
ليس سهلًا!
سارة البريكية
sara_albreiki@hotmail.com
ليس سهلًا أن تخرج من عزلتك وانطوائيتك لتُعبِّر عن حبك لوطنك بقصيدة شعرية أو برسمة معينة أو بأغنية جديدة أو بمعزوفة تحمل الطابع التراثي، وليس سهلًا أن تخلق من اللاشيء واقعاً ومن الخيال حقيقة ومن الصعب ممكناً ومن الجماد حياة، وأيضا ليس سهلًا أن تشارك في إعداد وليمة معينة أو تعبر عن حبك لوطنك بزخرفة على بعض أنواع الكعك أو الحلويات أو أن تصعد قمة جبل لترفع علم بلدك عاليا أو ربما تشارك في انتمائك لهذا البلد بأن تكون رحالة تشد الرحال مشياً على الأقدام حاملا قلبك الذي يحمل بين نبضاته اسم بلدك.
هكذا ترتب أفكارك ناحية تقديم الأجمل لوطن احتوى مشاعرك وأفرز ذلك الاحتواء عن طريق طويل من الرؤى الإيجابية والأماني التي تعيشها لتتولد لديك طاقة هائلة من حب الوطن ورغبة صادقة في العطاء وكل العطاء لإيصال الرسالة الأسمى وحفر الصعاب وتخطي كل التحديات والمصاعب والعقبات التي تواجهك لتمضي في حب الوطن.
لكنك عندما تسعى للوصول وبلوغ هدفك تتعثر كثيرا حتى إنك تفكر بالوقوف وعدم مواصلة الشغف ولأنك إنسان من البشر ومواطن من المواطنين ولأنك تقدم الجميل فأنت تحتاج للمساندة والمساعدة لتحلق في سماوات أرحب ورغم كل ذلك فإنك تواجه العثرات من خلال قلة الداعمين والمساندين لتحتار في أمرك بل وربما تتعرض للهجوم وأنت تواصل المسير فهناك الكثيرون الذين يحاولون الوصول إلى تلك المكانة التي وصلت إليها بكدك وتعبك وسهرك الليالي الطويلة ولأنهم ببساطة هم أعداء النجاحات سيرمون السم في العسل وسيحاولون تشويه صورة هويتك وانتماءك ومحاولاتك الدائمة للوصول السالم .
هناك نوع من البشر مهمته في الحياة ممارسة التثبيط وإحباط الناس وافتعال المشكلات ونقل القيل والقال والفتنة ورمي الأحجار في الطريق والغيرة القاتلة المميتة، والتي تجعل من صاحبها "أرجوزا" يُمارس ما تسول له نفسه رغم علمه أنه في الطريق الخطأ إلا أنه يتفنن في فعل ذلك وعدم جعل الآخرين يعيشون بسلام وحب وتفاؤل.
أما النوع الآخر فالذي يحاول أن يكون شريكاً للنجاح ولكن بطريقة ملتوية يتقرب منك لكي ينسب بعدها نجاحاتك له وبروزك ووصولك إليه هو لم يكن داعما أو مساعدا يوما ما إنما شخص انتهازي يصطاد في الماء العكر وعندما تشعر بلسعته وتحاول التخلص منه لا يقبل بذلك ويبقى يساومك ويسمعك أنه دعم وساعد ووقف متناسيا أنك من بدأت المسير.
وعندما يقف ضعاف النفوس والمُطبِّلون لعواطفهم أمام حبك لوطنك وأمام اهتمامك وحرصك وخوفك على الطريق الذي رسمته وبدأته وأتممت مسيره يغلفون غيرتهم منك بالمجاهرة وإظهار الولاء والانتماء وكأنك أنت لم تحقق النجاح ولم ترفع اسم وطنك عاليا ولم تصنع حلمك الذي يحاولون تدميره لك شيئا فشيئا.
تعود أدراجك باحثا عن إنسانيتك التي بقيت تحارب كي لا تفقدها وتناشد من يعي ويفهم وتخبر العالم أنك لا تريد جزاءً ولا شكورًا، لكنك تريد الإيمان بك والاهتمام بمن يمضون حاملين لواء حب الوطن والحفاظ على مقدساته كي لا يكون معرضاً للمساس وأنك ستبقى لآخر رمق، محبًا وعاشقًا لهذا الوطن الجميل.
