logo
ناصر أمير: أحلم بابتكار صوت ناي «إماراتي الهوى»

ناصر أمير: أحلم بابتكار صوت ناي «إماراتي الهوى»

الإمارات اليوممنذ 17 ساعات

من ربوع إمارة راس الخيمة، وتحديداً من «فرقة الفنون الشعبية الإماراتية»، انطلقت موهبة عازف الناي الإماراتي، ناصر يوسف أمير، الذي قال لـ«الإمارات اليوم» إن دخوله المجال الموسيقي كان للمرة الأولى مع تجربة العزف على آلة الإيقاع في سنّ لم تتجاوز 15 عاماً، حين كان أحد أعضاء فرقة الفنون الشعبية، وصولاً إلى الناي الذي استهواه سحره وغموضه، فحوّل بوصلة عشقه ومسيرته الموسيقية بالكامل، ليدشن تجربة أول عازف ناي أكاديمي في الإمارات، التي سيتوّجها ناصر قريباً بانخراطه في بكالوريوس الموسيقى العربية تخصص آلة ناي في قسم الموسيقى في جامعة الشارقة للفنون الأدائية، كاشفاً أيضاً عن انضمامه أواخر هذا العام، بعد سلسلة من اختبارات القبول الصعبة، إلى موسيقيي وعازفي «الأوركسترا الوطنية لدولة الإمارات العربية المتحدة» التي ستبدأ تجمعها في مطلع أكتوبر المقبل.
سحر الناي
لم يُخفِ عازف الناي الإماراتي الشاب، ناصر أمير، شغفه بالناي، متابعاً «لقد جذبتني قصة هذه الآلة العريقة المتجذرة في التاريخ، والتي يعود ظهورها إلى أكثر من 5000 سنة، إذ تم العثور على أدلة على وجودها في الحضارات القديمة، مثل مصر وبلاد ما بين النهرين، لقد سحرني صوت الناي وبوح هذه الآلة الموسيقية الفريدة بمختلف المشاعر الإنسانية من فرح وحزن وحيرة، وغيرها من المشاعر الإنسانية الصادقة».
إضافة إلى ذلك، أكد ناصر أمير أن اختياره لآلة الناي التي دأب على عشقها منذ خمس سنوات، تعزَّز بسبب غياب عازفي الناي الإماراتيين الذين لم يستمر معظمهم في هذه الهواية بسبب صعوبتها، في الوقت الذي يعود هذا الغياب كذلك إلى عدم وجود الناي في الثقافة الموسيقية المحلية، فهي ليست من الآلات الموسيقية الأساسية أو الشائعة في الأداءات التقليدية.
مشوار صعب
وتعليقاً على ما شاع دائماً عن صعوبة تعلم الآلة المعقدة ومشقة إتقانها، أكد ناصر أن «الناي آلة صعبة جداً لأنها آلة النفخ الوحيدة التي لا تضم أي تقنية مساعدة في إخراج الصوت، فهي عبارة عن عيدان قصب السكر الفارغة تماماً من الداخل، وهذا ما تطلب من جانبي تدريباً وتعلماً ومواظبة على التمرين، فيما بدأت مشوار التعلم باتخاذ قرار مصيري في عام 2020، حين سافرت إلى مصر للخضوع لدورة خاصة لمدة ستة أشهر مع الأستاذ هاني البدري، وفي العام نفسه عدت أدراجي إلى أرض الوطن للاعتماد على نفسي، والاستمرار في التمرن والتدريب المنفرد وصولاً إلى الانضمام إلى (فرقة الإمارات الموسيقية) التابعة لوزارة الثقافة والشباب التي بتُّ واحداً من عازفيها الثابتين».
