختتم ترامب زيارته بقوله إنه لا ينوي إقالة باول خلافا لما قاله مرارا. وقال ترامب للصحفيين بعد الزيارة "القيام بذلك خطوة كبيرة ولا أعتقد أنها ضرورية". وطغى التوتر بشكل واضح على حديث الرجلين في موقع مشروع التجديد الضخم لمجلس الاحتياطي، ويمثل تصعيدا لضغوط البيت الأبيض على البنك المركزي وجهود ترامب لحمل باول على "فعل الشيء الصحيح" بشأن أسعار الفائدة. ومن المتوقع على نطاق واسع الإبقاء على سعر الفائدة القياسي في نطاق 4.25-4.50 بالمئة. ويطالب الرئيس دوما باول بخفض أسعار الفائدة بثلاث نقاط مئوية أو أكثر. وقال ترامب في ختام زيارته بينما كان باول يقف بجواره، ووجهه بلا تعبيرات "أود أن يخفض أسعار الفائدة". وزاد اللقاء توترا عندما أخبر ترامب الصحفيين أن تكلفة المشروع تُقدر الآن بما يصل إلى 3.1 مليار دولار. ورد باول وهو يهز رأسه "لست على علم بذلك"، ليسلمه ترامب ورقة تفحصها باول الذي قال "لقد أضفت للتو مبنى ثالثا"، مشيرا إلى أن مبنى مارتن قد اكتمل قبل خمس سنوات.