حفظ الله عُمان، ومن عليها، ودامت أحلامنا بخير في ظل سلطان البلد المفدى.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جريدة الرؤية
منذ 5 أيام
- جريدة الرؤية
"جمعية السينما" تدشّن الأفلام الفائزة بـ"الدعم والإنتاج" في الاحتفال بذكرى التأسيس الثالثة والعشرين
مسقط- خالد بن سالم السيابي احتفلت الجمعية العُمانية للسينما بذكرى تأسيسها الثالثة والعشرين في حفلٍ خاص أُقيم بقاعة "سيتي سبورت" في المزن مول بمنطقة الموالح، وذلك تحت رعاية السيّد خالد بن حمد البوسعيدي، وبحضور عدد من صنّاع السينما والإعلاميين والمهتمين بالشأن الثقافي والفني. وجرى خلال الحفل تدشين الأفلام الفائزة بالدعم ضمن برنامج "صندوق الدعم والإنتاج" لعام 2024م. وأكد رئيس الجمعية محمد بن عبدالله العجمي، أن الجمعية تأسست لتكون بيتًا للفنانين ومنبرًا للسينمائيين في سلطنة عُمان، مقدما الشكر والعرفان لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظّم- حفظه الله ورعاه- على دعمه المتواصل للثقافة والفنون. وأشار العجمي إلى الجهود التي بذلها رؤساء الجمعية السابقون، لافتا إلى أن الفوز بـ"جائزة الإجادة الشبابية للإعلام الرقمي 2024م" عن فئة مؤسسات المجتمع المدني، تحت رعاية صاحب السمو السيد ذي يزن بن هيثم آل سعيد، يعدّ ثمرة لهذا العمل التراكمي وجهود الشباب العُماني في مجال السينما. وشهد الحفل كلمة قصيرة لرؤساء الجمعية السابقين، قدّموا خلالها لمحات من محطات الجمعية وتطوّرها على مدار 23 عامًا، وتخلل الحفل عرض خاص لفيلمين فازا بالدعم في عام 2024م ضمن "صندوق الدعم والإنتاج"، وهما: فيلم "وهم" للمخرج عيسى الصبحي، والذي حصل مؤخرًا على جائزة النخلة الذهبية في مهرجان أفلام السعودية، والذي يحكي قصة دكتور أكاديمي خرج لتوه من قسم الأمراض النفسية، ليبدأ رحلة في الطبيعة برفقة شقيقه، في محاولة للخروج من دائرة الاكتئاب، إلى جانب فيلم "المجهول" للمخرج محمد الكندي والمنتج يوسف البوسعيدي، ويتناول الفيلم قضية اختفاء غامض لشاب يُدعى موسى في إحدى القرى القديمة، في قالبٍ من التشويق والإثارة.


عمان اليومية
منذ 6 أيام
- عمان اليومية
الجمعية العمانية للسينما تدشن أفلام "صندوق الدعم والإنتاج 2024"
الجمعية العمانية للسينما تدشن أفلام "صندوق الدعم والإنتاج 2024" احتفاء بذكرى تأسيسها (23) احتفلت الجمعية العمانية للسينما بمرور ثلاثة وعشرين عاما على تأسيسها، في قاعة "سيتي سبورت" بمجمع المزن مول بالموالح، بتدشين الأفلام الفائزة بالدعم ضمن برنامج "صندوق الدعم والإنتاج" لعام 2024م، تحت رعاية السيد خالد بن حمد البوسعيدي، وبحضور لافت لنخبة من صناع السينما والإعلاميين والمهتمين بالشأن الفني والثقافي في سلطنة عمان. وشهدت الأمسية تدشين الأفلام الفائزة ضمن برنامج "صندوق الدعم والإنتاج" لعام 2024، الذي أطلقته الجمعية كمبادرة استراتيجية تهدف إلى تمكين الأصوات السينمائية العمانية الشابة وتعزيز المشهد السينمائي المحلي. واستهل الحفل بكلمة ألقاها محمد بن عبد الله العجمي رئيس الجمعية العمانية