في السياق نفسه، لفت ناصر إلى أن مشوار عازف الناي طويل ومُجهد ولا نهاية له «لا أرى بصراحة، أن هناك عازفاً محترفاً قد استكمل مشوار الموسيقى، ولا عازف ناي استوفى كل الدروس، لأنه مطالب باستمرار بتطوير نفسه، والتعلم والتجريب الموسيقي المتواصل والدؤوب، لمدة لا تقل عن سنتين أو ثلاث سنوات، بمعدل يراوح بين ست وثماني ساعات يومياً قبل خطوة العزف مع فرقة موسيقية متكاملة».
إصدار كتاب
جهود حثيثة يكرّسها ولايزال عازف الناي الإماراتي ناصر أمير، للارتقاء بمكانة الناي، وتكريسها في الثقافة الموسيقية الإماراتية والخليجية التي غابت عنها، مؤكداً أن «لكل شعب موسيقاه وآلاته التي تعبر عن روح ثقافته وتاريخه وحتى جغرافيته، والناي ليس جزءاً من ثقافة وموسيقى الإمارات، وهذا ما يدفعني بالتالي إلى الاهتمام بتكريس تجربة (عازف ناي إماراتي)، والأهم تجسيد (صوت ناي إماراتي) أصيل ينطق بأسلوب عزف إماراتي متفرد»، في الوقت الذي كشف ناصر أمير عن نيته تضمين محطات ودروس تجربته الفريدة مع الناي، في إصدار كتاب يتحدث فيه عن هذه الآلة بأسلوب وألوان وأبعاد موسيقية إماراتية.
تطور وتطوير
ورغم تجربته التي صارت طويلة مع الآلة الفريدة، يظلُّ عازف الناي الإماراتي يؤكد على أهمية وضرورة التجديد والتطوير في هذا المجال، قائلاً «لحيازة خبرة وتكريس أسلوب متفرد، يجب على العازف التمسك أولاً بالتعلم، وثانياً بالتطوير المستمر، وتجربة كل الألوان الموسيقية قبل اكتشاف نفسه وتفعيل بصمته، وفي الوقت الذي تتطور الموسيقى وتواكب آلاتها المختلفة تحولات العالم السريعة من حولها، فيما لا تتحمل آلة الناي التطوير، يطالب عازفها باستمرار بالارتقاء بموسيقاه ومواكبة نسق الموسيقى الحديثة، وهذا ما يجعلني باستمرار متجولاً بين الأماكن بحقيبة ظهر تضم 15 آلة ناي تمكنني كل مرة من مواكبة المقامات الموسيقية وطبقات الصوت المختلفة، وتطوير أسلوبي على الدوام».
• الناي آلة صعبة جداً لأنها آلة النفخ الوحيدة التي لا تضم أي تقنية مساعدة، فهي مجرد عيدان قصب السكر الفارغة تماماً من الداخل.
• لكل شعب موسيقاه وآلاته التي تعبّر عن ثقافته وتاريخه وجغرافيته، والناي ليس جزءاً من ثقافة وموسيقى الإمارات.
• أتجوّل باستمرار بين الأماكن بحقيبة ظهر تضم 15 آلة ناي لتطوير أسلوبي على الدوام.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

يانغو تطلق حل «التنقل» للارتقاء بتجربة النقل في أبوظبي والشارقة
يانغو تطلق حل «التنقل» للارتقاء بتجربة النقل في أبوظبي والشارقة

البيان

timeمنذ 44 دقائق

  • البيان

يانغو تطلق حل «التنقل» للارتقاء بتجربة النقل في أبوظبي والشارقة

أطلقت مجموعة يانغو، خدمة «التنقل» في أبوظبي والشارقة. تُقدم هذه الميزة المجانية، المُدمجة في تطبيق يانغو الفائق، مسارات وجداول المواصلات العامة، مما يُمكّن السكان والزوار من التنقل في أنحاء الإمارات بسلاسة. وتُوسّع هذه الخدمة منظومة يانغو المتنامية في الإمارات العربية المتحدة، بما في ذلك خدمات حجز وتأجير السيارات وخدمات التوصيل، مما يعزز رسالة المجموعة المتمحورة حول تبسيط الحياة الحضرية. وتُتيح الخدمة تخطيط الرحلات بسهولة، حيث أصبح بإمكان المستخدمين الآن الوصول إلى جداول 33 خط داخلي و 82 خط بين المدن في أكثر من 10 مناطق في أبوظبي، بالإضافة إلى 12 خط داخل الشارقة و 13 خط بين المدن في الإمارة. وبعد النقر على خيار «التنقل» على الصفحة الرئيسية للتطبيق وإدخال الوجهة، يعرض التطبيق الفائق خيارات متعددة تتضمن مسارات مفصلة، وأوقات تقديرية لمدة الرحلة، وجداول زمنية، ونقاط تحويل، مما يُبسط عملية تخطيط التنقل للمستخدمين. يُعد تطبيق يانغو خياراً موثوقاً للتنقلات اليومية، مثل التنقل من وسط مدينة الشارقة إلى مول الإمارات. كما يوفر إرشادات أساسية أثناء التوقف، ويجد أسرع طريق من المطار إلى أهم معالم أبوظبي السياحية، مثل متحف اللوفر أبوظبي أو جامع الشيخ زايد الكبير. وقال إسلام عبدالكريم، الرئيس الإقليمي لشركة يانغو الشرق الأوسط: «تتجاوز رؤيتنا مجرد وسائل النقل، فنحن نهدف إلى تبسيط التجارب اليومية ككل، سواء كنت تستقلّ حافلة أو سيارة أجرة أو تستأجر سيارة. يعكس هذا الإطلاق الجديد إيماننا الراسخ بأن التنقل اليومي السلس يعتمد على ما هو أكثر من مجرّد كيفية أو وسيلة النقل، فهناك دور هام للتكنولوجيا في تسهيل وتمكين خيارات النقل في جميع أنحاء الإمارات.» مع اقتراب موعد مجموعة من الفعاليات الكبرى في أبوظبي، مثل حفل جينيفر لوبيز ومواجهات الملاكمة من يو إف سي، منظمة الفنون القتالية المختلطة الأبرز عالمياً، في شهر يوليو، وكلاهما في الاتحاد أرينا بجزيرة ياس، تُقدم خدمة التنقل الجديدة حلاً ذكياً لتخفيف الازدحام المروري والضغوط المترتبة على مواقف السيارات. وفي الشارقة، والتي تشهد طيفاً من العروض الصيفية على مستوى الإمارة طوال شهر يوليو في مراكز التسوق والأماكن العامة، أصبح بإمكان السكان والزوار الاعتماد على تطبيق يانغو الفائق لتحديد أكثر الطرق العامة فعالية للوصول إلى هذه الأماكن. كما تتوفر خدمة النقل من يانغو في دبي مع أكثر من 185 خط منتظم، و 15 خدمة نقل بين مراكز التسوق، و 15 خط للنقل البحري. يؤكد هذا التوسع التزام يانغو بالاستثمار في البنية التحتية الذكية للتنقل على مستوى البلاد.