للسينما، الذي استعاد خلالها محطات التأسيس والنمو، مشيدا بما حققته الجمعية من تراكمات معرفية وفنية منذ انطلاقتها الأولى، ومؤكدا أنها بنيت لتكون بيتا جامعا للفنانين، ومنصة تنطلق منها الرؤى السينمائية العمانية. كما عبر عن عميق امتنانه للمقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- لدعمه الدائم للثقافة والفنون، مثمنا رؤيته التي كرست الإبداع كأحد أعمدة النهضة العمانية المتجددة. وتطرق العجمي إلى الدور الحيوي الذي لعبه الرؤساء السابقون للجمعية، مشيدا بإسهاماتهم المتعددة في ترسيخ مكانة الجمعية كمؤسسة ثقافية رائدة. كما اعتبر فوز الجمعية بـ "جائزة الإجادة الشبابية للإعلام الرقمي 2024" عن فئة مؤسسات المجتمع المدني تحت رعاية صاحب السمو السيد ذي يزن بن هيثم آل سعيد محطة مفصلية تجسد مسيرة العمل الجماعي وجهود المبدعين الشباب في الساحة السينمائية. وشهد الحفل كلمة قصيرة لرؤساء الجمعية السابقين، قدموا خلالها لمحات من محطات الجمعية وتطورها على مدار ثلاث وعشرين عاما، حيث استعرضوا أبرز المحطات والتحولات التي شهدتها الجمعية خلال أكثر من عقدين، مشيرين إلى أبرز التحديات التي جرى تجاوزها والإنجازات التي تم ترسيخها في المشهد الثقافي الوطني. وتخلل الحفل عرض خاص لفيلمين فازا بالدعم في عام 2024م ضمن "صندوق الدعم والإنتاج"، وهما: فيلم "وهم" للمخرج عيسى الصبحي، والذي حصل مؤخرا على جائزة النخلة الذهبية في مهرجان أفلام السعودية. ويحكي الفيلم قصة دكتور أكاديمي يغادر قسم الأمراض النفسية ليرافق شقيقه في رحلة إلى قلب الطبيعة، باحثا عن ذاته الهاربة من براثن الاكتئاب، وفيلم "المجهول" للمخرج محمد الكندي والمنتج يوسف البوسعيدي، ويتناول الفيلم قضية اختفاء غامض لشاب يدعى موسى في إحدى القرى القديمة، في قالب من التشويق والإثارة.


جريدة الرؤية
٢١-٠٦-٢٠٢٥
- جريدة الرؤية
"بصل بصل.. بما حصل"
خالد بن سعد الشنفري في طفولتي في أواخر الستينات، كنت أذهب أحيانًا إلى سوق ماركت الحافة للخضروات والأسماك واللحوم، وأفترش الأرض مقابل السبلة المخصصة للباعة. كان أحد هذه المنتجات التي أبيعها البصل الأخضر. كانت الصدف أحيانًا تضعني بجوار بسطة رجل أربعيني ظريف، كان مغتربًا بأحد الدول الخليجية النفطية للعمل وكسب الرزق. وعندما عاد إلى الوطن بعد اغترابه لمدة خمس سنوات لزيارة أهله، مع نية العودة بالطبع للسفر، صدر قرار منع السفر للخارج بعد أن طُوِّقت صلالة بسور حديدي، وذلك تزامنًا مع زيادة أنشطة الثوار في الجبال، مما اضطره لبيع الخضار. كان ينادي على معروضاته بصوت جهوري: "طماطم فلفل خيار و... بصل بصل خذ البصل بما حصل"، كان المشترون يتجهون ناحيتنا للشراء، واستفدت بدوري من ذلك؛ حيث يجاملني البعض لصغر سني ويشترون مني، صدق المثل القائل: "جاور السعيد تسعد". راقت لي جملة جاري هذه التسويقية التي لم أعرف كُنهها إلا بعدما كبرت، ذلك أن البصل الأخضر إذا لم يُسوَّق في نفس يوم قطفه لا يمكنك تسويقه في اليوم التالي، خصوصًا أنه لم يكن لدينا حينها كهرباء ولا ثلاجات لحفظه؛ فتشجَّعت وتحمَّست معه، وصرت كلما يسكت عن المناداة لسبب ما أبدأ أنا بالمناداة بدلًا عنه، وكان يبتسم لي مشجِّعًا. لا أنوي بالطبع أن أتكلم في هذا المقال عن طفولتي والبصل الأخضر، لكنني استعدت بعضًا من هذه الذكريات بعد أن قرأت إعلانًا لأحد مزارعي نجد عن البصل، ولكن هذه المرة بصل مزارع نجد الأحمر، وانتشار هذا الإعلان في وسائل التواصل لأنه كان ملفتًا. مزارع نجد ظفار تعتبر اليوم بجدارة أحد أهم مناطقنا الزراعية الحالية والمستقبلية للأمن الغذائي. سأنقل لكم الإعلان كما هو حرفيًّا: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. توجد عندنا شاحنة 11 طناً من البصل العماني، من مزارع النجد، وبعد قرار الوزارة فتح باب الاستيراد، نزل السعر دون التكلفة، وإدخال المستورد، فقرر توزيع البصل مجانًا للمواطنين. المنتج العماني محارَب من قبل التجار ومن قبل أصحاب القرار. سعر البصل الهندي للكيلو 250 بيسة، واليمني 180 بيسة، أما المنتج المحلي لم يعطوني حتى 140 بيسة للكيلو! من الأفضل أن أقوم بتوزيعه لا بيعه وأبخسه، ثم يقومون ببيعه أكثر على المواطن والسكان. التاريخ 9/6/2025 الساعة 11:10 صباحًا. الموقع خلف نادي النصر مقابل مطعم الرباط قديم". انتهى. من مفارقات الصدف أنني مساء هذا اليوم الأربعاء 18 يونيو، وقبل أن تقفز فكرة هذا المقال إلى ذهني، اتصل بي أحد الأصدقاء وهو من أصحاب إحدى هذه المزارع، وأخبرني بأنه في ثمريت، طلع للتو من اجتماع رسمي مثير هناك بخصوص عقود انتفاع هذه الأراضي، وسيتجه من هناك إلى مزرعته بالنجد، فيما إذا أردت الالتحاق به لقضاء يومين هناك في المزرعة، لأنه يعرف مدى حبي لذلك؛ فلحقت به لأنني فعلًا كنت أريد أن أعرف ما تمخض عنه هذا الاجتماع المثير. وهناك، اطلعني صاحبي على أنهم أُبلغوا بأن أمامهم فترة شهر فقط لا غير لتوقيع عقود الانتفاع، التي كانوا قد حُددت لهم فيها مسبقًا فترة سماح لمدة خمس سنوات، يلتزمون بعدها مباشرة بدفع إيجار للأرض بمبلغ 50 ريالًا للفدان الواحد للمئة فدان الأولى، و5 ريالات لما زاد عن ذلك من مساحة، أي أن من استزرع 100 فدان يتوجب عليه أن يدفع 5 آلاف ريال سنويًا. إعلان البصل أعلاه يشرح ذاته؛ بل ويشرح معاناة هؤلاء المزارعين المخلصين من شبابنا، الذين لا يحتاج بدورهم لشرح أكثر؛ فهي قديمة، ومع ذلك لا زالوا مستمرين رغم كل الصعوبات والمعوقات، ولكن لا نرى ضيرًا من التكرار، فالأمر وأهميته يستدعيان ذلك. هؤلاء يعتبرون أبطالًا بحق، ومشكلاتهم ليست بجديدة على أحد، ومستمرة من أكثر من 30 عامًا؛ بل ناهز بعضها الأربعين عامًا، وقد قيل وكتب عنها الكثير، وشخصيًا كتبت عنها قديمًا عدة مقالات في صحف إلكترونية ووسائل تواصل، ولكن لا حياة لمن تنادي. هل نرتضي هكذا مصير لهؤلاء الشباب المكافحين، وبعد أن أصبحت منتجاتهم تتفوق جودةً على المستورد، وتغطي أسواقنا من مختلف أجود المنتجات؛ بطيخ، بطاطس، شمام، بصل أحمر، رُطب، وحتى القمح، وقائمة تطول من منتجات نعرفها جميعًا بالاسم بأنها منتجات مزارع نجد ذات الجودة العالية، الذين جربوا وثابروا