النقد والنقد الذاتي
النقد والنقد الذاتي

صحيفة الخليج

timeمنذ 3 ساعات

  • صحيفة الخليج

النقد والنقد الذاتي

عبدالله السويجي النقد هو تسليط الضوء على النقاط الإيجابية والسلبية للنص: شعر، رواية، عمل فني، دراسة، مشروع، خطة، استراتيجية، أو للشخص: وغالباً ما يكون في موقع المسؤولية: رئيس قسم، مدير، نائب، وزير، مدير بلدية، رئيس مؤسسة: ثقافية، أدبية، اجتماعية، طبّية، وغير ذلك من المواد العقلية أو الشخصية أو الرسمية. وقد ينتقد الأب أبناءه، يسلّط الضوء على سلوكهم الجيد والآخر الخاطئ، ويحدث هذا أيضاً بين الأصدقاء والصديقات في جلسات الصفاء، كما يمكن أن يحدث بين الزوج وزوجته وبشكل سلمي هادئ وموضوعي. وتحدث الممارسة النقدية انطلاقاً من أهمية المراجعة والتأمل والتفكّر والمصارحة، وإذا سارت الجلسة النقدية بكل رضا وموضوعية ومحبة وحرص، ستكون نتائجها مبهرة، لأن جميعنا نعمل ونخطئ، و«الناس خطّاؤون وخير الخطّائين التوّابون»، والتوبة هنا هي الاعتراف بالخطأ أو التقصير أو السهو. نقول هذا الكلام لأن وقع كلمة النقد ثقيلة على كثيرين، وكثيرون يقولون: أنا لا أحب أن ينتقدني أحد، وهذا موقف خاطئ لأن الخطأ أحياناً يكون وسيلة لممارسة الصواب. إن أصعب أنواع النقد هو النّقد الذاتي، أي أن يكون الإنسان صادقاً مع نفسه ويعترف بأخطائه ومواقفه التي أذى فيها الآخرين، ويبادر بالاعتذار، وهو سلوك حضاري يضع الإنسان في دائرة الرقيّ والتّحضّر والإنسانية، والإنسان السويّ والسليم في حاجة دائماً إلى هذه الأوقات التي يسكن فيها إلى نفسه، فيحدثها وتحدّثه، يحاسبها وتحاسبه، لأنه سيكتسب راحة نفسية وبدنية عالية، ستؤثر في صحته الجسمانية والنفسية. إن ما ينطبق على الأشخاص ينطبق على الدول، وخاصة الدول الدكتاتورية أو القمعية، لأن الدول العادية، غير الدكتاتورية، تقوم بهذه المراجعة بشكل مستمر، لأنها تفكّر كثيراً في مصلحة مواطنيها، وهي دائمة المراجعة لسياساتها الداخلية والخارجية، الداخلية تسلط الضوء على علاقتها مع شعبها وكيفية تقديم خدماتها والارتقاء بها، وحفظ حقوق الأطفال والنساء والمسنين وأصحاب الهمم، وكيفية توفير فرص عمل وقوانين وظيفية تعمل على دعم الموظف، وخاصة في موضوع الترقيات والتقاعد، وكيفية التخطيط للأجيال المستقبلية، وكذلك تسليط الضوء على السياسات الخارجية: على علاقتها بالدول الأخرى أو بالشعوب الأخرى أو الكيانات الأخرى. وهذه مهمة صعبة للغاية، إذ إن تحسين العلاقات يتطلب معايير كثيرة أهمها: تغيير جذري في الدولة الأخرى بحيث تصبح منسجمة مع الدولة التي تريد تعديل سياستها، أو يحدث تغيير جذري في الدولة الساعية إلى بناء علاقة جديدة مع الآخرين، وكله يعتمد على مدى تقارب الأنظمة، فإذا استمر الوضع من دون تغيير، فسيقوم الوسطاء بصياغة اتفاقية سلام تضمنها دول أخرى وغالباً ما تكون الدول العظمى هي الدول الراعية، وبعدها يسود السلام، وقد ترتبط الدولتان بمعاهدات تعاون تفيد الطرفين، لأن العلاقات بين الدول هي علاقات مصالح. ولا شك أن هناك دولاً في العالم، وعلى مر التاريخ، كانت تُسمّى الدول الناشزة، غير قادرة على الاندماج في المجتمع الدولي، إما بسبب منظومة فكرية تؤمن بها، أو بسبب إحساسها بتفوّق ما على العنصر البشري، وإما لقناعتها بأنها أفضل من العالم مستندة في ذلك إلى قناعة دينية أو أسطورية أو تاريخية، ما يجعلها تسلك سياسات مختلفة أو معادية. وقد يكون لهذه الدولة تاريخ كبير وعظيم في السابق، كأن تكون إمبراطورية في زمن مضى، إلا أنها أصبحت دولة عادية وربما صغيرة وقليلة التأثير في العالم المعاصر، وعلى هذه الدولة أن تعترف باختلاف الأزمنة وتغيير الأقدار والمقدرات، وتتأمل ذاتها بين الأمم، فإن لم تتمكن من ذلك، فستجد المجتمع الدولي قد اجتمع ضدها ليعيد إليها صوابها، وهناك دول تطمح إلى أن تكون إمبراطوريات في زمن غياب الإمبراطوريات، فتجد نفسها في صراع مع كثيرين وأولهم جيرانها، ونحن هنا لا نعني أي دولة بذاتها واسمها، إنما هي نماذج وحالات تحدث بين أشخاص أو بين الدول. إن ما يحدث في العالم الآن يشبه ما ذهبنا إليه على المستوى الشخصي أو الدولي، الاعتداد بالنفس، وسوء تقدير القوة، إن كانت عسكرية أو ناعمة أو تاريخية، كل ذلك يسبب صراعات وحروباً تتجدّد باستمرار بسبب عدم حل هذه الإشكاليات مع الذات ومع الآخر، واستمرار هذه الصراعات يعود أحياناً إلى الاعتماد على القوة، القوة العسكرية أو الاقتصادية وغيرها، والإيمان بالقوة لحل المشاكل، والإنسان، شخصاً كان أو دولة، لم يتوقف عن الأخذ بعنصر القوة ليفرض نفسه أو يحارب غيره، في الوقت الذي وضع فيه الإنسان ذاته قوانين عالمية ومؤسسات عالمية تُعنى بحقوق الإنسان وحقه في الوجود شرط الاعتراف بحق الآخر في الوجود أيضاً. ليتنا نمارس جميعاً ما كان يفعله أحد الأساتذة: كان يدخل في اليوم التالي على تلاميذه فيخاطب مجموعة من الطلاب، يستسمح من أحدهم ويعتذر منه لأنه أساء إليه أو ظلمه أو أساء فهمه في اليوم السابق، أو يطالب أحد الطلاب بالاعتذار منه لأنه أساء لأستاذه، وعندما تكرر سلوك الأستاذ سأله أحد الطلبة فقال: أقوم في نهاية كل يوم بمراجعة ما حدث، فأعرف لمن أسأت وأعتذر، وأعرف من أساء إليّ وأطالبه بالاعتذار.