ونجحوا بجدارة في انتخاب مزروعات داعمة لأمننا الغذائي. أعداد هذه المزارع يزيد على الألف مزرعة، كانت مجرد سيوح جرداء، حوَّلها هؤلاء الأبطال بهممهم العالية وجهودهم الجبارة وأموالهم الخاصة إلى جنانٍ خضراء وارفة الظلال وسط الصحراء، منهم من كان مقتدرًا وصرف من أمواله، ومنهم من اضطر لبيع كل ما يملك لذلك، ومنهم من توقف، ومنهم من لا يزال ينتظر. صحيحٌ سمعنا عن مزارعين في بعض الدول المعروفة بأنها زراعية بامتياز، أنهم يعدمون بعض الإنتاج للمحافظة على استقرار سعره، ولكن هيهات لشبابنا فعل مثل ذلك ولو كانت بهم خصاصة، وبالتالي وزعوا إنتاجهم بالمجان، وهذه ليست حالة نادرة؛ بل هناك العديد منهم نعرف بعضهم بالاسم أو سمعنا عنه، وما صاحب هذا الإعلان أعلاه إلا واحدًا منهم. يشكو هؤلاء المزارعون، وهم ما هم عليه من مصاعب، تتمثل في بُعد مواقع مزارعهم عن الأسواق، وقساوة الطقس هناك، بالإضافة إلى معيقات أخرى عديدة، ليس أقلها ارتفاع أسعار الكهرباء عليهم، والآن يأتي إنذارهم فجأة وقسريًا بما كانوا يخشونه، وهو تحديد مدة شهر لهم لتوقيع عقود انتفاع لمزارع كانوا قد عمّروها واستزرعوها واستقروا بها استقرارًا مطمئنًا لعشرات السنين، وبعضهم قد ورثها من أب أو حتى جد، ويحافظون على هذا الإرث إكرامًا لذكرى موتاهم، برغم صعوبة ذلك. علمًا بأن القواعد العامة شرعًا وقانونًا تعتد بوضع اليد على الأرض إذا استمر لمدة زمنية دون أن ينازعه عليها أحد من الغير، فما بالنا إذا كان هذا الغير هو حكومتك، وأن الأمر يتعلق بتحقيق غاية سامية، ألا وهي الأمن الغذائي للبلد، ناهيك عن جوانب أخرى أخلاقية وإنسانية للموضوع. هناك جانب آخر مهم في الأمر، كان أولى وأجدى تحققه في حقهم من سنين، ولكن ذلك لم يحصل، ويتمثل في دور الجهات الرسمية المختصة بالزراعة المفترضة في كل دول العالم لمزارعيها، من حيث إرشاد هؤلاء المزارعين فيما يستحسن أن يزرعوا في كل موسم حسب دراسة السوق، وكذلك تهيئة التسويق لمنتجاتهم، أسوة بما كانت عليه الهيئة العامة لتسويق المنتجات الزراعية سابقًا، التي كانت تستقبل منتجات المزارعين وتشتري منهم وتقوم بدورها بالتسويق داخل وخارج البلد، والتي بعد إلغائها للأسف الشديد اضطر أهلنا من المزارعين لهجر مزارعهم وتأجيرها للمُزارِع الوافد، الذي كان يعمل لديهم أساسًا فيها؛ فالمُزارِع ليس تاجرًا بطبعه. إلى جانب ضرورة حمايتهم من المنتجات المستوردة المنافسة مع وجود المحلي في موسمه. إن توزيع هؤلاء المزارعين لمنتوجاتهم بالمجان، لو توفرت لهم على سبيل المثال معدات حصاد وفرز وتغليف حديثة، ولو بالإيجار غير الهادف للربح الكبير، سيمكنهم ذلك لا شك من تقليل الفاقد من إنتاجهم، وبالتالي مع عوامل أخرى تقليل كلفة المنتج، وبالتالي يمكنهم بيعه ولو بسعر أقل مع تحقيق هامش ربح. وموضوع البصل (ينطبق على القمح أيضًا) ليس إلا على سبيل المثال لا الحصر، أيضًا فيه فاقد لديهم بنسبة 20% على الأقل نتيجة تقطعه أو خدشه وعدم إمكانية بيعه، وذلك بسبب المعدات التقليدية البسيطة المتوفرة حاليًا، أو الحصاد اليدوي المكلف، والذي