«تاريخ العالم».. الرواية مدونة حياة البشر
«تاريخ العالم».. الرواية مدونة حياة البشر

صحيفة الخليج

timeمنذ 8 ساعات

  • صحيفة الخليج

«تاريخ العالم».. الرواية مدونة حياة البشر

الشارقة: علاء الدين محمود صارت الروايات التاريخية؛ تجد رواجاً كبيراً بين الكتاب والقراء على السواء؛ ذلك لما تشكله أحداث الماضي من أرضية خصبة للسرد، إذ يحرّر الكاتب مخيلته ويطلق لها العنان لمراجعة الوقائع القديمة التي أصبحت من المسلمات، ومن ثم كتابة سرد إما أنه يحاكمها أو يقدم إضافات خيالية يملأ بها فراغات التاريخ. رواية «تاريخ العالم في عشرة فصول ونصف»، للكاتب البريطاني جوليان بارنز‏، الصادرة في طبعتها الأولى عام 2023، عن دار روايات في الشارقة، بترجمة نوف السعيدي، هي أحد الأعمال السردية الشائقة، التي تغوص عميقاً في التاريخ القديم لتطرح فرضية جديدة يصنعها خيال الروائي، وهي الأطروحة التي تتفق وتتشكك في ذات الوقت في كثير من المرويات القديمة، وربما كانت الأسئلة هي الخطوة الأولى في مشوار كتابة هذه الرواية، بالنسبة للمؤلف، تلك التي تثيرها الكثير من الظواهر التاريخية والحكايات التي قد لا تبدو متسقة، بالتالي فإن المؤلف في هذا العمل يتتبع أثر الماضي مفككاً ومفسراً وممارساً لفعل التأويل في ذات الوقت. الرواية تبدأ بمراجعة العديد من المرويات التاريخية بكل أحداثها، ولعل البراعة في الرواية أن السرد ينهض على أقوال راوٍ هو بمنزلة شاهد على تلك السير، وهو شخصية غامضة لم ترد في أي من المراجع التاريخية غير أنه يلعب في هذه الرواية دوراً رئيسياً، ويتجول في مسرح الأحداث بين الماضي والحاضر، لتصبح أحداث العمل السردي في حد ذاته مروية جديدة، أو هكذا يريد لها الكاتب والذي لا يقدّم تاريخاً عن العالم فقط من حيث بداياته وتحولاته ومنعطفاته المتعددة، بل يسعى كذلك، وبشكل رئيسي، نحو تقديم بيان في طبيعة التاريخ نفسه، كيف يشتغل؟ وكيف يؤثر؟ ويتبع ذلك بتجوال في كل التواريخ القديمة منذ طوف ميدوسا، وعابرة المحيطات تايتانك، وحتى مركبة صعود القمر، يقدم الكاتب مائدة تختلط فيها الأصناف ما بين الأسطوري المتخيل والواقعي الذي حدث بالفعل. سؤال التاريخ هذه الرواية تتضمّن مجموعة من الحكايات والقصص، غير أن خيطاً رفيعاً يربط بين كل الأحداث كما هي أسلوبية بارنز السردية البارعة والمختلفة، والتي لا تكتفي فقط بالوقائع بل تغوص في دواخل النفس البشرية لتفسر السلوك والأفعال، فالتاريخ بالنسبة للمؤلف ليس هو ما يرويه المنتصرون فقط، بعكس ما هو شائع، فرواته في هذه الرواية يأتون من أكثر الأماكن سريةً وعُمقاً من الماضي، والمستقبل أيضاً، ويبرز في ثنايا السرد، بطريقة لا تعكر صفو الحكاية، سؤال التاريخ من حيث ما هو، وهل هو علم أم وقائع تفرض نفسها، أم أن العامل الذاتي يلعب دوراً في تفسير أحداث الماضي ووقائعه بحيث يحمل كل إنسان معنى مغايراً لماهية التاريخ، أو تفسيراً خاصاً له؟ وهل حطت سفن البشرية نحو بر الأمان حقاً، أم لا يزال البشر تائهين في محيط من الغموض والألغاز؟ وتلك لفتات تحمل طابع التأمل الوجودي في الكون والأشياء والظواهر تحفل بها الرواية ذات الطابع الفلسفي. عوالم مفتوحة تتعدد عوالم الرواية بحيث إنها لا تتناول تاريخ البشر فقط، بل كذلك الحيوانات والطبيعة والكوارث التي مر بها العالم وكيف تعاملت معها الكائنات وكيف كان تأثيرها في الماضي والحاضر، ويطوف السرد كذلك في قضايا حيوية شديدة الصلة بالإنسان ومحاولاته لجعل العالم أكثر جمالاً مثل الفنون وحضورها البهي في حياة البشر، وبذلك فإن الرواية هي متنوعة ومتعددة الطبقات والأصوات ومصادر الحكايات وهي بعمقها هذا تحمل تحدياً للقارئ؛ إذْ تحرّضه على التفكير في المفاهيم التقليدية للتاريخ والواقع، والخروج عن الرؤى النمطية والسرديات السائدة؛ إذ إن الرواية تدعو لتغيير طرائق التفكير بحيث إن ذلك هو بداية الطريق نحو محاربة المسلمات والمعطيات، سواء التي تقدم من قبل المؤرخين أو في جميع المجالات الأخرى، فمن خلال هذه القصص المتنوعة، يطرح بارنز أسئلة حول معنى التاريخ، وكيف يتم تشكيله. تبديد الغموض على الرغم من العوالم الشائكة التي تعالجها الرواية، إلا أن أسلوب الكاتب ولغته اتسما بالبساطة والسهولة، وربما لأن المؤلف يسعى نحو تبديد غموض العالم، فهو لا يريد أن يتورط في كتابة معقدة وغامضة، فيقدم مادة مسلية وممتعة رغم طابعها التاريخي والفكري، ومن أجل تمرير ثقل الحمولات الصعبة في السرد والمتمثلة في التاريخ والفلسفة، فإن الكاتب وظف خياله بصورة جبارة لا تعرف الحدود؛ حيث يتعدد الرواة في السرد، وتتم الاستعانة بشخصيات خيالية وأخرى واقعية تتجول في مسرح الأحداث من أجل صناعة حالات مختلفة من المتعة والصور والمشاهد المختلفة، ويستعين السرد كذلك بأحداث وقعت بالفعل هي عبارة عن كوارث بشرية كانت بمنزلة محطات مهمة في تاريخ الإنسانية مثل كارثة تشيرنوبيل «انفجار مفاعل نووي»، والتي كان لها دويّها الهائل وتأثيرها المقيم، وكذلك حادثة غرق سفينة تيتانيك وواقعة اللاجئين على متن سفينة سانت لويس عام 1939، الذين مُنعوا من النزول في الولايات المتحدة ودول أخرى، وكل تلك الأحداث التي تمثل نذيراً بأن الكوارث التي تهدد حياة البشر لا تزال ممكنة الوقوع، وكذلك فإن الرواية تمارس إسقاطاً بارعاً على واقع اليوم، وتضعنا أمام مشهد الهجرات الكبيرة من الدول الفقيرة نحو أمريكا والغرب والمخاطر التي ينطوي عليها ذلك النزوح الكبير بواسطة وسائل خطِرة مثل قوارب الموت، وأثر تلك الهجرات في حياة البشر الذين هاجروا، وكل تلك الرؤى والأفكار يضمّنها المؤلف في العمل بدقة شديدة من الأحداث المترابطة وغير المنسجمة كذلك. استدعاء تستدعي الرواية عدداً من الشخصيات الفلسفية التي اهتمت بالتاريخ ومكانته، والتي قدّمت أطروحات متباينة، سواء كانت تنظر لوقائع الماضي بصورة عملية جادة أو نقدية ساخرة، ومن هؤلاء يبرز المفكر كارل ماركس عبر مقولته الشهيرة «التاريخ يعيد نفسه، المرة الأولى كمأساة والثانية كملهاة أو مهزلة»، فذلك الجانب العبثي يرى فيه الكاتب بعداً جمالياً مهماً ورؤية مختلفة للحياة والتاريخ، فهناك أحداث كان بالإمكان تجنبها لولا أخطاء البشر، لكنها وقعت وكانت نتائجها هزلية إلى جانب أنها مأسوية في ذات الوقت، فذلك من ضمن مفارقات الحياة، كما تستدعي الرواية كذلك الفيلسوف هيجل وموقفه من التاريخ، إلى جانب أدباء بحجم شكسبير، يقدّمون إفادات حول وقائع الماضي وأثرها في الحاضر وربما المستقبل. أسلوب إلى جانب قوة الوصف والتنوع في صناعة الحبكة والقصص، فإن الرواية تتميز كذلك بأسلوب ساخر ونقدي، حيث يضع علامات استفهام حول الكثير من الحقائق التاريخية المتداولة، ويسخر من بعض المفاهيم غير المنطقية، وعمل المؤلف على توظيف النكتة بشكل مبتكر، والتي تتأمل في واقع البشر وطريقة تفكيرهم وتلقيهم للمرويات التاريخية دون التمحيص فيها، إلى جانب ذلك فالعمل يمكّن القارئ بشكل كبير من تطوير أدواته النقدية والتعمق في تناول الظواهر. اقتباسات «يمكنك التعامل مع العقل، أما القلب البشري، فهو يبدو في حالة فوضى عارمة». «التاريخ ليس ما حدث، التاريخ هو فقط ما يخبرنا به المؤرخون». «تاريخ العالم مجرد أصوات تتردد في الظلام؛ صور تحترق لقرون». «لا يخفف ذعرنا وألمنا إلا التخيل المهدئ؛ نسميه تاريخاً». «لا يُمكنك أن تُحب شخصاً دون أن تبدأ برؤية العالم من منظورٍ مختلف». «يجب أن نكون دقيقين في الحب، في لغته، وفي تعبيراته».

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store