يتطلب وفرة كبيرة في العمالة غير المتوفرة، مع أجور مرتفعة، وتعرضه للفساد لبطء وطول فترة الحصاد مع حرارة الجو، وهذا ما يحدث حاليًا مع نسبة فاقدهم الكبيرة. كذلك إعفاء البذور والأسمدة والمبيدات من الضريبة والقيمة المضافة أصبح ضرورة لا بد منها أيضًا لهم في سبيل النهوض بالزراعة والأمن الزراعي. عوامل كثيرة لا يمكننا حصرها هنا في هذا المقال القصير تراكمت بدلًا من أن نعمل على حل ولو بعضها مع الزمن، لأنها ستعمل دون شك على تقليل تكاليفهم في الإنتاج، وأصبح هؤلاء المزارعون في أمسّ الحاجة اليوم للوقوف بجانبهم، لا إضافة عراقيل ومعيقات أمامهم، وذلك حتى لا نرى قريبًا، لا سمح الله، مزارع نجد وقد هُجرت، وحل الوافد بها كما حصل في مزارع المدن، أو قد أصبحت أثرًا بعد عين، أو أعجاز نخل خاوية. نداء إلى كل جهات الاختصاص، وكل مسؤول وذو علاقة بصورة أو بأخرى في أمر مزارع نجد ظفار وأصحابها، مراعاة جوانب عديدة تراكمت عليهم مع الزمن، وهم في أمس الحاجة للوقوف معهم، ولو لخاطر أمننا الغذائي حاليًا ومستقبلًا. ومع تقديرنا وشكرنا للجهود التي تمخضت أخيرًا، وبعد طول سنين، من الإعلان عن إنشاء المركز المتكامل لتجميع وفرز وتسويق المنتجات الزراعية في النجد، والمتوقع استكماله في أبريل 2026، إلا أن الكثير من هؤلاء المزارعين لا زالوا لا يخفون توجسهم من حيث إن الشركة لن تقوم بالشراء منهم مثلما كانت عليه الهيئة سابقًا؛ بل ستقوم بالتسويق فقط، وإنها شركة ربحية في الأساس، ستتعامل بمنطق الربح والخسارة. وكنا نتمنى من هذه الشركة، قبل أن تتدخل وزارة الإسكان من استدعائهم وإنذارهم قسرًا بالتوقيع على عقود الانتفاع، أن تجلس معهم وتطلعهم على خططها وأهدافها لتطمئن قلوبهم، وأنه سيكون لها دور واضح، ليس باستقبال وتسويق المنتجات، بل بتزويدهم بالإرشادات والنصح فيما يزرعون، والكميات المتوقع استيعابها في السوق في كل موسم. وعلى المزارعين أيضًا، بدورهم ممثلين في جمعيتهم، تزويدها بالمعلومات الدقيقة حتى تتمكن من استقصاءاتها، وانعكاس ذلك إيجابًا على الجميع، ونتمنى لها التوفيق والسداد. لقد أصبح وجود قانون ينظم هذه الأراضي، أسوة بقانون الإسكان الريفي، ضرورة ملحّة ليعرف الجميع ما له وما عليه، فنحن أصبحنا دولة قانون. لا نعرف الهدف من تحديد 50 ريالًا إيجار الفدان للمئة فدان الأولى، و5 ريالات فيما زاد عن ذلك لهذه الأراضي الزراعية. نحسب أن مبلغ 50 ريالًا مُغالى فيه كثيرًا، وكان من المناسب، تقديرًا لكل ما تقدم، أن يُحدد المبلغ بـ5 ريالات للفدان لكل المساحة دون تفريق بين المساحات. أما عن فترة السماح الحالية من الإيجار لمدة 5 سنوات، فإنها تعتبر معقولة. تبقى جانب لا يقل أهمية، وهو إمكانية تمليك ولو جزء من هذه الأراضي للذين استمروا في زراعتها لسنوات طويلة، تشجيعًا واطمئنانًا لهم، فقد تعلقت آمالهم بها، وكلنا ثقة في حكومتنا الرشيدة التي عودتنا على كرمها، ونحن في ظل القيادة الحكيمة لسلطان التجديد، حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، حفظه الله وأبقاه لعُمان وشعبها.